كثيرة هي قصص الحراڤة الجزائريين الذين باءت رحلتهم نحو أوربا الحلم بالفشل، سواء بموتهم في عرض البحر أو اختناقا في حاويات نقل البضائع، أو بدخولهم السجن، ومابين هذا وذاك هناك قصص مازالت راسخة في الأذهان، لما تحمله من غرابة المفاجئات في رحلة الحرڤة نحو المصير المجهول، وهذا مارصدناه من خلال قضايا "الحرڤة" التي تعالجها محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة القريبة من الميناء الذي يعتبر نقطة الانطلاقة بالنسبة للكثير من الشباب الجزائري الحالم بالعيش في الضفة الأخرى؟
- أربعة شبان من حلم ايطاليا إلى زنزانة تل ابيب
- هي واحدة من قصص الحرڤة التي عالجتها محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة تفاصيلها مثيرة تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا، أبطال المغامرة أربعة شبان توقعوا كل الاحتمالات الواردة في "رحلة الحرڤة" سواء الموت في عرض البحر أو إلقاء القبض عليهم من قبل شرطة الحدود، لكن مالم يكن في الحسبان أن تتحول الرحلة نحو إيطاليا إلى مأساة في السجون الإسرائيلية، وهذا خلال سنة 2009، البداية كانت بالتخطيط للحرڤة، في إحدى ولايات الشرق الجزائري من قبل ثلاثة شبان لم يتعدوا عقدهم الثاني من العمر، حيث خططوا للهجرة نحو أي بلد أوروبي للبحث عن لقمة العيش والهروب من شبح الفقر، ليستقلوا الباخرة المتجهة إلى إسبانيا ومن ثم إلى اليونان وهناك التقوا بجزائري آخر من العاصمة، فخططوا أربعتهم للحرڤة من جديد إلى إيطاليا، أين اختبئوا داخل إحدى البواخر بالميناء، والتي كانت مبرمجة لرحلة إيطاليا، لكن مالم يكن في الحسبان هو أن تغير الباخرة من اتجاهها، وأي اتجاه؟ وكم كانت الصدمة كبيرة لدى الشبان الأربعة عندما علموا أن وجهة السفينة هي إلى فلسطين المحتلة، فما كان منهم سوى انتظار توقفها بمصر علهم يتجنبون السقوط بيد الاسرائليين، لكن شاءت الأقدار عكس ذلك، حيث رفض المصريون مساعدتهم وسلموهم للإسرائيليين الذين زجوا بهم في سجن"الرملة" بفلسطين، وهناك ذاقوا كل أنواع العذاب والتنكيل من طرف اليهود الذين اتهموهم بالانتماء للجماعات الإرهابية. لدرجة أنهم زجوا بهم في زنزانات تحت الأرض لأكثر من عشرة أيام، وبعد أربعة أشهر من العذاب تمت تبرئة ساحتهم، واستطاعوا مراسلة عائلاتهم بالجزائر، أين تم ترحيلهم بمساعدة السلطات الجزائرية في أوت 2009، ليحاكموا بعدها أمام محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة العام المنصرم أين عبروا عن ندمهم الشديد لتفكيرهم في "الحرڤة" وأكدوا للقاضي أنهم تأثروا جدا لهول مارأوه في السجون الاسرائيلية.
- شابان من العاصمة إلى مصر في عز الأزمة
- هذه القصة حدثت السنة الماضية، في ظل العلاقات المتوترة بين الجزائر ومصر بسبب أحداث مباراة كرة القدم التي جمعت الفريق الجزائري بنظيره المصري في أم درمان، حيث كانت البداية بالتخطيط للحرڤة في أحد مقاهي بلوزداد بالعاصمة، أين عقد الشابان سمير وسيد علي العزم على "الحرڤة" بعدما يئسا من العيش في الجزائر دون عمل ولا مستقبل، ولأن ميناء الجزائر بات مقصد الكثير من الحراڤة الراغبين في السفر إلى الضفة الأخرى، فقد تمكن الشابان من التسلل إلى الداخل في غفلة من الحراس، ليصعدا أول باخرة تصادفهما ودون السؤال عن مكان توجهها اختبئا هناك وراء حاويات نقل السلع، ظنا منهما أن وجهتها ستكون إلى بلد أوربي، ولأن اسم البلد لم يكن يهمهما بقدر ماكانا يريدان الهرب من الجزائر، فقد توقعا أن ترسو الباخرة بمرسيليا أو ايطاليا أو اسبانيا لكن المفاجأة التي لم تكن في الحسبان هي أن الباخرة رست في ميناء الإسكندرية بعد عشرة أيام من الرحلة في عرض البحر، ولأن الشابين الجزائريين كانا يعلمان أن توتر العلاقات بين مصر والجزائر سيكون له أثر سلبي على نزولهما في ميناء الإسكندرية بدون وثائق، فبمجرد وصولهما للميناء تمت مطاردتهما من قبل بعض المصريين - حسب تصريح الشابين في جلسة محاكمتهما أمام محكمة سيدي أمحمد- واستطاعا الهرب بأعجوبة من هناك ليرجعا على متن نفس الرحلة إلى الجزائر، أين تم تقديمهما للمحاكمة بتهمة الركوب السري ومحاولة مغادرة التراب الوطني بطريقة غير شرعية والدخول لباخرة دون وجه حق، لتنتهي رحلة المغامرات التي قادتهما من ميناء الجزائر نحو الإسكندرية وراء قضبان المؤسسة العقابية بعدما تمت إدانتهما بعقوبة الحبس لمدة ثمانية أشهر.
- رحلة الموت والسجن
- وغير بعيد عن قصص الحراڤة الذين قادتهم رحلة المغامرات إلى بلدان لم يتوقعوها هناك من اشتروا الموت بأموالهم طامعين في حياة أفضل، ونذكر في هذا المقام قصة عشرة شبان من مدينة وهران دفع كل واحد منهم مبلغ 6 ملايين سنتيم لشراء قارب صغير كان وسيلتهم للسفر بحرا عبر شواطئ وهران باتجاه اسبانيا، وهي الرحلة التي دامت خمسة أيام قبل أن تهب العاصفة، ويغرق خمسة منهم على بعد 40 كلم من السواحل الاسبانية ولولا لطف الله وعنايته لما نجا الخمسة الباقين، حيث تم انتشالهم من قبل الباخرة البريطانية الحربية وإعادتهم للجزائر، أين تمت محاكمتهم أمام محكمة سيدي أمحمد بالعاصمة بتهمة الركوب السري، حيث أعادوا سرد تفاصيل رحلتهم المحفوفة بالمخاطر على مسامع القاضي الذي علق بالقول "تشترون موتكم بـ6 ملايين سنتيم؟إلى أين كنتم ذاهبين؟" ولم يجد الشبان الخمسة مايقولونه سوى طلب العفو والمغفرة.
- حمامة تكشف حراڤة جزائريين بإيطاليا وترجعهما للجزائر؟
- ولعل من أغرب مغامرات الحراڤة تلك التي حدثت لشابين من مدينة جيجل لم يتعد عمرهما 18 سنة حين قررا السفر إلى تركيا، حيث كانت البداية بطريقة شرعية بعدما تمكنا من شراء فيزا وتذكرة السفر، وهناك راودتهما فكرة الحرڤة إلى إيطاليا، لتكون الانطلاقة برا عبر الحدود إلى اليونان بطريقة غير شرعية، أين دخلوها مشيا على الأقدام، ليمكثا هناك ثمانية أيام، التقيا فيها بشبكة تهريب المهاجرين غير الشرعيين، وتم الاتفاق على مبلغ 800 أورو، هي ثمن قارب صغير كان وسيلتهم للحرڤة نحو ايطاليا، أين دخلا مدينة "باري" التي مكثا فيها لمدة ثلاثة أيام قبل أن يكتشف أمرهما بسبب حمامة، فبينما كان الشابان يتجولان بالساحة العامة والمعروفة بتوافد الحمام عليها، فجأة توقف أحدهما ليركل حمامة كانت تزعجه برجله متناسيا أنه ليس بالجزائر وإنما ببلد أوروبي يحرص كل الحرص على الحيوانات والرفق بها، وهناك تم أخذه رفقة صديقه للمغفر من قبل أعوان الأمن "كارابينيري" الذين شاهدوه يركل الحمامة، وبعد التحقيق معهما تبين أنهما جزائريان بدون وثائق لتنتهي مغامرتهما بالمكوث في الحجز لمدة أسبوع ثم الرجوع إلى مطار هواري بومدين بعد طردهما من التراب الايطالي.
- محامون:" السجن ليس الحل الأمثل للقضاء على مشكلة الحرڤة"
- ورغم غرابة وطرافة هذه المغامرات إلا أنه وجب التنويه بخطورة التفكير في الحرڤة، وهو المشكل الذي لايزال يشكل هاجسا بالنسبة للكثير من الجزائريين، رغم الإجراءات الردعية التي اتخذتها الدولة الجزائرية من خلال تسليط عقوبات قاسية مابين 6 أشهر وعامين حبسا نافذا بتهمة الركوب السري أوالهجرة غير الشرعية، حيث أكد الأستاذ بهلولي إبراهيم محامي لدى مجلس قضاء العاصمة، على أن العقوبات التي تسلط على الحراڤة لاتغنيهم عن إعادة التفكير في الهروب نحو أوربا الحلم بنفس الطريقة، خاصة من صارع الموت في عز البحر ومن بقي لأيام بدون طعام ولاشراب لهذا فالسجن بالنسبة لهم مجرد فترة عابرة، ولا يعتبر حلا للقضاء على "مشكل الحرڤة" ليؤكد الأستاذ بهلولي بأن الحل الأمثل للقضاء على الحرڤة بيد الدولة من خلال تمكين الشباب الضائع من فرص عمل وأخذ مشاكلهم بعين الاعتبار.