عبد الوهااب
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 4 جويلية 2011
- المشاركات
- 282
- نقاط التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سياسة عمر بن عبد العزيز.. استقرار المجتمع في عدالة الحكم
معاناة المجتمعات الإسلامية وأزماتها حالياً، والاضطرابات التي تعصف بها في مختلف الجوانب.. لها أسبابها الكثيرة على مستوى الفرد والجماعة. ومن أهم هذه الأسباب انحراف نظام الحكم عن مسار العدل والصلاح.
فكل مسؤول عن رعيته هو بمثابة القلب في مجتمعه الذي يديره، ورعيته هم أعضاء هذا المجتمع، فإذا فسد القلب فسدت كل الأعضاء.. وإذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص.. وإذا عقل واستقام عقلوا واستقاموا.
والظلم أسرع الطرق إلى الدمار والهلاك، سواء أكان ظلم المرء لنفسه أو لرعيته..
وبعد أن أرشدنا ديننا إلى طريق الحق والعدل والإصلاح مع النفس والناس نقل إلينا التاريخ الإسلامي حال من سبقونا، وانعكاس تعاملهم مع دينهم على واقع حياتهم ومجتمعاتهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وما يهمنا هنا هو أن حال المجتمعات الإسلامية السابقة ارتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسة ولاتها.. فكلما كانت سياسة الحاكم أو السلطان ملتزمة بشرع الله، وقائمة على إحقاق الحق وإصلاح الخلق كان المجتمع أكثر استقراراً ورخاءً وأمناً وقرباً من دينه.
وأبرز مثال على ذلك سيرة الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رحمه الله، الذي يضرب به المثل في العدل والصلاح.
وظهر أثر ذلك جلياً على المجتمع الإسلامي في زمانه، حيث لم يُعرف بعد ذلك في تاريخ الأمة الإسلامية استقرار ورخاء كالذي عرفه المسلمون في زمن هذا الخليفة العظيم.
ومن خلال هذا التقرير نحاول أن نربط بين سيرة هذا الخليفة وحال مجتمعه.. وبذلك يمكن مقارنة ذلك بحالنا اليوم لمعرفة مكامن الخلل ومواطن الزلل.
نبذة عن الخليفة
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد، أمير المؤمنين أبو حفص القرشي الأموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية.
كان من أئمة الاجتهاد ومن الخلفاء الراشدين، وكان حسن الأخلاق والخُلق، كامل العقل، حسن السمت، جيِّد السياسة حريصاً على العدل بكل ممكن، وافر العلم، فقيه النفس، طاهر الذكاء والفهم، أوّاها منيباً، قانتا لله حنيفاً، زاهداً مع الخلافة ناطقاً بالحق مع قلة المعين، وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملُّوهُ وكرهوا محاققته لهم، ونقصه أُعطياتهم، وأخذه كثيراً مما في أيديهم مما أخذوه بغير حقٍّ.
والده عبد العزيز بن مروان بن الحكم كان من خيار أمراء بني أمية، شجاعاً كريماً بقي أميراً لمصر أكثر من عشرين سنة، وكان من تمام ورعه وصلاحه أنه لما أراد الزواج قال لقيمه: اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي، فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح. فتزوج أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي حفيدة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب وقيل اسمها ليلى.
أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووالدها عاصم بن عمر بن الخطاب، الفقيه الشريف أبو عمرو القرشي العدوي، ولد في أيام النبوة وحدّث عن أبيه. وأمه هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّة. وكان طويلاً جسيماً وكان من نبلاء الرجال، ديِّنا، خيِّراً، صالحاً، وكان بليغاً، فصيحاً، شاعراً، وهو جد الخليفة عمر بن عبد العزيز لأُمه، مات سنة سبعين.
واختلف المؤرخون في سنة ولادته، والراجح – كما نقل الدكتور الصلابي - أنه ولد عام 61هـ، وهو قول أكثر المؤرخين، ولأنه يؤيد ما يذكر أنه توفي وعمره أربعون سنة. حيث توفي عام 101هـ.
وتذكر بعض المصادر أنه ولد بمصر وهذا القول ضعيف؛ لأن أباه عبد العزيز بن مروان بن الحكم إنما تولى مصر سنة خمس وستين للهجرة، بعد استيلاء مروان بن الحكم عليها من يد عامل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فولّى عليها ابنه عبد العزيز، ولم يعرف لعبد العزيز بن مروان إقامة بمصر قبل ذلك، وإنما كانت إقامته وبنو مروان في المدينة. وذكر الذهبي أنه ولد بالمدينة زمن يزيد.
وكان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يلقب بالأشج، وكان يقال له أشج بني مروان؛ وذلك أن عمر بن عبد العزيز عندما كان صغيراً دخل إلى اصطبل أبيه - عندما كان والياً على مصر - ليرى الخيل فضربه فرس في وجهه فشجه، فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد. ولما رأى أخوه الأصبغ الأثر قال: الله أكبر، هذا أشج بني مروان الذي يملك.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً.
وكان الفاروق قد رأى رؤيا تشير إلى ذلك وقد تكررت هذه الرؤيا لغير الفاروق حتى أصبح الأمر مشهوراً عند الناس بدليل ما قاله أبوه عندما رأى الدم في وجهه، وما قاله أخوه عندما رأى الشج في وجهه، كلاهما تفاءل لعله أن يكون ذلك الأشج الذي يملأ الأرض عدلاً.
نشأة عمر بن عبد العزيز
هناك عوامل وظروف ساهمت في بناء شخصية عمر بن عبد العزيز بناءً صالحاً، وقد استعرض الدكتور علي الصلابي هذه العوامل، يمكن تلخيصها – مع الاعتماد على مصادر تاريخية أخرى – على النحو التالي:
نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة، فلما شب وعقل وهو غلام صغير كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه منه، ثم يرجع إلى أمه فيقول: يا أمه أنا أحب أن أكون مثل خالي ـ يريد عبد الله بن عمر ـ فتؤفف به ثم تقول له: أغرب أنت تكون مثل خالك، وتكرر عليه ذلك غير مرة.
فلما كبر سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميراً عليها، ثم كتب إلى زوجته أم عاصم أن تقدم عليه وتقدم بولدها، فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته بكتاب زوجها عبد العزيز إليها فقال لها: يا ابنة أخي هو زوجك فالحقي به. فلما أرادت الخروج قال لها: خلفي هذا الغلام عندنا - يريد عمر - فإنه أشبهكم بنا أهل البيت فخلفته عنده ولم تخالفه.. وهكذا تربى عمر رحمه الله تعالى بين أخواله بالمدينة من أسرة عمر بن الخطاب، ولا شك أنه تأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة.
وقد رزق منذ صغره حب الإقبال على طلب العلم وحب المطالعة والمذاكرة بين العلماء كما كان يحرص على ملازمة مجالس العلم في المدينة. وكانت يومئذ منارة العلم والصلاح زاخرة بالعلماء والفقهاء والصالحين، وتاقت نفسه للعلم وهو صغير. وكان أول ما استبين من رشد عمر بن عبد العزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب.
وجمع عمر بن عبد العزيز القرآن وهو صغير وساعده على ذلك صفاء نفسه وقدرته الكبيرة على الحفظ وتفرغه الكامل لطلب العلم والحفظ.
ثم كان للبيئة الاجتماعية المحيطة دور فعال ومهم في نشأة شخصية عمر بن عبد العزيز، حيث عاش في زمن ساد فيه مجتمع التقوى والصلاح والإقبال على طلب العلم والعمل بالكتاب والسنة. فقد كان عدد من الصحابة لا زالوا بالمدينة.فقد حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحاً شرب منه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأمَّ بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحداً أشبه صلاةً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى.
فكان للإقامة بالمدينة آثار نفسية ومعان إيمانية، وتعلق روحي، وكان لذلك المجتمع قوة التأثير في صياغة شخصية عمر بن عبد العزيز العلمية والتربوية.
التربيعلى أيدي كبار علماء المدينة
اختار عبدُ العزيز صالحَ بن كيسان ليكون مربياً لولده عمر، فتولى صالح تأديبه. وكان يلزم عمر الصلوات المفروضة في المسجد، فحدث يوماً أن تأخر عمر بن عبد العزيز عن الصلاة مع الجماعة فقال صالح بن كيسان: ما يشغلك؟، قال: كانت مرجّلتي تسكن شعري. فقال: بلغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟. فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك. فبعث أبوه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه.
وحرص على التشبه بصلاة رسول الله أشد الحرص، فكان يتم الركوع والسجود ويخفِّف القيام، والقعود.. ولمّا حج أبوه ومرّ بالمدينة سأل صالح بن كيسان عن ابنه فقال: ما خبرت أحداً الله أعظم في صدره من هذا الغلام.
ومن شيوخ عمر بن عبد العزيز - الذين تأثر بهم -: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فقد كان عمر يجله كثيراً، ونهل من علمه وتأدب بأدبه وتردد عليه، حتى وهو أمير المدينة.
وكان عبيد الله مفتي المدينة في زمانه، وأحد الفقهاء السبعة، قال عنه الزهري: كان عبيد الله بن عبد الله بحراً من بحور العلم، وكان يقرض الشعر، فقد كتب إلى عمر بن عبد العزيز هذه الأبيات:
بســم الذي أنزلت من عنــده الســـور والحمد لله أمّا بعــد يا عمـــر
إن كنت تعلـــم ما تأتـــي ومـــــــا تذر فكن على حذر قد ينفع الحذر
واصبر على القدر المحتوم وأرض به وإن أتاك بما لا تشتهي القدر
فما صفا لامـــرئ عيش يُــــسرٌّ بــــه إلا سيتبع يوماً صفـــوه كـــدر
وقد توفي هذا العالم سنة 98هـ، وقيل 99هـ.
ومن شيوخ عمر سعيدُ بن المسيب، وكان سعيد لا يأتي أحداً من الأمراء غير عمر. ومن شيوخه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قال فيه سعيد بن المسيب: كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به وكان سالم أشبه ولد عبد الله به.
هذه هي أهم العوامل التي أثرت في تكوين شخصيته. ومن الدروس المستفادة هو أن العلماء الربانيين يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة، وهي الاهتمام بأولاد الأمراء والحكام وأهل الجاه والمال ففي صلاحهم خير عظيم للأمة الإسلامية
مكانته العلمية
كان من أئمة زمانه، فقد أطلق عليه كل من الإمامين مالك وسفيان بن عيينة وصف إمام. وقال فيه مجاهد: أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمَّنا منه. وقال ميمون بن مهران: كان عمر بن عبد العزيز معلمَّ العلماء. وقال فيه الذهبي: كان إماماً فقيهاً مجتهداً، عارفاً بالسنن، كبير الشأن، حافظاً، قانتاً لله أوَّاهاً منيباً يعد في حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمه عمر، وفي الزهد مع الحسن البصري، وفي العلم مع الزهري.
وقد احتج الفقهاء والعلماء بقوله وفعله، ومن ذلك رسالة الإمام الليث بن سعد إلى الإمام مالك بن أنس، وهي رسالة قصيرة، وفيها يحتج الليث - مراراً - بصحة قوله بقول عمر بن عبد العزيز على مالك فيما ذهب إليه في بعض مسائله.
ويرد ذكر عمر بن عبد العزيز في كتب الفقه للمذاهب الأربعة المتبوعة على سبيل الاحتجاج بمذهبه، فاستدل الحنفية بصنيعه في كثير من المسائل. وجعلوا له وصفاً وهو (عمر الصغير) ليتميَّز به عن جدّه لأمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ويكثر الشافعية من ذكره في كتبهم؛ ولذلك ترجم له الإمام النووي ترجمة حافلة في تهذيب الأسماء واللغات.
وأما المالكية فيكثرون من ذكره في كتبهم أكثر من غيرهم، ومالك إمام المذهب ذكر في (الموطأ) محتجاً بفتواه وقوله في مواضع عديدة في موطئه. وأما الحنابلة فكذلك يذكرونه كثيراً. وعمر هو الذي قال فيه الإمام أحمد: لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز
بعض سيرته
يعد عمر بن عبد العزيز من العلماء الذين تميزوا بقربهم من الخلفاء، وكان لهم أثر كبير في نصحهم وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة. ويحتل عمر بن عبد العزيز مكانة متميزة في البيت الأموي، فقد كان عبد الملك يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه؛ مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوجه من ابنته. ولكن لم يكن له مشاركات في عهد عبد الملك بسبب صغر سنه واشتغاله بطلب العلم في المدينة، ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد الملك كتاباً يذكره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. وقد جاء فيها: أما بعد: فإنك راعٍ، وكل مسؤول عن رعيته، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [كل راعٍ مسؤول عن رعيته]. }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا{.
وفي ربيع الأول من عام 87هـ ولاّه الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ؛ وبذلك صار والياً على الحجاز كلها. واشترط عمر لتوليه الإمارة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً، ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل ما يرفع للخليفة من الأموال من المدينة.
الشرط الثاني: أن يسمح له بالحج في أول سنة؛ لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج.
الشرط الثالث: أن يسمح له بالعطاء أن يخرجه للناس في المدينة.
فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينة وفرح الناس به فرحاً شديد.
وكان من أبرز الأعمال التي قام بها عمر بن عبد العزيز تكوينه لمجلس الشورى بالمدينة، فعند ما جاء الناس للسلام على الأمير الجديد بالمدينة دعا عشرة من فقهاء المدينة، وهم عروة ابن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة وخارجة بن زيد بن ثابت. فدخلوا عليه فجلسوا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عاملٍ لي ظلامة، فأحرّج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني.
وحدّد صلاحيات المجلس بأمرين:
- أنهم أصحاب الحق في تقرير الرأي، وأنه لا يقطع أمراً إلا برأيهم. وبذلك يكون الأمير قد تخلى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس.
- أنه جعلهم مفتشين على العمال، ورقباء على تصرفاتهم. فإذا ما اتصل بعلمهم أو بعلم أحدهم أن عاملاً ارتكب ظلامة، فعليهم أن يبلغوه وإلا فقد استعدى الله على كاتم الحق.
ويعلق الصلابي على هذا التدبير بأنه قد تضمن أمرين:
- أحدهما: أن الأمير عمر بن عبد العزيز لم يخصص تعويضاً لمجلس العشرة؛ لأنهم كانوا من أصحاب العطاء، وبما أنهم فقهاء، فما ندبهم إليه داخل في صلب اختصاصهم.
- الثاني: أن عمر افترض غياب أحدهم عن الحضور لعذر من الأعذار ولهذا لم يشترط في تدبيره حضورهم كلهم، وإنما قال: "أو برأي من حضر منكم.
إن هذا المجلس كان يستشار في جميع الأمور دون استثناء. ونستنتج من هذه القصة أهمية العلماء الربانيين وعلو مكانتهم، وأنه يجب على صاحب القرار أن يدنيهم ويقربهم منه ويشاورهم في أمور الرعية. كما أنه على العلماء أن يلتفوا حول الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن للمصالح وتقليل ما يمكن من المفاسد. كما أن عمر بن عبد العزيز لم يقتصر في شوراه على هؤلاء فحسب، بل كان يستشير غيرهم من علماء المدينة، كسعيد بن المسيِّب، والزهري، وغيرهم. وكان لا يقضي في قضاء حتى يسأل سعيد، وفي المدينة أظهر عمر عبد العزيز إجلاله للعلماء وإكباره لهم.
ومن مواقفه: كتب عمر بن عبد العزيز - وهو والٍ على المدينة - إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجّاج وغشمه، مما جعل الحجّاج يحاول الانتقام من عمر لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذاً للفارين من عسف الحجاج وظلمه.
حيث كتب الحجّاج إلى الوليد: إن من قبلي من مراق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن. فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسري، وعزل عمر عبد العزيز. وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجّاج واضحة وكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه.
لقد سلك عمر بن عبد العزيز بعض الطرق والوسائل لإصلاح هذا الوضع، فمن ذلك نصحه للوليد بالحد من صلاحيات عماله في القتل، وقد نجح في بادي الأمر في استصدار قرار يمنع أي والٍ من القتل إلا بعد علم الخليفة وموافقته على ذلك، فيذكر ابن عبد الحكم أن عمر بن عبد العزيز دخل على الوليد بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين إن عندي نصيحة، فإذا خلا لك عقلك، واجتمع فهمك فسلني عنها. قال: ما يمنعك منها الآن؟. قال: أنت أعلم، إذا اجتمع لك ما أقول فإنك أحق أن تفهم. فمكث أياماً، ثم قال: يا غلام من بالباب؟، فقيل له: ناس وفيهم عمر بن عبد العزيز. فقال: أدخله، فدخل عليه. فقال: نصيحتك يا أبا حفص، فقال عمر: إنه ليس بعد الشرك إثم أعظم عند الله من الدم، وأن عمالك يقتلون، ويكتبون إن ذنب فلان المقتول كذا وكذا، وأنت المسؤول عنه والمأخوذ به، فاكتب إليهم ألا يقتل أحد منهم أحداً حتى يكتب بذنبه ثم يشهد عليه، ثم تأمر بأمرك على أمر قد وضح لك. فقال: بارك الله فيك يا أبا حفص ومنع فقدك، عليَّ بكتاب. فكتب إلى أمراء الأمصار كلهم فلم يحرج من ذلك إلا الحجّاج فإنه أمضه، وشق عليه وأقلقه. وظن أنه لم يكتب إلى أحد غيره، فبحث عن ذلك، فقال: من أين ذهبنا؟، أو من أشار على أمير المؤمنين بهذا؟، فأخبر أن عمر بن عبد العزيز هو الذي فعل ذلك فقال: هيهات إن كان عمر فلا نقض لأمره. ثم أن الحجّاج أرسل إلى أعرابي حروري من الخوارج. قال له الحجّاج ما تقول في معاوية؟، فنال منه. قال: ما تقول في يزيد؟، فسبه. قال: فما تقول في عبد الملك؟، فظلمه. قال: فما تقول في الوليد؟، فقال: أجوَرَهم حين ولاك، وهو يعلم عداءك وظلمك. فسكت الحجّاج وافترصها منه، ثم بعث به إلى الوليد وكتب إليه: أنا أحوط لديني، وأرعى لما استرعيتني، وأحفظ له من أن أقتل أحداً لم يستوجب ذلك، وقد بعثت إليك ببعض من كنت أقتل على هذا الرأي فشأنك وإياه. فدخل الحروري على الوليد وعنده أشراف أهل الشام وعمر فيهم فقال له الوليد: ما تقول فيّ؟، قال ظالم جبار. قال: ما تقول في عبد الملك؟، قال: جبار عاتٍ. قال فما تقول في معاوية؟، قال: ظالم. قال الوليد لابن الريان اضرب عنقه فضرب عنقه. ثم قام فدخل منزله وخرج الناس من عنده فقال: يا غلام اردد عليّ عمر، فرده عليه فقال: يا أبا حفص ما تقول بهذا؟ أصبنا أم أخطأنا؟، فقال عمر: ما أصبت بقتله، ولغير ذلك كان أرشد وأصوب، كنت تسجنه حتى يراجع الله عز وجل أو تدركه منيته. فقال الوليد شتمني وشتم عبد الملك وهو حروري، أفتستحل ذلك؟، قال لعمري ما استحله، لو كنت سجنته إن بدا لك أو تعفو عنه، فقام الوليد مغضباً. فقال ابن الريان لعمر: يغفر الله لك يا أبا حفص، لقد راددت أمير المؤمنين حتى ظننت أنه سيأمرني بضرب عنقك، وهكذا احتال الحجّاج على الوليد ليصرفه على الأخذ برأي عمر في الحد من سرف الحجّاج وأمثاله في القتل
وفي عهد سليمان تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير، فظهرت آثاره في مختلف الجوانب، فبمجرد تولي سليمان الخلافة قرب عمر بن عبد العزيز وأفسح له المجال واسعاً، حيث قال: يا أبا حفص إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به.
وجعله وزيراً ومستشاراً ملازماً له في إقامته أو سفره، وكان سليمان يرى أنه محتاج له في صغيره وكبيره، فكان يقول: ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل فما أجد أحداً يفقه عني. وفي موضع آخر قال: يا أبا حفص ما اغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالي.
وكان لعمر أثر كبير على سليمان في إصدار عدد من القرارات النافعة، ومن أهمها: عزل ولاة الحجّاج وبعض الولاة الآخرين، كوالي مكة خالد القسري، ووالي المدينة عثمان بن حيان، ومنها الأمر بإقامة الصلاة في وقتها
الإشارة النبوية إلى خلافة عمر بن عبد العزيز
أفرد ابن كثير – في البداية والنهاية – فصلاً عن الإشارة النبوية إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.
ومن ذلك حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل بعد هذا الخير من شر، قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه، قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي يعرف منهم وينكر. فحمل البيهقي وغيره هذا (الخير الثاني) على أيام عمر بن عبد العزيز.
وروي عن الحاكم عن الأصم عن العباس بن الوليد بن مرثد عن أبيه قال: سئل الأوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله - صلى الله عليه و سلم - عن الشر الذي يكون بعد ذلك الخير، فقال الأوزاعي هي الردة التي كانت بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي مسألة حذيفة: فهل بعد ذلك الشر من خير؟، قال: نعم وفيه دخن. قال الأوزاعي: فالخير الجماعة، وفي ولاتهم من يعرف سيرته وفيهم من ينكر سيرته..
وروى أبو داود الطيالسي عن داود الواسطي عن حبيب بن سالم عن نعمان بن سالم عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إنكم في النبوة ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها لكم إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.
قال: فقدم عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد بن النعمان، فكتبت إليه أذكره الحديث، وكتبته إليه أقول: إني أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الخيرية. قال: فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسر به وأعجبه.
وقال نعيم بن حماد حدثنا روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده عمر وعثمان وعلي. فقال لي: ادن، فدنوت حتى قمت بين يديه، فرفع بصره إلي وقال: أما إنك ستلي أمر هذه الأمة وستعدل عليهم.
وفي حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، قال كثير من الأئمة إنه عمر بن عبد العزيز.
وروى نافع عن ابن عمر قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: إن من ولدي رجلاً بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلاً. قال نافع من قبله ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز.
قال ابن كثير: قلت: وقد ولي عمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفاً فملأ الأرض عدلاً وفاض المال حتى كان الرجل يهمه لمن يعطي صدقته.
خلافة عمربن عبد العزيز سنة 99هـ
يتبع ....
سياسة عمر بن عبد العزيز.. استقرار المجتمع في عدالة الحكم
معاناة المجتمعات الإسلامية وأزماتها حالياً، والاضطرابات التي تعصف بها في مختلف الجوانب.. لها أسبابها الكثيرة على مستوى الفرد والجماعة. ومن أهم هذه الأسباب انحراف نظام الحكم عن مسار العدل والصلاح.
فكل مسؤول عن رعيته هو بمثابة القلب في مجتمعه الذي يديره، ورعيته هم أعضاء هذا المجتمع، فإذا فسد القلب فسدت كل الأعضاء.. وإذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت الرقص.. وإذا عقل واستقام عقلوا واستقاموا.
والظلم أسرع الطرق إلى الدمار والهلاك، سواء أكان ظلم المرء لنفسه أو لرعيته..
وبعد أن أرشدنا ديننا إلى طريق الحق والعدل والإصلاح مع النفس والناس نقل إلينا التاريخ الإسلامي حال من سبقونا، وانعكاس تعاملهم مع دينهم على واقع حياتهم ومجتمعاتهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
وما يهمنا هنا هو أن حال المجتمعات الإسلامية السابقة ارتبط ارتباطاً وثيقاً بسياسة ولاتها.. فكلما كانت سياسة الحاكم أو السلطان ملتزمة بشرع الله، وقائمة على إحقاق الحق وإصلاح الخلق كان المجتمع أكثر استقراراً ورخاءً وأمناً وقرباً من دينه.
وأبرز مثال على ذلك سيرة الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رحمه الله، الذي يضرب به المثل في العدل والصلاح.
وظهر أثر ذلك جلياً على المجتمع الإسلامي في زمانه، حيث لم يُعرف بعد ذلك في تاريخ الأمة الإسلامية استقرار ورخاء كالذي عرفه المسلمون في زمن هذا الخليفة العظيم.
ومن خلال هذا التقرير نحاول أن نربط بين سيرة هذا الخليفة وحال مجتمعه.. وبذلك يمكن مقارنة ذلك بحالنا اليوم لمعرفة مكامن الخلل ومواطن الزلل.
نبذة عن الخليفة
هو عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد، أمير المؤمنين أبو حفص القرشي الأموي المدني ثم المصري، الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية.
كان من أئمة الاجتهاد ومن الخلفاء الراشدين، وكان حسن الأخلاق والخُلق، كامل العقل، حسن السمت، جيِّد السياسة حريصاً على العدل بكل ممكن، وافر العلم، فقيه النفس، طاهر الذكاء والفهم، أوّاها منيباً، قانتا لله حنيفاً، زاهداً مع الخلافة ناطقاً بالحق مع قلة المعين، وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملُّوهُ وكرهوا محاققته لهم، ونقصه أُعطياتهم، وأخذه كثيراً مما في أيديهم مما أخذوه بغير حقٍّ.
والده عبد العزيز بن مروان بن الحكم كان من خيار أمراء بني أمية، شجاعاً كريماً بقي أميراً لمصر أكثر من عشرين سنة، وكان من تمام ورعه وصلاحه أنه لما أراد الزواج قال لقيمه: اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي، فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح. فتزوج أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي حفيدة أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب وقيل اسمها ليلى.
أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووالدها عاصم بن عمر بن الخطاب، الفقيه الشريف أبو عمرو القرشي العدوي، ولد في أيام النبوة وحدّث عن أبيه. وأمه هي جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصاريّة. وكان طويلاً جسيماً وكان من نبلاء الرجال، ديِّنا، خيِّراً، صالحاً، وكان بليغاً، فصيحاً، شاعراً، وهو جد الخليفة عمر بن عبد العزيز لأُمه، مات سنة سبعين.
واختلف المؤرخون في سنة ولادته، والراجح – كما نقل الدكتور الصلابي - أنه ولد عام 61هـ، وهو قول أكثر المؤرخين، ولأنه يؤيد ما يذكر أنه توفي وعمره أربعون سنة. حيث توفي عام 101هـ.
وتذكر بعض المصادر أنه ولد بمصر وهذا القول ضعيف؛ لأن أباه عبد العزيز بن مروان بن الحكم إنما تولى مصر سنة خمس وستين للهجرة، بعد استيلاء مروان بن الحكم عليها من يد عامل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، فولّى عليها ابنه عبد العزيز، ولم يعرف لعبد العزيز بن مروان إقامة بمصر قبل ذلك، وإنما كانت إقامته وبنو مروان في المدينة. وذكر الذهبي أنه ولد بالمدينة زمن يزيد.
وكان عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - يلقب بالأشج، وكان يقال له أشج بني مروان؛ وذلك أن عمر بن عبد العزيز عندما كان صغيراً دخل إلى اصطبل أبيه - عندما كان والياً على مصر - ليرى الخيل فضربه فرس في وجهه فشجه، فجعل أبوه يمسح الدم عنه ويقول: إن كنت أشج بني أمية إنك إذاً لسعيد. ولما رأى أخوه الأصبغ الأثر قال: الله أكبر، هذا أشج بني مروان الذي يملك.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن من ولدي رجلاً بوجهه أثر يملأ الأرض عدلاً.
وكان الفاروق قد رأى رؤيا تشير إلى ذلك وقد تكررت هذه الرؤيا لغير الفاروق حتى أصبح الأمر مشهوراً عند الناس بدليل ما قاله أبوه عندما رأى الدم في وجهه، وما قاله أخوه عندما رأى الشج في وجهه، كلاهما تفاءل لعله أن يكون ذلك الأشج الذي يملأ الأرض عدلاً.
نشأة عمر بن عبد العزيز
هناك عوامل وظروف ساهمت في بناء شخصية عمر بن عبد العزيز بناءً صالحاً، وقد استعرض الدكتور علي الصلابي هذه العوامل، يمكن تلخيصها – مع الاعتماد على مصادر تاريخية أخرى – على النحو التالي:
نشأ عمر بن عبد العزيز في المدينة، فلما شب وعقل وهو غلام صغير كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب لمكان أمه منه، ثم يرجع إلى أمه فيقول: يا أمه أنا أحب أن أكون مثل خالي ـ يريد عبد الله بن عمر ـ فتؤفف به ثم تقول له: أغرب أنت تكون مثل خالك، وتكرر عليه ذلك غير مرة.
فلما كبر سار أبوه عبد العزيز بن مروان إلى مصر أميراً عليها، ثم كتب إلى زوجته أم عاصم أن تقدم عليه وتقدم بولدها، فأتت عمها عبد الله بن عمر فأعلمته بكتاب زوجها عبد العزيز إليها فقال لها: يا ابنة أخي هو زوجك فالحقي به. فلما أرادت الخروج قال لها: خلفي هذا الغلام عندنا - يريد عمر - فإنه أشبهكم بنا أهل البيت فخلفته عنده ولم تخالفه.. وهكذا تربى عمر رحمه الله تعالى بين أخواله بالمدينة من أسرة عمر بن الخطاب، ولا شك أنه تأثر بهم وبمجتمع الصحابة في المدينة.
وقد رزق منذ صغره حب الإقبال على طلب العلم وحب المطالعة والمذاكرة بين العلماء كما كان يحرص على ملازمة مجالس العلم في المدينة. وكانت يومئذ منارة العلم والصلاح زاخرة بالعلماء والفقهاء والصالحين، وتاقت نفسه للعلم وهو صغير. وكان أول ما استبين من رشد عمر بن عبد العزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب.
وجمع عمر بن عبد العزيز القرآن وهو صغير وساعده على ذلك صفاء نفسه وقدرته الكبيرة على الحفظ وتفرغه الكامل لطلب العلم والحفظ.
ثم كان للبيئة الاجتماعية المحيطة دور فعال ومهم في نشأة شخصية عمر بن عبد العزيز، حيث عاش في زمن ساد فيه مجتمع التقوى والصلاح والإقبال على طلب العلم والعمل بالكتاب والسنة. فقد كان عدد من الصحابة لا زالوا بالمدينة.فقد حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحاً شرب منه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأمَّ بأنس بن مالك، فقال: ما رأيت أحداً أشبه صلاةً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الفتى.
فكان للإقامة بالمدينة آثار نفسية ومعان إيمانية، وتعلق روحي، وكان لذلك المجتمع قوة التأثير في صياغة شخصية عمر بن عبد العزيز العلمية والتربوية.
التربيعلى أيدي كبار علماء المدينة
اختار عبدُ العزيز صالحَ بن كيسان ليكون مربياً لولده عمر، فتولى صالح تأديبه. وكان يلزم عمر الصلوات المفروضة في المسجد، فحدث يوماً أن تأخر عمر بن عبد العزيز عن الصلاة مع الجماعة فقال صالح بن كيسان: ما يشغلك؟، قال: كانت مرجّلتي تسكن شعري. فقال: بلغ منك حبك تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة؟. فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك. فبعث أبوه رسولاً فلم يكلمه حتى حلق رأسه.
وحرص على التشبه بصلاة رسول الله أشد الحرص، فكان يتم الركوع والسجود ويخفِّف القيام، والقعود.. ولمّا حج أبوه ومرّ بالمدينة سأل صالح بن كيسان عن ابنه فقال: ما خبرت أحداً الله أعظم في صدره من هذا الغلام.
ومن شيوخ عمر بن عبد العزيز - الذين تأثر بهم -: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فقد كان عمر يجله كثيراً، ونهل من علمه وتأدب بأدبه وتردد عليه، حتى وهو أمير المدينة.
وكان عبيد الله مفتي المدينة في زمانه، وأحد الفقهاء السبعة، قال عنه الزهري: كان عبيد الله بن عبد الله بحراً من بحور العلم، وكان يقرض الشعر، فقد كتب إلى عمر بن عبد العزيز هذه الأبيات:
بســم الذي أنزلت من عنــده الســـور والحمد لله أمّا بعــد يا عمـــر
إن كنت تعلـــم ما تأتـــي ومـــــــا تذر فكن على حذر قد ينفع الحذر
واصبر على القدر المحتوم وأرض به وإن أتاك بما لا تشتهي القدر
فما صفا لامـــرئ عيش يُــــسرٌّ بــــه إلا سيتبع يوماً صفـــوه كـــدر
وقد توفي هذا العالم سنة 98هـ، وقيل 99هـ.
ومن شيوخ عمر سعيدُ بن المسيب، وكان سعيد لا يأتي أحداً من الأمراء غير عمر. ومن شيوخه سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب الذي قال فيه سعيد بن المسيب: كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به وكان سالم أشبه ولد عبد الله به.
هذه هي أهم العوامل التي أثرت في تكوين شخصيته. ومن الدروس المستفادة هو أن العلماء الربانيين يقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة، وهي الاهتمام بأولاد الأمراء والحكام وأهل الجاه والمال ففي صلاحهم خير عظيم للأمة الإسلامية
مكانته العلمية
كان من أئمة زمانه، فقد أطلق عليه كل من الإمامين مالك وسفيان بن عيينة وصف إمام. وقال فيه مجاهد: أتيناه نعلمه فما برحنا حتى تعلمَّنا منه. وقال ميمون بن مهران: كان عمر بن عبد العزيز معلمَّ العلماء. وقال فيه الذهبي: كان إماماً فقيهاً مجتهداً، عارفاً بالسنن، كبير الشأن، حافظاً، قانتاً لله أوَّاهاً منيباً يعد في حسن السيرة والقيام بالقسط مع جده لأمه عمر، وفي الزهد مع الحسن البصري، وفي العلم مع الزهري.
وقد احتج الفقهاء والعلماء بقوله وفعله، ومن ذلك رسالة الإمام الليث بن سعد إلى الإمام مالك بن أنس، وهي رسالة قصيرة، وفيها يحتج الليث - مراراً - بصحة قوله بقول عمر بن عبد العزيز على مالك فيما ذهب إليه في بعض مسائله.
ويرد ذكر عمر بن عبد العزيز في كتب الفقه للمذاهب الأربعة المتبوعة على سبيل الاحتجاج بمذهبه، فاستدل الحنفية بصنيعه في كثير من المسائل. وجعلوا له وصفاً وهو (عمر الصغير) ليتميَّز به عن جدّه لأمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ويكثر الشافعية من ذكره في كتبهم؛ ولذلك ترجم له الإمام النووي ترجمة حافلة في تهذيب الأسماء واللغات.
وأما المالكية فيكثرون من ذكره في كتبهم أكثر من غيرهم، ومالك إمام المذهب ذكر في (الموطأ) محتجاً بفتواه وقوله في مواضع عديدة في موطئه. وأما الحنابلة فكذلك يذكرونه كثيراً. وعمر هو الذي قال فيه الإمام أحمد: لا أدري قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبد العزيز
بعض سيرته
يعد عمر بن عبد العزيز من العلماء الذين تميزوا بقربهم من الخلفاء، وكان لهم أثر كبير في نصحهم وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة. ويحتل عمر بن عبد العزيز مكانة متميزة في البيت الأموي، فقد كان عبد الملك يجله ويعجب بنباهته أثناء شبابه؛ مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه ويزوجه من ابنته. ولكن لم يكن له مشاركات في عهد عبد الملك بسبب صغر سنه واشتغاله بطلب العلم في المدينة، ومع ذلك فقد أورد ابن الجوزي أنه كتب إلى عبد الملك كتاباً يذكره فيه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه. وقد جاء فيها: أما بعد: فإنك راعٍ، وكل مسؤول عن رعيته، حدثنا أنس بن مالك أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: [كل راعٍ مسؤول عن رعيته]. }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا{.
وفي ربيع الأول من عام 87هـ ولاّه الخليفة الوليد بن عبد الملك إمارة المدينة المنورة، ثم ضم إليه ولاية الطائف سنة 91هـ؛ وبذلك صار والياً على الحجاز كلها. واشترط عمر لتوليه الإمارة ثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يعمل في الناس بالحق والعدل ولا يظلم أحداً، ولا يجور على أحد في أخذ ما على الناس من حقوق لبيت المال، ويترتب على ذلك أن يقل ما يرفع للخليفة من الأموال من المدينة.
الشرط الثاني: أن يسمح له بالحج في أول سنة؛ لأن عمر كان في ذلك الوقت لم يحج.
الشرط الثالث: أن يسمح له بالعطاء أن يخرجه للناس في المدينة.
فوافق الوليد على هذه الشروط، وباشر عمر بن عبد العزيز عمله بالمدينة وفرح الناس به فرحاً شديد.
وكان من أبرز الأعمال التي قام بها عمر بن عبد العزيز تكوينه لمجلس الشورى بالمدينة، فعند ما جاء الناس للسلام على الأمير الجديد بالمدينة دعا عشرة من فقهاء المدينة، وهم عروة ابن الزبير، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وأبو بكر بن سليمان بن أبي خيثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخوه عبد الله بن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر بن ربيعة وخارجة بن زيد بن ثابت. فدخلوا عليه فجلسوا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، إني لا أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحداً يتعدى، أو بلغكم عن عاملٍ لي ظلامة، فأحرّج الله على من بلغه ذلك إلا أبلغني.
وحدّد صلاحيات المجلس بأمرين:
- أنهم أصحاب الحق في تقرير الرأي، وأنه لا يقطع أمراً إلا برأيهم. وبذلك يكون الأمير قد تخلى عن اختصاصاته إلى هذا المجلس.
- أنه جعلهم مفتشين على العمال، ورقباء على تصرفاتهم. فإذا ما اتصل بعلمهم أو بعلم أحدهم أن عاملاً ارتكب ظلامة، فعليهم أن يبلغوه وإلا فقد استعدى الله على كاتم الحق.
ويعلق الصلابي على هذا التدبير بأنه قد تضمن أمرين:
- أحدهما: أن الأمير عمر بن عبد العزيز لم يخصص تعويضاً لمجلس العشرة؛ لأنهم كانوا من أصحاب العطاء، وبما أنهم فقهاء، فما ندبهم إليه داخل في صلب اختصاصهم.
- الثاني: أن عمر افترض غياب أحدهم عن الحضور لعذر من الأعذار ولهذا لم يشترط في تدبيره حضورهم كلهم، وإنما قال: "أو برأي من حضر منكم.
إن هذا المجلس كان يستشار في جميع الأمور دون استثناء. ونستنتج من هذه القصة أهمية العلماء الربانيين وعلو مكانتهم، وأنه يجب على صاحب القرار أن يدنيهم ويقربهم منه ويشاورهم في أمور الرعية. كما أنه على العلماء أن يلتفوا حول الصالح من أصحاب القرار من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن للمصالح وتقليل ما يمكن من المفاسد. كما أن عمر بن عبد العزيز لم يقتصر في شوراه على هؤلاء فحسب، بل كان يستشير غيرهم من علماء المدينة، كسعيد بن المسيِّب، والزهري، وغيرهم. وكان لا يقضي في قضاء حتى يسأل سعيد، وفي المدينة أظهر عمر عبد العزيز إجلاله للعلماء وإكباره لهم.
ومن مواقفه: كتب عمر بن عبد العزيز - وهو والٍ على المدينة - إلى الوليد بن عبد الملك يخبره عما وصل إليه حال العراق من الظلم والضيم والضيق بسبب ظلم الحجّاج وغشمه، مما جعل الحجّاج يحاول الانتقام من عمر لاسيما وقد أصبح الحجاز ملاذاً للفارين من عسف الحجاج وظلمه.
حيث كتب الحجّاج إلى الوليد: إن من قبلي من مراق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن. فكتب إليه يشير عليه بعثمان بن حبان، وخالد بن عبد الله القسري، وعزل عمر عبد العزيز. وقد كان ميول الوليد لسياسة الحجّاج واضحة وكان يظن بأن سياسة الشدة والعسف هي السبيل الوحيد لتوطيد أركان الدولة، وهذا ما حال بينه وبين الأخذ بآراء عمر بن عبد العزيز ونصائحه.
لقد سلك عمر بن عبد العزيز بعض الطرق والوسائل لإصلاح هذا الوضع، فمن ذلك نصحه للوليد بالحد من صلاحيات عماله في القتل، وقد نجح في بادي الأمر في استصدار قرار يمنع أي والٍ من القتل إلا بعد علم الخليفة وموافقته على ذلك، فيذكر ابن عبد الحكم أن عمر بن عبد العزيز دخل على الوليد بن عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين إن عندي نصيحة، فإذا خلا لك عقلك، واجتمع فهمك فسلني عنها. قال: ما يمنعك منها الآن؟. قال: أنت أعلم، إذا اجتمع لك ما أقول فإنك أحق أن تفهم. فمكث أياماً، ثم قال: يا غلام من بالباب؟، فقيل له: ناس وفيهم عمر بن عبد العزيز. فقال: أدخله، فدخل عليه. فقال: نصيحتك يا أبا حفص، فقال عمر: إنه ليس بعد الشرك إثم أعظم عند الله من الدم، وأن عمالك يقتلون، ويكتبون إن ذنب فلان المقتول كذا وكذا، وأنت المسؤول عنه والمأخوذ به، فاكتب إليهم ألا يقتل أحد منهم أحداً حتى يكتب بذنبه ثم يشهد عليه، ثم تأمر بأمرك على أمر قد وضح لك. فقال: بارك الله فيك يا أبا حفص ومنع فقدك، عليَّ بكتاب. فكتب إلى أمراء الأمصار كلهم فلم يحرج من ذلك إلا الحجّاج فإنه أمضه، وشق عليه وأقلقه. وظن أنه لم يكتب إلى أحد غيره، فبحث عن ذلك، فقال: من أين ذهبنا؟، أو من أشار على أمير المؤمنين بهذا؟، فأخبر أن عمر بن عبد العزيز هو الذي فعل ذلك فقال: هيهات إن كان عمر فلا نقض لأمره. ثم أن الحجّاج أرسل إلى أعرابي حروري من الخوارج. قال له الحجّاج ما تقول في معاوية؟، فنال منه. قال: ما تقول في يزيد؟، فسبه. قال: فما تقول في عبد الملك؟، فظلمه. قال: فما تقول في الوليد؟، فقال: أجوَرَهم حين ولاك، وهو يعلم عداءك وظلمك. فسكت الحجّاج وافترصها منه، ثم بعث به إلى الوليد وكتب إليه: أنا أحوط لديني، وأرعى لما استرعيتني، وأحفظ له من أن أقتل أحداً لم يستوجب ذلك، وقد بعثت إليك ببعض من كنت أقتل على هذا الرأي فشأنك وإياه. فدخل الحروري على الوليد وعنده أشراف أهل الشام وعمر فيهم فقال له الوليد: ما تقول فيّ؟، قال ظالم جبار. قال: ما تقول في عبد الملك؟، قال: جبار عاتٍ. قال فما تقول في معاوية؟، قال: ظالم. قال الوليد لابن الريان اضرب عنقه فضرب عنقه. ثم قام فدخل منزله وخرج الناس من عنده فقال: يا غلام اردد عليّ عمر، فرده عليه فقال: يا أبا حفص ما تقول بهذا؟ أصبنا أم أخطأنا؟، فقال عمر: ما أصبت بقتله، ولغير ذلك كان أرشد وأصوب، كنت تسجنه حتى يراجع الله عز وجل أو تدركه منيته. فقال الوليد شتمني وشتم عبد الملك وهو حروري، أفتستحل ذلك؟، قال لعمري ما استحله، لو كنت سجنته إن بدا لك أو تعفو عنه، فقام الوليد مغضباً. فقال ابن الريان لعمر: يغفر الله لك يا أبا حفص، لقد راددت أمير المؤمنين حتى ظننت أنه سيأمرني بضرب عنقك، وهكذا احتال الحجّاج على الوليد ليصرفه على الأخذ برأي عمر في الحد من سرف الحجّاج وأمثاله في القتل
وفي عهد سليمان تهيأت الفرص لعمر بن عبد العزيز بقدر كبير، فظهرت آثاره في مختلف الجوانب، فبمجرد تولي سليمان الخلافة قرب عمر بن عبد العزيز وأفسح له المجال واسعاً، حيث قال: يا أبا حفص إنا ولينا ما قد ترى، ولم يكن بتدبيره علم، فما رأيت من مصلحة العامة فمر به.
وجعله وزيراً ومستشاراً ملازماً له في إقامته أو سفره، وكان سليمان يرى أنه محتاج له في صغيره وكبيره، فكان يقول: ما هو إلا أن يغيب عني هذا الرجل فما أجد أحداً يفقه عني. وفي موضع آخر قال: يا أبا حفص ما اغتممت بأمر ولا أكربني أمر إلا خطرت فيه على بالي.
وكان لعمر أثر كبير على سليمان في إصدار عدد من القرارات النافعة، ومن أهمها: عزل ولاة الحجّاج وبعض الولاة الآخرين، كوالي مكة خالد القسري، ووالي المدينة عثمان بن حيان، ومنها الأمر بإقامة الصلاة في وقتها
الإشارة النبوية إلى خلافة عمر بن عبد العزيز
أفرد ابن كثير – في البداية والنهاية – فصلاً عن الإشارة النبوية إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.
ومن ذلك حديث أبي إدريس الخولاني عن حذيفة قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل بعد هذا الخير من شر، قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه، قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي يعرف منهم وينكر. فحمل البيهقي وغيره هذا (الخير الثاني) على أيام عمر بن عبد العزيز.
وروي عن الحاكم عن الأصم عن العباس بن الوليد بن مرثد عن أبيه قال: سئل الأوزاعي عن تفسير حديث حذيفة حين سأل رسول الله - صلى الله عليه و سلم - عن الشر الذي يكون بعد ذلك الخير، فقال الأوزاعي هي الردة التي كانت بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي مسألة حذيفة: فهل بعد ذلك الشر من خير؟، قال: نعم وفيه دخن. قال الأوزاعي: فالخير الجماعة، وفي ولاتهم من يعرف سيرته وفيهم من ينكر سيرته..
وروى أبو داود الطيالسي عن داود الواسطي عن حبيب بن سالم عن نعمان بن سالم عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: إنكم في النبوة ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها لكم إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.
قال: فقدم عمر بن عبد العزيز ومعه يزيد بن النعمان، فكتبت إليه أذكره الحديث، وكتبته إليه أقول: إني أرجو أن تكون أمير المؤمنين بعد الخيرية. قال: فأخذ يزيد الكتاب فأدخله على عمر فسر به وأعجبه.
وقال نعيم بن حماد حدثنا روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده عمر وعثمان وعلي. فقال لي: ادن، فدنوت حتى قمت بين يديه، فرفع بصره إلي وقال: أما إنك ستلي أمر هذه الأمة وستعدل عليهم.
وفي حديث أن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها، قال كثير من الأئمة إنه عمر بن عبد العزيز.
وروى نافع عن ابن عمر قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب قال: إن من ولدي رجلاً بوجهه شين يلي فيملأ الأرض عدلاً. قال نافع من قبله ولا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز.
قال ابن كثير: قلت: وقد ولي عمر بن عبد العزيز بعد سليمان بن عبد الملك سنتين ونصفاً فملأ الأرض عدلاً وفاض المال حتى كان الرجل يهمه لمن يعطي صدقته.
خلافة عمربن عبد العزيز سنة 99هـ
يتبع ....