تاريخ منطقة الجلفة
من عصور ما قبل التاريخ الى الحقبة الرومانية
مقدمــة
تقـع مدينة الجلفة بالأطلس الصحراوي على بعد 300 كلم جنوب الجزائر العاصمة وهي نقطـة التقاء في منتصف الطريق بين الحدود الشرقية والغربية للبلاد.
الجلفة عاصمة سهوب الجزائر، تمثل بصدق التركيب المتكامل لمناطق الجزائر المختلفة، حيث مناخها القاري المتميز بارتفاعها عن سطح البحر بـ 1270 م يجعل منها مكانا مفضلا لدى سكان الصحراء وكثيرا من السواح، و كذا الرياضيين.
تشتهر هاته المنطقة بتربية المواشي والغنم على وجه الخصوص (ذي الجودة العالية)، كما أنها مركز تجاري هام والصناعة الحديثة ظهرت جليا فيها بسرعة فائقة، و كذا باحتوائها لقطب جامعي فتي.).
العصور القديمة
كانت منطقة الجلفة قبل عشرات الملايين من السنوات عائمة تحت الماء، بدليل اكتشاف مجموعة من الصدفات المتحجرة، التي هي محفوظة و معروضة بالمتحف المحلي للمدينة.
ويرجع تاريخ وجود الإنسان بالمنطقة إلى عصر ما قبل التاريخ فقد تم العثور- منذ بداية القرن العشرين- على نقوش و رسومات صخرية و كتابات ليبية بربرية يعود أقدم تاريخ لهذه الآثار إلى حوالي 9000 سنة قبل الميلاد.
هذه الرسومات و النقوشات تتوزع على محطات عدة في الجلفة من أهمها :
محطة عين الناقة : التي تبعد بحوالي 45 كلما جنوب الجلفة و تزخر برسومات أثرية عديدة لمجموعة حيوانات ، مثل الحيرمين العتيقين (Les deux Buffles antiques) الضخمين (أكبر هذين الرسمين مساحته 219 سم) ، ويوجد بالمحطة أيضا رسم لفيل كبير ، ورسم لامرأة و رجل يدعيان : العاشقين الخجولين. ويوجد بالمنطقة أبعد تاريخ للحضارة القفصية ، يحدد بـ: 7350 سنة ق.م.
محطة حجر سيدي بوبكر: اكتشفت سنة 1965 من قبل فرانسوا دو فيلاري. وهذه المحطة قريبة من مسعد، و تحمل عدة نقوشات صخرية من جهاتها المختلفة .. مثل الكبـش الذي تعلوه شبه كرة فوق رأسه (Le bélér à spheroide) ، وعلى يمينه نعجة لا تظهر فوق رأسها شبه الكرة Brébis sans spheroide .
محطة حصباية: اكتشفت هذه المحطة في عملية عسكرية للفرنسيين أثناء الاحتلال، و أعيد اكتشافها سنة 1964 من قبل دوفيلاري وبلانشار. تبعد بحوالـي 75 كلما عن مدينة الجلفة جنوبا، حيث نجد نقوشا صخرية لفيلة و أبقار و نعامات و أرانب ورسما لإنسان.
وهنا تظهر ملامح العصر النيوليتي (العصر الحجري الحديث) الذي بدأ في الشرق الأوسط منذ 7000 سنة قبل الميلاد، مما دل على وجود الإنسان في المنطقة خلال هذا العصر.
محطة خنق الهلال: اكتشفها سنة 1966 براتفيال ودوفيلاري. محطة قريبة من عين الإبل، فيها رسم لثـور (حيرم) عتيق ، وكبش تعلوه شبه كرة. ويوجد رسم لأسد كبير لا يظهر ذيله، ويتجه بوجهه إلى اليمين..
محطة عمورة : تقع بمنطقة مسعد ، وقد اكتشفت سنة 1965. وفيها رسم لفيلين
محطة ثنية المزاب: تبعد بحوالـي 45 كلما جنوب الجلفة. يعود تاريـخ رسومها إلى 6000 سنة قبل الميـلاد. نجد في صخورها الصفراء رسومات غامضة صعبة الفهم، ورسما لفيل ضخم و آخر صغير، ولشخص يظهر شعره بهيئة غريبة.
محطة زكار: اكتشفت هذه المحطة سنة 1907 من قبل السيد : ماقني القاضي في الجلفة أنذاك . فيها رسوم جميلة و دقيقة لظبي إفريقي يجثو على ركبتيه، بينما يلتهمه أسد، مع أن الأسد يبدو أقل شكلا .. وفيها رسوم لنعامة ولوحيد القرن ..
محطة صفية بورنان: اكتشفت سنة 1954 من قبل بيلان . تقع بين مسعد و المجبارة. وفيها رسومات لفيل وكبش و نعامات و غزال ، وكذا مجموعة من الخيول ... الخ
ويرى هونري لوت أن المحطة تعود إلى حوالي 5020 أو 5270 سنة قبل الميلاد.
القبائل البربرية في الجلفة
أما وجود القبائل البربرية في حدود منطقة الجلفة فكان قديما، إذ يذكر الأب فرانسوا دوفيلاري أن المنطقة وما جاورها كانت تنتمي إلى البربر منذ سنة 1500 قبل الميلاد وحتى سنة 1000 م، و أن هناك شعبا بربريا عرف بالبداوة وكان يسمى "الجيتول"، اجتمع منذ عهد ما قبل التاريخ من بقايا النيوليتيكيين (العصر الحجري المتأخر أو الحديث)ومن الاقوام التي نزحت من المشرق (من فلسطين أو جنوب اليمن)، ومن سردينيا في الغرب.
تدل على ذلك الكتابات الليبية التي اكتشفت في مناطق مثل: وادي حصباية ، وصفية بورنان وعين الناقة وصفية البارود. وتدل على ذلك أيضا بعض الأضرحة بأنواعها التي يذكر الأطلس الاركيولوجي وجودها في منطقة الجلفة، في الادريسية وقلتة السطل وجنوب وادي جدي بالقرب من ضاية زخروفة. بالإضافة إلى بعض رسومات الأحصنة و الجمال.
وتجدر العودة هنا إلى ابن خلدون في البحث عن تاريخ البربر في منطقة الجلفة.
وابن خلدون لا يستعمل كلمة "الجيتول"، بل يطلق على هؤلاء اسم البربر، ويركز على الزناتيين البربر، ويذكر فروعا لهذه القبيلة، سكنت مناطق الجلفة وما جاورها .
تنتمي هذه الفروع كلها إلى بطن مغراوة .. تساعدنا في ذلك التحديدات المكانية التي يصفـها ابن خلدون.
من بين هؤلاء البربر بنو سنجاس الزناتيون من مغراوة، إذ ينقل ابن خلدون عن أحد نسابي زناتة قوله : « ولم تزل هذه البطون الأربعة من أوسع بطون مغراوة. فأما بنوسنجاس فلهم مواطن في كل عمل من أفريقية و المغربين فمنهم قبلة المغرب الأوسط بجبل راشد وجبل كريرة وبعمل الزاب وعمل الشلف، ونازلوا قفصة سنة أربع عشر و خمسمائة .. »
وليس جبل راشد إلا الجبل المعروف الآن باسم "جبل العمور" الواقع غرب الجلفة.
ويؤكد ابن خلدون ذلك في موقع آخر من "تاريخه"، فيقول: « ومن بني سنجاس هؤلاء بأرض المشنتل "جبل السحاري نسبة إلى السحاري الهلاليين الذين استوطنوه فيما بعد. يقع الجبل شمال الجلفة" ما بين الزاب و جبل راشد، أوطنوا جباله في جوار غمرة ، وصاروا عند تغلب الهلاليين في ملكهم يقبضون الاتاوة منهم ».
ولا شك في أن كلمة غمرة التي وردت أيضا في الكلام السابق، هو اسم قبيلة أخرى بربرية سكنت المنطقة بجوار بني سنجاس، وهو يقصد بها قبيلة "غمرت" أو " واغمرت" - كما يقول البربر-، إذ يذكرها ابن خلدون في سياق آخر بهذا الاسم البربري ، فيقول عنها: « وأما واغمرت ، ويسمون لهذا العهد غمرت، وهم اخوة وجديجن ، ومن ولد ورتنيص بن جانا كما قلناه، فكانوا من أوفر القبائل عـددا، ومواطنهم متفرقة، وجمهورهم بالجبال الى قبلة بلاد صنهاجة من المشنتـل "جبل السحاري" إلى الدوسن ».
أما طريقة هؤلاء البربر في العيش ، فقد كانت البداوة سمة عامة تطبعها ، فقد « .. اشتهر الجيتوليون في تاريخ المغرب القديم بكونهم رعاة نموذجيين، حتى شبههم سترابون "strabon " بالعرب البدو، ووصف خيولهم و أبقارهم بأنها كثيرة العدد ». « كما أنهم ألفوا الانتقال نحو الشمال عبر العصور عندما تحل مواسم الرعي في بلاد التل ».
كما رأى ابن خلدون ان صفة الزناتيين البربر كانت الحياة البدوية ، وما تقتضيه من تنقل تلك القبائل بين المواطن بحثا عن أماكن الانتجاع، فذكر أنهم يسكنون الخيام، ويتخذون الخيل والإبل، ويألفون رحلتي الشتاء و الصيف ، وكذا يغيرون على العمران (وهي حياة تشبه إلى حد بعيد حياة العرب في شبه الجزيرة العربية)، وربما كانت هذه من أهم العوامل التي سهلت مجيء العرب المسلمين و استيطانهم البلاد ، وسهولة تعاملهم مع السكان البربر الأصليين.
الرومان في منطقة الجلفة
من أهم الوسائل التي اعتمدتها السياسة الرومانية من أجل إحكام السيطرة على الأراضي الجزائرية بناء بعض التحصينات " Les limes" التي امتدت من شط الحضنة شمالا إلى وادي جدي جنوبا. وفي سنة 126م امتدت هذه الحصون (Les limes) جنوب وادي جدي، وبذلك شملت منطقة الجلفة وكان الغرض منها صد أي هجمات متوقعة أو تحركات مريبة.
كما اعتمد الرومانيون على إنشاء قلاع، مثل قلعة ديميدي Castellum Dimmidi الواقعة قرب مدينة مسعد الآن. وقد بنيت في عهد الامبراطور الروماني سبتوس سفيروس. وكان ذلك سنة 198 م في رأي جلبير شارل بيكار، بينما يرى شارل اندري جوليان أنها بنيت سنة 201 م.
واستمر عمل هذه القلعة إلى غاية سنة 240 للميلاد. ولم تكن الوحيدة في هذه المناطق ، بل بنيـت قلاع أخرى في الجنوب ، في "القاهرة" وعين الريش والدوسن وبورادة، وكلها تقع في امتداد استراتيجي يتحكم في الاقليم الممند جنوب حوض الحضنة.
ولا شك في أن المكان المسمى دمد في منطقة مسعد أخذ تسميته من هذه القلعة التي تمثل موقعا مهما من الناحية التاريخية الاثرية، إذ كان يحوي بعض الاثار والأدوات البرونزية و الخزفية، وكذا رسوما جدارية .. وجلها تم استخراجه في نهاية ثلاثينيات القرن العشرين ، ووضع للعرض في متحف الآثار القديمة بالجزائر.
وهكذا فقد كانت مهمة هذه الحصون و القلاع التي وضعها الرومان هي احكام السيطرة وتوفير المن لنفسهم في الشمال الجزائري الذي عرف التركيز الاستيطاني أنذاك، إذ سمحت هذه الاجراءات بمراقبة تحركات البدو الذين كانوا يتنقلون في حدود هذه المناطق.
ولازالت بعض آثار قلعة ديميدي التي بنيت على وادي يعد أحد روافد وادي جدي المنطلق من المنحدرات الجنوبية لجبال أولاد نايل، لا زالت موجودة بمدينة مسعد في المكان المسمى دمد، ولازالت بعض القطع الأثرية المنقوشة من بنيانها معروضة بالمتحف السياحي لمدينة الجلفة.
وفي 1931 اقيم معمل كهربائي صغير من أجل إضاءة الأحياء وتحسين الحياة في المنازل. وبدأ استغلال الخشب الذي أوجد بعض مناصب الشغل لأهل المنطقة، ثم انطلق استغلال الحلفاء أيضا التي شغلت بعض مئات العمال. وقد كانت بعض كمياتها توجه لصنع الزرابي و الاطباق و الحبال .. في مصنع صغير في الجلفة ، بينما توجه جل الكمية إلى الجزائر ثم تنقل على متن البواخر.
و تم انشاء مكتب البريد في سنة 1936.
و كان عدد سكان الجلفة سنة 1948 حوالي 6212 نسمة منهم 5800 داخل المدينة.
الجلفة والكفاح الشعبي ضد الإستعمار
ارتبطت أولى طلائع الثورة و الكفاح في الجلفة بشخصية ابن الحسن المصري الذي كان زعيم حركة صوفية تدعى الدرقاوية. وكان من بين المنظمين له بعض من النوائل أما الاغلبية فكانت من العبازيز (نسبة إلى جدهم سيدي عبد العزيز).
وقد سار موسى بن الحسن نحو مدينة الجزائر رفقة أتباعه من اجل خوض غمار" الحرب المقدسة " ورمى الفرنسيين في الحرب وإسقاط الأمير عبد القادر الذي عقد اتفاقية معهم.
والظاهر أن نية ابن الحسن لم تكن سيئة تجاه الأمير، لكنه كان ربما مفتقرا للتفكير الاستراتيجي الحربي الذي يسمح بتوقيف الحرب مدة معينة. فاعتبر ان هذه الهدنة بين الأمير وفرنسا تحالفا مع الكفار ...
وفي طريقه إلى العاصمة كان أتباعه يزدادون شيئا فشيئا. وحين دخل مدينة المدية استنجد السكان بالأمير عبد القادر، فحدثت واقعة بين الرجلين سنة 1835 بتامجاهرت انهزم فيها ابن الحسن، واستطاع الفرار مع فلوله، واللجوء فيما بعد إلى مسعد حيث بدأ تنظيم صفوفه من جديد.
أما بالنسبة إلى كفاح الأمير عبد القادر في الجلفة فيذكر آرنو أن أولاد نايل انضووا تحت لواء الأمير سنة 1836 فقسم رجالهم إلى ستة فيالق، وعلى رأس كل فيلق شيخ ينضوي بدوره تحت سلطة " القائد ".
وكان سي عبد السلام بن قندوز أول قائد، لكنه عوض بعد سنتين (1838) بابن أخيه سي الشريف بلحرش الذي وضع نفسه تحت خدمة الأمير، وأعطاه الأمير لقب خليفة أولاد نايل بعد مقتل الحاج عيسى خليفة الاغواط ... وكان ينوب سي الشريف ثلاثة آغات هم :التلي بلكحل ومحمد بن عطية وابن عبد السلام .
وقد قام الامير بتطوير سلاح القبائل من منطقة بعد ان كانت أسلحتهم تقليديةوتماشيا مع هذا الولاء فقد شارك أولاد نايل في حصار عبد القادر الشهير لعين ماضي ضد احمد التيجاني سنة 1877، و أرسلوا فرقة عسكرية معتبرة من الفرسان كما ساعدوا الأمير في تأديب القبائل التي أعلنت الولاء للفرنسيين، سواء في مرتفعات المدية أو حتى في بلاد القبائل سنة 1846 وكذا شاركت فرقة أولاد نايل في معركة العين الكحلة مع الأمير عبد القادر ضد الجنرال يوسف، وفي معركة الخرزة بناحية الزعفران الغربي في أواخر سنة 1845.
ولم ينطفئ لهيب الثورة والتمرد على المستعمر في ربوع الجلفة بعد ذهاب الأمير عبد القادر، إذ قام القائد التلي بلكحل - الذي كان رفقة الأمير قبل ذلك- بحركة تمردية مع قبائل: أولاد سي احمد وأولاد أم هاني وسعد بن سالم في شهر أكتوبر من سنة 1845 بالزعفران شمال غربي مدينة الجلفة لكن فرقة من الجيش الفرنسي هاجمتهم، ورغم ذلك استطاع التلي بلكحل ورفاقه التسلل نحو الجبال القربية من مسعد.
كما قام أولاد أم الاخوة بهجوم على فيلق فرنسي تابع لمدينة الجلفة في منطقة عين الناقة جنوب المدينة في تاريخ 10 اكتوبر 1854.
وانتفض كذلك أولاد سعد بن سالم في سبتمبر 1851 وكذا أولاد طعبة في سبتمبر 1853 في جنوب شرقي الجلفة ودامت انتفاضتهم عدة اسابيع .
وتجدر الإشارة إلى الهجوم الشجاع الذي قاده الطيب بوشندوقة في ليلة 15 افريل سنة 1861 برفقة أولاد سي احمد وأولاد أم هاني والسحاري على البرج المقام بمدينة الجلفة التي كانت منطقة عسكرية آنذاك، إذ قام هؤلاء بهجوم مفاجئ على المدينة فقتلوا عددا من الفرنسيين ثم لاذوا بالفرار. إلا أن القائد الفرنسي "دي سوني" استطاع بمساعدة رجاله إلقاء القبض على بعضهم. وأقام لهم محاكمة عسكرية مستعجلة قررت إعدامهم وتقول بعض الروايات انهم دفنوا أحياء بالمكان المسمى " مطمورة 16 " وسط مدينة الجلفة. أما الطيب بوشندوقة فلم يلق عليه القبض ويقال انه لجأ إلى مصر.
الجلفة.. والجهاد أثناء الثورة التحريرية
غداة الثورة المباركة تمت عمليات لجمع الأسلحة والذخيرة ، ولتكوين لجان وفرق من الفدائيين والمسبلين، رغم أن قيادة الثورة أرادت ان تكون المنطقة مركزا للتموين ومكان راحة لجيش التحرير الوطني .
في الفترة الممتدة بين 1954 و 1956 حدثت عمليات فدائية جريئة كتخريب المنشآت الاستعمارية وقطع خطوط الهاتف وتفجير سكة الحديد .......
أما سنة 1956 تحديدا فكانت حاسمة اذ كلف عمر ادريس وزيان عاشور بالتمركز بجبل بوكحيل والبدء بتجنيد المجاهدين ، والقيام بعملية التدريب والتسليح.
وبعد مؤتمر الصومام تصبح الجلفة ضمن الولاية السادسة ويعين العقيد علي ملاح قائدا لها لكنه يستشهد في صور الغزلان ويصبح على اثر ذلك زيان عاشور (ابن المنطقة) القائد العام لها.
ولا يمر وقت طويل حتى يستشهد هذا القائد (1956)، ويصبح العقيد سي الحواس قائدا لها، وعمر إدريس رائدا سياسيا لها وقائدا لمنطقة الجلفة وما جاورها التي كانت تابعة للناحية الثانية من المنطقة الثانية للولاية السادسة .
امتازت الولاية السادسة بالتنظيم السياسي والإداري لخلايا جبهة التحرير الوطني وذلك بحكم طابعها الصحراوي أولا ، بحكم مواجهتها لمختلف الحركات المناوئة للثورة وقد اعتمدت جبهة التحرير السرية للتوغل في صفوف الشعب ، كما امتازت بمحاربة البنية الاقتصادية الاستعمارية خاصة ضد حقول البترول والغاز.
كما كانت تقوم بتنظيم فرار المجندين الجزائريين في صفوف العدو وجلب الأسلحة والأخبار . وواصل قادتها معارك جيش التحرير في الولاية السادسة.
في 29 مارس 1959 يستشهد سي الحواس ويقبض على عمر ادريس كي يعدم فيما بعد، ويصبح العقيد محمد شعباني قائدا للولاية حتى بزوغ شمس الاستقلال.
لا شك أن أهم مشكل واجهته المنطقة الثانية في الولاية السادسة هنا هو مشكل الثورة المضادة المتمثل في حركة بلونيس الذي وصل إلى المنطقة في جويلية 1956. وشكل حجر عثرة أمام تقدم المجاهدين الذين أصبحوا يقاتلون على جبهتين.
وحاولت الدعاية الفرنسية وكذا دعاية خصم الثورة بلونيس أن تفصل الشعب عن ثورته عن طريق نشر الأكاذيب وإرهاب الشعب.
كما قام بلونيس بعملية كادت أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على المستويين المحلي والوطني. إذ استطاع أن يسيطر على الوضع لمدة زمنية معينة إثر ذهاب عمر ادريس إلى المغرب في مهمة لجلب السلاح، لتركه لنائبه حاشي عبد الرحمان الذي قبض عليه بلونيس مع بعض الافواج التابعة له، إذ عذب وقتل على يده.
لكن عودة الرائد عمر ادريس رجحت الكفة لصالح جيش التحرير. وكان لمنطقة الجلفة الفضل في القضاء على هذه الحركة التمردية في 14 جويلية 1958 يوم مقتل بلونيس.
و من بين أشهر المواقع التي حدثت في منطقة الجلفة معركة الكرمة في جبل بوكحيل يومي 17 و 18 سبتمبر 1961 التي قادها المرحوم العقيد محمد شعباني قائد الولاية السادسة، وجندت لها فرنسا قوات ضخمة من كل النواحي مدعمة بجمع من الدبابات و أسراب من الطائرات قدرت بثمانين طائرة . لكنها منيت بأفدح الخسائر إذ فقدت 800 جندي و اسقاط ثلاث طائرات واحدة من نوع ث6 و اثنين من نوع ب29. و بالمقابل تم استشهاد 9 مجاهدين وجرح 7.
أما معركة جريبيع فكانت امتدادا للمعركة السابقة. إذ تتبع العدو المجاهدين الذين خرجوا من حصار معركة الكرمة، فعزز قواته وعتاده وحين دقت الساعة السادسة اندلعت المعركة التي استعمل فيها العدو سلاح النبالم، ولم تتوقف المعركة إلا في حدود منتصف الليل.
ومن المعارك البارزة في هذه الولاية ، نذكر معارك جبال القعدة و معركة جبل دلاج في 2 جويلية 1957، ومعركة جبل ثامر التي استشهد فيها العقيدان سي الحواس و عميروش .
و كانت معركة جبال الزاب في 15 أفريل 1957 قد خلفت خسائر لدى العدو قدرت بـ 12 جندي قتيل منهم ضابطان ساميان، و كذا اسقاط طائرة عمودية. أما من جانب جيش التحرير فاستشهد 03 شهداء و جرح 4 من المجاهدين.
و معركة الجلفة 3 جويلية 1957 اين خسر العدو الفرنسي 45 قتيلا و كذلك معركة 15/16 أوت 1957 اين خسر العدو الفرنسي 42 قتيلا و خسائر مادية باهظة.
من عصور ما قبل التاريخ الى الحقبة الرومانية
مقدمــة
تقـع مدينة الجلفة بالأطلس الصحراوي على بعد 300 كلم جنوب الجزائر العاصمة وهي نقطـة التقاء في منتصف الطريق بين الحدود الشرقية والغربية للبلاد.
الجلفة عاصمة سهوب الجزائر، تمثل بصدق التركيب المتكامل لمناطق الجزائر المختلفة، حيث مناخها القاري المتميز بارتفاعها عن سطح البحر بـ 1270 م يجعل منها مكانا مفضلا لدى سكان الصحراء وكثيرا من السواح، و كذا الرياضيين.
تشتهر هاته المنطقة بتربية المواشي والغنم على وجه الخصوص (ذي الجودة العالية)، كما أنها مركز تجاري هام والصناعة الحديثة ظهرت جليا فيها بسرعة فائقة، و كذا باحتوائها لقطب جامعي فتي.).
العصور القديمة
كانت منطقة الجلفة قبل عشرات الملايين من السنوات عائمة تحت الماء، بدليل اكتشاف مجموعة من الصدفات المتحجرة، التي هي محفوظة و معروضة بالمتحف المحلي للمدينة.
ويرجع تاريخ وجود الإنسان بالمنطقة إلى عصر ما قبل التاريخ فقد تم العثور- منذ بداية القرن العشرين- على نقوش و رسومات صخرية و كتابات ليبية بربرية يعود أقدم تاريخ لهذه الآثار إلى حوالي 9000 سنة قبل الميلاد.
هذه الرسومات و النقوشات تتوزع على محطات عدة في الجلفة من أهمها :
محطة عين الناقة : التي تبعد بحوالي 45 كلما جنوب الجلفة و تزخر برسومات أثرية عديدة لمجموعة حيوانات ، مثل الحيرمين العتيقين (Les deux Buffles antiques) الضخمين (أكبر هذين الرسمين مساحته 219 سم) ، ويوجد بالمحطة أيضا رسم لفيل كبير ، ورسم لامرأة و رجل يدعيان : العاشقين الخجولين. ويوجد بالمنطقة أبعد تاريخ للحضارة القفصية ، يحدد بـ: 7350 سنة ق.م.
محطة حجر سيدي بوبكر: اكتشفت سنة 1965 من قبل فرانسوا دو فيلاري. وهذه المحطة قريبة من مسعد، و تحمل عدة نقوشات صخرية من جهاتها المختلفة .. مثل الكبـش الذي تعلوه شبه كرة فوق رأسه (Le bélér à spheroide) ، وعلى يمينه نعجة لا تظهر فوق رأسها شبه الكرة Brébis sans spheroide .
محطة حصباية: اكتشفت هذه المحطة في عملية عسكرية للفرنسيين أثناء الاحتلال، و أعيد اكتشافها سنة 1964 من قبل دوفيلاري وبلانشار. تبعد بحوالـي 75 كلما عن مدينة الجلفة جنوبا، حيث نجد نقوشا صخرية لفيلة و أبقار و نعامات و أرانب ورسما لإنسان.
وهنا تظهر ملامح العصر النيوليتي (العصر الحجري الحديث) الذي بدأ في الشرق الأوسط منذ 7000 سنة قبل الميلاد، مما دل على وجود الإنسان في المنطقة خلال هذا العصر.
محطة خنق الهلال: اكتشفها سنة 1966 براتفيال ودوفيلاري. محطة قريبة من عين الإبل، فيها رسم لثـور (حيرم) عتيق ، وكبش تعلوه شبه كرة. ويوجد رسم لأسد كبير لا يظهر ذيله، ويتجه بوجهه إلى اليمين..
محطة عمورة : تقع بمنطقة مسعد ، وقد اكتشفت سنة 1965. وفيها رسم لفيلين
محطة ثنية المزاب: تبعد بحوالـي 45 كلما جنوب الجلفة. يعود تاريـخ رسومها إلى 6000 سنة قبل الميـلاد. نجد في صخورها الصفراء رسومات غامضة صعبة الفهم، ورسما لفيل ضخم و آخر صغير، ولشخص يظهر شعره بهيئة غريبة.
محطة زكار: اكتشفت هذه المحطة سنة 1907 من قبل السيد : ماقني القاضي في الجلفة أنذاك . فيها رسوم جميلة و دقيقة لظبي إفريقي يجثو على ركبتيه، بينما يلتهمه أسد، مع أن الأسد يبدو أقل شكلا .. وفيها رسوم لنعامة ولوحيد القرن ..
محطة صفية بورنان: اكتشفت سنة 1954 من قبل بيلان . تقع بين مسعد و المجبارة. وفيها رسومات لفيل وكبش و نعامات و غزال ، وكذا مجموعة من الخيول ... الخ
ويرى هونري لوت أن المحطة تعود إلى حوالي 5020 أو 5270 سنة قبل الميلاد.
القبائل البربرية في الجلفة
أما وجود القبائل البربرية في حدود منطقة الجلفة فكان قديما، إذ يذكر الأب فرانسوا دوفيلاري أن المنطقة وما جاورها كانت تنتمي إلى البربر منذ سنة 1500 قبل الميلاد وحتى سنة 1000 م، و أن هناك شعبا بربريا عرف بالبداوة وكان يسمى "الجيتول"، اجتمع منذ عهد ما قبل التاريخ من بقايا النيوليتيكيين (العصر الحجري المتأخر أو الحديث)ومن الاقوام التي نزحت من المشرق (من فلسطين أو جنوب اليمن)، ومن سردينيا في الغرب.
تدل على ذلك الكتابات الليبية التي اكتشفت في مناطق مثل: وادي حصباية ، وصفية بورنان وعين الناقة وصفية البارود. وتدل على ذلك أيضا بعض الأضرحة بأنواعها التي يذكر الأطلس الاركيولوجي وجودها في منطقة الجلفة، في الادريسية وقلتة السطل وجنوب وادي جدي بالقرب من ضاية زخروفة. بالإضافة إلى بعض رسومات الأحصنة و الجمال.
وتجدر العودة هنا إلى ابن خلدون في البحث عن تاريخ البربر في منطقة الجلفة.
وابن خلدون لا يستعمل كلمة "الجيتول"، بل يطلق على هؤلاء اسم البربر، ويركز على الزناتيين البربر، ويذكر فروعا لهذه القبيلة، سكنت مناطق الجلفة وما جاورها .
تنتمي هذه الفروع كلها إلى بطن مغراوة .. تساعدنا في ذلك التحديدات المكانية التي يصفـها ابن خلدون.
من بين هؤلاء البربر بنو سنجاس الزناتيون من مغراوة، إذ ينقل ابن خلدون عن أحد نسابي زناتة قوله : « ولم تزل هذه البطون الأربعة من أوسع بطون مغراوة. فأما بنوسنجاس فلهم مواطن في كل عمل من أفريقية و المغربين فمنهم قبلة المغرب الأوسط بجبل راشد وجبل كريرة وبعمل الزاب وعمل الشلف، ونازلوا قفصة سنة أربع عشر و خمسمائة .. »
وليس جبل راشد إلا الجبل المعروف الآن باسم "جبل العمور" الواقع غرب الجلفة.
ويؤكد ابن خلدون ذلك في موقع آخر من "تاريخه"، فيقول: « ومن بني سنجاس هؤلاء بأرض المشنتل "جبل السحاري نسبة إلى السحاري الهلاليين الذين استوطنوه فيما بعد. يقع الجبل شمال الجلفة" ما بين الزاب و جبل راشد، أوطنوا جباله في جوار غمرة ، وصاروا عند تغلب الهلاليين في ملكهم يقبضون الاتاوة منهم ».
ولا شك في أن كلمة غمرة التي وردت أيضا في الكلام السابق، هو اسم قبيلة أخرى بربرية سكنت المنطقة بجوار بني سنجاس، وهو يقصد بها قبيلة "غمرت" أو " واغمرت" - كما يقول البربر-، إذ يذكرها ابن خلدون في سياق آخر بهذا الاسم البربري ، فيقول عنها: « وأما واغمرت ، ويسمون لهذا العهد غمرت، وهم اخوة وجديجن ، ومن ولد ورتنيص بن جانا كما قلناه، فكانوا من أوفر القبائل عـددا، ومواطنهم متفرقة، وجمهورهم بالجبال الى قبلة بلاد صنهاجة من المشنتـل "جبل السحاري" إلى الدوسن ».
أما طريقة هؤلاء البربر في العيش ، فقد كانت البداوة سمة عامة تطبعها ، فقد « .. اشتهر الجيتوليون في تاريخ المغرب القديم بكونهم رعاة نموذجيين، حتى شبههم سترابون "strabon " بالعرب البدو، ووصف خيولهم و أبقارهم بأنها كثيرة العدد ». « كما أنهم ألفوا الانتقال نحو الشمال عبر العصور عندما تحل مواسم الرعي في بلاد التل ».
كما رأى ابن خلدون ان صفة الزناتيين البربر كانت الحياة البدوية ، وما تقتضيه من تنقل تلك القبائل بين المواطن بحثا عن أماكن الانتجاع، فذكر أنهم يسكنون الخيام، ويتخذون الخيل والإبل، ويألفون رحلتي الشتاء و الصيف ، وكذا يغيرون على العمران (وهي حياة تشبه إلى حد بعيد حياة العرب في شبه الجزيرة العربية)، وربما كانت هذه من أهم العوامل التي سهلت مجيء العرب المسلمين و استيطانهم البلاد ، وسهولة تعاملهم مع السكان البربر الأصليين.
الرومان في منطقة الجلفة
من أهم الوسائل التي اعتمدتها السياسة الرومانية من أجل إحكام السيطرة على الأراضي الجزائرية بناء بعض التحصينات " Les limes" التي امتدت من شط الحضنة شمالا إلى وادي جدي جنوبا. وفي سنة 126م امتدت هذه الحصون (Les limes) جنوب وادي جدي، وبذلك شملت منطقة الجلفة وكان الغرض منها صد أي هجمات متوقعة أو تحركات مريبة.
كما اعتمد الرومانيون على إنشاء قلاع، مثل قلعة ديميدي Castellum Dimmidi الواقعة قرب مدينة مسعد الآن. وقد بنيت في عهد الامبراطور الروماني سبتوس سفيروس. وكان ذلك سنة 198 م في رأي جلبير شارل بيكار، بينما يرى شارل اندري جوليان أنها بنيت سنة 201 م.
واستمر عمل هذه القلعة إلى غاية سنة 240 للميلاد. ولم تكن الوحيدة في هذه المناطق ، بل بنيـت قلاع أخرى في الجنوب ، في "القاهرة" وعين الريش والدوسن وبورادة، وكلها تقع في امتداد استراتيجي يتحكم في الاقليم الممند جنوب حوض الحضنة.
ولا شك في أن المكان المسمى دمد في منطقة مسعد أخذ تسميته من هذه القلعة التي تمثل موقعا مهما من الناحية التاريخية الاثرية، إذ كان يحوي بعض الاثار والأدوات البرونزية و الخزفية، وكذا رسوما جدارية .. وجلها تم استخراجه في نهاية ثلاثينيات القرن العشرين ، ووضع للعرض في متحف الآثار القديمة بالجزائر.
وهكذا فقد كانت مهمة هذه الحصون و القلاع التي وضعها الرومان هي احكام السيطرة وتوفير المن لنفسهم في الشمال الجزائري الذي عرف التركيز الاستيطاني أنذاك، إذ سمحت هذه الاجراءات بمراقبة تحركات البدو الذين كانوا يتنقلون في حدود هذه المناطق.
ولازالت بعض آثار قلعة ديميدي التي بنيت على وادي يعد أحد روافد وادي جدي المنطلق من المنحدرات الجنوبية لجبال أولاد نايل، لا زالت موجودة بمدينة مسعد في المكان المسمى دمد، ولازالت بعض القطع الأثرية المنقوشة من بنيانها معروضة بالمتحف السياحي لمدينة الجلفة.
وفي 1931 اقيم معمل كهربائي صغير من أجل إضاءة الأحياء وتحسين الحياة في المنازل. وبدأ استغلال الخشب الذي أوجد بعض مناصب الشغل لأهل المنطقة، ثم انطلق استغلال الحلفاء أيضا التي شغلت بعض مئات العمال. وقد كانت بعض كمياتها توجه لصنع الزرابي و الاطباق و الحبال .. في مصنع صغير في الجلفة ، بينما توجه جل الكمية إلى الجزائر ثم تنقل على متن البواخر.
و تم انشاء مكتب البريد في سنة 1936.
و كان عدد سكان الجلفة سنة 1948 حوالي 6212 نسمة منهم 5800 داخل المدينة.
الجلفة والكفاح الشعبي ضد الإستعمار
ارتبطت أولى طلائع الثورة و الكفاح في الجلفة بشخصية ابن الحسن المصري الذي كان زعيم حركة صوفية تدعى الدرقاوية. وكان من بين المنظمين له بعض من النوائل أما الاغلبية فكانت من العبازيز (نسبة إلى جدهم سيدي عبد العزيز).
وقد سار موسى بن الحسن نحو مدينة الجزائر رفقة أتباعه من اجل خوض غمار" الحرب المقدسة " ورمى الفرنسيين في الحرب وإسقاط الأمير عبد القادر الذي عقد اتفاقية معهم.
والظاهر أن نية ابن الحسن لم تكن سيئة تجاه الأمير، لكنه كان ربما مفتقرا للتفكير الاستراتيجي الحربي الذي يسمح بتوقيف الحرب مدة معينة. فاعتبر ان هذه الهدنة بين الأمير وفرنسا تحالفا مع الكفار ...
وفي طريقه إلى العاصمة كان أتباعه يزدادون شيئا فشيئا. وحين دخل مدينة المدية استنجد السكان بالأمير عبد القادر، فحدثت واقعة بين الرجلين سنة 1835 بتامجاهرت انهزم فيها ابن الحسن، واستطاع الفرار مع فلوله، واللجوء فيما بعد إلى مسعد حيث بدأ تنظيم صفوفه من جديد.
أما بالنسبة إلى كفاح الأمير عبد القادر في الجلفة فيذكر آرنو أن أولاد نايل انضووا تحت لواء الأمير سنة 1836 فقسم رجالهم إلى ستة فيالق، وعلى رأس كل فيلق شيخ ينضوي بدوره تحت سلطة " القائد ".
وكان سي عبد السلام بن قندوز أول قائد، لكنه عوض بعد سنتين (1838) بابن أخيه سي الشريف بلحرش الذي وضع نفسه تحت خدمة الأمير، وأعطاه الأمير لقب خليفة أولاد نايل بعد مقتل الحاج عيسى خليفة الاغواط ... وكان ينوب سي الشريف ثلاثة آغات هم :التلي بلكحل ومحمد بن عطية وابن عبد السلام .
وقد قام الامير بتطوير سلاح القبائل من منطقة بعد ان كانت أسلحتهم تقليديةوتماشيا مع هذا الولاء فقد شارك أولاد نايل في حصار عبد القادر الشهير لعين ماضي ضد احمد التيجاني سنة 1877، و أرسلوا فرقة عسكرية معتبرة من الفرسان كما ساعدوا الأمير في تأديب القبائل التي أعلنت الولاء للفرنسيين، سواء في مرتفعات المدية أو حتى في بلاد القبائل سنة 1846 وكذا شاركت فرقة أولاد نايل في معركة العين الكحلة مع الأمير عبد القادر ضد الجنرال يوسف، وفي معركة الخرزة بناحية الزعفران الغربي في أواخر سنة 1845.
ولم ينطفئ لهيب الثورة والتمرد على المستعمر في ربوع الجلفة بعد ذهاب الأمير عبد القادر، إذ قام القائد التلي بلكحل - الذي كان رفقة الأمير قبل ذلك- بحركة تمردية مع قبائل: أولاد سي احمد وأولاد أم هاني وسعد بن سالم في شهر أكتوبر من سنة 1845 بالزعفران شمال غربي مدينة الجلفة لكن فرقة من الجيش الفرنسي هاجمتهم، ورغم ذلك استطاع التلي بلكحل ورفاقه التسلل نحو الجبال القربية من مسعد.
كما قام أولاد أم الاخوة بهجوم على فيلق فرنسي تابع لمدينة الجلفة في منطقة عين الناقة جنوب المدينة في تاريخ 10 اكتوبر 1854.
وانتفض كذلك أولاد سعد بن سالم في سبتمبر 1851 وكذا أولاد طعبة في سبتمبر 1853 في جنوب شرقي الجلفة ودامت انتفاضتهم عدة اسابيع .
وتجدر الإشارة إلى الهجوم الشجاع الذي قاده الطيب بوشندوقة في ليلة 15 افريل سنة 1861 برفقة أولاد سي احمد وأولاد أم هاني والسحاري على البرج المقام بمدينة الجلفة التي كانت منطقة عسكرية آنذاك، إذ قام هؤلاء بهجوم مفاجئ على المدينة فقتلوا عددا من الفرنسيين ثم لاذوا بالفرار. إلا أن القائد الفرنسي "دي سوني" استطاع بمساعدة رجاله إلقاء القبض على بعضهم. وأقام لهم محاكمة عسكرية مستعجلة قررت إعدامهم وتقول بعض الروايات انهم دفنوا أحياء بالمكان المسمى " مطمورة 16 " وسط مدينة الجلفة. أما الطيب بوشندوقة فلم يلق عليه القبض ويقال انه لجأ إلى مصر.
الجلفة.. والجهاد أثناء الثورة التحريرية
غداة الثورة المباركة تمت عمليات لجمع الأسلحة والذخيرة ، ولتكوين لجان وفرق من الفدائيين والمسبلين، رغم أن قيادة الثورة أرادت ان تكون المنطقة مركزا للتموين ومكان راحة لجيش التحرير الوطني .
في الفترة الممتدة بين 1954 و 1956 حدثت عمليات فدائية جريئة كتخريب المنشآت الاستعمارية وقطع خطوط الهاتف وتفجير سكة الحديد .......
أما سنة 1956 تحديدا فكانت حاسمة اذ كلف عمر ادريس وزيان عاشور بالتمركز بجبل بوكحيل والبدء بتجنيد المجاهدين ، والقيام بعملية التدريب والتسليح.
وبعد مؤتمر الصومام تصبح الجلفة ضمن الولاية السادسة ويعين العقيد علي ملاح قائدا لها لكنه يستشهد في صور الغزلان ويصبح على اثر ذلك زيان عاشور (ابن المنطقة) القائد العام لها.
ولا يمر وقت طويل حتى يستشهد هذا القائد (1956)، ويصبح العقيد سي الحواس قائدا لها، وعمر إدريس رائدا سياسيا لها وقائدا لمنطقة الجلفة وما جاورها التي كانت تابعة للناحية الثانية من المنطقة الثانية للولاية السادسة .
امتازت الولاية السادسة بالتنظيم السياسي والإداري لخلايا جبهة التحرير الوطني وذلك بحكم طابعها الصحراوي أولا ، بحكم مواجهتها لمختلف الحركات المناوئة للثورة وقد اعتمدت جبهة التحرير السرية للتوغل في صفوف الشعب ، كما امتازت بمحاربة البنية الاقتصادية الاستعمارية خاصة ضد حقول البترول والغاز.
كما كانت تقوم بتنظيم فرار المجندين الجزائريين في صفوف العدو وجلب الأسلحة والأخبار . وواصل قادتها معارك جيش التحرير في الولاية السادسة.
في 29 مارس 1959 يستشهد سي الحواس ويقبض على عمر ادريس كي يعدم فيما بعد، ويصبح العقيد محمد شعباني قائدا للولاية حتى بزوغ شمس الاستقلال.
لا شك أن أهم مشكل واجهته المنطقة الثانية في الولاية السادسة هنا هو مشكل الثورة المضادة المتمثل في حركة بلونيس الذي وصل إلى المنطقة في جويلية 1956. وشكل حجر عثرة أمام تقدم المجاهدين الذين أصبحوا يقاتلون على جبهتين.
وحاولت الدعاية الفرنسية وكذا دعاية خصم الثورة بلونيس أن تفصل الشعب عن ثورته عن طريق نشر الأكاذيب وإرهاب الشعب.
كما قام بلونيس بعملية كادت أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على المستويين المحلي والوطني. إذ استطاع أن يسيطر على الوضع لمدة زمنية معينة إثر ذهاب عمر ادريس إلى المغرب في مهمة لجلب السلاح، لتركه لنائبه حاشي عبد الرحمان الذي قبض عليه بلونيس مع بعض الافواج التابعة له، إذ عذب وقتل على يده.
لكن عودة الرائد عمر ادريس رجحت الكفة لصالح جيش التحرير. وكان لمنطقة الجلفة الفضل في القضاء على هذه الحركة التمردية في 14 جويلية 1958 يوم مقتل بلونيس.
و من بين أشهر المواقع التي حدثت في منطقة الجلفة معركة الكرمة في جبل بوكحيل يومي 17 و 18 سبتمبر 1961 التي قادها المرحوم العقيد محمد شعباني قائد الولاية السادسة، وجندت لها فرنسا قوات ضخمة من كل النواحي مدعمة بجمع من الدبابات و أسراب من الطائرات قدرت بثمانين طائرة . لكنها منيت بأفدح الخسائر إذ فقدت 800 جندي و اسقاط ثلاث طائرات واحدة من نوع ث6 و اثنين من نوع ب29. و بالمقابل تم استشهاد 9 مجاهدين وجرح 7.
أما معركة جريبيع فكانت امتدادا للمعركة السابقة. إذ تتبع العدو المجاهدين الذين خرجوا من حصار معركة الكرمة، فعزز قواته وعتاده وحين دقت الساعة السادسة اندلعت المعركة التي استعمل فيها العدو سلاح النبالم، ولم تتوقف المعركة إلا في حدود منتصف الليل.
ومن المعارك البارزة في هذه الولاية ، نذكر معارك جبال القعدة و معركة جبل دلاج في 2 جويلية 1957، ومعركة جبل ثامر التي استشهد فيها العقيدان سي الحواس و عميروش .
و كانت معركة جبال الزاب في 15 أفريل 1957 قد خلفت خسائر لدى العدو قدرت بـ 12 جندي قتيل منهم ضابطان ساميان، و كذا اسقاط طائرة عمودية. أما من جانب جيش التحرير فاستشهد 03 شهداء و جرح 4 من المجاهدين.
و معركة الجلفة 3 جويلية 1957 اين خسر العدو الفرنسي 45 قتيلا و كذلك معركة 15/16 أوت 1957 اين خسر العدو الفرنسي 42 قتيلا و خسائر مادية باهظة.