لمحته وأنا قادم إلى المسجد في مدينة بريطانية .. شاب إنجليزي في العشرينيات من عمره على ما يبدو .. كان متحمساً في إلصاق إعلان لمحاضرات إسلامية ستقام في جامعة قريبة. وصلت إليه وأنا أدلف إلى المسجد فسمعته يحدث شخصاً بجانبه عن صحيحي البخاري ومسلم. سلمت عليهما ودخلت المسجد وأنا أفكر في هذا الشاب البريطاني المسلم وحماسته في نشر الدين.
وبعد الصلاة قابلت أحد الشباب المسؤولين عن الجمعية الإسلامية فأخذنا في الحديث عن الدعوة وكيف أن قليلاً من الكلمات والتعامل الحسن ربما يفضي النهاية إلى التحول لهذا الدين. هل تعرف تلك المرأة البريطانية المتحجبة؟ سألني. قلت لا لكنها على ما يبدو تفِدُ إلى المسجد كثيراً. قال اسمها (كيتي) ولها قصة. قلت هاتها. فرفع عينيه كأنه يتذكر وأخذ يسرد:
جاءت إلى معرض (اكتشف الإسلام) الذي تقيمه الجمعية الإسلامية كل عام امرأة بريطانية لا يبدو عليها الاهتمام كثيراً بما يدور في المعرض. غير أن قسم النساء في المعرض وتعامل الفتيات المسلمات معها جذبها لتسأل عن الحجاب والزواج واللباس وأمور كثيرة مما يشكل على غير المسلمين خاصة مع التضليل الإعلامي الكبير. ولما وصلت معهن إلى أسئلة التوحيد والفروق العقدية وبعض الشبهات أحالتها إحدى الفتيات إلى أحد الدعاة الواقفين في المعرض. فخرجت إليه وسألته مباشرة بعض الأسئلة. أجاب الرجل عن بعض أسئلتها وتركها تفكر كثيراً في بعضها الآخر قبل أن يجيب ثم عرض عليها قبل أن تخرج أن تحضر مرة واحدة إفطار المسلمات في المسجد فرمضان على الأبواب. أخذتْ كيتي موعداً وانصرفت. ثم جاء رمضان فإذا هي هناك حاضرة مع المسلمات إفطارهن تشاركهن الطعام وترقب ما يفعلنه منذ صلاة المغرب حتى نهاية التراويح. اشتد تعلقها فقد وجدت لدى الفتيات ثقة عالية وإجابات حاضرة وابتسامات دائمة وبهجة وحبوراً وتعبداً مختلفاً تماماً عن ما يفعله النصارى في الكنائس. صارت كيتي تحضر كل ليلة. وإذا عنّ لها سؤال أسرعت به إلى الفتيات أو إلى من تلقاه في المسجد من ذوي العلم حتى تحصل على إجابته وربما قضتْ ليلة كاملة حتى صلاة الفجر وهي تقرأ وتستفسر وتناقش وتشارك وتضحك.. ولكنها لم تكن تبكي أبداً. حتى إذا جاءت العشر الأواخر من الشهر الكريم، قالت لها إحدى الفتيات إننا في هذه العشر نجتهد اجتهاداً أكبر في العبادة ولضيق وقت الليل الذي لا يتجاوز سبع ساعات هنا في هذا البلد فإننا نقضيه كله في المسجد منذ المغرب حتى الفجر ونتناول الإفطار والسحور فيما بينهما. كأنها ألقتْ إلى كيتي بشرى فهي لم تكن تترك المسجد قبل دخول العشر فما ظنك بعدها. ازداد تعلق كيتي وهي تشاهد الفتيات يضحكن على الإفطار ويبكين أثناء الصلاة ويتناقشن بعدها ويتحادثن في حبور ومسرة.. ثم يقرأن القرآن فيخشعن ثم يحضرن درساً فيسمعن ثم يصلين فيبكين أخرى ثم يتسحرن فيضحكن … وعاشت المرأة في جوٍّ لم يكن يخطر لها على بال أبدا تشارك الفتيات ضحكاتهن وترقب في صمت وتعجب بكاءهن. غير أنها لم تكن تكفّ عن الأسئلة التي تطرق ذهنها، فيما كانت الأجوبة المباشرة والسهلة أشبه بالصدمة في كل مرة تناقش قضية تحسبها معضلة.
وأشرف رمضان على نهايته فأخبرتها الفتيات بأن هذا الشهر يكاد ينقضي وأن المسلمين يحتفلون في نهايته بيوم العيد يفرحون فيه بإتمام الطاعات ويسألون الله قبول القربات. ودعتها لحضور الاحتفال. كان السؤال معلقاً على وجه كيتي: وهل سنعود بعد هذا إلى المسجد نفعل الشيء نفسه؟ وكانت الإجابة نعم لكن بعد عام كامل .. هنا أطلقت كيتي دمعاتها التي حبستها منذ بداية الشهر نهراً جارياً على خديها .. زفرتْ فيها كل الشكوك وأزالت فيها كل التردد وأزاحت حواجز الأسئلة وسدود الانقباض ووقفتْ هناك بعد صلاة العيد تعلن إسلامها مرتدية الحجاب باعتزاز وفخر واختلطت على وجهها علامات الفرح والحزن تاركة دموع الفرح تعلن ميلادها من جديد.
قلت لمحدثنا هذه قصة عجيبة حقاً … قال المهم فيها أسلوب الدعوة وألا تحقر من المعروف شيئا. قال أحد الحاضرين صدقت، فهل تعرف الطبيب الذي يعمل في ذلك المستشفى؟ قلت لا. قال: هو طبيب للنساء والولادة وكانت تتردد عليه امرأة حامل فكلما انتهى موعدها أهداها كتابا أو نشرة صغيرة عن الإسلام. فإذا وصلت المرأة بيتها ألقته في خزانة الكتب ولم تكن في الغالب تلقي بالاً لها. استمرت المواعيد واستمرت الكتب التي تلقى هناك. ثم رزقت المرأة بمولود اسمته دانيال … وشب الفتى حتى بلغ خمس عشرة سنة أو نحوها حين وقع صُدفةً على أوراق مهملة في خزانة الكتب. كانت الأوراق هي ذاتها تلك الكتب والنشرات التي يعطيها ذلك الطبيب أمه يوم كانت حاملاً به! فأفضت به بعد مدة إلى الإسلام وكان قبل قليل يقف خارج المسجد يعلق لوحة لمحاضرة إسلامية في إحدى الجامعات. ذلك الشاب الإنجليزي كان دانيال هذا وهذه إذن قصته. عجباً! من كان يظن أن وريقات ذلك الطبيب، ستدل ابن تلك المرأة، بعد خمس عشرة سنة، إلى الإسلام، وليقف على عتبات المسجد يدعو إلى هذا الدين المجيد وليستتبع أجره وأجر دعوته من بعد ذلك الطبيبُ المسلم؟!
وبعد الصلاة قابلت أحد الشباب المسؤولين عن الجمعية الإسلامية فأخذنا في الحديث عن الدعوة وكيف أن قليلاً من الكلمات والتعامل الحسن ربما يفضي النهاية إلى التحول لهذا الدين. هل تعرف تلك المرأة البريطانية المتحجبة؟ سألني. قلت لا لكنها على ما يبدو تفِدُ إلى المسجد كثيراً. قال اسمها (كيتي) ولها قصة. قلت هاتها. فرفع عينيه كأنه يتذكر وأخذ يسرد:
جاءت إلى معرض (اكتشف الإسلام) الذي تقيمه الجمعية الإسلامية كل عام امرأة بريطانية لا يبدو عليها الاهتمام كثيراً بما يدور في المعرض. غير أن قسم النساء في المعرض وتعامل الفتيات المسلمات معها جذبها لتسأل عن الحجاب والزواج واللباس وأمور كثيرة مما يشكل على غير المسلمين خاصة مع التضليل الإعلامي الكبير. ولما وصلت معهن إلى أسئلة التوحيد والفروق العقدية وبعض الشبهات أحالتها إحدى الفتيات إلى أحد الدعاة الواقفين في المعرض. فخرجت إليه وسألته مباشرة بعض الأسئلة. أجاب الرجل عن بعض أسئلتها وتركها تفكر كثيراً في بعضها الآخر قبل أن يجيب ثم عرض عليها قبل أن تخرج أن تحضر مرة واحدة إفطار المسلمات في المسجد فرمضان على الأبواب. أخذتْ كيتي موعداً وانصرفت. ثم جاء رمضان فإذا هي هناك حاضرة مع المسلمات إفطارهن تشاركهن الطعام وترقب ما يفعلنه منذ صلاة المغرب حتى نهاية التراويح. اشتد تعلقها فقد وجدت لدى الفتيات ثقة عالية وإجابات حاضرة وابتسامات دائمة وبهجة وحبوراً وتعبداً مختلفاً تماماً عن ما يفعله النصارى في الكنائس. صارت كيتي تحضر كل ليلة. وإذا عنّ لها سؤال أسرعت به إلى الفتيات أو إلى من تلقاه في المسجد من ذوي العلم حتى تحصل على إجابته وربما قضتْ ليلة كاملة حتى صلاة الفجر وهي تقرأ وتستفسر وتناقش وتشارك وتضحك.. ولكنها لم تكن تبكي أبداً. حتى إذا جاءت العشر الأواخر من الشهر الكريم، قالت لها إحدى الفتيات إننا في هذه العشر نجتهد اجتهاداً أكبر في العبادة ولضيق وقت الليل الذي لا يتجاوز سبع ساعات هنا في هذا البلد فإننا نقضيه كله في المسجد منذ المغرب حتى الفجر ونتناول الإفطار والسحور فيما بينهما. كأنها ألقتْ إلى كيتي بشرى فهي لم تكن تترك المسجد قبل دخول العشر فما ظنك بعدها. ازداد تعلق كيتي وهي تشاهد الفتيات يضحكن على الإفطار ويبكين أثناء الصلاة ويتناقشن بعدها ويتحادثن في حبور ومسرة.. ثم يقرأن القرآن فيخشعن ثم يحضرن درساً فيسمعن ثم يصلين فيبكين أخرى ثم يتسحرن فيضحكن … وعاشت المرأة في جوٍّ لم يكن يخطر لها على بال أبدا تشارك الفتيات ضحكاتهن وترقب في صمت وتعجب بكاءهن. غير أنها لم تكن تكفّ عن الأسئلة التي تطرق ذهنها، فيما كانت الأجوبة المباشرة والسهلة أشبه بالصدمة في كل مرة تناقش قضية تحسبها معضلة.
وأشرف رمضان على نهايته فأخبرتها الفتيات بأن هذا الشهر يكاد ينقضي وأن المسلمين يحتفلون في نهايته بيوم العيد يفرحون فيه بإتمام الطاعات ويسألون الله قبول القربات. ودعتها لحضور الاحتفال. كان السؤال معلقاً على وجه كيتي: وهل سنعود بعد هذا إلى المسجد نفعل الشيء نفسه؟ وكانت الإجابة نعم لكن بعد عام كامل .. هنا أطلقت كيتي دمعاتها التي حبستها منذ بداية الشهر نهراً جارياً على خديها .. زفرتْ فيها كل الشكوك وأزالت فيها كل التردد وأزاحت حواجز الأسئلة وسدود الانقباض ووقفتْ هناك بعد صلاة العيد تعلن إسلامها مرتدية الحجاب باعتزاز وفخر واختلطت على وجهها علامات الفرح والحزن تاركة دموع الفرح تعلن ميلادها من جديد.
قلت لمحدثنا هذه قصة عجيبة حقاً … قال المهم فيها أسلوب الدعوة وألا تحقر من المعروف شيئا. قال أحد الحاضرين صدقت، فهل تعرف الطبيب الذي يعمل في ذلك المستشفى؟ قلت لا. قال: هو طبيب للنساء والولادة وكانت تتردد عليه امرأة حامل فكلما انتهى موعدها أهداها كتابا أو نشرة صغيرة عن الإسلام. فإذا وصلت المرأة بيتها ألقته في خزانة الكتب ولم تكن في الغالب تلقي بالاً لها. استمرت المواعيد واستمرت الكتب التي تلقى هناك. ثم رزقت المرأة بمولود اسمته دانيال … وشب الفتى حتى بلغ خمس عشرة سنة أو نحوها حين وقع صُدفةً على أوراق مهملة في خزانة الكتب. كانت الأوراق هي ذاتها تلك الكتب والنشرات التي يعطيها ذلك الطبيب أمه يوم كانت حاملاً به! فأفضت به بعد مدة إلى الإسلام وكان قبل قليل يقف خارج المسجد يعلق لوحة لمحاضرة إسلامية في إحدى الجامعات. ذلك الشاب الإنجليزي كان دانيال هذا وهذه إذن قصته. عجباً! من كان يظن أن وريقات ذلك الطبيب، ستدل ابن تلك المرأة، بعد خمس عشرة سنة، إلى الإسلام، وليقف على عتبات المسجد يدعو إلى هذا الدين المجيد وليستتبع أجره وأجر دعوته من بعد ذلك الطبيبُ المسلم؟!