...... ليل هذه المديـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــنة

احلى لمة

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
26 جوان 2007
المشاركات
2,156
نقاط التفاعل
93
النقاط
77
العمر
36

ليل هذه المدينة
كان الفصل خريفا كذاكرة الأعرابي،و كنت وحيدا..و النافذة أمامي تحكي عن أدغال الظلام..ليل طويل ..صراخ امرأة..غناء بنت الفقيه..أجساد عارية ..
طفل يكتب محنته بماء العينين على الرصيف..ظلم يلد الموت و الهزيمة.. أصوات مختلفة و صور شامخة..و عندما أحسست بأغلال السبات تداعب جفوني
قلت لميمون الليلة سترحل خارج قفصك ..ستدع النافذة خلفك لترى غرائب حيك ،و ستسقي من دفء الليل عطشك الطويل.
تسلقت وحدي الضباب لأتابع فصلا من فصول مأساتي ..كان الرجل يعانق الثغور و زوجته "ق" تنشر جسدها و تعري تفاصيله لدروب المدينة..
تبني بذلك موسما للعهارة العليا ..و أختها جسد مرقط يلد الأطفال بالمجان ،و ترقص على ذاكرة ثعبان..و أمها سلطعون أزرق ترسم بسمومها زمنا للجنون ،و نعشا للقبيلة..
أعترف أن سهري نزيف لجرح يسكنني منذ أمد بعيد..أعترف أن طريقي مرصع بالفجيعة و أن "ق" لوحة عار على جبين الأسوار التي تحمي المدينة ..لكن سلام عليك يا وطني...
نزلت من أحياء الصقيع لأستقر بعنف في هذه الزاوية ..نسجت من لون هذا الليل صورة لعشق مزيف و أخرى لجوع شارع طويل ..
و ثالثة لوليد يبحلق في براءة و ينتظر قدره..كان الحي عميقا كالبحر ..عندما رن الجرس ،انتبهت مذعورا ..أحسست بالحرارة تغزوني رغم برودة الخريف..
حينما انتشر الضوء أمام الباب كانت الصورة تماما كما رسمتها حكاية المدينة ..رجل في حجم الفراغ يحمل الخيانة و يمسح جسد "ق" بدفء عينيه ..
أشارت إليه المرأة و انحنى ثم قالت : ادخل هذا النفق ستجد خمرا و شيخات البلد و عمالقة الفساد و ربما عشقك العاهر..
رفع الرجل رأسه في وقفة حمار وديع ،ركبته "ق" و اختفيا..فبقيت وحيدا كمن ضل الطريق فضاع في عيون الأوهام..جثى الليل على المدينة..فنامت دروبي الفارغة..
و زاد غدر العشيرة للعشيرة..هناك حيث تكبر المحنة و ينــــمو التشرد ..و بحر الضباب و جبل الصمت كلاهما شامخ كالغسق..و أنا المهووس برائحة القبيلة
كنت أسامر ليلي ،و أجوب شوارع القفر و أدغال الدروب المنسية بحثا عن أسرار الظلام..كنت حزينا كالليل أمارس حضوري في الخفاء
عندما جاءني صاحبي و قال :يا ميمون أخبر أناس حيك أننا حملنا الذل في سبيل خبز يابس .
قل لهم بأن "ق" تبني بالطلاسم تسكع العصافير الشاردة و هجرة أسراب النوارس في اتجاه شاطيء الحزن..
أخبرهم بأنها تحفر قبورا في المقاهي العامرة و تبني مآسيا في الشوارع الفارغة..- كان الليل يتراقص كما السراب و أنا أحاول أن أخرج العالم من عين إبرة لأسكنه الفراغ...
-آه ..يأيها الزمن المنسوج ببقايا الصمت و الخداع احملني في جفون الحلم لمدينة احتضنها الفضاء المفعم بالقتامة و بصدى الجراح..هكذا قال صاحبي و مشينا ..
اخترقنا الدرب و دخلنا نفقا ..اندهشت لمشهد رهيب ..عجوز عارية ..بيدها اليمنى تهشم العظام و بيد ميت تهيء الطعام..و أمامها شمعة تصارع الظلام..
أي قدر يربط هذه العجوز بهذه الحياة ؟ تساءلت..حاصرتني كهوف معتمة من الأسئلة..و تهت في ثنايا الزمن المقيت و سكنتني شهوة الصمت التي سأحكي
عنها يوم عودتي ..نظرت الى صاحبي أشار الي،فسرت وراءه و المشهد يكبر بذاكرتي..في هدأة هذا النفق و صلنا للمشهد الثاني..
شيخ يكتب بالبخور مأساة القبيلة ليسهل على العجوز انتشال جثث الموتى..كانت تحيط به جماجم متآكلة و ربما يحاول إخراج المقبرة من صمتها ليصنع
بذلك قبيلة الأحياء/الأموات و بشرا يسيح في الأرض فسادا..هذا هو حال الأحياء المنسية..و ها أنا ذا أتنقل بين مشاهد الرعب و الخراب بينما زمن دروبي طوفان يغنيه المفسدون في الأرض..
كنت كمن يهذي في دجى هذا المكان و نسيت أني مسافر لأرى..
تقدم صاحبي نحو الشيخ وانحنى في خشوع..دمدم..لم يكن في وسعي أن أفهم شيئا..دار بينهما حوار يشبه حلكة القرون الغابرة ..أشار الشيخ بيده..
انفتح باب في أعماق النفق و دخلنا ..كان للمكان عيون ترصد الزمن..و كانت جماعة تتكون من امرأة و أربعة رجال..عطار البلد و مقدم الحي و الطبال ثم الساقي ..
كانوا عراة و كان جسد المرأة ..مسحت المكان وجدت الساقي يحتضن طفلين بين فخذيه و هو يسقيهما خمرا..اندهشت و أحسست بالدوار
لوحت المرأة للمصباح فانطفأ ..هنيهه عاد الضوء فوجدتني و المرأة رأسا لرأس..شعرت بالهلع الشديد ..فصرت في حجم جبان عظيم ..قالت لي لا تخف أعرف
أنك لا تتقن لعبة "ق" مع بنات حيك..فهيا تمدد أمامي في هذا العراء لأغسلك بماء جسدي حتى تصير فراغا كجثة فرعون..صرخت صرختها الأولى ،حضرت العجوز و في يدها طبق من ذهب ..
و في الطبق عظام موتى و شيء يشبه روث البهائم..صرخت صرختها الثانية حضر الشيخ..أخرج بخوره ثم بدأ يتمتم..أحسست بأني أضعف و أتآكل و الرجل يصغر في عيني حتى غاب عني نهائيا..
فسقطت كحائط قديم ..لا أدري كم لبثت ..لكني سافرت فرأيت العجائب و الغرائب و تلك حكاية أخرى لزمن آخر..في شبه حلم كنت أستعيد أنفاسي ..
و بوعي تام انتفضت واقفا ثم بدأت أحكي ..حكيت لها كل شيء..من يوم خيانة العطار لزوجته الى يوم خيانة الشيخ لقبيلته..ثم قلت لها و أنت لماذا تخونين بعلك
و حلم أطفالك ثم البلد؟..قالت تلك خطيئة الحي ..أما أنت هائم في ليل الشعراء و تحاول ترتيل قصائدهم التي توقظ جرح البسطاء المستكين..
سأحضر لك قمرا لينسيك ما تحمله من هموم آل حيك ،فالنسيان دواء للمهووسين من أمثالك .
و دعني أمارس خيانة دربك في صمت السنين القادمة ..و يوم تعود الشمس الى أكواخ الصفيح الغابرة سأبوح لك بحكاية الرعب المفاجيء حتى تتهادى
الى أحضاني لأقيك البرد الآتي من صميم الخريف..كانت لاءاتي تكبر..قدرت في نفسي أن سماء الخريف حبلى و لم يبق لي إلا الإنسحاب ..
لكنها نادت كلابها الضارية و أمرتهم بنهش عظامي ..شعرت بالمرارة ..حاولت الهروب جف قلمي ..
كنت ألهث عندما دوى الرعد بعنف..استفقت من غفوتي سمعت المطر يداعب الغرفة قلت تلك هي ليالي الخريف طويلة كأحلام الفقراء......(انتهى)
 
السلام عليكم
مشكور اخي على هذا الموضوع الراقي
تقبل مروري
img_1275506110_564.gif
 
لكنها نادت كلابها الضارية و أمرتهم بنهش عظامي ..شعرت بالمرارة ..حاولت الهروب جف قلمي ..

قصة جد رائعة
من فضلك من الكاتب فأنا مهوسة بالقصص والشعر
 
لكنها نادت كلابها الضارية و أمرتهم بنهش عظامي ..شعرت بالمرارة ..حاولت الهروب جف قلمي ..

قصة جد رائعة
من فضلك من الكاتب فأنا مهوسة بالقصص والشعر
شكراااااا اختى على الرد
بارك الله فيك
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top