الجنرال ديغول لا يجوز أن ترحل فرنسا من الجزائر، أن من حقها أن تبقى.. وستبقى".
إن الجنرال ديغول قد وضع كل
أماله في خططه التي ضبطها كي ينتصر على جبهة التحرير سياسيا وعسكريا، علما
بأن انتصاره المخطط على اليمين المتطرف كان في حسابه أحد عناصر الانتصار
السياسي على الجبهة.
لكن فشل برنامج "شال" العسكري قد فجأة، ومن هنا نظم رحلة، فيما بين 3و5
مارس 1960 إلى أهم المراكز العسكرية والنقاط الساخنة في الجزائر. بعض أقوال
الجنرال ديغول في هذه الرحلة تكشف إلى حد كبير عن حقيقة نواياه في هذه
الفترة.
فهو يقول في زيارته لمركز "حجر مفروش" في الشمال القسنطيني ما يلي: "لن
يحدث ديان بيان فو في الجزائر، لن ينجح التمرد في طردنا من هنا".
ليضيف: "أننا لا نستطيع أن نعمل أي شيء إذا نحن لم نحقق انتصار ساحقا في
الميدان... إن ما يسمى الاستقلال ليس إلا البؤس والتشرد والكارثة".
ويقول في مركز "رجاس" في شمال قسنطينة دائما، لا يجوز أن ترحل فرنسا من
الجزائر، أن من حقها أن تبقى.. وستبقى".
أما الحل السياسي المقبل فيقول عنه في المركز نفسه "... بعد الانتهاء من
العمليات العسكرية، سوف يمر زمن طويل قبل أن نشرع في التشاور، وسوف يمتد
ذلك على مدى سنوات".
أما في "بوغاري" فهو يقول: ".. يكون الجزائريون هم الذين يتخذون القرار،
وأنا اعتقد أنهم سوف يقررون جزائر جزائرية مرتبطة بفرنسا".
ويقول في مركز آخر من المرحلة نفسها:" إن نظام السيطرة المباشرة القائم على
الاحتلال لن يعود من جديد، أما الاستقلال فهو يبدو لي رؤية تجريدية، رؤية
متعصبة عمياء".
ظل الجنرال ديغول حتى السنة الثالثة من عودته للحكم، يؤمن بالخيار العسكري،
وقد كانت بعض العبارات المبهمة التي يطلقها من حين لآخر، مثل "الجزائر
جزائرية"، تهدف إلى تنويم الرأي العام الجزائري وتخدير الطاقات النضالية،
وقد ظل إلى ما بعد ذلك يراهن على الانتصار العسكري، بناء على انه إذا تحقق
فمن الذي يجرؤ على إجبار فرنسا على أن تترك الجزائر.
إن السياسة الديغولية لم تقتصر في خططها المواجهة جبهة التحرير وسحق جيش
التحرير على الجانب العسكري والسياسي الداخلي والاقتصادي، بل ضبطت خطة
سياسة خارجية متعددة الأوجه من أجل تأمين دعم أوربي واسع، على أساس أن مهمة
فرنسا في الجزائر تندرج في نطاق رسالة "العالم الحر" ضد "عالم الاستبداد".
فالسيد ديلوفربي، الذي كان قد عين مندوبا عاما في الجزائر، والذي أوكلت
إليه مهمة إنجاح مشروع قسنطينة الاقتصادي وما ترتب عليه من نتائج سياسية،
لم يتردد في أن يصرح في ربيع 1959، أثناء استقباله لوفد من رؤساء عدد من
البلديات الأوروبية الغربية قائلا:
"ان المعركة الدائرة في الجزائر لا تختلف عن معركة الدائرة في برلين
إن
إستقلال الجزائر لم يكن أبدا من صنع ديغول أو غيره، ولكن صنعه صمود الشعب
وراء قيادته المتمثلة في جبهة التحرير الوطني، والشعارات التي رفعتها
والخيارات التي طرحتها، والتي كانت حصيلة نضال سياسي وديني وثقافي استمر
سنوات طويلة.
وكل ما يمكن ان يقال في هذا المجال لفائدة الجنرال ديغول انه كان واقعيا،
لأنه عندما تأكد من تمسك الشعب الجزائري بجبهة التحرير الوطني وإصراره على
انتزاع الاستقلال، استخلص النتيجة من ذلك، بعد إن استنفذ وسائل القوة
والإكراه واستفرغ أساليب المناورة والتضليل.
لقد حاول أن يستعمل إفريقيا ضد الجزائر، مثلما حاول أن يستعمل جناحي المغرب
العربي ضدها، حتى إذا فشل في ذلك سلم باستقلال الجزائر حتى يضمن المصالح
الفرنسية في البلدان الافريقية جنوب الصحراء، إدراكا منه لدور الثورة
الجزائرية وصداها في تلك الأصقاع.
إن الجنرال ديغول إذ اكتشف انعكاسات الحرب الجزائرية على المصالح الفرنسية
في إفريقيا وفي العالم العربي، مغربه ومشرقة، ساير حركة التاريخ مكرها،
سعيا لأن تكون علاقاته الحسنة مع الجزائر مفتاحا لإعادة الاعتبار لمكانة
فرنسا ليس فقط في إقريقيا، ولكن في مجموع العالم الثالث
كتاب الحروب السرية على الجزائر
مذكرات ديغول تفضح سياسة الارض المحروقة في الجزائر / المؤلف
صالح مختار
إن الجنرال ديغول قد وضع كل
أماله في خططه التي ضبطها كي ينتصر على جبهة التحرير سياسيا وعسكريا، علما
بأن انتصاره المخطط على اليمين المتطرف كان في حسابه أحد عناصر الانتصار
السياسي على الجبهة.
لكن فشل برنامج "شال" العسكري قد فجأة، ومن هنا نظم رحلة، فيما بين 3و5
مارس 1960 إلى أهم المراكز العسكرية والنقاط الساخنة في الجزائر. بعض أقوال
الجنرال ديغول في هذه الرحلة تكشف إلى حد كبير عن حقيقة نواياه في هذه
الفترة.
فهو يقول في زيارته لمركز "حجر مفروش" في الشمال القسنطيني ما يلي: "لن
يحدث ديان بيان فو في الجزائر، لن ينجح التمرد في طردنا من هنا".
ليضيف: "أننا لا نستطيع أن نعمل أي شيء إذا نحن لم نحقق انتصار ساحقا في
الميدان... إن ما يسمى الاستقلال ليس إلا البؤس والتشرد والكارثة".
ويقول في مركز "رجاس" في شمال قسنطينة دائما، لا يجوز أن ترحل فرنسا من
الجزائر، أن من حقها أن تبقى.. وستبقى".
أما الحل السياسي المقبل فيقول عنه في المركز نفسه "... بعد الانتهاء من
العمليات العسكرية، سوف يمر زمن طويل قبل أن نشرع في التشاور، وسوف يمتد
ذلك على مدى سنوات".
أما في "بوغاري" فهو يقول: ".. يكون الجزائريون هم الذين يتخذون القرار،
وأنا اعتقد أنهم سوف يقررون جزائر جزائرية مرتبطة بفرنسا".
ويقول في مركز آخر من المرحلة نفسها:" إن نظام السيطرة المباشرة القائم على
الاحتلال لن يعود من جديد، أما الاستقلال فهو يبدو لي رؤية تجريدية، رؤية
متعصبة عمياء".
ظل الجنرال ديغول حتى السنة الثالثة من عودته للحكم، يؤمن بالخيار العسكري،
وقد كانت بعض العبارات المبهمة التي يطلقها من حين لآخر، مثل "الجزائر
جزائرية"، تهدف إلى تنويم الرأي العام الجزائري وتخدير الطاقات النضالية،
وقد ظل إلى ما بعد ذلك يراهن على الانتصار العسكري، بناء على انه إذا تحقق
فمن الذي يجرؤ على إجبار فرنسا على أن تترك الجزائر.
إن السياسة الديغولية لم تقتصر في خططها المواجهة جبهة التحرير وسحق جيش
التحرير على الجانب العسكري والسياسي الداخلي والاقتصادي، بل ضبطت خطة
سياسة خارجية متعددة الأوجه من أجل تأمين دعم أوربي واسع، على أساس أن مهمة
فرنسا في الجزائر تندرج في نطاق رسالة "العالم الحر" ضد "عالم الاستبداد".
فالسيد ديلوفربي، الذي كان قد عين مندوبا عاما في الجزائر، والذي أوكلت
إليه مهمة إنجاح مشروع قسنطينة الاقتصادي وما ترتب عليه من نتائج سياسية،
لم يتردد في أن يصرح في ربيع 1959، أثناء استقباله لوفد من رؤساء عدد من
البلديات الأوروبية الغربية قائلا:
"ان المعركة الدائرة في الجزائر لا تختلف عن معركة الدائرة في برلين
إن
إستقلال الجزائر لم يكن أبدا من صنع ديغول أو غيره، ولكن صنعه صمود الشعب
وراء قيادته المتمثلة في جبهة التحرير الوطني، والشعارات التي رفعتها
والخيارات التي طرحتها، والتي كانت حصيلة نضال سياسي وديني وثقافي استمر
سنوات طويلة.
وكل ما يمكن ان يقال في هذا المجال لفائدة الجنرال ديغول انه كان واقعيا،
لأنه عندما تأكد من تمسك الشعب الجزائري بجبهة التحرير الوطني وإصراره على
انتزاع الاستقلال، استخلص النتيجة من ذلك، بعد إن استنفذ وسائل القوة
والإكراه واستفرغ أساليب المناورة والتضليل.
لقد حاول أن يستعمل إفريقيا ضد الجزائر، مثلما حاول أن يستعمل جناحي المغرب
العربي ضدها، حتى إذا فشل في ذلك سلم باستقلال الجزائر حتى يضمن المصالح
الفرنسية في البلدان الافريقية جنوب الصحراء، إدراكا منه لدور الثورة
الجزائرية وصداها في تلك الأصقاع.
إن الجنرال ديغول إذ اكتشف انعكاسات الحرب الجزائرية على المصالح الفرنسية
في إفريقيا وفي العالم العربي، مغربه ومشرقة، ساير حركة التاريخ مكرها،
سعيا لأن تكون علاقاته الحسنة مع الجزائر مفتاحا لإعادة الاعتبار لمكانة
فرنسا ليس فقط في إقريقيا، ولكن في مجموع العالم الثالث
كتاب الحروب السرية على الجزائر
مذكرات ديغول تفضح سياسة الارض المحروقة في الجزائر / المؤلف
صالح مختار