
لقد كانت نازك الملائكة عرابة القصيدة العربية الحديثة ، رغم كثرة المنازعين لها والمؤيدين لهم ، الذين استكثروا عليها كأمرأة أن تنفرد بهذا الحدث المزلزل في تاريخ الشعر العربي كله .
أنها على اية حال آخر ما بقى أولئك الكبار الذين تنازعوا ذلك " المجد" الذي لم يتكرر كثيرا بعد ذلك في سجل انجازات القصيدة العربية المعاصرة تحديدا، فقد رحل قبلها بدر شاكر السياب ، وعبد الوهاب البياتي ، وبلند الحيدري وغيرهم ، من شعراء كلية المعلمين في بغداد الأربعينات أولئك الذين أقاموا دنيا الشعر العربي منذ ذلك الوقت ولم يقعدوها حتى الان ، وفقا لأوزانهم الحرة وقوافيهم العفوية ، وملأوا دنيا العرب الثقافية صخبا ما بين مؤيد ومعارض لثورتهم على عمود الشعر وأوزان الخليل.
لكن نازك التي اعتبرت نفسها الاحق في الانفراد بمجد الثورة تلك ، تألمت من اولئك الرفاق الذين حاولوا سحب بساط الاقدمية من تحت قدميها . وربما كان غيابها في أحد وجوهه الغامضة ، حتى الان ، يعود الى تلك المحاولات الجاحدة كما كانت تراها لاقصائها عن "مكتسبات الثورة " التي يبدو أنهم رأوا انها لا تليق بالنساء!!
ولدت نازك الملائكة في بغداد عام 1923 لأسرة مثقفة ينتمي لها أكثر من شاعر معروف و تخرجت من كلية دار المعلمين العالية عام 1944 ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة اللغة اللاتينية ثم عادت إلى العراق لتدرس الأدب المقارن في جامعة بغداد و البصرة عدة سنوات قبل أن تهاجر إلى بيروت ثم تعود مرة أخرى إلى العراق ثم إلى الكويت التي بقيت فيها حتى اعتزلت حياة التدريس و النشر تمهيدا لإعتزال الحياة كلها و هو الإعتزال الذي سبقته ارهاصات واضحة بنكوص شاعرة الحداثة عن حداثتها التي ابتكرت صيغتها الشعرية العربية ونظرت لها بمعنى أو آخر .
لنازك الملائكة العديد من المجموعات الشعرية منها عاشقة الليل ، و شظايا و رماد و قرار الموجة و شجرة القمر و أغنية الإنسان بغير ألوان البحر و للصلاة و الثورة بالإضافة إلى مجموعة قصصية عنوانه:الشمس التي وراء القمة صدرت لها في القاهرة قبل رحيلها بعشر سنوات و هيي مما نشرته في سنوات متفرقة من قصص قصيرة أما على الصعيد البحثي و النقدي فقد تركت وراءها العناوين التالية: قضايا الشعر الحديث، و سيكولوجية الشعر ، و التجزيئية في المجتمع العربي و الكثير من علامات الإستفهام حول حياة شاعرة عربية استثنائية حركت المياه الراكدة في بحر الشعر العربي الحديث قبل أن تركد هي نفسها في قرارة الموجة اللامتناهية من القصيدة . توفيت عرابة القصيدة العربية الحديثة عام 2007 بعد أن ظلت مريضة و لا تريد رؤية أحد على الإطلاق لفترة طويلة.. بل طويلة جدا
و هذه تحية لعاشقة الليل في ذكرى ميلادها
23/8/1923