الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا وكفانا وآوانا، ومن كل خير أعطانا، هدانا للإيمان وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا. أحمده حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ويرضى، أحمده حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، هدى من شاء من عباده للإيمان، وفتح لهم أبواب البر والإحسان، وأعانهم على الصيام والقيام، فكان عملهم مبرورا، وسعيهم مشكورا. له الحمد كله فكم أنعم علينا، ونشكره على ما أسدى إلينا، ونستغفره لذنوبنا وتقصيرنا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العظيم الذي خضع كل شيء لعظمته، والعزيز الذي ذل كل قوي لسطوته وعزته. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله رأى من آيات ربه ما رأى، وعلم من عظمته ما علم، فخشع قلبه لربه وسحت بالدمع عينه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.أيها المسلمون: اتقوا الله حق التقوى ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ﴾ الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد أيها المسلمون: مضى رمضان بما أودع العباد فيه من أعمالهم؛ فمحسن ومسيء، ومُشَمِّر ومفرط، ومستكثر ومقل، ومقبول ومردود، فيا لله العظيم كم من آية في رمضان تليت، وكم من جباه لله تعالى سجدت، وكم من عين من خشيته دمعت، وكم من دعوات إليه رفعت. مضى رمضان وملايين المسلمين في كل الأقطار قد عبدوا الله تعالى فيه، يمسكون عن المفطرات بطلوع الفجر، ويفطرون وقت غروب الشمس، فمن فرض عليهم ذلك ؟ ومن راقبهم فيه ؟ ولماذا أذعنوا له ؟ وامتثلوا أمره ؟ فسبحان الذي عبَّدهم له، وهداهم إليه !! مضى رمضان ومساجد المسلمين قد أضاءت في الليل بالقرآن والدعاء والتهجد والوتر، فكم من حمد لله تعالى وثناء عليه قد رفع من الأرض إلى السماء (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وكم من حاجة طلبها المصلون من الله تعالى وأمن عليها المسلمون ؟! وكم من مسائل وأسرار أفضى بها العباد إلى ربهم في خلوتهم وسجودهم ؟! ختم العباد شهرهم، واليوم يحضرون عيدهم، فمنهم المرحوم ومنهم المحروم، والعيد الحقيقي إنما هم عيد من قبل الله تعالى منه، ورضي عمله، وشكر سعيه؛ فاللهم اجعلنا برحمتك من المقبولين، ولا تجعلنا من المحرومين أيها المسلمون: خلال شهر كامل، وفي عشر مضت أضاءت مساجد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالقرآن، واكتظت بالمصلين ركعا سجدا؛ يبتغون فضلا من الله ورضوانا، يحذرون الآخرة ويرجون رحمة ربهم، قد علموا أن لهم ربا عفوا كريما فأقبلوا عليه بقلوبهم وأبدانهم، وانتصبوا لعبادته في محاريبهم، فلهجت ألسنتهم بذكره وشكره ودعائه، وسحت أعينهم بالدمع رجاء رحمته وجنته ورضوانه، وخوفا من عذابه وسخطه ونيرانه. نظروا إلى ماضيهم فإذا الأوزار تثقلهم، ثم نظروا إلى نعم الله تعالى عليهم فإذا هي تغرقهم، ثم نظروا إلى أعمالهم الصالحة فإذا هي تخجلهم من ربهم، ثم نظروا إلى جود ربهم وعفوه فطمعوا كما طمع قبلهم أبوهم الخليل عليه السلام حين قال ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ اللهم فاغفر لنا خطايانا، واستر عيوبنا، وارفع درجاتنا، وأقل عثراتنا، فإننا عبيدك وأنت ربنا، والعبيد يخطئون بالليل والنهار، والرب يسترهم ويعفو عنهم، اللهم سترك وعفوك يا ربنا، اللهم عاملنا بعفوك ورحمتك ولا تكلنا إلى أعمالنا. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد أيها المسلمون: من كان محسنا في رمضان فليحمد الله تعالى على إعانته وتوفيقه، وليثبت على إحسانه؛ فإن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلَّ، وأما من أساء فليتب إلى الله تعالى من إساءته؛ فإنه إن فاته رمضان لم يفته باقي عمره، فليتدارك ما بقي منه، وليعوض ما فاته؛ فإن العبد إذا مات لا يتبعه في قبره إلا عمله، ويرجع أهله وماله. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أيها المسلمون : لقد حرص أعداء الأمة الإسلامية في كلِّ مكان على إفساد هذه الأمة، وهدم كيانها، وشل حركتها، والقضاء عليها، وضربها من حيث لا تشعر، وإفساد شبابها، ونخر أجسامهم وعقولهم، وقد ظهرت محاولة إفسادهم لشباب المسلمين في ضرب كلِّ ميدان ومرفق، بغزو نشطٍ مكثفٍ من جميع الاتجاهات، ومن ذلك سلاح المسكرات والمخدرات الذي صدَّروه إلى كافة المجتمعات الإسلامية، وتفننوا في إرساله بشتى الصور ومختلف المسميات للقضاء على دينها وأخلاقها ومواردها وسر نهضتها ومصدر عزها. إنَّ الخمور والمخدرات والمسكرات محرمة في كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم وكذا في العقول الصحيحة والفطر السليمة ولدى أطباء العالم كلِّه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ عن ابن عُمَرَ قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ في الدُّنْيَا فَمَاتَ وهو يُدْمِنُهَا لم يَتُبْ لم يَشْرَبْهَا في الْآخِرَةِ " مسلم. إنَّ تعاطي المخدرات يؤثر على الحياة الاجتماعية تأثيرًا سلبيًا، فانشغال المتعاطي بالمخدر يؤدي إلى اضطرابات شديدة في العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية. فكم أفقرت المخدرات والمسكرات من غني وأذلت من عزيز ووضعت من شريف ؟ وكم سلبت من نعمة وجلبت من نقمة ؟ وكم أوقعت في بلية وعجلت من منية ؟ وكم أورثت من حسرة وأجرت من عبرة ؟ وكم مزَّقت من صِلات وعلاقات ؟ وكم فرقت من أُخُوَّةٍ وصداقات ؟ وكم حدث بسببها من طلاق ؟ وكم شتَّتت من أسر وجماعات ؟ وكم أشعلت من أحقاد وعداوات قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ﴾. فأيُّ خير وأيُ نفع يرجى من شراب لعنه الله ورسوله، وإنَّ جوًّا تنتشر فيه هذه الأدواء والمهلكات لهو جوّ يسوده القلق والتوتر، ويخيم عليه الشقاق والتمزق، إنَّ متعاطي الخمور والمخدرات تضعف قواه الجسدية والعقلية، فيصبح غير قادر على العمل، فيكون عالة على أسرته ومجتمعه، وقد ينتهي به الحال إلى الإعاقة الكاملة أو التشوه، بعد أن يفقد كلَّ مميزاته الإنسانية من عقل وخلق، ومقوماته الاجتماعية من عمل مثمر أو وظيفة نافعة أو صناعة رابحة، كما يفقد أهله وعشيرته وأصدقاءه، وفي ذلك ضياع للفرد الذي هو كيان الأسرة ولبنة في قيام المجتمع، وإذا فقدت الأسرة كيانها حلَّ بِها التمزق وأصبح بناء المجتمع هشًا ضعيفًا لا يستطيع أن يقف أمام العواصف المعادية والتيارات الوافدة، ويصير فريسة سهلة لأيِّ عدوٍ يتربص به الدوائر. إنَّ تعاطي المسكرات والمخدرات من أكبر الأسباب في انتشار الجرائم وتفشيها في المجتمعات فكم هتك بسببها من عرض ؟ ذلك أنَّ المدمن عادة ما يكون فاشلاً في مجتمعه، عاجزًا عن القيام بأيِّ عمل ينفعه، كما أنَّه يصبح خاليًا من الشعور بالمسؤولية، لفقده ما يؤهله لذلك من دين أو عقل، من أثر تلك السموم، وسيقدم على طلب المال وتحصيله من أيِّ مصدر، وبأي وسيلة حتى لو استدعى ذلك منه ارتكاب الجرائم بشتى صورها. إضافة إلى إخلال المتعاطي بالأمن العام عند وجوده في الأماكن العامة، كما أنَّ قيادته للسيارة تحت تأثير المخدر يشكل خطرًا عليه وعلى الآخرين فكم من الحوادث المروعة التي ذهب ضحيتها الأبرياء، إنَّ من يلقي بنفسه في سموم المخدرات يسهل عليه أن يبذل كلَّ غالٍ ونفيس، ويضحي بكلِّ عزيز من أجل الوصول إليها والحصول عليها، حتى ولو كان ذلك من أضيق المسالك وأخطر الطرق، فقد يسرق أو يختلس، بل ويتخلى عن جميع القيم والأخلاق ليحصل على المال الذي يشتري به تلك السموم. وأمَّا تَهريب المسكرات والمخدرات وترويجها فإنَّه يؤدي إلى تحريك النزعات العدوانية والإجرامية لدى كلِّ من يتعامل معها، فالمهربون لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم في الحصول على منفذ لإيصال ما لديهم من سموم إلى المكان المقصود، المهربون للمخدرات لا يتورعون عن التعاون مع أي جهة حتى لو كانت من الأعداء في سبيل تحقيق أهدافهم ومآربهم، وتحصيل مكاسبهم غير المشروعة.كما أنَّ المروج لا يتوقف عن ابتكار أسوأ الطرق والوسائل للوصول إلى فريسته، وأثره على الأطفال وحديثي السن كبير جدًا، لما يقدمه لهم من إغراءات، ولعدم وعيهم الكافي عن أضرار المخدرات، وعدم معرفتهم بالشخصية التي ينتحلها ذلك المروج ليوقعهم في وحل التعاطي والإدمان، مما قد يضطر أولئك - بعد تناولها والإدمان عليها - إلى ارتكاب جرائم السرقات والسطو للحصول على المال الذي يمكّنهم من شرائها والاستمرار في تعاطيها، وفي ذلك زعزعة لأمن واستقرار المجتمع، فهل يدرك المدمنون والمروجون ذلك عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ على اللَّهِ عز وجل عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ من طِينَةِ الْخَبَالِ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ وما طِينَةُ الْخَبَالِ قال عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أو عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ " مسلم. وعن أبي مُوسَى رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَقَاطِعُ رَحِمٍ وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ وَمَنْ مَاتَ مُدْمِناً لِلْخَمْرِ سَقَاهُ الله عز وجل من نَهْرِ الْغُوطَةِ قِيل وما نَهَرُ الْغُوطَةِ قال نَهْرٌ يجري من فُرُوجِ الْمُومِسَاتِ يؤذي أَهْلَ النَّارِ رِيحُ فُرُوجِهِمْ ﴾ أحمد وصححه الحاكم وابن حبان، وعن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " أتاني جِبْرِيلُ فقال يا محمد إنَّ اللَّهَ عز وجل لَعَنَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إليه وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَسَاقِيَهَا وَمُسْتَقِيَهَا " أحمد وصححه الحاكم , وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مُدْمِنُ الْخَمْرِ إن مَاتَ لقي اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ ٍ" أحمد وصححه ابن حبان والألباني، وعن أبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ من أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ على رؤوسهم بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ الله بِهِمْ الْأَرْضَ وَيَجْعَلُ منهم الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِير " أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن حجر وابن حبان والألباني. فهل يعي المدمنون والمروجون هذه التهديدات فيثوبوا إلى رشدهم ويعودوا إلى خالقهم ويصلحوا ما فسد من أخلاقهم هذا ما نرجوه. أيها المسلمون: احذروا الخمور والمخدرات فإنَّها سبب البلاء وكثرة الطلاق وضياع الأسر وتشتت الأبناء والبنات وفشو الفواحش والمنكرات. وحاربوا الخمور والمخدرات ولا تسكتوا على من يتعاطاها وتعاونوا مع رجال مكافحة المخدرات لتسعد الأسر ويعم الأمن والاستقرار جميع أرجاء هذه البلاد المباركة ؟ وأنتم يا شباب احذروا رفقاء السوء فقد دلت الإحصائيات التي أجريت أنَّ أكثر من ثمانين بالمئة من الشباب الذين يتعاطون الخمور والمخدرات كان رفقاء السوء السبب وراء تعاطيهم لها. وأنتم أيها الآباء أبناؤكم أمانة في أعناقكم وإنَّ الله سائلكم عنهم فحافظوا عليهم وجنبوهم رفقاء السوء ولا تناموا إلَّا وأبناؤكم داخل البيوت ليسلموا من تيار المخدرات وفساد الأخلاق. وأمَّا أنتم يا من وقعتم في شراك المخدرات إياكم أن تُصِِمُّوا آذانكم حينما تسمعون نصح الناصحين بل كونوا من الذين لهم قلوب يعقلون بها وآذان يسمعون بها وأعين يبصرون بها ولا تكونوا من الغافلين. الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد أيها المسلمون: يوم العيد يوم من أيام الله تعالى، ونعمة اختص الله تعالى بها عباده المؤمنين، فوجب عليهم أن يشكروا الله تعالى عليها وعلى نعمة إدراك رمضان، وتمام الصيام، وليس من الشكر في شيء أن يكون يوم العيد يوم المنكرات كأنَّ رمضان سجن والناس قد أطلقوا منه، وكأنَّهم لم يستفيدوا من شهرهم شيئا. إنَّ النَّاس قد توسعوا في العيد توسعا تجاوز المباحات إلى كثير من المحرمات، كإقامة لحفلات الغنائية وغيرها قال الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء حفظه الله " إن كثيرا من الناس تضيع أوقاتهم بعد العيد بالسهرات والرقصات الشعبية واللهو واللعب وربَّما تركوا أداء الصلوات في أوقاتها أو مع الجماعة فكأنَّهم يريدون بذلك أن يمحو أثر رمضان من نفوسهم إن كان له فيها أثر ويجددوا عهدهم مع الشيطان الذي قل تعاملهم معه في شهر رمضان، إنَّ أولئك حري ألَّا يقبل منهم رمضان لأنَّ من صحة شروط التوبة العزم على عدم العودة إلى الذنب بعدها وهؤلاء تركوا الذنوب تركا مؤقتا ثم عادوا إليها وهذا لا يعتبر توبة لأنَّهم إنَّما تركوها لعارض ثم عادوا إليها بعد زواله " وكل هذا الإثم العظيم، والمنكر الكبير ربما سوغوه بفرحة العيد، والتوسعة على الناس فهل الفرح بما شرع الله تعالى للناس من الأعياد المباركة يكون بمبارزته سبحانه فيها بالعصيان، ليست هذه أخلاق المؤمنين، ولا ما تعلموه من الشهر الكريم، فاجتنبوا - رحمكم الله - المنكرات في العيد صيانة لدينكم، وشكرا لربكم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون )).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ؛ أوجدنا من العدم، وأفاض علينا النعم، وهدانا لما يصلحنا في دنيانا، ودلنا على ما نفوز به في أخرانا؛ فله الحمد لا نحصي ثناء عليه كما أثنى هو على نفسه. وأشهد ألا لا إله إلا الله هدانا للإسلام، وعلمنا القرآن ووفقنا للصيام، وأعننا على القيام وشرع لنا هذا العيد المبارك ﴿ وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أيها المسلمون: إن كنَّا فقدنا رمضان في صيام نهاره، وقيام ليله، وملازمة القرآن والذكر والدعاء، وأداء الحقوق والواجبات، والإحسان إلى الناس؛ فإنَّنا تعلمنا من رمضان أنَّنا قادرون على أداء هذه العبادات مهما كثرت مشاغلنا، وعظمت مسئولياتنا. وحقُّ الله تعالى علينا أعظم حق يجب أداؤه ؛ فهو خالقنا ورازقنا وآمرنا وناهينا، وهو الذي يجزينا بأعمالنا، ونحن عبيده لا ننفك عن عبوديته في أي حال، وقد شرع لنا صيام النوافل، وقيام الليل، وأكَّد علينا أن نوتر قبل أن ننام إلَّا من كان يقوم آخر الليل وذلك أفضل، وأمرنا بقراءة القرآن وتدبره والعمل به ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ﴾ كما أمرنا سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الخلق مَنْ بَعُدَ منهم عنَّا، ومن قَرُبَ منهم منَّا، وحقوق القريبين آكد علينا وأعظم في شريعة ربنا عز وجل؛ كالوالدين والأرحام والجيران. ومما شرع الله تعالى لنا عقب رمضان صيام ستة أيام من شوال؛ كما جاء في حديث أَبي أَيُّوبَ الأَنصَاريِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتبَعَهُ سِتاً مِنْ شَوَّالَ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهر ِ)) رواه مسلم. وفي حديث ثُوبانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( صِيامُ رَمَضَانَ بِعَشرَةِ أَشْهُر، وصِيَامُ السِّتَّةِ أيَّامٍ بِشَهرَينِ فذَلك صِيَامُ السَّنَة )) وفي رِوايةٍ (( مَنْ صَامَ سِتَّةَ أيَّامٍ بَعْدَ الفِطْرِ كَانَ تَمامَ السَّنة ﴿ مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ رواهُ أحمدُ وابنُ ماجه. ومما ينبغي أن يُعلم أنه يجوز صِيامِها في أَوَّلِ الشَّهرِ أَو وَسْطِهِ أو آخِرِهِ، مُتَتَابِعَةً أو مُتَفَرِّقَةً، فكُلُّ ذلك مَشرُوعٌ، وأيًّا ما فَعَلَهُ المُكَلَّفُ فَجَائِزٌ، ويَستَحِقُّ الأَجْرَ المُرَتَّبَ عَلَيْهِ إِنْ قَبِلَ اللهُ تَعَالَى مِنه، ومَنْ كان عَليهِ قَضَاءٌ مِنْ رَمَضَانَ قَدَّمَ القَضَاءَ عَلى السِّتِ ثُم صَامَهَا بعدَ ذَلك؛ لظَاهِرِ قول النبي عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتبَعَهُ سِتاً مِنْ شَوَّالَ)) يَعْني صام رمضان كَاملاً، ومَنْ بَقِيَ علَيهِ أَيَّامٌ من رَمَضَانَ فَلا يَصْدُقُ عَلَيهِ أَنَّهُ صَامَ رَمَضَانَ حَتى يَقضِيَ تِلكَ الأيَّامَ التي علَيه منه ؛ ولأَنَّ إبرَاءَ الذِّمةِ من الوَاجِبِ أَولَى مِن فِعلِ المَندُوب فاتقوا الله يا مسلمون وأحسنوا العمل عمرَكم كلَّه كما أحسنتم في رمضان، وسلوا الله تعالى قبول الأعمال، والثبات على الإيمان. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد أيها المسلمون: اليوم يوم فرح وحقَّ لكم أن تفرحوا بعيدكم بعد أن منَّ الله تعالى عليكم بتمام شهركم، وأداء ما أوجب عليكم، فالعيد عيد المسلمين الصائمين.بِروا والديكم، وصلوا أرحامكم، وأزيلوا الشحناء من قلوبكم، وأصلحوا بين المتخاصمين فيكم، وكونوا كما أمركم الله تعالى إخوانا متآلفين متعاونين على البر والتقوى. ولا تنسوا إخوانكم المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، وخصُّوهم بصالح دعائكم؛ فإنَّهم إخوانكم، ابتلاهم الله تعالى وعافاكم، فاعرفوا لهم حقهم، واشكروا الله تعالى على عافيته. واعبدوا الله في رمضان وبعد رمضان، وراقبوه سبحانه في كل الأحوال والأحيان، فما أشد حاجتكم إليه، وهو الغني سبحانه عنكم. أعاده الله علينا وعليكم وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والأمان وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال إن الله وملائكته يصلون على النبي.رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Sharia/0/34307/#ixzz1WVo1OGct