
الكل يتوقع أن يكون للعاصمة سُحنة جديدة مع انطلاق عدد من مشروعات الهندسة المعمارية في مشارق المدينة. إن بناء مراكز التسوق والمُجمّعات السكنية وأحد أكبر المساجد في العالم على رصيف خليج العاصمة سيُغيّر المدينة تماما.
المشروع بدأ منذ فترة طويلة. خلال الثمانينات، رصدت الحكومة خطة لإعادة تهيئة القطاع الساحلي شرق منطقة الميناء والذي سيخلُف المباني والمساكن التي يعود تاريخها للقرن التاسع عشر مع إنشاء عدد من الأحياء العصرية. بيد أن خطة تهيئة خليج العاصمة عُلقت بسبب ما تكبدته الجزائر من أضرار لأهم مصادر مداخيلها ألا وهو تراجع حاد في أسعار النفط وذلك على مدى نصف عقد من الزمن.
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قال "هناك مشروعات عالقة لسنوات بسبب الأزمة المالية التي شهدتها البلاد في خلال العقد الأخير. واليوم الأموال مُتاحة لها وقد حان الأوان لإطلاقها من جديد وإعطاء العاصمة مظهرا يليق بمكانتها كعاصمة".
مشروع "مدينة الجزائر" الذي ترعاه مجموعة شركات الدهلي هو أصلا قيد الإنجاز. وستضم الخطة التي صيغت بناء على مفهوم ترفيهي، إنشاء مراكز للتسوق ومارينا وحديقة ألعاب مائية رياضية ومراكز للأنشطة الثقافية وشارع للمُشاة بطول 20 كيلومتر حيث سيتمكّن الجزائريون من مزاولة رياضاتهم المفضلة أو التنزه مشيا على الأقدام بمحاذاة الساحل البحري.
يتوقع أن يكون المركز التجاري جاهزا السنة الجارية في حين يُنتظر استكمال إنشاء المُجمع السكني الفاخر والمركز الإداري بحلول 2009 حسب تصريح مدير مجموعة الدهلي والمُنعش العقاري الجزائري عبد الوهاب رحيم.
وعلاوة على مئات مناصب العمل التي سيُسهم المشروع في استحداثها مع تقدمها في التنفيذ، يُرجى من "مدينة الجزائر" أن تضع حدا لحالة الضجر التي تسود في أجواء العائلات الجزائرية نظرا لغياب فضاء ترفيهي خلال نهاية الأسبوع والأعياد. مركز التسوق على سبيل المثال، سيكون مفتوحا على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع السبعة ويضم فضاءات المرح للأطفال ومواقف تتسع لنحو 6000 سيارة.
رحيم أكّد أن "البعد الاجتماعي لمشروع "مدينة الجزائر" أتى ردا على احتياجات الناس لمظاهر الترفيه والاسترخاء. فيوم عيد أو عطلة عن العمل في العاصمة قد يكون مملا في الوقت الحالي. وهو أمر مُتعب للعديد من الناس أن تتعامل مع الفراغ".

[نظيم فتحي] شركات الإنشاء العقاري الأجنبية اقترحت تغيير مظهر العاصمة على غرار مدينة دُبي
شركة "إعمار" الإماراتية للعقارات أبدت أيضا اهتماما بتطوير الساحل الجزائري حيث تعتزم استثمار 28 مليار دولار في مشاريع سياحية وفندقية في العاصمة. وتقترح المؤسسة تغيير مظهر المدينة على شاكلة دُبي حسب تصريح مالكها محمد بن علي العبار لمغاربية.
وتضم الخطط الأخرى للمشروع إعادة هيكلة محطة القطار الرئيسية في المدينة لتتسع لنقل 80.000 مسافرا يوميا. وسيضم خليج الجزائر العاصمة منتزهات وقنوات بحرية على طول أربع كيلومترات على الواجهة البحرية بمحاذاة الفنادق الفاخرة والمكاتب والشقق المميزة. وسيعمل المشروع في مجموعه على تحويل منطقة على طول 18 كيلومترا.
المسجد الكبير هو آخر وأكبر خطة إعادة تهيئة الخليج. يتوقع أن يُمثل المسجد المزمع إنشاؤه، ثالث أكبر مسجد في العالم بعد مسجدي مكة والمدينة المنورة، حيث سيتسع لنحو 12.000 مصليا. وسيكون المسجد المُشيد على مساحة 20 هكتارا في حي المُحمدية شرق العاصمة، بمثابة ملجأ روحاني ومكان لمزاولة الشعائر الدينية والثقافية والعلمية.
وتضم الخطط بناء فضاء للنزهة وقاعة للصلاة بطول 20.000 متر مربع ومئذنة تضم متحفا دينيا. كما سيحتضن المسجد "دار القرآن" التي ستُخرّج 300 طالبا لما بعد المرحلة الجامعية ومركزا للثقافة الإسلامية وموقفا للسيارات يتسع لما بين 4000 و6000 سيارة.
المسجد الجديد سيكون ثاني أكبر معلمة دينية تُشيّد فوق هذه المنطقة بعد استكمال مسجد الأمير عبد القادر في منتصف الثمانينات في قسنطينة.
وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قد أذن بانطلاقة المشروع رغبة منه في استحداث متحف عصري وتاريخي على غرار مسجدي العاصمة الشهيرين- المسجد الكبير الذي أسسه المرابطون في القرن الحادي عشر ومسجد كتشاوة الذي أسسه العُثمانيون في القرن السابع عشر الميلادي. ويعمل حاليا على مراجعة مقترحات الإنشاء التي تقدمت بها شركة استوديو الفرنسية للهندسة المعمارية وشركة أتسيب أتكينس (الفرنسية البريطانية) وكريبس كيفيف (الألمانية التونسية) وشركة إيبرو الألمانية وجيندار الإيرانية المحدودة المسؤولية.
سكان العاصمة تعوّدوا على تأخير مواعيد مشروعات الإنشاء ولذلك فهم ينظرون لكل هذا بعين الإرتياب. سألنا السيد عمي عُمر خلال جولته لاصطياد سمك الأربيان قرب فندق هيلتون فقال "عندما يرى المشروع النور، آنذاك يمكننا أن نتحدث عنه بتفصيل".
الأستاذة نصيرة بوشيبة كان لها رأي مخالف "لا، نحن بحاجة لمشروعات كهذه لتغيير مظهر العاصمة الذي بات يزداد مُشوها يوما بعد الآخر. أعتقد أن تحديث شرق العاصمة سيسمح لأهالي المدينة بالتمتع بفضاءي الاسترخاء ويُمكنهم الجمع بين الاستفادة والاستجمام. بالنسبة للعاملين طيلة الأسبوع لا يجدون وقتا للتسوق سوى نهايته أو الخروج لزيارة الأقارب. وغالبا ما يتعاملون مع غياب ذلك لأن فضاءات الترفيه أو مراكز التسوق بمواقف للسيارات منعدمة".
[نظيم فتحي] الفنادق الدولية الفخمة مثل هيلتون بدأت أصلا تزين مظهر خليج العاصمة.
شرق المدينة بدأ أصلا يجد مصدرا للافتخار كالفنادق الفخمة التي تديرها كبريات الشركات الدولية. هناك أحياء للتسوق ومراكز تجارية وقطار ترام ستكون جاهزة بحلول السنة القادمة. ولكن ثمة سحابة سوداء تُعكر صفاء الأفق: مياه نهر الحراش العالية التلوث.
واد الحراش ظل يُمثل المتاعب للحكومة وللقاطنين على ضفافه. فرغم تنصيب محطة لمعالجة مياه المجاري قربه فإن درجة التلوث لم تتوقف أبدا عن الواد. وذكرت دراسة حديثة قامت بها شركة يابانية استشارية أن الشركات القائمة على ضفاف النهر هي المسؤول الأول عن حالة التلوث في النهر.
الدكتور ميتسو يوشيدا قال لنا عن ذلك "مستويات الزئبق الموجودة في مياه واد الحراش تفوق المتعارف عليه دوليا بثلاثين ضعفا وستُثبت التحليلات القادمة المخاطر الممكنة التي يشكلها التلوث في خليج العاصمة".
وعلى الرغم من أن الحكومة نفذت مبدأ "المُلوِّث يؤدي الثمن" عام 2004 فإن المُنشآت المسؤولة عن حالة التسمم تواصل رمي النفايات في الواد ومحطات معالجة المياه على طول ضفاف النهر عاجزة عن حل المشكلة. وقد تبلغ كلفة تطهير واد الحراش أزيد من نصف مليار دولار.
رشيد نوري، أحد سكان حي المحمدية بالعاصمة قال لنا "الأمريكيون لهم نهر الميسيسيبي ونحن لدينا "الآنسة بي بي" [كناية عن رمي القاذورات]".
وتابع يقول "عجبا للدولة التي تعتزم إنفاق ثلاثة ملايير دولار لبناء مسجد لأجل الأبهة فقط وهي نفسها عاجزة عن معالجة مياه واد
مع كل تمنياتي الازدهار الدائم للشعب الجزائر و الجزائر الشقيقة خوكم تونسي