اتبع التعليمات في الفيديو أدناه لمعرفة كيفية تثبيت تطبيق المنتدى على هاتفك.
ملاحظة: This feature may not be available in some browsers.
[ مسابقة الماهر بالقرآن ]:
هنيئا لأختنا فاطمة عليليش "Tama Aliche" الفوز بالمركز الأول في مسابقة الماهر بالقرآن التي نظمت من قبل إذاعة جيجل الجهوية وتحت إشراف مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية جيجل. ونيابة عن كافة أعضاء وطاقم عمل منتدى اللمة الجزائرية نهنئك بهذا الفوز فألف ألف ألف مليوون مبروك هذا النجاح كما نتمنى لك المزيد من النجاحات والتوفيق وأن يكون هذا الإنجاز إلا بداية لإنجازات أكبر في المستقبل القريب بإذن الله. موضوع التهنئة
اختلط على كثير من الناس مفهوم التوسل الجائز والتوسل الممنوع, نرجو من سماحة الشيخ أن يبيِّن لنا ما هو التوسل، وما هو الجائز منه وما هو الممنوع، وأمثلة على ذلك؟
التوسل كما ذكره ابن القيم وغيره -رحمة الله عليه-، التوسل أقسام ثلاث: توسل والشرك الأكبر، كدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات، والذبح لهم والنذر لهم، هذا هو الشرك الأكبر، يقول المشركون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى[الزمر: 3]، هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ[يونس: 18]، يتوسلون بدعائهم واستغاثتهم بهم، وهذا هو الشرك الأكبر. التوسل الثاني: التوسل بذواتهم، تقول: اللهم إني أسألك بذات فلان، بنبيك فلان، اللهم إني أسأل بعبادك الصالحين، اللهم إني أسألك بمحمد، بموسى، هذا توسل ممنوع، بدعة، لأنه وسيلة للغلو والشرك. التوسل الثالث الجائز المشروع: وهو التوسل بأسماء الله وصفاته، التوسل بأعمالك الصالحة، بإيمانك، هذا التوسل المشروع، مثل ما قال الله -جل وعلا-: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف: 180]، ومثل ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله بأسمائه وصفاته، هذا يقال له: التوسل المشروع، وقد جاء في حديث: أعوذ بعزتك أن تذلني، فالتوسل بصفات الله أمر مشروع، أسألك برحمتك، أسألك بعلمك، أسألك بإحسانك، أسألك بقدرتك أن تغفر لي،.... دعاء الذي سأله....عثمان بن أبي العاص، واشتكى إليه ضرباً، قال: ضع يدك على ما تشتكي وقل: (أعوذ بالله بعزته وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)، فتوسل بعزة الله وقدرته، من شر ما يجد ويحاذر، واستعاذ بذلك، (اللهم إني برضاك من سخطك، وبعفوك عن عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك). أما التوسل بالإيمان والأعمال الصالحة والتقوى لله، فهذا هو التوسل الشرعي، فالتوسل بصفات الله وبأسماء الله وبإيمانك وتقواك هذا توسل شرعي، أما التوسل بالذوات، ذوات فلان وفلان، أو جاه فلان، أو حق فلان فهذا توسل بدعي، فلا يتوسل بجاه فلان، ولا بحق فلان، ولا بالنبي فلان، ولا بذات فلان، فهذا توسل بدعي. أما التوسل ....... الله، بطاعة الله، باتباعك لشرع الله، هذا كله لا بأس به، توسل بصفات الله، وتوسل بأسماء الله وصفاته، وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا[الأعراف: 180]، ومنه التوسل بالأعمال الصالحة، كأن تقول: اللهم أني أسأل بإيماني بك، بتوكلي عليك، بثقتي بك، ببري لوالدي، بأدائي الأمانة، وما أشبه ذلك، هذا كله توسل شرعي ومن حديث أصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، فقالوا فيما بينهم: لا ينجيكم من هذا الباب إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم، فسألوا الله بصالح أعمالهم فقال أحدهم: اللهم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالا، فنأى بي طلب ...... ذات ليلة فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فوقفت على رؤوسهما والقدح في يدي، انتظر استيقاظهما، ولم استحسن استيقاظهما حتى برق الصبح، فلما استيقظا شربا غبوقهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً لا يستطيعون الخروج منه، وقال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني راودتها عن نفسها فأبت، فألمت بها سنة، يعني حاجة شديدة، فجاءت إليّ تقول: يا ابن عم أعني، فقال: لا حتى تمكني من نفسك، فطاوعته من أجل حاجتها، فلما جلس بين رجليها قالت له: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت عنها خوفاً منك، وهي أحب الناس إليّ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة بعض الشيء، لكنهم لا يستطيعون الخروج، ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل أجيرٍ حقه إلا واحداً ترك أجره فلميته له، وثمرته له، حتى صار منه إبل وبقر وغنم وعبيد، فجاء إليّ بعد ذلك، وقال: يا عبد الله اعطني أجري، فقلت له: كل ما ترى من أجرك، -من الإبل والبقر والغنم والعبيد- قال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، قلت: لا إني لا استهزئ بك إنه من أجرك نميته لك فخذه، فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة حتى خرجوا)، هذا التوسل من هؤلاء الثلاثة بأعمالهم الطيبة التي فعلوها لله -عز وجل-، فنفعهم الله بها عند الشدة.
............................................................................
فتوى للشيخ العلامة الفقيه عبد الله بن عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، منقولة من موقعه.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. أما بعد:
فمن المعلوم أن أي عمل يقوم به الإنسان لا يكون مقبولا عند الله تعالى حتى يتوفر فيه شرطان: أحدهما: أن يكون خالصا لوجه الله. الثاني: أن يكون موافقا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ونظرا لأن التوسل البدعي يخل بالشرط الثاني، بل إنه وسيلة قد تفضي إلى الشرك، وقد أشكل فهمه على كثير من الناس، مما أوقع الكثير فيه؛ لذا أحببت أن أكتب لمحة موجزة حول التوسل المشروع والممنوع.
تعريفه:
التوسل في الشرع: هو التقرب إلى الله تعالى بما شرعه في كتابه، أو على لسانه رسوله صلى الله عليه وسلم.
الوسيلة في الشرع:
ما يتقرب به إلى الله، رجاء حصول مرغوب، أو دفع مرهوب، من فعل الواجبات والمستحبات أو ترك المنهيات، وتكون مشروعة، كما تكون ممنوعة. والوسيلة تكون مشروعة وتكون ممنوعة، فما وافق الكتاب وصحيح السنة فهي مشروعة، وما خالف الكتاب والسنة فهي ممنوعة.
أنواع التوسل:
أولا: التوسل المشروع
التوسل المشروع هو تقرب العبد إلى الله بوسيلة وردت في الكتاب أو صحيح السنة، ومن أنواعه
الأول: التوسل بأسماء الله وصفاته:
قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة الأعراف: 180]. وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن ندعوه متوسلين بأسمائه الحسنى، وأسماؤه سبحانه متضمنة لصفاته، فتكون داخلة في هذا الطلب. وبذلك يتضح دلالة الآية على مشروعية التوسل بأسمائه وصفاته.
بيانه: هو التوسل إلى الله بالاسم المقتضي لمطلوبه أو بالصفة المقتضية له. مثاله: كأن يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعطيني كذا أو تدفع عني كذا". أو يقول: "اللهم إني أسألك بأنك أنت الرحمن الرحيم، اللطيف الخبير أن تعافيني". أو يقول: "اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن ترحمني وتغفر لي، ونحو ذلك".
ومن السنة ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر يقول: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث» [رواه الترمذي].
الثاني: التوسل بالأعمال الصالحة:
وهو التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته، ويدخل في ذلك كل عمل قام به العبد بقلبه أو لسانه أو جوارحه خوفا من الله أو رجاء له وحده، لا لدافع آخر.
كيفيته: هو أن يتذكر الداعي عملا صالحا قام به لله وحده لا لدافع آخر، وبعد أن يتذكر العمل يتوجه إلى ربه متوسلا بهذا العمل في أن يعطيه أو يدفع عنه.
مثاله: كأن يقول المسلم: "اللهم بإيماني بك واتباعي لرسولك اغفر لي". أو يقول: "اللهم إنك تعلم بأني عملت كذا - ويسمي عملا قام به لله وحده - اللهم إن كنت عملته رجاء لثوابك وخوفا من عقابك فأعطني كذا أو ادفع عني كذا". ونحو ذلك. قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم} [سورة البقرة: الآية 127]، {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة: الآية 128].
وجه الدلالة: في الآيتين توسل برفع القواعد من البيت الحرام، وهو عمل صالح، ذلك أنه استجابة لأمر الله لهما بذلك.
ومن السنة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، فإذا أراد أن يضطجع، فليضطجع على شقه الأيمن، وليقل: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» [رواه البخاري].
وجه الدلالة: في الحديث وصية من المصطفى صلى الله عليه وسلم للمضطجع أن يقدم بين يدي دعائه توسلا إليه سبحانه بتسبيحه وتنزيهه، واعتقاد صادق بأنه لا يضع جنبه أو يرفعه إلا بعون من الله تعالى، ولا شك أن هذا المتوسل به من أعمال اللسان والقلب الصالحة.
الثالث: التوسل إلى الله بدعاء الصالح الحي:
وهو توسل المسلم الذي وقع في ضيق أو حلت به مصيبة بدعاء إنسان يظهر عليه الصلاح والتقوى، ويتم بطلب من المتوسل، كما يتم من غير طلب.
مثال الأول: كأن يذهب المسلم الذي حلت به مصيبة وعلم من نفسه التفريط في جنب الله إلى رجل يعتقد فيه الصلاح، ويطلب منه أن يدعو الله له أن يرفع عنه ما حل به.
ومثال الثاني: كأن يرى العبد الصالح أخا له في ضيق وشدة فيدعو الله له أن يفرج عنه. ويكون في حضور المدعو له، كما يكون في غيبته، ولا فرق أن يدعو الأعلى للأدنى، أو الأدنى للأعلى، فكل ذلك جائز ومقبول إذا شاء الله سبحانه وتعالى.
مثال الأعلى للأدنى: توسل الصحابة بدعاء نبيهم صلى الله عليه وسلم.
ومثال الأدنى للأعلى: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن لي» وقال: «لا تنسنا يا أخي من دعائك» [رواه الترمذي وأبو داود]. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [سورة النساء: الآية 64].
وجه الدلالة: في الآية إرشاد لمن ظلم نفسه بارتكاب خطيئة إلى سببين ينقذان منها:
الأول: الاستغفار بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عمل صالح يقدمه الإنسان وسيلة للاستجابة.
الثاني: استغفار الرسول صلى الله عليه وسلم له، وهذا هو محل الشاهد إذا هو توسل بدعائه صلى الله عليه وسلم. وعليه فكل إنسان يصح له أن يتوسل بدعاء أخيه كأن يقول: "استغفر لي"، أو يدعو لأخيه كأن يقول: "اللهم اغفر لفلان".
ومما يجب التنبيه عليه أن المجيء في الآية المراد به مواجهته صلى الله عليه وسلم وهو حي لا المجيء إلى قبره؛ لأن استغفاره صلى الله عليه وسلم قد انقطع بوفاته، وعليه فلا يجوز المجيء إلى قبره أو قبر أحد من الصالحين لأجل سؤالهم أن يستغفروا الله لنا من ذنوب اقترفناها.
من أفعال الصحابة رضي الله عنهم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: "اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا". قال: فيسقون. [رواه البخاري]. وقد روي عن ابن عمر أن هذا الاستسقاء كان عام الرمادة.
وجه الدلالة: يفيد الأثر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام الرمادة استسقى بالعباس بن عبد المطلب ـ أي بدعائه ـ مثل ما كانوا يعملون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، طلبوا منه أن يدعوا الله أن يغيثهم، ويؤكد ذلك الواقع فقد أخذ يدعو وهم يؤمنون، ولو كان المراد بجاهه لاختار جاه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أعظم، لكن نظرا لأنه بالدعاء، والدعاء لا يمكن من الرسول صلى الله عليه وسلم لوفاته فاختار لذلك التوسل بدعاء العباس وقد أقره الصحابة على ذلك فكان إجماعا، والإجماع حجة قاطعة، فتأكد بذلك مشروعية التوسل بدعاء الصالح الحي لا بجاهه أو ذاته.
الرابع: التوسل إلى الله بذكر الحال:
وهو أن يتوسل إلى الله بذكر حال الداعي المبينة لاضطراره وحاجته.
مثاله: توسل موسى عليه السلام بذكر حاله بعد أن سقى للمرأتين من ماء مدين. قال تعالى عن موسى عليه السلام: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [سورة القصص: 24].
وجه الدلالة: أن في الآية بيان أن موسى عليه السلام بعد أن سقى للمرأتين تولى إلى الظل، ثم توجه إلى ربه مبينا افتقاره للخير الذي يسوقه إليه. وهذا سؤال منه بحاله، وقد استجاب الله دعائه قال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [سوة القصص: 25]. وذلك دليل على مشروعية التوسل بذكر الحال.
ثانيا: التوسل الممنوع
التوسل الممنوع هو تقرب العبد إلى الله بما لم يثبت في الكتاب ولا في صحيح السنة أنه وسيلة.
أنواعه:
الأول: التوسل بوسيلة نص الشارع على بطلانها:
وهو توسل المشركين بآلهتهم، وحكمه أنه شرك أكبر، وبطلانه ظاهر، قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار} [سورة الزمر: 3].
الثاني: التوسل بوسيلة دلت قواعد الشرع على بطلانها:
ومن ذلك ما يلي:
1- التوسل إلى الله بذات مخلوق. مثاله: أن يقول المتوسل: "اللهم إني أسألك بنبيك ـ ولا يعني إلا ذاته ـ أن تعطيني كذا أو تدفع عني كذا".
2- التوسل إلى الله بجاه مخلوق أو حقه ونحوهما. مثال: أن يقول المتوسل: "اللهم إني أسألك بجاه نبيك أو بحق نبيك أن تعطيني كذا أو تدفع عني كذا".
3- التوجه إلى ميت طالبا منه أن يدعو الله له. مثاله: كمن يأتي إلى الميت من الأنبياء أو الصالحين ويقول له: "سل الله لي أو ادع الله لي أن يعطيني كذا، أو يدفع عني كذا".
4- أن يسأل العبد ربه حاجته مقسما بنبيه أو وليه أو بحق نبيه أو وليه ونحو ذلك. مثاله: أن يقول: "اللهم إني أسألك كذا بوليك فلان، أو بحق نبيك فلان". ويريد الإقسام، أو يقول: "اللهم إني أقسمت عليك بفلان أن تقضي حاجتي".
حكم هذا النوع من التوسل:
أنه محرم لأنه لم يرد فيه دليل تقوم به الحجة، ولأنه ذريعة إلى الشرك. وقد يصل إلى الشرك الأكبر إن اعتقد في المتوسل به شيئا من النفع أو الضر دون الله.
أدلة منع هذا التوسل:
أولا: هذا النوع من التوسل لم يرد له دليل في الكتاب ولا في صحيح السنة، ونحن مأمورون بالالتزام بهما، وعليه فهو غير مشروع ، وإنما هو بدعة ممنوعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» [أخرجه البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم: «وإياكم ومحدثات الأمور» [رواه الترمذي وأبو داود].
وإن زعم المخالف أنه موجود فيهما أو في أحدهما، قلنا هذا زعم باطل، إذ لا دليل عليه، ومما يؤكد بطلانه أنه لم يعمل به الصحابة ومن أتى بعدهم من أهل القرون المفضلة الذين هم أعلم هذه الأمة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأشدهم حرصا على الالتزام بهما. فلو كان موجودا لعملوا به، أيضل عنه الصحابة ويهتدي إليه هؤلاء المتأخرون؟!
الثاني: أن هذا النوع من التوسل ذريعة إلى الشرك، وبما أن الوسائل تابعة للمقاصد في الحكم، فهو ممنوع سدا للذريعة، وإبعادا للمسلم من قول أو فعل يفضي إلى الشرك، ولذا جاءت أدلة كثيرة في الكتاب والسنة تدل دلالة قاطعة على أن سد الذرائع إلى الشرك والمحرمات من مقاصد الشريعة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [سورة الأنعام: الآية 108]. فنهى سبحانه وتعالى المسلمين عن سب آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله مع أنها باطلة، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سب المشركين الإله الحق سبحانه، انتصارا لآلهتهم الباطلة جهلا منهم وعدوا.
ومن ذلك نهيه صلى الله عليه وسلم عن بناء المساجد على القبور، ولعن من فعل ذلك؛ لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثانا والإشراك بها.
الثالث: أن في هذا النوع من التوسل محذورا من وجهين:
1- فيه شبه بتوسل المشركين بآلهتهم وقد ذمه الله حيث قال سبحانه: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [سورة الزمر: الآية 3].
ففي الآية عاب سبحانه أمرين:
- عاب عبادة الأولياء من دونه.
- عاب محاولة القربى إليه بالمخلوق، والتوسل بالذات أو بدعاء الميت من الأمر الثاني.
2- فيه انتقاص لله سبحانه وتعالى، وتنزيل له إلى منزلة المخلوق الذي يحابي في فضله وحكمه، فيعطي من له وسيط أكثر مما يعطي غيره، أو يحرم من ليس له وسيط لجهله بحاله وبعده عن سماع مقاله، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [سورة البقرة: الآية 186].
الرابع: أن في هذا النوع من التوسل دعاء ميت ـ وذلك عند التوسل بدعاء الميت ـ وقد ورد النهي عنه والوعيد عليه إذ هو شرك أو ذريعة إلى الشرك، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [سورة فاطر: 13-14]، فبين سبحانه أن دعاء من لا يسمع ولا يستجيب شرك يكفر به المدعو يوم القيامة ـ أي: ينكره ـ ويعادي من فعله كما قال تعالى: {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [سورة الأحقاف: الآية 6]. فكل ميت أو غائب لا يسمع ولا يستجيب ولا ينفع ولا يضر.
ولهذا لم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن غيرهم من السلف أنهم أنزلوا حاجاتهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، بل العكس نراهم عام الرمادة توسلوا بدعاء العباس رضي الله عنه؛ لأنه حي حاضر يدعو ربه، فلو جاز التوسل بأحد بعد وفاته لتوسل عمر والسابقون الأولون بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإن دعاء الملائكة، والأنبياء بعد موتهم وسؤالهم والاستشفاع بهم في هذه الحال هو من الدين الذي لم يشرعه الله، ولا ابتعث به رسولا، ولا أنزل به كتابا، ولا فعله أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا أمر به إمام من أئمة المسلمين".
الخامس: أن من هذا النوع من التوسل، التوسل بالجاه أو الحق ونحوهما وهو باطل من ثلاثة وجوه:
1- أنه توسل بعمل الغير، ذلك أن المنزلة والجاه إنما اكتسبها الإنسان بعمله، وعمل الغير مختص به، فلو توسل به غيره كان قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سببا لنفعه، قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [سورة النجم: 39].
2- أن في التوسل بمنزلة أو حق الغير اعتداء في الدعاء، والاعتداء في الدعاء محرم قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [سورة الأعراف: 55].
3- أن السؤال بحق فلان يتضمن أن للمخلوق حقا على الخالق، وليس على الله حق إلا ما أحقه على نفسه بوعده الصادق.
السادس: أن من هذا النوع من التوسل سؤال العبد ربه حاجته مقسما بمخلوق. وهذا فيه محذور من وجهين:
- أن فيه إقساما بغير الله والإقسام بغير الله على المخلوق لا يجوز قال صلى الله عليه وسلم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» [رواه البخاري ومسلم]. بل عده الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرك، قال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» [أخرجه الترمذي]. فكيف بالإقسام بالمخلوق على الخالق، إنه ليس شركا فقط بل هو تقرب إلى الله بالشرك، والتقرب إلى الله إنما يكون بما يرضيه لا فيما يسخطه.
- أن فيه تعظيما للمخلوق، ذلك أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به وبما أن المحلوف به يكون أعظم من المحلوف عليه فإن في هذا القسم رفعا للمخلوق فوق منزلة الخالق، ومساواة المخلوق بالخالق شرك فكيف لو جعلناه أعظم منه؟
قال النووي: "قال العلماء: الحكمة في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف يقتضي تعظيم المحلوف به، وحقيقة العظمة مختصة بالله تعالى فلا يضاهى به غيره".
.......................................................................... المصدر: سلسلة العلامتين ابن باز و ابن عثيمين. منقول بأمانة تامة من شبكة طريق الاسلام و اليكم الرابط http://ar.islamway.com/article/3531
بقلم: فضيلة الشيخ العلامة الفقيه أحمد حماني (رحمه الله)
رئيس المجلس الإسلامي الأعلى سابقا بالجزائر
فحوى السؤال :
كنّا نزور المشايخ بنّية خالصة ونتبرك بآثار الصالحين ونتمسّح بقبورهم ونتوسّل بهم ونقيم الزردات والوعدات كلّما اشتدّت بنا المحن فنظفر بالمنن وتفرج علينا، حتّى جاء البادسيّون وقطعوا علينا هذه الاحتفالات البهيجة وغابت علينا وغضب علينا ديوان الصالحين. أفليس من الخير أن نعود إلى الزردة والوعدة ونحيي ما اندثر، فإنّ ذلك عادات الآباء والأجداد، زيادة على الرجاء في تبديل الأحوال، وانصراف الأهوال وإرضاء الرجال وعسى أن تنفرج عنّا المحن وتكثر المنن. هذا ما يقوله بعض الناس ويودّ أن تُسَبِّح الأمّة فتذهب الغمّة وما علينا في الزردة والوعدة وقضاء زمن كثير في الأفراح والأيّام والليالي الملاح والقَصْبَة والبَنْدِير، والتهويل والشخير والنحير، وما رأيكم دام فضلكم ؟
عبد الله الغفلان زمورة (ولاية غليزان)
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هداه. أوّلا : سؤال محيّر لا ندري أصاحبه جادّ به أم هازل ؟ فإن كان جادّا أجبناه بعلمنا ولا عتب علينا وإن كان هازلا بنا فإنّا نعوذ بالله أن نكون من الهازلين.
فقول السائل : "كنا نزور المشايخ بنية صالحة" الصواب كنّا نزورهم بغفلة فاضحة، أعيننا مغفلة وعقولنا معطّلة. فالشيوخ كانوا عاطلين عن كلّ ما يؤهّلهم للزيارة ! فلا علم ولا زهد ولا صلاح ولكن نسب مرتاب في صحّته فكنّا – كما قيل – نعبدهم ونرزقهم. والزيارة الشرعية تكون للشيخ إذا كان من ذوي العلم والفهم والصلاح فيكتسب منه الزائر العلم والدين والصلاح ويأخذ منه المنقول والمعقول ويرجع بفوائده جمّة، كما كان عالم المدينة بها وأبو حنيفة في العراق، هذه الزيارة هي المأذون فيها وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فأمّا إذا كان الشيخ كالصنم فماذا يستفيد منه الزائر ؟ أعلما أم زهدا أم صلاحا أم نصيحة وعقلا ؟ إنّ المشايخ كانوا خلوا من كلّ ذلك، وفاقد الشيء لا يعطيه. والذين كان لا يمكن الاستفادة من علمهم لم يَرِدُوا في سؤالكم ولا يمكن أن يخطروا ببالكم مثل ابن باديس والتبسي رحمهما الله، فقد كان يزورهم الطلاب ويرجعون من عندهم بعلم وفير ونصائح جمّة أفادت الوطن والأمّة.
وإنّما حكمت بأنّك لا تريد هذا الصنف المقيّد من العلماء لأنّك ذكرت مع زيارتهم، البركة والتمسّح بالقبور والزردة والوعدة ونسيت الهردة والوخدة والفجور والخمور، فقد أنقذوا الأمة من هذه الشرور وخلّصوها من قبضة مشايخ الطرق، فكان ذلك مقدمة لتحريرها ورفع رايتها، ولم يكن لغالب مشايخ الطرق إلا قضية النسب الشريف وهو مظنون، وإن صحّ ففي الحديث : "من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه" (رواه مسلم)، وأمّ الشرفاء قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا" (رواه البخاري ومسلم) فإذا أردت أخذ البركة من المشايخ فاقصدهم للعلم والفضل والصلاح والزهد واقتد بهم واعمل عملهم تنتفع وتحصل لك أنواع من البركة الحقيقية لا المتخيّلة.
ثانيا : وأمّا قولك "نتمسّح بقبورهم" فإنّ مثل هذا التمسّح نوع من الشرك ولا يكون إلاّ للحجر الأسود بالكعبة فقط مع التوحيد الخالص لله وقد قال له عمر يخاطبه : "والله ما أنت إلا حجر لا تنفع ولا تضر ولو لا أنّي رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك" (متفق عليه). فإن كنت مع الحجر الأسود كما قال عمر فلا بأس أن تقبّله، أمّا غيره فلا يجوز لك التمسّح به فإنّ التمسّح به وتقبيله شرك يتنَزّه عنه المؤمن الموحّد. إنّ المؤمن يعلم – كما علم عمر – أنّه حجر والله يقول في مثله من الجماد الذي كان يفتن العباد : "إنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشركِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [فاطر: 14]. فالبركة المستفادة من هذا التمسّح هي الرجوع إلى عهد الجاهلية والشرك بالله .
هذا هو التمسّح بالقبور، فإنّها أجداث، فإن قصدت ساكني القبور فإنّ ذلك منك أضلّ ألم تر أنّ صاحب القبر كان حيّا يرزق ثم جاءه الموت، والموت كريه لا يحبّ زيارته أحد من الأحياء، فلم يستطع دفعه عن نفسه واستسلم مكرها ولو استطاع أن يفتدي منه لبذل له الدنيا وما فيها.
فمن رجا الخير من ميّت أو دفع الضرّ المتوقّع فلا أضلّ منه، فادع في كلّ ما يصيبك الحيّ الذي لا يموت فإنّه النافع الضّار وحده والله يوصي عباده فيقول : "ومِنْ آيَاتِِهِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ والشَّمسُ والقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ واسْجُدُوا لله الذي خَلَقهُنَّ إنْ كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُون" [فصلت: 37]. ثالثا : فأمّا قولك "كنّا نتوسّل بهم" فإنّ التوسّل الشائع بين الناس وهو الدعاء – الدعاء هو مخ العبادة – شرك محض، فالتوحيد أن تدعو الله الذي خلقك – ولو عظمت ذنوبك – فإنه معك يسمع دعاءك فإن كان لا بدّ من التوسّل فتوسّل بصالح أعمالك كما فعل الثلاثة اصحاب الغار حينما نزلت عليهم الصخرة وسدّته عليهم، فاستجاب لهم من يعلم شدّتهم. هذا هو التوسّل الصحيح وغيره قد يوقع صاحبه في الشرك، فلا تحم حوله.
رابعا : وأمّا قولك "كنّا نقيم الزردات والوعدات كلما اشتدّت بنا المحن" فإنّ هذه الزردات كانت من آثار غفلتنا منافية ليقظتنا وكان علماؤنا رحمهم الله يسمونها (أعراس الشيطان)، لما يقع فيها من سفه وتبذير وعهر وخمر واختلاط وفجور، وإنّما كان يشّد إليها الرحال من تونس حتّى المغرب الغافلون منّا المستهترون بالدين والأخلاق ممن نامت ضمائرهم وكانت من أعظمها زردة (سيدي عابد) بناحيتكم، يأتيها الفسّاق من تونس والمغرب وما بينهما، وسل الشيوخ عن الأحياء ينبئونك، وكانت هذه الزردة كثيرة لأنّ لكلّ قوم لإلههم من أصحاب القبور من حدود تبسة إلى مغنية، كانت القبور تعبد من دون الله ولكلّ قوم من يقدسونه. فـ(سيدي سعيد) في تبسة،و(سيدي راشد) في قسنطينة و(سيدي الخير) بالسطيف و(سيدي بن حملاوي) بالتلاغمة، و(سيدي الزين) بسكيكدة و(سيدي منصور) بولاية تيزي وزو و(سيدي محمد الكبير) في البليدة، و(سيدي بن يوسف) بمليانة و(سيدي الهواري) بوهران و(سيدي عابد) بغليزان و(سيدي بومدين) بتلمسان و(سيدي عبد الرحمن) بالجزائر ويزاحمه (سيدي امحمد) وليعذرني الإخوة ممن لم أذكر آلهة بلدانهم وهم ألوف.
ففعل هؤلاء القوم مع هؤلاء المشايخ يشبه فعل الجاهلية مع هبل واللات والعزّى وخصوصا إقامة الزردة حولها والذبح لها والتمسح بالقبور، أفترانا نحيي آثار الشرك ونحن الموحدون ؟
لقد وقف العلماء وقفة صادقة ضدّ هذه المناكير في الزرد، لا فرق بين علماء الإصلاح وغيرهم ممن كان يناصر جمعية العلماء ومن كان خارجها حتّى قضوا على الزردة وساء ذلك الدوائر الاستعمارية فأرادت أن تحييها وتحافظ عليها، وفي علمي أنّ آخر زردة قسنطينة، أقامها سياسي فشل في سياسته الإدماجية فعادى العلماء واتّهمهم وأقام زردة بثيران المعمون وأخرافهم وأين مدينة قسنطينة عرين أسد الإصلاح لكنّه دفن نفسه ولم تقم له قائمة.
فمن يريد أن يسير اليوم بإحياء الزردة والوعدة فبشره بخيبة تصيبه مثل خيبة الأمس فأحذر يا صاحب السؤال.
خامسا : ثم إنّ الطعام واللحم المقدّم في الزردة لا يحلّ أكله شرعا لأنّه مما نصّ القرآن على حرمة أكله فإنه سبحانه وتعالى يقول : "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ والدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ" [المائدة: 3]. فاللحم من القسم الرابع أي مما أهل لغير الله، أي ذبح لغير الله بل للمشايخ.
فزردة (سيدي عابد) أقيمت له وهكذا (سيدي أحمد بن عودة) و(سيدي بومدبن)الخ.. أقيمت له الزردة ليرضى وينفع ويدفع الضّر، وتقول إنّ هذه الذبائح قد ذكر اسم الله عليها، فأقول : ولو ذكر اسم الله فإنَّ النّية الأولى وهي تقديمها إلى صاحب المقام، يجعلها لغير الله.
برهان ذلك، فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مع والد الفرزدق وسحيم، فإنّ سحيما علم أنّ غالبا نحر ليطعم الناس فنحر، فسمح به غالب فنحر عشرات، فغالبه سحيم ونحر مثله وكثر المنحور حتىّ عدّ بالمئات، يريدان به الفخر، فلما جاء الأمر إلى علي رضي الله عنه نهى الناس على أكل لحمها واعتبرها مما أهلّ لغير الله، ولا شكّ أنّ ناحريها قد ذكروا عند نحرها اسم الله، لكنّ الناحرين قصدا بذلك التباهي والافتخار، فكانت مما أهل به لغير الله.
فلحم الزردة حرام، وطعامها حرام لأنّه صنع بذلك اللحم والحضور في الزردة حرام، لأنه تكثير لأهل الباطل ولو كان الذي حضر إماما أو رئيس أئمة أو دكتور أو عالما فإنّه عار أن نزرد بأموال الدولة ونحن غارقون في الديون، وقد شاهدنا في تلفزتنا ما يحبّ الأوروبيون أن نكون عليه من اللعب بالثعابين. فكلّ من أحيا فينا الغفلة التي كنّا فيها بالأمس ليس بناصح لنا بل غاشّ ولن يفلح في مقاصد وسيكون كما قال الله في مثله ممن جعلوا المال للكيد بالمسلمين : "فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ" [الأنفال: 36].
وهذا وعد من الله صادق ولن يخلف وعده.
سادسا : وأمّا قولك "حتى جاء البادسيّون" فالحق أنّ ابن باديس وأصحابه إنّما دقّوا الجرس فاستيقظ الشعب ورأى الخطر المحدق به فانفضّ عنهم ولم يأت ابن باديس بدين جديد ولا بطريق جديد وإنما تلا كتاب الله وحدّث بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار بسيرة السلف الصالح رضي الله عنه أجمعين وكفى ابن باديس أن أيقظ المسلمين.
سابعا : إذا أردنا أن تزول المحن عنّا فلنجتنبها ونخالف طريقها : نعبد الله وحده ونطيع الله ورسوله ونوحّد الكلمة فيما بيننا ونعتصم بحبل الله المتين ونجتنب الخلاف والنزاع ونؤمن بالله ونستقيم ونعمل الصالحات فلا بدّ من العمل المتواصل لأنّ الله يأمر به "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ" [التوبة: 105]، هذه وسائل النجاح وليست إقامة الوعدات والزردات ودعاء غير الله فهذا عمل الخاسرين. فإن طلبنا النجاح وزال المحن بغير هذه الطريقة فنحن في ضلال وخسران كما أقسم على ذلك ربّ الناس.
بقلم: فضيلة الشيخ العلامة الفقيه أحمد حماني (رحمه الله)
رئيس المجلس الإسلامي الأعلى سابقا بالجزائر
فحوى السؤال :
كنّا نزور المشايخ بنّية خالصة ونتبرك بآثار الصالحين ونتمسّح بقبورهم ونتوسّل بهم ونقيم الزردات والوعدات كلّما اشتدّت بنا المحن فنظفر بالمنن وتفرج علينا، حتّى جاء البادسيّون وقطعوا علينا هذه الاحتفالات البهيجة وغابت علينا وغضب علينا ديوان الصالحين. أفليس من الخير أن نعود إلى الزردة والوعدة ونحيي ما اندثر، فإنّ ذلك عادات الآباء والأجداد، زيادة على الرجاء في تبديل الأحوال، وانصراف الأهوال وإرضاء الرجال وعسى أن تنفرج عنّا المحن وتكثر المنن. هذا ما يقوله بعض الناس ويودّ أن تُسَبِّح الأمّة فتذهب الغمّة وما علينا في الزردة والوعدة وقضاء زمن كثير في الأفراح والأيّام والليالي الملاح والقَصْبَة والبَنْدِير، والتهويل والشخير والنحير، وما رأيكم دام فضلكم ؟
عبد الله الغفلان زمورة (ولاية غليزان)
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتّبع هداه. أوّلا : سؤال محيّر لا ندري أصاحبه جادّ به أم هازل ؟ فإن كان جادّا أجبناه بعلمنا ولا عتب علينا وإن كان هازلا بنا فإنّا نعوذ بالله أن نكون من الهازلين.
فقول السائل : "كنا نزور المشايخ بنية صالحة" الصواب كنّا نزورهم بغفلة فاضحة، أعيننا مغفلة وعقولنا معطّلة. فالشيوخ كانوا عاطلين عن كلّ ما يؤهّلهم للزيارة ! فلا علم ولا زهد ولا صلاح ولكن نسب مرتاب في صحّته فكنّا – كما قيل – نعبدهم ونرزقهم. والزيارة الشرعية تكون للشيخ إذا كان من ذوي العلم والفهم والصلاح فيكتسب منه الزائر العلم والدين والصلاح ويأخذ منه المنقول والمعقول ويرجع بفوائده جمّة، كما كان عالم المدينة بها وأبو حنيفة في العراق، هذه الزيارة هي المأذون فيها وكانت تضرب إليه آباط الإبل، فأمّا إذا كان الشيخ كالصنم فماذا يستفيد منه الزائر ؟ أعلما أم زهدا أم صلاحا أم نصيحة وعقلا ؟ إنّ المشايخ كانوا خلوا من كلّ ذلك، وفاقد الشيء لا يعطيه. والذين كان لا يمكن الاستفادة من علمهم لم يَرِدُوا في سؤالكم ولا يمكن أن يخطروا ببالكم مثل ابن باديس والتبسي رحمهما الله، فقد كان يزورهم الطلاب ويرجعون من عندهم بعلم وفير ونصائح جمّة أفادت الوطن والأمّة.
وإنّما حكمت بأنّك لا تريد هذا الصنف المقيّد من العلماء لأنّك ذكرت مع زيارتهم، البركة والتمسّح بالقبور والزردة والوعدة ونسيت الهردة والوخدة والفجور والخمور، فقد أنقذوا الأمة من هذه الشرور وخلّصوها من قبضة مشايخ الطرق، فكان ذلك مقدمة لتحريرها ورفع رايتها، ولم يكن لغالب مشايخ الطرق إلا قضية النسب الشريف وهو مظنون، وإن صحّ ففي الحديث : "من بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه" (رواه مسلم)، وأمّ الشرفاء قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا فاطمة لا أغني عنك من الله شيئا" (رواه البخاري ومسلم) فإذا أردت أخذ البركة من المشايخ فاقصدهم للعلم والفضل والصلاح والزهد واقتد بهم واعمل عملهم تنتفع وتحصل لك أنواع من البركة الحقيقية لا المتخيّلة.
ثانيا : وأمّا قولك "نتمسّح بقبورهم" فإنّ مثل هذا التمسّح نوع من الشرك ولا يكون إلاّ للحجر الأسود بالكعبة فقط مع التوحيد الخالص لله وقد قال له عمر يخاطبه : "والله ما أنت إلا حجر لا تنفع ولا تضر ولو لا أنّي رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك" (متفق عليه). فإن كنت مع الحجر الأسود كما قال عمر فلا بأس أن تقبّله، أمّا غيره فلا يجوز لك التمسّح به فإنّ التمسّح به وتقبيله شرك يتنَزّه عنه المؤمن الموحّد. إنّ المؤمن يعلم – كما علم عمر – أنّه حجر والله يقول في مثله من الجماد الذي كان يفتن العباد : "إنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشركِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" [فاطر: 14]. فالبركة المستفادة من هذا التمسّح هي الرجوع إلى عهد الجاهلية والشرك بالله .
هذا هو التمسّح بالقبور، فإنّها أجداث، فإن قصدت ساكني القبور فإنّ ذلك منك أضلّ ألم تر أنّ صاحب القبر كان حيّا يرزق ثم جاءه الموت، والموت كريه لا يحبّ زيارته أحد من الأحياء، فلم يستطع دفعه عن نفسه واستسلم مكرها ولو استطاع أن يفتدي منه لبذل له الدنيا وما فيها.
فمن رجا الخير من ميّت أو دفع الضرّ المتوقّع فلا أضلّ منه، فادع في كلّ ما يصيبك الحيّ الذي لا يموت فإنّه النافع الضّار وحده والله يوصي عباده فيقول : "ومِنْ آيَاتِِهِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ والشَّمسُ والقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ واسْجُدُوا لله الذي خَلَقهُنَّ إنْ كُنتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُون" [فصلت: 37]. ثالثا : فأمّا قولك "كنّا نتوسّل بهم" فإنّ التوسّل الشائع بين الناس وهو الدعاء – الدعاء هو مخ العبادة – شرك محض، فالتوحيد أن تدعو الله الذي خلقك – ولو عظمت ذنوبك – فإنه معك يسمع دعاءك فإن كان لا بدّ من التوسّل فتوسّل بصالح أعمالك كما فعل الثلاثة اصحاب الغار حينما نزلت عليهم الصخرة وسدّته عليهم، فاستجاب لهم من يعلم شدّتهم. هذا هو التوسّل الصحيح وغيره قد يوقع صاحبه في الشرك، فلا تحم حوله.
رابعا : وأمّا قولك "كنّا نقيم الزردات والوعدات كلما اشتدّت بنا المحن" فإنّ هذه الزردات كانت من آثار غفلتنا منافية ليقظتنا وكان علماؤنا رحمهم الله يسمونها (أعراس الشيطان)، لما يقع فيها من سفه وتبذير وعهر وخمر واختلاط وفجور، وإنّما كان يشّد إليها الرحال من تونس حتّى المغرب الغافلون منّا المستهترون بالدين والأخلاق ممن نامت ضمائرهم وكانت من أعظمها زردة (سيدي عابد) بناحيتكم، يأتيها الفسّاق من تونس والمغرب وما بينهما، وسل الشيوخ عن الأحياء ينبئونك، وكانت هذه الزردة كثيرة لأنّ لكلّ قوم لإلههم من أصحاب القبور من حدود تبسة إلى مغنية، كانت القبور تعبد من دون الله ولكلّ قوم من يقدسونه. فـ(سيدي سعيد) في تبسة،و(سيدي راشد) في قسنطينة و(سيدي الخير) بالسطيف و(سيدي بن حملاوي) بالتلاغمة، و(سيدي الزين) بسكيكدة و(سيدي منصور) بولاية تيزي وزو و(سيدي محمد الكبير) في البليدة، و(سيدي بن يوسف) بمليانة و(سيدي الهواري) بوهران و(سيدي عابد) بغليزان و(سيدي بومدين) بتلمسان و(سيدي عبد الرحمن) بالجزائر ويزاحمه (سيدي امحمد) وليعذرني الإخوة ممن لم أذكر آلهة بلدانهم وهم ألوف.
ففعل هؤلاء القوم مع هؤلاء المشايخ يشبه فعل الجاهلية مع هبل واللات والعزّى وخصوصا إقامة الزردة حولها والذبح لها والتمسح بالقبور، أفترانا نحيي آثار الشرك ونحن الموحدون ؟
لقد وقف العلماء وقفة صادقة ضدّ هذه المناكير في الزرد، لا فرق بين علماء الإصلاح وغيرهم ممن كان يناصر جمعية العلماء ومن كان خارجها حتّى قضوا على الزردة وساء ذلك الدوائر الاستعمارية فأرادت أن تحييها وتحافظ عليها، وفي علمي أنّ آخر زردة قسنطينة، أقامها سياسي فشل في سياسته الإدماجية فعادى العلماء واتّهمهم وأقام زردة بثيران المعمون وأخرافهم وأين مدينة قسنطينة عرين أسد الإصلاح لكنّه دفن نفسه ولم تقم له قائمة.
فمن يريد أن يسير اليوم بإحياء الزردة والوعدة فبشره بخيبة تصيبه مثل خيبة الأمس فأحذر يا صاحب السؤال.
خامسا : ثم إنّ الطعام واللحم المقدّم في الزردة لا يحلّ أكله شرعا لأنّه مما نصّ القرآن على حرمة أكله فإنه سبحانه وتعالى يقول : "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ والدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ" [المائدة: 3]. فاللحم من القسم الرابع أي مما أهل لغير الله، أي ذبح لغير الله بل للمشايخ.
فزردة (سيدي عابد) أقيمت له وهكذا (سيدي أحمد بن عودة) و(سيدي بومدبن)الخ.. أقيمت له الزردة ليرضى وينفع ويدفع الضّر، وتقول إنّ هذه الذبائح قد ذكر اسم الله عليها، فأقول : ولو ذكر اسم الله فإنَّ النّية الأولى وهي تقديمها إلى صاحب المقام، يجعلها لغير الله.
برهان ذلك، فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مع والد الفرزدق وسحيم، فإنّ سحيما علم أنّ غالبا نحر ليطعم الناس فنحر، فسمح به غالب فنحر عشرات، فغالبه سحيم ونحر مثله وكثر المنحور حتىّ عدّ بالمئات، يريدان به الفخر، فلما جاء الأمر إلى علي رضي الله عنه نهى الناس على أكل لحمها واعتبرها مما أهلّ لغير الله، ولا شكّ أنّ ناحريها قد ذكروا عند نحرها اسم الله، لكنّ الناحرين قصدا بذلك التباهي والافتخار، فكانت مما أهل به لغير الله.
فلحم الزردة حرام، وطعامها حرام لأنّه صنع بذلك اللحم والحضور في الزردة حرام، لأنه تكثير لأهل الباطل ولو كان الذي حضر إماما أو رئيس أئمة أو دكتور أو عالما فإنّه عار أن نزرد بأموال الدولة ونحن غارقون في الديون، وقد شاهدنا في تلفزتنا ما يحبّ الأوروبيون أن نكون عليه من اللعب بالثعابين. فكلّ من أحيا فينا الغفلة التي كنّا فيها بالأمس ليس بناصح لنا بل غاشّ ولن يفلح في مقاصد وسيكون كما قال الله في مثله ممن جعلوا المال للكيد بالمسلمين : "فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ" [الأنفال: 36].
وهذا وعد من الله صادق ولن يخلف وعده.
سادسا : وأمّا قولك "حتى جاء البادسيّون" فالحق أنّ ابن باديس وأصحابه إنّما دقّوا الجرس فاستيقظ الشعب ورأى الخطر المحدق به فانفضّ عنهم ولم يأت ابن باديس بدين جديد ولا بطريق جديد وإنما تلا كتاب الله وحدّث بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسار بسيرة السلف الصالح رضي الله عنه أجمعين وكفى ابن باديس أن أيقظ المسلمين.
سابعا : إذا أردنا أن تزول المحن عنّا فلنجتنبها ونخالف طريقها : نعبد الله وحده ونطيع الله ورسوله ونوحّد الكلمة فيما بيننا ونعتصم بحبل الله المتين ونجتنب الخلاف والنزاع ونؤمن بالله ونستقيم ونعمل الصالحات فلا بدّ من العمل المتواصل لأنّ الله يأمر به "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ والْمُؤْمِنُونَ" [التوبة: 105]، هذه وسائل النجاح وليست إقامة الوعدات والزردات ودعاء غير الله فهذا عمل الخاسرين. فإن طلبنا النجاح وزال المحن بغير هذه الطريقة فنحن في ضلال وخسران كما أقسم على ذلك ربّ الناس.