ملف خاص بالحج و احكام الأضاحي

عبيدة82

:: عضو مُشارك ::
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أريد ان أطرح عليكم في هذا الموضوع مجموعة من الفتاوى تتعلق بالحج و احكام الأضاحي
كما أطلب من جميع الأعضاء المشاركة في تدعيم الموضوع بفتاوى أهل العلم

أحكام الإحرام من الميقات

السؤال: أكثر الحجاج الجزائريين لا يحرمون من الطائرة وإنّما يحرمون من ميقات المدينة، فهل يجزئهم ذلك، وما الذي يترتب على من تجاوز الميقات؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
ففي مسألة مواقيت الحج المكانية للإحرام يجدر التنبيه على مواضع مجمع عليها بين العلماء سواء قبل الميقات أو بعده وسواء لمن يريد الحج والعمرة ولمن لا يريدهما.
- فإذا أحرم قبل الميقات فلا خلاف بين أهل العلم أنّه مُحرِم تثبت في حقه أحكام الإحرام(١)، ولكن الخلاف في مكان الأفضلية، والصحيح من قولي العلماء أنّ الأفضل الإحرام من الميقات ويكره قبله وبهذا قال مالك والحنابلة وبعض الشافعية خلافا لأبي حنيفة(٢).
- أمّا إذا جاوز الميقات سواء عالما أو جاهلا، وهو يريد الحج والعمرة ولم يحرم فلا خلاف بين أهل العلم-أيضا- أنّه إذا رجع إلى الميقات فأحرم منه فلا شيء عليه(٣)، وإنّما الخلاف فيمن جاوز الميقات وأحرم دونه والصحيح من قولي العلماء أنّ عليه دما-أي فدية ذبح شاة- سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع(٤).
- أمّا إذا جاوز الميقات لحاجة يريد قضاءها وهو لا ينوي حجا ولا عمرة فالعلماء لا يختلفون في أنّه لا يلزمه الإحرام ولا يترتب على تركه للإحرام شيء، لكن لو طرأ عليه التفكير في الحج أو العمرة، ثمّ عزم على تنفيذ ما عزم عليه، فإنّه لا يشترط عليه الرجوع إلى الميقات بل يحرم من موضعه ولو كان دون الميقات ولا شيء عليه وهو أرجح قولي العلماء وبه قال مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة رحمهم الله(٥).
وبناء على ما تقدم، فلا يجوز لهؤلاء الحجاج القادمين من الجزائر أن يجاوزوا الميقات وهم يريدون الحج أو العمرة إلاّ محرمين(٦)، ولكن إن لم يحرموا بعد مجاوزة الميقات ورجعوا إلى ميقاتهم أو ميقات آخر فأحرموا منه فلا يلزمهم من أمر الفدية شيء وكان الأولى أن يحرموا في الطائرة من ميقات الجحفة الذي يمرون به لقوله صلى الله عليه وسلم" هنّ لهنّ ولمن أتى عليهنّ ممّن أراد الحج أو العمرة"(٧).
الله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
الجزائر في: 9 ذي القعدة 1425هـ
الموافق لـ: 21 ديسمبر 2004 م
١- الإجماع لابن المنذر: (41)، والمغني لابن قدامة: (3/264).

٢- المغني لابن قدامة: (3/264 (، المجموع للنووي: (7/198)، الكافي لابن عبد البر:(1/380)، الإشراف للقاضي عبد الوهاب: (1/470)

٣- المغني لابن قدامة: (3/266).

٤- وهو مذهب المالكية والحنابلة، انظر: المدونة لابن القاسم: (1/372)، الإشراف للقاضي عبد الوهاب: (1/470)، الإنصاف للمرداوي: (3/229)، خلافا لمذهب أبي حنيفة والشافعي، انظر المجموع للنووي: (7/208).

٥- المغني لابن قدامة: (3/267).

٦- ذكر النووي الإجماع على تحريم مجاوزة الآفاقي الميقات وهو يريد الحج أو العمرة غير محرم، المجموع للنووي: (7/206).

٧- أخرجه البخاري في الحج: (1524)، ومسلم في الحج: (2860)، وأبو داود في المناسك: (1740) والنسائي في مناسك الحج: (2666)، وأحمد: (2279)، والدارمي في سننه: (1846)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.



 
البقاء في الأرض الحجازية أكثر من المدة المعينة

السؤال: بعض الناس يبقى لأداء مناسك الحج بعد شهر رمضان من غير ترخيص من الجهات المعنية من الأراضي الحجازية، فما حكم هذا الفعل؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلا يخفى ما يترتب على بقاء كل معتمر قادم من كلّ بلد في الأراضي الحجازية من إخلال بالتنظيم العام وما يجره من مفاسد كظاهرة التسول والسرقة وغيرهما، لذلك كانت تأشيرة الحج أو العمرة مقرونة بمدة محددة لا يتجاوزها إلاّ بترخيص آخر تنظيما لفئة المعتمرين لتحسين وضعيتهم ضمن الوضع العام الأمر الذي يجعل هذا التصرف ملزما على المعتمرين ويجب عليهم تنفيذه والوفاء به لعلتين:
- الأولى: إنّ تصرف الإمام الحاكم أو نوابه بتوقيت المدة وتحديد العدد مبني على مصلحة الجماعة وخيرها، فكانت تصرفاته واجبة التنفيذ وملزمة على من تحت رعايته بناء على قاعدة: "التصرف في الرعية منوط بالمصلحة"(١) وأصل هذه القاعدة قول الشافعي رحمه الله: "منزلة الإمام في الرعية منزلة الولي من اليتيم"(٢) وهذا الأصل مأخوذ من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة والي اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت"(٣)، ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" الإمام راع ومسئول عن رعيته"(٤).
- الثانية: إنّ إعطاء تأشيرة للمعني بالأمر مشروطة بعهد هو بقاؤه لتلك المدة المحددة، والعهد يجب الوفاء به لقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً﴾[الإسراء:34]، وقوله تعالى:﴿وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾[البقرة:177].
وبناء عليه، فإنّه ينبغي على المعني بالأمر أن يسعى لتحصيل تأشيرة الحج ابتداء قبل طلبه لتأشيرة العمرة حتى يسعه تأدية المناسك الواجبة عليه على الوجه المطلوب، فإن تعسر أخذ تأشيرة إلاّ لعمرة راعى شرطها، غير أنّه إن بقي إلى وقت الحج وخالف من غير ترخيص، فحجه صحيح ولا تقدح في صحته هذه المخالفة وبخاصة إن كان ذلك-في حقه- حجة الإسلام.
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
[font=&quot]الجزائر في: 15 ذي القعدة 1425هـ[/font]
الموافق لـ: 27 ديسمبر2004م
١- انظر هذه القاعدة في: المنثور للزركشي: (1/183)، الأشباه والنظائر للسيوطي: (134)، مجموع الحقائق للخادمي: (316)، الوجيز للبورنو: (292).

٢- انظر المنثور للزركشي: (1/183).
٣- أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: (11164)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه. وصححه ابن كثير في «إرشاد الفقيه»: (2/51)، وفي «تفسير القرآن العظيم»: (2/190).

٤- أخرجه البخاري في الأحكام: (7138)، ومسلم في الإمارة: (1829)، وأبو داود في الإمارة: (2928)، والترمذي في الجهاد: (1705)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
 
ما يلبس المحرم إذا لم يجد لباس الإحرام.

السؤال: ما حكم من اعتمر أو حج من غير لباس الإحرام؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فإنّ المحرم الذي وجد الإزار والرداء لا يجوز له لبس المخيط –وهو ما كان مفصلا على قدر عضو البدن- فلا يلبس القُمُص ولا السراويل ولا العمائم ولا الخفاف ولا الجوارب لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ رجلا قال: يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يلبس القُمُص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرنس ولا الخفاف إلاّ أحد لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين، ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسّه زعفران أو ورس"(١)، ومن خالف تلزمه الفدية.
أمّا من لم يجد إلاّ السراويل والخفين أو تعذر عليه لبس الإزار والرداء لوجودهما ضمن متاعه وعفشه في الطائرة أرسلهما سهوا ونسيانا ومرّ على الميقات فأحرم بدونهما صحّ إحرامه ولا يلزمه شيء ويكفيه أن يلبس ما وجده ولا يجب عليه أن يشق السراويل فيتزر بها –كما هو رأي الأحناف- لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فقال: "من لم يجد الإزار فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين"(٢)، والحديث صريح في الجواز ولو لزمه شيء لبيّنه لأنّه في معرض البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو مقرر في علم الأصول.
والعلم عند الله وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:15ذي القعدة1425هـ
الموافق لـ: 27ديسمبر 2004م
١- أخرجه البخاري في الحج(1542)، ومسلم في الحج(2848)، والترمذي في الحج(842)، والنسائي في مناسك الحج(2681)، وابن ماجة في المناسك(3041)، ومالك في الموطأ(715)، وأحمد(5286)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

٢- أخرجه البخاري في جزاء الصيد(1843)، ومسلم في الحج(2851)، والترمذي في الحج(843)، والنسائي في اللباس(5342)، وأحمد(1876)، والدارقطني في سننه(2493)، والبيهقي(9331)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.


 
في أفضلية أنواع الإحرام في الحج
السؤال: ما هو النسك الأولى بالعمل من الأنساك الثلاثة؟ وهل صحيح أنّ الإفراد الذي هو النسك المفضل عند مالك وظاهر مذهب الشافعي أنّ من أفرد به يجب عليه أن يفسخه؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فالمعلوم أنّ الحج له كيفيات ثلاث وهي: الإفراد وهو أن يهل الحاج بالحج فقط عند إحرامه، والقران: وهو أن يهل بالحج والعمرة معا، والتمتع: وهو أن يهل الحاج بالعمرة فقط في أشهر الحج ثمّ يحرم بالحج ويأتي بأعماله في نفس العام، والقارن والمتمتع يجب عليهما الهدي بالإجماع.
فهذه الأنواع الثلاثة كانت جائزة ابتداء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حيث خيرهم فيها على ما ثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل"(١) الحديث.
ثمّ بعد هذا التخيير ندب من لم يسق الهدي إلى نسك التمتع دون أن يفرضه عليهم فقالت عائشة رضي الله عنها:"فنزلنا سرِف[وهو موضع قريب من التنعيم] فخرج إلى أصحابه فقال:«من لم يكن منكم أهدى، فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه الهدي فلا» قالت: فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه"(٢)، وعند ابن عباس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما وصل إلى ذي طوى[موضع قريب من مكة] وبات بها، فلمّا أصبح قال لهم:«من شاء أن يجعلها عمرة فليجعلها عمرة»(٣).
ثمّ أمر من لم يسق الهدي منهم بأن يفسخوا الحج إلى عمرة وفرض عليهم أن يتحللوا، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما"فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم، فقالوا: يا رسول الله أيّ الحلّ؟ قال: الحلّ كلّه"(٤)، وفي رواية عائشة رضي الله عنها قالت:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلاّ الحج، فلمّا قدمنا مكة تطوفنا بالبيت، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يسق الهدي أن يحل قالت: فحلّ من لم يكن ساق الهدي، ونساؤه لم يسقن الهدي فأحللن... "(٥)، ولا يدل تحتيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بفسخ الحج إلى العمرة وعزمه عليهم بها، وتعاظم ذلك عندهم إلاّ الوجوب، فضلا عن غضبه صلى الله عليه وآله وسلم لما راجعوه وتراخوا عن العمل بالمأمور به، ولا يكون الغضب إلاّ من أمر واجب العمل والتطبيق، وقد ورد من حديث عائشة رضي الله عنها:"فدخل عليّ وهو غضبان، فقلت من أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار" فقال:«أو ما شعرت أنّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يترددون... »(٦).
وهذا ليس خاصا بهم لأنّهم لما سألوه عن الفسخ الذي أمرهم به:"ألعامنا هذا، أم لأبد الأبد؟"، فشبك صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا بل لأبد أبد، لا بل لأبد أبد»(٧). وليس أمره صلى الله عليه وآله وسلم بفسخ الحج إلى العمرة لبيان جواز العمرة في أشهر الحج، لأنّ ذلك البيان وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك حيث اعتمر ثلاث عمر، كلها في أشهر الحج، ولو سلم أنّ الأمر بالفسخ لهذه العلة، فما فعله صلى الله عليه وآله وسلم مخالفة لأهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة. ولذلك يذهب بعض أهل العلم إلى وجوب التمتع على من لم يسق الهدي، وأنّه إذا طاف وسعى فقد حلّ شاء أم أبى وهو مذهب ابن عباس وأبي موسى الأشعري وهو مذهب ابن حزم(٨) وابن القيم(٩) وغيرهما. والمسالة خلافية والجمهور على جواز الأنساك الثلاثة.
غير أنّ صفة الإفراد المعروفة بأن يحرم بالحج ثمّ بعد الفراغ يخرج إلى أدنى الحل فيحرم منه بالعمرة فهذا الإفراد لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة الذين حجوا معه، بل ولا غيرهم-كما نصّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- فمثل هذه الصفة لا تكون أفضل ممّا فعلوه معهم، وإنّما المقصود بالإفراد الذي فعله الخلفاء الراشدون[أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم]، وهو أن يفرد الحج بسفرة، والعمرة بسفرة، وهو أفضل من القران والتمتع الخاص بسفرة واحدة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة لما قالت:يا رسول الله يصدر النّاس بنسكين وأصدر بنسك؟فقال:«فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي ثمّ ائتينا بمكان كذا، ولكنّها على قدر نفقتك أو نصبك»(١٠)، فهذا هو أفضل الأنواع بالنظر للصعوبة والمشقة المقترنة بتلك العبادة، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه في قول الله:﴿وَأَتِمُّوا الحجَّ وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾[البقرة:196]"من تمامهما أن تفرد كلّ واحد منهما من الآخر، وتعتمر في غير أشهر الحج"(١١)، وجاء عن علي رضي الله عنه أنّه قال في الآية:"من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك"(١٢). فهذا الذي واظب عليه الخلفاء الراشدون فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله:"افصلوا حجكم عن عمرتكم، فإنّه أتمّ لحجكم وأتمّ لعمرتكم"(١٣).
- فإن أراد أن يجمع بين النسكين(الحج والعمرة) بسفرة واحدة وقدم إلى مكة في أشهر الحج ولم يسق الهدي فالتمتع أفضل له، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أصحابه الذين حجوا معه أن يفسخوا الحج إلى عمرة ويتحللوا فنقلهم من الإفراد إلى التمتع ولا ينقلهم إلاّ إلى الأفضل، لأنّهم أفضل الأمّة بعده، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث جابر رضي الله عنه بعدما أمرهم أن يتحللوا من إحرامهم ويجعلوها متعة:«افعلوا ما أمرتكم به، فلولا أنّي سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم به»(١٤).
- أمّا إذا أراد أن يجمع بين النسكين بسفرة واحدة ويسوق الهدي فالقران أفضل، لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساق الهدي وقرن وفِعله أفضل اقتداء به صلى الله عليه وآله وسلم، لأنّ الله اختار له الأفضل، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ إنّ هدي القارن من الحل أفضل باتفاق ممّن يشتريه من الحرم، وهذا الترتيب في الأفضلية من أنّ الإفراد أفضل إذا أفرد الحج بسفرة والعمرة بسفرة، أمّا إذا كان بسفرة واحدة فالقران أفضل لمن ساق الهدي، وإن لم يسق الهدي فالتمتع أفضل، وهو تفصيل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وفيه تجتمع الأدلة ويزول الاضطراب بين الفقهاء، فقدم أفضل النسك باعتبار المشقة والصعوبة ثمّ بحسب سوق الهدي من عدمه فلكل واحد أفضليته في موضعه ومناسبته، ولا يعترض عليه بقوله صلى الله عليه وسلم:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة»(١٥)، على أفضلية التمتع لأنّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل:"لتمتعت مع سوق الهدي" وإنّما غاية ما يدل عليه أنّه لو كان ذلك هو وقت إحرامه لكان أحرم بعمرة ولم يسق الهدي وهو لا يختار أن ينتقل من الأفضل إلى المفضول وخاصّة وقد ساق صلى الله عليه وسلم مائة بدنة مع ما فيه من تعظيم شعائر الله أفضل في نفسه بمجرد التحلل والإحرام، فالسنة-إذن- جاءت بتفضيل كلّ بحسبه ومناسبته وموضعه على ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية(١٦).
والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في:23صفر 1426هـ
الموافق لـ:02أفريـل2005م
١- أخرجه مسلم في الحج(2971)، وأبو داود في المناسك (1780)، والنسائي في مناسك الحج(2729)، والحميدي في مسنده(213)، والبيهقي(9046)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

٢- أخرجه البخاري في الحج(1560)، ومسلم في الحج(2980)،وأبو داود في المناسك(1784)، وأحمد(26589)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

٣- أخرجه مسلم في الحج(3069)، والبيهقي(9074)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

٤- أخرجه البخاري في مناقب الأنصار(3832)، ومسلم في الحج(3068)، والنسائي في مناسك الحج(2825)، وأحمد(2314)، والبيهقي(8994)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
٥- أخرجه البخاري في الحج(1561)، ومسلم في الحج(2988)، والنسائي في مناسك الحج(2815)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

٦- أخرجه مسلم في الحج(2990)، وأحمد(26167)، والبيهقي(9125)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

٧- أخرجه ابن ماجة في المناسك(3094)، من حديث جابر رضي الله عنه. وصححه الألباني في حجة النبي صلى الله عليه وسلم(ص:14)

٨- المحلى لابن حزم:(7/99).

٩- زاد المعاد لابن القيم:(2/114).

١٠- أخرجه البخاري في العمرة(1787)، ومسلم في الحج(2986)، وأحمد(24888)، والبيهقي(8910)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

١١- انظر تفسير ابن كثير:(1/230).

١٢- أخرجه البيهقي(8967) موقوفا عن علي رضي الله عنه، وأخرجه كذلك (8965) عن أبي هريرة مرفوعا، ولا يصح. قال الألباني في السلسلة الضعيفة(1/376) رقم:(210):"وقد رواه البيهقي من طريق عبد الله بن سلمة المرادي عن علي موقوفا ورجاله ثقات، إلاّ أنّ المرادي هذا كان تغير حفظه. وعلى كلّ حال، هذا أصح من المرفوع".

١٣- أخرجه مالك(772)، والبيهقي(14554).

١٤- أخرجه البخاري في الحج(1568)، ومسلم في الحج(3004)، وأحمد(14608)، من حديث جابر رضي الله عنه.

١٥- أخرجه أبو داود في المناسك(1907)، والنسائي في مناسك الحج(2724)، وأحمد(14814)، والدارمي(1903)، من حديث جابر رضي الله عنه. وانظر: "حجة النبي صلى الله عليه وسلم" للألباني(ص:64).

١٦- المجموع لابن تيمية:(26/80 وما بعدها).
 
في حكم تبعيض الحج

السؤال:
هل يجوز التوكيل عن جزئيات الحج والعمرة، كأن يعتمرَ المتمتع عن نفسه ثمّ يحجَّ عن غيره، أو يطوف ويسعى عنه ونحو ذلك؟
الجواب:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرْسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالحجُّ لا تتبعضُ مناسكُه، وهو عبادة لا تقبلُ التجزئةَ سواءً كانَ فرضًا أو نفلاً، فإذَا أحْرمَ بالحجِّ أو العمرةِ صارَ فرضًا كلٌّ منهمَا، ولوْ كانَ في حقِّهِ تطوعًا، لأنّ الشروعَ بالإحرامِ لنفْلِ الحجِّ أو العمرةِ هو بمثابةِ المنذورِ لقوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29] وعليهِ فالأصلُ عدمُ جوازِ التوكيلِ بالقيامِ ببعضِ أعمالِ الحجِّ أو العمرةِ نيابةً عنِ الغيرِ إلاَّ ما اسْتثناهُ الدليلُ، كالنيابة في العباداتِ الماليةِ، ويؤكدُ هذا الحكمَ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليهِ وآلهِ وسلَّم لم يرخِّصْ لأمِّ سلمةَ رضي الله عنهَا في التوكيلِ بالطوافِ لمّا اشتكَت لهُ علّتهَا فقال لها النبيُّ صلَّى الله عليهِ وآلهِ وسلَّم: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ» (١) فدلَّ على أنَّ الحجَّ أو العمرةَ لا تقْبلُ التجزئةَ بالنيابةِ.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانَا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، وصلَّى الله عَلَى محمَّدٍ وعلَى آلهِ وصحبهِ وإخوانِهِ إلى يومِ الدِّينِ وسلّم تسليمًا.

الجزائر في: 08 المحرم 1430ﻫ
الموافق ﻟ: 05 جانفي 2009م
[font=&quot] ١-[/font] أخرجه البخاري كتاب الصلاة، باب إدخال البعير في المسجد للعلة: (452)، ومسلم كتاب الحج: (3078)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها.














 
في أعمال الحجِّ بمزدلفة
[font=&quot] السـؤال:[/font]
ما هي الأعمال التي يقوم بها الحاجّ عند وصوله إلى مزدلفة إلى مغادرتها؟
[font=&quot] الجـواب:[/font]
[font=&quot] الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:[/font]
[font=&quot] فإذا حلَّ الحاجُّ بمزدلفةَ صَلَّى بها المغرب ثلاثَ ركعاتٍ والعشاءَ ركعتين قصرًا، ويجمع بينهما بأذانٍ واحدٍ وإقامتين، قال ابن عبد البر -رحمه الله-: «أجمع العلماء على أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع من عرفة في حَجَّته بعدما غربت الشمس يومَ عرفةَ أَخَّرَ صلاة المغرب ذلك الوقت فلم يُصَلِّها حتى أتى مزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء، جمع بينهما بعدما غاب الشَّفَق، وأجمعوا على أنَّ سُنَّة الحاجِّ كلهم في ذلك الموضع»[/font](١)[font=&quot].[/font]
- والسُّنَّة التعجيل بالصلاتين، وأن يصلي قبل حطِّ الرحال، وإن فصل بينهما وأخَّر العشاء لحاجة لم يضره ذلك، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «فإذا وصل إلى المزدلفة صلى المغرب قبل تبريك الجِمال إن أمكن، ثُمَّ إذا برَّكوها صلَّوا العشاء، وإن أخَّر العشاء لم يضره ذلك»(٢).
- ولا يتنفل بينهما ولا بعدهما، قال ابن قدامة ‑رحمه الله‑: «والسُّنَّة أن لا تَطَوُّع بينهما، قال ابن المنذر: ولا أعلمهم يختلفون في ذلك»(٣).
- ثمَّ يبيت فيها حتى يطلع فجر اليوم العاشر من ذي الحِجَّة وهو يوم العيد، فإذا تبيَّن له الفجر فالسُّنَّة أن يعجِّل الصلاة في أول وقتها في المزدلفة بأذان وإقامة، ويدلُّ على ذلك حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: «فَجَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا[font=&quot] شَيْئًا[/font]»(٤). وفي حديث جابر رضي الله عنهما قال: «حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ»(٥).
[font=&quot] ويتأكَّد في حقِّ الحاج الوقوف بعد صلاة الفجر بمزدلفة[/font](٦)[font=&quot]، إلاَّ في بطن مُحَسِّر[/font](٧)[font=&quot]، فليس منها ويستحبُّ له أن يأتي المشعر الحرام فيرقى عليه أو يقرب منه إن أمكنه من غير إلزام، فإن وقف في أيِّ موضعٍ من مزدلفةَ أجزأه، فيستقبل القِبلة في وقوفه، فيَذكر ويُلَبِّي، ويرفع يديه حالَ الدعاء، ويبقى على هذه الحال حتى يُسْفِر جِدًّا، ثمَّ يدفع من المزدلفة قبل طلوع الشمس وعليه سكينة ووقار، قال ابن قدامة ‑رحمه الله‑: «لا نعلم خلافًا في أنَّ السُّنَّة الدفع قبل طلوع الشمس، وذلك لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعله، قال عمر: «إِنَّ المشْرِكِينَ كَانُوا لاَ يَفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ[/font](٨)[font=&quot] كَيْمَا نَغِيرُ، وأنَّ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلعَ الشَمْسُ»»[/font](٩)[font=&quot].[/font]
[font=&quot] ويدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: 198]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَقَفْتُ هَا هُنَا[/font](١٠)[font=&quot]وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»[/font](١١)[font=&quot]، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ شَهِدَ صَلاَتَنَا هَذِهِ، وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ، وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَتَمَّ حَجَّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ»[/font](١٢)[font=&quot]، وفي حديث عليٍّ رضي الله عنه قال: «فَلَمَّا أَصْبَحَ وَقَفَ عَلَى قُزَحَ فَقَالَ: هَذَا قُزَحُ وَهُوَ الْمَوْقِفُ وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»[/font](١٣)[font=&quot]، وفي حديث ابن عباس قال: «كَانَ يُقَالُ: ارْتَفِعُوا عَنْ مُحَسِّرٍ»[/font](١٤)[font=&quot]، وفي حديث جابر رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ، وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ»[/font](١٥)[font=&quot]، وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَاهُ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ»[/font](١٦)[font=&quot]، وفي حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: «عَلَيْكُمْ بِالسَكِينَةِ»[/font](١٧)[font=&quot].[/font]
[font=&quot]يعفى من المبيت بمزدلفة المُسِنُّون والعجزة والمرضى والصبيان والضعفة من الرجال والنساء، فيُرَخَّص لهم أن يدفعوا إلى مِنًى قبل الفجر إذا غاب القمر، أي بعد منتصف ليلة العيد لرمي جمرة العقبة الكبرى تفاديًا للزحام وخشيةَ حَطْمَةِ الناس. قال ابن قدامة ‑رحمه الله‑: «ولا نعلم فيه مخالفًا؛ ولأنَّ فيه رِفْقًا بهم، ودفعًا لمشقَّة الزِّحام عنهم واقتداء بفعل نبيِّهم صلى الله عليه وآله وسلم»[/font](١٨)[font=&quot]. ويدلُّ عليه حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «نَزَلْنَا الْمُزْدَلِفَةَ فَاسْتَأْذَنَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ سَوْدَةُ أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ وَكَانَتْ امْرَأَةً بَطِيئَةً فَأَذِنَ لَهَا فَدَفَعَتْ قَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَأَقَمْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا نَحْنُ ثُمَّ دَفَعْنَا بِدَفْعِهِ فَلأَنْ أَكُونَ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ»[/font](١٩)[font=&quot]، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ»[/font](٢٠)[font=&quot]، وعنه رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ نِسَاءَهُ وَثقْلَهُ صَبِيحَةَ جمعٍ أَنْ يفِيضُوا مَعَ أَوَّلِ الفَجْرِ بِسَوَادٍ، وَلاَ يَرْمُوا الجمْرَةَ إِلاَّ مُصْبِحِينَ»[/font](٢١)[font=&quot].[/font]
[font=&quot]إذا فرغ من صلاة الفجر بمزدلفة ثمّ الذكر والدعاء حتى يسفر جدّا، ويتوجه الحاجّ قبل طلوع الشمس إلى منى، ويستحبُّ له التلبية والتكبير والتهليل في طريقه إلى مِنًى حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر، قال ابن قدامة ‑رحمه الله‑: «لأنَّ التلبية من شعار الحج فلا يقطع إلاَّ بالشروع في الإحلال، وأوله رمي جمرة العقبة»[/font](٢٢)[font=&quot].[/font]
ويستحبُّ له الإسراع في بطن مُحسِّر إن كان ماشيًا أو بتحريك مركبه قليلاً إن كان راكبًا إن تيسَّر له ذلك، ثمَّ يأخذ الطريق الوسطى التي تخرجه إلى الجمرة الكبرى.
[font=&quot] ويدلُّ على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنَّ أسامة بن زيد رضي الله عنهما كان ردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عرفة إلى المزدلفة ثمَّ أردف الفضل من المزدلفة إلى مِنًى قال فكلاهما قالا: «لَمْ يَزَل النبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ»[/font](٢٣)[font=&quot]، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: «وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ لَقَدْ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا تَرَكَ التَّلْبِيَةَ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إِلاَّ أَنْ يَخْلِطَهَا بِتَكْبِيرٍ أَوْ تَهْلِيلٍ»[/font](٢٤)[font=&quot]، وفي حديث جابر رضي الله عنهما قال: «... حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلاً ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى»[/font](٢٥)[font=&quot]، وفي حديث الفضل بن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ في عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا: «عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ»، وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ حَتَّى دَخَلَ مُحَسِّرًا[/font](٢٦)[font=&quot] ‑وَهُوَ مِنْ مِنًى‑»[/font](٢٧)[font=&quot].[/font]
[font=&quot] والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا.[/font]

الجزائر في: 16 شعبان 1430ﻫ
الموافق: 07 أوت 2009م
[font=&quot] ١-[/font] «الاستذكار» لابن عبد البر: (4/330).

[font=&quot] ٢-[/font] «مجموع الفتاوى» لابن تيمية : (26/134).

[font=&quot]٣-[/font] «المغني» لابن قدامة: (3/420).

[font=&quot]٤-[/font] أخرجه البخاري كتاب «الوضوء»، باب إسباغ الوضوء: (1/44)، وكتاب «الحج»، باب الجمع بين الصلاتين بالمزدلفة: (1/403)، ومسلم كتاب «الحج»: (1/584)، رقم: (1280)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

[font=&quot]٥- [/font] جزء من حديث جابر رضي الله عنه الطويل: أخرجه مسلم: كتاب «الحج»: (1/556)، رقم: (1218).

[font=&quot]٦-[/font] المزدلفة: وهي أرض من الحرم بين جبال دون عرفة إلى مكة وبها المشعر الحرام وهو الجبل الصغير في وسطها، وقيل: إنها سميت بذلك من الازدلاف وهو الاقتراب؛ لأنها بالقرب من مكة أو منًى، ويُسمَّى المكان: جمعًا؛ لأنه يُجْمَع فيها بين المغرب والعشاء. انظر: «مراصد الاطلاع» للصفي البغدادي: (3/1265)، «معجم ما استعجم» للبكري: (4/1191). قال ابن قدامة ‑رحمه الله‑ في «المغني» (3/421): «وللمزدلفة ثلاثة أسماء مزدلفة وجمع والمشعر الحرام، وحدّها من مأزمي عرفة إلى قرن محسر، وما على يمين ذلك وشماله من الشعاب». قلت: وللمزدلفة اسم رابع وهو «قزح»، قاله عبد الملك بن حبيب ‑رحمه الله‑. انظر: «معجم ما استعجم» للبكري (2/393).

[font=&quot]٧-[/font] المحسِّر: واد بين يدي موقف المزدلفة مما يلي منًى، وليس وادي محسر من مزدلفة. انظر «معجم ما استعجم» للبكري: (4/1190)، «مراصد الاطلاع» للصفي البغدادي: (3/1234)، «المغني» لابن قدامة: (3/421، 424).

[font=&quot]٨- [/font] ثبير: جبل بظاهر مكة على يسار الذاهب إلى مِنًى، وهو من أعظم جبال مكة، عُرف برجل من هذيل اسمه «ثبير» دُفِن فيه، وجملة (أشرق ثبير) فعل أمر من الإشراق أي ادخل في الشروق، ومعناه: لتطلع الشمس حتى تُرى على ثبير. انظر: «فتح الباري» لابن حجر: (3/531)، «معجم ما استعجم» للبكري: (1/336).

[font=&quot]٩-[/font] «المغني» لابن قدامة: (3/523)، وأثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب متى يدفع من جمع: (1/405).

[font=&quot]١٠-[/font] ها هنا: يعني المشعر الحرام. انظر «مرقاة ال******» للقاري: (5/486).

[font=&quot]١١-[/font] أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (559)، رقم: (1218)، وأبو داود كتاب «المناسك»، باب الصلاة بجمع: (2/328)، من حديث جابر رضي الله عنه.

[font=&quot]١٢-[/font] أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب من لم يدرك عرفة: (1950)، والنسائي كتاب « مناسك الحج» باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة: (3044)، والترمذي كتاب «الحج»، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج: (891)، وأحمد: (4/15)، من حديث عروة بن مضرِّس الطائي رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير»: (6/240)، والدارقطني والحاكم وأبو بكر بن العربي كما في «التلخيص الحبير» لابن حجر: (2/520)، والألباني في «الإرواء»: (4/259)، والوادعي في «الصحيح المسند»: (940).

١٣- أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب الصلاة بجمع: (2/327)، والترمذي كتاب «الحج»، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف: (885)، وأحمد: (1/156)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ «مسند أحمد»: (2/343)، والألباني في «صحيح الجامع»: (6996).

[font=&quot]١٤-[/font] أخرجه ابن خزيمة في «صحيحه»: (4/254)، والحاكم في «المستدرك»: (1/633)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[font=&quot]١٥-[/font] أخرجه ابن ماجه كتاب «المناسك»، باب الموقف بعرفات: (3012)، من حديث جابر رضي الله عنه. انظر رواته وطرقه في «البدر المنير» لابن الملقن: (6/234)، والحديث صحَّحه ابن عبد البر في «الاستذكار»: (4/274)، والألباني في «صحيح الجامع»: (4006).

[font=&quot]١٦-[/font] جزء من حديث جابر رضي الله عنه الطويل: أخرجه مسلم: كتاب «الحج»: (1/556)، رقم: (1218).

[font=&quot]١٧-[/font] أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة عند الإفاضة وإشارته إليهم بالسوط: (1/403)، ومسلم كتاب «الحج»: (1/582)، رقم: (1282)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

[font=&quot]١٨-[/font] «المغني» لابن قدامة: (3/443).

[font=&quot]١٩-[/font] أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر: (1/404)، ومسلم كتاب «الحج»: (1/586)، رقم: (1290)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[font=&quot]٢٠-[/font] أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب من قدم ضعفة أهله بليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون ويقدم إذا غاب القمر: (1/404)، ومسلم كتاب «الحج»: (1/587)، رقم: (1293)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

٢١- أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى»: (5/132)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار»: (2/216)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث جوّد إسناده الألباني في «الإرواء»: (4/275).

[font=&quot]٢٢-[/font] «المغني» لابن قدامة: (3/424).

[font=&quot]٢٣-[/font] أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب الركوب الارتداف في الحج: (373)، من ابن عباس وأسامة بن زيد رضي الله عنهم.

[font=&quot]٢٤-[/font] أخرجه أحمد: (1/417)، وابن خزيمة في «صحيحه»: (4/250)، والحاكم في «المستدرك»: (1/632)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. والحديث صحَّحه أحمد شاكر في تحقيقه ﻟ : «مسند أحمد»: (6/28)، وحسّنه الألباني في «الإرواء»: (4/296).

[font=&quot]٢٥-[/font] جزء من حديث جابر رضي الله عنه الطويل: أخرجه مسلم: كتاب «الحج»: (1/556)، رقم: (1218).

[font=&quot]٢٦-[/font] معنى كاف ناقته أي يمنعها من الإسراع حتى دخل محسرًا فلم يمنعها. انظر «شرح مسلم» للنووي: (9/27).

[font=&quot]٢٧-[/font] أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (1/582)، رقم: (1282)، والنسائي كتاب «مناسك الحج»، باب الأمر بالسكينة في الإفاضة من عرفة: (5/258)، وأحمد: (1/210)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.


 
في أعمال الحج بعد الرمي
السؤال:
ما هي أعمال الحاج بعد رمي الجمرات ؟

الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعدُ:
[font=&quot] فإذا انتهى الحاج من الرمي أيام التشريق فقد قضى مناسك حجه[/font](١)[font=&quot] ويستحب له النزول بالمحصّب[/font](٢)[font=&quot] إذا نفر من منى، وهو سنة عند جمهور العلماء[/font](٣)[font=&quot]، وحكى القاضي عياض الإجماع على أنه ليس بواجب ولا حرج على من لم ينزل فيه[/font](٤)[font=&quot] لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه : «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ورقد رقدة بالمحصب، ثم ركب إلى البيت، فطاف به»[/font](٥)[font=&quot]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن «النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان نزلوا المحصب»[/font](٦)[font=&quot] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغد يوم النحر – وهو بمنى - : "نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر»[/font](٧)[font=&quot] يعني بذلك المحصب.[/font]
[font=&quot] وخلال مدة إقامته بمكة يحرص الحاج على العمل الصالح من أداء الصلوات جماعة والأفضل أن يصلي في المسجد الحرام لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه"، كما يحرص على الإكثار من نوافل الطواف والصلاة في أي وقت أمكنه من ليل أو نهار لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحدا طاف بالبيت، وصلى أي ساعة من ليل أو نهار"([/font][8][font=&quot]) ولبيانه صلى الله عليه وآله وسلم فضل الركن الأسود واليماني في قوله: "مسحهما يحط الخطايا، ومن طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع قدما إلا كتب الله له حسنة وحط عنه خطيئة وكتب له درجة، ومن أحصى أسبوعا كان كعتق رقبة".[/font]
[font=&quot] كما يلازم ذكر الله وقراءة القرآن والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والاستغفار وتجنب الذنوب والمعاصي والآثام، لأنها أماكن مباركة ومواطن القبول ومظنة الإجابة، فالحسنة في الحرم لها شأنها وفضلها، والسيئة في الحرم لها خطرها([/font][9][font=&quot]).[/font]
[font=&quot] ويباح للحاج التجارة في أيام موسم الحج في شراء اللوازم والأمتعة وقضاء الحوائج لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «كان ذو المجاز وعكاظ متجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كأنهم كرهوا ذلك حتى نزلت: "ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم" في مواسم الحج»([/font][10][font=&quot]).[/font]
[font=&quot] وله أن يتبرك بالتضلع من ماء زمزم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنها مباركة إنها طعام طعم»([/font][11][font=&quot]) وغيرها مما تقدم من الأحاديث الدالة على فضل ماء زمزم.[/font]
[font=&quot] وله أن يحمل معه إلى بلده إن أمكنه ذلك لحديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمله في الأداوي والقرب، وكان يصب على المرضى ويسقيهم»([/font][12][font=&quot]).[/font]
[font=&quot] فإن أراد الحاج الإقامة بمكة فلا وداع عليه([/font][13][font=&quot])، أما إن عزم الرحيل بعد أن فرغ من كل أموره ولم يبق إلا الركوب للسفر فلا يخرج منها إلا بعد أن يودّع البيت بالطواف ليكون آخر عهده بالبيت باستثناء المرأة الحائض والنُّفَسَاء فلا وداع عليهما لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده الطواف بالبيت»([/font][14][font=&quot])، ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خُفِّف عن الحائض»([/font][15][font=&quot])، وعنه رضي الله عنهما قال: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخّص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة»([/font][16][font=&quot])، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «حاضت صفية بنت حيي بعدما أفاضت قالت: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أحابستنا هي؟ قلت يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة، قال: فلتنفر»([/font][17][font=&quot]).[/font]
وإذا خرج من المسجد بعد الفراغ من طوافه يخرج برجله اليسرى أولا ويقول: اللهم صلِّ على محمد وسلِّم، اللهم إني أسألك من فضلك – كما تقدم بيانه في أعمال العمرة –.

والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما

الجزائر في 11 رمضان 1430 هـ
الموافق لـ: 01 سبتمبر 2009 م


[font=&quot]([/font][1][font=&quot]) وهذا القول مبني على مذهب القائلين بأن طواف الوداع عبادة مستقلة وليس من المناسك، قال ابن تيمية – رحمه الله – في "المجموع" (26/215) : "والمحظورات لا تباح إلا حال الضرورة، ولا ضرورة بها إلى طواف الوداع، فإن ذلك ليس من الحج، ولهذا لا يودّع المقيم بمكة، وإنما يودّع المسافر عنها"، وقال النووي في "المجموع" (8/256) : "ومما يستدل به من السنة لكونه – أي طواف الوداع – ليس من المناسك ما ثبت في صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا" وجه الدلالة أن طواف الوداع يكون عند الرجوع وسماه قبله قاضيا للمناسك وحقيقته أن يكون قضاها كلها".[/font]
[font=&quot]([/font][2][font=&quot]) المُحَصَّب : وهو اسم لمكان متسع بين جبلين، وهو إلى منى أقرب من مكة، سمي بذلك لكثرة ما به من الحصا من جر السيول، ويسمى بالأبطح، وخيف بني كنانة، وحدُّه من الحَجُون ذاهبا إلى منى [انظر "مراصد الاطلاع" للصفي البغدادي: (3/1235)، و"أخبار مكة" للفاكهي: (4/7172)].[/font]
[font=&quot]([/font][3][font=&quot]) اختلف السلف في التحصيب هل هو سنة أو منزل اتفاق؟ على مذهبين والصحيح أن التحصيب من سنن الحج لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصد المحصب لينزل فيه وأخبر بذلك كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وليس بمنزل نزل اتفاقا، فكان نزوله به مستحبا اتباعا له لتقريره على ذلك، وقد فعله الخلفاء بعده.[/font]
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في "الفتح" (3/591) : "فالحاصل أن من نفى أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء، ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم لا الإلزام بذلك، ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس".
[font=&quot]([/font][4][font=&quot]) انظر "المجموع" للنووي (8/253). [/font]
[font=&quot]([/font][5][font=&quot]) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب من صلى العصر يوم النفر بالأبطح: (1/422)، وابن خزيمة في «صحيحه»: (2/72)، من حديث أنس رضي الله عنه.[/font]
[font=&quot]([/font][6][font=&quot]) أخرجه أحمد في «المسند»: (2/138)، [/font]
[font=&quot]([/font][7][font=&quot]) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب نزول النبي صلى الله عليه وسلم مكة: (1/384)، ومسلم كتاب «الحج»: (1/594)، رقم: (1314)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.[/font]
[font=&quot]([/font][8][font=&quot])أخرجه أبو داود كتاب «المناسك»، باب الطواف بعد العصر: (2/308)، والترمذي كتاب «الحج» باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد الصبح لمن يطوف: (868)، والنسائي كتاب «المواقيت»، باب إباحة الصلاة في الساعات كلها بمكة: (585)، وأحمد: (4/84)، من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه. والحديث صححه النووي في «الخلاصة»: (1/272)، والألباني في «الإرواء»: (2/239).[/font]
[font=&quot]([/font][9][font=&quot]) قال ابن رجب – رحمه الله – في "جامع العلوم والحكم" (332) عند قوله تعالى: "ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم" [الحج: 25]: "وكان جماعة من الصحابة يتّقون سكنى الحرم خشية ارتكاب الذنوب فيه، منهم ابن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وكذلك كان عمر بن عبد العزيز يفعل، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: الخطيئة فيه أعظم، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لَأَنْ أخطئ سبعين خطيئة – يعني بغير مكة – أحب إلي من أن أخطئ خطيئة واحدة بمكة، وعن مجاهد قال: تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات".[/font]
[font=&quot]([/font][10][font=&quot]) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب التجارة أيام الموسم والبيع في أسواق الجاهلية: (1/423)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. [/font]
[font=&quot]([/font][11][font=&quot]) أخرجه مسلم كتاب «فضائل الصحابة»: (2/1155)، رقم: (3473)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.[/font]
[font=&quot]([/font][12][font=&quot]) أخرجه الترمذي كتاب «الحج»: (963)، والبيهقي في «السنن الكبرى»: (5/202)، من حديث عائشة رضي الله. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (2/543). [/font]
[font=&quot]([/font][13][font=&quot]) قال ابن تيمية – رحمه الله – في "مجموع الفتاوى" (26/8): "وأما طواف الوداع فليس من الحج، وإنما هو لمن أراد الخروج من مكة، ولهذا لا يطوف من أقام بمكة، وليس فرضا على كل أحد، بل يسقط عن الحائض، ولو لم يفعله لأجزأه دم، ولم يبطل حجه بتركه."[/font]
[font=&quot]([/font][14][font=&quot]) أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (1/601)، رقم: (1327)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.[/font]
[font=&quot]([/font][15][font=&quot]) أخرجه البخاري كتاب «الحج»، باب طواف الوداع: (1/421)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.[/font]
[font=&quot]([/font][16][font=&quot]) أخرجه أحمد في «المسند»: (1/370)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في في «الإرواء»: (4/289).[/font]
[font=&quot]([/font][17][font=&quot]) أخرجه البخاري كتاب «المغازي»، باب حجة الوادع: (2/435)، ومسلم كتاب «الحج»: (1/601)، رقم: (1328)، من حديث عائشة رضي الله عنه. [/font]
 
في حكم شراء جواز سفر خاصّ بالحج
[font=&quot] السـؤال:[/font]
[font=&quot] لا يخفى على فضيلتِكم أنّ الدولةَ عندنا -في الجزائر- تمنح جوازاتِ سفرٍ خاصَّةٍ بالحجِّ بالمجَّان، وأكثرها يحصل عليه المسجَّلون [/font] [font=&quot]في بَلَديَّاتهم وَفق عملية القرعة، كما تمنح عددًا من هذه الجوازات إلى أشخاص أو جهات إدارية معيّنة من إطارات وموظفي الدولة بالمجَّان أيضًا، فيحصل بعضُ الأفراد على عددٍ منها بحكم القرابة أو الصداقة فيقومون ببيعها إلى من يريد الحجّ.[/font]
فهل يجوز بيعُ هذه الجوازات بحُجَّة أنّه صارت مِلكًا لصاحبها؟ وهل يجوز شراؤها لمن لم يتيسَّر له الحصولُ عليها من الطرق المعلومة؟ وإذا جاز شراؤها فهل هو في الحجِّ الواجب فقط أم يشمل حجَّ التطوّع أيضًا؟ أفتونا مأجورين.
[font=&quot] الجـواب:[/font]
[font=&quot] الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:[/font]
[font=&quot] فإنّه ممّا ينبغي أن يُعلمَ أنّ جواز السفر الأصلي المستجمع للبيانات الشخصية للفرد لا يصلح -أصلاً- أن يكون محلاًّ للتعامل فيه بالتنازل والإبراء أو الهِبَةِ أو البيع والشراء ونحو ذلك ممّا يدخله التراضي بين الطرفين من قسم: «حقّ العبد»، وعِلَّة المنع انتظامه ضمن معيارِ المصلحة العامَّة المتعلِّقة بنظام المجتمع، وهو ما اصطلح عليه في الشريعة ﺑ: «حقّ الله» أو «حقّ الشرع»، وأضيف الحقّ لله تعالى لعِظَمِ خطره وشمول نفعه، لذلك لا يجوز فيه العفو أو الإبراء منه أو الصلح عليه أو الاتفاق على ما يخالفه، وبعبارة مقتضبة: أنّه لا يقبل التراضي، ونظيرُه في الاصطلاح السائد: النظام العامّ، حيث لا يستطيع شخص -مثلاً- أن يتنازل عن اسمه ولقبه العائلي لغيره، أو يُعَدِّلَ فيه بحَسَبِهِ، إذ قواعد الأهلية من حقّ الله تعالى، وتندرج ضمن النظام العامِّ، فلا يستطيع شخص أن يتنازل عن أهليته أو يزيدَ فيها أو ينقصَ منها باتفاق خاصٍّ، مهما كانت صورة الاتفاق، وكذلك لا يجوز النُّزول عن البُنُوَّة أو الصلح على النَّسَب، وعليه يبطل كُلُّ تصرُّفٍ يقع مخالفًا لحقِّ الله تعالى، وكلُّ كَسْبٍ على عمل غير مشروع يحرم ويأثم صاحبه ويستحقُّ العقابَ.[/font]
[font=&quot] أمّا الجواز المخصَّص للحجِّ الخالي من البيانات الشخصية فلا يصلح فيه -أيضًا- التعامل المالي بالبيع والشراء دون الهبة والتنازل باعتبار أنّ الجواز الخاصَّ بالحجِّ لا يمثِّل في ذاته قيمةً ماليةً متقومة[/font][font=&quot] شرعًا، أي: أنّ الشرع لم يُقِرَّ بماليته حتى يُملَّك ويصبح محلاًّ للكسب بالبيع والشراء؛ ذلك لأنّ جواز السفر وسيلةٌ إداريةٌ لا تخرج طبيعتُه عن النظام العامِّ حيث تتصرَّف فيه الدولةُ إداريًّا على وَفْقِ المصلحة العامّة، ولا يصير -بحال- مِلكًا لحائزه، إذ لا قيمة لأوراقه بدون الجهة الحكومية المستوجبة للإجراءات البيانية والإدارية لتحصيل الترخيص بالحجِّ بالختم والإمضاء من الدوائر التابعة لها.[/font]
[font=&quot] ومن جهة أخرى فإنَّ الغرض الذي خُصِّصَ من أجله الجواز إنّما هو الاستعانة به كوسيلة لأداء مناسك الحجِّ القائمة على عهدة الجهة المانحة للجواز، فالتعامل المالي ببيع الجواز وشرائه يتنافى مع طبيعة المسلك الإداريِّ المنظِّم لهذه العبادة، وعليه فإذا انتفت الملكيةُ الفرديةُ للجواز لكونه معدودًا من النِّظام العامِّ، وتعارض التعاقدُ المالي مع الغرض الذي خُصِّصَ من أجله الجوازُ فلا يختلف الحكمُ عن سابقه بوقوع التعامل به باطلاً لمخالفته لحقِّ الله تعالى والتعدِّي على المنفعة العامَّة والمصلحة الشرعية التي خُصِّص من أجلها الجواز وَ«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[/font](١)[font=&quot].[/font]
هذا، وإذا تقرَّر الحكم بالمنع في الأصل فلا يمنع من الخروج عنه استثناءً لمن تعيَّنت عليه حَجَّةُ الإسلام، وتعذَّر عليه الحجُّ إلاَّ بهذا السَّبيل فإنّه يحلُّ لمعطي المال لأداء واجب الحجِّ في حَقِّه عند تحقُّق شرطه ما لا يحلُّ للآخِذِ، إذ الفعل الواحد يجوز أن يكون مأمورًا به من وجهٍ، منهيًّا عنه من وجهٍ آخرَ؛ لأنّ الفعل قد تجتمع فيه مصلحةٌ ومفسدةٌ من جهاتٍ مختلفةٍ.
[font=&quot] وتبريرُ الاستثناء من الأصل السابق يكمن في أنَّ العبادة حقٌّ خالصٌ لله تعالى لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم: «حَقُ اللهِ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»[/font](٢)[font=&quot]، والمعلومُ أنّ كُلَّ حقِّ يقابله واجبٌ، وترك عبادة الحجِّ لمن وجب عليه تضييع لحقِّ الله تعالى، وتركُ المأمورِ به أعظمُ ذنبًا من إتيان المنهي عنه، فمفسدة بَذْلِ المالِ لأجل تحصيل الجواز مغمورةٌ في مصلحة العبادة العُلْيَا، وهي مُقَدَّمَةٌ عليها كما تقرَّر في علم المقاصد؛ ولأنّ «جِنْسَ فِعْلِ المَأْمُورِ أَعْظَمُ مِنْ جِنْسِ تَرْكِ المَنْهِيِّ عَنْهُ»؛ ولأنّه إذا جاز -في حقوق العباد- دفعُ مالٍ لإحقاقِ حقٍّ أو إبطالِ باطلٍ أي: جازَ للمعطي دون الآخذ، فكذلك في حقِّ الله في العبادة، فظهر جَلِيًّا أنّ من تعلَّق الوجوبُ في ذِمَّته يجوز له الانتفاع بالجواز مع بذل العِوَضِ المالي عليه دون غيره.[/font]
[font=&quot] والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.[/font]

الجزائر في: 19 شعبان 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 01 سبتمبر 2007م

١- أخرجه مسلم في «الأقضية»، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور: (4493)، وأحمد: (25870)، والدارقطني في «سننه»: (4593)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

[font=&quot] ٢-[/font][font=&quot] أخرجه البخاري في «التوحيد»، باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد: (9638)، ومسلم في «الإيمان»، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا: (143)، والترمذي في «الإيمان»، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة: (2643)، وابن ماجه في «الزهد»، باب ما يرجى من رحمة الله يوم القيامة: (4296)، وأحمد: (21553)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.[/font]





 
سامحنا أخي على التدخل و لكن أريد الشكر

الجزيل لك على مجهودك

وفقك الله لما احب و اراد
 
توقيع EL General
في تخصيص وليمة «النقيعة» بالحج
[font=&quot] السـؤال:[/font]
كنتم قد تفضّلتم بالإجابة عن حكم صنعِ الطعامِ للعائد من الحجِّ، وفهمتُ من جوابكم أنّ هذا من ضِمن ما يُسمَّى بطعام «النقيعة» غير أنه استشكل عليَّ أمرٌ وهو أنّ هؤلاء الذين يصنعون الطعام عندنا للعائد من الحجّ يخصّون سفر الحجِّ دون غيره بصنع الطعام، وقد يكونون من الذين لا يعقُّون عن أولادهم، فإذا عَلِمَ المرءُ أنهم على هذه الحال فهل يجب عليه أن يلبي دعوتهم؟ وبارك الله فيكم.
[font=&quot] الجواب:[/font]
[font=&quot] الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:[/font]
[font=&quot] فإذا صَنَعَ العائدُ مِنْ سَفَرِهِ من الحجِّ طعامًا ودَعَا إليه شكرًا للمُنعِم على ما أنعم عليه بالحجِّ وسلامة العودةِ إلى بلده وأهله، فإنه تُلَبَّى دعوته بناءً على ما تقدّم في مسألة «النقيعة»، ما لم يُعلم بقرائنِ الأحوالِ أنّ دوافعَ الإطعامِ مَبْنِيَّةٌ على حُبِّ المحمدةِ والظهورِ والتفاخُرِ أو الخُيَلاَءِ، كَقَرِينة تركه سُنّة الأضحية والعقيقة المؤكّدتين بالنصوص الحديثية؛ فإنه في هذه الحال لا تجب عليه تلبية الدعوة وشهودها، أمّا العقيقة فهي سُنَّةٌ واجبةٌ على المولود له على الصحيح من أقوال العلماء لأنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم أمر بها وعمل بها في قوله: «مَعَ الغُلاَمِ عَقِيقَةٌ فَأهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى»[/font](١)[font=&quot] ولقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «كُلُّ غُلاَمٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ. تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسَمَّى»[/font](٢)[font=&quot]، وتبقى ذِمَّةُ المولود له مشغولة بالعق عن مولوده.[/font]
[font=&quot] والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.[/font]

الجزائر في: أول محرم 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 20 يناير 2007م

١-[font=&quot] أخرجه البخاري في «العقيقة»: (5471)، وأبو داود في «الضحايا»: (2839)، والترمذي في «الأضاحي»: (1515)، والنسائي في «العقيقة»: (4214)، وابن ماجه في «الذبائح»: (3164)، وأحمد: (15796)، من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه.[/font]

[font=&quot] ٢-[/font][font=&quot] أخرجه أبوداود في «الأضاحي»: (٢٨٣٨)، والترمذي في «الأضاحي»: (1522)، والنسائي في «العقيقة»: (4220)، وابن ماجه في «الذبائح»: (3165)، والحاكم في «المستدرك»: (7587)، وأحمد: (19676)، من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه. والحديث قال عنه ابن حجر في «فتح الباري» (9/507): «رجاله ثقات»، وصحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير» (9/333)، والألباني في «صحيح الجامع» ([/font]4184[font=&quot]).[/font]
 
في ضابط الحج عن الغير

السؤال:[font=&quot] [/font] هل تجوز النيابة في الحج على من كان قادرًا عليه لكن سَوَّف أمره، ومات وهو مفرِّط في أدائه؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم - وفّقك الله - أنّه لا تجوز النيابة على الحي القادر لأنّه هو المكلّف بأداء الواجبات ابتلاءً وامتحانًا، كذلك لا تجوز النيابة في الحجّ على من ترك الواجبات التي عليه من مباني الإسلام، وفرّط في الحجّ ولم تنهضه هِمَمُهُ لأداء الفرائض، وكذلك الحي القادر الذي ترك واجبَ الحجّ مع القدرة عليه، وتعمّد على عدم الحجّ الواجب عليه، فهذا لا نيابةَ عنه في الحجّ، ولكن الذي يناب عنه هو ذلك القادر العاجز الذي أراد أن يحجَّ ولكن منعه مانع العجز أو توفي وأوصى بالحجّ عنه أو كان متأمّلاً في أن يحجّ لكن اخترمه الموت، فهؤلاء الذين تجوز النيابة في الحجّ عنهم، ومن شرط النائب أن يكون قد حجّ عن نفسه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث شُبرُمة لَمّا سمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يقول: "لبيك عن شُبرُمة"، قال: "وَمَنْ شُبْرُمَة؟" قال:"أخٌ لي"، قال: "أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟"، قال:"لا"، قال:"فَاحْجُجْ عَنْ نَفْسِكَ ثمّ عَنْ شُبْرُمَةَ"(١).
والظاهر من الحديث عدم جواز حجّ الإنسان عن غيره قبل أن يحجّ عن نفسه إلاّ أنّ القول بجواز الحجّ عن غيره لمن لم يحجَّ عن نفسه إذا لم يكن مستطيعًا عن الحجّ عن نفسه أصحّ نظرًا، وهو مذهب أحمد في رواية عنه وبه قال الثوري، وبناءً على هذا الرأي فالحديث محمول على أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان يعلم من حال الـمُلَبِّي أنه قادر على الحجّ عن نفسه، ولو كان غير قادر لاعتذر له بعدم الاستطاعة ولم ينقل ذلك، ومع ذلك فالأولى بالنيابة في الحجّ أن يحجّ عن نفسه أولاً، ثمّ عن غيره ثانيًا.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 21 رجب 1427ﻫ
الموافق ﻟ: 15 أغسطس 2006م


۱- أخرجه أبو داود في المناسك (1811)، وابن ماجه في المناسك (2903)، وابن حبان (3988)، وابن خزيمة (3039)، والطبراني في "المعجم الصغير" (613)، والبيهقي (8766)، والدارقطني (148)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال البيهقي في "السنن الكبرى" (4/336): "هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه". وقال ابن حجر في "الفتح" (12/398): "سنده صحيح". وصححه الألباني في "الإرواء" (994)، والوادعي في "الصحيح المسند"(629).




 
في حكم الاقتراض لأجل الحج
[font=&quot] السـؤال:[/font]
شخص رزقه اللهُ مالاً، أراد أن يحجَّ به، لكنَّه لا يكفيه لنفقة الحجِّ وكُلفته، فَهَمَّ ليقترض من غيره فحصل عنده تردُّد؛ فهل يجوز أن يقترض ما يتمِّم به نفقةَ الحجِّ، وهو لا يعلم هل يقدر على الوفاء وتسديد الدَّين أم لا يقدر؟
[font=&quot] الجـواب:[/font]
[font=&quot] الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:[/font]
[font=&quot] فالاستطاعةُ شرطُ وجوبٍ في الحجِّ، لا شرط في صِحَّته لقوله تعالى: ﴿وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ [آل عمران: 97]، وما كان شرطًا للوجوب لا يلزم المكلَّفَ تحصيلُه لكونه من خطاب الوضع، والوجوبُ منتفٍ عند عدمه، إذ «مَا لاَ يَتِمُّ الوُجُوبُ إِلاَّ بِهِ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ»، ومن جهة أخرى فإنَّ المتقرِّر في القواعد العامَّة أنّ «كُلَّ عِبَادَةٍ اعْتُبِرَ فِيهَا المَالُ، فَإِنَّ المُعْتَبَرَ مِلْكُهُ لاَ القُدْرَة عَلَى مِلْكِهِ»، وإذا كان الحجُّ في حقِّ غير المستطيع ليس واجبًا فإنَّ الشارعَ لا يُلزِمُهُ بالاستدانة له، وقد ورد من حديث بن أبي أَوْفَى رضي الله عنه أنّه لما سُئِلَ عن رجلٍ يستقرض ويحُجُّ؟ قال: «يَسْتَرْزِقُ اللهَ، وَلاَ يَسْتَقْرِضُ. قال: وَكُنَّا نَقُولُ: لاَ يَسْتَقْرِضُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَفَاءٌ»[/font](١)[font=&quot].[/font]
وعليه، فإن كان المكلَّفُ غيرَ واثق من قدرته على الوفاء بما استقرضه من الدَّين فلا يجوز له أن يتكلَّف أمرًا يسَّره اللهُ رأفةً بالناس ولم يوجِبْه، ولم يترتَّب عليه إثم إن مات ولم يحجّ وهو غير ملوم بخلاف ما إذا كانت ذمَّتُهُ مشغولةً بالدَّين الذي اقترضه واخترمه الموت فيبقى مطالبًا به؛ لأنّه حقٌّ العبيد، ولا يخفى أنّ حقَّ الله تعالى مبني على المسامحة والمساهلة، وحقّ العبد مبني على المشاحّة والمضايقة؛ لأنّه يَنْتَفِعُ بِحصوله، ويَتَضَرَّرُ بِفواته دون البَارِي تعالى فلا يَتَضَرَّرُ بفوات حقوقه ولا يَنْتَفِعُ بِحصولها، غَير أنّه إن استقرضَ وَحَجَّ -وهو على هذه الحال- فحجُّه صحيح وتبرأ ذِمَّته منه، وتبقى مشغولةً بقضاء دَيْنه.
أمّا إذا كان قادرًا على الوفاء به -في الحال- فيلزمُه الحجُّ مع توثيق القرض برهن أو كفيل، أو وصية بتسديد المبلغ المقترَضِ في حالة ما إذا حصل له مكروه يمنعه من الوفاء به.
[font=&quot] والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.[/font]

الجزائر في: 11 شعبان 1428ﻫ
الموافق ﻟ: 24 أوت 2007م

[font=&quot] ١-[/font][font=&quot] أخرجه البيهقي في «الحج»، باب الاستسلاف للحج: (8737)، وابن أبي شيبة في «المصنف»: (15014). وصححه الألباني في «السلسلة الضعيفة»: (13/1/329). [/font]





 
إذا أمكن وباختصار شرح مناسك الحج كما وردت وثبتت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نرجو أن يكون ذلك منكم؟ جزاكم الله خيراً.

النبي -صلى الله عليه وسلم- وضح للأمة مناسك العمرة ومناسك الحج بفعله وقوله -عليه الصلاة والسلام-، أما العمرة فالمشروع أن يحرم بها من الميقات، ميقات بلده، إذا مرَّ عليه، فإن كان مرَّ على ميقات آخر أحرم من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون المواقيت كأهل بحرة أو أهل الشرايع أحرموا من مكانهم بالعمرة يقول: اللهم لبيك عمرة، ويلبس الإزار والرداء إن كان رجلاً، وإن كان امرأة لبست ما تيسر لها من ثيابها وأحرمت بالعمرة، وتلبي كما يلبي الرجل، فيقولان: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويستمر كل منهم في التلبية حتى يصل إلى مكة، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت سبعة أشواط وصلى ركعتين عند المقام، ثم سعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة ثم قصَّر أوحلق، هذه العمرة، هذه أنساكها يحرم بها من ميقات بلده إن كان من طريق بلده, وإن جاء من ميقات آخر أحرم من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون المواقيت أحرم من مكانه، كبحرة وجدة ونحو ذلك، ثم إذا دخل مكة طاف وسعى وقصَّر -هذه العمرة،- وعليه أن يلبي من ميقات بلده إن كان مر عليه وإلا من الميقات الذي يمر عليه، وعرفت أنه إذا كان دون الميقات فهي من مكانه (من بحرة)، يحرم من مكانه ويقول: اللهم لبيك عمرة، ثم يلبي التلبية الشرعية لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويستمر يلبي في طريقه حتى يصل إلى مكة فإذا وصل إلى مكة طاف وسعى وقصَّر، وتمت العمرة. والطواف: هو أن يدور حول الكعبة سبعة أشواط، من الحجر إلى الحجر، من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود يذكر الله أو يقرأ القرآن أو يدعو هذا هو السنة، فإذا فرغ صلى ركعتين خلف المقام, يقرأ فيهما بالفاتحة وقل يا أيها الكافرون في الأولى وقل هو الله أحد في الثانية هذا هو الأفضل، ثم بعد ذلك يتوجه إلى الصفا ويسعى سبعة أشواط من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، سبعة أشواط، ثم يحلق رأسه أو يقصر والحلق أفضل، إذا كان الوقت بعيداً عن الحج, فالحلق أفضل، أما إذا كانت العمرة قريبة من الحج، وهو يريد أن يحج فإنه يكتفي بالتقصير هذا أفضل، أدّى العمرة مثلاً في أول ذي الحجة وهو يريد أن يحج فمن الأفضل أن يقصر حتى يبقى على الحلق للحج. والحج مثل ذلك –إذا أراد الحج- يحرم من ميقاته إن كان مرَّ عليه، أو من الميقات الذي يمر عليه، وإن كان دون ذلك أحرم من محله، مثل بحرة ونحوها بالحج، يقول: لبيك حجة، ويشرع في التلبية الشرعية، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، ويحرم في إزار ورداء هذا هو الأفضل، إزار ورداء أبيضين يعقد الإزار عليه والرداء يجعله على كتفيه ويطوف, وإذا كان في طواف القدوم -الطواف الأول- جعل الرداء تحت إبطه، يعني وضعه تحت إبطه وجعل أطرافه على عاتقه الأيسر ويسمى الاضبطاع، في الطواف الأول هذا هو الأفضل في السبعة أشواط يضطبع، يجعل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن ويجعل أطرافه على عاتقه الأيسر ويطوف سبعة أشواط، طواف القدوم، ويرمُل في الشوط الأول والثاني والثالث، يعني يركض فيه (يسمى الخبب) -بين المشي وبين ــ القوي- خبب، في الثلاثة الأشواط الأولى في الحج والعمرة جميعاً؛ لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- رمل في هذه الأشواط الثلاثة الأول والثاني والثالث، يعني أسرع مع مقاربة الخُطى، ويمشي في الأربعة الأخيرة في طواف العمرة وطواف القدوم طواف القدوم، ثم يسعى بين الصفا والمروة -كما فعل في العمرة- يسعى سبعة أشواط بين الصفا والمروة ويبدأ من الصفا ويختم بالمروة، سبعة أشوط يدعو فيها ويذكر الله جل وعلا على الصفا وعلى المروة, يذكر الله جل وعلا، ويدعو بما تيسر من الدعاء، فإن الدعاء مطلوب ـــ فيدعو الله بالطريقة التي يعرفها ويفهمها، ثم بعد ذلك إذا طاف وسعى وقصر أوحلق فإنه يتحلل، يكون حينئذ أدى عمرة وتمتع بها إلى الحج، ثم يحرم بالحج يوم الثامن مع الناس من مكانه من منـزله يقول: اللهم لبيك حجة ويحرم بإزار ورداء كما فعل في الميقات ثم بعد ذلك يتوجه إلى منى فيقيم بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، يعني يصلي بها الظهر ركعتين والعصر ركعتين، والمغرب ثلاثاً، والعشاء ركعتين، ويصلي بها الصبح، ثم يقيم ما شاء الله، ثم يتوجه إلى عرفات بعد طلوع الشمس يصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصراً بدون جمع كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصلي بها الفجر مع سنتها ركعتين، فإذا طلعت الشمس توجه ملبياً أو مكبراً إلى عرفة والتلبية أفضل، وإن كبر في الطريق فلا بأس، لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ترك الملبي يلبي والمهل يهل، فإن كبر أو سبح أو نحوه فلا بأس، وإن اقتصر على التلبية فالتلبية أفضل، هذا عمله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع؛ لأنه حج قارناً، فلما طاف وسعى بقي على إحرامه لم يحل طاف ورمل في الطواف في الأشواط الثلاثة، ومشى في الأربعة واضبطع -عليه الصلاة والسلام- في طواف القدوم وجعل وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وأطرافه على عاتقه الأيسر واستمرَّ مضطبعاً حتى كمل الطواف، هذا هو السنة، وبقي على إحرامه لم يتحلل؛ لأنه معه الهدي -قد أهدى- والمهدي لا يتحلل, يبقى على إحرامه يطوف ويسعى ويبقى على إحرامه ويضبطع في طواف القدوم كما سبق في العمرة والحج جميعاً يضبطع في جعْل وسط ردائه تحت إبطه الأيمن وأطرافه على عاتقه الأيسر، أما الرمل فهو في الثلاثة الأشواط الأولى فقط، وهو المسارعة في المشي مع تقارب الخطا، يعني: يخُب حتى يكمله, والسنة أنه يستلم الحجر الأسود ويقبله في كل شوط، يبدأ به أولاً، فيستلمه بيده ويقبله كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقول عند ذلك الله أكبر، عندما يستلم الحجر، يقول: الله أكبر، أو بسم الله، والله أكبر، فإن عجز عن التقبيل استمله بيده وقبل يده أو بعصا وقبل طرفها فإن عجز كبر وإن لم يستلم شيئاً, كبر وأشار إليه فقط, كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فاتقوا الله ما استطعتم, وهو سنة, التقبيل والاستلام والتسليم كله سنة ليس بفريضة لكن إذا تيسر له أن يقبله ويستمله استلمه بيده اليمنى وقبله وكبر فإن عجز استلمه بيده وقبلها أو بعصا وقبلها وكبر، حتى يكمل الطواف -في كل شوط-، ثم بعد ما يقف بعرفات بعد الزوال يوم عرفة الناس يجتمعون في عرفات ويقفون بها يعني يجلسون فيها ذاكرين مهللين داعين مستغفرين الذي في خيمته والذي خارج خيمته يدعون الله ويضرعون إليه حتى تغيب الشمس وهم في عرفات -في دعاء وذكر وقراءة قرآن يرفع يديه ويدعو كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحى ويميت وهو على كل شيء قدير". فالدعاء في يوم عرفة مشروع ويُكثَر من الذكر، مشروع كما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام-، والأفضل أن يقف راكباً على مطيته أو سيارته فإن جلس في الأرض فلا بأس في خيمته أو تحت شجرة فلا حرج وذلك بعدما يصلي الجمع تذهب إلى عرفات بعدما يصلون الجمع الظهر ركعتين والعصر ركعتين بأذان واحد وإقامتين يصلونها بعد الزوال مباشرة كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، يصلون الظهر ركعتين والعصر ركعتين بأذان واحد وإقامتين, ثم يتوجه الحجاج إلى عرفة فيلزم كل حاج ..... بعرفة لا يخرج عن عرفة حتى تغيب الشمس, وإن خرج ورجع فلا بأس، خرج إلى حاجاته ثم رجع إلى عرفات قبل غروب الشمس فلا بأس، المهم أن يبقى فيها جزءاً من النهار إلى غروب الشمس، بهذا يؤدي الواجب، ولكن إذا وقف بعد صلاة الجمع واستمر وصبر على طول الوقوف كان أفضل وأكمل. والسنة –أيضاً- لمن كان في عرفات أن يكثر من الذكر وقراءة القرآن والدعاء رافعاً يديه حتى تغيب الشمس سواء كان على الأرض أو على السيارة أو على المطية يكثر من الذكر كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه بقي على الدابّه حتى غابت الشمس يذكر الله ويحمده سبحانه وتعالى. والحكم واحد بحق الرجال والنساء، ثم ينصرف الجميع بعد غروب الشمس إلى مزدلفة ملبين ويصلون بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً للعشاء القصر والجمع المغرب ثلاثاً والعشاء ثنتين، كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- بأذان واحد وإقامتين، -المغرب لا تقصر، يصليها ثلاثاً ثم يصلي العشاء ثنتين سواء وصل مبكراً أو متأخراً إن وصل مبكراً فلا بأس، وإن وصل متأخراً فلا بأس، يجمع بين المغرب والعشاء متى وصل إلى مزدلفة لفعله -عليه الصلاة والسلام-، قد جاء في حديث أسامة أنهم لما صلوا المغرب أمرهم فأناخوا رواحهم ثم صلى العشاء، ومن ينيخ راحتله بعد المغرب لا يضر، أما وضع الفرش وطرحها من ظهور الدواب أومن السيارات هذا يكون بعد ذلك، يكون بعد الصلاة، يبدأون بالصلاة، كما بدأ بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، يبدأون بالمغرب والعشاء، قصراً وجمعاً سواء جاؤوا مزدلفة مبكرين أو متأخرين، فيصلون المغرب والعشاء ثم بعد هذا ينظرون في حط رواحهم والنظر في حاجاتهم وطعامهم ونحو ذلك. - بالمناسبة لو تكرمتم -سماحة الشيخ- فيما إذا وصلوا إلى مزدلفة متأخرين بعض الشيء هل ينتظرون دخول وقت صلاة العشاء أم يبدأون حينما يصلون؟ ج/ من حين يصلون ولو في وقت المغرب، من حين يصلون ولو في وقت المغرب، يُصلُّون المغرب والعشاء جمعاً وقصراً؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما قال للناس: من جاء قبل العشاء فلا يجمع، ترك الناس، منهم العجل الذي ..... بنفسه، ومنهم البطيء، لكن لو تأخر في الطريق مثل الزحمة وغيرها، ليس له أن يؤخر إلى بعد نصف الليل, يصليها في الطريق لو زحم أو تعطلت سيارته لا يؤخر إلى مزدلفة, يصلي في الوقت الذي قبل نصف الليل ولو في الطريق، أما أن يؤخر حتى يصل مزدلفة إذا كان سليماً أما إذا زحم أو تعطلت سيارته فليس له التأخير إلى بعد نصف الليل، لأن وقت العشاء إلى نصف الليل، بل يصلي الطريق. - إنما يبدأ حينما يصل إلى مزدلفة يبدأ مباشرة بالصلاة؟ ولا يؤخرها إلى وقت العشاء؟ ج/نعم، لا يؤخرها ولا إلى حط الرحال. وبعد هذا كله...-صلى الله عليه وسلم- انصرف من مزدلفة بات فيها تلك الليلة ثم صلى بها الفجر ثم ذكر الله عند المشعر، ذكره كثيراً حتى أسفر والمسلمون معه مستقبل القبلة، فلما أسفر انصرف إلى مكة، وأقام في منى، -عليه الصلاة والسلام- يوم العيد والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يقصر ولا يجمع، يصلي الظهر في وقتها والعصر في وقتها والعشاء في وقتها والمغرب في وقتها هذا هو الأفضل، لأنه مستريح ليس عنده زحمة ودخل ضحوة يوم العيد بعدما رمى الجمرة وطاف عليه الصلاة والسلام، لأنه عليه طواف، لأنه قارن قد طاف وسعى قبل ذلك ما بقي عليه إلا الطواف فلما رمى الجمرة يوم العيد ونصح الناس ووعظهم دخل بعدما حلق وطيبته عائشة وطاف طواف الإفاضة يوم العيد، قام يوم العيد ثم حلق ووزع شعره على الصحابة ثم طيبته عائشة ثم نزل إلى مكة -عليه الصلاة والسلام-، فدل على أنه بعد الطواف وبعد الرمي والحلق، يتحلل بالطيب ويتأخر الطواف، لأنه لما رمى وحلق صار متحللاً التحلل الأول، وبهذا طيبته عائشة -رضي الله عنها- ثم توجه إلى مكة وطاف طواف الإفاضة فلم يسع؛ لأنه قارن والقارن كالمفرد يجزئه سعي واحد, وقد سعى عند طواف القدوم فأجرأه ذلك، فمن فعل فعله -صلى الله عليه وسلم- فقد أصاب السنة، إذا جاء يوم العيد ورمى الجمرة بسبع حصيات -جمرة العقبة- وحلق أو قصر فقد أصاب النسك، وإن كان عنده هدي ذبحه بعد الرمي، ينحر هديه بعد الرمي، كما فعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، يرمي الجمرة ثم ينحر ثم يحلق أويقصر والحلق أفضل ثم يتطيب ويتحلل ثم يذهب إلى مكة للسعي سواء كان السعي عن تمتع أو قران أو إفراد, لكن إن كان قد سعى مع طواف القدوم أجزأه في القران وفي الإفراد، ويبقى عليه سعي التمتع إذا كان متمتعاً، أما إذا كان ما سعى مع طواف القدوم فإنه يسعى بعد طواف الإفاضة في يوم العيد أو بعده لأن الرسول طاف طواف الإفاضة ولم يسع لأنه قد سعى قبل ذلك، وعائشة لما كانت لم تسع بسبب الحيض أمرها بالطواف والسعي يوم العيد، وهكذا كل إنسان أحرم بالحج أو بالقران ولم يسع مع طواف القدوم فإنه يسعى بعد طواف الإفاضة يوم العيد أو بعده، وأما المتمتع فلا بد من سعيه بعد طواف الإفاضة؛ لأنه أفرد العمرة أولاً وانتهى منها ثم أحرم بالحج فصار كل واحد على حدة، فالعمرة لها طوافها وسعيها والحج له طواف وسعيه. ومن تمامه أنه رمى الجمار أيضاً في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، على سبع سبع بعد الزوال يرمي الجمار الثلاث، كل جمرة بسبع حصيات بعد الزوال يكبر مع كل حصاة، يوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؛ لأنه لم يتعجل -عليه الصلاة والسلام- بل كان يكبر مع كل حصاة ودعا عند الأولى، جعلها يسار ووقف ـــ يدعو طويلاً ثم ذهب إلى الوسطى ورماها بسبع حصيات ثم جعلها عن يمنيه وــ وجعل يدعو، ثم رمى جمرة العقبة ولم يقف عندها, بل رماها وانصرف دل ذلك على أنه في رمي الجمار يقف عند الأولى والثانية يدعو ربه يطيل بالدعاء بعد الرمي، أما الثالثة فلا يقف عندها -يعني في الحادي عشر والثاني وهكذا في الثالث عشر إذا لم يتعجل، إذا لم يتعجل فإنه أيضاً يرمي بعد الزوال، يوم الثالث عشر ويكمل حجه برمي الجمار الثلاث ويكبر مع كل حصاة مثلما فعل في الحادي عشر والثاني عشر، لكن المتعجل ينصرف يوم الثاني عشر بعد الرمي يعني ينفذ إلى مكة بعد الرمي يوم الثاني عشر بعد الزوال، لأنه في هذه الحالة قد انتهى من الجمار، بعد أن تمتع، يتوجه إلى مكة ويقيم بها أو يطوف طواف الوداع ويسافر أما من أقام في منى ليلة ثلاثة عشر ولم يعجل، فإنه يرمي الجمار الثلاث في اليوم الثالث عشر بعد الزوال، كما رماها في الحادي عشر والثاني وبذلك انتهى وقت الرمي، ولم يبق عليه إلا طواف الوداع إذا كان طاف الحج في القران فإنه يبقى عليه طواف الوداع؛ لأن طواف الإفاضة قد أداه في يوم العيد.
عبد العزيز بن عبد الله ابن باز



 
آخر تعديل:
بارك الله فيكم ونفع بكم
ولعلِّ أُسهِم معكم في جمع بعض المواد النافعة بإذن الله

 
الحكمة من الأضحية في العيد - عبدالمالك رمضاني
4.1 MB
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴿* اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله -عزَّ وجل- وأحسن الهدي هدي محمدٍ -صلَّى الله عليه وآله وسلم- وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النَّار.
إن صراع الإنسان مع نفسه لا ينقطع إلاَّ بانقطاع نفسه، ولذلك فإن الله -تبارك وتعالى- ما شرع شفاءًا لأدواء هذه النَّفس إلاَّ وبناه بنيتين عظيمتين، عليهما يقوم هذا الدِّين كله، تِلكم البنيتان هما: الإخلاص لله تعالى ومتابعة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلَّم- في هذه العبادات وأنواع الأودية المشروعة، فنجد الدِّين كلَّه مبنيًا على هذا، كقوله تعالى: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ) [لقمان: 22]؛ (
وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّـهِ): إسلام الوجه لله هو الإخلاص له في كلِّ ما يأتيه العبد ويذر، وهو إحسان العمل لله تعالى ولم يُحسن اِمرء العمل لربِّه -عزَّ وجل- حتى يأتيه على الصفة التي أتاها -عليه الصلاة والسلام-.
ولهذا فإن من طرق علاج أدواء النَّفس البشرية الأمَّارة بالسوء أن علَّمنا الله تعالى أن نذبح له، أن يذبح المسلم ذبيحته وينوي بها سبيل الله -عزَّ وجل-، وإنَّ علاج هذه النَّفس لن يأتَّى لبشر أبدا إلا إذا كان قياده من الله -عزَّ وجل-، ذلك لأن الله تعالى علِم صعوبة شفاء هذه النَّفس من أدواءها، فتوكَّل -سبحانه وتعالى- بإصلاحها بنفسه ولذلك أنزل في قرآنه قوله: (
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء: 82]، ومن الشِّفاء الذي أنزله الله تعالى في القرآن الكريم قوله تعالى في هذه العبادة المخصوصة: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ) [الحج: 36]. والبدن: أي الذبيحة والنحيرة، فكلُّ ما يذبحه العبد لله -عزَّ وجل- في مثل هذه المناسبة التِّي يشكر فيها ربَّه على نعمه الظاهرة والباطنة، كلُّ ذلك جعل الله -تبارك وتعالى- فيه الخير العظيم، والخير خيران كما سبق ذكره. فهذه الذبيحة تُعالج النَّفس البشرية من الجهتين: فالجهة الأولى تُصحِّح إخلاص المرء لربِّه -عزَّ وجل- حيث لا يجوز له أن يتقدَّم بهذه العبادة وهي الذبيحة إلاَّ لله -عزَّ وجل-، فهي قُربان يُقرِّبه المرء لربه -عزَّ وجل- ولذلك قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163]؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي) أي: وذبيحتي، ومعنى الآية: قل إن عبادتي وعادتي وحياتي وممكاتي كلُّ ذلك لله تعالى، تِلكم هي المرتبة التي ينبغي أن يبلغها كلُّ مسلم بينه وبين ربِّه حتى يكون كلُّه لله ما دام كلُّه منه -عزَّ وجل-.
ولذلك فكما أنك لا تُصلِّي إلاَّ لله، فلا تذبح إلاَّ له، قال الله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ
) [الكوثر: 2]، أي: واذبح لربِّك كما تُصلِّي له.
ولأجل هذا فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لعن الله من ذبح لغير الله). رواه مسلم
ومن الذِّين يذبحون لغير الله الذين يذبحون للأولياء، فهؤلاء ملعونون على لسان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومن الذين يذبحون لغير الله الذين يذبحون على أعين الجيران، ومن الذين يذبحون لغير الله قول أحدهم: والله لولا الأولاد ما ذبحت، تِلكم الكلمة المنتشرة في أوساط المسلمين اليوم، ألا تعلموا عباد الله أن كلَّ ولي، كلَّ أبٍ، كلَّ مسؤول عن عائلة يذبح من أجل أبناءه، فهذا العبد ما ذبح أبدًا وإن ذبيحته لحمٌ لا يقبلها الله تعالى ضحيَّة، فلذلك أخلِصوا النيَّة لله -عزَّ وجل-.
ولأجل هذا فإن الأضحية تُصحِّح مرض النَّفس البشرية من الجهة الثانية ألا وهي جهة المتابعة للنبِّي -صلى الله عليه وآله وسلم-، ذلك لأنك إذا ذبحت هذه الأُضحية في ذلك اليوم المخصوص والوقت المخصوص مع أنها تجوز سائر السنَّة فإنما تقتدي بنبيِّك محمَّد -عليه الصلاة والسلام- الذِّي جاءك بهذه الشريعة اِقتداءًا بأبيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-.
كل ذلك لتذبح كلمة لماذا؟ التِّي لا يتأدَّبُ بها كثيرًا من النَّاس مع ربِّهم -عزَّ وجل-، فإذا أُمِروا بأن يُطيعوا الله -عزَّ وجل- قالوا: لماذ؟ ولذلك ففي النَّفس البشرية مرضٌ خطير، ألا وهو مرض التعاظم والكبرياء. فالنَّفس البشرية تكره أن تُؤمر كما أنها تُحب أن تأمر، والنَّفس البشرية إذا أُمِرت تسأل لماذا؟ ولا تعمل حتى تعلم الحكمة من ذلك بل بعبارة أدق حتى ترى مصلحتها في إتيان ذلك الأمر. فالله -عزَّ وجل- يُأدِّبنا بهذه العبادة، أن نذبح له، فإذا وسوس الشيطان إليك فقال: لماذا؟ فقل: إن الله تعالى أمرني بالذبيحة فأذبح له ولو لم أعلم الحكمة، فلستُ أذبح لمجرَّد الطعام، ولستُ أذبح لأن الله تعالى في حاجة إلى دمها أو إلى لحمها، فإن الله -عزَّ وجل- يقول: (
لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ) [الحج: 37].
إذًا عباد الله، لما تذبحون تحرجُون على التقوى، كيف تحرجُون على القوى؟ ذلك بأن تُعظِّموا أمر الله بادئ ذي بدءٍ قبل أن تُناقشوا أو أن تُفلسِفوا أمره. ولذلك قال الله تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ
) [الحج: 32]، والذبيحة من شعائر الله؛ (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّـهِ) [الحج: 36]. إذا لمَّا يُعظِّم المسلم أمر الله تعالى بأن يأتيه كما أمر، فإنما يحرُج على التقوى بمُجرَّد أن يذبح لله -تبارك وتعالى-، وهكذا سيرة أبيكم إبراهيم -عليه الصلاة السلام- إنه والله ما أُمِر أن يذبح كبشًا لله لكنَّه أُمِر بأن يذبح اِبنه لله فكان ممتثِلاً لأمر الله فقال: (يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) [الصافات: 102]، فما كان من الاِبن الصادق الوعد إلاَّ بأن يُعين أباه على طاعة الله فيقول: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات: 102].
إنَّ العبد إذا بلغ مرتبة ما، ألا وهي أن يكون كلُّه لله ستجدونه مستعدُّا لأن يُقدِّم كلَّ شيءٍ لله -عزَّ وجل- حتى ولو كان فلذة كبده، كاِبنه أو اِبنته من أجل إرضاء الله -عزَّ وجل-، فهو لا يُرضي أبناءه على حساب شريعة الله، ولا يُرضي جيرانه وأصحابه على حساب شريعة الله، ولا يُرضي أولياء البلاد على حساب شريعة الله.
وإن النسيكة أو الذبيحة واجبة، وذلك للأوامر القرآنية السابقة الذِّكر ولما جاء من أحاديث صحيحة، فقد جاء عن جندب البذلي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يذبح الضحيَّة اِشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين مملوءين، فيذبح أحدهما على أمته ممن شهد لله بالتوحيد وله بالبلاغ، ويذبح الآخر عن محمَّد وآل محمَّد -صلى الله عليه وآله وسلم-. رواه الشيخان
فلو لم تكن الضحيَّة واجبة فلماذا يذبح -عليه الصلاة والسلام- عنَّا إذا كنَّا عاجزين عنها، فلاحظوا عباد الله شفقة نبيِّكم محمَّد -عليه الصلاة والسلام- عليكم أنتم الذين لا تستطيعون أن تذبحوا، فإن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد ذبح عنكم، كلُّ ذلك مصداقًا لقوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128]، فهي رحمته وشفقته -عليه الصلاة والسلام- بمن حُرموا هذه العبادة.
هذا وقد جاء أيضًا في سُنن بن ماجة بسند صحيح أن النبِّي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (من ذبح قبل الصلاة -أي قبل صلاة العيد- فليذبح أخرى)، فهي غير مقبولة ضحيَّة، ومن لم يذبح فليذبح على اِسم الله، وهو أمر والأمر يُفيد الوجوب، كما ثبت في سنن بن ماجة بسند حسن عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (من كان له سعة ولم يُذحِّي فلا يقربَّن مُصلانا)، أي: من كان قادرًا على أن يذبح ولم يذبح فلا يدخل معنا مُصلى العيد، فهذه أدلَّة على وجوب الأضحِية للقادر عليها، والله يوفقنا لذلك.
والحمد لله ربِّ العالمين
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبِّي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمَّدا عبده ورسوله. أما بعد:
لا بد للمسلم من أن يفقه كيف يُضحِّي ضحيَّته، وكيف يذبح لربِّه لأن النبِّي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: (من يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدِّين)، وفقه الدِّين في هذا الباب هو كالآتي:
عليك أخي المسلم أن تختار من الأنعام الآتية الأنواع ما طابت لها نفسك؛ فإما أن تذبح من الإبل وإما أن تذبح من البقر وإما أن تذبح من الظأن وإما أن تذبح من الغنم ظأنًا كانت أو معزة، هذه الأنواع الأربعة كلُّها تجوز بها الضحيَّة. كما سماها القرآن الكريم: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ
) [الأنعام: 142]، وقال: (وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) [الأنعام: 144]. هذه هي الأنعام جائزة الذَّبح في هذه المناسبة، وأفضلها الغنم، وأفضلها الظأن، أن تذبح كبشًا سنه لا يقلُّ عن ستة أشهر، مما ثبت بسند صحيح في سُنن أبي داوود أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (الجزعة تُوفي من الظأن)، أي: ماكان سنُّها ستة أشهر فما زاد توفي من الظأن، هذه التي ينبغي أن يحرص عليها كلُّ ذابح.
ثانيًا: أفضل الظأن ما كان أقرن، فالأقرن أفضل من الأجم لما جاء في الصحيحين من قوله -عليه الصلاة والسلام-: (ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قرَّب كبشًا أقرن). متفق عليه
ثالثًا: ينبغي الإحتراز في هذه الضحية من أربعة أنواع إذْ لا تجوز بها الضحية، فعن البراء بن عازب -رضي الله تعالى عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: (أربعٌ لا تجوز في الضحيَّة: العوْراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ظلعها، والكسيرة التي لا تُنقي). رواه الأربعة ومالك وهو صحيح
الكسيرة التي لا تُنقي: هي الهزيلة الضعيفة التي لا مُخَّ في عظامها.
فهذه أربعة أنواع من الضحايا لا يجوز للمسلم أن يختارها، ثم كيف تطيب نفس المسلم أن يختار لربِّه كبشًا ضعيفًا هزيلاً وهو يقدر على ما هو أعظم منه؟ كيف ولو قدَّم هدية لمجبوبه لقدَّم أنفسها؟ كيف وهو يُقدِّم إلى ربِّه -عزَّ وجل- قربانًا ينال به رضى الله -تبارك وتعالى-، إذَا فينبغي للمسلم أن يحرص على أفضل ضحيَّة ما كان مستطيعًا على ذلك.
ثم اِعلموا أيُّها الإخوة الكِرام أن من قواعد ديننا الرفق بالحيوان، هذا ما تفرَّد به ديننا عن سائر الأديان، فديننا ليس كدين الأروبيين الذِّين من أجل بطونهم يصرعون الحيوان ويُعذِّبونه طمعًا في لحمه وطمعًا في جلده، ولا يُفكِّرون أبدا في إراحة الحيوان، بل إن نبيِّنا -صلى الله عليه وآله وسلم- قد قال: (من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة). رواه البخاري في الأدب المفرد وهو حسن
فانظر عبد الله، انظروا بعين الحِكمة كيف جعلك الله تعالى مرحوما بعصفور ترحمه إذا ذبحته.
ثم من الرفق بالحيوان أن نُحدَّ السكين جيِّدًا وذلك لما جاء في صحيح مسلم عن شدَّاد بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إن الله كتب الإحسان على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليُحدَّ شفرته وليُرح ذبيحته).
ومن الرِّفق بالحيوان أن لا تُبرِّكه على الأرض إلاَّ وقد استعدت لأن تذبح، أما ما يفعله كثير من الجزار، بأن يُضجعوا ذبيحتهم ساعة من الزمان وهم يُحدُّون سكاكينهم فهذا مخالفٌ لهذا الأدب الكريم، وذلك لما صحَّ من رواية الحاكم عن بن عبَّاس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- مرَّ برجل وقد وضع قدمه على صفحة عنق شاة وهو يُحدُّ شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها مفجوعة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (أتُريد أن تُميتها موتات، هلاَّ حددت شفرتك قبل هذا)، أي: لماذا لم تُحدَّ سكينك قبل أن تُفزع ضحيتك؟
ومن الرفق بالحيوان أن لا نُعذِّبه في ذلك كأن نجرَّه على الأرض وهو حي، أو أن نُعذٍّبه عند الوثاق والقيد لما ثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- رأى رجلاً يجرُّ ضحيته فضربه بالعصا وقال له: (أتُريد أن تُميتها موتات؟ أحسن إلى ضحيتك).
فهذه كلُّها أبواب الرِّفق بالحيوان، وعند الذبيحة ينبغي لك أن تذكر اِسم الله -عزَّ وجل- لأن الله تعالى قال: (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) [الأنعام: 121]، وقال أيضًا: (وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام: 119].
فيقول المرء: باسم الله، والله أكبر، هذا منك ولك، يقول لربِّه: هذا منك ولك، أي: أن هذه النعمة منك وتعود إليك، كما ثبت في سُنن أبو داوود من فعل النبِّي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه كان يقول: (بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا منك ولك).
هذا فيما يخص الذكر كما صحَّ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يستقبل بها القِبلة.
كل هذا ما ثبت في آداب الأضحية، فينبغي لكلِّ مسلم أن يُحافظ على ذلك حتى يكون مُتابعًا للنبِّي -صلى الله عليه وآله وسلم-، أحسن متابعة في هذه الأضحية.
والله يتقبَّل منَّا ومنكم والحمد لله ربِّ العالمين.

تفريغ: إنسانة ما
 
ما المشروع في توزيع الأضاحي ؟

الشيخ محمد بن صالح العُثيمين -رحمه الله-

الشيخ:
أما الشق الأول من السؤال وهي أن مفهوم الأضاحي صارت يُحاذى فيها ويُجامل، وأعطني أعطك، فهذا لا شك أنه خلاف المشروع، هذا اللحم لحم تُعُبِّد لذبح البهيمة فيه إلى الله عزَّ وجل، فينبغي أن يكون على مراد الله، يأكل الإنسان ماشاء ويُهدي ماشاء ويتصدَّق بماشاء واختار بعض العُلمـاء أن يكون ذلك أثلاثًـا. يأكل ثلثًـا ويهدي ثُلثًـا ويتصدَّق بثلث حتى ينفع نفسه بما يأكل وينفع الفقراء بما يتصدَّق به عليهم ويجلب المواد بينه وبين النَّاس فيما أهداهم إليه. هذا هو الأفضل، ومع ذلك ليس بلازم أن يكون التوزيع هكذا؛ ثلثًـا وثُلثًـا وثُلثًـا، بل لو أكل النصف وأهدى وتصدَّق بالباقي فلا بأس، أو أكل النصف وتصدَّق بالباقي فلا بأس، إنمـا إختار أكثر العلماء أن يجعلها أثلاثًـا؛ ثلثًـا له وثلثًـا للهديَّة وثلثًـا للصدقة.
أما الشق الثاني وهو أن تُجمع اللحوم -لحوم الصدقة- ثم تُعطى الفقراء على حسب حاجتهم فهذا لا بأس بـه. المهم أن تُذبح في وقت الذبح، أمـا أكل اللحم فتوزيعه فلا حد لـه.

المادة الصوتية: [هنا]

تفريغ: إنسانة ما
 
ما جاء في إيجاب الأضاحي 1- عبدالمحسن العباد
1.8 MB

قال: حدَّثنا مسدَّد قال: حدثنا يزيد قال: حاء، وحدثنا حُميْد بن مسعدة قال: حدَّثنا بِشر عن عبد الله بن عون عن عامر بن رملة قال: أخبرنا محنف بن سُليِْم -رضي الله عنه- قال: ونحن وقوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفات قال: (يا أيُّها النَّاس! إن على كلِّ أهل بيْتٍ في كلِّ عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هذه التِّي يقول عنها النَّاس الرجبية). قال أبو داوود: والعتيرة منسوخة، هذا خبرٌ منسوخ.
الشيخ عبد المحسن: يقول الإمام أبو داوود السجتاني -رحمه الله تعالى- كتاب الضحايا.
الضحايا: جمع ضحية، ويُقال أضاحي جمع أُصخية وإضحية. ويُقال: أضحات جمع أضحى. وعلى هذا فإن المفرد فيه أربع لغات والجمع على ثلاثة أوجه، فأُضحية وإضحية بضم الهمزة وكسرها يُجمع على أضاحي، وضحية يُجمع على ضحايا، والذي بوَّب له المصنِّف وعقد المصنِّف الترجمة عليه حيث قال: كتاب الضحايا.
واللفظ الرابع: أضحات والجمع أضحى، فيكون من قبيل الذِّي يكون المفرد أكثر من الجمع في الحروف، مثل: بقر وبقرة، وشجر وشجرة، لأنه إذا جاءت التأنيث صار مفرد وإذا حُذِفت منه صارت جمع، فيكون الجمع في الحروف أقل من المفرد؛ شجر وشجرة، بقر وبقرة ويكون من قبيله أضحات وأضحى، يعني: أضحات مفرد وأضحى جمع مثل: بقر وبقرة وشجر وشجرة. والضحية أو الأُضحية أو الأضحات هي ما يُذبح يوم النحر والثلاثة أيام التي بعده تقرُّبًـا إلى الله -عز وجل- من غير الهدي، لأن الهدي ما يُقال له أضحية وأما الأضحية هي غير الهدي، والهدي يكون في الحرم والأضحية تكون في كلِّ مكان، فإذًا الأضاحي هي التي تُذبح يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة التي بعده تقرُّبًـا إلى الله -عز وجل- من غير الهدي، هذه هي الأضاحي.
والعُلمـاء اختلفوا في حكمها؛ فمنهم من قال بوجوبها وأنها واجبة، ومنهم من قال أنها من السُنن المؤكَّدة، ومنهم من قال أنها واجبة على ذوي اليسار ومستحبة لغيرهم، إنما تجب على من كان مُوسِرًا بخلاف من كان غير مُوسِر.
وأبو داوود -رحمه الله- عقد الترجمة الأولى من الأبواب تحت هذا الكتاب: باب إيجاب الأضاحي.
هنا أتى بالجمع على وجه آخر لأن هناك باب الضحايا وهنا قال: الأضاحي وكل ذلك جمع؛ الأضاحي جمع أضحية، والضحايا جمع ضحيَّة. فالإمام أبو داوود عقد ترجمة في إيجاب الأضاحي، وجمهور أهل العلم على أنها مستحبة وأنها من السُنن المؤكَّدة.
قالوا: ولم يأتي أدلة واضحة تدل على الوجوب، وقد أورد أبو داوود في هذه الترجمة حديثين:
الأول: حديث مُحنف بن سُليْم -رضي الله عنه- أن النبِّي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا أيُّها النَّاس إن على كلِّ أهل بيتٍ في كلِّ عام أضحية وعتيرة).
إنَّ على كلِّ أهل بيت: قالوا: وهذا يدلُّ على الوجوب لأن قولـه: على أهل، يعني أنه يجب عليهم، أو مكتوب عليهم، أو واجب عليهم.
أضحية وعتيرة: والأضحية قد عرفناها وهي ما يُذبح يوم النَّحر وأيام التشريق الثلاثة التي بعده تقرُّبًـا إلى الله -عزَّ وجل- مما ليس بهدي. والعتيرة: هي الذبيحة التي تُذبح في رجب أو في أوائل رجب، وكان هذا في الجاهلية وكان في صدر الإسلام ثم جاء ما يدل على منعه، وعلى النهي عنه وأنه جاء في الحديث: (لا فرع ولا عتِيرة)؛ والعتيرة تُذبح في رجب، عتيرة بمعنى: معتورة أي مذبوحة في رجب ويُقال لها: الرجبية.
فالذين قالوا بالوجوب استدلوا بهذا الحديث، والحديث في إسناده من هو مُتكلَّم فيه ومن هو مجهول، في إسناد هذا الحديث من هو مجهول لا يُعرف، فيكون ضُعِّف الحديث بسببه. ومن العُلمـاء من قال أن العتيرة أنها باقية ولكن على الإستحباب، ولم يُنقل على أحدٍ من أهل العلم أنه كان يفعلها إلا ماجاء عن سعيد بن جبير أو سعيد بن المسيِّب، يعني خاصة وإلاَّ فإن أهل العلم لا يقولون بها، والمشهور عن أهل العلم أنهم لا يقولون بها، أي: العتيرة، وهي إمَّا أنها ثابتة ولكنها منسوخة أو أن الأحاديث التي فيها غير ثابتة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحديث الذي معنا فيه شخص متكلَّم فيه، والألباني قد حسَّن هذا الحديث وفيه شخص لا يُعرف وأبو داوود -رحمه الله- ذكر بعده أنه منسوخ ولكن يُشكِل عليه بعد ثُبوته أنه إن كان ثابتًا أن هذا في حجَّة الوداع، وكان ذلك في آخر الأمر وليس هناك بين حجَّة الوداع وموت الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلاَّ أشهر قليلة. فهذا يُفيد تأخره، يُفيد بأنه متأخر وليس متقدِّم، ولكن أن يكون في إسناده من هو متكلَّم فيه ولا سيما وأنه كونه مقرون بالعتيرة، والعتيرة جاء ما يدل على منعها وأن اللفظ يدل على الوجوب، ويكون في ذلك وجوب العتيرة ووجوب الأضحية، فالنسخ غير واضح اللهم إلاَّ أن يكون النَّاسخ جاء في الأشهر التي بعد الحج؛ إذا كان النَّاسخ جاء بعد الحج فممكن، ولكن كونها كانت في الجاهلية وجاءت أول الإسلام ثم نُسِخت هذا هو الأقرب، ان يكون نسخها أنها كانت سائغة أول الإسلام، أنها نُسِخت بعد ذلك، لكن كونها الحديث يدل على التأخر وأنها سائغة وأن ذلك كان في حجة الوداع وفي عرفة فالذي يظهر والله أعلم أن الحديث غير ثابت من أجل الرجل الذي في إسناده وهو غير معروف.

قال: حدَّثنا مُسدَّد.
الشيخ: مُسدد بن مُسرهد البصري؛ ثقة رجح عند البخاري وأبو داوود والترمذي والنسائي.
عن يزيد
الشيخ: عن يزيد بن جُريع، وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستَّة.
قال: حاء، وحدَّثنا حُميْد بن مسعدة
الشيخ: ثم قال: حاء وهي للتحول من إسناد إلى إسناد، وحُميد بن مسعدة صدوق أخرج أحاديثه مسلم وأصحاب السُنن.
عن بشر
الشيخ: عن بشر؛ وهو بن المفضَّل، وهو ثقة أخرجه أصحاب الكُتب السِّتة.
عن عبد الله بن عون
الشيخ: عن عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة
عن عامر أبي رملة
الشيخ: عن عامر أبي رملة وهو الذي قال عنه الحافظ يروي عنه عبد الله بن عون لا يعرف، أخرج حديثه أصحاب السُنن.
عن محنف بن سُليْم
الشيخ: عن محنف بن سُليْم -رضي الله عنه- وقد أخرج حديثه أصحاب السُنن.

تفريغ: إنسانة ما
 
ما جاء في إيجاب الأضاحي2 - عبدالمحسن العباد
1.7 MB

حدَّثنا هارون بن عبد الله قال: حدَّثنا عبد الله بن يزيد قال: حدَّثني سعيد بن أبي أيوب قال: حدَّثني عيَّاش بن عبَّاس القتباني عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمر بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبِّي -صلى الله عليه وعلى آلـه وسلم- قال: (أُمِرتُ بيوم الأضحى عيدًا جعله الله -عز وجل- لهذه الأمَّة) قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلاَّ منيحة أُنثى، أفأضحِّي بها؟ قال: (لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك، وتحلق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله -عز وجل-).
الشيخ عبد المحسن: ثم أورد أبو داوود حديث عبد الله بم عمر بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أن النبِّي -عليه الصلاة والسلام قال: (أُمِرتُ بيوم الأضحى عيدًا جعله الله -عز وجل- لهذه الأمَّة)
أُمِرتُ: يعني أنه الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: أمرتُ، فالآمر له هو الله، إذا قال النبِّي -صلى الله عليه وسلم-: أمرتُ بكذا أو نُهِيت عن كذا، فالآمر له هو الله -عز وجل- وإذا قال الصحابي: أُمِرنـا بكذا، فالآمر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والرسول -عليه الصلاة والسلام- إنمـا يأمر بأمر الله وهو مبلِّغ عن الله -كما هو معلوم-، لأن السُنَّـة وحي من الله -عزَّ وجل- أوحاها الله على نبيِّه -عليه الصلاة والسلام-، فهي مثل القرآن، كلُّها وحيٌ من الله إلاَّ أن القرآن وحي متعبَّد بتلاوته والعمل به، والسُنَّة مُتعبَّد بالعمل بها، كما يُتعبَّد بالعمل بالقرآن. وعلى هذا فالأمر من الله -عزَّ وجل-، عندما يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: أُمِرتُ أو نُهيتُ، فالآمر الناهي له هو الله -عز وجل-، وعندما يقول الصحابي: أمِرنا بكذا ونُهينا عن كذا فالذي أمرهم ونهاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولكن هو مُبلِّغ عن الله، وقد جاءت أحاديث كثيرة دالـة على أن السُنَّة إنما هي وحيٌ من الله -عزَّ وجل-، ومن ذلك الحديث الذي فيه أن الشهيد يُغفر له كلُّ شيء، ثم بعد ذلك النبِّي -صلى الله عليه وسلم- قال: (سارني به جبريل آنفا)، يعني: معناه جاء بهذا الاستثناء، وجاء بالوحي بهذا الاِستثناء من الله -عز وجل- يعني جبريل أتى به، أتى بهذا الاِستثناء، فمعنى ذلك -كما هو معلوم- هي من الله -عزَّ وجل-، هي وحي من الله كما القرآن وحي من الله.
(أُمِرتُ بعيد الأضحى عيدًا جعله الله عز وجل لهذه الأمَّة).
قال الرجل:
فكان معنى هذا أن النَّاس يُضحون، وأن الرجل فهم أن الأضحى أن على النَّاس أن يُضحُّوا، والمصنِّف أورده في باب: إيجاب الأضاحي، أن على الناس أن يُضحُّوا.
فقال: أرأيت. أي: أخبرني، إذا لم أجد إلاَّ منيحة، والمنيحة هي التِّي يُستفاد منها، من لبنها ومن درِّها وتُطلق غالبًا على الشاة من الظأن والمعز، على أنها تُعطى لمن يستفيد من لبنها ويستفيد من منفعتها وعينها باقية لمانحها الذي منحها. وهنا المقصود بها معناه أنه لا يجد إلا منيحة يعني يستفيد من درِّها وحليبها وبحاجة إليها، وليس معنى ذلك أنها عنده منيحة، لأنه لو كان المقصود بها أنها منيحة من غيره فإنه ليست ملكًا له، لا يجوز له التصرف فيها بأضحية أو يُفكِّر بأن يذبحها لأنه عاريَّة والعاريَّة مردودة، وإنما المقصود من ذلك أنها ذات درٍّ من لبن وأنه يحتاج إلى الإقتيات منها، يعني من لبنها ومن درِّها. نعم
قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلاَّ منيحة أنثى أفأضحِّي بها؟ قال: (لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك وتحلِق عانتك فتلك تمام أضحيتك عند الله -عزَّ وجل-).
الشيخ: قال: أرأيت إذا ما كان عنده إلا منيحة هل يُضحِّي بها؟ قال: لا. يعني: أبقي عليها واستفد من درِّها وحليبها وأنفق على نفسك مما ينتج منها وما يخرج منها من اللبن ولكن تقص شاربك وتُقلِّم أظفارك وتحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك. يعني معناه أنه بنيَّتك الطيِّبة أنك تُحصِّل الأجر بالنية. وأنَّ الإنسان يأتي بهذه الأشياء، كما أن الذي يُريد أن يُضحِّي إذا دخل عشرُ ذو الحجة ليس له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره، ولا من بشرته شيء حتى يُضحِّي هذا الذِّي ما عنده أضحية ولكن عنده هذه المنيحة ولم يُأذن له بأن يذبحها أُرشِد إلى أنَّه يأخذ هذه الأشياء ويكون كأنه حصل منه أضحية، بمعنى أنه حصَّل الأجر بهذه النِّيَّة، ومعلوم أن الإنسان بنيته الطيِّبة وأن الإنسان إذا تمنَّى أن يكون له مثل ما لشخص من النَّاس ما ينال بحيث يُنفق في سبيل الله وبحيث يصرفه في كذا فهذا غِبطة ويُؤجر الإنسان على ذلك إذا حصل ذلك، ولكن الذِّي جاء في الحديث هنا يبدو كأنه على اعتبار المُضحِّي عندما تدخل العشر يمتنع من أخذ هذه الأشياء ولا يفعل ذلك إلا بعد أن يُضحِّي فيكون هذا كأنه حصل منه أنه ضحَّى فيأخذ من شعره وأظفاره وبشرته في ذلك الوقت، والحديث ضعَّفه الألباني وذكره وعلَّله بعيسى بن هلال الصدفي وقال أنه مجهول يعني عنده. نعم.
قال: حدَّثنا هارون بن عبد الله
الشيخ: هارون بن عبد الله الحمَّال البغدادي، لقبه الحمَّال وهو بغدادي أخرج له مسلم وأصحاب السُنن.
عن عبد الله بن يزيد
الشيخ: عن عبد الله بن يزيد المقري، وهو ثقة أخرجه أصحاب الكُتُب الستَّة.
عن سعيد بن أبي أيوب
الشيخ: عن سعيد بن أبي أيوب المصري، وهو ثقة أخرجه أصحاب الكُتُب الستَّة
عن عيَّاش بن عبَّاس القتباني
الشيخ: عن عياش بن عبَّاس القتباني، وهو صدوق، ثقة أخرجه البخاري في جزء القراءة ومسلم وأصحاب السُنن.
عن عيسى بن هلال الصدفي
الشيخ: عن عيسى بن هلال الصدفي، وهو صدوق أخرج له البخاري في الأدب المفرد والترمذي والنسائي.
عن عبد الله بن عمر بن العاص
الشيخ: عن عبد الله بن عمر بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبِّي -صلى الله عليه وسلم- وحديثه أخرجه أصحاب الكُتُب الستَّة.
~~~~
سؤال: الأخ يسأل عن الرَّاجح في حُكم الأضحية
الشيخ: الذي يبدو أنها من السُنن المؤكَّدة.
~~~
سؤال: وبالنِّسبة لعيسى بن هلال؟ تجهيله أو ما حكم عليه الشيخ الألباني.
الشيخ: هو يقول عندي -يعني كذا- ولكن الحافظ بن دقيق قال أنه صدوق.

تفريغ إنسانة ما
 
لي عودة بإذن الله ..

 
بـــارك الله فــيك
 
العودة
Top Bottom