اسلام سلفي
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 16 أكتوبر 2011
- المشاركات
- 284
- نقاط التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
القدرية
القدرية نسبة إلى القدر وهو (تقدير الله للكائنات حسب ما سبق به علمه واقتضه حكمته) والإيمان بالقدر من أركان الإيمان، وقد قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما (والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر) [صحيح مسلم 8]
ولا يصح الإيمان بالقدر حتى يؤمن العبد بمراتب القدر الأربع وهي:
1- أن الله سبحانه وتعالى علم الأشياء كلها قبل وجودها بعلمه الأزلي وعلم مقاديرها وأزمانها وآجال العباد وأرزاقهم وغير ذلك كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) العنكبوت 64
2- أن الله سبحانه وتعالى كتب جميع الأشياء من خير وشر وطاعة ومعصية وآجال وأرزاق وغير ذلك كما قال تعالى (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحج 70
3- أن الله سبحانه وتعالى لا يوجد في ملكه ما لا يريد ولا يقع شيء في السماء والأرض إلا بمشيئته كما قال تعالى (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير 28-29
4- أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الموجد لجميع الأشياء من ذوات وصفات وأفعال فالجميع خلق الله سبحانه، وكل ذلك واقع بمشيئته وقدرته، فالعباد وأرزاقهم وطاعاتهم ومعاصيهم كلها خلق الله وأفعالهم تنسب إليهم فيستحقون الثواب على طيبها والعقاب على خبيثها، والعبد فاعل حقيقة وله مشيئة وله قدرة قد أعطاه الله إياها، والله سبحانه هو خالقه وخالق أفعاله، وقدرته ومشيئته.
نشأة القدرية
أول من قال بالقدر معبد الجهني البصري في آواخر عهد الصحابة، وأخذ عنه غيلان الدمشقي، وقد تبرأ منهم من سمع بهم من الصحابة كعبد الله بن عمر وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أوفى وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم.
وفي صحيح مسلم عن يحي بن يعمر قال (كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فسألنا عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب… فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر) [صحيح مسلم 8]
طوائف القدرية
1- القدرية النفاة: وهم الذين يطلق عليهم أكثر العلماء اسم (القدرية) وهم الذين ورد فيهم الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) رواه أبو داود (4691) والحاكم (1/85) وحسنه الألباني.
وحقيقة مذهبهم أنهم يقولون: إن أفعال العباد، وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدره، فأثبتوا قدرة الله على أعيان المخلوقات وأوصافها، ونفوا قدرته على أفعال المكلفين، وقالوا: إن الله لم يردها ولم يشأها منهم، بل هم الذين أرادوها وشاءوها، وفعلوها استقلالاً بدون مشيئة الله.
ويزعمون: أنهم بهذا القول ينزهون الله عن الظلم، لأنه لو قدر المعاصي عليهم، ثم عذبهم عليها، لكان ظالما لهم، وللزم من إثبات قدرة الله على أفعالهم الجبر، الذي هو باطل بالشرع والعقل، كما تقدمت الإشارة إليه.
وسموا (مجوس هذه الأمة) لأنهم أشبهوا (المجوس) الذين أثبتوا خالقاً للخير وهو الله، وخالقاً للشر وهو إبليس على زعم (المجوس).
قال ابن الأثير في جامع الأصول : القدرية في إجماع أهل السنة والجماعة هم الذين يقولون : إن الخير من الله ، والشر من الإنسان ، وإن الله لا يريد أفعال العصاة ، وسموا بذلك ; لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله - تعالى - ، ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه ، قال : وهؤلاء مع ضلالتهم يضيفون الاسم إلى مخالفهم من أهل الهدى ، فيقولون : أنتم القدرية حين تجعلون الأشياء جارية بقدر من الله ، وإنكم أولى بهذا الاسم منا لأنكم تثبتون القدر ، ونحن ننفيه ، ومثبته أحق بالنسبة إليه من نافيه ، فأنتم الداخلون تحت وعيد الحديث دوننا . فأجابهم المثبتون بأنكم أولى بذلك ; لأنكم تثبتون القدر لأنفسكم ونحن ننفيه عن أنفسنا ، ومثبت الشيء لنفسه أولى بالنسبة إليه ممن نفاه عن نفسه ، وأيضا هذا الحديث يبطل ما قالوه ، فإنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " القدرية مجوس هذه الأمة " ومعنى ذلك أنهم لمشابهتهم المجوس في مذهبهم وقولهم بالأصلين ، وهما النور والظلمة .
2- القدرية المجبرة: وهم (غلاة الجهمية) الذين إمامهم في هذا وغيره (جهم بن صفوان) وهم يزعمون أن عموم مشيئة الله، وعموم إرادته تقتضي:
* أن العبد مجبور على أفعاله، مقسور مقهور على أقواله وأفعاله.
* لا قدرة له على شيء من الطاعات، ولا على ترك المعاصي.
* ومع أنه لا قدرة له على ذلك عندهم، فهو مثاب معاقب على ما لا قدرة له عليه.
وهذا القول من أشنع البدع وأخبثها وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأئمة المهتدين، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
3- القدرية المشركون: وهم الذين اعتذروا عن شركهم وتحريمهم ما أباح الله بالمشيئة وجعلوا مشيئة الله هي محبته فقالوا (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) الأنعام 148.
ما جاء عن السّلف في ذمّ القدرية:
عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال: ((ما في الأرض قوم أبغض إلي من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدر الله وأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)) [رواه الآجري في الشريعة ص:213].
وعن ابن عون –رحمه الله- قال: ((لم يكن قوم أبغض إلى محمد –يعني ابن سيرين- من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا)). [رواه الآجري في الشريعة ص:219].
ذكر عن أبي إسحاق الفزاري قال : (( قال لي الأوزاعي : أتاني رجلان فسألاني عن القدر ، فأحببت أن آتيك بهما تسمع كلامهما وتجيبهما ، قلت : رحمك الله أنت أولى بالجواب ، قال : فأتاني الأوزاعي ومعه الرجلان فقال : تكلما ، فقالا : قدم علينا أناس من أهل القدر فنازعونا في القدر ونازعناهم حتى بلغ بنا وبهم الجواب إلى أن قلنا : إن الله - تعالى - جبرنا على ما نهانا عنه ، وحال بيننا وبين ما أمرنا به ، ورزقنا ما حرم علينا . فقلت : يا هؤلاء إن الذين أتوكم بما أتوكم به قد ابتدعوا بدعة ، وأحدثوا حدثا ، وإني أراكم قد خرجتم من البدعة إلى مثل ما خرجوا إليه . فقال - يعني الأوزاعي - : أصبت وأحسنت يا أبا إسحاق )). لوامع الانوار البهية
ذكر الخلال عن بقية بن الوليد قال : (( سألت الزبيدي والأوزاعي عن الجبر فقال الزبيدي : أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل ، ولكن يقدر ويقضي ويقدر ويخلق ويجبل عبده على ما أحب . وقال الأوزاعي : ما أعرف للجبر أصلا من القرآن والسنة ، فأهاب أن أقول ذلك ، ولكن القضاء والقدر ، والخلق والجبل فهذا يعرف في القرآن والحديث . قال شيخ الإسلام : أدخل الخلال وغيره من علماء الإسلام القائلين بالجبر في مسمي القدرية ، وإن كانوا لا يحتجون بالقدر على المعاصي فكيف بمن يحتج به على المعاصي . ويدخل في ذم أهل العلم من يحتج بالقدر على إسقاط الأمر والنهي أعظم مما يدخل فيه المنكر له ، فإن ضلال هذا أعظم .
قال شيخ الإسلام : ولهذا قرنت القدرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف )) لوامع الأنوار البهية
قال ابن القيم - رحمه الله - : (( وهؤلاء أعداء الله حقا ، وأولياء إبليس وأحبابه وإخوانه ، وإذا ناح منهم نائح على إبليس ، رأيت من البكاء والحنين أمرا عجبا ، ورأيت من تظلم الأقدار واتهام الجبار ما يبدو على فلتات ألسنتهم ، وصفحات وجوههم ، وتسمع من أحدهم من التظلم ، والتوجع ما تسمعه من الخصم المغلوب العاجز عن خصمه ، قال : فهؤلاء الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية في تائيته :
وتدعى خصوم الله يوم معادهم**إلــى النــار طــرا فرقـة القدريـة
يعني الجبرية ، وتقدم أن شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - قال : إن بدعة القدرية النفاة كانت في أواخر عصر الصحابة - رضي الله عنهم - ، قال : وأما بدعة هؤلاء المحتجين بالقدر فلم يعرف لها إمام ، ولم تعرف به طائفة من طوائف المسلمين معروفة ، قال : وإنما كثر ذلك في المتأخرين وسموا هذا حقيقة ، وجعلوا الحقيقة تعارض الشريعة ، ولم يميزوا بين الحقيقة الشرعية التي تتضمن تحقيق أحوال القلوب كالإخلاص ، والصبر ، وبين الحقيقة [ ج- 1][ص-311] الكونية القدرية التي نؤمن بها ، ولا نحتج بها على المعاصي ، وفيهم من يقول أن العارف إذا فني في شهود توحيد الربوبية لم يستحسن حسنة ولم يستقبح سيئة . ويقول بعضهم : من شهد الإرادة سقط عنه الأمر ، والنهي . ويقول بعضهم : إن الخضر - عليه السلام - إنما سقط عنه التكليف ; لأنه شهد الإرادة - إلى غير ذلك من كلامهم ، والحاصل أن هذه المقالة من أشنع المقالات وأفظع البدع المحدثات ، والمحتج بقدر الله على معاصي الله - تعالى - زنديق ، وخارج عن سواء السبيل ، وعادم التحقيق ، ومارق من الدين ، ومباين التوفيق ، والباري جل شأنه قد أرسل الرسل قاطبة بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وفي الاحتجاج على المعاصي بالقدر انعكاس ما جاءت به الرسل من تعظيم النهي والأمر )) . لوامع الأنوار البهية.
روى ابنُ بطّة في الإبانة / القدر (رقم: 1848) أنَّ عمرَ بن عبد العزيز قال: " لا تغْزوا مع القدرية؛ فإنَّهم لا يُنصَرون ". —
القدرية نسبة إلى القدر وهو (تقدير الله للكائنات حسب ما سبق به علمه واقتضه حكمته) والإيمان بالقدر من أركان الإيمان، وقد قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما (والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر) [صحيح مسلم 8]
ولا يصح الإيمان بالقدر حتى يؤمن العبد بمراتب القدر الأربع وهي:
1- أن الله سبحانه وتعالى علم الأشياء كلها قبل وجودها بعلمه الأزلي وعلم مقاديرها وأزمانها وآجال العباد وأرزاقهم وغير ذلك كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) العنكبوت 64
2- أن الله سبحانه وتعالى كتب جميع الأشياء من خير وشر وطاعة ومعصية وآجال وأرزاق وغير ذلك كما قال تعالى (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) الحج 70
3- أن الله سبحانه وتعالى لا يوجد في ملكه ما لا يريد ولا يقع شيء في السماء والأرض إلا بمشيئته كما قال تعالى (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) التكوير 28-29
4- أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق الموجد لجميع الأشياء من ذوات وصفات وأفعال فالجميع خلق الله سبحانه، وكل ذلك واقع بمشيئته وقدرته، فالعباد وأرزاقهم وطاعاتهم ومعاصيهم كلها خلق الله وأفعالهم تنسب إليهم فيستحقون الثواب على طيبها والعقاب على خبيثها، والعبد فاعل حقيقة وله مشيئة وله قدرة قد أعطاه الله إياها، والله سبحانه هو خالقه وخالق أفعاله، وقدرته ومشيئته.
نشأة القدرية
أول من قال بالقدر معبد الجهني البصري في آواخر عهد الصحابة، وأخذ عنه غيلان الدمشقي، وقد تبرأ منهم من سمع بهم من الصحابة كعبد الله بن عمر وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أوفى وعقبة بن عامر الجهني وغيرهم.
وفي صحيح مسلم عن يحي بن يعمر قال (كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فسألنا عما يقول هؤلاء في القدر، فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب… فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم، وذكر شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريئ منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر) [صحيح مسلم 8]
طوائف القدرية
1- القدرية النفاة: وهم الذين يطلق عليهم أكثر العلماء اسم (القدرية) وهم الذين ورد فيهم الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم) رواه أبو داود (4691) والحاكم (1/85) وحسنه الألباني.
وحقيقة مذهبهم أنهم يقولون: إن أفعال العباد، وطاعاتهم ومعاصيهم لم تدخل تحت قضاء الله وقدره، فأثبتوا قدرة الله على أعيان المخلوقات وأوصافها، ونفوا قدرته على أفعال المكلفين، وقالوا: إن الله لم يردها ولم يشأها منهم، بل هم الذين أرادوها وشاءوها، وفعلوها استقلالاً بدون مشيئة الله.
ويزعمون: أنهم بهذا القول ينزهون الله عن الظلم، لأنه لو قدر المعاصي عليهم، ثم عذبهم عليها، لكان ظالما لهم، وللزم من إثبات قدرة الله على أفعالهم الجبر، الذي هو باطل بالشرع والعقل، كما تقدمت الإشارة إليه.
وسموا (مجوس هذه الأمة) لأنهم أشبهوا (المجوس) الذين أثبتوا خالقاً للخير وهو الله، وخالقاً للشر وهو إبليس على زعم (المجوس).
قال ابن الأثير في جامع الأصول : القدرية في إجماع أهل السنة والجماعة هم الذين يقولون : إن الخير من الله ، والشر من الإنسان ، وإن الله لا يريد أفعال العصاة ، وسموا بذلك ; لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله - تعالى - ، ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه ، قال : وهؤلاء مع ضلالتهم يضيفون الاسم إلى مخالفهم من أهل الهدى ، فيقولون : أنتم القدرية حين تجعلون الأشياء جارية بقدر من الله ، وإنكم أولى بهذا الاسم منا لأنكم تثبتون القدر ، ونحن ننفيه ، ومثبته أحق بالنسبة إليه من نافيه ، فأنتم الداخلون تحت وعيد الحديث دوننا . فأجابهم المثبتون بأنكم أولى بذلك ; لأنكم تثبتون القدر لأنفسكم ونحن ننفيه عن أنفسنا ، ومثبت الشيء لنفسه أولى بالنسبة إليه ممن نفاه عن نفسه ، وأيضا هذا الحديث يبطل ما قالوه ، فإنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " القدرية مجوس هذه الأمة " ومعنى ذلك أنهم لمشابهتهم المجوس في مذهبهم وقولهم بالأصلين ، وهما النور والظلمة .
2- القدرية المجبرة: وهم (غلاة الجهمية) الذين إمامهم في هذا وغيره (جهم بن صفوان) وهم يزعمون أن عموم مشيئة الله، وعموم إرادته تقتضي:
* أن العبد مجبور على أفعاله، مقسور مقهور على أقواله وأفعاله.
* لا قدرة له على شيء من الطاعات، ولا على ترك المعاصي.
* ومع أنه لا قدرة له على ذلك عندهم، فهو مثاب معاقب على ما لا قدرة له عليه.
وهذا القول من أشنع البدع وأخبثها وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع الأئمة المهتدين، من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
3- القدرية المشركون: وهم الذين اعتذروا عن شركهم وتحريمهم ما أباح الله بالمشيئة وجعلوا مشيئة الله هي محبته فقالوا (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) الأنعام 148.
ما جاء عن السّلف في ذمّ القدرية:
عن ابن عباس –رضي الله عنه- قال: ((ما في الأرض قوم أبغض إلي من أن يجيئوني فيخاصموني من القدرية في القدر، وما ذاك إلا أنهم لا يعلمون قدر الله وأن الله عز وجل لا يسأل عما يفعل وهم يسألون)) [رواه الآجري في الشريعة ص:213].
وعن ابن عون –رحمه الله- قال: ((لم يكن قوم أبغض إلى محمد –يعني ابن سيرين- من قوم أحدثوا في هذا القدر ما أحدثوا)). [رواه الآجري في الشريعة ص:219].
ذكر عن أبي إسحاق الفزاري قال : (( قال لي الأوزاعي : أتاني رجلان فسألاني عن القدر ، فأحببت أن آتيك بهما تسمع كلامهما وتجيبهما ، قلت : رحمك الله أنت أولى بالجواب ، قال : فأتاني الأوزاعي ومعه الرجلان فقال : تكلما ، فقالا : قدم علينا أناس من أهل القدر فنازعونا في القدر ونازعناهم حتى بلغ بنا وبهم الجواب إلى أن قلنا : إن الله - تعالى - جبرنا على ما نهانا عنه ، وحال بيننا وبين ما أمرنا به ، ورزقنا ما حرم علينا . فقلت : يا هؤلاء إن الذين أتوكم بما أتوكم به قد ابتدعوا بدعة ، وأحدثوا حدثا ، وإني أراكم قد خرجتم من البدعة إلى مثل ما خرجوا إليه . فقال - يعني الأوزاعي - : أصبت وأحسنت يا أبا إسحاق )). لوامع الانوار البهية
ذكر الخلال عن بقية بن الوليد قال : (( سألت الزبيدي والأوزاعي عن الجبر فقال الزبيدي : أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل ، ولكن يقدر ويقضي ويقدر ويخلق ويجبل عبده على ما أحب . وقال الأوزاعي : ما أعرف للجبر أصلا من القرآن والسنة ، فأهاب أن أقول ذلك ، ولكن القضاء والقدر ، والخلق والجبل فهذا يعرف في القرآن والحديث . قال شيخ الإسلام : أدخل الخلال وغيره من علماء الإسلام القائلين بالجبر في مسمي القدرية ، وإن كانوا لا يحتجون بالقدر على المعاصي فكيف بمن يحتج به على المعاصي . ويدخل في ذم أهل العلم من يحتج بالقدر على إسقاط الأمر والنهي أعظم مما يدخل فيه المنكر له ، فإن ضلال هذا أعظم .
قال شيخ الإسلام : ولهذا قرنت القدرية بالمرجئة في كلام غير واحد من السلف )) لوامع الأنوار البهية
قال ابن القيم - رحمه الله - : (( وهؤلاء أعداء الله حقا ، وأولياء إبليس وأحبابه وإخوانه ، وإذا ناح منهم نائح على إبليس ، رأيت من البكاء والحنين أمرا عجبا ، ورأيت من تظلم الأقدار واتهام الجبار ما يبدو على فلتات ألسنتهم ، وصفحات وجوههم ، وتسمع من أحدهم من التظلم ، والتوجع ما تسمعه من الخصم المغلوب العاجز عن خصمه ، قال : فهؤلاء الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية في تائيته :
وتدعى خصوم الله يوم معادهم**إلــى النــار طــرا فرقـة القدريـة
يعني الجبرية ، وتقدم أن شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - قال : إن بدعة القدرية النفاة كانت في أواخر عصر الصحابة - رضي الله عنهم - ، قال : وأما بدعة هؤلاء المحتجين بالقدر فلم يعرف لها إمام ، ولم تعرف به طائفة من طوائف المسلمين معروفة ، قال : وإنما كثر ذلك في المتأخرين وسموا هذا حقيقة ، وجعلوا الحقيقة تعارض الشريعة ، ولم يميزوا بين الحقيقة الشرعية التي تتضمن تحقيق أحوال القلوب كالإخلاص ، والصبر ، وبين الحقيقة [ ج- 1][ص-311] الكونية القدرية التي نؤمن بها ، ولا نحتج بها على المعاصي ، وفيهم من يقول أن العارف إذا فني في شهود توحيد الربوبية لم يستحسن حسنة ولم يستقبح سيئة . ويقول بعضهم : من شهد الإرادة سقط عنه الأمر ، والنهي . ويقول بعضهم : إن الخضر - عليه السلام - إنما سقط عنه التكليف ; لأنه شهد الإرادة - إلى غير ذلك من كلامهم ، والحاصل أن هذه المقالة من أشنع المقالات وأفظع البدع المحدثات ، والمحتج بقدر الله على معاصي الله - تعالى - زنديق ، وخارج عن سواء السبيل ، وعادم التحقيق ، ومارق من الدين ، ومباين التوفيق ، والباري جل شأنه قد أرسل الرسل قاطبة بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وفي الاحتجاج على المعاصي بالقدر انعكاس ما جاءت به الرسل من تعظيم النهي والأمر )) . لوامع الأنوار البهية.
روى ابنُ بطّة في الإبانة / القدر (رقم: 1848) أنَّ عمرَ بن عبد العزيز قال: " لا تغْزوا مع القدرية؛ فإنَّهم لا يُنصَرون ". —