الجزء-1-
[font="]تتربع أحد الشوارع الراقية بالعاصمة على شركة "استيراد و تصدير وتحويل الخشب"، يدير الشركة الضخمة شاب في الثلاثين من عمره اسمه[/font][font="]"ماجد عبد الكريم".[/font]
[font="]ماجد عبد الكريم بمكتبه الفخم ... منهمكا في توقيع وثائق ملف هام جدا بالنسبة إليه، على مقربة منه عملاء الشركة جالسين في انتظار انتهائه من التوقيعات، ينتهي من ذلك، فتغلق سكرتيرته الملف وتنصرف حاملة إياه، تاركة ماجد وعملاءه يهنئون بعضهم بعضا إبراما لصفقتهم هاته، العملاء يتسلمون نسخة من ملف الصفقة ثم ناولوه مبلغا ماليا نقديا مرفقا برزمة صكوك بنك، وبعد انصرافهم يطلب ماجد من سكرتيرته عدم إزعاجه لمدة ربع ساعة، خلالها يتجه صوب خزانته لوضع المال نقدا وصكوكا، وقبل الإغلاق مد يده وأخذ مبلغا منه، توقف للحظات يتمعن في ذلك المبلغ وحينئذ تعود به الذاكرة إلي الماضي، " يوم رجع إلى بيته العائلي مرهقا...الأب جالسا ماسكا بالشيشة يرتشف قهوته، وزوجة الأب تحضر الغذاء، وثلاثة إخوة من أبيه يذاكرون دروسهم، دخل ماجد، حيا والده وزوجة أبيه ثم اتجه نحو غرفته فإذا بصوت أبيه الخشن يستوقفه:[/font]
[font="]- [/font][font="]أيـن الراتـب الشـهـري؟[/font]
[font="]يشعر لحظتها ماجد بغضب شديد لم يظهره بل مد يده إلى جيبه وناول المبلغ لأبيه بكل هدوء، وبطرفة عين يتفحصه الأب فيدرك نقصانه، يحاول ماجد إقناع والده بأنه ما ترك معه إلا مصروف المواصلات لكن الأب يصرخ قائلا:[/font]
[font="]- هل مكان عملك بعيد عن البيت؟ ثم هل نسيت كون المشي رياضة؟[/font]
[font="]يحاول ماجد أن ينطق لكن صوت الأب كان أسرع: [/font]
[font="]- هذه آخر مرة يصلني المرتب ناقصا، وإلا مرة ثانية تذهب أنت وفلوسك بعيدا عني.[/font]
[font="]ماجد لم يكن أمامه أي اختيار سوى إضافة ما تبقى بجيبه إلى جيب أبيه، وأثناء ذلك دخل الابن الخامس من الخارج وهو في حوالي الخامسة عشر من عمره، تقدم من أبيه و سلمه كل النقود التي كسبها خلال ذلك اليوم عن طريق بيعه لأوراق اليانصيب، الأب يتناول النقود ونظراته صوب ماجد الذي يهم بدخول غرفته ثم قال لابنه: [/font]
[font="]- أنت ... ابني الحقيقي. [/font]
[font="]يشعر لحظتها الابن الأصغر بسعادة كبيرة وهو يتلقى ذلك المدح، بينما ماجد يشعر لحظتها بحزن و يأس . يعود ماجد من الخيال إلي الواقع، غلق الخزانة وحمل حقيبته.[/font]
[font="]وهو يتهيأ للخروج اتصل هاتفيا بالسكريترة وطلب منها تأجيل بعض الأعمال والمواعيد إلى حين عودته من البنك وقبل أن يترك سماعة الهاتف أبلغته حضور صديقه السيد جلال.[/font]
[font="]على متن سيارة مرسيدس آخر طراز يركب ماجد أمام المقود وإلى جواره صديقه جلال وهو شاب في سنه تقريبا، نطق ماجد: [/font]
[font="]- هل يعقل هذا؟ ... لا نراك إلا مع أول الشهر.[/font]
[font="]و يرد جلال مبتسما:[/font]
[font="]- [/font][font="]أعذرني، إنها مشاغل العمل و الزواج كما تعلم. [/font]
[font="]- جلال نحن أصدقاء من أيام الطفولة، فأرجوك لا تتأخر في طلب أي شيء مني.[/font]
[font="]مد ماجد يده إلى جيبه الداخلي للمعطف وراح يقدم مبلغا من المال لجلال، لكن الصديق كرامته لم تسمح له بتناول ذلك المبلغ و نطق قائلا: [/font]
[font="]- شكرا يا صديقي، لكن كل ما أتمناه أن يكون المبلغ المخصص لعائلتك هذا الشهر أكثر قليلا عن السابق. [/font]
[font="]اختفت ابتسامة ماجد وهو يقول: [/font]
[font="]- و لماذا هذه الزيادة؟ فهل أنا الذي خلفتهم؟[/font]
[font="]- صحيح هم إخوتك من الأب لكن مهما يكن فهم ليس لهم ذنب، خصوصا وأن نصف المبلغ يبذره الأب في الخمر ولعب القمار.[/font]
[font="]ورد ماجد بحدة:[/font]
[font="]- الخمر والقمار اللذان كانا السبب في حرماني من حنان الأم، ماتت وهي بمستشفى الأمراض العقلية، بل و حرمت حتى من طفولة عادية مثل كل الأطفال.[/font]
[font="]- ماجد أبوك الآن طريح الفراش، إنه مريض.[/font]
[font="]- حكاية مرضه ليست غريبة عني، فهذا يحدث معه كلما قضى على كل المبلغ، لكن ما أن يصله مرة ثانية حتى يعود واقفا على رجليه مسرعا نحو أقرب حانة.[/font]
[font="]يطلق تنهيدة عميقة ثم يتابع:[/font]
[font="]- وطبعا هذا ما يمنعي من أن أدله على عنواني. [/font]
[font="]لما لاحظ جلال اقتراب السيارة من شارع الأحرار حيث مقر عمله طلب من ماجد أن يتوقف... ماجد دعاه لجلسة بإحدى النوادي، جلال يعتذر كونه استأذن ساعة فقط من عمله، قبل نزوله قدم له ماجد ظرفا به مبلغ من المال [/font][font="]ليقدمه بدوره إلى والده وهو يقول:[/font]
[font="]- [/font][font="]جلال تذكر دائما أن دعوتي لك للعمل معي مازالت مفتوحة وتنتظر موافقتك في أي وقت.[/font]
[font="]- ألم تقتنع بعد أن مهنتي كطبيب بيطري ليست موفرة عندك بشركة الخشب ولا حتى بشركة الأجهزة الإلكترونية وحتى لو توفرت أفضل عليها صداقتنا.[/font]
[font="]ضحك ماجد من أعماقه وقال: [/font]
[font="]- على كل أتمنى أن تغير موقفك يوما ما.[/font]
[font="]بعد خروج ماجد من البنك يتصل عن طريق هاتف السيارة بالسكريترة فعلم منها أن ثمة عملاء في انتظاره فطلب منها الاعتذار لهم وتأجيل الموعد، كما أعلمها بأنه سيكون بالنادي ولا تتصل به إلا إذا كان الأمر مهم و مستعجل.[/font]
[font="]ما إن دخل ماجد النادي حتى التفت حوله مجموعة من الفتيات على طاولة القمار.[/font]
[font="]بإحدى الأحياء الراقية، فيلا فخمة، صاحبة الفيلا مازالت تحافظ على بريق الشباب رغم أنها في أواخر العقد الرابع إنها " السيدة نواعم"، جلست أمام مرآة الزينة ولما سمعت دقات باب الغرفة قالت: [/font]
[font="]- نعم تفضل.[/font]
[font="]استأذنت مديرة البيت بالدخول عليها وهي سيدة في العقد الخامس، اسمها نوال وبكل أدب نطقت: [/font]
[font="]- السيد مروان في انتظارك.[/font]
[font="]هتفت السيدة نواعم بدهشة:[/font]
[font="]- تقولين ... أخي مروان؟ [/font]
[font="]- نعم إنه هو بنفسه بانتظارك.[/font]
[font="]تنهض السيدة نواعم، وهي تنزل السلم نحو الطابق الأرضي راح خيالها إلى الماضي القريب لتتذكر آخر زيارة لها من طرف أخيها الذي يصغرها سنا فكان ذلك يوم قررت الزواج من الشاب ماجد، تذكرت ذلك اليوم بكل تفاصيله ... يومها نطق مروان:[/font]
[font="]- أنت لا تعرفين عنه أي شيء.[/font]
[font="]- يكفي أنني أعرف عنه أهم شيء، فهو يحبني و أنا أحبه. [/font]
[font="]- إنه أصغر منك سنا، إنه زواج مصلحة ثم ....[/font]
[font="]توقف للحظات، فقالت نواعم بمرارة: [/font]
[font="]- ثم ... ثم ماذا ؟ [/font]!
[font="]- لو تزوجت منه لا أنت أختي و لا أنا ... أخوك.[/font]
[font="]تلقت السيدة نواعم قراره بأسى وقالت: [/font]
[font="]- إلى هذه الدرجة خائف علي.[/font]
[font="]فأجاب برقة وصدق: [/font]
[font="]- طبعا، فأنت أختي الوحيدة و تهمني سعادتك قبل سعادتي.[/font]
[font="] ترتسم ابتسامة حزينة على وجهها ثم قالت: [/font]
[font="]- وأين كانت رقة قلبك وأخوتك يوم صمم أبي أن يزوجني بواحد أكبر مني بعشرين سنة وكل ذلك من أجل المحافظة على جاه وثروة العائلة.[/font]
[font="]لاذ في الأول بالصمت ثم راح يبحث عن كلمات مقنعة:[/font]
[font="]- لكن لا يمكن إنكار طيبة الرجل و حبه لك، لقد جعلك أسعد إنسانة في الوجود فامتلكت بعد وفاته أضعاف ما ورثنه عن الوالد، ثم أنت نفسك لم تبد أي رفض يومها[/font][font="].[/font]
[font="]ضحكت طويلا فكانت ضحكة بدون روح، توقفت ونظرت إليه ثم قالت بنبرة حزينة: [/font]
[font="]- من كان يومها يجرؤ ويناقشه في أي قرار يتخذه، ثم من قال لك أنني كنت سعيدة مع عجوز دفنت معه كل شبابي، سعادتي معه كانت في المظاهر، لكن الحمد لله لأن ربنا عوض صبري معه فجعل في طريقي ماجد، إنه إنسان كله شباب وحيوية و طموح و كلانا بحاجة إلى الآخر.[/font]
[font="]- قصدك هو بحاجة إلى ثروتك. [/font]
[font="]و ترد عليه بغضب:[/font]
[font="]- ليكن ما يكن.[/font]
[font="]- للمرة الأخيرة أحذرك من هذا الزواج الذي سيكون عائقا لاستمرار علاقاتنا. [/font]
[font="]تعود السيدة نواعم من الماضي وهي تقترب من أخيها، قام السيد مروان وبعد السلام والتحية الأخوية المتبادلة قال لها برفق:[/font]
[font="]- [/font][font="]كيف هي أحوالك؟[/font]
[font="]ردت السيدة نواعم مبتسمة: [/font]
[font="]- الحمد لله ... شكرا لهذه الزيارة.[/font]
[font="]تطلب السيدة نواعم من نوال إحضار الشاي، لكن السيد مروان نطق قائلا: [/font]
[font="]- لا ...لا داع.[/font]
[font="]- وهل يعقل هذا من مدة طويلة لم نجتمع على صينية الشاي.[/font]
[font="]في المطبخ السيدة نوال تستعجل الطباخ لتحضير الشاي وراحت تدعو من أعماقها "يارب اجعله لقاء خير ومصالحة"... لما اقتربت نوال من قاعة الجلوس حاملة صينية الشاي فوجئت بالسيدة نواعم تنهض و كلها غضب قائلة:[/font]
[font="]- هل يعقل هذا تغيب عني كل هذه الشهور و بدل أن نتسامح ونعود مثلما كنا زمان فإذا بك تأتي من أجل فتح موضوع ماجد، هل نسيت آخر مرة تخاصمنا مع بعضنا كان بسبب موقفك من ماجد.[/font]
[font="]و يرد السيد مروان وهو ينهض: [/font]
[font="]- أعرف هذا جيدا ومازلت أذكر تلك الزيارة.[/font]
[font="]- إذن لماذا دائما ماجد ... ماجد؟[/font]
[font="]- يجب أن تتأكدي أن معلوماتي عن مغامراته و تبذيره لأموالك جاءتني من مصادر موثوقة.[/font]
[font="]- هل أفهم من هذا أنك تتجسس على زوجي؟[/font]
[font="]ويشعر لحظتها السيد مروان بإهانة أخته له ومع ذلك يحافظ على هدوئه وهو يتجه نحو الباب قائلا بنبرة حزينة: [/font]
[font="]- إذا كان حرصي على سمعتك وعلى ثروتك من الضياع يعتبر بنظرك تجسسا فتأكدي من اليوم أعدك أنني لن أعترض سبيلك ولا سبيل السيد ماجد.[/font]
[font="]عند خروجه ارتمت على الأريكة باكية، تقترب منها السيدة نوال بعد أن تركت صينية الشاي وقالت بصوت حنون:[/font]
[font="]- أرجوك لا تعذبي نفسك.[/font]
[font="]رفعت رأسها فكانت دموعها الحزينة فقالت:[/font]
[font="]- أخي معه حق، فأنا شخصيا لاحظت ذلك على ماجد فهو يصرف كثيرا، كما أن تأخره الدائم دليل على مغامراته، لكن المصيبة أنني غير قادرة على مواجهته.[/font]
[font="]تتوقف لما أصبح صوتها مخنوقا بالبكاء، بينما تنطق نوال:[/font]
[font="]- اسمحي لي يا سيدتي أن أقول كلمة حق وبصراحة ... أنت خائفة أن يتركك ويرحل، وبصراحة أكثر ودون مجاملة أنت صاحبة وجه وشخصية محبوبة جدا ولا أريد أن أراك ضعيفة أما[/font][font="]م[/font][font="] من لا يقدرك.[/font]
[font="]- لقد أصبح كل حياتي و لن أتحمل لو ضاع مني.[/font]
[font="]- لكن ليس على حساب ...[/font]
[font="]تتوقف السيدة نوال لما سمعت صوت السيارة، تقوم السيدة نواعم نحو النافدة وما أن أبصرت ماجد ينزل من سيارته حتى مسحت دموعها وهيأت نفسها لاستقباله وهي تقول: [/font]
[font="]- أرجوك يا نوال لا أريده أن يعرف أي شيء بخصوص حضور أخي.[/font]
[font="] يدخل ماجد، بكل احترام يقبل زوجته وبسرعة يتجه نحو الطابق العلوي قائلا:[/font]
[font="]- يجب أن أغير ثيابي حالا فهناك مقابلة مهمة تنتظرني بفندق الهيلتون.[/font]
[font="]وهو يصعد بخطوات سريعة كان في كامل سعادته تاركا الزوجة الولهانة بالطابق الأرضي، وقد أغمضت عينيها إعلانا عن شعورها باليأس و الاستسلام و الضعف أمام هذا الزوج المدلل.[/font]
[font="]في الغرفة أمام خزانة طويلة عريضة اصطفت بها مختلف الألبسة ذات الماركات العالمية، راح يختار ما يناسبه، وبينما هو كذلك "تذكر يوم كان على موعد مع صديقة من عائلة ثرية وكان مضطر أن يظهر أمامها بمظهر أنيق، ووجد صعوبة في استعارة بذلة من المكوجي الذي طلب ثمنا لم يكن بمقدوره دفعه" ... رجع ماجد من الخيال إلى الواقع وهو يبتسم، بعدما غير ملابسه نزل إلى الأسفل، وهو يتهيأ للخروج أوقفته قائلة: [/font]
[font="]- هل أنتظرك وقت العشاء؟[/font]
[font="]وبكل لطف رد عليها:[/font]
[font="]- إذا أنهيت الصفقة أكيد سأعود لنتناول العشاء معا.[/font]
[font="] وسألته للمرة الثانية: [/font]
[font="]- يا ترى من هم عملاء الصفقة؟ [/font]
[font="]أحرجه سؤالها لحظتها، بعدها رد عليها وهو يصطنع الابتسامة والجدية في كلامه: [/font]
[font="]- إنهم عملاء جدد حضروا من الجنوب وحسب معلوماتي إنهم بحاجة ضرورية وفورية إلى عدد كثير من الآلات الإلكترونية لمكاتب جهزت حديثا يريدون نوعية ألمانية وإذا أقنعنهم بالثمن الذي نريد فلابد من السفر بعد يومين لشحن الصفقة.[/font]
[font="]وردت نواعم مبتسمة:[/font]
[font="]- على كل ربنا يوفقك، لكن أرجوك كن رحيما معهم.[/font]
[font="] رد عليها وهو يفتح الباب:[/font]
[font="]- يا حياتي لازم تعرفي أن أمثال هؤلاء الناس يبحثون عن كل ما هو أجنبي ولا يهم الثمن، ثم لا تنسي في التجارة لا يوجد مجال للعواطف.[/font]
[font="]بعد خروجه حضرت السيدة نوال: [/font]
[font="]- سيدتي هل من شيء تأمرين به قبل ذهابي.[/font]
[font="]- لا شكرا، تستطيعين الانصراف من الآن.[/font]
[font="]توالت الأيام[/font][font="]... ماجد في شقة صغيرة ... كان بصحبة صديقه الشاب رياض، أقل منه سنا لكن يظهر أنه أكثر منه خبرة في أمور الحياة، نطق قائلا: [/font]
[font="]- ألم تأت بعد لمصالحتك وتعيدك إلى قصرها.[/font]
[font="]- لن تصبر على بعدي طويلا.[/font]
[font="]وما كاد ينهي حديثه حتى دق جرس الباب فنطق ماجد: [/font]
[font="]- أكيد هي ...[/font]
[font="]- ألهذه الدرجة متأكد أن من وراء الباب هي:[/font]
[font="] رد ماجد وهو يتجرع الكأس:[/font]
[font="]- بل أراهن على ذلك. [/font]
[font="]- من دون مراهنة أنا أصدقك ....[/font]
[font="]قام رياض ففتح الباب، فكانت السيدة نواعم، نظرت إليه بتمعن و هي تتقدم نحو الداخل، رياض ما أن أدرك وجوده في موقف حرج حتى استأذن بالانصراف، وهو يغلق الباب خلفه لاحقته بنظراتها ... أما ماجد تظاهر بالغضب لما بدأت تقترب منه قائلة: [/font]
[font="]- جميل أن يجد الإنسان صديقا يقاسمه وحدته و ...[/font]
[font="] تتوقف لحظة بينما كاد يفتضح أمر ماجد لولا أنها تابعت حديثها برقة وبراءة:[/font]
[font="]- ولكن إذا كانت لديه زوجة تحبه لا أظن ...[/font]
[font="]لكن ماجد يقاطعها لما تظاهر بعدم الرغبة في الاستماع إليها و قام ليتناول كأسا آخر من الخمر قائلا: [/font]
[font="]- ماذا تريدين مني بعدما طردتني.[/font]
[font="]أخذت من يده الكأس و تركته فوق الطاولة و قالت:[/font]
[font="]- أنا طردتك ؟ ... كل الحكاية أنني لمتك على تأخرك ليلة البارحة فغضبت مني وغادرت البيت.[/font]
[font="]- بصراحة أصبحت لا أطيق المعيشة مع إنسانة بدأت تشك في كل تصرفاتي. [/font]
[font="]وأمام إصراره على غضبه منها راحت تقترب منه فأحاطت عنقه بذراعيها، قبلته وطلبت منه المعذرة و تعاهدا بأن لا يتكرر ذلك مرة أخرى، ومع صدق حنانها يشعر ماجد كأنه طفل مازال بحاجة إلى حنان وعاطفة الأم.[/font]
[font="]يصل الزوجان إلى الفيلا، تطلب السيدة نوال بأمر من السيدة نواعم من إحدى خادمات الفيلا بتحضير غرفة الحمام للسيد ماجد، بعدها تقترب نوال من السيدة نواعم قائلة:[/font]
[font="]- سيدتي هل من أوامر أخرى؟ [/font]
[font="]ردت السيدة نواعم في سعادة: [/font]
[font="]- كوب ماء لو سمحت.[/font]
[font="]- حاضر ثوان وأحضره بنفسي.[/font]
[font="]بعد أن تناولت السيدة نواعم كوب الماء قالت:[/font]
[font="]- تعرفين يا نوال رغم أنني لم أوافقه في الأول على شراء تلك الشقة إلا أنني لن أوافقه لو أراد بيعها. [/font]
[font="]- طبعا لأنه كلما تخاصمتما وغضبتما من بعض فهو يذهب إليها مباشرة وبالتالي لا تتعبين في البحث عنه.[/font]
[font="]في تلك اللحظات ينزل ماجد من الطابق العلوي حاملا حقيبته وهو في كامل أناقته، فبادرته الزوجة:[/font]
[font="]- هل أخذت حماما بهذه السرعة؟[/font]
[font="]- الحقيقة لم أفعل لقد تذكرت موعدا مهما، نحن كما تعلمين مع نهاية السنة و يفترض أن أشرف بنفسي على الحسابات لكلتا الشركتين.[/font]
[font="]ولم يترك للزوجة فرصة لتناقشه وخرج بسرعة بعد أن و عدها بتناول الغذاء معها.[/font]
[font="]ماجد يصل أولا إلى شركة الخشب، ومن مكتبه طلب حضور السيد رياض، يحضر رياض و بيده ملفا، ويفاجأ بماجد وكله غضب قائلا:[/font]
[font="]- ما هذا الذي فعلته هذا الصبح؟[/font]
[font="]يدرك رياض خطأه فقال: [/font]
[font="]- أرجوك يا أستاذ ماجد أعذرني، اللعنة على الخمر الذي أنساني نفسي. [/font]
[font="] ورد ماجد بهدوء: [/font]
[font="]- لتحمد ربنا أن تظاهري بالغضب بدد شكوكها وأنساها أن تسألني عن من تكون؟ [/font]
[font="]يشعر رياض لحظتها بارتياح وبابتسامة عريضة راح يقترب من ماجد قائلا:[/font]
[font="]- اطمئن يا ميمو حرمكم دخلت مرحلة الشيخوخة و الذاكرة لازم تضعف.[/font]
[font="]مال نحوه قليلا وضحكا معا، لحظتها تستأذن السكريتيرة بالدخول، ماجد يشعر بإحراج لما أبصرت[/font][font="]ه[/font][font="] السكرتيرة في تلك الوضعية التي توحي على عمق الصداقة بينهما على عكس ما يتظاهر به أمام عمال الشركة، السكرتيرة لم تبد أي اندهاش وكأن المفاجأة لم تنل منها وبكل هدوء قدمت الملف للسيد ماجد قائلة:[/font]
[font="]- هذه هي الحسابات السنوية للشركة.[/font]
[font="]بعد خروج السكرتيرة، ينهض ماجد وكله غضب: [/font]
[font="]- ألم أنبهك مائة مرة أننا في المكتب ننسى علاقاتنا الخاصة.[/font]
[font="]يقف رياض بكل أدب: [/font]
[font="]- أنا آسف. [/font]
[font="]- آسف ... آسف ... هذا كل ما تجيد فعله، أحذرك لآخر مرة إذا وصل الخبر للسيدة فيومها لن أرحمك.[/font]
[font="]رياض لم تعجبه لهجة ماجد فاستجمع كل قواه و جرأته وقال:[/font]
[font="]- ليكن في علمك أنني لن أذهب إلى الجحيم لوحدي.[/font]
[font="]و لما خرج رياض ... ترك ماجد لوحده و لم يجد من يفرغ فيه ذلك الكم من الغضب الذي يكاد يفجر جسده.[/font]
[font="]رياض بمكتبه أمام آلة الكمبيوتر ... يفاجئه ماجد وهو يضع ملفا أمامه وهو في كامل هدوئه: [/font]
[font="]- أريد منك تسجيل كل الحسابات على الكمبيوتر.[/font]
[font="]ورد رياض بكل أدب و برودة:[/font]
[font="]- حاضر، أمرك.[/font]
[font="]ماجد وهو يهم بالخروج توقف و غلق الباب و قال: [/font]
[font="]- رياض أرجوك أعذرني، فأنت كما تعلم صحيح السيدة حرمنا لا تعرف بأن لك سوابق بالشركة الثانية أدت إلى فصلك، لكن هذا لا يمنع أن نكون جد حريصين، فلو تعرف عليك أي عامل أكيد سيصلها الخبر.[/font]
[font="]تبادلا نظرات لها مغزى ثم ابتسما، بعدها نطق رياض: [/font]
[font="]- هل أحضر سهرة رأس السنة؟ [/font]
[font="]ابتسم ماجد وقد أدرك أن قلب رياض صفى من ناحيته فرد قائلا:[/font]
[font="]- وماذا تنتظر من ردي؟[/font]
[font="]على مائدة الغذاء، جلس الزوجان لتناول الغذاء، وهما يتبادلان أطراف الحديث، يقوم ماجد و يحمل حقيبته، تستوقفه الزوجة قائلة: [/font]
[font="]- ألا ترتاح قليلا؟ [/font]
[font="]- كيف لي أن أرتاح و كان علي أن لا أغادر المكتب ولو دقيقة، لولا خوفي من شدة غضبك مني.[/font]
[font="]تقترب منه الزوجة و بدلال تمسك ربطة عنقه لتعدلها قائلة: [/font]
[font="]- يا حبيبي أعرف أن الحسابات السنوية متعبة لكن لا أريدك أن ترهق نفسك أكثر من اللازم.[/font]
[font="]خرج ماجد تجاه شركة الآلات الإلكترونية ... في المساء لما غادر العمال الشركة، قبل أن يغادر مكتبه تناول من الخزانة مبلغا من المال ثم نزع فيشة الهاتف.[/font]
[font="]بإحدى أشهر الفنادق يستقبل رياض صديقه ماجد، واتجه معه نحو الطاولة المحجوزة وما أن جلسا حتى التحقت بهما أربع حسناوات وهن في كامل أناقتهن المغرية.[/font]
[font="]بفيلا السيدة نواعم ... السيدة نوال قامت باللازم مع العمال فأنهت معهم مظاهر الاحتفال لاستقبال السنة الجديدة، حضرت السيدة نواعم وأبدت إعجابها بمظهر الصالون فنطقت السيدة نوال:[/font]
[font="]- ما رأيك ...؟ [/font]
[font="]- بصراحة من غيرك لن أجيد شيئا كما أنني آسفة لقد أخرتك عن موعد عودتك لبيتك .[/font]
[font="]وقبل أن تنهى حديثها فاجأها ألم حاد على مستوى البطن ... حضر الطبيب ... وبعد الكشف عليها بغرفتها ... وبينما الطبيب يغلق حقيبته كانت السيدة نواعم مستقعدة فوق سريرها تنتظر بشغف تقرير الكشف ... لكن الدكتور يفاجئها بغلق حقيبته دون حتى أن يكتب لها وصفة الدواء مما جعلها تسأله: [/font]
[font="]- ألن تكتب لي الوصفة؟[/font]
[font="]- آلامك سيدتي ليست بحاجة إلي أي دواء على الأقل الآن.[/font]
[font="]رده حيرها فقالت و هي ترتجف قلقا: [/font]
[font="]- ماذا تعتقد؟[/font]
[font="]- المفروض ألا أقول لك الآن أي شيء.[/font]
[font="]تزداد السيدة نواعم قلقا على صحتها: [/font]
[font="]- أرجوك يا دكتور عاصم طمئني.[/font]
[font="]- اطمئني صحتك جيدة فقط أريد منك زيارة المستشفى غدا لإجراء بعض التحاليل.[/font]
[font="]وبصوت مرتعش ترجوه للمرة الثانية، فيرد الدكتور:[/font]
[font="]- احتمال كبير جدا أن تكوني حاملا. [/font]
[font="]لحظات صمت و اندهاش ترتسم على وجه السيدة نواعم و تنطق بعدها بصوت متلعثم:[/font]
[font="]- حــــــــا .... حامل[/font]!
[font="]فقال الدكتور: [/font]
[font="]- من المفروض أن لا أقول شيئا قبل نتائج التحاليل، طبعا هذا ليس لأنني غير متأكد، بل يجب إجراء التحاليل لتتأكدي و تصدقي أنت...[/font]
[font="]بالملهى ... ماجد في كامل نشوته مع حسناوات السهرة، رياض مرة على مرة ينظر إلى الساعة و يذهب إليه كي يستعجله بالعودة إلى الفيلا ...لكن ماجد لم يكن قادرا على ترك جلسته الرائعة، وبصعوبة ينسحب من وسطهن لكن لا يلبث أن يعود إلى أحضانهن حين قالت له إحداهن في دلال:[/font]
[font="]- هل يعقل هذا[/font]![font="] ... تغادرنا في الوقت الذي بدأت فيه السهرة تحلى ... [/font]
[font="]و يرد رياض: [/font]
[font="]- إذن حذار أن تلومني على أنني لم أنبهك لموعد عودتك.[/font]
[font="]بفيلا السيدة نواعم ... كانت جالسة بالصالون ... تقترب منها نوال قائلة:[/font]
[font="]- إنها الثانية صباحا ألم تنام بعد؟[/font]
[font="]تقوم السيدة نواعم و هي تتجه نحو الطابق العلوي استدارت نحو نوال: [/font]
[font="]- أنا آسفة كان من المفروض أن تقضي ليلة رأس السنة بين أفراد عائلتك. [/font]
[font="]وبصوت كله رقة وحنان قالت نوال:[/font]
[font="]- بالعكس لا داع للأسف فأنا حتى لو ذهبت وعلمت بالخبر السعيد كنت سأحضر على الفور.[/font]
[font="]تبتسم السيدة نواعم ابتسامة حزينة ثم تتابع طريقها نحو الطابق العلوي. يصل ماجد إلى الفيلا، وما أن اقترب من غرفة النوم راح يتسلل بخطوات بطيئة إلى الداخل ... لكن ما إن فتح الخزانة حتى أضاءت زوجته النور .... اصطنع الابتسامة .... استدار واتجه نحوها طالبا منها أن تسامحه على تأخره بالشركة..[/font][font="]. [/font][font="]وما إن اقترب منها وفاحت من فمه رائحة الخمر، حتى قالت بصوت هادئ:[/font]
[font="]- يظهر أنك لم تحتفل برأس السنة؟[/font]
[font="]أدرك شكوكها فراح يبتعد عنها بلباقة متجها نحو معطفه قائلا:[/font]
[font="]- رغم انشغالي يا حياتي بالحسابات يظهر أنك لم تكلفي نفسك و ترفعي سماعة الهاتف لأسمع من فمك أحلى كلمة تقال مع بداية أي سنة جديدة.[/font]
[font="]كلامه المعسول جعل قلبها يرق وتقوم من على السرير نحوه:[/font]
[font="]- ومن [/font][font="]قال [/font][font="]لك أنني لم أتصل، فكم حاولت و كررت المحاولة لكن دون جدوى، يظهر أن ...[/font]
[font="]ويقاطعها قائلا:[/font]
[font="]- أنا آسف، حقيقة أنا آسف جدا يا حياتي.[/font]
[font="]يتظاهر أمامها أنه نسي شيئا ثم تابع:[/font]
[font="]- لقد نسيت أنني نزعت فيشة الهاتف لقد أقلقتني في الوقت الذي كنت منهمكا في مراجعة الحسابات.[/font]
[font="]تقدم منها و تابع قائلا:[/font]
[font="]- لكن رغم ذلك يا حياتي إلا أنني لم أنس هدية رأس السنة لأعز إنسانة.[/font]
[font="]قدم لها الهدية التي كانت عبارة عن خاتم من ألماس نادر، قبلها وتمنى لها عاما سعيدا، استلمت الهدية في سعادة وقالت:[/font]
[font="]- فعلا إنه عام سعيد، بل أقول أنه أسعد أعوام حياتي والحقيقة أنني كنت غاضبة منك ولولا الخبر الذي سأزفه لك ما كنت سامحتك.[/font]
[font="]وما إن [/font][font="]لب[/font][font="]س طاقم النوم وهو يأوي إلى فراشه قال دون مبالاة: [/font]
[font="]- وأي خ[/font][font="]ب[/font][font="]ر هذا الذي أسعدك؟[/font]
[font="]- ماجد حبيبي احتمال كبير جدا ستصبح عن قريب أبا. [/font]
[font="]ما قالته أثار اندهاشه واهتمامه: [/font]
[font="]- ماذا تقولين ...؟[/font]
[font="]- بالمساء انتابتني آلام فاستدعيت حضور الدكتور عاصم و لديه شك كبير أن أكون حاملا في الشهر الثالث.[/font]
[font="]يظهر على ماجد عدم تصديقه لكلام الزوجة مما جعله يعيد الغطاء وهو يقول:[/font]
[font="]- يظهر يا حياتي شربت كثيرا بهذه المناسبة.[/font]
[font="]وترد عليه بغضب:[/font]
[font="]- ماجد أنت تعرف جيدا أنني لا أشرب ولا أسمح حتى بوجود الخمر بمنزلي.[/font]
[font="]بينما ماجد استغرق في النوم، وقبل أن تطفئ هي النور راحت تكلم نفسها في صمت " طبعا لا تصدق والحق معك فأنا شخصيا لم أصدق هذا الاحتمال."[/font]
[font="]بالعيادة ... بعد لحظات يدخل الدكتور عاصم إلى المكتب حيث السيدة نواعم وزوجها بانتظاره وما أن جلس أمام مكتبه قال مبتسما:[/font]
[font="]- سيدتي مبروك رسميا. [/font]
[font="]وقعت تلك الكلمات على رأس ماجد كقنبلة أقلقت نفسيته بينما السيدة نواعم تلقت الخبر بدموع و نطقت بعد فترة صمت:[/font]
[font="]- الدكتور عاصم هل يمكن إعادة التحاليل مرة ثانية؟ [/font]
[font="]يستغرب الدكتور ردها فقال:[/font]
[font="]- السيدة نواعم هذا الكلام تقوله من تتلقى نتيجة التحاليل الأولية سلبية لكن...[/font]
[font="]يقاطعه ماجد:[/font]
[font="]- حقيقة هي تقصد من هذا ....[/font]
[font="] يقاطعه الدكتور:[/font]
[font="]- من حقكما أن لا تصدقا بسهولة ... صحيح يا سيدتي سنك يعرف في القاموس العلمي بسن اليأس لكن يجب أن تعرفي أن ما هو مستحيل طبيا غير مستحيل عند المولى جل جلاله. [/font]
[font="]وأمام كلامه المقنع رفعت السيدة نواعم رأسها إلى الأعلى شاكرة ربها على هبته لها و هي في هذا السن ...[/font]
[font="]تبدأ الشهور تمر، وهي في الشهر السابع نصحها الطبيب بالاستراحة التامة، ماجد بالغرفة يحضر حقيبة السفر ... الزوجة فوق سريرها و بصوت كله رقة و حنان قالت: [/font]
[font="]- أرجوك لا داعي للسفر و أجل هذه الصفقة. [/font]
[font="]يترك ماجد ما بيده ... يقترب منها و مسك يديها قائلا:[/font]
[font="]- يا حياتي الصفقة مهمة و لا بد من تنفيذها ثم إنها أيام معدودة و أرجع إليك يا حبيبتي ...[/font]
[font="]رغم رجائها وإلحاحها يصر بكل لباقة على السفر .... [/font]
[font="]وما أن وطأت رجلاه سلم الطائرة حتى حملت السيدة نواعم إلى المستشفى على جناح السرعة حيث تأكد الأطباء من ضرورة تحضير غرفة العمليات لإنقاذها، السيدة تتشبث بالمولود على حساب صحتها وحياتها، ويشاء القدر أن ينجو الاثنان فتنجب صبية، سميت على بركة الله "هبة"، كانت سعيدة و هي تحتضن وحيدتها وازدادت سعادتها حين زارها أخوها بصحبة زوجته وولديه بالمستشفى، سعادتها بالصبية وبحضوره أنساها أن تلومه عن انقطاع زيارته لها ولما سألته عن كيف و صله الخبر كان رده:[/font]
[font="]- هل نسيت يا أختي أن الدكتور عاصم ليس بدكتور العائلة فقط، فهو قبل أن يكون دكتورا كان صديقا. [/font]
[font="]بالفيلا كان الاستعداد للاحتفال بالمولودة وبعودة السيدة نواعم إلى بيتها بالسلامة، كانت بغرفتها، وكان أخوها إلى جوارها وما أن قام ليتركها ترتاح حتى استوقفته قائلة:[/font]
[font="]- مروان ... هل مازلت غاضبا مني؟ [/font]
[font="]يستدير ويقترب منها ويمسك يدها بكل حنان قائلا: [/font]
[font="]- مهما يحصل يا أختي العزيزة تأكدي أن أخوتنا لن تكون أبدا محط تساوم لمجرد أننا اختلفنا مع بعضنا ...[/font]
[font="]ذلك الاحتفال كان مفاجأة للسيد ماجد العائد من السفر، وما أن وصل إلى غرفة الزوجة، راح يحمل الصبية بين ذراعيه وهو في حالة ذهول، نظر إليها طويلا فكانت نظرة استفهام، راح خياله إلى الماضي القريب يوم سأل رياض: [/font]
[font="]- هل يعقل امرأة على مشارف العقد الخامس بإمكانها أن تحمل [/font]
[font="]- اطمئن يا صديقي هذا لن يحدث، كثيرا ما كانت التحاليل الطبية خاطئة.[/font]
[font="]- وما الذي يجعلك متفائلا هكذا؟[/font]
[font="]- لأن الدليل على ذلك رأيته عن قرب، إنها إحدى قريباتي أكثر من طبيب يؤكد أنها حامل وبالرغم أن بطنها يظهر كالحامل إلا أن بعد ثمانية شهور وبعد عملية جراحية مستعجلة كان سبب انتفاخ البطن مرضا أصابها. [/font]
[font="]و يرد ماجد: [/font]
[font="]- ماذا تقصد بهذا الكلام؟[/font]
[font="]- قصدي أتركها تعيش أحلام ودلال الفتاة الحامل ... [/font]
[font="]يعود ماجد من الماضي القريب إلى الواقع على صوت الصبية وهي تبكي مما جعل السيدة نواعم تنهض من سريرها لتأخذها بين يديها بكل رفق و حنان قائلة:[/font]
[font="]- ماجد ... ماجد ماذا حدث؟[/font]
[font="]أدرك ماجد نفسه بعد لحظات مما جعله يتظاهر بالإرهاق نتيجة السفر ...[/font]
[font="]تتربع أحد الشوارع الراقية بالعاصمة على شركة "استيراد و تصدير وتحويل الخشب"، يدير الشركة الضخمة شاب في الثلاثين من عمره اسمه[/font][font="]"ماجد عبد الكريم".[/font]
[font="]ماجد عبد الكريم بمكتبه الفخم ... منهمكا في توقيع وثائق ملف هام جدا بالنسبة إليه، على مقربة منه عملاء الشركة جالسين في انتظار انتهائه من التوقيعات، ينتهي من ذلك، فتغلق سكرتيرته الملف وتنصرف حاملة إياه، تاركة ماجد وعملاءه يهنئون بعضهم بعضا إبراما لصفقتهم هاته، العملاء يتسلمون نسخة من ملف الصفقة ثم ناولوه مبلغا ماليا نقديا مرفقا برزمة صكوك بنك، وبعد انصرافهم يطلب ماجد من سكرتيرته عدم إزعاجه لمدة ربع ساعة، خلالها يتجه صوب خزانته لوضع المال نقدا وصكوكا، وقبل الإغلاق مد يده وأخذ مبلغا منه، توقف للحظات يتمعن في ذلك المبلغ وحينئذ تعود به الذاكرة إلي الماضي، " يوم رجع إلى بيته العائلي مرهقا...الأب جالسا ماسكا بالشيشة يرتشف قهوته، وزوجة الأب تحضر الغذاء، وثلاثة إخوة من أبيه يذاكرون دروسهم، دخل ماجد، حيا والده وزوجة أبيه ثم اتجه نحو غرفته فإذا بصوت أبيه الخشن يستوقفه:[/font]
[font="]- [/font][font="]أيـن الراتـب الشـهـري؟[/font]
[font="]يشعر لحظتها ماجد بغضب شديد لم يظهره بل مد يده إلى جيبه وناول المبلغ لأبيه بكل هدوء، وبطرفة عين يتفحصه الأب فيدرك نقصانه، يحاول ماجد إقناع والده بأنه ما ترك معه إلا مصروف المواصلات لكن الأب يصرخ قائلا:[/font]
[font="]- هل مكان عملك بعيد عن البيت؟ ثم هل نسيت كون المشي رياضة؟[/font]
[font="]يحاول ماجد أن ينطق لكن صوت الأب كان أسرع: [/font]
[font="]- هذه آخر مرة يصلني المرتب ناقصا، وإلا مرة ثانية تذهب أنت وفلوسك بعيدا عني.[/font]
[font="]ماجد لم يكن أمامه أي اختيار سوى إضافة ما تبقى بجيبه إلى جيب أبيه، وأثناء ذلك دخل الابن الخامس من الخارج وهو في حوالي الخامسة عشر من عمره، تقدم من أبيه و سلمه كل النقود التي كسبها خلال ذلك اليوم عن طريق بيعه لأوراق اليانصيب، الأب يتناول النقود ونظراته صوب ماجد الذي يهم بدخول غرفته ثم قال لابنه: [/font]
[font="]- أنت ... ابني الحقيقي. [/font]
[font="]يشعر لحظتها الابن الأصغر بسعادة كبيرة وهو يتلقى ذلك المدح، بينما ماجد يشعر لحظتها بحزن و يأس . يعود ماجد من الخيال إلي الواقع، غلق الخزانة وحمل حقيبته.[/font]
[font="]وهو يتهيأ للخروج اتصل هاتفيا بالسكريترة وطلب منها تأجيل بعض الأعمال والمواعيد إلى حين عودته من البنك وقبل أن يترك سماعة الهاتف أبلغته حضور صديقه السيد جلال.[/font]
[font="]على متن سيارة مرسيدس آخر طراز يركب ماجد أمام المقود وإلى جواره صديقه جلال وهو شاب في سنه تقريبا، نطق ماجد: [/font]
[font="]- هل يعقل هذا؟ ... لا نراك إلا مع أول الشهر.[/font]
[font="]و يرد جلال مبتسما:[/font]
[font="]- [/font][font="]أعذرني، إنها مشاغل العمل و الزواج كما تعلم. [/font]
[font="]- جلال نحن أصدقاء من أيام الطفولة، فأرجوك لا تتأخر في طلب أي شيء مني.[/font]
[font="]مد ماجد يده إلى جيبه الداخلي للمعطف وراح يقدم مبلغا من المال لجلال، لكن الصديق كرامته لم تسمح له بتناول ذلك المبلغ و نطق قائلا: [/font]
[font="]- شكرا يا صديقي، لكن كل ما أتمناه أن يكون المبلغ المخصص لعائلتك هذا الشهر أكثر قليلا عن السابق. [/font]
[font="]اختفت ابتسامة ماجد وهو يقول: [/font]
[font="]- و لماذا هذه الزيادة؟ فهل أنا الذي خلفتهم؟[/font]
[font="]- صحيح هم إخوتك من الأب لكن مهما يكن فهم ليس لهم ذنب، خصوصا وأن نصف المبلغ يبذره الأب في الخمر ولعب القمار.[/font]
[font="]ورد ماجد بحدة:[/font]
[font="]- الخمر والقمار اللذان كانا السبب في حرماني من حنان الأم، ماتت وهي بمستشفى الأمراض العقلية، بل و حرمت حتى من طفولة عادية مثل كل الأطفال.[/font]
[font="]- ماجد أبوك الآن طريح الفراش، إنه مريض.[/font]
[font="]- حكاية مرضه ليست غريبة عني، فهذا يحدث معه كلما قضى على كل المبلغ، لكن ما أن يصله مرة ثانية حتى يعود واقفا على رجليه مسرعا نحو أقرب حانة.[/font]
[font="]يطلق تنهيدة عميقة ثم يتابع:[/font]
[font="]- وطبعا هذا ما يمنعي من أن أدله على عنواني. [/font]
[font="]لما لاحظ جلال اقتراب السيارة من شارع الأحرار حيث مقر عمله طلب من ماجد أن يتوقف... ماجد دعاه لجلسة بإحدى النوادي، جلال يعتذر كونه استأذن ساعة فقط من عمله، قبل نزوله قدم له ماجد ظرفا به مبلغ من المال [/font][font="]ليقدمه بدوره إلى والده وهو يقول:[/font]
[font="]- [/font][font="]جلال تذكر دائما أن دعوتي لك للعمل معي مازالت مفتوحة وتنتظر موافقتك في أي وقت.[/font]
[font="]- ألم تقتنع بعد أن مهنتي كطبيب بيطري ليست موفرة عندك بشركة الخشب ولا حتى بشركة الأجهزة الإلكترونية وحتى لو توفرت أفضل عليها صداقتنا.[/font]
[font="]ضحك ماجد من أعماقه وقال: [/font]
[font="]- على كل أتمنى أن تغير موقفك يوما ما.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]ما إن دخل ماجد النادي حتى التفت حوله مجموعة من الفتيات على طاولة القمار.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- نعم تفضل.[/font]
[font="]استأذنت مديرة البيت بالدخول عليها وهي سيدة في العقد الخامس، اسمها نوال وبكل أدب نطقت: [/font]
[font="]- السيد مروان في انتظارك.[/font]
[font="]هتفت السيدة نواعم بدهشة:[/font]
[font="]- تقولين ... أخي مروان؟ [/font]
[font="]- نعم إنه هو بنفسه بانتظارك.[/font]
[font="]تنهض السيدة نواعم، وهي تنزل السلم نحو الطابق الأرضي راح خيالها إلى الماضي القريب لتتذكر آخر زيارة لها من طرف أخيها الذي يصغرها سنا فكان ذلك يوم قررت الزواج من الشاب ماجد، تذكرت ذلك اليوم بكل تفاصيله ... يومها نطق مروان:[/font]
[font="]- أنت لا تعرفين عنه أي شيء.[/font]
[font="]- يكفي أنني أعرف عنه أهم شيء، فهو يحبني و أنا أحبه. [/font]
[font="]- إنه أصغر منك سنا، إنه زواج مصلحة ثم ....[/font]
[font="]توقف للحظات، فقالت نواعم بمرارة: [/font]
[font="]- ثم ... ثم ماذا ؟ [/font]!
[font="]- لو تزوجت منه لا أنت أختي و لا أنا ... أخوك.[/font]
[font="]تلقت السيدة نواعم قراره بأسى وقالت: [/font]
[font="]- إلى هذه الدرجة خائف علي.[/font]
[font="]فأجاب برقة وصدق: [/font]
[font="]- طبعا، فأنت أختي الوحيدة و تهمني سعادتك قبل سعادتي.[/font]
[font="] ترتسم ابتسامة حزينة على وجهها ثم قالت: [/font]
[font="]- وأين كانت رقة قلبك وأخوتك يوم صمم أبي أن يزوجني بواحد أكبر مني بعشرين سنة وكل ذلك من أجل المحافظة على جاه وثروة العائلة.[/font]
[font="]لاذ في الأول بالصمت ثم راح يبحث عن كلمات مقنعة:[/font]
[font="]- لكن لا يمكن إنكار طيبة الرجل و حبه لك، لقد جعلك أسعد إنسانة في الوجود فامتلكت بعد وفاته أضعاف ما ورثنه عن الوالد، ثم أنت نفسك لم تبد أي رفض يومها[/font][font="].[/font]
[font="]ضحكت طويلا فكانت ضحكة بدون روح، توقفت ونظرت إليه ثم قالت بنبرة حزينة: [/font]
[font="]- من كان يومها يجرؤ ويناقشه في أي قرار يتخذه، ثم من قال لك أنني كنت سعيدة مع عجوز دفنت معه كل شبابي، سعادتي معه كانت في المظاهر، لكن الحمد لله لأن ربنا عوض صبري معه فجعل في طريقي ماجد، إنه إنسان كله شباب وحيوية و طموح و كلانا بحاجة إلى الآخر.[/font]
[font="]- قصدك هو بحاجة إلى ثروتك. [/font]
[font="]و ترد عليه بغضب:[/font]
[font="]- ليكن ما يكن.[/font]
[font="]- للمرة الأخيرة أحذرك من هذا الزواج الذي سيكون عائقا لاستمرار علاقاتنا. [/font]
[font="]تعود السيدة نواعم من الماضي وهي تقترب من أخيها، قام السيد مروان وبعد السلام والتحية الأخوية المتبادلة قال لها برفق:[/font]
[font="]- [/font][font="]كيف هي أحوالك؟[/font]
[font="]ردت السيدة نواعم مبتسمة: [/font]
[font="]- الحمد لله ... شكرا لهذه الزيارة.[/font]
[font="]تطلب السيدة نواعم من نوال إحضار الشاي، لكن السيد مروان نطق قائلا: [/font]
[font="]- لا ...لا داع.[/font]
[font="]- وهل يعقل هذا من مدة طويلة لم نجتمع على صينية الشاي.[/font]
[font="]في المطبخ السيدة نوال تستعجل الطباخ لتحضير الشاي وراحت تدعو من أعماقها "يارب اجعله لقاء خير ومصالحة"... لما اقتربت نوال من قاعة الجلوس حاملة صينية الشاي فوجئت بالسيدة نواعم تنهض و كلها غضب قائلة:[/font]
[font="]- هل يعقل هذا تغيب عني كل هذه الشهور و بدل أن نتسامح ونعود مثلما كنا زمان فإذا بك تأتي من أجل فتح موضوع ماجد، هل نسيت آخر مرة تخاصمنا مع بعضنا كان بسبب موقفك من ماجد.[/font]
[font="]و يرد السيد مروان وهو ينهض: [/font]
[font="]- أعرف هذا جيدا ومازلت أذكر تلك الزيارة.[/font]
[font="]- إذن لماذا دائما ماجد ... ماجد؟[/font]
[font="]- يجب أن تتأكدي أن معلوماتي عن مغامراته و تبذيره لأموالك جاءتني من مصادر موثوقة.[/font]
[font="]- هل أفهم من هذا أنك تتجسس على زوجي؟[/font]
[font="]ويشعر لحظتها السيد مروان بإهانة أخته له ومع ذلك يحافظ على هدوئه وهو يتجه نحو الباب قائلا بنبرة حزينة: [/font]
[font="]- إذا كان حرصي على سمعتك وعلى ثروتك من الضياع يعتبر بنظرك تجسسا فتأكدي من اليوم أعدك أنني لن أعترض سبيلك ولا سبيل السيد ماجد.[/font]
[font="]عند خروجه ارتمت على الأريكة باكية، تقترب منها السيدة نوال بعد أن تركت صينية الشاي وقالت بصوت حنون:[/font]
[font="]- أرجوك لا تعذبي نفسك.[/font]
[font="]رفعت رأسها فكانت دموعها الحزينة فقالت:[/font]
[font="]- أخي معه حق، فأنا شخصيا لاحظت ذلك على ماجد فهو يصرف كثيرا، كما أن تأخره الدائم دليل على مغامراته، لكن المصيبة أنني غير قادرة على مواجهته.[/font]
[font="]تتوقف لما أصبح صوتها مخنوقا بالبكاء، بينما تنطق نوال:[/font]
[font="]- اسمحي لي يا سيدتي أن أقول كلمة حق وبصراحة ... أنت خائفة أن يتركك ويرحل، وبصراحة أكثر ودون مجاملة أنت صاحبة وجه وشخصية محبوبة جدا ولا أريد أن أراك ضعيفة أما[/font][font="]م[/font][font="] من لا يقدرك.[/font]
[font="]- لقد أصبح كل حياتي و لن أتحمل لو ضاع مني.[/font]
[font="]- لكن ليس على حساب ...[/font]
[font="]تتوقف السيدة نوال لما سمعت صوت السيارة، تقوم السيدة نواعم نحو النافدة وما أن أبصرت ماجد ينزل من سيارته حتى مسحت دموعها وهيأت نفسها لاستقباله وهي تقول: [/font]
[font="]- أرجوك يا نوال لا أريده أن يعرف أي شيء بخصوص حضور أخي.[/font]
[font="] يدخل ماجد، بكل احترام يقبل زوجته وبسرعة يتجه نحو الطابق العلوي قائلا:[/font]
[font="]- يجب أن أغير ثيابي حالا فهناك مقابلة مهمة تنتظرني بفندق الهيلتون.[/font]
[font="]وهو يصعد بخطوات سريعة كان في كامل سعادته تاركا الزوجة الولهانة بالطابق الأرضي، وقد أغمضت عينيها إعلانا عن شعورها باليأس و الاستسلام و الضعف أمام هذا الزوج المدلل.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- هل أنتظرك وقت العشاء؟[/font]
[font="]وبكل لطف رد عليها:[/font]
[font="]- إذا أنهيت الصفقة أكيد سأعود لنتناول العشاء معا.[/font]
[font="] وسألته للمرة الثانية: [/font]
[font="]- يا ترى من هم عملاء الصفقة؟ [/font]
[font="]أحرجه سؤالها لحظتها، بعدها رد عليها وهو يصطنع الابتسامة والجدية في كلامه: [/font]
[font="]- إنهم عملاء جدد حضروا من الجنوب وحسب معلوماتي إنهم بحاجة ضرورية وفورية إلى عدد كثير من الآلات الإلكترونية لمكاتب جهزت حديثا يريدون نوعية ألمانية وإذا أقنعنهم بالثمن الذي نريد فلابد من السفر بعد يومين لشحن الصفقة.[/font]
[font="]وردت نواعم مبتسمة:[/font]
[font="]- على كل ربنا يوفقك، لكن أرجوك كن رحيما معهم.[/font]
[font="] رد عليها وهو يفتح الباب:[/font]
[font="]- يا حياتي لازم تعرفي أن أمثال هؤلاء الناس يبحثون عن كل ما هو أجنبي ولا يهم الثمن، ثم لا تنسي في التجارة لا يوجد مجال للعواطف.[/font]
[font="]بعد خروجه حضرت السيدة نوال: [/font]
[font="]- سيدتي هل من شيء تأمرين به قبل ذهابي.[/font]
[font="]- لا شكرا، تستطيعين الانصراف من الآن.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- ألم تأت بعد لمصالحتك وتعيدك إلى قصرها.[/font]
[font="]- لن تصبر على بعدي طويلا.[/font]
[font="]وما كاد ينهي حديثه حتى دق جرس الباب فنطق ماجد: [/font]
[font="]- أكيد هي ...[/font]
[font="]- ألهذه الدرجة متأكد أن من وراء الباب هي:[/font]
[font="] رد ماجد وهو يتجرع الكأس:[/font]
[font="]- بل أراهن على ذلك. [/font]
[font="]- من دون مراهنة أنا أصدقك ....[/font]
[font="]قام رياض ففتح الباب، فكانت السيدة نواعم، نظرت إليه بتمعن و هي تتقدم نحو الداخل، رياض ما أن أدرك وجوده في موقف حرج حتى استأذن بالانصراف، وهو يغلق الباب خلفه لاحقته بنظراتها ... أما ماجد تظاهر بالغضب لما بدأت تقترب منه قائلة: [/font]
[font="]- جميل أن يجد الإنسان صديقا يقاسمه وحدته و ...[/font]
[font="] تتوقف لحظة بينما كاد يفتضح أمر ماجد لولا أنها تابعت حديثها برقة وبراءة:[/font]
[font="]- ولكن إذا كانت لديه زوجة تحبه لا أظن ...[/font]
[font="]لكن ماجد يقاطعها لما تظاهر بعدم الرغبة في الاستماع إليها و قام ليتناول كأسا آخر من الخمر قائلا: [/font]
[font="]- ماذا تريدين مني بعدما طردتني.[/font]
[font="]أخذت من يده الكأس و تركته فوق الطاولة و قالت:[/font]
[font="]- أنا طردتك ؟ ... كل الحكاية أنني لمتك على تأخرك ليلة البارحة فغضبت مني وغادرت البيت.[/font]
[font="]- بصراحة أصبحت لا أطيق المعيشة مع إنسانة بدأت تشك في كل تصرفاتي. [/font]
[font="]وأمام إصراره على غضبه منها راحت تقترب منه فأحاطت عنقه بذراعيها، قبلته وطلبت منه المعذرة و تعاهدا بأن لا يتكرر ذلك مرة أخرى، ومع صدق حنانها يشعر ماجد كأنه طفل مازال بحاجة إلى حنان وعاطفة الأم.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- سيدتي هل من أوامر أخرى؟ [/font]
[font="]ردت السيدة نواعم في سعادة: [/font]
[font="]- كوب ماء لو سمحت.[/font]
[font="]- حاضر ثوان وأحضره بنفسي.[/font]
[font="]بعد أن تناولت السيدة نواعم كوب الماء قالت:[/font]
[font="]- تعرفين يا نوال رغم أنني لم أوافقه في الأول على شراء تلك الشقة إلا أنني لن أوافقه لو أراد بيعها. [/font]
[font="]- طبعا لأنه كلما تخاصمتما وغضبتما من بعض فهو يذهب إليها مباشرة وبالتالي لا تتعبين في البحث عنه.[/font]
[font="]في تلك اللحظات ينزل ماجد من الطابق العلوي حاملا حقيبته وهو في كامل أناقته، فبادرته الزوجة:[/font]
[font="]- هل أخذت حماما بهذه السرعة؟[/font]
[font="]- الحقيقة لم أفعل لقد تذكرت موعدا مهما، نحن كما تعلمين مع نهاية السنة و يفترض أن أشرف بنفسي على الحسابات لكلتا الشركتين.[/font]
[font="]ولم يترك للزوجة فرصة لتناقشه وخرج بسرعة بعد أن و عدها بتناول الغذاء معها.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- ما هذا الذي فعلته هذا الصبح؟[/font]
[font="]يدرك رياض خطأه فقال: [/font]
[font="]- أرجوك يا أستاذ ماجد أعذرني، اللعنة على الخمر الذي أنساني نفسي. [/font]
[font="] ورد ماجد بهدوء: [/font]
[font="]- لتحمد ربنا أن تظاهري بالغضب بدد شكوكها وأنساها أن تسألني عن من تكون؟ [/font]
[font="]يشعر رياض لحظتها بارتياح وبابتسامة عريضة راح يقترب من ماجد قائلا:[/font]
[font="]- اطمئن يا ميمو حرمكم دخلت مرحلة الشيخوخة و الذاكرة لازم تضعف.[/font]
[font="]مال نحوه قليلا وضحكا معا، لحظتها تستأذن السكريتيرة بالدخول، ماجد يشعر بإحراج لما أبصرت[/font][font="]ه[/font][font="] السكرتيرة في تلك الوضعية التي توحي على عمق الصداقة بينهما على عكس ما يتظاهر به أمام عمال الشركة، السكرتيرة لم تبد أي اندهاش وكأن المفاجأة لم تنل منها وبكل هدوء قدمت الملف للسيد ماجد قائلة:[/font]
[font="]- هذه هي الحسابات السنوية للشركة.[/font]
[font="]بعد خروج السكرتيرة، ينهض ماجد وكله غضب: [/font]
[font="]- ألم أنبهك مائة مرة أننا في المكتب ننسى علاقاتنا الخاصة.[/font]
[font="]يقف رياض بكل أدب: [/font]
[font="]- أنا آسف. [/font]
[font="]- آسف ... آسف ... هذا كل ما تجيد فعله، أحذرك لآخر مرة إذا وصل الخبر للسيدة فيومها لن أرحمك.[/font]
[font="]رياض لم تعجبه لهجة ماجد فاستجمع كل قواه و جرأته وقال:[/font]
[font="]- ليكن في علمك أنني لن أذهب إلى الجحيم لوحدي.[/font]
[font="]و لما خرج رياض ... ترك ماجد لوحده و لم يجد من يفرغ فيه ذلك الكم من الغضب الذي يكاد يفجر جسده.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- أريد منك تسجيل كل الحسابات على الكمبيوتر.[/font]
[font="]ورد رياض بكل أدب و برودة:[/font]
[font="]- حاضر، أمرك.[/font]
[font="]ماجد وهو يهم بالخروج توقف و غلق الباب و قال: [/font]
[font="]- رياض أرجوك أعذرني، فأنت كما تعلم صحيح السيدة حرمنا لا تعرف بأن لك سوابق بالشركة الثانية أدت إلى فصلك، لكن هذا لا يمنع أن نكون جد حريصين، فلو تعرف عليك أي عامل أكيد سيصلها الخبر.[/font]
[font="]تبادلا نظرات لها مغزى ثم ابتسما، بعدها نطق رياض: [/font]
[font="]- هل أحضر سهرة رأس السنة؟ [/font]
[font="]ابتسم ماجد وقد أدرك أن قلب رياض صفى من ناحيته فرد قائلا:[/font]
[font="]- وماذا تنتظر من ردي؟[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- ألا ترتاح قليلا؟ [/font]
[font="]- كيف لي أن أرتاح و كان علي أن لا أغادر المكتب ولو دقيقة، لولا خوفي من شدة غضبك مني.[/font]
[font="]تقترب منه الزوجة و بدلال تمسك ربطة عنقه لتعدلها قائلة: [/font]
[font="]- يا حبيبي أعرف أن الحسابات السنوية متعبة لكن لا أريدك أن ترهق نفسك أكثر من اللازم.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- ما رأيك ...؟ [/font]
[font="]- بصراحة من غيرك لن أجيد شيئا كما أنني آسفة لقد أخرتك عن موعد عودتك لبيتك .[/font]
[font="]وقبل أن تنهى حديثها فاجأها ألم حاد على مستوى البطن ... حضر الطبيب ... وبعد الكشف عليها بغرفتها ... وبينما الطبيب يغلق حقيبته كانت السيدة نواعم مستقعدة فوق سريرها تنتظر بشغف تقرير الكشف ... لكن الدكتور يفاجئها بغلق حقيبته دون حتى أن يكتب لها وصفة الدواء مما جعلها تسأله: [/font]
[font="]- ألن تكتب لي الوصفة؟[/font]
[font="]- آلامك سيدتي ليست بحاجة إلي أي دواء على الأقل الآن.[/font]
[font="]رده حيرها فقالت و هي ترتجف قلقا: [/font]
[font="]- ماذا تعتقد؟[/font]
[font="]- المفروض ألا أقول لك الآن أي شيء.[/font]
[font="]تزداد السيدة نواعم قلقا على صحتها: [/font]
[font="]- أرجوك يا دكتور عاصم طمئني.[/font]
[font="]- اطمئني صحتك جيدة فقط أريد منك زيارة المستشفى غدا لإجراء بعض التحاليل.[/font]
[font="]وبصوت مرتعش ترجوه للمرة الثانية، فيرد الدكتور:[/font]
[font="]- احتمال كبير جدا أن تكوني حاملا. [/font]
[font="]لحظات صمت و اندهاش ترتسم على وجه السيدة نواعم و تنطق بعدها بصوت متلعثم:[/font]
[font="]- حــــــــا .... حامل[/font]!
[font="]فقال الدكتور: [/font]
[font="]- من المفروض أن لا أقول شيئا قبل نتائج التحاليل، طبعا هذا ليس لأنني غير متأكد، بل يجب إجراء التحاليل لتتأكدي و تصدقي أنت...[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- هل يعقل هذا[/font]![font="] ... تغادرنا في الوقت الذي بدأت فيه السهرة تحلى ... [/font]
[font="]و يرد رياض: [/font]
[font="]- إذن حذار أن تلومني على أنني لم أنبهك لموعد عودتك.[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- إنها الثانية صباحا ألم تنام بعد؟[/font]
[font="]تقوم السيدة نواعم و هي تتجه نحو الطابق العلوي استدارت نحو نوال: [/font]
[font="]- أنا آسفة كان من المفروض أن تقضي ليلة رأس السنة بين أفراد عائلتك. [/font]
[font="]وبصوت كله رقة وحنان قالت نوال:[/font]
[font="]- بالعكس لا داع للأسف فأنا حتى لو ذهبت وعلمت بالخبر السعيد كنت سأحضر على الفور.[/font]
[font="]تبتسم السيدة نواعم ابتسامة حزينة ثم تتابع طريقها نحو الطابق العلوي. يصل ماجد إلى الفيلا، وما أن اقترب من غرفة النوم راح يتسلل بخطوات بطيئة إلى الداخل ... لكن ما إن فتح الخزانة حتى أضاءت زوجته النور .... اصطنع الابتسامة .... استدار واتجه نحوها طالبا منها أن تسامحه على تأخره بالشركة..[/font][font="]. [/font][font="]وما إن اقترب منها وفاحت من فمه رائحة الخمر، حتى قالت بصوت هادئ:[/font]
[font="]- يظهر أنك لم تحتفل برأس السنة؟[/font]
[font="]أدرك شكوكها فراح يبتعد عنها بلباقة متجها نحو معطفه قائلا:[/font]
[font="]- رغم انشغالي يا حياتي بالحسابات يظهر أنك لم تكلفي نفسك و ترفعي سماعة الهاتف لأسمع من فمك أحلى كلمة تقال مع بداية أي سنة جديدة.[/font]
[font="]كلامه المعسول جعل قلبها يرق وتقوم من على السرير نحوه:[/font]
[font="]- ومن [/font][font="]قال [/font][font="]لك أنني لم أتصل، فكم حاولت و كررت المحاولة لكن دون جدوى، يظهر أن ...[/font]
[font="]ويقاطعها قائلا:[/font]
[font="]- أنا آسف، حقيقة أنا آسف جدا يا حياتي.[/font]
[font="]يتظاهر أمامها أنه نسي شيئا ثم تابع:[/font]
[font="]- لقد نسيت أنني نزعت فيشة الهاتف لقد أقلقتني في الوقت الذي كنت منهمكا في مراجعة الحسابات.[/font]
[font="]تقدم منها و تابع قائلا:[/font]
[font="]- لكن رغم ذلك يا حياتي إلا أنني لم أنس هدية رأس السنة لأعز إنسانة.[/font]
[font="]قدم لها الهدية التي كانت عبارة عن خاتم من ألماس نادر، قبلها وتمنى لها عاما سعيدا، استلمت الهدية في سعادة وقالت:[/font]
[font="]- فعلا إنه عام سعيد، بل أقول أنه أسعد أعوام حياتي والحقيقة أنني كنت غاضبة منك ولولا الخبر الذي سأزفه لك ما كنت سامحتك.[/font]
[font="]وما إن [/font][font="]لب[/font][font="]س طاقم النوم وهو يأوي إلى فراشه قال دون مبالاة: [/font]
[font="]- وأي خ[/font][font="]ب[/font][font="]ر هذا الذي أسعدك؟[/font]
[font="]- ماجد حبيبي احتمال كبير جدا ستصبح عن قريب أبا. [/font]
[font="]ما قالته أثار اندهاشه واهتمامه: [/font]
[font="]- ماذا تقولين ...؟[/font]
[font="]- بالمساء انتابتني آلام فاستدعيت حضور الدكتور عاصم و لديه شك كبير أن أكون حاملا في الشهر الثالث.[/font]
[font="]يظهر على ماجد عدم تصديقه لكلام الزوجة مما جعله يعيد الغطاء وهو يقول:[/font]
[font="]- يظهر يا حياتي شربت كثيرا بهذه المناسبة.[/font]
[font="]وترد عليه بغضب:[/font]
[font="]- ماجد أنت تعرف جيدا أنني لا أشرب ولا أسمح حتى بوجود الخمر بمنزلي.[/font]
[font="]بينما ماجد استغرق في النوم، وقبل أن تطفئ هي النور راحت تكلم نفسها في صمت " طبعا لا تصدق والحق معك فأنا شخصيا لم أصدق هذا الاحتمال."[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- سيدتي مبروك رسميا. [/font]
[font="]وقعت تلك الكلمات على رأس ماجد كقنبلة أقلقت نفسيته بينما السيدة نواعم تلقت الخبر بدموع و نطقت بعد فترة صمت:[/font]
[font="]- الدكتور عاصم هل يمكن إعادة التحاليل مرة ثانية؟ [/font]
[font="]يستغرب الدكتور ردها فقال:[/font]
[font="]- السيدة نواعم هذا الكلام تقوله من تتلقى نتيجة التحاليل الأولية سلبية لكن...[/font]
[font="]يقاطعه ماجد:[/font]
[font="]- حقيقة هي تقصد من هذا ....[/font]
[font="] يقاطعه الدكتور:[/font]
[font="]- من حقكما أن لا تصدقا بسهولة ... صحيح يا سيدتي سنك يعرف في القاموس العلمي بسن اليأس لكن يجب أن تعرفي أن ما هو مستحيل طبيا غير مستحيل عند المولى جل جلاله. [/font]
[font="]وأمام كلامه المقنع رفعت السيدة نواعم رأسها إلى الأعلى شاكرة ربها على هبته لها و هي في هذا السن ...[/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- أرجوك لا داعي للسفر و أجل هذه الصفقة. [/font]
[font="]يترك ماجد ما بيده ... يقترب منها و مسك يديها قائلا:[/font]
[font="]- يا حياتي الصفقة مهمة و لا بد من تنفيذها ثم إنها أيام معدودة و أرجع إليك يا حبيبتي ...[/font]
[font="]رغم رجائها وإلحاحها يصر بكل لباقة على السفر .... [/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- هل نسيت يا أختي أن الدكتور عاصم ليس بدكتور العائلة فقط، فهو قبل أن يكون دكتورا كان صديقا. [/font]
[font="]óóóó[/font]
[font="]- مروان ... هل مازلت غاضبا مني؟ [/font]
[font="]يستدير ويقترب منها ويمسك يدها بكل حنان قائلا: [/font]
[font="]- مهما يحصل يا أختي العزيزة تأكدي أن أخوتنا لن تكون أبدا محط تساوم لمجرد أننا اختلفنا مع بعضنا ...[/font]
[font="]ذلك الاحتفال كان مفاجأة للسيد ماجد العائد من السفر، وما أن وصل إلى غرفة الزوجة، راح يحمل الصبية بين ذراعيه وهو في حالة ذهول، نظر إليها طويلا فكانت نظرة استفهام، راح خياله إلى الماضي القريب يوم سأل رياض: [/font]
[font="]- هل يعقل امرأة على مشارف العقد الخامس بإمكانها أن تحمل [/font]
[font="]- اطمئن يا صديقي هذا لن يحدث، كثيرا ما كانت التحاليل الطبية خاطئة.[/font]
[font="]- وما الذي يجعلك متفائلا هكذا؟[/font]
[font="]- لأن الدليل على ذلك رأيته عن قرب، إنها إحدى قريباتي أكثر من طبيب يؤكد أنها حامل وبالرغم أن بطنها يظهر كالحامل إلا أن بعد ثمانية شهور وبعد عملية جراحية مستعجلة كان سبب انتفاخ البطن مرضا أصابها. [/font]
[font="]و يرد ماجد: [/font]
[font="]- ماذا تقصد بهذا الكلام؟[/font]
[font="]- قصدي أتركها تعيش أحلام ودلال الفتاة الحامل ... [/font]
[font="]يعود ماجد من الماضي القريب إلى الواقع على صوت الصبية وهي تبكي مما جعل السيدة نواعم تنهض من سريرها لتأخذها بين يديها بكل رفق و حنان قائلة:[/font]
[font="]- ماجد ... ماجد ماذا حدث؟[/font]
[font="]أدرك ماجد نفسه بعد لحظات مما جعله يتظاهر بالإرهاق نتيجة السفر ...[/font]
[font="]óóóó[/font]