الرد على الموضوع


وقف حازم في صالة المطار ، طال انتظاره ، أحس بالملل من طول الوقوف وتردد النظر ، 

مع أن الوقت لم يكن بهذا القدر الذي يدعو لهذه الحالة من الملل ، كرر النظر،

وقعت عيناه على لوحة الإعلان ، اللوحة تنبئ عن وصول الطائرة ، اقترب موعد وصول زوجته .

أسرع شريط الذكريات يمر بخاطره ، يتذكر يوم سفرها . آه . لقد مرت السنتان سريعا.. لا 

بل كانت الأيام مليئة بالأحداث ، والمواقف التي لا تنسى . تذكر وهو يتلقى منها نبأ ترشيحها للإعارة والسفر للتدريس بدولة عربية . تذكر وهو يحاول أن يثنيها عن السفر ، ويقنعها بالتأجيل ، فهو لن يستطيع السفر معها الآن نتيجة لظروف عمله ، وهما الآن في سعة من العيش ، وعندهما ما يكفي لحياتهما ، وولدهما الصغير أحمد . تذكر وهو يحاول معها لكنه كان يعرف نقطة الضعف لديها ؛ إنه حب المال . تذكر إصرارها ، 

وضعفها أمام بريق المادة ، ولو كلف ذلك تضحيات أغلى . إنها ـ حسب تعبيرها ـ الفرصة التي ينتظرها الجميع . وإن تأجلت لربما لا تطرق بابها مرة أخرى . إنه إغراء المال ، والأحلام التي طالما عاشتها ، وحدثت بها من حولها ، رغم أنها كانت تخفي هذا كله وراء عباراتها لزوجها وهي تحدثه عن رؤيتها لمستقبل ولديهما أحمد ،

وعن حبها للتعليم ، وأن المال سيوفر لهما المستقبل الناضر في تربية أحمد ، وسيعوض أيام الفراق ،

وحرارة البعد . المال الذي طالما وفر لكثيرين الحياة الناضرة ، والمستقبل الفسيح .

آه .. . كل ذلك والأيام تمضي . ترى هل غير العامان شكلها ، أخلاقها ، ثقافتها ؟ 

هذه الخواطر مرت سريعا في اللحظات الأخيرة من الانتظار قبل أن تقع عينه على زوجته

خرجت الأفواج من الصالة . وصلت زوجته بين الصفوف ، لمحها من بعيد . 

آه . كم تساوي تلك اللحظات مقدارا في عمر الإنسان ؟ وكم هي الحياة قصيرة ، لذلك نشعر بحلاوة اللقاء بعد الفراق . شعر حازم بنظرة زوجته بعد اللقاء ، وتقلبها يمنة ، ويسرة ، وشعر بشوقها الكبير له ولولدها أحمد . لكن حرارة اللقاء اختفت وراء نظراتها السريعة وهي تسأل بلهفة : أين أحمد ؟ هل أصابه مكروه ؟ هل ... هل .... 

شعرت لحظتها أن ما حصلته من أموال لا يساوي تلك اللحظة . بعد عامين من الغياب لا تجد ابنها باستقبالها ، لطالما أخفت مشاعرها التي كانت تكابدها من فراق ابنها .

لقد كانت تعد له حضنها الدافئ ليعوضها عن برد الاغتراب ، وحرارة البعاد . وجفاف المادة التي عاشتها هذه المدة كانت تريد أن تروي الفطرة التي لم تنتبه لحقيقتها يوم التضحية . 

كل هذه المعاني أخرجتها كلمات بسيطة وهي تسأل زوجها بصوت المرتجف الخائف :

أين أحمد ؟ هل أصابه مكروه؟ قال لها بصوت هادئ :

لا تخافي ، إنه بخير 

ولكنه فاجأها بالإجابة عن سؤالها التالي : ولم لم تحضره معك ؟ هل تركته وحده؟ قال :

لا تخافي إنه مع زوجتي الثانية . 



ابراهيم عبدالعزيزالمغربي

الرياض 



 


العودة
Top