بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين, اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم, ومن وحول الشهوات, إلى جنات القربات, أيها الإخوة الكرام,مع موضوع جديد, من موضوعات سبل الوصول وعلامات القبول.
ولا أعتقد أن هنالك موضوع ألصق بهذه السلسلة من الدروس من هذا الموضوع, إنه الفرار إلى الله.
والأصل في هذا الموضوع, قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ }الذاريات50
الحقيقة كيف يكون الفرار إلى الله, وليس من الله, والفرق كبير بينهما, كل الناس في حالة فرار.
أما السعداء منهم, ففرارهم إلى الله عزّ وجل إلى رحابه, إلى جنته, وأما الأشقياء, ففرارهم منه لا إليه, ينشغلون عنه, بلمهيات كثيرة تبعدهم عن ربهم جلّ جلاله.
هؤلاء السعداء, يفرون صعود إلى السماء, وهؤلاء الأشقياء يفرون سفول إلى الأرض.
الله جل جلاله يطالبها أن نفرّ إليه لا منه في قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }الذاريات50
الفرار إلى الله هو العمل بطاعته,والبعد عن معصيته, الفرار إلى الله, شوق إلى الجنة وطلب حثيث لها, وخوف من النار, وفزع كبير منها.
الفرار إلى الله, فرار من الجهل إلى العلم, من الشرك, إلى التوحيد.
الفرار إلى الله, فرار من الغفلة إلى اليقضة, من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة, الفرار إلى الله, فرار من الضيق إلى السعة, من الكدر إلى الصفاء.
الفرار إلى الله, فرار من الكسل إلى الجدّ, ومن التخليط إلى الإخلاص, الفرار إلى الله, فرار من الخلق إلى الخالق, من الأرض إلى السماء, الفرار إلى الله,فرار من ضيق الصدر وإنقباضه إلى سعته وإنشراحه.
من القلق إلى قرّة العين, هذا هو الفرار إلى الله.
الفرار إلى الله, من سجن الدنيا ونكدها, إلى نعيم الجنة وعبقها, الفرار إلى الله, فرار من ذلّ الشهوة, ومرارتها, إلى عزّ الطاعة وحلاوتها.
الفرار إلى الله, فرار من حور الطين إلى حور العين, من النساء الكاسيات العاريات اللوات يتلاعب بهن الشيطان إلى الحور العين اللوات يباركهن الرحمن, الفرار إلى الله فرار من الشقاء إلى السعادة.
أيها الإخوة, حينما لا نعلم نكون جهلاء, لكن عندما نعلم ثم لا نعمل, يكون جهلنا مركب, فرق كبير بين الجاهل الذي لا يعلم, وبين الذي يعلم فلا يعمل, فهذا جهالة جهلاء, وضلالة عمياء.
الجهل مصيبة, وعدم العمل بما نعلم كارثة, الجهل مصيبة, وعدم العمل بما نعلم كارثة.
أيها الإخوة من منا يحب أن يوصف بالجهل,طبعا لا أحد لكن الذي يعلم ولا يعمل هو أجهل الجهلاء.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }
الفرار إلى الله فرار من الجهل بكل أنواعه, إلى العلم بكل آفاقه, أي علم هذا, العلم الذي يستنير به قلبك, حتى يتوهج.
دع عنك سوف, هلك المسوفون, دع عنك لعل, دع عنك ربما, دع عنك أخوات هذه الكلمات.
إذبح عجل التسويف وطول الأمل بسيف العزم والتشمير والمبادرة, وإرحل طلب بما عند الله تعالى, فما عند الله خير وأبقى وأحلى وأرحم.
إعلم انك إبن يومك, ولك الساعة التي أنت فيها, ما مضى فات و المأمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها, ما مضى لا جدوى من الحديث عنه, مضى ولن يعود, والمستقبل لا تملكه, من منا يملك, أن يضمن بقاءه, لساعة قادمة.
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها, أنت بين يوم مفقود هو الماضي, ويوم مشهود هو الحاضر, ويوم مورود, هو الموت.
ويوم موعود, هو يوم القيامة ويوم ممدود إما في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفد عذابها, أخطر هذه الأيام الخمسة اليوم المشهود.
لك الساعة التي أنت فيها, لا تقل سوف أفعل ذلك غدا.
هلك المسوفون, الليل والنهار يعملان فيك, لو أن كل واحد منها نظر إلى صورة قبل عشرين عام في فرق واضح جدا, هذا من فعل الليل والنهار, هذا من أثر مضي الزمن.
هذا أثر العمر, فالزمن هو البعد الرابع للأشياء. لكل شيء طول وعرض وإرتفاع,وبعد رابع هو الزمن.
الليل والنهار يعملان فيك فأعمل فيهما.
قرر وإتخذ هذا القرار الخطير أن تفر إلى الله كما يطالبك الله بهذا القرار, ففروا إلى الله, عاجل لا آجل, أمر صريح ماذا يراوغ الإنسان, إعرف الطريق, وقد بانت لك آماده, وشمر للسير فقد لاحت لك معالمه, وقرر السفر, ما دامت أنفاسك تتردد في صدرك, فلعلك تجد نفسك غدا محمول على الأعناق لتضع في حفرة ضيقة تغيب على صاحبها إن كان غافلا نيران محرقة.
القبر, روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران, لأن لا يقول الإنسان {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }الفجر24
{ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }الفرقان27
يا خيبت العمر الذي يقضيه الإنسان في جهل وحمق وتنعم وخفلة عن الله عزّ وجل.
أيها الإخوة الكرام, ما من موضوع في ما أرى أكثر إتصال بهذه السلسلة من الدروس, سبل الوصول وعلامات القبول, كهذا الموضوع, ففروا إلى الله, ففروا إلى الله, ينبغي أن تفر من جهة إلى جهة, من الجهل إلى العلم من الشقاء إلى السعادة من المعصية إلى الطاعة.
لتكن هذه الآية شعارنا ففروا إلى الله.
دع هذه الآية, دعها تحتل أكبر مساحة من قلبك ومن عقلك, ثم إنظر ماذا تصنع فيك ولك, الفرار فيك حق يقذفك مباشرة إلى السماء.
لتحيى في جنات القرب الحافلة بكل بهجة ونعيم, وأنا في كل درس أدعو وأقول, اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم, ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
يعني يبنغي أن نفر من الوهم والجهل إلى المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
كلما صحّ لك هذا الفرار تذوقت ألوان من أسرار العبادات تجعل قلبك يهتز وروحك تنتشي, وعقلك يهدأ, وعينك تقر,ونفسك تطمئن.
والله الذي لا إله إلا هو, في بقلب المؤمن السعادة ما لو وزع على أهل بلد لكفاه.
يوجد بقلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
الإيمان مرتبة عالية جدا, مرتبة علمية, مرتبة أخلاقية,مرتبة جمالية.
أنت حينما تفر إلى الله, تجد نفسك في يسر وراحة , وطمأنينة وسعادة وقرب وأمل وتفاءل وإشراق.
تستعلي به على كل زخارف الدنيا, {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }الأنعام44
تسموا فوق كل فخاخ الشيطان, التي يحرص على أن يسوقها بين يديك وعلى عينيك, ليفتنك بها.
حقيقة الفرار إلى الله, أن تشحن قلبك بالنور, أن يمتلى القلب بالنور, حتى يصبح كالكوكب الدرّي يوقد كشجرة مباركة, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحديد28
قلب المؤمن الصادق مستنير, يرى الحق حق والباطل باطل, يعني أن يمتلئ القلب نور من أنوار الوحي حتى يتوهج, أولياء أمتي إذا رؤوا من شدة تألقهم وإتصالهم بالله إذا رؤوا ذكر الله بهم.
الفرار إلى الله, فرار من حظوظ النفس الظاهرة والخفية التي تقطعك عن الله جلّ جلاله وتصرفك عن بابه, فرار من حظوظ النفس, الظاهرة والخفية.
الفرار إلى الله فرار من صحبة سوء تحول بينك وبين مولاك, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119
كن مع الصادقين, صاحبهم, إجلس معهم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
إبتعد عن أصحاب السوء. عن أهل الدنيا.
يا عائشة ليكفك من الدنيا كزاد الراكب, ولا تستخرقي ثوب حتى تقرعيه وإياك والدخول على الأغنياء.
من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط, أغنياء أهل الدنيا, لا أغنياء أهل الإيمان, والله الغني المؤمن تشتهي أن تكون غني مثله من تواضعه ومن سخائه.
الفرار إلى الله فرار من حظ النفس والهوا إلى مراد الله ورضوانه, وتحصيل رضاء الله, غاية المنى, فكل شيئ هين, وإذا حصلت فكل شيئ حاصل, ليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى الأنام غضاب.
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب.
إذا صح منك الوصل فالكل هين وكل ما فوق التراب تراب..
ولو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما ولّيت عنا لغيرنا,, ولو سمعت عيناك منا حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا ولو ذقت من طعم المحبة ذرة,, عذرت الذي أضحى قتيل بحبنا..
ولو نسمت من قربنا لك نسمة ,, لمت غريب وإشتياق لقربنا,, ولو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات لأجلنا.. فما حبنا سهل وكل من إدعى سهولته قلنا له قد جهلتنا.
أيها الإخوة ثمرات الفرار إلى الله, كثيرة جدا, منها راحة القلب, ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
منها قرّة العين, {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74
منها سكينة النفس, هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء, وتفقد لفقدها ولو ملكت كل شيء.
هي جنة معجلة في الدنيا جنة, من لم يدخلها لم يدخل الآخرة.
قال تعالى ويدخلهم الجنة, عرفها لهم, ذاقوا طعمها في الدنيا, ماذا يفعل أعدائي بي كما قال بعض العلماء, إن أبعدوني فإبعادي سياحة, وإن حبسوني فحبسي خلوة, وإن قتلوني فقتلي شهادة.
فماذا يفعل أعدائي بي.
الفرار إلى الله نعيم يتجدد رغم المشقات التي يعانيها المؤمن, قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
ولكن الله عزّ وجل , كثير ما يقول, { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
ولكن سيعلمون, هذا كله في يوم, لا ينفع فيه مال ولا بنوب, إلا من أتى الله بقلب سليم, قالوا القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله, ولا يصدق خبر يتناقض مع حي الله, ولا يتبع إلا شرع الله ولا يعبد إلا الله.
المشكلة أن معظم الناس يفرون من الله إلى الدنيا من درس علم إلى مجلس غناء. من مجلس حق إلى مجلس غيبة.
هل لنا رب سوى الله, هل رأينا نور الدنيا إلا بتقدريه وكرمه, منحنا نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد.
{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60
ففروا إلى الله, فروا من صوت الشيطان إلى صوت الرحمن, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24
أيها الإخوة الفرار إلى الله يكون بإتباع أوامره وإجتناب نواهيه والوقوف عند الحلال والحرام والإبتداء بتعاليم المصطفى المختار, لقد قال لله عزّ وجل { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7
الآن كخطوات عملية, من الأمور التي تعين على الفرار إلى الله, من هذه الأمور, أن تحب الله.
أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه, محبة الله قارب النجاة من الفتن, عاصم المرء من الخطايا.
حب الله ينجي المسلم من الغرق في بحر الدنيا, ينجي المسلم من اللهاف وراء متعها وشهواتها, فالذي تعلق قلبه بالله لا يطغى عليه حب آخر, والله تعالى يقول, وهذه الآية والله تقسم الظهر,
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24
والله عزّ وجل يؤكد هذا الحب, حب المؤمن لله, { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ }البقرة165
حب الله عزّ وجل والتعلق به يصنع المعجزات, إذ يهتدي المسلم بهدى الله ويسترشد بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من الوسائل المعينة على الفرار إلى الله ان تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الله عزّ وجل, قل إن كنتم تحبون الله فإتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم.
ويقول عليه الصلاة والسلام," لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" رواه البخاري.
من وسائل الفرار إلى الله الورع, ورد, ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط.
المخلط الذي خلط عمل صالح وآخر سيء.
من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه, فالمسلم يتقرب إلى الله ولا بد لهذا التقرب من الورع.
يدقق في الحلال فيأتيه, يدقق في الحرام فيجتنبه, فقد كان الصحابة الكرام يتحرون في هذا الشأن.
من وسائل الفرار إلى الله, تجديد التوبة, المؤمن كثير التوبة. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً }التحريم8
ويقول عليه الصلاة والسلام:" والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" رواه البخاري.
من وسائل الفرار إلى الله, الإستعداد للآخرة وتذكر الموت, {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185
من وسائل الفرار إلى الله, التقرب إلى الله بالنوافل, يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:" من عادى لي ولّي فقد آذنته بالحرب, وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إلي من ما إفترضته عليه, الآن دققوا, وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها,وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعذينه,وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته." رواه البخاري.
ومن وسائل الفرار إلى الله الرفقة الصالحة, فالمرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل,
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي
ولا أعتقد أن هنالك موضوع ألصق بهذه السلسلة من الدروس من هذا الموضوع, إنه الفرار إلى الله.
والأصل في هذا الموضوع, قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ }الذاريات50
الحقيقة كيف يكون الفرار إلى الله, وليس من الله, والفرق كبير بينهما, كل الناس في حالة فرار.
أما السعداء منهم, ففرارهم إلى الله عزّ وجل إلى رحابه, إلى جنته, وأما الأشقياء, ففرارهم منه لا إليه, ينشغلون عنه, بلمهيات كثيرة تبعدهم عن ربهم جلّ جلاله.
هؤلاء السعداء, يفرون صعود إلى السماء, وهؤلاء الأشقياء يفرون سفول إلى الأرض.
الله جل جلاله يطالبها أن نفرّ إليه لا منه في قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }الذاريات50
الفرار إلى الله هو العمل بطاعته,والبعد عن معصيته, الفرار إلى الله, شوق إلى الجنة وطلب حثيث لها, وخوف من النار, وفزع كبير منها.
الفرار إلى الله, فرار من الجهل إلى العلم, من الشرك, إلى التوحيد.
الفرار إلى الله, فرار من الغفلة إلى اليقضة, من ظلمة المعصية إلى نور الطاعة, الفرار إلى الله, فرار من الضيق إلى السعة, من الكدر إلى الصفاء.
الفرار إلى الله, فرار من الكسل إلى الجدّ, ومن التخليط إلى الإخلاص, الفرار إلى الله, فرار من الخلق إلى الخالق, من الأرض إلى السماء, الفرار إلى الله,فرار من ضيق الصدر وإنقباضه إلى سعته وإنشراحه.
من القلق إلى قرّة العين, هذا هو الفرار إلى الله.
الفرار إلى الله, من سجن الدنيا ونكدها, إلى نعيم الجنة وعبقها, الفرار إلى الله, فرار من ذلّ الشهوة, ومرارتها, إلى عزّ الطاعة وحلاوتها.
الفرار إلى الله, فرار من حور الطين إلى حور العين, من النساء الكاسيات العاريات اللوات يتلاعب بهن الشيطان إلى الحور العين اللوات يباركهن الرحمن, الفرار إلى الله فرار من الشقاء إلى السعادة.
أيها الإخوة, حينما لا نعلم نكون جهلاء, لكن عندما نعلم ثم لا نعمل, يكون جهلنا مركب, فرق كبير بين الجاهل الذي لا يعلم, وبين الذي يعلم فلا يعمل, فهذا جهالة جهلاء, وضلالة عمياء.
الجهل مصيبة, وعدم العمل بما نعلم كارثة, الجهل مصيبة, وعدم العمل بما نعلم كارثة.
أيها الإخوة من منا يحب أن يوصف بالجهل,طبعا لا أحد لكن الذي يعلم ولا يعمل هو أجهل الجهلاء.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }
الفرار إلى الله فرار من الجهل بكل أنواعه, إلى العلم بكل آفاقه, أي علم هذا, العلم الذي يستنير به قلبك, حتى يتوهج.
دع عنك سوف, هلك المسوفون, دع عنك لعل, دع عنك ربما, دع عنك أخوات هذه الكلمات.
إذبح عجل التسويف وطول الأمل بسيف العزم والتشمير والمبادرة, وإرحل طلب بما عند الله تعالى, فما عند الله خير وأبقى وأحلى وأرحم.
إعلم انك إبن يومك, ولك الساعة التي أنت فيها, ما مضى فات و المأمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها, ما مضى لا جدوى من الحديث عنه, مضى ولن يعود, والمستقبل لا تملكه, من منا يملك, أن يضمن بقاءه, لساعة قادمة.
ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها, أنت بين يوم مفقود هو الماضي, ويوم مشهود هو الحاضر, ويوم مورود, هو الموت.
ويوم موعود, هو يوم القيامة ويوم ممدود إما في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفد عذابها, أخطر هذه الأيام الخمسة اليوم المشهود.
لك الساعة التي أنت فيها, لا تقل سوف أفعل ذلك غدا.
هلك المسوفون, الليل والنهار يعملان فيك, لو أن كل واحد منها نظر إلى صورة قبل عشرين عام في فرق واضح جدا, هذا من فعل الليل والنهار, هذا من أثر مضي الزمن.
هذا أثر العمر, فالزمن هو البعد الرابع للأشياء. لكل شيء طول وعرض وإرتفاع,وبعد رابع هو الزمن.
الليل والنهار يعملان فيك فأعمل فيهما.
قرر وإتخذ هذا القرار الخطير أن تفر إلى الله كما يطالبك الله بهذا القرار, ففروا إلى الله, عاجل لا آجل, أمر صريح ماذا يراوغ الإنسان, إعرف الطريق, وقد بانت لك آماده, وشمر للسير فقد لاحت لك معالمه, وقرر السفر, ما دامت أنفاسك تتردد في صدرك, فلعلك تجد نفسك غدا محمول على الأعناق لتضع في حفرة ضيقة تغيب على صاحبها إن كان غافلا نيران محرقة.
القبر, روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران, لأن لا يقول الإنسان {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي }الفجر24
{ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً }الفرقان27
يا خيبت العمر الذي يقضيه الإنسان في جهل وحمق وتنعم وخفلة عن الله عزّ وجل.
أيها الإخوة الكرام, ما من موضوع في ما أرى أكثر إتصال بهذه السلسلة من الدروس, سبل الوصول وعلامات القبول, كهذا الموضوع, ففروا إلى الله, ففروا إلى الله, ينبغي أن تفر من جهة إلى جهة, من الجهل إلى العلم من الشقاء إلى السعادة من المعصية إلى الطاعة.
لتكن هذه الآية شعارنا ففروا إلى الله.
دع هذه الآية, دعها تحتل أكبر مساحة من قلبك ومن عقلك, ثم إنظر ماذا تصنع فيك ولك, الفرار فيك حق يقذفك مباشرة إلى السماء.
لتحيى في جنات القرب الحافلة بكل بهجة ونعيم, وأنا في كل درس أدعو وأقول, اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم, ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
يعني يبنغي أن نفر من الوهم والجهل إلى المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
كلما صحّ لك هذا الفرار تذوقت ألوان من أسرار العبادات تجعل قلبك يهتز وروحك تنتشي, وعقلك يهدأ, وعينك تقر,ونفسك تطمئن.
والله الذي لا إله إلا هو, في بقلب المؤمن السعادة ما لو وزع على أهل بلد لكفاه.
يوجد بقلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
الإيمان مرتبة عالية جدا, مرتبة علمية, مرتبة أخلاقية,مرتبة جمالية.
أنت حينما تفر إلى الله, تجد نفسك في يسر وراحة , وطمأنينة وسعادة وقرب وأمل وتفاءل وإشراق.
تستعلي به على كل زخارف الدنيا, {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }الأنعام44
تسموا فوق كل فخاخ الشيطان, التي يحرص على أن يسوقها بين يديك وعلى عينيك, ليفتنك بها.
حقيقة الفرار إلى الله, أن تشحن قلبك بالنور, أن يمتلى القلب بالنور, حتى يصبح كالكوكب الدرّي يوقد كشجرة مباركة, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحديد28
قلب المؤمن الصادق مستنير, يرى الحق حق والباطل باطل, يعني أن يمتلئ القلب نور من أنوار الوحي حتى يتوهج, أولياء أمتي إذا رؤوا من شدة تألقهم وإتصالهم بالله إذا رؤوا ذكر الله بهم.
الفرار إلى الله, فرار من حظوظ النفس الظاهرة والخفية التي تقطعك عن الله جلّ جلاله وتصرفك عن بابه, فرار من حظوظ النفس, الظاهرة والخفية.
الفرار إلى الله فرار من صحبة سوء تحول بينك وبين مولاك, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ }التوبة119
كن مع الصادقين, صاحبهم, إجلس معهم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
إبتعد عن أصحاب السوء. عن أهل الدنيا.
يا عائشة ليكفك من الدنيا كزاد الراكب, ولا تستخرقي ثوب حتى تقرعيه وإياك والدخول على الأغنياء.
من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط, أغنياء أهل الدنيا, لا أغنياء أهل الإيمان, والله الغني المؤمن تشتهي أن تكون غني مثله من تواضعه ومن سخائه.
الفرار إلى الله فرار من حظ النفس والهوا إلى مراد الله ورضوانه, وتحصيل رضاء الله, غاية المنى, فكل شيئ هين, وإذا حصلت فكل شيئ حاصل, ليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى الأنام غضاب.
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب.
إذا صح منك الوصل فالكل هين وكل ما فوق التراب تراب..
ولو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما ولّيت عنا لغيرنا,, ولو سمعت عيناك منا حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا ولو ذقت من طعم المحبة ذرة,, عذرت الذي أضحى قتيل بحبنا..
ولو نسمت من قربنا لك نسمة ,, لمت غريب وإشتياق لقربنا,, ولو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جميع الكائنات لأجلنا.. فما حبنا سهل وكل من إدعى سهولته قلنا له قد جهلتنا.
أيها الإخوة ثمرات الفرار إلى الله, كثيرة جدا, منها راحة القلب, ألا بذكر الله تطمئن القلوب.
منها قرّة العين, {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }الفرقان74
منها سكينة النفس, هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء, وتفقد لفقدها ولو ملكت كل شيء.
هي جنة معجلة في الدنيا جنة, من لم يدخلها لم يدخل الآخرة.
قال تعالى ويدخلهم الجنة, عرفها لهم, ذاقوا طعمها في الدنيا, ماذا يفعل أعدائي بي كما قال بعض العلماء, إن أبعدوني فإبعادي سياحة, وإن حبسوني فحبسي خلوة, وإن قتلوني فقتلي شهادة.
فماذا يفعل أعدائي بي.
الفرار إلى الله نعيم يتجدد رغم المشقات التي يعانيها المؤمن, قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
ولكن الله عزّ وجل , كثير ما يقول, { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }
ولكن سيعلمون, هذا كله في يوم, لا ينفع فيه مال ولا بنوب, إلا من أتى الله بقلب سليم, قالوا القلب السليم هو القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله, ولا يصدق خبر يتناقض مع حي الله, ولا يتبع إلا شرع الله ولا يعبد إلا الله.
المشكلة أن معظم الناس يفرون من الله إلى الدنيا من درس علم إلى مجلس غناء. من مجلس حق إلى مجلس غيبة.
هل لنا رب سوى الله, هل رأينا نور الدنيا إلا بتقدريه وكرمه, منحنا نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد.
{هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ }الرحمن60
ففروا إلى الله, فروا من صوت الشيطان إلى صوت الرحمن, {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24
أيها الإخوة الفرار إلى الله يكون بإتباع أوامره وإجتناب نواهيه والوقوف عند الحلال والحرام والإبتداء بتعاليم المصطفى المختار, لقد قال لله عزّ وجل { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7
الآن كخطوات عملية, من الأمور التي تعين على الفرار إلى الله, من هذه الأمور, أن تحب الله.
أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه, محبة الله قارب النجاة من الفتن, عاصم المرء من الخطايا.
حب الله ينجي المسلم من الغرق في بحر الدنيا, ينجي المسلم من اللهاف وراء متعها وشهواتها, فالذي تعلق قلبه بالله لا يطغى عليه حب آخر, والله تعالى يقول, وهذه الآية والله تقسم الظهر,
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة24
والله عزّ وجل يؤكد هذا الحب, حب المؤمن لله, { وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ }البقرة165
حب الله عزّ وجل والتعلق به يصنع المعجزات, إذ يهتدي المسلم بهدى الله ويسترشد بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من الوسائل المعينة على الفرار إلى الله ان تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الله عزّ وجل, قل إن كنتم تحبون الله فإتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم.
ويقول عليه الصلاة والسلام," لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" رواه البخاري.
من وسائل الفرار إلى الله الورع, ورد, ركعتان من ورع خير من ألف ركعة من مخلط.
المخلط الذي خلط عمل صالح وآخر سيء.
من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه, فالمسلم يتقرب إلى الله ولا بد لهذا التقرب من الورع.
يدقق في الحلال فيأتيه, يدقق في الحرام فيجتنبه, فقد كان الصحابة الكرام يتحرون في هذا الشأن.
من وسائل الفرار إلى الله, تجديد التوبة, المؤمن كثير التوبة. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً }التحريم8
ويقول عليه الصلاة والسلام:" والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة" رواه البخاري.
من وسائل الفرار إلى الله, الإستعداد للآخرة وتذكر الموت, {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185
من وسائل الفرار إلى الله, التقرب إلى الله بالنوافل, يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:" من عادى لي ولّي فقد آذنته بالحرب, وما تقرّب إلي عبدي بشيء أحب إلي من ما إفترضته عليه, الآن دققوا, وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه, فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها, ورجله التي يمشي بها,وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعذينه,وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته." رواه البخاري.
ومن وسائل الفرار إلى الله الرفقة الصالحة, فالمرء على دين خليله, فلينظر أحدكم من يخالل,
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }الكهف28
فضيلة الشيخ الدكتور محمد راتب النابلسي