بحث شامل حول الوهّابية

SOUILAH Mohamed

:: عضو مُشارك ::
إنضم
4 نوفمبر 2011
المشاركات
310
نقاط التفاعل
1
النقاط
7
ماهي الوهابية

الوهابية .. لقب أطلقه المعادون لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - .. وذلك بقصد التنفير منها وتشويهها

وبزعم أنها مذهب مبتدع في الإسلام أو مذهب خامس.ولم يكن استعمال (الوهابية) مرضياً ولا شائعاً عند أصحاب هذه الحركة وأتباعهم، ولا عند سائر أهل السنة والجماعة، وكان كثير من المنصفين من غيرهم والمحايدين يتفادى إطلاق هذه التسمية عليهم، لأنهم يعلمون أن وصفهم بالوهابية كان في ابتدائه وصفا عدوانيا إنما يقصد به التشويه والتنفير وحجب الحقيقة عن الآخرين، والحيلولة بين هذه الدعوة المباركة وبين بقية المسلمين من العوام والجهلة وأتباع الفرق والطرق، بل وتضليل العلماء والمفكرين الذين لم يعرفوا حقيقة هذه الدعوة وواقعها. ولقد صار لقب (الوهابية) وتسمية الحركة الإصلاحية السلفية الحديثة به هو السائد لدى الآخرين من الخصوم وبعض الأتباع والمؤيدين المحايدين (تنزلاً). وهو الوصف الرائج عند الكثيرين من الكتَّاب والمفكرين والمؤرخين والساسة، والمؤسسات العلمية، ووسائل الإعلام إلى يومنا هذا، بل تعدى الأمر إلى التوسع في إطلاق الوهابية على أشخاص وحركات منحرفة عن المنهج السليم، وتخالف ما عليه السلف الصالح وما قامت عليه هذه الدعوة المباركة، وهذا بسبب تراكمات الأكاذيب والأساطير التي نسجت حول الدعوة وأهلها بالباطل والبهتان.

أما أتباع هذه الحركة فهم لا يرون صواب هذه التسمية (الوهابية) ولا ما انطوت عليه من مغالطات وأوهام، لاعتبارات مقنعة كثيرة؛ شرعية وعلمية ومنهجية وموضوعية وواقعية، تتلخص فيما أشرت إليه في التعريف من أنها تمثل تماماً الإسلام الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلمومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك سبيل الهدى، وإذن فحصره تحت مسمى غير الإسلام والسنة خطأ فادح وبدعة محدثة ومردودة.

فالدارس لهذه الدعوة المباركة بإنصاف وموضوعية سيتوصل -حتماً- إلى أنها إنما تنادي بالرجوع إلى الإسلام الصافي، وأنها امتداد للدين الحق (عقيدة وشريعة ومنهاج حياة) والمتمثل -بعد حدوث الافتراق في الأمة الإسلامية- بالتزام نهج النبي محمد وصحابته الكرام والتابعين ومن سلك سبيلهم وهم السلف الصالح أهل السنة والجماعة.

وإذا كان الأمر كذلك؛ أعني أن الدعوة هي الإسلام والسنة التي جاء بها النبي وما عليه سلف الأمة... فلا معنى لإفرادها باسم أو وصف (كالوهابية) أو غيره، لكن قد ترد على ألسنة علماء الدعوة ومؤيديها أو غيرهم بعض الأوصاف الشرعية الصحيحة لها أو لأتباعها والتي لا تتنافى مع رسالتها مثل: دعوة الشيخ: الدعوة، الدعوة الإصلاحية، دعوة التوحيد، السلفية، وقد يوصف أهلها بالسلفيين والموحدين، وأهل التوحيد، وأهل السنة، والحنابلة، والنجديين. ونحو ذلك من الأوصاف الشرعية الحسنة، أو المقبولة.

ومن فضل الله على أتباع هذه الدعوة المباركة أن لقب (الوهابية) من الخصوم في كثير من الأحيان يحمل معانٍ إيجابية ويعتز بها أتباعها وعموم أهل السنة، وإن قصد به خصومهم اللمز والسبَّ.

وذاك -على سبيل المثال: حين يطلقونها على من يقيم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أصل من أصول الإسلام وشعائره العظيمة ، وحين يطلقون (الوهابية) كذلك على الأخذ بالكتاب والسنة والتمسك بالدين وتوحيد الله تعالى، ونبذ الشركيات والبدع، وهذه صفة مدح وتزكية يفرح بها المؤمنون.

وحين يطلقون (الوهابية) على اقتفاء منهج السلف الصالح الذي هو سبيل المؤمنين، وسنة سيد المرسلين وهذه تزكية لا تقدر بثمن.

والناظر في مفاهيم الناس حول ما يسمونه (الوهابية) يجد الكثير من الغبش والخلط والتناقض والاضطراب.

فالوصف السائد للوهابية عند أغلب الخصوم ومن سار في ركابهم يقصد به: كل من لا يعمل بالبدع ولا يرضاها، وينكرها ولا يقرها.

وقد يقصد بـ (الوهابية) كل مذهب غريب وشاذ.

وآخرون يطلقون (الوهابية) على كل من كان على مذهب أهل السنة والجماعة، مقابل الشيعة أو مقابل الفرق الأخرى. وقد يخصصه بعضهم بالاتجاهات السلفية، وأهل الحديث، وأنصار السنة ونحوهم.

وقد توسعت بعض وسائل الإعلام والاتجاهات الغربية ومن دار في فلكها بإطلاق (الوهابية) على كل مسلم ينزع إلى التمسك بشعائر الدين وأحكامه وربما ترادف عندهم عبارة (أصولي) أو متزمت أو متشدد، والمتمسك بالدين عندهم: متشدد.

وبعض المؤسسات والدوائر الغربية ومن تأثر بها صارت عندهم (الوهابية) ترادف: التطرف، والإرهاب والعنف، والعدوانية. ونحو ذلك، وهذا تصور خاطيء وحكم جائر ([1]).

([1]) كما يطلق (الوهابية) و (الوهبية) على بعض فرق الخوارج القديمة لا سيما في شمال أفريقية والمغرب.

فالوهابية: نسبة إلى عبدالوهاب الرستمي أحد زعماء الخوارج قديماً (الدولة الرستمية) والوهبية: نسبة إلى عبدالله بن وهب الواسبي أحد زعماء الخوارج الحرورية الأوائل. وكلاهما كانت قبل ظهور دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وقد وقع اللبس لدى كثيرين بهذا.

وانظر: رسالة: تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية للدكتور: محمد بن سعد الشويعر. ص(4) 1413هـ.

 
ماصحة التسمية بالوهابية ؟

ماصحة التسمية بالوهابية؟

من الكذب والافتراء تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بـ( الوهابية ) نسبة إلى الوهابية الرستمية التي لم يبق منها إلا اسمها في سجلات التاريخ ، فنبشوا في فتاوى العلماء حولها فوجدوا دعوة إباضية، في شمال أفريقيا نشأت في القرن الثاني الهجري ، باسم ( الوهابية ) نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي ، ووجدوا من فتاوى علماء المغرب والأندلس المعاصرين لها ما يحقق غرضهم ، ومن المفارقات العجبية أنهم ينزلون تلك الفتاوى على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ ومنها فتوى مفتي الأندلس علي بن محمد اللخمي المتوفى سنة 478هـ وأما عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فإنه توفي سنة 190هـ على ما ذكره الزركلي وقيل : 197هـ وقيل : 205هـ بمدينة ( تاهرت ) بالشمال الأفريقي .
ولعل القارئ الكريم يلاحظ ما يلي:
1. أن دعوة ابن رستم لم تتجاوز الشمال الأفريقي ، وأما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ففي الجزيرة العربية ، ومن المعلوم بعد ما بين البلدين ، مع أن دعوة ابن رستم لم يرد لها ذكر في تاريخ جزيرة العرب ، بل لم يذكرها المصنفون في الفرق كالشهرستاني وابن حزم ؛ لانقراضها وضياعها
2. أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ لا يوافق الخوارج الإباضية في مذهبهم ، بل كانت دعوته تجديدية على منهج السلف الصالح
3. أن تشويه صورة هذه الدعوة مرتبط بالاستعمار ، ومما يبين ذلك أن الضابط البريطاني ( سادلير ) مبعوث الحكومة البريطانية في الهند قام برحلة من الهند إلى الرياض ، ووقف على أطلال الدرعية في 13 أغسطس 1819م الموافق سنة 1233هـ ، ولحق بإبراهيم باشا ، وأدركه في (أبيار علي ) ، وهنأه على النصر وقال له : ( مع سقوط الدرعية، وخروج عبد الله عنها يبدو أن جذور الوهابيين قد انطفأت ، فقد عرفت من كل البدو الذين قابلتهم في نجد أنهم سنيون وأنهم يداومون على الصلاة المفروضة حتى في السفر الطويل وتحت أقسى الظروف )
4. يظن بعض الناس خطأً أن تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ بالوهابية إنما هو نسبة إلى والده ـ عبد الوهاب ـ ولا يصح ذلك لأمرين :
أ ـ أن الذين سموها بذلك ذكروا فتاوى علماء المغرب في الوهابية الرستمية مما يدل على أنهم نسبوها إليها .
ب ـ أن والده لم يقم بهذه الدعوة ، ولا شارك فيها ، بل إن الشيخ لم يظهر دعوته إلا بعد وفاة والده
 
صحح مفهومك عن الوهابية

صحح مفهومك عن الوهابية

فمنذ سنوات طويلة وعقود مديدة والحديث دائر والجدل موصول عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله وعن دعوته ، مؤيد ومعارض ، متهم ومدافع .
والذي يلفت النظر في كلام المخالفين للشيخ الذين يلصقون به أنواع التهم أن كلامهم عار عن الدليل ، فليس لما يقولون شاهد من قوله ، أو متمسك من كتبه ، وإنما هي دعاوى يذكرها المتقدم ، ويرددها المتأخر فحسب .
ولا أظن منصفا إلا وهو يقر بأن أصح طريق لمعرفة الحقيقة أن يقصد المعين الأول ، ويؤخذ من المصدر الأصيل .
وكتب الشيخ موجودة ، وكلامه محفوظ ، وبالنظر فيه يتحقق صدق ما يشاع عنه أو عدمه ، وأما الدعاوى العارية عن البرهان فسراب لا حقيقة له .
وفي هذه الأوراق أسطر يسيرة من كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب منقولة بأمانة من الكتب الموثقة التي جمعت كلامه ، ليس لي فيها سوى الترتيب .
وهي تتضمن إجابات من الشيخ وحده عن أهم التهم التي يرميه بها مخالفوه ، مصرحا فيها بخلاف ما يزعمون ، وأنا على يقين من أنها بتوفيق الله ستكون كافية في توضيح الحق لمبتغيه .
وأما المعاندون للشيخ المعاندون لدعوته ، الدائبون في إشاعة الزور ونشر الكذب فأقول لهم : اربعوا على أنفسكم فإن الحق أبلج وإن دين الله غالب ، والشمس ساطعة لا تحجب بالأكف .
هذا كلام الشيخ يفند تلك الدعاوي ، ويدحض هاتيك التهم ، فإن كان عندكم من كلامه ما يكذبه فأبرزوه ولا تكتموه .. وإلا تفعلوا ولستم بفاعلين فإني أعظكم بواحدة : أن تقوموا لله متجردين من كل هوى أو عصبية ، وأن تسالوه بصدق أن يريكم الحق ويهديكم إليه ، ثم تتفكروا فيما يقول هذا الرجل هل جاء بغير كلام الله وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام ؟
ثم تفكروا كرة أخرى : هل من سبيل للنجاة سوى قول الصدق وتصديق الحق ؟
فإذا ظهر لكم الحق فثوبوا إلى رشدكم ، وراجعوا الحق ، فإنه خير من التمادي في الباطل ، وإلى الله ترجع الأمور .

حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب

يحسن في بداية المطاف نقل كلمات موجزة للشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في

بيان حقيقة ما يدعو إليه ، بعيدا عن سحب الدعايات الكثيفة التي وضعها المخالفون حائلا بين كثير من الناس وبين تلك الدعوة ، فيقول:
أقول ولله الحمد والمنة ، وبه القوة : إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ، دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ، ولست ولله الحمد أدعو إلى مذهب صوفي أو فقيه أو متكلم أو إمام من الأئمة الذين أعظمهم ...
بل أدعو إلى الله وحده لا شريك له ، وأدعو إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أوصى بها أول أمته وآخرهم ، وأرجو ألا أرد الحق إذا أتاني ، بل أشهد الله وملائكته وجميع خلقه إن أتانا منكم كلمة من الحق لأقبلنها على الرأس والعين ، ولأضربن الجدار بكل ما خالفها من أقوال أئمتي ، حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يقول إلا الحق . ( الدرر السنية 1/37،38)

وأنا- ولله الحمد - متبع ولست بمبتدع . ( مؤلفات الشيخ محمد بن عبدالوهاب 5/36)

وصورة الأمر الصحيح أني أقول : ما يدعى إلا الله وحده لا شريك له ، كما قال تعالى في كتابه : (( فلا تدعوا مع الله أحدا )) وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم : (( قل إني لاأملك لكم ضرا ولا رشدا )) فهذا كلام الله والذي ذكره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصانا به ، .... وهذا الذي بيني وبينكم ، فإن ذكر شئ غير هذا فهو كذب وبهتان . ( الدرر السنية 1/91،90 )

المسألة الأولى : اعتقاد الشيخ في حق النبي صلى الله عليه وسلم

يرمى الشيخ من أعدائه بتهم عظمى تتعلق باعتقاده في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذه التهم هي ما يأتي :

أولا : أنه لا يعتقد ختم النبوة في النبي صلى الله عليه وسلم .
هكذا قيل ! مع أن جميع كتب الشيخ تطفح برد هذه الشبهة وتشهد بكذبها ، من ذلك قوله:
أؤمن بأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته . ( الدرر السنية 1/32 )
فأسعد الخلق وأعظمهم نعيما وأعلاهم درجة أعظمهم اتباعا له وموافقة علما وعملا . ( الدرر السنية 2/21 )

ثانيا : أنه يهضم النبي صلى الله عليه وسلم حقه ، ولا ينزله المنزلة اللائقة به .
وللوقوف على حقيقة هذا المدعى أنقل بعضا من كلامه الذي صرح فيه بما يعتقده في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث يقول :
لما أراد الله سبحانه إظهار توحيده ، وإكمال دينه ، وأن تكون كلمته هي العليا ، وكلمة الذين كفروا هي السفلى ؛ بعث محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وحبيب رب العالمين ، وما زال في كل جيل مشهورا ، وفي توراة موسى وإنجيل عيسى مذكورا ، إلى أن أخرج الله تلك الدرة ، بين بني كنانة وبني زهرة ، فأرسله على حين فترة من الرسل ، وهداه إلى أقوم السبل ، فكان له من الآيات والدلالات على نبوته قبل مبعثه ما يعجز أهل عصره ، وأنبته الله نباتا حسنا ، وكان أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأعزهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، حتى سماه قومه الأمين ، لما جعل الله فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية . ( الدرر السنية 2/19،90 )
وهو سيد الشفعاء ، وصاحب المقام المحمود ، وآدم فمن دونه تحت لوائه . ( الدرر السنية 1/86 )
وأول الرسل نوح ، وآخرهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم . ( الدرر السنية 1/143 )
وقد بين أبلغ بيان وأتمه وأكمله ، كان أنصح الخلق لعباد الله ، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، وجاهد في الله حق الجهاد ، وعبدالله حتى أتاه اليقين . ( الدرر السنية 2/21 )
كما ذكر رحمه الله أن مما يستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام : (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين )) : وجوب محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والأهل والمال . ( كتاب التوحيد : 108 )

ثالثا : إنكار شفاعته صلى الله عليه وسلم
ويتولى الشيخ جواب هذه الشبهة ، حيث يقول : يزعمون أننا ننكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم ، بل نشهد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع ، صاحب المقام المحمود ، نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا ، وأن يحشرنا تحت لوائه . ( الدرر السنية 1/64،63 )
ولا ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل البدع والضلال ولكنها لا تكون إلا من بعد الإذن والرضى ، كما قال تعالى : (( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى )) وقال تعالى : (( من ذا الذي يشفعه عنده إلا بإذنه )) ( الدرر السنية 1/31 )
ويبين الشيخ سبب ترويج هذه الدعاية الكاذبة فيقول :
هؤلاء لما ذكرت لهم ما ذكره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما ذكره أهل العلم من جميع الطوائف من الأمر بإخلاص الدين لله والنهي عن مشابهة أهل الكتاب من قبلنا في اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله ؛ قالوا لنا : تنقصتم الأنبياء والصالحين والأولياء . ( الدرر السنية 2/50 )

المسألة الثانية : آل البيت

من جملة التهم الموجهة للشيخ : أنه لا يحب آل البيت النبوي ، ويهضمهم حقهم .
والجواب عن ذلك : أن ما زعم خلاف الحقيقة ؛ بل قد كان رحمه الله معترفا بما لهم من حق المحبة والإكرام ، قائما به ، بل ومنكرا على من لم يكن ذلك . يقول رحمه الله:
وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقا ، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقوقهم ويظن أنه من التوحيد ، بل هو من الغلو ، ونحن ما أنكرنا إلا إكرامهم لأجل ادعاء الألوهية فيهم ، وإكرام من يدعي ذلك . (مؤلفات الشيخ 5/284)
ومن تأمل سيرة الشيخ تحقق له صدق ما ذكر ، ويكفي في ذلك أن يعلم أن الشيخ قد سمى ستة من أبنائه السبعة بأسماء أهل البيت الكرام رضي الله عنهم وهم : علي وعبدالله وحسين وحسن وإبراهيم وفاطمة ، وهذا دليل واضح على عظيم ما كان يكن لهم من محبة وتقدير .



المسألة الثالثة : كرامات الأولياء

يشيع بعض الناس أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ينكر كرامات الأولياء .
ويدحض هذا الافتراء أن الشيخ رحمه الله قد قرر في عدد من المواضع معتقده الصريح في هذا الأمر بخلاف ما يشاع ، من ذلك قوله ضمن كلام له يبين فيه معتقده :
وأقر بكرامات الأولياء ( الدرر السنية 1/32 )
وليت شعري كيف يتهم الشيخ بذلك وهو الذي يصف منكري كرامات الأولياء بأنهم أهل بدع وضلال ، حيث يقول :
ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال . ( مؤلفات الشيخ 1/169 )

المسألة الرابعة : التكفير

إن من أعظم ما يشاع عن الشيخ ومحبيه أنهم يكفرون عامة المسلمين ، وأن أنكحتهم غير صحيحية ، إلا من كان منهم أو هاجر إليهم .
وقد فند الشيخ هذه الشبهة في عدد من المواضع ، من ذلك قوله :
القول أنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون عن هذا الدين ، ونقول : سبحانك هذا بهتان عظيم . ( الدرر السنية 1/100 )
نسبوا إلينا أنواع المفتريات ، فكبرت الفتنة ، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله ، فمنها : إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه فضلا عن أن يغتر به ، ومنها : ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني ، وأني أزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ، فيا عجبا كيف يدخل هذا عقل عاقل ، وهل يقول هذا مسلم ؟1
إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك ، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة . ( الدرر السنية 1/80 )
أنا أكفر من عرف دين الرسول عليه الصلاة والسلام ثم بعد ما عرف سبه ، ونهى الناس عنه ، وعادى من فعله ، فهذا الذي أكفره ، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك . ( الدرر السنية 1/73 )



المسألة الخامسة : مذهب الخوارج

من الناس من يتهم الشيخ بأنه على مذهب الخوارج المكفرين بالمعاصي .
والجواب عن ذلك من كلام الشيخ ما يأتي :
قال رحمه الله : لا أشهد على أحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسئ ، ولا أكفر أحد من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام . ( الدرر السنية 1/32 )

المسألة السادسة : التجسيم

مما يثار عن الشيخ أيضا أنه مجسم أي :؛ يمثل صفات الله بصفات خلقه .
وقد ذكر الشيخ معتقده في هذا الباب وهو بعيد كل البعد عما يلصقه به مخالفوه ، إذ يقول :
من الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وصفاته ، ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه ؛ لأنه سبحانه لا سمي له ، ولا كفؤ له ، ولا ند له ، ولا يقاس بخلقه .
فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا وأحسن حديثا ، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل ، وعما نفاه عنه أهل التحريف و التعطيل ، فقال : (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمدلله رب العالمين )) ( الدرر السنية 1/29 )
ومعلوم أن النعطيل ضد التجسيم ، وأهل هذا أعداء لأهل هذا ، والحق وسط بينهما . ( الدرر السنية 3/11 )

المسألة السابعة : مخالفة العلماء

بعض الناس يقول : إن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قد خالف سائر العلماء فيما دعا إليه ، ولم يلتفت إلى قولهم ، ولم يعتمد على كتبهم ، وإنما خرج بشئ جديد ، وأتى بمذهب خامس .
وخير من يبين حقيقة الحال هو الشيخ نفسه ؛ حيث يقول :
نحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس ، وأحمد بن حنبل رحمهم الله . ( مؤلفات الشيخ 5/96 )
فإن سمعتم أني أفتيت بشئ خرجت فيه عن إجماع أهل العلم توجه علي القول . (الدرر السنية 1/53 )
إن كنتم تزعمون أن أهل العلم على خلاف ما أنا عليه فهذه كتبهم موجودة . (الدرر السنية 2/58 )
أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية ، والمالكي والشافعي والحنبلي كلا أخاصمه بكلام المتأخرين من علماء مذهبه الذين يعتمد عليهم . ( الدرر السنية 1/82 )
وبالجملة فالذي أنكره : الاعتقاد في غير الله مما لا يجوز لغيره ، فإن كنت قلته من عندي فارم به ، أو من كتاب لقيته ليس عليه العمل فارم به كذلك ، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به ، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه لأجل أهل زمانه ، أو أهل بلده ، أو أن أكثر الناس في زمانه أعرضوا عنه . ( الدرر السنية 1/76 )

الخاتمة

في الختام هاتان نصيحتان مقدمتان من الشيخ :
أولاهما : لمن يسعى ضد هذه الدعوة وأتباعها ويؤلب عليها ويلصق بها أنواع التهم والأباطيل .. لهؤلاء يقول الشيخ :
إني أذكر لمن خالفني أن الواجب على الناس اتباع ما وصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته ، وأقول لهم : الكتب عندكم انظروا فيها ولا تأخذوا من كلامي شيئا ، لكن إذا عرفتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم فاتبعمه ولو خالف أكثر الناس ...
لا تطيعوني ، ولا تطيعوا إلا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم ...
واعلم أن ما ينجيك إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدنيا زائلة ، والجنة والنار ما ينبغي للعاقل أن ينساهما . ( الدرر السنية 1/90،89 )
أنا أدعو من خالفني إلى أربع : إما إلى كتاب الله ، وإما إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإما إلى إجماع أهل العلم ، فإن عاند دعوته إلى المباهلة . ( الدرر السنية 1/55 )

والنصيحة الثانية : لمن اشتبه عليه الأمر

عليك بكثرة التضرع إلى الله والانطراح بين يديه ، خصوصا أوقات الإجابة : كآخر الليل ، وأدبار الصلاة ، وبعد الأذان .
وكذلك بالأدعية المأثورة ، وخصوصا الذي ورد في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : (( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )) فعليك بالإلحاح بهذا الدعاء بين يدي من يجيب المضطر إذا دعاه ، وبالذي هدى إبراهيم لمخالفة الناس كلهم ، وقل : يا معلم إبراهيم علمني .
وإن صعب عليك مخالفة الناس ، ففكر في قول الله تعالى : (( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا )) (( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ))
وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح : (( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا يقبض العلم )) إلى آخره ، وقوله : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )) ، وقوله : (( وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )) . ( الدرر السنية 1/43،42 )
وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه ، وأن الواجب إشاعته في الناس ، وتعليمه النساء والرجال ، فرحم الله من أدى الواجب عليه ، وتاب إلى الله ، وأقر على نفسه ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وعسى الله أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يحب ويرضى ، والسلام . ( الدرر السنية 2/43 )
 
هل محمد بن عبدالوهاب تكفيري ؟

هل محمد بن عبدالوهاب تكفيري ؟​


إن من أعظم ما يشاع عن الشيخ ومحبيه أنهم يكفرون عامة المسلمين ، وأن أنكحتهم غير صحيحية ، إلا من كان منهم أو هاجر إليهم .
وقد فند الشيخ هذه الشبهة في عدد من المواضع ، من ذلك قوله :
القول أنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون عن هذا الدين ، ونقول : سبحانك هذا بهتان عظيم .

( الدرر السنية 1/100 )

هل محمد بن عبدالوهاب من الخوارج ؟

من الناس من يتهم الشيخ وأتباعه بأنهم على مذهب الخوارج المكفرين بالمعاصي .
والجواب عن ذلك من كلام الشيخ ما يأتي :
قال رحمه الله : لا أشهد على أحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكني أرجو للمحسن وأخاف على المسئ ، ولا أكفر أحد من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام .

( الدرر السنية 1/32 )


نسبوا إلينا أنواع المفتريات ، فكبرت الفتنة ، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله ، فمنها : إشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه فضلا عن أن يغتر به ، ومنها : ما ذكرتم أني أكفر جميع الناس إلا من اتبعني ، وأني أزعم أن أنكحتهم غير صحيحة ، فيا عجبا كيف يدخل هذا عقل عاقل ، وهل يقول هذا مسلم ؟1
إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك ، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة .

( الدرر السنية 1/80 )

أنا أكفر من عرف دين الرسول عليه الصلاة والسلام ثم بعد ما عرف سبه ، ونهى الناس عنه ، وعادى من فعله ، فهذا الذي أكفره ، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك . ( الدرر السنية 1/73 )
 
هل ينكرون كرامات الأولياء ؟

هل ينكرون كرامات الأولياء ؟

يقرر الشيخ محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – إثباته لكرامات الأولياء، فيقول بكل صراحة ووضوح :

(وأقر بكرامات الأولياء، وما لهم من المكاشفات، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئاً، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله) (1).
ويقول أيضاً:
(وقوله: { وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه } (2) إلى آخره. هذا وحي إلهام، ففيه إثبات كرامات الأولياء) (3).
ويذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب الواجب في حق أولياء الله الصالحين فيقول: (.. الواجب عليهم حبهم واتباعهم والإقرار بكرامتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين) (4).
ويؤكد أتباع الدعوة – من بعد الشيخ محمد بن عبد الوهاب – هذا الاعتقاد ويقررونه.
فنجد أن الإمام عبد العزيز الأول يشير إلى حقوق أولياء الله، مع بيان الفرق بين الولي الحق، وبين مدعي الولاية – كذباً وزوراً – فقال رحمه الله:
(وكذلك حق أوليائه محبتهم والترضي عنهم والإيمان بكراماتهم، لا دعاؤهم، ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تعالى، أو ليدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه إلا هو عز وجل، فإن ذلك عبادة مختصة بجلاله تعالى وتقدس.
هذا إذا تحققت الولاية أو رجيت لشخص معين كظهور اتباع سنة وعمل بتقوى في جميع أحواله، وإلا فقد صار الولي في هذا الزمان من أطال سبحته، ووسع كمه، وأسبل إزاره، ومد يده للتقبيل، وليس شكلاً مخصوصاً وجمع الطبول والبيارق، وأكل أموال عباد الله ظلماً وادعاءاً، ورغب عن سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأحكام شرعه)(1).
وبين الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بعضاً من حقوق الأولياء.. لكن دون الغلو فيهم فيقول رحمه الله:
(ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق، وأنهم على هدى من ربهم، مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئاً من أنواع العبادات، لا حال الحياة، ولا بعد الممات بل يطلب من أحدهم الدعاء في حالة حياته، بل ومن كل مسلم) (2).
وينص الشيخ عبد العزيز الحصين على ما قرره أسلافه فيقول – بياناً لحق الأولياء -:
وحق أوليائه محبتهم، والترضي عنهم، والإيمان بكرامتهم، لا عبادتهم ليجلبوا لمن دعاهم خيراً لا يقدر على جلبه إلا الله تبارك وتعالى ويدفعوا عنهم سوءاً لا يقدر على دفعه أو رفعه إلا الله، لأنه عبادة مختصة بجلاله سبحانه..) (3).
وقد سئل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن حسن عن كرامات الأولياء، فأجاب على ذلك فكان مما قاله:
(مسئلة: كرامات الأولياء حق، فهل تنتهي إلى إحياء الموتى وغيرها من المعجزات ؟.
(الجواب: كرامات الأولياء حق عند أهل السنة والجماعة، والولي أعطي الكرامة ببركة اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا تظهر حقيقة الكرامة عليه، إلا إذا كان داعياً لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم بريئاً من كل بدعة وانحراف عن شريعته صلى الله عليه وسلم، فببركة اتباعه يؤيده الله تعالى بملائكته وبروح منه..) (4).


ويشير محمود شكري الألوسي – رحمه الله – إلى وجوب الإيمان بكرامات الأولياء، فيقول:
(وأما الجواب عن مسألة الكرامات فيقال: إن كرامات الأولياء حق لا شبهة فيه، وهي ثابتة بالكتاب والسنة، ولشيخ الإسلام قدّس الله روحه كتاب جليل في ذلك سماه الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن)(5).
ويوضح الشيخ سليمان بن سحمان معتقدهم في كرامات الأولياء، فيقول في كتابه (الأسنة الحداد في الرد على علوي الحداد):
(واعلم أننا لا ننكر الكرامات التي تحصل لأولياء الله، إذا صدرت على القانون المرضي والميزان الشرعي، فإن أولياء الله هم المتقون المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيفعلون ما أمر به، وينتهون عمّا نهى وزجر.. فيؤيدهم الله بملائكته وروح منه ،ويقذف الله في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياءه المتقين..)(6).
ويقول ابن سحمان في قصيدته (عقود الجواهر واللئالي في معارضة بدء الأمالي)، حيث تحدث عن كرامات الأولياء، وبيّن أن خوارق العادات إما أن تكون أحوالا شيطانية، أو كرامات فقال رحمه الله:
وكل كرامة ثبتت بحق *** فحق للوليّ بلا اختلال
نوال من كريم حيث كانوا *** بطاعة ربهم أهل انفعال
وليس لهم نوال أو حباء *** لمن يدعوهمو من كل عال
وإن الخرق للعادات فاعلم *** على نوعين واضحة المثال
فنوع من شياطين غواه *** لمن والاهمو من ذي الخيال
ونوع وهو ما قد كان يجري *** لأهل الخير من أهل الكمال
من الرحمن تكرمة وفضلا *** لشخص ذي تقى سامي المعالي
ولكن ليس يوجب أن سيدعى *** ويرجى أو يخاف بكل حال
فما في العقل ما يقضي بهذا *** ولا في الشرع يا أهل الوبال (1)

ونختم هذه النقول النفيسة بما أورده الشيخ عبد الله بن بلهيد – رحمه الله – في خطابه الذي ألقاه أثناء الاجتماع بين علماء نجد وعلماء مكة المكرمة، فقال – ذاكرا حقوق أولياء الله -:
(وكذلك أولياء الله تجب محبتهم، والإقرار بفضائلهم على اختلاف مراتبهم، وما يجريه الله على أيديهم من الكرامات، وخوارق العادات، ولا ينكر كرامات الأولياء إلى أهل الله، لكن يجب أن يفرق بين أولياء الله وغيرهم فإن أولياء الله هم المتقون العاملون لله بطاعته، كما قال تعالى في وصفهم { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون..) (2)
فمن كان مؤمناً تقيا كان لله ولياً ليس إلا..) (3)
من خلال هذه النقول نلاحظ أنها متفقة على إثبات كرامات الأولياء، والإقرار بها، ومتفقة على وجوب محبتهم والاعتراف بفضائلهم ومناقبهم. كما أنها توضح أن الولي لله – حقاً – هو من كان مؤمناً متبعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فليست الولاية مجرد لبس زيّ مخصوص، وإسبال الإزار، وإطالة السبحة، ومد اليد للتقبيل، مع ترك اتباع السنة النبوية..
وهذه النقول تؤكد النهي عن الغلو في الأولياء، فلا يجوز صرف شيء مما يستحقه الله تعالى لهم، فحق الأولياء هو المحبة والتقدير وإثبات الكرامات لهم فلا جفاء في حقهم وليس من حقهم أن تصرف بعض أنواع العبادة – التي يجب أن تكون لله وحده – لهم، فلا غلو في قدرهم
فاختار أئمة الدعوة –بهذا المسلك – دين الله الذي هو وسط بين طرفي في الغلو والجفاء.

اقرؤوا كتب ابن عبدالوهاب أولاً..!​


كلما كانت حركة أي مصلح بشري عظيمة الشأن، قوية التأثير، تاريخية التحولات الحياتية.. كانت المواقف حيالها لا تقل أهمية، وحساسية، وتنازعا بين المؤيدين لها والمعترضين عليها.

ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله أو حركته الإصلاحية كما سماها الدكتور طه حسين والدكتور محمد كرد علي رئيس ومؤسس المجمع اللغوي في دمشق.. وعشرات غيرهم هي من هذا النوع الذي اكتنفته مواقف سياسية، ودينية وأطراف أخرى أصحاب مصالح ومراكز نفوذية..

ولعل أشد من وقف ضد هذه الدعوة الإصلاحية هي الدولة العثمانية التي حاربتها منذ ظهورها خشية على نفوذها في شبه الجزيرة العربية، بعد أن تحالفت حركة الشيخ محمد مع إمارة محمد بن سعود جد الأسرة المالكة. وذلك لتصحيح المسار الإسلامي الذي اعتورته جهالات جهلاء.. وطغت البدع والخرافات.. ليس في (نجد) التي خرجت منها هذه الحركة الدعوية الإصلاحية وحدها.. بل في كل أقطار الإسلام وأمصارهم».

والناس، بطبيعتهم أعداء ماجهلوا.. فتعرضت هذه الدعوة النقية التي لم تؤسس (مذهباً).. أو تأتي بجديد في الدين.. وإنما هي تدعو المسلمين للعودة إلى ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.. وما كان عليه سلف الأمة في قرونها الثلاثة المفضلة.. تعرضت لكثير من التشويه والافتراءات المضللة من قبل أهل البدع والقبوريين والصوفيين. وتبعتهم الغوغائية الجاهلة.. الصم البكْمُ الذين لا يعقلون.. فأصبحوا يهرفون بما يهرف به مشايخهم الراكسون في البدع والضلالات.

كما ساعد على تشويه هذه الحركة وجود اسمين متشابهين لعالمين كل منهما اسمه (محمد بن عبدالوهاب) الأول عالم (مغربي) كان سيئ السمعة والفكر وسبقه في الوجود سَمِيّه (النجدي) بزمن طويل.. فأصبح أصحاب الأهواء المناهضة لتصحيح العقيدة والرجوع بها إلى المنابع العذبة: الكتاب والسنة.. التي هي مرتكز دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي.. أولا.. ثم العالمي بعد ذلك.. يخلطون بين الاسمين خلطا بين الجهل.. والتعمد لمجرد التشويه والتجريح لدعوة الحق وتصحيح مسار العقيدة الإسلامية التي دخلتها بدع وشركيات وانحرافات فكرية كثيرة.. حاول الداعية الإسلامي المجدد الامام محمد بن عبدالوهاب النجدي أن يعيد الإسلام الصحيح إلى منابعه الأولى وأصوله الثلاثة: الكتاب والسنة، واجماع الأمة.. وقد نجح في دعوته أيما نجاح.. واهتدت بها مئات ملايين المسلمين حتى اليوم وستظل هذه الدعوة الحركية الإصلاحية وما يماثلها أو يقاربها من حركات التجديد.. على النحو الذي أشار إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: «يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها».

الغريب أن كل أو جل الذين يتحدثون عما يسمونها (الوهابية) لا يعرفون ولا يفهمون شيئاً عما يتحدثون عنه. وإنما هم نَقَلَةٌ عن مضللين.. دون أي علم لهم بأسس هذه الدعوة الإسلامية ومنطلقاتها ومفاهيمها.

لم يقرءوا أي كتاب من كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب.. وخاصة ما يتصل منها بسلامة العقيدة ككتبه الرئيسية الثلاثة «كتاب الوحيد» «ثلاثة الأصول» «كشف الشبهات». ولن يقرأ هذه الكتب عالم منصف.. أو طالب علم. إلا ويحكم على الفور بأن ما فيها هو الإسلام النقي الصحيح.. البعيد عن غلو الغلاة. وجفاء الجفاة.

ولعل ما يشهد لهذا أسوق الحكاية التالية:
لقي رجل من أبناء الجزيرة العربية الذين زاروا الهند في زمن مضى لمهمة ما.. أحد علماء الهند الذي كان من كبار المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بناء على ما قرأ وسمع عن هذه الحركة.. من قبل أضدادها.. وبعد جلسات عديدة من هذا الرجل العربي الزائر للهند مع هذا العالم الهندي الذي كان يحمل على الدعوة حملات شديدة.. قدم الرجل الزائر نسخة من كتاب «التوحيد» لمحمد بن عبدالوهاب للعالم الهندي.. بعد ان نزع غلاف الكتاب وما يدل على اسم مؤلفه.. قائلا: لقد وجدت هذا الكتاب في أحد المساجد هنا بالهند. فحبذا لو قرأته لأقتنيه ان كان جيداً.. أو أرميه إن لم يكن كذلك.
وبعد أيام زار الرجلُ العالم الهندي َّ في بيته.. وسأله إن كان قد قرأ الكتاب (المغفل من الاسم واسم المؤلف).
فكان جواب العالم الهندي نعم قرأته ووجدته الكتاب الذي يتفق تماما مع القرآن والسنة النبوية.
فعند ذلك اخبره الزائر العربي بأن هذا الكتاب هو كتاب التوحيد لمحمد بن عبدالوهاب وأخرج له نسخة من الكتاب بغلافه الذي يحمل اسمه واسم مؤلفه.
فاستغفر الشيخ الهندي عما كان يقول في صاحب هذه الدعوة.. وأصبح بعد ذلك أحد العلماء السلفيين والدعاة الهادين المهديين.

هل محمد بن عبدالوهاب ناصب ال البيت العداء ؟​


من جملة التهم الموجهة للشيخ : أنه لا يحب آل البيت النبوي ، ويهضمهم حقهم .
والجواب عن ذلك : أن ما زعم خلاف الحقيقة ؛ بل قد كان رحمه الله معترفا بما لهم من حق المحبة والإكرام ، قائما به ، بل ومنكرا على من لم يكن ذلك . يقول رحمه الله:
وقد أوجب الله لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس حقوقا ، فلا يجوز لمسلم أن يسقط حقوقهم ويظن أنه من التوحيد ، بل هو من الغلو ، ونحن ما أنكرنا إلا إكرامهم لأجل ادعاء الألوهية فيهم ، وإكرام من يدعي ذلك . (مؤلفات الشيخ 5/284)

ومن تأمل سيرة الشيخ تحقق له صدق ما ذكر ، ويكفي في ذلك أن يعلم أن الشيخ قد سمى ستة من أبنائه السبعة بأسماء أهل البيت الكرام رضي الله عنهم وهم : علي وعبدالله وحسين وحسن وإبراهيم وفاطمة ، وهذا دليل واضح على عظيم ما كان يكن لهم من محبة وتقدير .
 
هل محمد بن عبدالوهاب مشبه مجسم ؟

هل محمد بن عبدالوهاب مشبه مجسم؟

مما يثار عن الشيخ أيضا أنه مجسم أي :؛ يمثل صفات الله بصفات خلقه .
وقد ذكر الشيخ معتقده في هذا الباب وهو بعيد كل البعد عما يلصقه به مخالفوه ، إذ يقول :
من الإيمان بالله : الإيمان بما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ولا تعطيل ، بل أعتقد أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وصفاته ، ولا أكيف ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه ؛ لأنه سبحانه لا سمي له ، ولا كفؤ له ، ولا ند له ، ولا يقاس بخلقه .
فإنه سبحانه أعلم بنفسه وبغيره ، وأصدق قيلا وأحسن حديثا ، فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل ، وعما نفاه عنه أهل التحريف و التعطيل ، فقال : (( سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمدلله رب العالمين )) ( الدرر السنية 1/29 )
ومعلوم أن النعطيل ضد التجسيم ، وأهل هذا أعداء لأهل هذا ، والحق وسط بينهما . ( الدرر السنية 3/11 )

هل خالف محمد بن عبدالوهاب العلماء ؟

بعض الناس يقول : إن الشيخ محمد بن عبدالوهاب قد خالف سائر العلماء فيما دعا إليه ، ولم يلتفت إلى قولهم ، ولم يعتمد على كتبهم ، وإنما خرج بشئ جديد ، وأتى بمذهب خامس .
وخير من يبين حقيقة الحال هو الشيخ نفسه ؛ حيث يقول :
نحن مقلدون الكتاب والسنة وصالح سلف الأمة وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت ، ومالك بن أنس ، ومحمد بن إدريس ، وأحمد بن حنبل رحمهم الله . ( مؤلفات الشيخ 5/96 )
فإن سمعتم أني أفتيت بشئ خرجت فيه عن إجماع أهل العلم توجه علي القول . (الدرر السنية 1/53 )
إن كنتم تزعمون أن أهل العلم على خلاف ما أنا عليه فهذه كتبهم موجودة . (الدرر السنية 2/58 )
أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية ، والمالكي والشافعي والحنبلي كلا أخاصمه بكلام المتأخرين من علماء مذهبه الذين يعتمد عليهم . ( الدرر السنية 1/82 )
وبالجملة فالذي أنكره : الاعتقاد في غير الله مما لا يجوز لغيره ، فإن كنت قلته من عندي فارم به ، أو من كتاب لقيته ليس عليه العمل فارم به كذلك ، أو نقلته عن أهل مذهبي فارم به ، وإن كنت قلته عن أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام وعما أجمع عليه العلماء في كل مذهب فلا ينبغي لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرض عنه لأجل أهل زمانه ، أو أهل بلده ، أو أن أكثر الناس في زمانه أعرضوا عنه . ( الدرر السنية 1/76 )

سؤال وإجابة
السؤال : شيخ الإسلام محمد عبد الوهاب لماذا هو محارب وكثير ما يقال فيه ويسمون من يتبعه بالوهابي ؟.

الجواب :

الحمد لله لتعلم أخي أن من سنن الله تعالى في عباده المصطفين أن يبتليهم على قدر إيمانهم ليبين الصادق من الكاذب ، كما قال سبحانه : ( ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) العنكبوت / 1 – 3 ، وأشدّ أولئك العباد بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ، كما صحّ ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ولو تأمّل الإنسان سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجد أنه – بأبي هو وأمي – قد أصابه من البلاء الشيءُ العظيم ، حتى نُعت بأنه كذاب وساحر ومجنون ، ووُضع سلا جزور على ظهره ، وطرد من مكة ، وأدميت قدماه الشريفتان في الطائف ، حاله حال الأنبياء الذين كُذِّبوا من قبله صلوات ربي وسلامه عليهم .

والشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قد أصيب بما أصيب به العلماء والدعاة المخلصون ، لكن كانت العاقبة في النهاية للحق الذي كان يحمله ، وأنّى للحق أن يخبو نوره أو يعفو أثره ، ولك أن تتصوّر أن يوفّق الله هذا الرجل بغرس التوحيد في أنحاء الجزيرة العربية وأطرافها ، ويقضي على جلّ صور الشرك وأشكاله ، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على إخلاصه وتفانيه في دعوته فيما نحسب ، مع ما اقترن ذلك من سداد الله له وتوفيقه إياه .

وأما أعداء الدعوة فلم يألوا جهداً في إلصاق التهم الباطلة به ، فزعموا – وهم كاذبون – بأن الشيخ يدّعي النبوة ، وأنه ينتقص من قدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه يكفّر الأمة جزافاً .. إلى غير ذلك من الافتراءات التي أُلصقت به ، ومن ينظر إلى تلك الدعاوى يعلم يقيناً أنها محض كذب وافتراء ، وكتب الشيخ المبثوثة أكبر شاهد على ذلك ، وأتباعه من الذين استجابوا لدعوته لم يذكروا ذلك أيضاً ، ولو كان الأمر كما ادّعى المدّعون لأبان ذلك أتباعُه ، وإلاّ كانوا له عاقّين غير بارّين ، ولو أردت الاستفصال في هذا الأمر واستجلاء ما خفي عليك من حقائق فعليك بالرجوع إلى كتاب " دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب" للدكتور عبد العزيز العبد اللطيف . فإنك ستجد فيه ما يشفي تساؤلاتك بإذن الله .

أما نعت أتباعه ( بالوهابية ) فما هو إلاّ مسلسل من مسلسلات افتراءات أعداء الدعوة فيه أيضاً ، ليحولوا الناس عن دعوة الحق ، وليبنوا بين دعوته وبين الناس جداراً وحاجزاً يحول دون بلوغ الدعوة ، ولو تأمّلت قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه لوجدت أحداثها تقارب ما حصل لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب .

فقد أورد ابن هشام في السيرة (1/394) أن الطفيل خرج قاصداً مكة ، فتلقفته قريش على أبوابها وحذرته من السماع من محمد صلى الله عليه وسلم ، وأوحوا إليه بأنه ساحر وأنه يفرّق بين المرء وزوجه ... ، فلم يزالوا به حتى عمد إلى قطن فوضعه في أذنيه ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حدّث نفسه بأن ينزع القطن ، ويسمع منه ، فإن كان ما يقوله حقاً قبل منه ، وإن كان ما يقوله باطلاً وقبيحاً ردّ ، فلما استمع إليه ما كان منه إلاّ أن أسلم في مكانه .

نعم أسلم بعد أن وضع القطن في أذنيه ، وهكذا ينهج المناوئون لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب نهج قريش في الافتراء ، ذلك لأن قريشاً تدرك تمام الإدراك أن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم تلامس شغاف القلوب والأفئدة ، وتهتدي إليها الفطرة ، فعمدوا إلى تهويل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحولوا دون بلوغ الناس الحق ، وهكذا نرى الذين يتكلمون على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يعيدون نفس الفصول والمؤامرات التي حيكت حيال الدعوة الأولى .

وعليك أخي الكريم – إن كنت تنشد الحق – أن لا تترك لتلك الدعاوى مجالاً لسمعك وقلبك واقصد الحق في المسألة بالنظر إلى كتب الشيخ محمد ، فكتبه أعظم دليل على كذب القوم والحمد لله .

وثمت أمرٌ آخر لطيف وهو أن اسم الشيخ هو ( محمد ) والنسبة إليه محمدي ، أما ( وهّابي ) فهو نسبة إلى الوهّاب ، والوهاب هو الله تعالى كما قال : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) آل عمران /8 .

والوهاب كما قال الزجاج في اشتقاق أسماء الله ص : 126 : " الكثير الهبة والعطية ، وفعّال في كلام العرب للمبالغة، فالله عز وجل وهّاب يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم " .

ولاشك أن سبيل الوهّاب هو السبيل الحق الذي لا اعوجاج فيه ولا افتراء ، وحزبه غالب ومفلح ( ومن يتولّ الله ورسوله فإن حزب الله هم الغالبون ) المائدة /56 ، ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) المجادلة/22 .

وقديماً اتهموا الشافعي بالرفض فردّ عليهم قائلاً :

إن كان رفضاً حبّ آل محمد *** فليشهد الثقلان أني رافضي

ونحن نردّ على من يتّهمنا بالوهابية بقول الشيخ ملا عمران الذي كان شيعياً فهداه الله إلى السنة ، قال رحمه الله :

إن كان تابع أحمد متوهّباً *** فأنا المقرّ بأنني وهّابي
أنفي الشريك عن الإله فليس لي *** ربٌ سوى المتفرّد الوهّاب
نفر الذين دعاهم خير الورى *** إذ لقّبوه بساحرٍ كذّاب

( انظر : منهاج الفرقة الناجية للشيخ محمد جميل زينو ص : 142 – 143 )

والله تعالى أعلم .

شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله والتكفير​


1 - شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب لا يكفر بالظن :
" من أظهر الإسلام وظننا أنه أتى بناقض لا نكفره بالظن لأن اليقين لا يرفعه الظن، وكذلك لا نكفر من لا نعرف منه الكفر بسبب ناقض ذكر عنه ونحن لم نتحققه " 3/24 الرسائل الشخصية

2 - شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب لا يكفر بالعموم :
" وأما القول إنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم " الرسائل الشخصية 15/101

3 - من الذي يكفره الشيخ وما نسبتهم في الأمة ؟
" وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك.

وأما القتال فلم نقاتل أحداً إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة ( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرفه والسلام. " الرسائل الشخصية 5/37

4 - الشيخ لا يكفر كل من لم يواليه ولا يكفر كل جاهل :
" تكفير من بان له أن التوحيد هو دين الله ورسوله ثم أبغضه ونفر الناس عنه. وجاهد من صدق الرسول فيه ومن عرف الشرك وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بإنكاره وأقر بذلك ليلا ونهاراً ثم مدحه وحسنه للناس وزعم أن أهله لا يخطئون لأنهم السواد الأعظم، وأما ما ذكر الأعداء عني أني أكفر بالظن وبالموالاة أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن الله ورسوله. " الرسائل الشخصية 3/25

5 - الشيخ لا يكفر إلا من كفره جميع العلماء الموثوقين :
" ما ذكر لكم عني أني أكفر بالعموم فهذا من بهتان الأعداء، وكذلك قولهم إني أقول من تبع دين الله ورسوله وهو ساكن في بلده أنه ما يكفيه حتى يجييء عندي فهذا أيضا من البهتان ؛ إنما المراد اتباع دين الله ورسوله في أي أرض كانت ؛ ولكن نكفر من أقر بدين الله ورسوله ثم عاداه وصد الناس عنه ؛ وكذلك من عبد الأوثان بعد ما عرف أنها دين للمشركين وزينه للناس ؛ فهذا الذي أكفره وكل عالم على وجه الأرض يكفر هؤلاء إلا رجلاً معانداً أو جاهلاً " الرسائل الشخصية 9/58

6 - الشيخ يكفر من يرى جواز دعاء غير الله وتكفير أهل التوحيد :
" فإن قال قائلهم إنهم يكفرون بالعموم فنقول : سبحانك هذا بهتان عظيم الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد، ويسميهم الخوارج ويتبين مع أهل القبب على أهل التوحيد " . الرسائل الشخصية 7/48

7 - الشيخ لا يكفر من لم تبلغه الحجة :
" من عمل بالتوحيد، وتبرأ من الشرك وأهله فهو المسلم في أي زمان وأي مكان وإنما نكفر من أشرك بالله في إلهيته بعد ما نبين له الحجة على بطلان الشرك وكذلك نكفر من حسنه للناس، أو أقام الشبه الباطلة على إباحته، وكذلك من قام بسيفه دون هذه المشاهد التي يشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها وسعى في إزالتها قوله إني أكفر من توسل بالصالحين، وقوله : إني أكفر البوصيري لقوله يا أكرم الخلق، وقوله إني أقول لو أقدر على هدم حجرة الرسول لهدمتها ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب، وقوله إني أنكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله إني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهم وإني أكفر من يحلف بغير الله فهذه اثنتا عشرة مسألة جوابي فيها أن أقول : ((سبحانك هذا بهتان عظيم )) " . الرسائل الشخصية 11/64
 
موقف الشيخ محمد بن عبدالوهاب من زيارة القبور

موقف الشيخ محمد بن عبدالوهاب من زيارة القبور

الشيخ لم ينه عن الزيارة الشرعية المتضمنة تذكر الآخرة ، والدعاء للأموات ، من غير شد الرحال إلى القبور ، وإنما

نهى عن دعاء المقبور ، وإيقاد السرج على القبور ، وبناء الأضرحة على القبور ، وانخاذها مساجد ، ورفع القبور ،


وتشييدها ،و تجصيصها ، وكل هذه الأمور صح النهي عنها ، فأما دعاء المقبور فهو عين الشرك الذي لا يغفره الله إلا


بالتوبة ،ومن مات عليه فهو مخلد في النار قال تعالى " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم


القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين "وقال " إنه من يشرك بالله فقد


حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار "، وعن أبي مرثد الغنوي قال : قال رسول الله ـ صلى الله


عليه وسلم ـ " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، وعن جابر بن عبد


الله ـ رضي الله عنهما ـ قال " نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه "


رواه مسلم ، وعن ثمامة بن شفي قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا ، فأمر فضالة بن


عبيد بقبره فسوي ثم قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر بتسويتها رواه مسلم


فالشيخ ـ رحمه الله ـ لم ينه إلا عما نهى عنه الكتاب والسنة، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن اتخاذ القبور


مساجد والقبوريون يعكفون عليها ، ويصلون عليها وإليها وبل يصلون لها من دون الله ، ونهى أن تجصص القبور أو


يبنى عليها ، وهؤلاء قد ضربوا عليها القباب وزخرفوها ، وحبسوا عليها العقارات وغيرها وأوقفوها ، وجعلوا لها


النذور والقربات ، ونهى عن بناء المساجد عليها ولعن من فعل ذلك ودعا عليه بغضب الله ، وهؤلاء قد بنوا عليها ورأوا


ذلك من أعظم حسناتهم ، ونهى عن إبقاد السرج عليها ، وهؤلاء يوقفون الأوقاف على على تسريجها ، ويجعلون عليها


من الشموع والقناديل مالم يجعلوه في المساجد ، ونهى عن شد الرحال إليها ، وهؤلاء يسافرون إلى قبور الصالحين


مسافة الأيام والأسابيع والشهور ، ويرون ذلك أعظم القربات ، ونهى عن اتخاذها أعياداً ، وهؤلاء اتخذوها أعياداً


ووقتوا لها المواقيت الزمانية والمكانية ، وصنفوا فيها مناسك حج المشاهد ، ويخشعون عندها أكثر مما يخشعون عند


شعائر الله كالكعبة والمشعر الحرام ،


والسؤال الذي يفرض نفسه :هل نهي الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ


عن هذه الأمور ومحاربته لها يعد من مناقبه وفضائله أم هو شبهة صحيحة وخطأ يبحث له عن عذر ومبرر ؟


أترك الجواب لك أيها القارئ لتحكم في ذلك بنفسك ، ولكن عليك أن تحكم الكتاب والسنة ، والعقل الصحيح الذي لا يشوبه هوى أو تعصب.


هل انتقص محمد بن عبدالوهاب النبي صلى الله عليه وسلم؟

اتهام الشيخ واتباعه بانتقاص الرسول صلى الله عليه وسلم كذب وافتراء

يقول الشيخ رحمه الله عن بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

(ولما أراد الله سبحانه إظهار توحيده وإكمال دينه وأن تكون كلمته هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى بعث محمداً خاتم النبيين، وحبيب رب العالمين، ومازال في كل جيل مشهوراً، وفي توراة موسى وإنجيل عيسى مذكوراً، إلى أن أخرج تلك الدرة بين بني كنانة وبني زهرة، فأرسله على حين فترة من الرسل وهداه إلى أقوم السبل، فكان له صلى الله عليه وسلم من الآيات الدالة على نبوته قبل مبعثه ما يعجز أهل عصره..)(3).
ويتحدث الشيخ الإمام عن معنى شهادة أن محمداً رسول الله فيقول:
(ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع) (4).
فلا يتحقق معنى شهادة أن محمداً رسول الله إلا بتمام الاتباع وكمال الاقتداء، بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ويقول الشيخ مشيراً إلى بعض خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(فرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد الشفعاء، وصاحب المقام المحمود، وأدم فمن دونه تحت لوائه). (5)
كما يذكر الشيخ بأنه صلى الله عليه وسلم (أقرب الخلائق منزلة) (6) وأنه (سيد المرسلين) (7) وفي قصة سبب نزول سورة ( تبت )، يذكر الشيخ (ما فيها من فضائل الرسول صلى الله عليه وسلم، وقوله الحق الذي لا يقدر غيره أن يقوله) (8).
ويقول الشيخ ضمن كلامه عن سورة النور: (الأمر بطاعته (سبحانه) وطاعة رسوله وأن الهدى في طاعته، كما قال تعالى: وإن تطيعوه تهتدوا (9)) (10).
كما يعرّف الشيخ الصراط المستقيم عند تفسيره لسورة الفاتحة، فيقول:
(والمراد بذلك الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو صراط الذين أنعمت عليهم، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأنت دائما في كل ركعة تسأل الله أن يهديك إلى طريقهم…)(11).
ويبين الشيخ في تفسير سورة الحجرات أنه (لابد من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيم حرمته)(1).
ومن المناسب أن ننقل ما سطره الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن عن جده الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في هذه المسألة، فيقول الشيخ عبد اللطيف:
(وقد قرر رحمه الله على شهادة أن محمداً رسول الله من بيان ما تستلزمه هذه الشهادة وتستدعيه وتقتضيه من تجريد المتابعة، والقيام بالحقوق النبوية من الحب والتوقير والنصر والمتابعة والطاعة وتقديم سنّته صلى الله عليه وسلم على كل سنّة وقول، والوقوف معها حيث ما وقفت، والانتهاء حيث انتهت في أصول الدين وفروعه، باطنه وظاهره، كليه وجزئيه، ما ظهر به فضله وتأكد علمه ونبله) (2).
وحيث أنه من الواجب متابعة المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب يذكر بذلك فيقول:
(وأما متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فواجب على أمته متابعته في الاعتقادات، والأقوال والأفعال. قال الله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله  (3)الآية، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فتوزن الأقوال والأفعال بأقواله وأفعاله، فما وافق منها قبل، وما خالف رد على فاعله كائناً من كان..)(4).
وفي جواب للشيخين حسين(5) (ت 1224هـ) وعبد الله ابني الشيخ محمد بن عبد الوهاب حول معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالا:
(وتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله هو أن يطاع فيما أمر، وينتهي عما عنه نهى وزجر، ويكون هو الإمام المتبع، ومن سواه فيؤخذ من كلامه ويترك، فعلى أقواله تعرض الأقوال والأفعال، فما وافق قوله فهو المقبول وما خالفه فهو المردود..)(6) .
ويقول صاحب (التوضيح عن توحيد الخلاق) عن منزلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
(.. وهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على المعاندين، وحسرة على الكافرين، أرسله بالهدى ودين الحق، الذي هو التوحيد بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فأنعم به على أهل الأرض نعمة لا يستطيعون لها شكوراً فأمده بملائكته المقربين، وأيده بنصره وبالمؤمنين، وأنزل عليه كتابه المبين، الفارق بين الهدى والضلال فشرح له صدره ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره وفرض على العباد طاعته ومحبته والقيام بحقوقه، وسد الطرق كلها إليه وإلى جنته، فلم يفتح لأحد إلا من طريقه فهو الميزان الراجح الذي على أخلاقه وأعماله وأقواله توزن الأخلاق والأعمال والأقوال. فلم يزل صلى الله عليه وسلم مشمراً في ذات الله، لا يرده عنه راد صادعاً بأمره لا يصده عنه صاد، إلى أن بلَّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق الجهاد.
فأشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها وتألفت به القلوب بعد شتاتها وامتلأت به الدنيا نوراً وابتهاجاً، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فلما أكمل الله به الدين، وأتمَّ به النعمة على عباه المؤمنين استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى والمحل الأسنى، وقد ترك أمته على المحجة البيضاء والطريق الواضحة الغرَّاء، فصلى الله وسلم وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده عليه..)(1) .
ويبيّن الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسن وجوب التعظيم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: (فقد علمت كلام الصادق المصدوق فلا يكون قول الغير في نفسك أعظم من كلام نبيك)(2).
ويقول الشيخ صالح بن محمد الشثري في رسالته (تأييد الملك المنان) مجملاً حقوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:



(وأما حقوق النبي صلى الله عليه وسلم فهي واجبة على كل مسلم في كل زمان ومكان، فإن الله أوجب الإيمان به، ومحبته وطاعته، وموالاته ونصرته واتباعه، وأمر بالصلاة والسلام عليه في كل مكان، وسؤال الله له الوسيلة عند كل أذان، وبذكر فضائله ومناقبه وما يعرف به قدرة نعمة الله ببعثته على أهل الأرض، وأن الله لم ينعم على أهل الأرض نعمة أعظم من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنه لا يؤمن العبد حتى يكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين بل حتى يكون أحب إليه من نفسه إلى غير ذلك من حقوق…)(3).

ويقول الشيخ السهسواني حول تعظيم المصطفى صلى الله عليه وسلم:
(فنحن معاشر أهل الحديث نعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل تعظيم جاء في الكتاب والسنة الثابتة سواء كان ذلك التعظيم فعلياً أو قولياً أو اعتقادياً، والوارد في الكتاب العزيز والسنَّة المطهرة من ذلك الباب في غاية الكثرة.
وأما أهل البدع فمعظم تعظيمهم تعظيم محدث كشد الرحال إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والفرح بليلة ولادته، وقراءة المولد، والقيام عند ذكر ولادته صلى الله عليه وسلم، وما ضاهاها، وأما التعظيمات الثابتة فهم عنها بمراحل …)(4).
ثم يقول محمد رشيد رضا معلقاً: (من تتبع التاريخ يعلم أن أشد المؤمنين حباً واتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم أقلهم غلواً فيه، ولاسيما أصحابه رضي الله عنهم، ومن يليهم في خير القرون، وأن أضعفهم إيماناً وأقلهم اتباعاً له هم أشدهم غلواً في القول وابتداعاً في العمل، وترى ذلك في شعر الفريقين)( ).
وحول وجوب إجلال السنة النبوية، يذكر الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في رسالته لأهالي جنوب غرب الجزيرة، معتقداً أئمة الدعوة السلفية في نجد، فكان مما قاله:

(وإذا بانت لنا سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عملنا بها، ولا نقدم عليها قول أحد كائناً من كان، بل نتلقاها بالقبول والتسليم؛ لأن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدورنا أجل وأعظم من أن نقدم عليها قول أحد) ( ).

ويقول ابن سحمان - حول مقام النبي صلى الله عليه وسلم - شعراً :
ونشهد أن المصطفى سيد الـورى *** محمد المعصوم أكمل مرشـد
وأفضل من يدعو إلى الدين والهدى *** رسول من الله العظيم الممجد
إلى كل خلق الله طراً وإنـــه *** يطاع فلا يعصى بغير تـردد( )
وجاء في (البيان المفيد) ما يلي :
(ونعتقد أن أفضل المخلوقين وأكملهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قد وصفه الله بالعبودية في أشرف المقامات، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله) ( ) وورد: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) ( )...( ).
(ويقول الشيخ عبد الله بن سليمان البليهد( ) (ت 1359هـ):
(فحق النبي صلى الله عليه وسلم المقدمة على محبة النفس والولد والوالد والأهل والمال وتصديقه وطاعته( ).
هذه النقول السابقة، ما هي إلا إشارات سريعة تعطي بياناً مجملاً لمعتقد الشيخ – رحمه الله -، ومعتقد أتباعه من بعده في حقوق نبينا صلى الله عليه وسلم، فما قصدوا – رحمهم الله – من دعوتهم الإصلاحية إلا التأسي بالمصطفى والاتباع ومحاربة الضلال والابتداع.
 
الوهابية والتكفير

الوهابية والتكفير

يقول أهل الباطل : إذا أردت تقرير شبهة بين الناس لاحقيقة لها ... فأكثر من تردادها .

وهذا ماقام به خصوم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - الإمام المجدد ؛ حيث كذبوا عليه بأنه يكفر ((( المسلمين ))) ويقاتلهم ، وطاروا بهذه الكذبة في الآفاق .

ولكن العاقل الموفق لا يحكم على دعوة أو شخص من خلال أقوال خصومه ؛ وكما هو معلوم أن العلماء يردون شهادة مثل هذا . وإنما يحكم عليه من خلال أقواله وأفعاله بعد عرضها على ميزان الكتاب والسنة .

وقد تفاجأ كثير من العقلاء عندما اطلعوا على أحوال الشيخ ودعوته أن خصومه هم من بدؤه (( بالتكفير )) و((القتال )) !! بغير حق . فكان الأولى بمقولة ( هلا لنفسك كان ذا التعليم ) .

وقد أحببت أن أساهم في دفع هذه الفرية عن دعوة التوحيد بنقل مقتطفات من كتاب الشيخ ناصر العقل حفظه الله ( إسلامية لا وهابية )

- ( لقد اتخذ أشراف مكة موقفاً عدائياً من دعوة الشيخ محمد والدولة السعودية على حد سواء منذ البداية. فقد سجن أحد أولئك الأشراف الحجاج التابعين للدولة السعودية سنة (1162هـ) . ( ابن بشر، ج1، ص (37)).

وأصدر قاضي الشرع في تلك البلدة المقدسة فتوى بتكفير الشيخ محمد وأتباعه.(أحمد بن زيني دحلان، خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، القاهرة، 1305هـ، ص :227-228) .

ولذلك مُنِعوا من أداء الحج سنوات طويلة. وكم كانت فرحة الشيخ عظيمة عندما تلقى رسالة من الشريف أحمد بن سعيد عام (1185هـ)، طالباً منه بعث عالم نجدي لشرح الدعوة التي نادى بها. وقد أرسل إليه الشيخ تلميذه عبدالعزيز الحُصيِّن. وبعث معه رسالة تنبئ عبارتها بما كان يختلج في نفسه من مشاعر طيّبة تجاه ذلك الشريف، وما كان يملأ جوانحه من آمال في مناصرته لدعوة الحق.

قال الشيخ: "بسم الله الرحمن الرحيم. المعروض لديك، أدام الله فضل نِعَمه عليك، حضرة الشريف أحمد بن الشريف سعيد –أعزَّه الله في الدارين، وأعزَّ به دين جده سيد الثقلين-، أن الكتاب لما وصل إلى الخادم وتأمَّل ما فيه من الكلام الحسن رفع يديه بالدعاء إلى الله بتأييد الشريف لما كان قصده نصر الشريعة المحمدية ومن تبعها، وعداوة من خرج عنها. وهذا هو الواجب على ولاة الأمور... فلا بدَّ من الإيمان به –أي بالنبي صلى الله عليه وسلم- ولابد من نصرته لا يكفي أحدهما عن الآخر، وأحق الناس بذلك وأولاهم أهل البيت الذين بعثه الله منهم، وشرَّفهم على أهل الأرض، وأحق أهل البيت بذلك من كان من ذريته صلى الله عليه وسلم".(تاريخ ابن غنام ، 2 / 80-81) .

على أن هذه الرسالة اللطيفة لم تُجن منها الثمار المرجوَّة؛ ذلك أن الشريف أحمد نفسه لم يبق في الحكم أكثر من سنة، فتلاشى ما دار في ذهن الشيخ من أمل، واستمر منع أنصاره من أداء الحج، ومع مرور الأيام لم يكتف أشراف مكة بذلك المنع؛ بل بدأوا بمهاجمة الأراضي النجدية التابعة للدولة السعودية عام (1205هـ/1790م). وكانت النتيجة أن انتصر السعوديون في نهاية المطاف على أولئك الأشراف حتى دخلت الحجاز تحت حكمهم.

- يقول زيني دحلان القبوري وكان أهل الحرمين يسمعون بظهورهم – أي الشيخ محمد وأتباع دعوته - في الشرق وفساد عقائدهم ولم يعرفوا حقيقة ذلك، فأمر مولانا الشريف مسعود أن يناظر علماء الحرمين العلماء الذين أرسلوا فناظروهم فوجدوهم ضحكة ومسخرة كحمر مستنفرة فرت من قسورة، ونظروا إلى عقائدهم فإذا هي مشتملة على كثير من المكفرات ، فبعد أن أقاموا عليهم البرهان والدليل أمر الشريف مسعود قاضي الشرع أن يكتب حجة بكفرهم الظاهر ليعلم به الأول والآخر وأمر بسجن أولئك الملاحدة الأنذال، ووضعهم في السلاسل والأغلال فسجن منهم جانباً وفرَّ الباقون ووصلوا إلى الدرعية وأخبروا بما شاهدوا ،فعتى أمرهم واستكبر، ونأى عن هذا المقصد وتأخر، حتى مضت دولة الشريف مسعود وأقيم بعده أخوه الشريف مساعد بن سعيد، فأرسلوا في مدته يستأذنون في الحج فأبى وامتنع من الإذن لهم فضعفت عن الوصول مطامعهم ،فلما مضت دولة الشريف مساعد وتقلد الأمر أخوه الشريف أحمد بن سعيد أرسل أمير الدرعية جماعة من علمائه كما أرسل في المدة السابقة.

فلما اختبرهم علماء مكة وجدوهم لا يتدينون إلا بدين الزنادقة فأبى أن يقر لهم في حمى البيت الحرام قرار ،ولم يأذن لهم في الحج بعد أن ثبت عند العلماء أنهم كفار، كما ثبت في دولة الشريف مسعود. فلما أن ولي الشريف سرور أرسلوا أيضاً يستأذنونه في زيارة البيت المعمور فأجابهم: بأنكم إن أردتم الوصول آخذ منكم في كل سنة وعام صرمة مثل ما نأخذها من الأعاجم وآخذ منكم زيادة على ذلك مائة من الخيل الجياد ،فعظم عليهم تسليم هذا المقدار وأن يكونوا مثل العجم فامتنعوا من الحج في مدته كلها، فلما توفي وتولى سيدنا الشريف غالب أرسلوا أيضاً يستأذنون في الحج فمنعهم وتهددهم بالركوب عليهم ،وجعل ذلك القول فعلاً ،فجهز عليهم جيشاً في سنة ألف ومائتين وخمسة، واتصلت بينهم المحاربات والغزوات إلى أن انقضى تنفيذ مراد الله فيما أراد وسيأتي شرح تلك الغزوات والمحاربات بعد توضيح ما كانوا عليه من العقائد الزائغة التي كان تأسيسها من محمد بن عبدالوهاب).
إلى أن يقول معترفًا : (والحاصل أنه – أي الشيخ محمد - لبَّس على الأغبياء ببعض الأشياء التي توهمهم بإقامة الدين، وذلك مثل أمره للبوادي بإقامة الصلاة والجماعة ومنعهم من النهب، ومن بعض الفواحش الظاهرة كالزنا واللواط، وكتأمين الطرق والدعوة إلى التوحيد، فصار الأغبياء الجاهلون يستحسنون حاله وحال أتباعه).

- ويقول عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه عن جيش ابراهيم باشا عدو الدعوة : (ولما وصلوا بدراً واستولوا عليها وعلى القرى والخيوف، وبها خيار الناس، وبها أهل العلم الصلحاء : نهبوهم وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم فكانوا ..يبيعونهم من بعضهم لبعض ويقولون :هؤلاء الكفار الخوارج ).(تاريخ الجبرتي ، 3/341-343 ).

- قال الإمام محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - مبينا ظلم خصومه له : (وأما: ما صدر من سؤال الأنبياء، والأولياء الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها والسرج، والصلاة عندها واتخاذها أعياداً، وجعل السدنة والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بوقوعها النبي صلى الله عليه وسلم وحذر منها، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة، حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان" .

وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد، أعظم حماية وسد كل طريق يوصل إلى الشرك، فنهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه كما ثبت في صحيح مسلم، من حديث جابر، وثبت فيه أيضاً: أنه بعث علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- وأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا تمثالاً إلا طمسه؛ ولهذا قال غير واحد من العلماء: يجب هدم القبب المبنية على القبور، لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

فهذا: هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس، حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا، وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم، وظفرنا بهم ، وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه، بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ؛ ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)، فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان، قاتلناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: (لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز).

- وقال الشيخ عبد الله بن الإمام محمد: (وهذا الدين الذي ندعو إليه، قد ظهر أمره وشاع وذاع، وملأ الأسماع، من مدة طويلة، وأكثر الناس بدّعونا، وخرّجونا، وعادونا عنده، وقاتلونا، واستحلوا دماءنا وأموالنا، ولم يكن لنا ذنب سوى تجريد التوحيد، والنهي عن دعوة غير الله والاستغاثة بغيره، وما أحدث من البدع والمنكرات، حتى غُلبوا وقُهِروا، فعند ذلك أذعنوا وأقروا بعد الإنكار) . ( الدرر السنية (1/274)).

قال الشيخ العقل : ( 1-إن خصومهم هم البادئون بالقتال بإعلان الحرب المسلحة وغير المسلحة على الدعوة ودولتها وأتباعها، بل أعلنت قوى الشر استعمال القوة والقتال للشيخ وأتباعه قبل وصوله الدرعية وقبل أن يكون لهم كيان ،حيث هدده سليمان بن محمد الحيدي في الأحساء (من بني خالد) وأنذر عثمان بن معمر –أمير العيينة- إن لم يتخذ موقفاً حازماً ضد الشيخ الإمام وكذلك فعل ابن شامس العنـزي. ( انظر : حياة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، لخزعل ، ص 142).

- ثم لما استقرت الدعوة في الدرعية بدأها بالحرب دهام بن دواس أمير الرياض آنذاك.

2- إن الخصوم كانوا كثيراً ما يغدرون بأتباع الدعوة من الدعاة القضاة والعلماء وطلاب العلم والمعلمين الذين كان يبعثهم الشيخ محمد والولاة والمشايخ –المؤيدين للدعوة- للقرى والبادية والأقاليم لتعليم الناس دينهم وإجراء الأحكام الشرعية بينهم ،بل كثيراً ما يعلنون العصيان على الحاكم الإمام محمد بن سعود، وينقضون البيعة والعهد، ويخرجون على الجماعة والإمام، وهذا ما يحرمه الإسلام، ويأمر بتأديب من يفعله.

3- وكان حكام الحجاز غالباً يعلنون العداء لدعوة التوحيد وأتباعها وكانت عداوتهم متنوعة عقدية وسياسية وإعلامية ثم عسكرية، وأحياناً يقتلون بعض العلماء والدعاة بل والرسل الذين يبعثهم أهل الدعوة إليهم.

4- وكانوا يمنعونهم من حقوقهم المشروعة كإبلاغ الدعوة، وكأداء فريضة الحج، فقد منعوهم منه سنين طويلة ثم أذنوا فيه سنة (1197هـ)، ثم الشريف غالب منعهم من الحج مرة أخرى منذ سنة (1203هـ) وما بعدها ثم غزا معتدياً، فقد بدأ الشريف غالب وغيره من حكام الحجاز الحرب على الدعوة وأتباعها قبل أن يبدؤوهم. وأعلن الحرب المسلحة ضدهم، وقد اعترف خصوم الدعوة بذلك وذكره مؤرخوهم معتزين به. (انظر : خلاصة الكلام لدحلان ، ص 228-229). – وقد سبق شيئ منه - .

- ولم يكن موقف زعماء بني خالد من دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدولة السعودية أقل عداوة من موقف أشراف مكة) .

وعلى هذا فإنه عند التحقيق العلمي المتجرد يثبت قطعاً أن ما يقال عن الإمام وعلماء الدعوة وحكامها (آل سعود) وأتباعها حول التكفير واستحلال قتال المسلمين ودمائهم كلها مما لا يصح ،أو مما قد يكون له وجه شرعي معتبر قام عليه الدليل الشرعي، ذلك أن تكفير من يستحق التكفير شرعاً وسب من يستحق السب شرعاً ليس من التكفير والسب المذموم ولا القسوة، بل مما هو مطلوب شرعاً في الدين الإسلامي بشروطه وضوابطه التي يعرفها الراسخون في العلم.

إذن فقد ثبت أنهم لم يبدأوا القتال ولم يقاتلوا ابتداء إنما بدأ القتال خصومهم. ثم إنه من الطبيعي أن اختيار منهج القوة والحزم والقتال عند الضرورة هو الحل الأمثل في كثير من الأحوال ،ومنها الحال التي وصلت إليها الدعوة مع خصومها.

ونظراً لقوة الباطل والهوى وتمكنه من قلوب كثير من الناس وحياتهم لم تقبل نفوسهم الحق ولم تذعن لأهله. كما أن الناظر لحال كثيرين من الذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها تشنيعاً على الدعوة وأتباعها في شبهة التكفير يجد العجب من تحيزهم ضد السنة وأهلها في هذه المسألة (وغيرها) وإغفالهم لأهل البدع الخلص الذين يكفرون خيار الأمة؛ فيكفرون صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزاوجه أمهات المؤمنين، ويكفرون السلف الصالح.

بل إن أكثر مزاعم التكفير والتشدد التي ألصقت بالدعوة وإمامها حدثت من الرافضة الذين يكفرون خيار الأمة ويستنقصونهم، ومن أشياعهم الذين يشاركونهم في بدع المقابرية والقباب والمشاهد والمزارات البدعية، والطرق الصوفية والموالد والأذكار المحدثة، ومن المعلوم لدى كل باحث ومحقق: أن أصل هذه البدع ومنشأها كان من مكفّرة الصحابة والسلف الصالح، فأين العدل والإنصاف والتحقيق الذي يدّعونه؟، وأين الغيرة على الحق والدين وعلى الأولياء والصالحين التي يزعمونها؟ وهم يهينون الصالحين ببدعهم. وأين النصح للمسلمين الذي يتظاهرون به؟! وهم يروجون البدع وينصرونها).

شهادة علماء مكة ، وموافقتهم للدعوة السلفية :
وحين اطلع علماء مكة وغيرهم على الدعوة ومنهجها عن كثب وحاوروا علماءها وأميرها سعود بن عبدالعزيز، وعرفوا أنها هي الدين الحق، واعترفوا بهذه الحقيقة قالوا: (نشهد –ونحن علماء مكة، الواضعون خطوطنا، وأختامنا في هذا الرقيم- أن هذا الدين، الذي قام به الشيخ: محمد بن عبدالوهاب –رحمه الله تعالى -، ودعا إليه إمام المسلمين: سعود بن عبدالعزيز، من توحيد الله، ونفي الشرك، الذي ذكره في هذا الكتاب، أنه هو الحق الذي لا شك فيه ولا ريب. أشهد بذلك، وكتبه الفقير إلى الله تعالى: عبد الملك بن عبد المنعم القلعي، الحنفي، مفتي مكة المكرمة، عفي عنه، وغفر له.

ثم شهد به كل من: محمد صالح بن إبراهيم، مفتي الشافعية بمكة، ومحمد بن محمد عربي، البناني، مفتي المالكية بمكة المشرفة، ومحمد بن أحمد المالكي، وعبدالحفيظ بن درويش العجيمي، وزين العابدين جمل الليل، وعلي بن محمد البيتي، وعبدالرحمن جمال، وبشر بن هاشم الشافعي).

وشهد بذلك وأقر به الشريف غالب وكان من ألدّ أعداء الدعوة قائلاً: (الحمد لله رب العالمين، أشهد: أن هذا الدين، الذي قام به الشيخ: محمد بن عبدالوهاب، ودعانا إليه إمام المسلمين: سعود بن عبدالعزيز، من توحيد الله عز وجل، ونفي الشرك له، وهو الدين الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وكتبه: الشريف غالب بن مساعد، غفر الله له آمين؛ الشريف غالب) . (انظر : الدرر السنية ، 1/314-316 ).

انتهى النقل من الشيخ ناصر العقل - وفقه الله - .
 
حقيقة دعوة الإمام

حقيقة دعوة الإمام

موقع المسلم: كثر الكلام عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من المسلمين وغيرهم، بل ومن داخل السعودية وخارجها ما بين مادح وذام، ومما تنتقد به: تكفير المسلمين وتضخيم قضية الولاء والبراء. فنريد منكم تبيين حقيقتها.

فضيلة الشيخ عبدالرحمن البراك: الحمد لله، لقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والبشرية في جاهلية جهلاء، لم يبق من نور النبوة إلا ما كان عند بعض أهل الكتاب، كما يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" فمنّ الله سبحانه وتعالى على البشرية ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه وتعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1)، وقال: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2) وسعد ببعثته صلى الله عليه وسلم المؤمنون الذين قبلوا دعوته وآمنوا به وبما جاء به، لذا خصهم بهذه المنّة بقوله: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164).

فأخرج الله سبحانه وتعالى بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم من شاء من عباده من الظلمات إلى النور، كما قال سبحانه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم: من الآية1).
فبلّغ صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، وأبان توحيد الله، وأبطل معالم الشرك، وقد أظهر الله دينه على الدين كله، كما قال سبحانه: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33)، وقام بدعوته من بعده أصحابه، ففتحوا البلاد بالسيف السنان، وفتحوا القلوب بالحجة والبيان عن السنة والقرآن، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين بدأ غريباً وسيعود غيريباً كما بدأ، كما في الحديث الصحيح: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء". قيل: ما الغرباء يا رسول الله؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس"، وجاء في الحديث: "إن الله يبعث على رأس كل قرية من يجدد لهذه الأمة أمر دينها" وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله سبحانه وتعالى.

وقد وقع كما أخبر، فمع ما ابتلي به الإسلام والمسلمون من كيد الأعداء من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، مع ذلك لم يزل الإسلام قائماً محفوظاً بحفظ الله، وبما قيض له من الحَمَلة من أهل العلم والإيمان، كما في الحديث المشهور: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وتحريف القالين" ومما يصدق ذلك أنه لما وقعت الردة في العرب بموت النبي صلى الله عليه وسلم قيض الله الخليفة الراشد أبا بكر الصديق رضي الله عنه ومعه الصحابة فجاهدوهم حتى رجع من شاء الله له السعادة، وهلك من قضى الله عليه بالشقوة، واستقر أمر الإسلام، وسارت جيوش المسلمين في فتح البلاد شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وعندما ظهرت الخوارج والرافضة السبئية في عصر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتل الخوارج بمن معه من الصحابة، وقتل السبئية، فقمع الله به هاتين الطائفتين، مما جعل الله في ذلك ترسيخاً للإسلام وقمعاً للباطل وأهله.

وعندما ظهرت بدعة الجهمية قيض الله لها العلماء والأمراء العادلين فحاربوها، وقتل رأس الجهمية الجهم بن صفوان، ولما قامت الدعوة إلى القول بخلق القرآن في خلافة المأمون أنكرها العلماء، وردوا شبهات المبتدعين وصبروا على الامتحان، وبرز في ذلك الإمام أحمد وابتلي في ذلك بلاء شديداً، فصبر وأظهره الله على خصومه حتى عرف في الأمة بإمام أهل أسنة.
وبعد أن مرت قرون، مضت القرون الفاضلة وبعدها قرون، ودرس كثير من معالم السنة، قيض الله شيخ الإسلام ابن تيمية، فأحيا السنة، وجلاّها بالأدلة الشرعية والعقلية، وزيّف شبه المبتدعين، ورد على كثير من طوائف الضلال من النصارى والفلاسفة والرافضة والمتكلمين، وله المؤلفات العظيمة في ذلك، مما كان مصدراً لدعوات التجديد، تجديد دين الإسلام، وفي القرن الثاني عشر في بلاد نجد، وهي منطقة اليمامة، ظهر الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الإمام المجدد، فإنه ولد في سنة خمسة عشر بعد الألف ومائة للهجرة النبوية في بلدة العيينة، من أرض اليمامة، فنشأ بها وحفظ القرآن وتعلم مبادئ العلوم على والده، وتفقه على يد بعض أهل العلم في ناحيته.

بعد ذلك كانت له همة، فرحل إلى الحجاز، مكة والمدينة، ولقي بعض الشيوخ ورحل كذلك إلى العراق، فأفاد ممن لقيه من أهل العلم بالبصرة وغيرها، وقد أنار الله بصيرته، فأدرك أن كثيراً من المسلمين قد بعدوا عن حقيقة الإسلام، حتى دان كثير منهم بالشرك الصراح، وقبلوا الخرافة وعظم جهلهم بحقيقة التوحيد، وكانت له همة عالية، فرأى من الواجب عليه ألا يسكت على هذا الواقع كما سكت الكثيرون، قصوراً أو تقصيراً، فلما رجع إلى بلدته بدأ الدعوة هناك، وتبعه على ذلك كثير من طلاب العلم، فتصدى لمقاومة الشرك والخرافة في بلده العيينة وما جاورها، ثم رحل إلى بلدة الدرعية، فصادف من أميرها محمد بن سعود قبولاً لدعوته، ومناصرة، وذلك في الخمسينات من القرن الثاني عشر، فلقيت دعوته بتوفيق الله نجاحاً، وكثر أنصارها، فانتشرت دعوته في منطقة اليمامة، وامتدت إلى نواحي الجزيرة، وكان ذلك بانتشار حملة هذه الدعوة من الأمراء وطلاب العلم والعامة وبما كان يكاتب به رحمه الله النواحي من الرسائل العامة والرسائل الشخصية، فسعدت نجد قبل غيرها بهذه الدعوة وطهرها الله من مظاهر الشرك والخرافة والصوفية والبدع الاعتقادية، وامتدت آثار هذه الدعوة إلى أطراف الجزيرة وإلى سائر الأقطار الإسلامية، فكان الناس أمام هذه الدعوة صنفين: علماء موفقين عرفوا حقيقتها وعرفوا أنها تجديد لدعوة التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وهو تحقيق معنى (لا إله إلا الله) وتجديد لدعوة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك ببيان حقيقة التوحيد وحقيقة السنة وإزالة ما علق في العقول من شُبَه، أوجبت لكثير من الناس الجهل بحقيقة الشهادتين وما تقتضيانه من إخلاص الدين لله وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. الصنف الثاني: مناوئون حاربوا هذه الدعوة بما يستطيعون، فمنهم من حمله على ذلك الجهل بحقيقتها، ومنهم من حمله الحسد والتعصب والتقليد الأعمى، فألصقوا بهذه الدعوة التهم، وافترا عليها وعلى من قام بها الكذب، مثل أنهم يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يصلون عليه، وهذه فرية ساذجة، تدل على حماقة من تَفَوَّه بها وجهله الفاضح، ومن أعظم ما رمى به الخصومُ الإمامَ رحمه الله أنه يكفِّر المسلمين، وهي فرية كذبها الشيخ رحمه الله في رسائله ومؤلفاته، وقال: نحن لا نكفر إلا من كفره الله ورسوله، وكذلك أحفاده وتلاميذه والمنصفون، بَرَّؤوا الشيخ من هذه الفرية، وبيّنوا حقيقة دعوته، وأنها تقوم على تقرير التوحيد بأنواعه ولا سيما توحيد العبادة؛ لأنه الذي فيه الخصومة بين الرسل وأعدائهم من المشركين، وكذلك كانت الخصومة والاختلاف فيه بين ورثة الرسل وورثة أعدائهم، وفي هذا السبيل بُيِّن سبب حدوث الشرك في العالم وأنه الغلو في الصالحين، كما جرى من قوم نوح عليه السلام، فأفضى بهم الغلو إلى أن عبدوهم من دون الله وقالوا ما أخبر الله به عنهم: (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح:23)، وهي أسماء رجال صالحين كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما، كما بين الشيخ رحمه الله ومَن بعده مِن أئمة الدعوة أن ما عليه كثير من المسلمين من بناء المساجد والقباب على قبور صالحين أو من يظن فيهم الصلاح ثم الطواف حولها، والاستغاثة بأصحابها، والتقرب إليها بأنواع القربات من النذور والذبائح والصدقات، أن هذا بعينه هو من جنس شرك قوم نوح وشرك المشركين من العرب، بل بَيَّن الشيخ أن شرك هؤلاء المشركين أغلظ من شرك المتقدمين، فإن المشركين في هذا الزمان يشركون في الرخاء والشدة، وأما الذين حكى القرآن شركهم، فإنهم كانوا يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، نعم بيّن الشيخ إمام الدعوة ومن جاء بعده من حملتها أن ما يفعله القبوريون من الاستغاثة بالأموات من بُعْدٍ وقُرْب، وطلب الحوائج منهم، والسفر إلى قبورهم لذلك أنه عين الشرك الأكبر المنافي لأصل التوحيد الذي بعث الله به الرسل من أولهم إلى آخرهم، كما بين الله ذلك في كتابه، كقوله تعالى: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) (يونس:106)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (الأحقاف:5)، فعُبّاد القبور هم عند الشيخ كفارٌ مشركون ولو زعموا أن أصحابها وسائط بينهم وبين الله، فإن هذا هو ما كان يزعمه المشركون الأولون، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر: من الآية3)، وقال تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَ
اتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (يونس:18)، فالشيخ إذا كفَّر هؤلاء المشركين من القبوريين لم يكفّر إلا من كفّره الله، كما ذكر في رده على مَن افترى عليه كما تقدم، ومع ذلك فقد نُقِل عن الشيخ في بعض المواضع أنه لا يُكَفِّر الجاهل من هؤلاء حتى تقوم عليه الحجة وبيّن له أن ما يفعله شرك بالله ينافي شهادة أن لا إله إلا الله، فغاية ما يقال إن الشيخ رحمه الله يكفّر هؤلاء القبوريين الذين يستغيثون بالأموات ويدعونهم من دون الله، يكفّرهم بالعموم، لا يكفّرهم بأعيانهم حتى تقوم عليهم الحجة، وهذا هو منهج أئمة أهل السنة في من كفروهم من أصحاب المقالات الكفرية، أي إنهم يكفرون بالعموم وأما تكفير المعين فيتوقف على وجود شروط التكفير وانتفاء الموانع، كما هو مقرر في كتب العقائد، وبهذا يتبين أن هذه الحملة في هذه الأيام على دعوة الشيخ رحمه الله هي من ورثة خصومه من أهل البدع والأهواء من الرافضة والصوفية لما وجدوا متنفساً، وتُهيئ لهم أن يكشفوا عن طواياهم، وذلك بسبب ضعف كثير من حماة هذه الدعوة المباركة، وتخلي بعضهم عنها، وانضمامه إلى صفوف المناوئين، ولو في بعض باطلهم، فلم يأت أصحاب هذه الحملة المعادية للدعوة السلفية، لم يأتوا بجديد بل استجروا ما ورثوه عن أسلافهم، وأظهروه في مؤلفات ومقالات كما صنع من قبلهم، ومع كثرة هؤلاء الخصوم وما لديهم من إمكانات فستبقى دعوة التوحيد والسنة محفوظة بحفظ الله، باقية ببقاء الطائفة المنصورة، التي لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (الرعد: من الآية17). والله أعلم.
 
هل ادعى الشيخ محمد بن عبدالوهاب النبوة ؟

هل ادعى الشيخ محمد بن عبدالوهاب النبوة؟

قبل أن نذكر هذا الإدعاءو هذه الفرية، يجدر بنا أن نقف وقفة يسيرة لمعرفة اعتقاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأتباعه - من بعده - في عقيدة ختم النبوة.
لقد أوضح الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله معتقده في مسألة ختم النبوة في مواضع من مؤلفاته،

منها ما ورد في رسالته لأهل القصيم لما سألوه عن عقيدته فقال - بكل وضوح -:
(وأومن بأن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته)( ).
ويقول أيضا في هذه المسألة :
(وأول الرسل نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم)( ) ويذكر الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن بن حسين في إحدى رسائله معتقد الشيخ الإمام في هذا المقام، فيقول:
(ويعتقد – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب – أن القرآن الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين وخاتم النبيين كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود..) ( ).
ويوضح صاحب كتاب جواب الجماعة معتقد الشيخ في هذه المسألة:
(ويؤمن – أي الشيخ محمد بن عبد الوهاب) بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته) ( ).
يتضح جلياً مما سبق ذكره اعتقاد الشيخ في مسألة ختم النبوة، كما أن أتباع الشيخ – من بعده – تحدثوا عن هذه المسألة في كتبهم ورسائلهم، ونورد منها هذه النماذج التالية:
يقول الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في إحدى رسائله:
(ونؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وأفضلهم) (1).
ويقول صاحب كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق) في تلك المسألة:
(وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم بالنص والإجماع) (2).
ويقول الشيخ أحمد بن مشرف الإحسائي (1) (ت 1285هـ) – أشهر شعراء الدعوة السلفية – هذه الأبيات التالية حول ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم:
ثم جميع الأنبياء والرسـل *** بينهم تفاوت في الفضـل
لكنهم قد ختموا بالأفضل *** منهم نبيناً خاتم الرســل
فلا نبي بعده كـلاَّ، ولا *** مبشرا أو منذراً أو مرسـلا
فما لشرع دينه من ناسخ *** وما لعقد حكمه من فاسخ(3)
ويمتدح الشاعر أحمد بن مشرف المصطفى صلى الله عليه وسلم - في قصيدة أخرى - ويذكر مسألة ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيقول:
هو خير الخلق طرّاً (4)وبه *** للنبيين جرى ختم وفــتح
فبه قد بدئوا واختتـموا *** فهو كالمسك له في الختم نفح(5)
وقد أورد الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في رسالته التي بعثها إلى أهالي الحجاز وجنوب الجزيرة العربية، اعتقاد أئمة الدعوة السلفية في نجد، فكان مما قاله – رحمه الله – في مسألة ختم النبوة:
(ونؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين)(6).
ويقول صاحب جواب الجماعة في هذه المسألة:
ثم ختم النبوة والرسالة بصفوة النبيين والمرسلين وصفوته من الخلق أجمعين {ما كان محمداً أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} (7)، (8).
وبهذه النقول المتعددة تكون مسألة ختم النبوة عند الشيخ وأتباعه قد اتضحت وبانت، فالنبوة قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا نبي بعده، والوحي قد انقطع، فهذه العقيدة مسلَّم بها لا يشوبها أدنى شكًّ أو ريب، وما سبق من نقول تأكيد بأن هذه المسألة ليست محلاً للنقاش والجدال عند أئمة الدعوة السلفية، ومادام هذا هو موقف الشيخ من مسألة ختم النبوة، فإنه من المناسب بيان موقف الشيخ ممن اعتدى وتجرأ على هذا الختم وزعم أنه نبي يوحى إليه.
يتحدث الشيخ عن أهل الرَّدَّة - بعد وفاة خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم - فيقول:
(قتال أهل الردة: وصورة الردة أن العرب افترقت في ردتها فطائفة رجعت إلى عبادة الأصنام، وقالوا: لو كان نبياً لما مات، وفرقة قالت نؤمن بالله ولا نصلي، وطائفة أقروا بالإسلام وصلّوا، ولكن منعوا الزكاة، وطائفة شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولكن صدقوا مسيلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم أشركه معه في النبوة، وقوم من أهل اليمن صدقوا الأسود العنسي في ادعائه النبوة وقوم صدقوا طليحة الأسدي، ولم يشك أحدٌ من الصحابة في كفر من ذكرنا، ووجوب قتالهم، إلا مانع الزكاة …) (1).
ويقول في موضع آخر:
(ومثل إجماع الصحابة في زمن عثمان رضي الله عنه على تكفير أهل المسجد الذين ذكروا كلمة في نبوة مسيلمة مع أنهم لم يتبعوه، وإنما اختلف الصحابة في قبول توبتهم) (8).
وقد أطال رحمه الله في بيان أخبار المرتدين(8)، فذكر قصة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وما أظهره من صلاح.. ثم زعمه في آخر أمره أنه يوحى إليه.
وقال الشيخ بعد هذه القصة:
(وأجمع العلماء كلّهم على كفر المختار – مع إقامته شعائر الإسلام – لما جنى على النبوة) (8).
بل إن الشيخ رحمه الله يصرح بأكثر من ذلك بعبارة موجزة، فيقول في ذكر الحقوق الواجبة على كل مسلم:
(وأعظمها حق النبي صلى الله عليه وسلم، وأفرضه شهادتك له أنه رسول الله وأنه خاتم النبيين، وتعلم أنك لو ترفع أحداً من الصحابة في منزلة النبوة صرت كافراً) (8).
مما سبق بيانه ندرك أن الشيخ رحمه الله يقرر ويؤكد بأن دعوى النبوة – بعد ختمها بمحمد صلى الله عليه وسلم - كفر وانسلاخ عن دين الإسلام، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الشخص الذي يرفع أحداً إلى منزلة النبوة يصير كافراً، حتى ولو كان هذا – الذي رفع منزلته – صحابياً.
ومع كل ما سبق فإننا نرى بعض خصوم هذه الدعوة السلفية يسطرون فرية ادعاء النبوة للشيخ، ويسودون الصحائف بهذا البهتان.
 
نصيحة

نصيحة

يقدم الشيخ محمد بن عبدالوهاب هاتان النصيحتان :

النصيحة الأولى :

الكتب عندكم انظروا فيها ولا تأخذوا من كلامي شيئا ، لكن إذا عرفتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم فاتبعوه ولو خالف أكثر الناس ...
لا تطيعوني ، ولا تطيعوا إلا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في كتبكم ...
واعلم أن ما ينجيك إلا اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدنيا زائلة ، والجنة والنار ما ينبغي للعاقل أن ينساهما . ( الدرر السنية 1/90،89 )
أنا أدعو من خالفني إلى أربع : إما إلى كتاب الله ، وإما إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإما إلى إجماع أهل العلم ، فإن عاند دعوته إلى المباهلة .

( الدرر السنية 1/55 )

والنصيحة الثانية : لمن اشتبه عليه الأمر
عليك بكثرة التضرع إلى الله والانطراح بين يديه ، خصوصا أوقات الإجابة : كآخر الليل ، وأدبار الصلاة ، وبعد الأذان
وكذلك بالأدعية المأثورة ، وخصوصا الذي ورد في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : (( اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم )) فعليك بالإلحاح بهذا الدعاء بين يدي من يجيب المضطر إذا دعاه ، وبالذي هدى إبراهيم لمخالفة الناس كلهم ، وقل : يا معلم إبراهيم علمني .
وإن صعب عليك مخالفة الناس ، ففكر في قول الله تعالى : (( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا )) (( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ))
وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام في الصحيح : (( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ )) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله لا يقبض العلم )) إلى آخره ، وقوله : (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي )) ، وقوله : (( وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة )) . ( الدرر السنية 1/43،42 )
وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه ، وأن الواجب إشاعته في الناس ، وتعليمه النساء والرجال ، فرحم الله من أدى الواجب عليه ، وتاب إلى الله ، وأقر على نفسه ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وعسى الله أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يحب ويرضى ، والسلام.
 
الباطل يحشد أجناده تحت شعار [حرب الوهابية]

الباطل يحشد أجناده تحت شعار [حرب الوهابية]

إن من سنن الله الكونية .. سنة التدافع بين الأضداد والفرقاء .
والفرقة والانشقاق مرض بشري يحصل في كل المجتمعات .. ولكن كل هذه الانشقاقات والتكتلات مآلها لفرقتين ريئسيتين لا ثالث لهما :

الـحـق <---------> والبـاطل!

وفي ذلك قال الشاعر :

كل العداوات ترجى مودتها *** إلا مودة من عاداك في الدين

قد ينشغل الباطل في حروب جانبية مصلحية .. وقد ينشغل الحق كذلك بحروب جانبية ... ولكن هناك حربا واحدة يتناسى كل من الطرفين خلافاته الجانبية أمامها .. ويوحد الجهود فيها لمواجهة خصمه .. ويحشد فيها الحلفاء .. وتتميز فيها معادن الناس وحقيقة عقائدهم هي : حرب الوجود .. التي لا تكون إلا بين الحق وبين الباطل

الحق من طرفه لن يرضى بأقل من إجلاء الظلام .. والباطل لا هم له كذلك إلا نشر باطله وظلماته !

وحرب النور والظلام هي حرب وجود !

ومن الظواهر الملفتة للنظر لكل عاقل متأمل بصير .. هي ظاهرة حرب السنة ومنهج سلف هذه الأمة الصالح والذي ينعته خصومه بلقب : "الوهــــابية" ..!

ننظر فنرى كثيرا من الفرقاء .. الذين فرقتهم الأسماء والأهواء .. ولكن على حرب "الوهابية" .. فكلمتهم جميع .. وشملهم موحد !!

من قبل كان الصوفية والرافضة يلهجون بذكر هذه الكلمة .. حتى أصبحت علما على أهل السنة .. !

أتى الأحباش .. فأكدوا ذلك بفجورهم .. ولم يجعلوا لعاقل منصف إلا أن يوقن بأنهم يتكلمون عن جماعة حق وسنة !

العلمانيين والحداثيين من المنتسبين للإسلام ... لا هم لهم إلا .... الوهـــابية ..!

والآن .. ومنذ حوالي عقد من الزمان .. بدأنا نسمع بالروس ... ومن بعدهم الأمريكان .. يركزون في حربهم على...........الوهــابية ....!!

ثم بدأ الجميع .. كل ينبح من طرفه .. وبدأت بعض القطط - من الجماعات التي كانت تتلحف بالسنة - تستأسد عندما رأت أن الموجة مالت إلى غير صالح أهل السنة .. وبدأت تحاول أخذ دورها في "خرمشة" أهل السنة الذين آووها وأسبغوا عليها من فضلهم في مواجهة الأبعد من أهل البدع .. ولكن لا عجب .. فهذا حال القـــطـط ... !!

حرب شعواء .. وفجور رهيب استحلت فيه كل المحارم .. وانتهكت فيه كل الحدود الأخلاقية والإنسانية .. واستبيحت لأجله كل المبادئ ..

لماذا ؟

هل يعقل أن هذا كله .. من أجل خلافات فقهية او حتى عقدية ؟

وما الذي جمع بين هؤلاء في هذا العداء القذر .. الذي لا يعرف شرفا ولا مبدءا ؟

كيف استطاع أعداؤنا أن يسير أناسا من جلدتنا .. وأن يعبئهم ضد دينهم وأمتهم .. وأن يملأ قلوبهم بكل سخيمة .. وأن يعلف عقولهم بكل متردية ونطيحة .. ثم يمتطي ظهورهم لحرب الإسلام وأهله ؟!

ثم .. ما هي دلائل هذه الحرب .. ؟

وإلام ستصير إليه الصفوف من بعد ؟!

وما هي النتيجة .. على مستقبل هذه الأمة ؟!

أسئلة تلح على المرء .. وما تلبث الأحداث أن تزيد الجواب وضوحا ... والسؤال إلحاحا .. !

.......

في هذه المقدمة أود أن أذكر بعض المواقف الشخصية التي عرفتني بهذا المصطلح .. ودفعتني إلى مزيد من البحث فيه .. واستقراء أطياف من يعاديه .. وما يجمعهم من أصول .

* قبل حوالي 15 عاما .. وبعد أن انتهيت من صلاة الظهر إماما لبعض الشباب في أحد مساجد استانبول.. ثم التفت لأسأل أحد الشباب الأتراك الذي قطع الصلاة وصلى منفردا : لماذا فعلت هذا .. هل أنا كافر ؟؟
قال : أنت وهابي !!
كانت هذه أول مرة أسمع بالمصطلح !! فقلت له ما تقصد ..!
قال : أنت ترفع يديك عند الركوع والاعتدال منه .. وهذه يفعلها الوهابية .. !
طبعا .. أنا مازلت لا أدري عم يتكلم .. ولكنني طولت بالي وشرحت له .. أننا شافعية .. وهذه هيئة الصلاة عندنا !
وطبعا .. لم يفهم .. لسبب واحد .. لأنه مبرمج ....!

حيرني أمره .. فالحق أنني – مع معرفتي بالعالم المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب – إلا أنني لم أكن قد قرأت كتابا كاملا له .. ولم أكن أستبعد أن يكون عنده أخطاء لم أطلع عليها ... إلا أن ما أثار استغرابي وحيرتي .. هو حجم العداء ...!!

* مرت الأيام .. وكنت في نقاش مع إخوة جامعيين .. عن الاستغاثة برسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقلت لهم : الرسول صلى الله عليه وسلم .. أغاثك بالشريعة .. وببيان طريق العبودية لله عز وجل .. فاستغث بالله .. لا برسوله ..!!
قال لي : أنت وهابي ؟
قلت : ماذا تقصد .. من هم الوهابية ؟
قال لي : هم .. فرقة ... لا تعترف بمحمد صلى الله عليه وسلم !! ( أشهد الله أنه بهذا أجاب !! )
قلت في نفسي : هذا مثل صاحبه .. مبرمج على عداء فاجر رهيب ... فمهما قد يكون من الرجل لا يصل إلى هذا ..!!

* مرت أسابيع وشهور .. وإذا بي أزور أحد "الإخوة" من لبنان .. وإذا بي في أثناء كلامي ذكرت الله .. وأشرت إلى السماء .. فما راعني إلا وصاحب البيت .. يقول لي بلهجة لا خلق فيها : أنت كفرت .. !!
وبدأ يشرح لي أن هذا قول ..الوهــــابية !!
إذن ؟ أين الله ؟
فبدأ يروي طلاسمه : منزه عن الجهة .. لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال .. ولا أمام ولا خلف .. منزه عن الزمان والمكان .. ...إلخ من ذاك الكلام السمج الذي لا روح فيه .. والذي بنتيجته ينفي وجود الله عز وجل .. بدعوى باردة هي تنزيهه .. !!!!
وختم كلامه بالتنبيه على كفر سيد قطب ... وابن تيمية ..!
ولم ينس وأنا أغادر بيته .. أن يرجع لي ما أحضرته له معي كهدية .. لأنه لا يقبل هدية من كافر !!!
عرفت فيما بعد .. أنه من الأحباش .. !!

وإذ لم أكن قد قرأت كتابا كاملا للشيخ ابن عبد الوهاب .. فقد كنت قد قرأت كتاب "العبودية" لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي يكفره ذاك المستهتر المسعور .. فقررت أن أترك التسويف وابدأ بقراءة بعض كتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب .. فما وجدت إلا خيرا !! .. وازداد عجبي !!

* روى لي أحد الإخوة أنه حصل نزاع في مسألة فقهية في أحد مساجد مدينة السلط في الأردن حول صلاة الجنازة .. فسأله الإمام الـ"أزهري" : من قال بهذا ؟ .. فعدد له الأخ حتى وصل إلى شيخ الإسلام ابن تيمية .. ! فانتفض ذلك الأزهري وقال له : "يا بني ، ده ابن تيمية "وهابي!!" .. ضال مضل" !!

عندما رواها لي استغربت أيما استغراب .. كيف ينسب السابق إلى اللاحق ..!!!
ولكن زال عجبي عندما رأيت أقواما من هؤلاء .. ينسبون سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل عاش بعده بقرون ..بل ويحصرونها فيه !!!! (وهذا غير أن تنسب الرجل للسنة .. فهذا هو الطبيعي )

وهذه القصة دليل آخر على أن الذين يعادون ما يسمونه بالوهابية .. إنما هم مبرمجون .. دون وعي ودون تفكير .. حتى لو كان يدعي العلم .. مثل هذا الـ"أزهري" .. وغيره من ألـمتمزهرين !

* الرافضة لم يكونوا بحاجة لأحد ليتوسط لديهم لحرب الوهابية .. ولكن الغريب أنهم كانوا يبرمجون من يسقط بأيديهم من أهل السنة مباشرة على كره "الوهابية" .. !
عرفت ذلك عندما قال لي أحد الإخوة الفلسطينيين الذين غرتهم دعايات الثورة الإيرانية وحزب اللات اللبناني .. وكان في بداية تورطه معهم ( قبل أن يخونوه ويشوا به عند أسيادهم اليهود وينفض يده من عفنهم وينقذه الله منهم – بحمد الله- ) .. قال لي أن الوهــابية هي فرقة ماسونية !!!

طبعــا .. هذا الكلام عندي ( وعند أي أحد في رأيه مسكة عقل ) كان يصب في مصلحة ما يسمونه بالـ"وهابية" .. فشهادة الروافض ( ذوي التاريخ الأسود الملوث بخيانة الإسلام والمسلمين) ضد أحد هي في حقيقتها شهادة كمال له.. المثير للاستغراب .. هو حجم العداء !!

ثم مؤخرا ..ومنذ حوالي عقد من الزمان .. أسفر الباطل عن قبيح وجهه .. وصارت الفرق تتكتل إما على حق صريح .. أو باطل قبيح ..وأعلن قادة الباطل عن أنفسهم .. وبدأ أعداء الدين المباشرين .. الروس ثم الأمريكان ...يعلنون أن حربهم مع "الوهـــــابية" .. !

لقد بدأوا يحشدون أجنادهم لحرب .................الوهــــــابية ...!!

..........

عندما بدأ الروس يتشدقون بكلمة "وهابية " .. خلت أن الأمر قد بان .. وظهر لكل ذي عينين حقيقة الحرب وأهدافها .. ولكن صدق المولى عز وجل إذ يقول : ( فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) !

السؤال الطبيعي الذي يتبادر إلى ذهن أي عاقل مسلم عندما يسمع روسيا أو أمريكيا يتكلم عن الوهابية ويستعدي الناس عليها .. هو : " وإنت مالك ؟!!....ما شأنك بين المسلمين .. !!!"

وعلى فرض أن دعوى أنهم خوارج صحيحة..( وما هم بخوارج والذي بعث محمدا بالحق !)
فلا يملك مسلم إلا أن يقول فيهم مقالة خليفة المسلمين وأسد الإسلام على بن أبي طالب رضي الله عنه : "هم إخواننا بغوا علينا " ...!
أما أن يخرج ممن يتسمون بأسماء المسلمين وبل ويدعون العلم .. ويدعون الناس إلى التكتل تحت مظلة الباطل المحض لحرب .. الوهـــــابية !!! .. فوالله ما يبقى لأحدهم حظ من الإسلام !! ولا يستحق أمثالهم من الخونة أن يحملوا شرف الانتساب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم !

وهكذا فعلها الخــائن الذليل قديروف.. وسنها سنة لغيره من أمثاله الذين تكاثروا كالسوس بين المسلمين .. وأعلن ثقته التامة في سفاح المسلمين من شعبه : بوتين ... وأعلن الحرب على الوهـــــــابيين !!

وأقولها بصراحة .. رغم معرفتي السابقة بهذا الرجل وبانحراف منهجه .. لقد صدمت عندما فعلها الذليل !!

لقد كانت هناك أطراف شيشانية علمانية وشيوعية محضة كانت ساخطة على المجاهدين ومعارضين لدولة إسلامية في الشيشان .. ولكنهم والله لم يهبطوا لمستوى هذا الخبيث الذليل !!

مالك سعيداللايف ... أصلامبك أصلخانوف ... عمران حسبوللاتوف (رئيس البرلمان الشيوعي السوفييتي السابق ) .. لم يقل منهم أحد أنه يثق ببوتين .. رغم أن أحدهم وهو (أصلامبك ) نائب في البرلمان الروسي – الدوما- .. بل على العكس .. انتقدوه مرارا .. وهاجموا سياسته الهمجية .. ودعوه مرارا إلى الحوار مع الرئيس مسخادوف ومحاولة إيجاد حل سلمي .. !!!

وكانت أكبر شهادة له من سيده .. ما حدث في الـمهزلة التي سموها زورا "انتخابات" .. حيث أجبر الروس سعيداللايف وأصلامبك وحسبلاتوف على سحب ترشيحهم .. ليخلوا الجو لذاك العميل الذليل .. فلم يجدوا أشد منه إخلاصا .. وذلك للبعد الإيدولوجي الحاقد في عدائه .. لقد كان إحساسه بالضعف أمام مد ما يسميه بالوهابية .. يدفعه بجنون إلى أن يكون مجرد حذاء في أقدام الجنرالات الروس ! ! .. وهكذا يفعل أمثاله الآن !

.........

في هذه الأيام .. نشهد هذه الهجمة الشرسة على منهج سلف الأمة الأطهار .. السابقين والأولين من المهاجرين والأنصار.. ومن تبعهم بإحسان .. وصار الرافضة الخانسين يستقوون بالاحتلال الأمريكي على أهل السنة .. وصار لقب الوهابية .. علما على أهل السنة في العراق والشيشان وغيرهما .. ولله الحمد والمنة .

ولمزيد من الاطلاع على أبعاد الحرب الرافضية المسعورة على أهل السنة في العراق :
http://www.muslm.net/showthread.php?s=&threadid=81241

و بعد كل هذا الذي يلقاه أهل السنة من أذى في العراق .. وبعد كل هذه الفضائح والجرائم .. يخرج علينا علماء مذاهب الضلالة بدعوى التقريب مع الرافضة ... ويجتهدون في ترويجها اجتهادا عجيبا !
في نفس الوقت الذي يشددون فيه على منابذة أهل السنة .. وأتباع السلف الصالح .. ويرمونهم بشتى النعوت والتهم والتي يعلم كبراؤهم أنها كذب وبهتان ...!!

لقد بدأ أشباه قديروف بخلع بقايا من مزع حياء كانت في وجوههم .. وأسفروا عن قلب حاقد على السنة وأهلها .. وأعلنوا حربهم بعد استخفاء بها ..
وبدأ طواغيطهم .. من أمثال حسن فرحان المالكي .. وسعيد فودة .. والجفري .. والبوطي ... وأضرابهم ... يعلنون الحرب على أهل السنة ... باسم السنة .. !!
في نفس الوقت الذي أعلن فيه أعداء السنة ( من علمانيين ورافضة وروس وأمريكان ) الحرب عليها من الخارج......!!!

وكل هذا ما هو إلا دلالة واضحة على أن الصفوف إلى تمايز... وأن أهل الباطل ينادون على أنفسهم بالخسران .. ويشهدون عليها بالضلال .... وأن معركة الفصل معهم تقترب ... والحمد لله أنها محسومة لصالح الحق الأبلج .. بوعد من الصادق المصدوق عليه صلاة ربي وسلامه .. خلافة سلفية راشدة على منهاج النبوة .

...

أريد أن أنوه إلى أن السلفية التي أعنيها في مقالي هي :

" وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "

علما .. وعملا ..
عقيدة .. وخلقا ..
أخذا .. وتركا ..
فهما .. ومنهجا ..
ولاء .. وبراء ..

وليست سلفية الدعاوي العريضة أوسلفية الوراثة أو التجارة .. كدعاوى المنتسبين للسنة والسنة منهم براء !

أكتب هذه الكلمات إقامة للحجة ..وإبراء للذمة .. وتنبيها للغافلين ..

{ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }

أما السلفية .. فلا قبل لأهل الأرض كلهم بها .. فإنه لا يضرها من خالفها ولا خذلها .. وإن وعد الله بخلافة راشدة على منهاج النبوة آت .. ولو كره الكافرون .. ولو كره المخالفون .. ولو كره الخاذلون .. ولو كره الخائنون !

..........

معلوم أن كثيرا من الأسماء تحمل معان لغوية معينة ومعان اصطلاحية ..

فالمعنى اللغوي للصلاة مثلا : الدعاء ..
والمعنى اللغوي للزكاة : التطهير ...
والمعنى اللغوي للجهاد : بذل الجهد ....
والمعنى اللغوي للهاتف : المنادي ..
وهكذا ..

وأما المعنى الاصطلاحي لما سبق ذكره ..
فالصلاة : هي شعيرة يؤديها المسلم في أوقات محددة وبهيئة محددة ولا يجزئ عنها القيام بالدعاء (المعنى اللغوي ) ..
كذلك الزكاة : فريضة مالية يدفعها المسلم في أوقات محددة وبمقادير محددة ..
كذلك الجهاد : قتال الكفار بالسيف ( كما عرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم )
وكذلك الهاتف : فهو جهاز آلي للاتصال له تقنية معينة ..

وقس على ذلك ..

نأتي لاسم " الوهابية" !

في اللغة : هي نسبة للوهاب .. وهو الله .. ولا يطلق هذا الاسم على غير الله .

فالنسبة للــوهاب هي = وهابي

في الاصطلاح .. هنا بدأ تلاعب أهل الأهواء ..وأعداء السنة !!

فلا يوجد أي جماعة معروفة تتبنى هذا الاسم ( وهابية) وتتسمى به .

فماذا يريد مستخدمو هذا المصطلح منه ؟!
هل يريدون منه التزكية والنسبة للوهاب كما هو المعنى اللغوي ؟!

نظرة سريعة على تاريخ هذا اللقب نعرف من خلالها أنه أطلق على حركة إصلاحية قادها الشيخ المصلح محمد بن عبد الوهاب ونسبت إليه ( مع أن النسبة لمحمد بن عبد الوهاب لغةً ليست وهابي !! ) .. وهي حركة سلفية المعتقد قمع الله بها البدع والشركيات التي انتشرت في جزيرة العرب .. وحاربت الدولة العثمانية التي كانت تتبنى هذه البدع والخرافات وتحميها وتوفر لها مناخا رطبا لتنشر عفنها في المجتمعات الإسلامية التي تسيطر عليها..

ولكن كأي حركة بشرية .. شابها بعض الأخطاء التي لا تخلو منها حركة البشر .

تعالوا نحلل بعض العوامل العامة التي كونت هذا المصطلح :

* فنظرا للعقيدة السنية السلفية التي اعتنقتها هذه الحركة ... بدأ استخدام هذا المصطلح من قبل خصوم السلفية عقيدة ومنهاجا من أمثال الرافضة وغلاة الأشاعرة والمعتزلة والإباضية ومن لف لفيفهم ..
فتكونت المعادلة التالية : الوهابية = السلفية ............ مع أنها ليست أول حركة إصلاحية سلفية !!

* وبما أنها حركة سنية تعظم السنة وتعظم شعائر الإسلام ولو كانت شعائر مندوبة .. وتشدد على الالتزام الكامل بالدين وبشعائره … اصبحت الوهابية علما عند الحداثيين والعلمانيين ودعاة الانحلال على التشدد في الدين … فتكونت المعادلة الثانية :
الوهابية = التشديد في الالتزام بشعائر الدين …………. مع أن هذه ليست أول حركة تفعل ذلك !

* وبما أن بركة عقيدة السلف سرت فيها وجذبت إليها الأفئدة .. ومكن الله لها في قلوب الناس .. استغل خصومها الإصلاح المسلح الذي قامت به الحركة ليقرنوا الحركة بالعنف
فصارت عندنا معادلة ثالثة : الوهابية = عنف ............ مع أنها ليست أول حركة مسلحة في تاريخ الإسلام !!

* وبما أن الشيخ القائد محمد بن عبد الوهاب حنبلي المذهب .. والبيئة النجدية التي نشأت فيها هذه الحركة بيئة حنبلية .. صار عندنا معادلة رابعة : الوهابية = حنبلية ………… ومعلوم أنهم ليسوا أول الحنابلة !

* وبما أن الشيخ عقد اتفاقا سياسيا مع آل سعود ... وآل سعود كان فيهم وفيهم .. وموقعهم السياسي انحرف بهم كثيرا عن مبادئ الإسلام .. وارتكبوا ولا يزالون يرتكبون أخطاء شرعية جسيمة .. نتج عن هذا المعادلة الخامسة :
الوهابية = آل سعود .............. مع أن آل سعود نسبة عرقية .. والوهابية نسبة عقيدية إيدلوجية !!

* وبما أنهم قاتلوا الأتراك ... وكان معظمهم من العرب الأقحاح .. صارت في ذهن الأعاجم مقرونة بالعرب .. فنتجت المعادلة السادسة خصوصا عند الأعاجم :
الوهابية = العرب ……..… مع أن هناك كثيراً من العرب لم يشاركوا فيها .. فهي حركة عقدية وليست عرقية !

* و بما أنها أتت على غربة للدين بين أهله .. ودعت إلى أمور وعقائد وعبادات نسيها كثير من الناس .. ونهتهم عن عقائد وعبادات ألفها الكثير لانتشارها وتحولها تقاليد قبلية أوطنية … تكونت المعادلة السابعة .. خصوصا عند العوام :
الوهابية = كل أمر جديد ضد العادات و التقاليد بغض النظر عن شرعيته …….. مع أنها ليست الحركة الوحيدة التي فعلت ذلك !!

نعم لم تكن الأولى ولا الوحيدة ... ولكنها كانت الحركة الوحيدة التي جمعت كل هذا .. فكتب عليها أن تتحمل خصومة كل هؤلاء .. وخصوما آخرين خبأهم لها القدر !

............

من هذه المعادلات الرئيسية .. بدأت يتشكل مصطلح الوهابية في أذهان الخصوم .. وصارت تطبخ هذه المعادلات على نار تتأجج من الأحقاد لدى كل طرف ..

1- فأهل البدع الذين أصاب الانحراف والكدر إما مصدر تلقي الدين .. أو منهج تلقيه .. من قبورية .. أورافضة .. وغلاة الأشاعرة الجهمية … والمعتزلة التي تقدس العقل … لم يكن ليحتاجوا لاستيراد أحقاد على السنة وأهلها .. فالإنتاج المحلي من الأحقاد عندهم يفيض عن الحاجة .. ويخزن للتصدير !
وعلى رغم ما بين هذه الفرق من خلافات ظاهرة كبيرة .. إلا أن وضعية مناهجهم ومصادر تلقيهم وخسة أصلها وحدتهم ضد الخطر الداهم الذي يتهدد وجودهم : السنة ذات المنهج الرباني .

2- ودعاة الانحلال والإباحية .. ثم من بعدهم الحداثيين والعلمانيين وأصحاب المناهج الوضعية في الحياة .. لم يختلفوا عن أصحابهم أصحاب المناهج الوضعية في الدين .. فلم تكن تنقصهم الأحقاد على الفضيلة وشعائر الدين التي لا تخدم وضاعة حياتهم ومناهجهم !! ولم يكونوا بحاجة لمن يتوسط لهم لحرب الحق وأهله !

3- طبعا .. كل من خسر مكتسباته في هذه الحرب التي ربحها الحق .. صار يولول ويتهم الحركة بأنها من حركات الخوارج !! جاهلا أو متجاهلا حقيقة الخوارج وصفاتهم ... والتي لا تشترك معها الحركة الشيخ بن عبد الوهاب إلا بمسألتين
أولها : قتال من يدعون الإسلام .. وهذه إن كفت أن تجعل الإنسان من الخوارج لكان أبو بكر الصديق أول الخوارج والعياذ بالله . ..
ثم من قاتلتهم حركة الشيخ لم يكونوا ممن شهد لهم بالإيمان كالصحابة الذين قاتلهم الخوارج ؟
ثانيها : الخروج على الحاكم .. وشتان .. بين من خرج عليه الخوارج .. والدولة المهترئة التي خرجت عليها حركة الشيخ والتي كان الشرك يعشش فيها .. وتحكم بالقوانين الوضعية التي استجلبها من سويسرا وفرنسا لأن مشايخ الدولة العثمانية كانوا قد حجروا الاجتهاد وأحكموا إغلاق الباب عليه !!
ولكنهم استخدموا هذا العنف فزاعة ليخيفوا الناس .. وصارت تنسج الحكايات .. وتضخم الحوادث .. وتعمم الأحكام لضرب لب هذه الحركة وهو التوحيد .

4- المذهبيون كان لهم موقف عجيب ..
فمنهم من استغل الموقف لتصفية حساباته مع المذهب الحنبلي الذي طالما أفرى أكباد المبتدعة من لدن شيخه الإمام أحمد بن حنبل الذي استحق بجدارة لقب إمام أهل السنة لمواقفه البطولية الكريمة في وجه أحفاد لبيد بن الأعصم اليهودي من الجهمية والمعتزلة ... والذين عادوا مرة أخرى على الساحة متسترين بالأشاعرة والأشعرية بعد أخزى الله أجدادهم ودحرهم بفضل مواقف الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله .. وهؤلاء لم تكن تنقصهم الأحقاد أساسا على المذهب الحنبلي ..
ومنهم من التزم بقواعد اللعبة المذهبية .. خصوصا المنتسبون للحنابلة الذين شعروا أنهم في ورطة .. فوجدوا المخرج في أن يتهموا الشيخ بأنه يخطط لــ "إنشاء !!!" مذهب " خامس" !! ..وبدؤوا بحربه بين أتباعهم من هذه الجهة .. وهذا يكذبه تصريح الشيخ بن عبد الوهاب بأنه حنبلي .. وله شعر معروف في مدح الحنبلية ودعوة الناس أن "يتحنبلوا" !.. ولذلك كان هؤلاء أضعف الناس عداء للشيخ وحركته .

5- أما أعداء آل سعود فقد يجتمع فيهم بعض الأسباب السابقة في العداء لحركة الشيخ .. وقد تكون دوافعهم سياسية سلطوية محضة .. وهي من أخس الدوافع .. وأقذرها .. لا تعرف دينا ولا مبدأ .. وهي من جنس عداوة رأس النفاق بن أبي سلول لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من إيمانه قلبيا بدعوته ( وأرجو ملاحظة أنني اتكلم عن الدافع السلطوي المحض .. وليس عن العداء لآل سعود .. فهم مثل غيرهم فيهم الصالح والطالح .. وقد تكون دوافع بعضهم سلطوية محضة )

6- تشارك الدوافع العرقية العنصرية الدوافع السياسية في خستها وقذارتها وحقدها الأعمى .. وتفوقها في كونها عداوة عمياء لا ترى حقا ولا تحسب إلا حساب المصالح الشخصية الضيقة .. وهي من جنس عداوة اليهود لنبي الهدى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم مع يقينهم بنبوته وصحة رسالته .. لأنه لم يكن من بني داوود .. !
وكذلك العنصرية ضد العرب .. التي كانت تلهب أوارها الشعوبية البغيضة.. التي كانت تحسد العرب على ريادتهم لأمة الإسلام بلغة القرآن .. وتتهم العرب بأنهم أمة أمية .. وتتكبر عليها بما عندها من حضارات زائفة .. ويطيش عقلها وهي ترى أهل البداوة .. يهزمونهم .. ويزلزلون عروشهم .. ويقلبون حضارتهم المادية على رؤوس أصحابها .

وقد تضيق حلقة العنصرية في أحيان كثيرة لتنصب على أهل نجد .. و استعمل هؤلاء فهما مغلوطا مشوها لبعض الآثار النبوية التي أتت على ذكر نجد ... لتغطية سوءتهم العصبية المنتنة وتسعير الأحقاد العنصرية ..

7- عند العوام .. العداء لا يكتسب مقدارا كبيرا من الأحقاد بقدر ما يكتسب ضبابية وغموضا وغوغائية .. وهؤلاء دائما وقود .. مسيرين بكبرائهم الذين سوف يتبرؤون منهم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ... مسيرون بتقديس العادات والموروثات .. وأئمتهم في ذلك من كان يقول : " ... إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ "

هذه هي الخصومات والأحقاد التي اجتمعت على هذه الدعوة الإصلاحية التي قادها الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله .. وهولت من الأخطاء البشرية التي حصلت من أفراد هذه الحركة

تبقى الخصومات التي ظهرت فيما بعد .. والتي كان لها دور ملحوظ في تأجيج الصراع من جهة .. وتوجيهه - من جهة أخرى - في ضرب الإسلام والمسلمين

.........

في هذا القرن ..دخل عاملان مهمان على الصراع :

1- الثروة التي ابتلى الله بها أهل الجزيرة .. وما تبع ذلك من حسد الناس لهم عليها .. فأضيف إلى المعادلات السابقة الوهابية = البترول والثروة !!
والحسد من الأمراض الشعبية القذرة التي تنتشر بسهولة بين العوام ولا تحتاج لا إلى أدلة عقلية ولا إلى أسس أيدلوجية لبثها وتأجيج أوارها .. ولذلك تراها سهلة التوجيه والاستخدام في توجيه الناس من قبل الأعداء العقائديين ..
والحسد في قذارته مثل الكبر والبطر الذي أصاب كثيرا من أهل الجزيرة بسبب ثرائهم .. وما تبع ذلك من تصرفات عمياء لا خلاق لها ولا أخلاق .. شحنت مشاعر الحسد عند الناس .. وقدمت مجالا رطبا لتفاقم عفونتها في نفوسهم .

2- الكفار الذين وجدوا في السلفية دعوة ومنهجا وتربية خطرا داهما عليهم وعلى دينهم الباطل
فهي لا تتوقف على شخص معين .. لا على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا على غيره .. وتحمل دائما أسباب بقائها وديمومتها لأن منهجها منهج رباني محدد .. يمثل مرجعية ثابتة متجددة ..
هو منهج واحد .. أخطر ما فيه أنه واحد .. ينبثق من الفطرة .. وينمو بماء القرآن والسنة التي تكفل الله بحفظهما... فإذا اجتمع على الأخذ به مليار ونصف المليار من البشر .. لأبتلع نوره الظلام الذي يعشش فيه كفرهم .. ولأفسد عليهم خططهم في السيطرة على العالم ..
وهذا ما فهموه من دراستهم لأحوال المسلمين ( وهم أهل دراسة وتدبر ولو في الباطل ) .. فوجدوا أن الحركات التجديدية التي حركت المسلمين .. قد تبنت المنهج السلفي .. بطريقة أو بأخرى .. مما يعكس التفاف الناس حوله .. وثقتهم به .. فأصبح حرب هذا المنهاج على رأس أولوياتها
واصبحت الوهابية = الإسلام

.........

بعد هذا الاستعراض للعوامل التي كونت هذا المصطلح الفضفاض الشديد التناقض " الوهابية" .. نلخص التحديات التي قامت في وجه الإسلام مستخدمة هذا المصطلح :

التحدي الأول : العداء الأيدلوجي العقدي الشامل
وهو تحدي الفئات .. التي اعتبرت معركتها مع التيار السلفي السني معركة مصير ووجود .. معركة عقائدية لا يجب أن تنتهي إلا بإفناء هذا المنهج الرباني والذي لا يدري أهل الباطل أنهم لن يقدروا عليه بوعد من الرحمن وأن بركاته سوف تبقى على الرغم من كيد المخالفين وخيانة الخاذلين .. هذا المنهج الذي تبقى بركة الرضى الإلهي تنبض فيه وتبقيه حيا نضرا على مر السنين والعصور : "وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " التوبة / 100

أصحاب هذا التحدي يمكن تمييزهم إلى ثلاث فرق رئيسية .. تفرق بينهم أمور كثيرة .. وتجمعهم عداوتهم للحق والحرب على وأهله :

** الكفار الأصليين من روس وأمريكان ويهود.. ولقد أسفروا مؤخرا عن وجههم الكالح .. وجاهروا بعدائهم للدين ... ولكنهم مازالوا يشيعون أن عدائهم مركز على السلفية .. أو ما يسمونه بالـ"وهابية" !

** غلاة المبتدعة .. من صوفية ورافضة وجهمية وأشاعرة .. وهؤلاء أصحاب مصلحة مباشرة في القضاء على أهل السنة .. وكانوا – ومازالوا- على استعداد للحلف مع الشيطان للقضاء على السنة والسلفية .. أو ما يسمونه بالـ"وهابية" !
ومن هذا الصنف قديروف .. والأحباش .. والروافض .. وفلول غلاة الأشاعرة ... والذين وضعوا أنفسهم تحت تصرف أعداء الإسلام مدفوعين بأكوام رهيبة من الحقد على السنة وأهلها .. ليس فقط خيانة .. بل عن عقيدة ومنهج وضعي منحرف منحط .

** أهل الانحلال والإباحية ... العلمانييون والحداثيون .. وأمر هؤلاء لا يختلف عن أمر أسيادهم الكفار الأصليين ... إلا من ناحية تضاعف خطرهم على الإسلام والمسلمين .. لتسترهم بجلدتنا وأسمائنا .. وترى أمثال هؤلاء يتظاهرون بحب الإسلام .. وبل وبالدفاع عنه .. ولكن يلخصون مشكلتهم مع "هذا التيار المتنطع المتعصب!!" .. والذي يسمونه كإخوانهم السابقين بــالـ "وهابية " !
.........

التحدي الثاني: العداء العقدي أو الأيدلوجي الجزئي :
وهو العداء الذي لا يمثل حربا عامة بقدر ما يمثل خلافات جزئية .. في بعض جوانب المنهج .. قد تتسع وتضيق تبعا للظروف .

ومع أن هذا لم يكن - بحمد الله - عاما في أصحاب هذا العداء .. ووجد منهم بعض المنصفين الذين نادوا بتضييق هوة الخلاف مع أهل السنة السلفيين بدلا من حربهم .. ولم يتورطوا في تكفير أهل السنة كما فعلت شياطين الجهمية والرافضة . . وكانوا ينحازون إلى أهل السنة في الأوقات العصيبة التي تهددت المسلمين .. خصوصا عند معاينتهم للحلف القذر بين أؤلئك الجهمية والرافضة من جهة وأعداء الأمة من الكفار من جهة أخرى ... أقول .. ومع هذا فإن لهم دورا غير مباشر ولكنه فعال في حرب الإسلام والسنة .
وللأسف صار لهؤلاء منظرون ممن ينتسبون إلى العلم .. وغرهم تمسيح أهل الباطل على أعناقهم .. وطبطبتهم على ظهورهم في رضى كانوا يستحقونه بالفعل .. فقد كانوا – وما زالوا - نعم المطايا لهم !!

ويمكن تمييز هؤلاء إلى خمسة فرق رئيسية :
1- الأشاعرة : والأشاعرة أطياف مختلفة .. ومنهجهم العقدي يمتد نظريا قربا من أهل السنة إلى أقصى مداه في أحضان الجهمية والمعتزلة بل ويفوقونهم بشديد تناقضهم وتذبذبهم ... وهذا الطرف تكلمنا عليه في التحدي الأول .. كونه يمثل عداء عقائديا شاملا فاجرا.
وما أعنيه هنا هم الأشاعرة المعتدلين - إن صح التعبير - .. هؤلاء الذين يعترفون أن إمام مذهبهم قد تـــــــــاب من الاعتزال .. واستطاعوا الترويج لمذهبهم وكسب قلوب الناس له في فترة معينة من التاريخ الإسلامي عن طريق عدائهم للمعتزلة والجهمية والرافضة ... دارت الأيام .. وباع فريق منهم أنفسهم وعقيدتهم لهؤلاء الذين بني مذهبهم على عدائهم .. المعتزلة والجهمية .. ورضوا لأنفسهم أن يتخذهم هؤلاء مطايا لحرب أهل السنة .. وفعلوا فعل إخوانهم الزيدية الذين باعوا أنفسهم للرافضة ( الذين ساموهم سوء العذاب من قبل) في مواجهة أهل السنة

2- المذهبيين : وهؤلاء كما أسلفنا .. كان عداؤهم إما للمذهب الحنبلي من منطقات مذهبية ضيقة .. أو لما أسموه بالوهابية كمذهب يحاول أن ينازعهم احتكارهم للفقه الإسلامي ... ولم يمثل ذلك حربا شاملة .. ولو أنه كان له دور كبير في تلك الحرب التي شنها أعداء الإسلام عليه وعلى السنة

3- الحزبيين : وهؤلاء كأسلافهم ... أصحاب نظرة حزبية ضيقة .. مع أنهم أوجعوا رأس الأمة بكلامهم عن الشمولية !
الحزب عندهم مرجعية الحق .. وجماعتهم هي جماعة المسلمين التي من تخلف عنها هلك ..!!!
ومرض هؤلاء العضال أنهم يتخيلون أنهم يعملون للأمة .. وهم يعملون مبضع حزبيتهم تمزيقا في الأمة !!
يتخيلون أنهم يعملون للأمة .. وكل الآخرين عملاء ومتخلفين وغير ذلك !
التحريري عند الإخواني عميل ... صنعتهم المخابرات لتوهن من الجماعة الـ"أم" !!
والإخواني عند التحريري عميل .. !
والسلفية عند كليهما ... مرض خطير .. وشبح مخيف !!!
والتبليغ .. مع تواضعهم الجم مع الناس .. وعدم أخذهم بمبدأ النهي عن المنكر .. أصبح عندهم من ضروريات العمل للإسلام أن تطعن في غيرهم من الجماعات .. وهكذا دواليك !

4- أصحاب المنهج الدعوي المعكوس :
الدعوة تقوم على دعوة الناس للإسلام .. ولكن في هذا القرن بالذات قام فكر "دعوي!!" استنتج أن إحضار الناس للدين "صعب" .. وعليه .. فلم يبق لنا إلا إحضار الإسلام للناس !!!!!
هؤلاء .. صاروا يعيبون على السلفية "جمودها" ... وحولوا هذه النقطة إلى منطلق لحرب السلفية .. وبرروا بها تساهلهم مع أعداء الأمة من الداخل والخارج .. وتسامحهم البارد مع الرافضة .. !!

5- أعداء آل سعود السياسيين .. وهؤلاء عداؤهم للسلفية التي يسمونها وهابية محدود بعدائهم لآل سعود .. وبعضهم ممن قد يكون على عقيدة سليمة .. ولكن أقذار السياسة ومصالحها المتقلبة الآنية .. تعمي هؤلاء عن الحق .. حتى يجد نفسه وقد أصبح لعبة في يد غيره .. وتعسا له إذا كانت هذه الأيدي الآثمة تقاتل دين الله .
.........

التحدي الثالث : العداء الغوغائي

يبقى العوام ... أصحاب العداء الغوغائي المسير بغير عقيدة .. وهم في شبه من إخوانهم أصحاب العداء الجزئي .. مسيرون بغيرهم .. كمثل الحمار الذي يلوح له راكبه بالبرسيم ليستمر في المشي إلى حيث يريد له أن يسير .. ولكن الفرق بينهما أن راكبهما يستبدل البرسيم للأول .. بالتبن للثاني .

ومع أن عامة الناس لا يعلمون عن عقائد مسيريهم شيئا .. ولو علموها لاستمجوها وبصقوها .. ولأنفتها عقولهم وقلوبهم ..
ومع أن عداء العامة عداء سطحي .. يقوم على دغدغة شهوات منحطة في النفس البشرية ... وتهييج رغبات سافلة منتنة فيها ..
إلا أنه خطورته في أنه أعمى .. وأنه يتخذ له مراكز في القواعد الشعبية التي تتميز بالزخم العددي دون النوعي

وبما أنهم صنف واحد .. غوغاء العامة .. فسوف نتعرض إلى الوسائل التي استخدمها أعداء الأمة العقائديين لتسييرهم .. ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة ..

1- العصبيات العنصرية :
سواء العصبيات ضد العرب عند غيرهم من المسلمين .. أو العصبيات ضد أهل نجد عند غيرهم من العرب ..
والعصبية من الأمراض القديمة من لدن إبليس ... ولذلك فلا يحتاج مستعملوها في توجيه الشعوب جهدا كبيرا ..
ولكن أقذر أسلوب استخدم في تأجيج العصبية .. ومن ثم العداء ضد السنة.. هو أسلوب ضرب الدين بمبادئ الدين ..
فقد استغل هؤلاء فهما مغلوطا لبعض أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في نجد .. في تأجيج الأحقاد العنصرية المنتنة ضد دعوة التوحيد والسنة ..
وأنا هنا لن أتعرض لهذه الأحاديث بشرح أو تعليق .. ولن أسهب الكلام عن تبيان المقصود من "نجد" التي وردت في الأحاديث .. وسأفرض جدلا أن " نجد" المقصودة هي نجد الحالية .. ولكن يكفي ردا على هؤلاء دين محمد صلى الله عليه وسلم نفسه .. الذي جاء لهدم أوثان العصبية .. ونسف الشريعة الشيطانية ( أنا خلقتني من نار وخلقته من طين ) .. والتي يستحيل معها اتخاذ الإسلام هذه العصبية التي جاء لهدمها مقياسا للحق والصواب !

2- العصبيات المذهبية :
وانتماء العامة إلى المذهب ليس فيه تفكير وعقائدية .. وإنما أشبه ما يكون بالانتماء العرقي الذي لا دخل للمرء فيه !!
فأخذ بذلك معظم خصائص العصبيات العنصرية الجاهلية .. حتى أن أقواما يستنكرون على أحدهم إذا اختار مذهبا آخر غير مذهب غيرهم .. مع أن قوانين اللعبة المذهبية المتداولة تتيح للمرء بأن يقلد ما شاء من المذاهب شرط أن يلتزم به !

3- تقديس الموروثات من عادات وتقاليد ولو كانت مخالفة للإسلام :
وهذه متأصلة في العامة ... وكان هذا من أهم أسباب الكفار في العناد ومقاومة دعوة الأنبياء .. ويكفينا في ذلك استعراض شهادة القرآن في هذه الصفة الذميمة التي طالما وقفت ومازالت تقف عقبة كؤودا في وجه الحق ..
يقول الله تبارك وتعالى في هذا : "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ " البقرة /170
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" المائدة / 104
" وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ" لقمان /21
" وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ" الزخرف/23

4- الميل إلى التفلت من الأحكام والواجبات الشرعية :
فالناس تميل إلى من يقدم لها دينا يطمئن فيها غريزة التدين ولكن دون أن "يثقلهم!" بالتزامات كثيرة في حياتهم ... فاستغل أعداء الإسلام هذه النقطة لينفروا الناس عن السنة وعن أهلها.. ويوهموهم ان السلف لهم عصرهم ولنا عصرنا ... وأن السلفية مجرد "مرحلة زمنية ..... مباركة!!" .. انتهت بانتهاء زمانها ..الــ"مبارك!!" .. وهي بهذا ليست منهجا إسلاميا دائما ... وأن الحياة حلوة ... والذي يريد أن يتقرب إلى الله .. فما عليه إلا أن يصبح "ملا " .. أو "شيخ" .. ويتدروش ... أما باقي الناس ... فافعلوا ما شئتم .. مادمتم تؤدون شعائر الطاعة للــ"مشايخ " !! و"تحترمون" الأولياء .. الأموات منهم والأحياء !!

5- الحـسـد
استغل أعداء الإسلام والسنة ومطاياهم من الفريق الثاني .. ارتباط دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أذهان الناس بآل سعود ودولتهم .. فبدؤوا يثيرون في أنفسهم مشاعر الحسد على مــا أنعم الله عليهم من ثروة بترولية في عصرنا الحالي .. وصاروا يسلطون الضوء على سياسات الدولة السعودية المخالفة للإسلام .. ويربطونها بالدعوة السلفية ..
ولم يكتفوا بذلك .. وإنما صاروا "يستدلون!" بممارسات أفراد الشعب السعودي المنافية للإسلام .. !! !!!

وهذا كله من كيد الشياطين الذين لا عقل لهم ولا دين ..

فكل الدول التي تتبنى مذاهب هؤلاء رسميا .. ويتصدر الفتوى فيها علماؤهم ( رافضة كانوا أم اشعرية أم إباضية ..إلخ) .. فيها من الظلم والعمالة واحتكار الثروات العامة والبطش بالمسلمين ما لا يوجد في السعودية ولا غيرها !
بل إن بعض هذه الدول محكومة بمذاهب يكفرها حتى الرافضة .. ولكن هؤلاء يوالونها ويدافعون عنها بلا حياء !

ولإن كانت المسألة مسألة ممارسات شعبية .. فالشعب السعودي ككل الشعوب فيه الصالح وفيه الطالح .. وفيه السني كما فيه الرافضي والأشعري والصوفي بل والاسماعيلي .. ومن أهل السنة فساق لا ينكر ذلك أحد .. ولكن مع هذا كله .. ماذا يوجد في غيرها من البلاد ؟!!!
وعلى أي أخلاق عامة أهلها ؟!

فلماذا تكون سياسات الدولة السعودية و ممارسات الشعب السعودي حجة ملزمة لمنهج رباني من لدن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!!! .. ولا تكون سياسات حكوماتهم وشعوبهم حجة ملزمة لمناهجهم الوضعية المنحطة !!

6- الـعـنـف و التـشدد :
والعنف والتشدد كلمتان فضفاضتان .. قد يراد بهما حق وقد يراد بهما باطل .. والعلماء الربانيون يفصلون الكلام فيهما ولا يذكرونهما مجملتين دون قرينة لبيان المراد منهما .. أما غيرهم فيستعملهما استعمالا مجملاً مبهماً .. يلبس على المسلمين دينهم .. ويدغدغ فيهم العواطف ليصرفهم عن الحق

وسنحاول في هذه السطور تبين الملامح الرئيسية التي تحملهما هاتان الكلمتان .. لنعرف من أين يكاد للمسلمين .. وكيف يلبس عليهم بالباطل ليعادوا الحق .

ولتلازمهما .. واقارب الفروق بينهما .. وتشابههما في أكثر الصفات الرئيسية .. فسوف نتعرض بالتفصيل للعنف .. وننوه على ما يخص التشدد عندما يلزم ذلك بإذن الله :

1- العنف الشرعي :

* مع الكفار وهو : الجهاد .. وهذا الذي يرمي أهل الباطل إلى إجهاضه من خلال التهويش بكلمة العنف

* مع المسلمين :
وقد يكون هذا في شدة الأخذ على يد المخطئ .. و هذه لا تعيب صاحب حق .. فقد كان عمر الفاروق شديدا في الحق .. ويقسو أحيانا كثيرة على من يرى منه الخطأ خصوصا قبل خلافته .. وما كان هذا ليعيبه رضي الله عنه .
وقد يكون في قتال من أمر الشرع بقتالهم من ألمنتسبين لأهل القبلة ( مثل الخوارج ، وقتال الفئة الباغية ، وقتال الفئة الممتنعة عن شعيرة من شعائر الدين )

كما أن التشدد الشرعي .. هو التزام مبادئ الدين .. ومحاب الله ومراضيه .. ولو استهجنه الناس و خالف ما اعتادوا عليه ..
وهذا هو أخذ الدين بقوة الذي أمر به الأنبياء والمصلحون :

قال الله تعالى : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ " مريم /12

وقال تعالى مخاطبا موسى عليه السلام : " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ " الأعراف /145

وقال تعالى : " وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ " الأعراف/ 170

وهو أيضا مصداق خبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن زمان غربة دين الله وبشراه لأهلها .. ففي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ‏طوبى ‏ ‏للغرباء ‏ ، ‏طوبى ‏ ‏للغرباء ‏، ‏طوبى ‏ ‏للغرباء ، فقيل : من الغرباء يا رسول الله ؟ قال :" ناس صالحون في ناس سوء كثير من ‏ ‏يعصيهم أكثر ممن يطيعهم "

فالغربة هي الحرص على تطبيق الدين بغض النظر عن درجة تطبيق المحيط له .. وهذا بعينه ما يطلق عليه أهل الباطل الآن "التشدد" ! وينعق من خلفهم بهذا المصطلح الغوغاء الذين يبحثون عن طريقة لتبرئة ذواتهم مما يتلبسهم من بعد عن شرع الله .. بدلا من التواضع لله والاعتراف بقصورهم في تطبيق شريعة الرحمن .

........

- العنف الغير شرعي المرتبط بالغلو المنفر عن الحق :

ونستطيع أن نميز أصحاب هذا العنف إلى فريقين رئيسين :

*** فريق يمارسه على غير قصد سيء في التنفير من الدين .. ويكون بفعل إحدى العوامل التالية :
1- جلافة الطبع .. بدون أن يقصد منها شرا .
2- حداثة العهد بالتدين .. والجهل بأساليب الدعوة .. وأدب الخلاف .
3- الحرص الشديد على هداية الناس .. وحملهم على الحق حملا دون سلطان ( مثل سلطان الأبوة .. أو سلطان ولاية أمر المسلمين )
4- اجتهاد خاطئ قد يحدث في ممارسة العنف المشروع .. وأخطاء بشرية تصيب حركة الإنسان .. بدون سوء نية
5- قصور في فهم السنة ومنهج السلف فهما شاملا .. والتسرع في حرفية تطبيق بعض جوانبها .. مع إهمال جوانب لا تقل أهمية عن الجوانب المطبقة .
6- التقليد لمن يظن فيهم الخير والغيرة على الدين .. وهم على غير ذلك من أصحاب الفريق الثاني الذي سوف نتعرض لذكره .

أخطاء هؤلاء .. استغلته الماكينة الإعلامية لأهل الباطل عموما - والتي يتزعمها أعدى أعداء السنة ..اليهود - لتسويغ حربهم على السلفية عند العامة .. وتبرير ضربهم مع ضمان سكوت الناس عن ذلك ..
فضخمت حوادث فردية .. وركزت على فئات معينة – أرادت لها هي – أن تمثل السلفية والسنة ...
وابتلع الطعم بلؤم وغباء المنتسبون للإسلام من أعداء السلفية .. فبدؤوا يلوكون هذه الأخبار كلما بصق لهم سادتهم شيئا منها .. وينشرونها .. ويبصقوها بدورهم للغوغاء لكي يصدوا الناس عن دين الله .

*** فريق يمارس العنف بقصد التنفير عن الدين والسنة :
وهذا هو الفريق الأخطر .. وهؤلاء أصحاب نوايا خبيثة مبرمجة على حرب الإسلام والسنة .. يمتهنون التلبس في زي المسلمين لضرب الإسلام والسنة من الداخل .. وتسهيل انتشار صورة قاتمة عنه لدى العامة .. وإحداث تصدعات في الصف السني واصطناع حروب في داخله.. وهذا الطابور الخانس (بإذن الله) فئة موجودة لا خيالية .

وهؤلاء على ضربين من اللؤم والخيانة :

الضرب الأول : هم الخونة العقائديون :
وهؤلاء أظهرت كثير من التحقيقات .. ونوعية جرائمهم .. ارتباطهم المباشر بدوائر المخابرات المعادية للإسلام .
مهمة هؤلاء الرئيسية هي القيام بأعمال منافية للدين .. باسم الدين والسنة .. لتوفير مادة للإعلام المضاد للسنة وأهلها .. الذي يقوم بإبرازها تحت مسميات سنية لتشويه السنة وإفقاد الناس الثقة في أهلها.

من الأمثلة الواقعية لهؤلاء .. الجماعات التي تقوم بمذابح المدنيين في الجزائر ..
وكذلك – وإن كان على نحو أضيق - جماعات قامت بأعمال لا تقل وحشية وعنفا على أرض القوقاز .. وأثبتت تحقيقات المجاهدين مع بعض من قدروا عليهم .. أنهم من أصول غير إسلامية .. وكثير ممن ينتسب منهم للإسلام لا يصلي !!

الضرب الثاني : هم الخونة من أصحاب المطامع المادية :
تعطش الناس - الذين أتعبتهم فلسفة الكلاميين .. ورهبنة الصوفية وخرافاتهم – إلى منهج سلف هذه الأمة الصافي الذي لا كدر فيه ولا دخن .. ولامست دعوة السنة أرواحا ظامئة إلى هدى ربها .. بعد عهود طويلة من الظلام والتخبط في صحاري الفلسفة المقفرة و سراديب البدعة والخرافة المظلمة ..
فبارك الله في هذه الدعوة .. وكتب لها من الانتشار ما قرت به عيون الموحدين .. وأغاظت به قلوب الحاقدين ..
ولكن .... في نفس الوقت .. أسالت له لعاب أصحاب المطامع الدنيوية الدنيئة من المتنفعين ..!!

هؤلاء عمدوا إلى التدثر بعباءتها .. ورفعوا شعاراتها .. ولبسوا جلود التقوى والسنة على قلوب خربة أكلتها الدنيا ..
ولم يكن لهم من هم إلا اهتبال هذه الفرصة ... وحصد الأموال والمراكز .. وامتصاص دمــاء أهل الخير الذين كانوا يبذلون أموالهم في سبيل الدعوة إلى السنة ... واستغلال حب الناس وإقبالهم عليها .. غير مبالين بما توقعه تصرفاتهم الدنيئة وأخلاقهم الهابطة وعقائدهم الحقيقية الخربة من ضرر على الدين والسنة ..

ولم يكتفوا بذلك ..!!
ولكن عقلياتهم التجارية الدنيوية الدنيئة .. أفضت بهم إلى احتكار المنهج السلفي .. وصارت المسألة مسألة : وكالة حصرية للسلف .. !!!!!!

وفعلوا كما فعل أصحابهم من أصحاب المناهج الوضعية الذين لم يكتفوا بالاستيلاء على اسم السنة .. ولكنهم احتكروه ..!!
واحتكروا أي عالم سني قال بشيء يشبه - ولو من بعيد - شيئا من كلامهم !!

وقد ابتليت كثير من بلاد المسلمين بأمثال هؤلاء .. مثل الأردن وتركيا وبعض دول الخليج .. وكان لهم دور بشع في الصد عن سبيل الله وإعاقة انتشار الدعوة .. وتشويه نقاء المنهج السلفي السني في عيون الناس .

ولكن الله غالب على أمره ،،،
 
الموقف من دعوة الإمام المجدد

الموقف من دعوة الإمام المجدد

العداء لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولمزها بـ(الوهابية) قديم، بدأ أول ما بدأت، وحمل رايته المبتدعة، وتبعهم من المسلمين من جهل حقيقتها، أو حالت بينه وبين الرياسة الدينية والدنيوية، وهي في هذا ليست ببدع، فهذا ما قوبلت به دعوات المصلحين قبلها، إلا أن الذي يسترعي الانتباه مؤخراً انتقال موجة معاداتها من الإقليمية إلى العالمية، فأصبح يعاديها أئمة الكفر ودولهم، بشتى مللهم.

والموقف من الدعوة وما تواجهه من الحرب العالمية المعلنة وما يتعلق بذلك متشعب، غير أني أكتفي بإيجاز أهم محاوره فيما يأتي:
1- إن لكل صنف من المعادين للدعوة أسبابه التي تحمله على العداوة، وإذا قمنا بتصنيف هذه الأسباب فسنجدها –أو يجدها الكاتب على الأقل- ترجع إلى سببين اثنين هما: الأول: كراهيتها الشديدة للشرك والبدعة، وبسبب هذه الكراهية لمزت بـ (بغض الأولياء والصالحين). والثاني: تقريرها الجلي لعقيدة الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين، وبخاصة شطر هذه العقيدة الثاني، باعتبارها ثمرة الإيمان بالله واليوم الآخر، ونجد شانئيها يعبرون عنه بـ (إقصاء الآخر، أو نفيه، أو رفضه..).

2- إن الحرب موجهة في الحقيقة إلى المنهج الذي دعت إليه (الوهاية) عقيدة وشريعة، والباحث المنصف من أعدائها لن يلبث طويلاً حتى يعلم أن موقفها المذكور في السببين السابقين هو من أجل ثوابت دين الإسلام، ومن أهم مفردات المنهج الذي سار عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، بلا مواربة ولا مجاملة، وحينئذ فيجب إذا عاداها لهذين السببين أو أحدهما أن يكون شجاعاً صريحاً فيقر بأنه يعادي أهم ثوابت الإسلام، ويرفضها، وأن عليه نبذ مسلك التلبيس الذي يدعو إلى احتقار سالكه؛ إذ لا يمكن للمطلع على القرآن وصحيح السنة أن يعمى أو يصم عن قراءة وسماع النصوص الكثيرة التي يبرأ فيها الله ورسوله من الشرك والكفر وأهلهما على اختلاف أصنافهم، وتلك النصوص التي تحرم التشريع في دين الله ما لم يأذن به الله، وهو ما نسميه البدعة. ومن هنا فإن الامتحان الحق المتعلق بهذه الدعوة لكل مسلم هو في قبول موقفها من الشرك والبدعة وأهلهما، والثبات عليه، أو رفضه والنكوص عنه، ومن ثم رفض أهم ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما أنها حق فأمر مفروغ منه في ديننا.

3- إن هذه الدعوة أبعد ما تكون عن التعصب للأشخاص أو البلدان، لأن جذورها في المدينة ومكة حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم عمرت البلدان: مصر حيث كان مثل الشافعي، والعراق حيث كان مثل ابن حنبل، والشام حيث كان مثل الأوزاعي، ثم ابن تيمية، ثم حمل رايتها أهل نجد حيث محمد بن عبد الوهاب وتلاميذه إلى وقتنا هذا، ثم أصبحت عالمية، يحملها كل من سار على منهج السلف في العالم كله. ولذا فإن أتباع هذه الدعوة لا يعنيهم -بحال- اسمها، بل إنهم يرفضونه، ولا يقبلون أن يلمزوا به، كما أنه لا يعنيهم الأشخاص الذين حملوا رايتها، إلا بقدر ما لهم من حق الذب عن أعراضهم، الثابت لهم بالإسلام، وبالسابقة في الفضل والدعوة.

4- إن منهج أي مصلح -عدا الأنبياء- يحتمل الاشتمال على الخطأ، ومنهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب غير مستثنى من هذه القاعدة، ولكن لدعوته جانبان : الأول: تقرير العقائد والأحكام، التي منها ما يلزم الأخذ بها، ولا يُقبل التشكيك فيها؛ لأن عليها إجماع السلف، وهذه في العقيدة أغلب، ومنها ما لا يلزم الأخذ بها وهي ما كان من مسائل الاجتهاد التي لا يضلل فيها المخالف إذا كان مجتهداً أو مقلده، وهذه في الأحكام أغلب. والجانب الثاني: تطبيق مقتضيات تلك العقائد والأحكام على الأشخاص والمذاهب والأفكار المخالفة، واحتمال الخطأ في هذا الجانب أكثر منه في الجانب الأول، ولذا كان قبول الانتقاد فيه أكثر، كما تختلف فيه درجة الخطأ من حيث الكم والنوع بحسب العالم المجتهد، إلا أن احتمال الخطأ لا يجوز أن يتخذ ذريعة لتعيير الدعوة ورفضها ورميها بالتهم الجزاف؛ لأن هذا النهج في الانتقاد –وهو التذرع بالخطأ في التطبيق للحكم بخطأ التنظير- لن يسلم من وضره كل حق ولو كان الإسلام نفسه المنزل من عند الله، ولن يسلم منه كل داعية ولو كان محمداً صلى الله عليه وسلم الذي يوحى إليه؛ لأنا وجدنا من أصحابه المجتهدين من أخطأ في التطبيق، بل ومنهم من خالف مخالفة صريحة، كالذي زنى منهم، أو شرب الخمر، أو قتل النفس المعصومة.


5- إن كل امرىء عرف أن أعظم ما يكتسب العلم والدين، وأخطرَ ما يتقي الشرك والخرافة والبدعة، ونظر إلى حال البشر -ومنهم كثير من المسلمين- وما هم فيه من الرضا بالجهل واتباع الهوى يدرك ما لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب من عظيم المنة وكبير الفضل على أهل البلدان التي امتدت إليها، فقل من رجل أو امرأة في الجزيرة العربية ليس لدعوة الشيخ عليه منة كبرت أو صغرت، ولذا فإن من انعدام الوفاء وعظم الجحود التنكر لهذه الدعوة الذي يبديه هذه الأيام بعض من يحسب عليها؛ مداهنة وضعفاً أمام حملات التشويه، باسم الانفتاح على الآخر وقبول النقد، الذي ينقلب إلى سيئة إذا نتج عنه ترك الحق، أو التنكر له. فليتق الله هؤلاء وليستحيوا منه حق الحياء، وإذا لم يحملهم الوفاء على الذب عن هذه الدعوة وحملتها، فلا يحملنهم الجحود على قالة السوء فيها، ظلماً، وعدواناً.

6- إنه لا يستحق شرف الانضواء تحت راية هذه الدعوة إلا من استقام على منهجها، وأما من نكص، أو حاول تفسيرها بما يرضي أعداءها فهو بعيد عنها وإن كان قريب النسب من أئمتها، أو ساكناً دارها، كما أن أحداً لا يختص بحق تفسيرها، فهي إرث مشاع للقريب والبعيد ممن هو أهل لتبليغها.

7- إن من فضل الله على هذه الدعوة وأهلها أن عداوة الكفار لها بما استتبعت من الحرب الشديدة الواسعة، والتي يتولى كبرها صهاينة الإدارة الأمريكية، تأخرت إلا أن رسخ منهج الدعوة في القلوب، وامتد رواقه ليلف الأرض كلها، ولذا فلا خوف عليها، بل إن قبولها عند الناس يتناسب طردياً مع تزايد معاداة أمريكا لها، لتعاظم موجة الكراهية لكل ما هو أمريكي. وإن كان شيء من أثر هذه العداوة يخشى على الدعوة منه فإنما هو التنكر لها من بعض المنتسبين إليها
8- إنه بقدر شدة هذه العداوة بقدر ما تنبيء عن النصر الذي حققته الدعوة حتى أصبحت (يخافها بنو الأصفر والأحمر)، كما خاف أسلافهم محمداً صلى الله عليه وسلم ودعوته، ثم نصره الله عليهم. ولا يحسبن الناكصون عنها –من خاصة أو عامة، جماعة أو أفراد، دول أو شعوب- أنهم بانقلابهم عليها ستعدم من يحمل رايتها، وينصر منهجها، كلا، بل الذي سيحدث أن الله سيستبدل بهم قوماً يحملونها، هم أصدق وأصبر، كما وعد وتوعد بقوله سبحانه: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)،.وهذا؛ لأنها حق، والحق لا بد له من ناصر منصور، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم..).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
 
الإفتراءات المكذوبة

الإفتراءات المكذوبة​

من المعروف أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ لم تسلم من المناوئين الذين شنعوا عليها، وبثوا عنها الكثير من الأباطيل ،ولا تعدم كل دعوة سليمة وصحيحة في كل زمان ومكان وجود أعداء وخصوم ، إما عن جهل ، أو لتعصب شخصي ، أو لمآرب خاصة ، ومصالح ذاتية ، وليس الغريب أن تصدر تلك الافتراءات من مستشرق أو صهيوني ، بل العجيب أن يرددها بعض المسلمين ؛ فالله المستعان .
وسنعرض ـ إن شاء الله ـ في هذا المقال الموجز لبعض تلك الشبه مع الإجابة عنها فنقول قبل البدء بذكر الشبه: لا ريب أن الله تعالى ميز الناس في ملكاتهم وخصائصهم تمييزاً كبيراً ،وفضل بعضهم على بعض في الدين والدنيا ، وقد فطر الله البشر على أنهم يخطئون ويصيبون ،كما لا ينكر أحد أثر الأفراد في الريادة والإصلاح ،ولكن المنكر هو تقديس الأشخاص ، وتهيب الناس لنقدهم أو مراجعتهم في شيء مما فعلوه ؛ لذلك ننبه في البداية على أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ لا يدعي العصمة لنفسه ، ولا يدعيها له أحد من محبيه ، وأقواله كأقوال غيره من أهل العلم ، تعرض على الكتاب والسنة ، فما وافقهما قبل ، وما خالفهما رد ؛فإننا لا نزعم العصمة لغير الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( وإنما يخالف في ذلك الغالية من الرافضة وأشباه الرافضة من الغالية في بعض المشايخ ، ومن يعتقدون أنه من الأولياء ، فالرافضة تزعم أن الاثني عشر معصومون من الخطأ والذنب ، ويرون هذا من أصول دينهم ، والغالية في المشايخ يقولون : إن الولي محفوظ والنبي معصوم ، وكثير منهم إن لم يقل ذلك بلسانه ، فحاله حال من يرى أن الشيخ والولي لا يخطئ ولا يذنب ؟ وقد بلغ الغلو بالطائفتين إلى أن يجعلوا بعض من غلوا فيه بمنزلة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأفضل ، وإن زاد الأمر جعلوا له نوعاً من الإلهية وكل هذا من الجاهلية المضاهية للضلالات النصرانية ) .

الشبهة الأولى ـ مما يرددونه : أنه يكفر المسلمين عموماً ويقاتلهم ، ويرى أن أنكحتهم غير صحيحة ، وأنه يوجب الهجرة إليه على من فدر يقول المستشرق الألماني بيوركمان : ( يرى الوهابيون في أنفسهم أنهم وحدهم هم الموحدون ، وأن سائر المسلمين مشركون ) ، والعجيب أن العلامة ابن عابدين ـ رحمه الله ـ وقع في هذا على جلالة قدره وعلمه ، ولم يتوثق ـ رحمه الله ـ في نسبة التكفير إلى الشيخ محمد وأتباعه ، ولعل عذره في ذلك شيوع هذه الفرية في عصره ، والشيخ محمد بن عبد الوهاب لا يكفرون عموم المسلمين ، قال ـ رحمه الله ـ ( فإن قال قائلهم : إنهم يكفرون بالعموم ، فنقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله ، وأن دعوة غير الله باطلة ، ثم بعد هذا يكفر أهل التوحيد ، ويسميهم الخوارج ) ، وقال : ( يا عجباً كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم ، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك ، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة ) وقال (كل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله ، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله ولم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل سبحانك هذا بهتان عظيم )
ومن الإشكالات التي تورد في هذه الأيام :أن أتباع الدعوة يكفرون ، وهذا اللفظ فيه إجمال لا يطلق فيه النفي أو الإثبات فإن أهل الزيغ يطلقون مثل هذه العبارات فيسلم لهم الشخص ظناً منه أنهم أرادوا المعنى الصحيح ، فيلزمونه بأمور باطلة لازمة له ، وإنما أتي من تسليم هذا اللفظ المجمل ، وإلا فلو استفسر واستفصل لما استطاعوا إلزامه بتلك اللوازم ، فيقال لمن أورد هذا الإشكال : إن أتباع الدعوة يكفرون من يكفره الكتاب والسنة ، ولا يكفرون من ليس كذلك .

فصول في التفكير الموضوعي ( 235-241)
مجموع الفتاوى (11/67)
الشبهة الثانية :
مما يلمز به الشيخ ـ رحمه الله ـ : القول بالتشبيه في صفات الله ـ تعالى ـ يقول المستشرق الأمريكي ماكدونالد ) ولما كان جميع المسلمين اليوم ما عدا المتطرفين من أهل الحديث والمشبهة كالوهابية وأصحاب ابن تيمية يأخذون بما يقوله الغزالي في أمر العقائد الإسلامية ، ويقدرونه تقديراً كبيراً فيحسن بنا أن نرجع إلى الرسالة القدسية التي كتبها في بيت المقدس )
وهذا المستشرق معروف بتعصبه، وكان منصراً ، وحرر في الطبعة الأولى من دائرة المعارف الإسلامية ،وكتب في الصفات والقرآن ، وطعن في رسالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يستغرب منه هذا القول
وقد رد الشيخ محمد ـ رحمه الله ـ في رسالته إلى أهل القصيم هذه الفرية حيث قال : ( أعتقد أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ، ولا أحرف الكلم عن مواضعه ، ولا ألحد في أسمائه وآياته ، ولا أكيف ، ولا أمثل صفاته ـ تعالى ـ بصفات خلقه ؛ لأنه ـ تعالى ـ لا سمي له ، ولا كفء له ، ولا ند له ، ولا يقاس بخلقه )
الشبهة الثالثة :
مما يتهم به الشيخ ـ رحمه الله ـ إنكار الإجماع والقياس، وإبطال كتب المذاهب الأربعة ، وأن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء ، وأنه يدعي الاجتهاد وأنه خارج عن التقليد ، وأنه يقول : اختلاف العلماء نقمة يقول المستشرق الهولندي فنسنك : ( ومهما يكن من شيء فإن المذاهب الأربعة قد تخلت عن هذا الاكتفاء بالقرآن والسنة وحدهما وأخذ الإجماع والقياس مكانهما بين أصول الفقه . وهذه الأصول الأربعة لم يعترف بها قط الخوارج والوهابية فضلاً عن الشيعة )
ولا يستغرب هذا منه ؛ فقد شكك في الوحي ، وزعم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استفاد من اليهود والنصارى الكثير ، وأنه التبس عليه بعض ما نقله فأخطأ فيه .
وزعمه باطل فقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن( هذا بهتان عظيم ، وقبله من بهت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال تعالى :" إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله " بهتوه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه يقول : إن النلائكة وعيسى وعزيراً في النار فأنزل الله في ذلك " إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون "
وقال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب :
( مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة ، وطريقتنا طريقة السلف وهي أننا نقر آيات لصفات وأحاديثها على ظاهرها . ونحن أيضاً في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة . ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق ، ولا أحد لدينا يدعيها إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة . ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض ، فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد ، وقد سبق جمع من أئمة الذاهب الأربعة إلى اختيارات لهم في بعض المسائل مخالفين للمذهب الملتزمين تقليد صاحبه . ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة ، ومن أجلها لدينا تفسير ابن جرير ومختصره لا بن كثير الشافعي وكذا البغوي والبيضاوي والخازن والحداد والجلالين وغيرهم . وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كالعسقلاني والقسطلاني على البخاري والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصغير ، ونحرص على كتب الحديث خصوصاً الأمهات الست وشروحها ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولاً وفروعاً وقواعد وسيراً ونحواً وصرفاً وجميع علوم الأمة . هذا وعندنا أن الإمام ابن القيم وشيخه إماما حق ٍ من أهل السنة وكتبهم عندنا من أعز الكتب إلا أنا غير مقلدين لهما في كل مسألة ، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعلوم مخالفتنا لهما في عدة مسائل منها طلاق الثلاث بالفظ واحد في مجلس ، فإنا نقول به تبعاً للأئمة الأربعة ) الدرر السنية (1/30-31)

الشبهة الرابعة ـ تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بـ( الوهابية ) نسبة إلى الوهابية الرستمية ، التي لم يبق منها إلا اسمها في سجلات التاريخ ، فنبشوا في فتاوى العلماء حولها فوجدوا دعوة إباضية، في شمال أفريقيا نشأت في القرن الثاني الهجري ، باسم ( الوهابية ) نسبة إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم الخارجي الإباضي ، ووجدوا من فتاوى علماء المغرب والأندلس المعاصرين لها ما يحقق غرضهم ، ومن المفارقات العجبية أنهم ينزلون تلك الفتاوى على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ ومنها فتوى مفتي الأندلس علي بن محمد اللخمي المتوفى سنة 478هـ وأما عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم فإنه توفي سنة 190هـ على ما ذكره الزركلي وقيل : 197هـ وقيل : 205هـ بمدينة ( تاهرت ) بالشمال الأفريقي .
ولعل القارئ الكريم يلاحظ ما يلي:
1. أن دعوة ابن رستم لم تتجاوز الشمال الأفريقي ، وأما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ففي الجزيرة العربية ، ومن المعلوم بعد ما بين البلدين ، مع أن دعوة ابن رستم لم يرد لها ذكر في تاريخ جزيرة العرب ، بل لم يذكرها المصنفون في الفرق كالشهرستاني وابن حزم ؛ لانقراضها وضياعها
2. أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ لا يوافق الخوارج الإباضية في مذهبهم ، بل كانت دعوته تجديدية على منهج السلف الصالح
3. أن تشويه صورة هذه الدعوة مرتبط بالاستعمار ، ومما يبين ذلك أن الضابط البريطاني ( سادلير ) مبعوث الحكومة البريطانية في الهند قام برحلة من الهند إلى الرياض ، ووقف على أطلال الدرعية في 13 أغسطس 1819م الموافق سنة 1233هـ ، ولحق بإبراهيم باشا ، وأدركه في (أبيار علي ) ، وهنأه على النصر وقال له : ( مع سقوط الدرعية، وخروج عبد الله عنها يبدو أن جذور الوهابيين قد انطفأت ، فقد عرفت من كل البدو الذين قابلتهم في نجد أنهم سنيون وأنهم يداومون على الصلاة المفروضة حتى في السفر الطويل وتحت أقسى الظروف )
4. يظن بعض الناس خطأً أن تسمية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ بالوهابية إنما هو نسبة إلى والده ـ عبد الوهاب ـ ولا يصح ذلك لأمرين :
أ ـ أن الذين سموها بذلك ذكروا فتاوى علماء المغرب في الوهابية الرستمية مما يدل على أنهم نسبوها إليها .
ب ـ أن والده لم يقم بهذه الدعوة ، ولا شارك فيها ، بل إن الشيخ لم يظهر دعوته إلا بعد وفاة والده

الدرر السنية (1/127-133)

الشبهة الخامسة : أن أخاه سليمان بن عبد الوهاب عارضه في دعوته ،ورد عليه بكتاب سماه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية ) وقيل : سماه ( فصل الخطاب في الرد على محمد بن عبد الوهاب ) و لا يصح ذلك، وإنما الذي يثبت في هذه القضية أن سليمان بن عبد الوهاب توقف عن الاستجابة لدعوة أخيه حتى يتحقق مما يدعو إليه ، وقد تم ذلك فقد ذكر ابن بشر في كتابه ( عنوان المجد في تاريخ نجد ) في حوادث سنة 1165هـ أن سليمان بن عبد الوهاب كان قاضي حريملاء ، وأنه ألقى بعض الشبه على العامة ؛ فكتب إليه الشيخ ونصحه ، فرد سليمان بالاعتذار ، وأنه لم يقع منه مكروه ، كما ذكر في حوادث سنة 1167هـ مثل هذه الحادثة أيضاً ، فهذا هو الذي ثبت من خلال المراجع العلمية ، وما سواه باطل لا يثبت وبيان ذلك فيما يلي :
1.أن توقف سليمان بن عبد الوهاب في دعوة أخيه لا يعني عداوته ،بل فعل ما يجب أن يفعله ؛إذ لم يدخل فيما لا يعرف حقيقته ، وعندما استبان له الأمر رجع
2. أن الكتاب الأول مشكوك في نسبته إليه ؛ لأن ما فيه نفس شبه ابن جرجيس والحداد بالنص مما يدل على أنه موضوع عليه ، وأما الكتاب الثاني فمؤلفه أحمد القباني من أهل العراق ، وإنما أقحم فيه اسم سليمان لمآرب لا تخفى
3. لم يرد في ردود الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا رسائله اسم أخيه سليمان ، فلو كان له كتاب لرد عليه ، وبين خطأه ، كما هو معروف من منهج الشيخ ـ رحمه الله ـ فإنه لا تأخذه في الله لومة لائم ، ولا يحابي أحداً لقرابة أو غيرها
4. لو سلمنا أن سليمان بن عبد الوهاب كان مناوئاً ومعادياً لأخيه لما صح أن يسمي دعوة أخيه بـ ( الوهابية ) لأن هذه التسمية لم تظهر إلا بعدما دخل الإمام سعود بن عبد العزيز مكة سنة 1218هـ ، وسميت هذه الدعوة بهذا الاسم من قبل الاستعمار تمهيداً للحملات العثمانية المصرية ضدها مع أن سليمان بن عبد الوهاب توفي في 17 رجب سنة 1208هـ .

الشبهة السادسة : أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ينكر زيارة القبور ، يقول المستشرق الفرنسي ببلا ( وزار بوركهارت هذا المكان ـ بقيع الغرقد ـ بعد غزو الوهابيين فوجد أنه أصبح أتعس المقابر حالاً في المشرق ) يقصد هدم القباب وقال : فنسنك ( ولا يعتبر موحداً من زار قبور الأولياء ) وهذه الشبهة واضحة البطلان ؛ فإن الشيخ لم ينه عن الزيارة الشرعية المتضمنة تذكر الآخرة ، والدعاء للأموات ، من غير شد الرحال إلى القبور ، وإنما نهى عن دعاء المقبور ، وإيقاد السرج على القبور ، وبناء الأضرحة على القبور ، وانخاذها مساجد ، ورفع القبور ، وتشييدها ،و تجصيصها ، وكل هذه الأمور صح النهي عنها ، فأما دعاء المقبور فهو عين الشرك الذي لا يغفره الله إلا بالتوبة ،ومن مات عليه فهو مخلد في النار قال تعالى " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين "وقال " إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار "، وعن أبي مرثد الغنوي قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها " رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال " نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه " رواه مسلم ، وعن ثمامة بن شفي قال : كنا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودس فتوفي صاحب لنا ، فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسوي ثم قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر بتسويتها رواه مسلم
فالشيخ ـ رحمه الله ـ لم ينه إلا عما نهى عنه الكتاب والسنة، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نهى عن اتخاذ القبور مساجد والقبوريون يعكفون عليها ، ويصلون عليها وإليها وبل يصلون لها من دون الله ، ونهى أن تجصص القبور أو يبنى عليها ، وهؤلاء قد ضربوا عليها القباب وزخرفوها ، وحبسوا عليها العقارات وغيرها وأوقفوها ، وجعلوا لها النذور والقربات ، ونهى عن بناء المساجد عليها ولعن من فعل ذلك ودعا عليه بغضب الله ، وهؤلاء قد بنوا عليها ورأوا ذلك من أعظم حسناتهم ، ونهى عن إبقاد السرج عليها ، وهؤلاء يوقفون الأوقاف على على تسريجها ، ويجعلون عليها من الشموع والقناديل مالم يجعلوه في المساجد ، ونهى عن شد الرحال إليها ، وهؤلاء يسافرون إلى قبور الصالحين مسافة الأيام والأسابيع والشهور ، ويرون ذلك أعظم القربات ، ونهى عن اتخاذها أعياداً ، وهؤلاء اتخذوها أعياداً ووقتوا لها المواقيت الزمانية والمكانية ، وصنفوا فيها مناسك حج المشاهد ، ويخشعون عندها أكثر مما يخشعون عند شعائر الله كالكعبة والمشعر الحرام ، والسؤال الذي يفرض نفسه :هل نهي الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ عن هذه الأمور ومحاربته لها يعد من مناقبه وفضائله أم هو شبهة صحيحة وخطأ يبحث له عن عذر ومبرر ؟ أترك الجواب لك أيها القارئ لتحكم في ذلك بنفسك ، ولكن عليك أن تحكم الكتاب والسنة ، والعقل الصحيح الذي لا يشوبه هوى أو تعصب
الشبهة السابعة : وصف الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بأنهم قراصنة فقد ورد في دائرة المعارف ( وكان هدف البريطانيين من تدخلهم في سياسة بحر فارس هو القضاء على تجارة الرقيق والقرصنة اللتين كانتا قد نظمتا تنظيماً أفضل مع اتساع نفوذ الوهابيين ) وكان ( فيليب حتى ) يسمي شاطئ الإمارات بشاطئ القراصنة ولإيضاح كذب هذه الفرية يقال :
1. سبب وصفهم شاطئ الخليج بذلك أن القواسم في ساحل رأس الخيمة كانوا يغيرون على سفن المستعمرين البريطانيين وعملائهم في مسقط وينهبونها ، وكان ذلك بمساعدة إخوانهم في نجد فيا ترى من هو الأحق بوصف القرصنة ؟ هل هو الغاصب المعتدي أم المدافع عن دينه أرضه ؟ ولا أدري هل يتوقع الإنجليز وهم بهذه المثابة أن تبحر سفنهم بأمان ؟
2. أن الإنجليز أنفسهم كانوا يقومون بالقرصنة في بحر العرب ، ويفتكون بسفن الحجاج ، وكان ذلك سابقاً لظهور المقاومة ضدهم بزمن طويل ، ففي عام 1696م ظهرت سفن بريطانية، ونهبت السفن في البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي
3. أن سبب التعرض لهم تدخلهم في الشؤون الخاصة لغيرهم ، فقد كانوا يحرضون حلفاءهم في عمان على مهاجمة حلفاء الدولة السعودية ، ولأن الدعوة الإصلاحية في نجد تصطدم بمصالحهم ، إذ لم يكونوا يرضون بالرضوخ للكفار
وبذلك تتضح حقيقة الأمر ، ومن أراد بسط هذه القضية فليراجع كتاب ( إمارات الساحل وعمان والدولة السعودية الأولى ) للدكتور : محمد مرسي عبد الله .
الشبهة الثامنة : اتهامهم بتجارة الرقيق كما سبق في النقل عن دائرة المعارف ، وهذه الشبهة واضحة لا تحتاج إلى كبير نظر للجواب عنها فنقول :
1. إثارة موضوع الرق يثير التساؤل عن الأغراض الكامنة وراء هذه التساؤلات ؛ لأن الرق في اليهودية والنصرانية مقرر وموجود ، بل وعلى صورة ظالمة ، فكيف يثيرون أمراً هم غارقون فيه إلى الآذان ؟ ، وللقارئ الكريم أن يسأل وهو في عصور النهضة و التقدم ماذا صنع الغرب بالرقيق ؟فعندما اتصلت الدول الغربية بأفريقيا السوداء كان ذلك الاتصال مأساة إنسانية تعرض فيها الزنوج لبلاء عظيم ،فقد كانوا يختطفونهم ، ويستعبدونهم ظلماً وعدواناً ، ويتجرون بهم ، ويحرمونهم من التعليم ومن الحياة الكريمة، بل ظهر نوع جديد هو استرقاق الشعوب تحت مسمى الاستعمار
أما الإسلام فقد ضمن للرقيق غذاءه وكساءه ، وحفظ كرامته ، ولا أدل على ذلك من أن الكثير من العلماء الأعلام في تاريخ الإسلام كانوا موالي
2. أن الرق في الإسلام مختلف عنه في اليهودية والنصرانية ، فالإسلام يقرر أن الله خلق الإنسان حراً ، لا يملك أحد من البشر تقييد إرادته أو سلب اختياره ،ومن فعل ذلك فهو ظالم ، ففي صحيح البخاري في الحديث القدسي " ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ، ومن كنت خصمه خصمته ، رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه أجره "
3. أن الإسلام وقف من الرقيق موقفاً مخالفاً لغيره من الملل والنحل ، فإن الإسلام سد مسالك الاسترقاق ، ووسع مصارف الحرية والتحرر ، فليس للرق في الإسلام سبب إلا الكفر، وما سواه كالبيع والهبة والإرث ناشئ عنه ؛ لذلك يعرف الرق بأنه ( عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر بالله ) ، وأما مصارف الحرية فكثيرة منها :الكفارات ككفارة اليمين ، وكفارة قتل الخطأ ، وكفارة الجماع في نهار رمضان ، وكفارة الظهار ، ورغب في مكاتبة الرقيق ، ورغب في العتق لوجه الله
4. أما ما ذكرته دائرة المعارف فهو تلبيس ، فلا يخفى أن الرق كان موجوداً ، ولكن كان الأرقاء يعاملون معاملة حسنة ، كما ذكر ذلك غير واحد من الغربيين منهم : المؤرخ أرنولد ويلسون في كتابه ( الخليج العربي ) وقد اشتهرت كلمة ( الليدي آن بلنت ) حين قالت : حقاً إنه لشيء مشهور أن العبيد عند العرب كالأطفال المدللين أكثر من كونهم خدماً

الشبهة التاسعة ـ اتهام الشيخ وأتباعه بالتطرف والتشدد والتزمت يقول المستشرق الإنجليزي روبصون : ( المخترعات الحديثة تستخدم بلا حرج بين الوهابيين ، وهم أكثر فرق الإسلام الحديث تزمتاً ) ويقول المستشرق الألماني كرن : ( وقد عاد من الحجاز في أوائل القرن التاسع عشر ثلاثة من أهل منغكاباو بعد أن أدوا فريضة الحج ، ورأوا الحكم الوهابي في مكة بعد سنة 1806م فامتلأت نفوسهم بالحماسة لتزمت الوهابيين وتشددهم ) ومثل ذلك رمي دعوته في هذا الزمان بتفريخ الإرهاب ، وزرع العنف ، وعدم التسامح مع المخالف ، ولا أدري هل المقصود بذلك الجهاد في سبيل الله،و الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ؟ولا غرابة أن يتبنى هذا بعض المسلمين فإن من منهج أهل الأهواء لمز أهل السنة والجماعة ، وتعييرهم بالألقاب المشينة ، وإظهار ما يدل على بغضهم ،فكل طائفة من أهل البدع تلقب أهل السنة بباطل .
فإن كان المراد أن كتب أئمة الدعوة فيها ما يدعو إلى التشدد والتطرف فهو باطل وبيان ذلك كما يلي :
1- أن الجهاد في سبيل الله من أعظم شعائر الدين ، وأرسخ دعائمه، وكان تشريع القتال متصفاً بالعدل والحق ، فلا اعتداء فيه على أحد ، ولا يتجاوز ما تقتضيه الضرورة الحربية ، وليس الهدف منه التدمير والتخريب ، ولا الإرهاب المجرد ، فلا يقتل غير الجنود المقاتلين ، ولا تقتل النساء والصبيان والرهبان والعجزة والمرضى والشيوخ ، ولا تقطع الزروع والثمار ، ولا تذبح الحيوانات إلا لمأكلة .
2- أن المقصود من الجهاد في سبيل الله أن تكون كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر ، لا الغنائم ولذلك ذم الله من ترك الجهاد ، واشتغل باكتساب الأموال ، وفي ذلك نزل قوله تعالى :" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " لما عزم الأنصار على ترك الجهاد والاشتغال بإصلاح أموالهم وأراضيهم قال عمر بن عبد العزيز : إن الله ـ تعالى ـ بعث محمداً هادياً ولم يبعثه جابياً
3- أن المقصد من الجهاد في سبيل الله حماية الدعوة الإسلامية ،وإزالة العقبات أمامها، لأن كل مذهب ودين ونحلة لابد له من قوة تحميه ، وتحافظ على نفوذه ، ولا أدري ما العيب في ذلك ؟فإن هذا سنة إلهية من السنن التي تبنى عليها الحياة ، فلا خير في حق لا نفاذ له ، ولا يقوم الحق ما لم تسانده قوة تحفظه وتحيط به ، وما فتئت أمم الدنيا تعد لنفسها القوة بمختلف الأساليب والأنواع حسب ظروف الزمان والمكان ، والسؤال المطروح لماذا لم تنس الدول التي تنبز الجهاد بالإرهاب ،وتزعم أنها تدعو إلى السلام أن تضع ضمن وزاراتها وزارة للدفاع ، وتضع لها الميزانيات الكثيرة ؟ أم هل يحرم على المسلمين ما يحل لهم ؟

لعلك أخي القارئ الكريم بعد استعراض ما مضى تبين لك مايلي :
1. أن الشبه السابقة مجرد دعوى لم يقم عليها أي دليل صحيح ، ورسائل الشيخ وكتبه ومصنفات تلاميذه موجودة متاحة ، والواجب الرجوع إليها والتأكد من تلك المزاعم ، وكتب أئمة الدعوة طافحة بخلاف المذكور ، مستدلة في ذلك بالكتاب والسنة وإجماع أهل العلم .
2.أن الشبه المذكورة مأخوذة من كلام أعداء الدين من المستشرقين ، ولو فكرت أخي الكريم وتأملت لهداك عقلك وفكرك إلى عدم جواز أن نحتكم إلى أعداء الدين في شأن دعوة إسلامية سلفية إصلاحية فماذا عسى أن يقولوا ؟ وكيف تتوقع أن يكون حكمهم ؟ بل شك سيكون التشويه ، وإلصاق التهم الباطلة .
3.هذه الدعوة شهد لها العلماء الأعلام بأنها دعوة تجديدية صحيحة ومن هؤلاء العلماء الصنعاني والشوكاني والألوسي وجمال الدين القاسمي ومحمد رشيد رضا وغيرهم كثير
ومن الغربيين : المؤرخ الأمريكي لوثروب ستوارد والمستشرق الألماني كارل بروكلمان والعالم الفرنسي برنادر لويس والمستشرق الألماني جولد زيهر والفرنسي سيديو وغيرهم

وختاماً أخي الكريم ، بعد العرض الموجز السابق أترك لك الحكم النهائي في القضية واثقاً أن إنصافك ونزاهتك سيحملانك على الوصول إلى الحق دون غلو أو جفاء ؛ لأن الحق ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها .
أسأل الله الكريم أن يرينا الحق حقاً ، ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلاً ، ويرزقنا اجتنابه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
 
خلاصة الكلام : ما هي الوهــابيـــة ؟

ما هي الوهــابيـــة؟

الوهابيــة نسبة إلى مـــاذا؟!
أليســت نسبة إلى اسم الله الوهــاب؟!
الوهاب؟!
الوهابية؟!​

فإذاً ما يقولونه عن النسبة إلى محمد بن عبدالوهاب رحمه الله بأنها وهابية:
أولاً: نسبـة خاطئة ؛ فإن الوهابيــة نسبة إلى اسم الله الوهــاب ، الذي وهب هذه الأمة مثل هذا الرجل في ذلك الوقت العصيب الذي ظهر فيه .

وقد أرسل الله الرسل لعبادته وحده لا شريك له ، وعرفهم أن التوحيد أساس العمل ، وأن الشرك مُحبط لسائر الأعمال.

وقد كان عند الناس في ذلك الوقت من أنواع الشرك ما كان ؛ بدعٌ منتشرة ، عبادة الأضرحة والقباب ، توسلٌ بالأموات.

كان قبر محجوب وقبة أبي طالب يأتون إلى الاستغاثة بها ، ولو دخل سارق أو غاصب أو ظالم قبر أحدهما لم يتعرضوا لهُ ؛ لما يرون من وجوب التعظيم والاحترام لهذا الضريح.
وكان عندهم رجل من الأولياء –بزعمهم- يسمى تاج ، سلكوا فيه سبيل الطواغيت ، وصرفوا إليه النذور ، واعتقدوا فيه النفع والضر ، وكان يأتي إليهم لتحصيل ما لديهم من النذور والخراج ، وينسبون إليه حكايات عجيبة ، منها: أنه أعمى ، وأنه يخرج من بلدة الخرج بدون قائدٍ يقوده.
وشجرة تدعى الذئب ، يأُمها النســاء اللاتي يُردن المواليد الذكور ، ويعلقن عليها الخرق البالية ، لعل أولادهنّ يسلمون من الموت والحسد.
ومغارة في جبل يسمونها بنت الأمير ، وأن بعض الفسقة أراد أن يظلم بنت الأمير ، فصاحت ودعت الله فأنفلق لها الغار ، فأجارها من السوء ؛ فكان العامة من هؤلاء الجهلة المشركين يسعون إلى ذلك الغار يقدمون اللحم وصنوف الهدايا.
وكان بعض النســاء والرجال يأتون إلى ذكر النخل المعروف بالفحال في بلدة معينة ، يفعلون عنده أقبح الفعال ، وكانت المرأة إذا تأخر زواجها تضمُهُ بيدها ، ترجوا أن تفرج كربتها ، وتقول: يا فحل الفحول ، أُريد زوج قبل الحول.
كانت شجرة أبي دجانة في العيينة ، وقبة رجب ، وقبة ضرار بن الأزور ، وشجرة الطرفيين مثل ذات أنواط ، وكانت هذه القباب والقبور تُعبــد من دون الله.
وأفرادٌ من المتصوفة على مذهب الملاحدة من الحلولية الذين يعتقدون أن الله حل في كل مكان ، وأنه حل في المخلوقات ، وأن كل ما ترى بعينك فهو الله ، لا يميزون بين مخلوقٍ وخالق ، كان لهم انتشار في بلاد نجد وغيرها.
وكانت الموالد التي فيها الشرك تُقرأ على الناس ، وكانت الحجب تكتب بالطلاسم وتعلق.
وكانت الكتب مثل:دلائل الخيرات وروض الرياحين التي فيها استغاثة وتوسل بغير الله مشهورة لها قرأه في الموالد بين الناس.
وخلت كثير من المساجد من المصلين ، وانتشرت عبادة النجوم ، واعتقاد تأثيرها في الحوادث الأرضية.
تبركٌ بالأشجـارٍ والأحجارِ والجمادات ، وأمرٌ عظيم قد ران الجزيرة في نجـد وغيرهــا.

فقدر الله تعالى أن يولد ذلك المصلح المجدد محمد بن عبدالوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن راشد التميمي ، وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه : "مازلت أحب تميماً منذ ثلاث سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك أنه قال فيهم: ((هم أشد أمتي على الدجال)) –رواه البخاري-. وجاء في الحديث أيضاً: ((أن أطول رماح هذه الأمة على الدجال رماح بني تميم)) .
فبنو تميم كان في أولهم استعصى في الدعوة النبوية ؛ لكنهم بعد ذلك جاءوا مسلمين ، وسيكون لهم شأنٌ في محاربة الدجال شأن عظيم.

وكان هذا المصلح التميمي محمد بن عبدالوهاب رحمه الله من أشد الناس على الدجالين ، محارب للدجل والشرك والشعوذة.

قيضه الله عز وجل فولد عام ألف ومائة وخمسة عشر للهجرة ، وحفظ القرآن مبكراً ، وتفقه على مذهب أحمد بن حنبل في أول أمره ، وكذلك تعلم على أبيه ، وحج البيت الحرام ، ورزق سرعة في الحفظ والكتابة ، وفصاحة في الكلام ، وكان يتعجب من شأنه ، طاف البلاد ، وأخذ العلوم ، ودرس على المشايخ ، وكذلك فإنه تأثر بشيخه محمد حياة السندي ، وأصله من السند ، وكان مقيماً في المدينة ، مُحدث الحرمين ، محمد حياة السندي رحمه الله الذي كان موحداً غير راضي بكل هذه الشركيات ، وكانت الاستغاثات تسمع عند قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة ، فقال الشيخ محمد حياة السندي يوماً لتلميذه: ما تقول في هؤلاء؟ فأجابه: إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعلمون.
لم يكن منغلقاً الأفق ضيقاً ، وإنما كانت رحلاته إلى أماكن مختلفة حتى خارج الجزيرة إلى العراق إلى البصرة وغيرها من أسباب تفتحه وأخذه للعلم عند المشايخ في الأماكن المختلفة.

وبدأ رحمه الله بعد عودته من رحلاته العلمية ، ومعرفته بأوجب الواجبات ، دعوة الناس إلى التوحيد ، وأنه لابد من محاربة هذا الشرك ، لابد من تغيير الواقع ، أحس بالمسئولية العظيمة تجاه دين الله عز وجل ، الكفر والشرك منتشر.

وهكذا بدأت الدعوة ، وبدأ الإصلاح في العيينة والدرعية ، وهكذا تحالف الشيخ مع محمد بن سعود وغيره لأجل إقامة دين الله عز وجل.

واتجه إلى هدم القبة التي كانت مبنية على قبر زيد بن الخطاب ومعه ستمائة من المقاتلين فهدمها ؛ ثم قبة ضرار بن الأزور فهدمت ، وأشجار كانت تعبد من دون الله وتصرف لها أنواع من العبادات فقطعها الشيخ رحمه الله.

بدأت الدعوة إلى التوحيد ، ورأى الناس بأم أعينهم أن هذه الأشياء التي كانوا يعظمونها من دون الله لا تدفع عن نفسها ضراً ، ولا تملك نفعاً ، وأنها أُزيلت وقطعت فلم يحدث شيء.

بدأ الأثر العملي في القلوب ، بدأ الشيخ رحمه الله الدعوة بالنصيحة والحسنى ، بالتذكير ، بوعظ الناس ، بالتبيان ، بالتأليف ، وكان أول ما ألفه كتاب التوحيد ، الذي يدرس اليوم في كثير من الأماكن ، التوحيد الذي هو حق الله على العبيد.

وإذا كان هناك استعصاء من قبل سدنة الأضرحة وعباد القبور ، فإن الشيخ رحمه الله بدأ يُجرد المفارز من أهل التوحيد لإزالة هذه الأشياء بالقوة ، إذا لم يستجيبوا لإزالتها بالنصح واللين ، فثارت ثائرة بعض هؤلاء الجهلة من المشركين والذين لهم مصالح في القبور والأضرحة ، والذين كانت تأتي إليهم الأموال من الناس ، أصحاب المصالح الشخصية ، أعداء الدعوات في القديم والحديث ، فثاروا على الشيخ ، ناوئوه ، عادوه ، أرادوا تشويه سمعته ، وكتبوا إلى أماكن مختلفة في التحذير منه ؛ بل إنهم جردوا الجيوش لحربه.

وهكذا ؛ مكن الله للشيخ تمكيناً عجيباً ، ووفقه بمن أعانه على إقامة الدين والتوحيد.

كان عفيفاً ؛ لم يأخذ الأموال كغيره ؛ وإنما يعطي العلم الذي عنده ، وكان له طلاب وأنصار وأعوان يبثهم لنشر الدين والدعوة ، يعلمهم توحيد الله عز وجل ، يقرءون عليه الكتب ، ولازالت تنتشر من مكان إلى مكان ، ومن بلدة إلى بلدة ، في نجد وغيرها ، حتى وصل الأمر إلى خصوم اجتمعوا وأرادوا القضاء على هذه الدعوة المباركة ، ولما كان الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه العزيز عن المشركين: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} أي شرك وكفر {ويكون الدين كله لله] أي مسيطرا حاكماً {فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير}.
ولما قال الله في كتابه: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ، إن الله قوي عزيز} إذاً أنزل الله الكتاب ليحكم ، وأنزل الحديد لكي يجاهد به المناوئين للكتاب.

فلما قام الشيخ بالدعوة فانتشرت ؛ ثم صار لها أعداء أرادوا أن يرفعوا السلاح في وجهها ويمنعوا انتشارها ، عرف الشيخ أنه لابد من الأخذ بالحديد لقتال من ناوئ الكتاب ، وهكذا قام الجهــاد في سبيل الله ضد المشركين ، ونصر الله الشيخ.

وعاش عمراً مباركاً إلى عام ألف ومائتين وستة للهجرة.

رسائل وكتب في داخل الجزيرة وخارجها ، دعوة وتبيان للأمور وجلاء ورد على الشبهات ودفاع .

وهكذا يبتلي الله المصلحين باستمرار بمن يشوه سمعتهم ، ويسبهم ويشتمهم ، وهذا طريق الأنبياء ؛ ألم يقولوا عن نبينا صلى الله عليه وسلم ساحر ، كذاب ، مجنون ، به جِنة!!

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالناس أعداءٌ له وخصوم
كضرائر الحسنـاء قُلنَّ لوجهها حســــداً وزوراً إنه لذميم

واتهم الشيخ بتهم كثيرة ، منها: استحلال الدماء ، وتكفير المسلمين ، فكان يبين باستمرار أنه لا يستحل دماء المسلمين ، وإنما يقاتل المشركين ، ومتى كان قتال المسلمين في دينه ومنهجه؟!! وهو يعلم أنه لا يحل دم امرأ مسلم إلا بإحدى ثلاث ، بما جاءت به الشريعة من إحلال الدم.
وكان يخاطب الناس بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (( أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله )) شهادة حقيقية ؛ ليس لفظاً يُقال ، وإنما شهادة تطبق بشروطها ، حتى يعبد الله ويكفر بالطاغوت ، هذه دعوة الرسل {أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } إنما يقول بلسانه أشهد أن لا إله إلا الله ؛ ثم يعبد الطاغوت من دون الله ؛ فليست هذه شهادة {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها }.
وكل ما جاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع طاغوت يقاتل. وكل من أراد حمايته والدفاع عنه فإنه يقاتل أيضاً.

وبيّن الشيخ رحمه الله موانع التكفير ، وأنه لا يتسرع بتكفير كل أحد ، لابد من إقامة الحجة أولاً ، لابد من البيان ، لابد من إزالة الشبهات ، قد يكون الشخص جاهلاً فيعلم ، أو لديه شبهات فيناقش ، أو مكره فلا يكفر وهو مكره.

واتهم الشيخ بالظلم والتعدي ، فكان يبيّن ويكتب عن فلان (استدعيته أولاً بالملاطفة) ، ولفلان يقول: ( ولست والحمد لله ممن ادعوا إلى مذهب صوفي ، أو فقيه ، أو متكلم ، أو إمام من الأئمة ، إنما ادعوا إلى الله وحده لا شريك له ، وادعوا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم) .

استعمل الحكمة في دعوته ، وكان يتلطف في مخاطبة مخالفيه ، يبدأ أولاً باللين ، ويقول لفلان: (لعلك تكون مثل الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل) أي تكون على طريقته.

وكذلك فإنه قال: ( فإننا نرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ، ما لم يأمروا بمعصية الله ) فبيّن أنه ليس بخارج على خليفة للمسلمين ، ولا إمام لهم موحد يقودهم إلى عبادة الله ، ولم تكن دولة الخلافة في ذلك الوقت قد بسطت سلطانها على نجد ، وكان فيها تقصير من جهة دعوة التوحيد ، فجاء الشيخ لتكميله رحمه الله.

وممن تآمر عليه بعض الصليبيين الذين أيدوا بعض الباشوات في قتال اتباع تلك الدعوة ، وهذا واضح في مكاتباتهم ومخاطباتهم وشهادة أهل التاريخ.

لقد انتشرت دعوة الشيخ رحمه الله ، ووصلت إلى أصقاع مختلفة ، ووصل معها أيضاً تشويهات من أطراف أخرى ، مما كان يملأ به أذهان بعض الحجاج عن دعوة الشيخ تشويهاً وتعسفاً.
فممن وصلت إليه دعوة التوحيد في بلاد الهند عدة ، وفي بلاد اليمن ، وغيرها ، حتى قال القائل:

سلام على نجد ومن حل في نـجد ...............وإن كان تسليمي على البعد لا يجدي
قفي واسألي عن عالمٍ حل سوحها ................به يهتدي من ضل عن منهج الرشدِ
محمد الهـادي لسنّـة أحمدٍ.......... فيا حبذا الهادي ويا حبـذا المهدي
لقد سرنـي ما جائني من طريقه ................وكنت أرى هذه الطريقــة لي وحدي
ويُـعزى إليـه كل مـا لا يقوله............... لتنقيصه عند التهامي والنجدي
فيرميه أهل الرفض بالنصب فرية ............ويرميه أهل النصب بالرفض والجحد
وليس له ذنـبٌ سوى أنه أتى .................بتحكيم قول الله في الحل والعقدِ
ويتبع أقوال النبي محمد وهل غيره................. بالله في الشـرع من يهدي
لئن عدّه الجُهّال ذنباً فحبذا ...................به حبذا يوم انفرادي في لحدي

وهكذا كتب عدد من علماء الهند واليمن ، يؤيدونه في دعوته.

وكذلك صار لهُ أعداء بفعل ما شوهت به السمعة بين الحجاج الذين كانوا يعودون إلى أمصارهم ، فاتهموا الشيخ بالكفر والإلحاد والزندقة والتكفير واستحلال الدماء ؛ ولكنه رحمه الله استمر على منهجه حتى دان للدعوة عند وفاته قريباً من مليونين ونصف من الناس.

وكتب أهل العلم في تأييده على ذلك من العراق واليمن والشام ومصر.

وفي ذات الوقت كان لهُ أعداء قد كتبوا ضد دعوته ، والله سبحانه وتعالى يبتلي: {ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون ، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين }

وكانت قريش تجتهد في أن تملأ أذهان الحجاج الذين يأتون مكة بالباطل حول النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته ، حتى أن بعض من قدم مكة سد أُذنيه بالقطن حتى لا يسمع دعوته النبي صلى الله عليه وسلم.

وهكذا فعل هؤلاء ، ونسبوا إلى الشيخ أباطيل كثيرة ؛ ولكن يشـاء الله سبحانه وتعالى أن تستمر القضية والمسلسل في الاتهامات في القديم والحديث.
حتى ذكروا أن تاجراً مسلماً قد اختصم مع تاجر هندوسي في الهند حول سلعة عند الهندوسي ؛ فخرج المسلم غاضباً وعزم على إفســاد تجارة الهندوسي ، فأشاع في المسجد أن الهندوسي وهابي ، فهجر الناس دكان الهندوسي ، واستاءوا منه ، وحاصروه ، ولم يجد الهندوسي طريقةً لإعادة تجارته إلا ليعلن على الملأ أنه قد تاب من الوهابيـة وعـاد إلى الهندوسية ، فتأملوا كيف بلغ التشويه إلى هذا الحد!!

ولما سافر بعض أهل العلم من نجد إلى الهند ليطلب الحديث على أحد مشايخها الذين تأثروا بالدعايات ضد دعوة الشيخ ، أخذ هذا الرجل كتاباً للشيخ رحمه الله ونزع غلافه الذي عليه اسم المؤلف ووضعه على طاولة المحدث العالم الهندي.
فلما جاء الشيخ أخذ الكتاب فقرأه ، فأعجب به ، وقال: ليتني أعرف من هذا الذي ألف هذا الكتاب؟
فقال له التلميذ ، طالب العلم ، الراحل للعلم: أتريد أن تعرف المؤلف إنه الذي تقع فيه في دروسك ، وتتكلم عليه بما وصلك من الإشاعات ، إنه محمد بن عبدالوهاب.
فانقلب المحدث إلى أكبر داعية في الهند لدعوة الشيخ رحمه الله.

ويقوم أعداء الدين في هذه الأيام بالطعنِ في دعوة الشيخ رحمه الله ، وإعادة الثارات والنعرات ورفع راية محاربة الوهابية!!

لماذا إذاً؟!!

لأن تلك الدعوة المباركة ، وهي إحيــاء السنة المحمدية ، والدعوة إلى الكتاب والسنة أشد ما يقظ مضاجع هؤلاء.

ويريدون أيضاً أن يستفيدوا من التشويهات الحاصلة عند بعض الناس ضد الوهابية ليكسبوهم إلى صفهم.

ويُريدُ الصليبيون اليوم أن يرفعوها دعوة ضد الوهابية ، ليكسبوا بزعمهم طوائــف من الناس المنتسبين للإسلام الذين يعادون الدعوة ، وفي ذات الوقت يشوهون الذين يقفون أمامهم وفي طريقهم من أبناء الإسلام.

فإذا عُرفت حقيقة هذه الدعوة المباركة ، فات الهدف على هؤلاء ؛ ولن يستطيعوا إن شاء الله أن يصلوا إلى دعوة الحق بسوء.

اللهم ألهمنا رشدنا ، وقنا شر أنفسنا ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه ، إنه هو الغفور الرحيم.
 
موقف علماء الجزائر من الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية

« موقف علماء الجزائر من الإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته السلفية »

( راجعه وصححه الشيخ سليمان بن صالح الخراشي)

توطئة

هذه كلمات جليلة ، وعبارات نبيلة لعلماء أجلاء من القطر الجزائري ، موضوعها الثناء على الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ، ومقصودها الذب عن دعوته الإصلاحية السلفية ، نفضتُ عنها غبار النسيان والإهمال ، حتى تكون شهباً وصواعق على أهل الشرك والضلال .

والسبب الذي دفعني وحفزني إلى ذلك هو إبراز موقف علماء الجزائر - ممن لهم مكانة عند القاصي والداني - من دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب الإصلاحية النجدية ، وفي هذا رد على من طعن ويطعن في الدعوة السلفية بالجزائر وينبزها بـ " الوهابية " ، و" الوهابية " بزعمهم ضلال مبين ، ومروق عن الدين ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .

بل وصل الحال بأحدهم أن سطر في إحدى الصحف بالبنط العريض ، قوله البغيض : ( الوهابية أخطر من الشيعة ) ؛ ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا ) .

وقبل الشروع في المقصود ألفت نظرك - أيها القاريء الكريم - إلى أمرين مهمين :

الأول :
حرص علماء أهل السنة - وإن نأت بهم الديار - على معرفة حقيقة " الدعوة الوهابية " من خلال كتب علمائها ، أو من خلال ما كتب عنها من الثقات - على قلة ما وصلهم منها - ، مع تجنب الاعتماد على كتب خصومها عنها - على كثرتها - ، وقد وفِّقوا في هذا الأمر إلى حد بعيد ، ولله الحمد .

وقارن بين تحري هؤلاء العلماء للحق - في زمن قلَّت فيه وسائل البحث والتحقيق - ، وبين صنيع عدد من الدكاترة والباحثين - الجزائريين - ممن كتبوا عن الشيخ ابن عبد الوهاب ودعوته الإصلاحية ، وجل اعتمادهم - إن لم يكن كله - على ما كتبه الخصوم عنهم ، ( وأنى تعرف الحقائق من مثل هاته الكتب أو تلك ، أم كيف يؤخذ حقيقة قوم من كتب خصومهم ؟ ) كما قال ابن باديس - رحمه الله - .

الثاني :
تضمن الكلمات والعبارات التي ستقر بها عينك - بعد قليل - على رد ونقض أغلب الشبه والتهم المثارة على الدعوة الوهابية ، وفيها - أيضا - رد ونقض للافتراءات التي رميت بها جمعية العلماء لمَّا قامت بدعوة المسلمين في الجزائر إلى التوحيد والاتباع ، ونبذ الشرك والابتداع .

فتهمة الوهابية هي التهمة الجاهزة التي يرمي بها دعاةُ الشرك والضلالة دعاةَ التوحيد والرسالة في كل زمان ومكان ، فما دام المصلحون ينكرون الشرك والبدع فهم وهابيون شاءوا أم أبوا ، وهذه التهمة - بزعمهم - هي الجرح الذي لا برأ منه ، والله المستعان .

بل وصل الأمر بعلماء السوء إلى تحريض إدارة الاحتلال الفرنسي على علماء الدعوة السلفية ، فكان أن أصدر الكاتب العام للشؤون الأهلية والشرطة العامة " ميشال " قراره المشهور بتاريخ ( 16 فبراير 1933 م ) ، جاء فيه ما نصه :

( أُنهي إليَّ من مصادر متعددة أن الأهالي دخلت عليهم الحيرة والتشويش بسبب دعاية تنشر في أوساطهم يقوم بها إما دعاة استمدوا فكرتهم من الحركة الوهابية السائدة بمكة ، وإما حجاج جزائريون تمكنت فيهم عاطفة التعصب الإسلامي ... وإما جمعيات كجمعية العلماء المؤسسة بالجزائر بقصد افتتاح مدارس عربية حرة لتعليم القرآن والعربية ...

إن المقصد العام من هذه الدعاية هو نشر التعاليم والأصول الوهابية بين الأوساط الجزائرية بدعوى الرجوع بهم إلى أصول الدين الصحيح وتطهير الإسلام من الخرافات القديمة التي يستغلها أصحاب الطرق وأتباعهم ، ولكن لا يبعد أن يكون في نفس الأمر وراء هذه الدعاية مقصد سياسي يرمي إلى المس بالنفوذ الفرنسوي .

لا يخفى أن أكثر رؤساء الزوايا وكثيرا من المرابطين المعظَّمين في نفوس الأهالي اطمأنت قلوبهم للسيادة الفرنسوية ، وبمقتضاه صاروا يطلبون الاعتماد على حكومتنا لمقاومة الأخطار التي أمست تهددهم من جراء تلك الجمعية التي لا يزال أنصارها يتكاثرون يوما فيوما بفضل دعاية متواصلة الجهود ، ماهرة الأساليب ، وعلى الأخص فيما بين الناشئة المتعلمة بالمدارس القرآنية ) .

إلى أن قال : ( وعليه فإني أعهد إليكم أن تراقبوا بكامل الاهتمام ما يروج في الاجتماعات والمسامرات الواقعة باسم الجمعية التي يترأسها السيد ابن باديس ، ولسانها الرسمي في الجزائر [ العاصمة ] الشيخ الطيب العقبي ، كما يجب أن تشمل مراقبتكم المكاتب القرآنية المقصود استبدال الطلبة القائمين بها بطلبة اعتنقوا الفكرة الوهابية ) (1) .

والحقيقة التي يتعامى عنها المبتدعون أن ( الكتاب واحد ، والسنة واحدة ، والغاية - وهي الرجوع إليهما - واحدة ، فبالضرورة تكون الدعوة واحدة ، بلا حاجة إلى تعارف ولا ارتباط ، وإن تباعدت الأعصار والأمصار ) كما قال ابن باديس - رحمه الله - .

وبعد ، فقد غصتُ بطون الكتب والمجلات والجرائد ، وجمعتُ كل ما وقفتُ عليه ونسقته في صعيد واحد ، مع اقتصاري - في الغالب - على محل الشاهد ، ورتبت الأقوال على حسب وفيات أصحابها - لا على حسب العلم والشهرة - ، وآثرت عدم التعليق عليها - إلا في القليل الذي لا بد منه - حتى لا يمتد بي الحبل ويتسع المجال ، فليس المقصود - هنا - دراسة مدى تأثر الدعوة السلفية الإصلاحية في الجزائر بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ، وأكتفي الآن بالإحالة إلى البحوث والدراسات التي سبقت في هذا الصدد ؛ منها رسالة الدكتور عبد الحليم عويس : " أثر دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في الفكر الإسلامي الإصلاحي بالجزائر " (1) ، وكتاب الدكتور تركي رابح : " الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ محمد بن عبد الوهاب في طريق الإصلاح والسلفية - دراسة مقارنة - " (2) ، ورسالة الشيخ محمد حاج عيسى الجزائري : " أصول الدعوة السلفية من كلام ابن عبد الوهاب وابن باديس " (3) .

====
(1) وهي مطبوعة متداولة .

(2) عده ضمن ما طُبع له في كتابه " الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد الإصلاح الإسلامي والتربية في الجزائر " ( ص 542 ط الخامسة ) ، ولم أقف عليه .

(3) أشار إليها في رسالته " عقيدة العلامة عبد الحميد بن باديس السلفية وبيان موقفه من الأشعرية " ( ص 27 ) ، ولم أقف عليها أيضا .

كتبه فريد المرادي
 
الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس - رحمه الله -

الشيخ العلامة عبد الحميد ابن باديس - رحمه الله -
( ت 1359 هـ - 1940 م )

1 - كتب الشيخ عبد الحميد ابن باديس - رحمه الله - سلسلة مقالات بعنوان ( من هم الوهابيون ؟ ما هي حكومتهم ؟ ما هي غايتهم السياسية ؟ ما هو مذهبهم ؟ ) (1) ، قال فيها - كما في " آثاره " ( 5 / 23 – 24 ) - :
( وصار من يُريد معرفتهم لا يجد لها موردا إلا كتب خصومهم الذين ما كتب أكثرهم إلا تحت تأثير السياسة التركية التي كانت تخشى من نجاح الوهابيين نهضة العرب كافة .
وأقلهم من كتب عن حسن قصد من غير استقلال في الفهم ولا تثبت في النقل فلم تسلم كتابته في الغالب من الخطأ والتحريف.
وأنَّى تُعرف الحقائق من مثل هاته الكتب أو تلك ، أم كيف تُؤخذ حقيقة قوم من كتب خصومهم ، ولا سيما إذا كانوا مثل الصِنفين المذكورين ) .

وقال ( 5 / 32 - 33 ) : ( قام الشيخ محمد [ بن ]عبد الوهاب بدعوة دينية ، فتبعه عليها قوم فلقبوا بـ : " الوهابيين " . لم يدع إلى مذهب مستقل في الفقه ؛ فإن أتباع النجديين كانوا قلبه ولا زالوا إلى الآن بعده حنبليين ؛ يدرسون الفقه في كتب الحنابلة ، ولم يدع إلى مذهب مستقل في العقائد ؛ فإن أتباعه كانوا قبله ولا زالوا إلى الآن سنيين سلفيين ؛ أهل إثبات وتنزيه ، يؤمنون بالقدر ويثبتون الكسب والاختيار ، ويصدقون بالرؤية ، ويثبتون الشفاعة ، ويرضون عن جميع السلف ، ولا يكفرون بالكبيرة ، ويثبتون الكرامة .
وإنما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهاب تطهير الدين من كل ما أحدث فيه المحدثون من البدع ، في الأقوال والأعمال والعقائد ، والرجوع بالمسلمين إلى الصراط السوي من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير ، وزيغهم المبين .


لم تكن هاته الغاية التي رمى إليها بالقريبة المنال ولا السهلة السبل ، فإن البدع والخرافات باضت وفرخت في العقول ، وانتشرت في سائر الطوائف وجميع الطبقات على تعاقب الأجيال في العصور الطوال ؛ يشب عليها الصغير ، ويشيب عليها الكبير ، أقام لها إبليس من جنده من الجن والإنس أعوانا وأنصارا ، وحراسا كبارا من زنادقة منافقين ، ومعمَّمين جامدين محرفين ، ومتصوفة جاهلين ، وخطباء وضَّاعين .

فما كانت - وهذا الرسوخ رسوخها ، وهذه المنعة منعتها - لتقوى على فعلها طائفة واحدة كـ " الوهابيين " في مدة قليلة ، ولو أعدَّت ما شاءت من العدة ، وارتكبت ما استطاعت من الشدة ) ، إلى أن قال : ( إن الغاية التي رمى إليها ابن عبد الوهاب ، وسعى إليها أتباعه ، هي التي لا زال يسعى إليها الأئمة المجددون ، والعلماء المصلحون في جميع الأزمان ) .

ثم قال ( ص 34 ) : ( بان بهذا أن الوهابيين ليسوا بمبتدعين لا في الفقه ولا في العقائد ، ولا فيما دعوا إليه من الإصلاح ، وإنما تنكر عليهم الشدة والتسرع في نشر الدعوة وما فعله جهالهم ) .

2 – وقال ابن باديس وهو يرد على بعض خصوم الدعوة الإصلاحية بالجزائر في ( العدد 3 ) من جريدة " الصراط السوي " ( 5 جمادى الثانية 1352 هـ / 5 سبتمبر 1933 م ، ص 4 ) : ( ثم يرمي الجمعية بأنها تنشر المذهب الوهابي ، أفتعد الدعوة إلى الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة وطرح البدع والضلالات واجتناب المرديات والمهلكات ؛ نشرا للوهابية ؟!! ، أم نشر العلم والتهذيب وحرية الضمير وإجلال العقل واستعمال الفكر واستخدام الجوارح ؛ نشرا للوهابية ؟ !! ، إذاً فالعالم المتمدن كله وهابي! فأئمة الإسلام كلهم وهابيون ! ما ضرنا إذا دعونا إلى ما دعا إليه جميع أئمة الإسلام وقام عليه نظام التمدن في الأمم إن سمانا الجاهلون المتحاملون بما يشاءون ، فنحن - إن شاء الله - فوق ما يظنون ، والله وراء ما يكيد الظالمون .

ثم يقول : " إننا مالكيون " ومن ينازع في هذا ؟ !! وما يقرئ علماء الجمعية إلا فقه مالك ، ويا ليت الناس كانوا مالكية حقيقة إذاً لطرحوا كل بدعة وضلالة ، فقد كان مالك - رحمه الله - كثيرا ما ينشد : وخير أمور الدين ما كان سنة * وشر الأمور المحدثات البدائع ) (2) .

3 – ونشر الشيخ ابن باديس في ( العدد 164 ) من جريدة " الشهاب " ( 6 ربيع الثاني 1347 هـ / 20 سبتمبر 1928 م ) – نقلا عن مجلة " المنار " – رسالة الشيخ العلامة عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الشيخ العلامة عبد الله الصنعاني – رحم الله الجميع - ، وقدم لها بكلام رائق جاء فيه ( ص 2- 3 ) : ( لم يزل في هذه الأمة في جميع أعصارها وأمصارها من يجاهد في سبيل إحياء السنة وإماتة البدعة بكل ما أوتي من قدرة . ولما كانت كل بدعة ضلالة محدثة لا أصل لها في الكتاب ولا في السنة كان هؤلاء المجاهدون كلهم ( يدعون الناس إلى الرجوع في دينهم إلى الكتاب والسنة وإلى ما كان عليه أهل القرون الثلاثة خير هذه الأمة الذين هم أفقه الناس فيها ، وأشدهم تمسكا بهما ) ، هذه الكلمات القليلة المحصورة بين هلالين هي ما تدعو إليه هذه الصحيفة منذ نشأتها (3) ، ويجاهد فيه المصلحون من أنصارها ... وهي ما كان يدعو إليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ،وهي ما كان يدعو إليه جميع المصلحين في العالم الإسلامي ... الكتاب واحد ، والسنة واحدة ، والغاية – وهي الرجوع إليهما – واحدة ، فبالضرورة تكون الدعوة واحدة ، بلا حاجة إلى تعارف ولا ارتباط ، وإن تباعدت الأعصار والأمصار ، هذه الحقيقة يتعامى عليها المبتدعون ذوو الأغراض عنها ، فيصورون من خيالاتهم أشباحا وهمية للدعوة الإصلاحية الدينية المحضة التي نقوم بها ، فيقولون عنها ( عبدوية ) ويقولون عنها ( وهابية ) ويقولون ويقولون .. وهم في الجميع متقولون .
يتقول المتقولون على هذه الدعوة على ظهور حقيقتها ووضوح طريقتها ويخصصون أتباع الشيخ ابن عبد الوهاب بالقسط الكبير ، وقد وقفنا في رصيفتنا مجلة " المنار " الغراء على كتاب للشيخ [ عبد الله ] ابن عبد الوهاب فيه بيان ما كان يدعو إليه من توحيد واتباع ، وهو قاطع بكل خصم يقول عنه بجهل أو افتراء ، نقلناه عنها ونشرناه فيما يلي ) (4) .

4- وقال في مقال نشره في ( العدد 3 ) من جريدة " السنة النبوية " ( 29 ذي الحجة 1351 هـ / 4 أبريل 1933 م ، ص 1 ) : ( وأصبحت الجماعة الداعية إلى الله يدعون من الداعين إلى أنفسهم " الوهابيين " ، ولا والله ما كنت أملك يومئذ كتابا واحدا لابن عبد الوهاب ، ولا أعرف من ترجمة حياته إلا القليل ، ووالله ما اشتريت كتابا من كتبه إلى اليوم ، وإنما هي أفيكات قوم يهرفون بما لا يعرفون ، ويحاولون من إطفاء من نور الله ما لا يستطيعون وسنعرض عنهم اليوم وهم يدعوننا " وهابيين " كما أعرضنا عنهم بالأمس وهم يدعوننا " عبداويين " ، ولنا أسوة بمواقف أمثالنا مع أمثالهم من الماضين ) (5) .

وهذا القول من الشيخ يلتقي مع قوله الآخر - الذي أوردته قبل قليل - : ( الكتاب واحد ، والسنة واحدة ، والغاية - وهي الرجوع إليها - واحدة ، فبالضرورة تكون الدعوة واحدة ، بلا حاجة إلى تعارف ولا ارتباط ، إن تباعدت الأعصار والأمصار ) ، فتنبه - بارك الله فيك - .

وانظر إلى ما قاله الشيخ أحمد بن الصديق الغماري - الصوفي الخرافي الشهير - في كتابه " الجواب المفيد " ( ص 66 ) : ( والبشير الإبراهيمي وعبد الحميد من بابة ابن العربي العلوي في نشر معالم الوهابية ، ومحاربة الحق والفضيلة باسم الدين والسنة ، ومن بغض عبد الحميد بن باديس وتمسكه بعداوة أهل البيت طبعه لذلك الكتاب الخبيث كمصنفه " العواصم والقواصم " لابن العربي المعافري الناصبي الخبيث ، ولا أعرف واحدا من الرجلين إلا أني لما ذهبت إلى قسنطينة وقعت إلي مكتبته [ أي ابن باديس ] ، فاشتريت منها الكثير ، وعرفت أنه كان يقتني كتبا علمية جيدة ) (6) .

5 - وقال ابن باديس في ( العدد 5 ) من جريدة " الصراط السوي " ( 26 جمادى الثانية 1352 هـ / 16 أكتوبر 1933 م ، ص 5 - 6 ) : ( وقد رمي الشيخ ابن عبد الوهاب - مما رمي به في حياته - بأنه يكفر من يتوسل لله بالصالحين من عباده ، وقد نفى هو هذا عن نفسه ونفاه الكاتبون عنه من بعده .

وها نحن ننقل للقراء من كتاب " صيانة الإنسان من وسوسة دحلان " للعلامة الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي ما يبين لهم ذلك ويحققه ...) ، ثم ساق أقوال أهل العلم في رد تلك التهمة ، من ذلك قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرسالة التي كتبها لأهل مكة بعد مناظرتهم : ( إذا عرف هذا ؛ فالذي نعتقده وندين الله به أن من دعا نبيا أو وليا أو غيرهما ، وسال منهم قضاء الحاجات ، وتفريج الكربات ، أن هذا أعظم الشرك الذي كفَّر الله به المشركين حيث اتخذوا أولياء وشفعاء يستجلبون بهم المنافع ، ويستدفعون بهم المضار بزعمهم ، قال الله - تعالى - : ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ، فمن جعل الأنبياء أو غيرهم - كابن عباس أو المحجوب أو أبي طالب – وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم وسألهم جلب المنافع ، بمعنى أن الخلق يسألونهم وهم يسالون الله ؛ كما أن الوسائط عند الملوك يسالون الملوك حوائج الناس لقربهم منهم والناس سألونهم أدبا منهم أن يباشروا سؤال الملك ، أو لكونهم أقرب إلى الملك ، فمن جعلهم وسائط على هذا الوجه فهو كافر مشرك حلال الدم والمال ) .

وقول الشيخ - أيضا - في الرسالة التي كتبها إلى عبد الله بن سحيم : ( إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها ما هو البهتان الظاهر وهي قوله إني مبطل كتب المذاهب ، وقوله إني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء ، وقوله إني ادعي الاجتهاد وقوله إني خارج عن التقليد وقوله إني أقول إن اختلاف العلماء نقمة ، وقوله إني اكفر من يتوسل بالصالحين – إلى أن قال : - فهذه اثنا عشر مسألة جوابي فيها أن أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ) .

هذا وقد كُتب في مجلة " الشهاب" ( ج 2 ، م 10 ، شوال 1352هـ / يناير 1934 م ، ص 85 - 86 ) تعريف وإشادة بكتاب " صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان " للعلامة الفقيه الشيخ محمد بشير السهسواني الهندي ، جاء فيه وصفه بأنه من الكتب العلمية الجليلة التي ينبغي جهلها ، وهو في الرد على أحمد زيني دحلان ورسالته " الدرر السنية في الرد على الوهابية " ؛ ودحلان - هذا - هو أحد رؤوس الضلال الذين أعادوا لوثنية القبور ماضي شبابها بما ألفوه وكتبوه من الوساوس والضلالات - كما كتبت المجلة - .

ولا يكاد عجبي ينقضي من إحدى دور النشر عندنا حين قامت - من قريب - بطبع كتاب ذلك القبوري دحلان ، والله المستعان .

6 - وللشيخ ابن باديس - رحمه الله - كلمات كثيرة في الثناء على الملك السلفي عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - ودولته الإسلامية ، من ذلك قوله - خلال ترجمته للشيخ رشيد رضا - في مجلة " الشهاب " ( ج 9 ، م 11 ، رمضان 1354 هـ / ديسمبر 1935 م ، ص 510 ) : ( فوجد فيها [ أي الدولة السعودية ] السيد رشيد ضالته من دولة إسلامية تنفذ الشرع الإسلامي وتقف عند حدوده وتحيي سنته وتقاوم كل ما الصق به من بدع وضلالات وتنتمي إلى أحد المذاهب الأربعة الكبرى ، فشمر عن ساق الجد لمؤازرتها وتأييدها وإرشادها ، ووجد من ملكها عبد العزيز آل سعود الرجل المسلم الذي يعمل للدين وينتصح لكل ناصح فيه ) (7) .

7- ونقل - عن جريدة " الشورى " - مقالا لأحد الصحفيين الذين أسلموا في الحجاز بعنوان " ملك العرب " ونشره في مجلة " الشهاب " ( ج 4 ، م 5 ، ذو الحجة 1347 هـ / مايو 1929 م ، ص 25 ) ، وقال في التصدير له : ( هي صفحة من تاريخ الملك العربي السلفي عبد العزيز آل سعود الذي شرفه الله بخدمة ذلك البيت المعظم في هذا العهد ، ومد – تعالى – بملكه رواق الأمن والعدل والتهذيب والدين الخالص [ على ] ربوع الحجاز ؛ أرض الحرمين الشريفين ، وإن في نهضة هذا الملك العظيم وفي حياته وصفاته لدرسا عميقا ومجالا واسعا للعبرة والتفكير ) (8) .

8 - وقال - أيضا - في ( العدد 6 ) من جريدة " السنة " ( 20 محرم 1352 هـ / 15 مايو 1933 م ، ص 1 ) : ( أما الحكومة السنية فهي الحكومة السعودية القائمة على تنفيذ الشريعة الإسلامية بعقائدها وآدابها وأحكامها الشخصية والعمومية حتى ضرب الأمن أطنابه ومد العدل سرادقه على جميع تلك المملكة العربية العظيمة بما لم تعرفه دولة على وجه الأرض ) (9) .

9 – ونشر في مجلته " الشهاب " ( ج 6 ، م 5 ، صفر 1348 هـ / يوليو 1929 م ، ص 40 - 42 ) - نقلا عن جريدة " أم القرى " - خطبة للملك عبد العزيز آل سعود ، مما جاء فيها قوله - رحمه الله - : ( يسموننا بالوهابيين ، ويسمون مذهبنا بالوهابي باعتبار أنه مذهب خاص ، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي يبثها أهل الأغراض .

نحن لسنا أصحاب مذهب جديد وعقيدة جديدة ، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد ، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح
، التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله ، وما كان عليه السلف الصالح . ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق عندنا بين مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي حنيفة ، وكلهم محترمون في نظرنا .

هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو إليها ، وهذه هي عقيدتنا ، وهي مبنية على توحيد الله - عز وجل - خالصة من كل شائبة ، منزهة عن كل بدعة ، فعقيدة التوحيد - هذه - هي التي ندعو إليها ، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من إحن وأوصاب ) .

10 – ونشر - أيضا - في جريدة " الشهاب" - نقلا عن جريدة " السياسة " الأسبوعية - ( العدد 40 ، 12 محرم 1345 هـ / 22 يوليو 1926 م ، ص 6 - 8 ) ، و ( العدد 41 ، 16 محرم 1345 هـ / 26 يوليو 1926 م ، ص 8 - 10 ) حوارا مع رئيس القضاة في مكة الشيخ عبد الله بن بلهيد - رحمه الله - .

ومما جاء في ( العدد 40 ، ص 7) قول رئيس القضاة : ( أهل نجد هم جميعهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، فهم سلفية العقيدة ( نسبة إلى السلف) حنابلة المذهب ، أما تسميتهم بالوهابيين وتسمية مذهبهم بالوهابية فليست من عملهم وإنما هي من عمل خصومهم الذين أرادوا تنفير الناس منهم بإيهامهم الناس أن هذا مذهب جديد يخالف المذاهب الأربعة ) .

11 - وجاء في ( العدد 117 ) من جريدة " الشهاب" ( 16 ربيع الثاني 1346 هـ / 13 أكتوبر 1927 م ، ص 15- 16 ) رسالة من ( الأخ الفاضل العالم السلفي الأستاذ محمد بن عبد القادر الهلالي ) - كما وصفته الجريدة - ، جاء فيها : ( فقد أطلعني على جريدتكم الغراء المسماة بـ " الشهاب " ، ولنعم الشهاب هي على رؤوس أعداء الله القبوريين والطرقيين أعداء الحق وغنم الشيطان الرجيم ، أطلعني عليها الأخ الصالح الشيخ ... فكدت أطير فرحا لأني تركت البلاد مظلمة مدلهمة بالخرافات والشرك ، وكنت أظنها لا تزال تتخبط في ظلماتها فإذا بأشعة النور أشرقت عليها بسبب أمثالكم وأمثال أستاذكم الشيخ عبد الحميد بن باديس ، فنحن نشهد الله على محبتكم وموالاتكم ، فإلى الأمام أيها الإخوان .

وأبشرك أن الله أدال لأهل التوحيد على أهل الشرك فأشرقت شمس التوحيد وإتباع السنة في الحرمين الشريفين وسائر بلاد الحجاز وأطراف اليمن [ ومحقت ] الشرك وأهله ، ورفعت ألوية العدل ومزقت ألوية الظلم وانتشر ضياء العلم وأدبر ظلام الجهل ومد رواق الأمن على جزيرة العرب أمنا لم يعرف مثله ولا ما يقاربه إلا في عهد الخلفاء الراشدين ... ولم يكن هذا إلا من العجيب الذي لم يوجد ولا يوجد الآن على وجه الأرض إلا في هذه البلاد لم يكن ذلك بكثرة الجيوش والأسلحة وإنما بعدل إمام المسلمين المجاهد في سبيل الله البائع نفسه وماله لله عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل آل سعود ملك الحجاز ونجد خلد الله ملكه وأيده بنصره وبالمؤمنين ) .

====
(1) نشرها في جريدة " النجاح " ( الأعداد 179 و 180 و 181 ، أكتوبر / نوفمبر 1924 م ) .
(2) انظر " آثار ابن باديس " ( 5 / 270 – 271 ) .
(3) المقصود صحيفة " الشهاب " ، التي أنشأها ابن باديس سنة ( 1343 هـ / 1924 م ) ، وكانت أول الأمر جريدة أسبوعية ، ثم أصبحت منذ ( 1347 هـ / 1929 م ) ، واستمرت في الصدور إلى غاية ( 1358 هـ / 1939 م ) .
(4) راجع الرسالة كاملة ضمن " الدرر السنية في الأجوبة النجدية " ( 1 / 242 – 246 ) .
(5) انظر " الآثار " ( 5 / 103 ) .
(6) نقلا عن مقدمة رسالة " أعراس الشيطان : الزردة والوعدة " ( ط منار السبيل بالجزائر ) .
(7) انظر " آثار ابن باديس " ( 3 / 95 ) .
(8) انظر " الآثار " ( 3 / 145 ) .
(9) انظر " الآثار " ( 3 / 262 ) .
 
فاصل إعلاني !

فاصل إعلاني !

حقيقة دعوة محمد بن عبد الوهاب رحمه الله
للشيخ: السعيد الزاهري -رحمه الله-
(عضو إداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين)

«بقي شيء واحد وهو قول الوزير: (إنّ مؤسس هذا المذهب هو شيخ الإسلام ابن تيمية، واشتهر به ابن عبد الوهاب).
والواقع أنَّ مؤسس هذا المذهب ليس هو ابن تيمية ولا ابن عبد الوهاب، ولا الإمام أحمد ولا غيره من الأئمة والعلماء، وإنما مؤسسه هو خاتم النبيين سيدنا محمد بن عبد الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على أنه في الحقيقة ليس مذهبًا، بل هو دعوة إلى الرجوع إلى السنة النبوية الشريفة، وإلى التمسك بالقرآن الكريم، وليس هنا شيء آخر غير هذا.».


[السعيد الزاهري -رحمه الله- (عضو إداري لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين) «مجلة الصراط السوي» (العدد: 5/5)]
 
من أساليب محاربة دعوة الحق

فاصل إعلاني -2-!

N.gif

من أساليب محاربة دعوة الحق

«يقولون عنا أننا وهابيون، كلمة كثر تردادها في هذه الأيام الأخيرة حتى أَنْسَت ما قبلها من كلمات: عبداويين وإباضيين وخوارج، فنحن - بحمد الله - ثابتون في مكان واحد وهو مستقر الحقّ، لكن القوم يصبغوننا في كل يوم بصبغة ويَسِمُونَنَا في كل لحظة بِسِمَةٍ، وهم يتخذون من هذه الأسماء المختلفة أدوات لتنفير العامة منا وإبعادها عنا وأسلحة يقاتلوننا بها، وكلما كلَّت أداة جاءوا بأداة، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغناء، وقد كان آخر طراز من هذه الأسلحة المغلولة التي عرضوها في هذه الأيام كلمة «وهابي» ولعلهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها، ولعلهم كافأوا مبتدعها بلقب (مبدع كبير)»

[محمَّد البشير الإبراهيمي «آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (1/123-124).]
 
إعمال المعاول والمقاول لهدم أضرحة الباطل

إعمال المعاول والمقاول لهدم أضرحة الباطل



قال الشيخ العلامة: محمَّد البشير الإبراهيمي -رحمه الله-
«يا قوم!! إنّ الحق فوق الأشخاص، وإنّ السنة لا تسمى باسم من أحياها، وإنّ الوهابيين قوم مسلمون يشاركونكم في الانتساب إلى الإسلام ويفوقونكم في إقامة شعائره وحدوده، ويفوقون جميع المسلمين في هذا العصر بواحدة وهي أنهم لا يقرون البدعة، وما ذنبهم إذا أنكروا ما أنكره كتاب الله وسنة رسوله وتيسر لهم من وسائل الاستطاعة ما قدروا به على تغيير المنكر؟
أإذا وافقنا طائفة من المسلمين في شيء معلوم من الدين بالضرورة، وفي تغيير المنكرات الفاشية عندنا وعندكم - والمنكر لا يختلف حكمه بحكم الأوطان- تنسبوننا إليهم تحقيرًا لنا ولهم وازدراءً بنا وبهم، وإن فرّقت بيننا وبينهم الاعتبارات فنحن مالكيون برغم أنوفكم، وهم حنبليون برغم أنوفكم، ونحن في الجزائر وهم في الجزيرة، ونحن نُعمِل في طريق الإصلاح الأقلامَ، وهم يُعمِلون فيها الأقدامَ، وهم يُعْمِلُونَ في الأضرحة المعاول ونحن نُعْمِلُ في بانيها المقاول»



[محمَّد البشير الإبراهيمي «آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي» (1/123-124).]
 

المواضيع المشابهة

العودة
Top