الإيمان بالله عزَّ وجل
1- العلم وسيلة إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى:
إن المنهج الإسلامي في معرفة الله بعيد عن أيِّ خرافة أو وهم أو ظن وهو منهج يقوم على أساس العلم والوعي.
وكثير من الناس تسيطر على حياتهم الأوهام أو الخرافات وتدفعه إلى ممارسة أعمال فاسدة، ليس لها أساس صحيح يدعمها، فتذهب جهودهم عبثاً أو توجه إلى باطل يلحق بالإنسان أكثر الأضرار والمفاسد.
وذلك يعود إلى سلوك منهج فكري معوج، فعندها يقع الإنسان في خديعة الظنون الكاذبة.
ولذلك نرى أن الخطاب الإسلامي يوجِّه الناس إلى اتخاذ العلم وسيلة للوصول إلى اليقين وأن لا يتبع الإنسان ما لا علم له به، لأنه يوقعه في متاهات من الجهل.
قال الله تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسئولاً} [الإسراء: 36].
وقال تعالى في شأن الكافرين: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: 157].
وقال تعالى عن المضلين: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ(1)} [الأنعام: 116].
وقال سبحانه وتعالى فيهم أيضاً: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَآئِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:119].
وإذا أراد الإنسان إيماناً صحيحاً فعليه بالعلم قال الله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الرعد: 19].
لأن الإيمان دون علم ووعي يكون إيمان المقلد لغيره، فهو سرعان ما يهتز عند أول شبهة قال الله تعالى:
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر: 9].
والنتيجة الحتمية للبحث العلمي المنصف في ظاهرة الرجوع الكوني وصول الباحث إلى حقيقة الإيمان بالله تعالى وعظيم صفاته، والشهادة بذلك إذا كان الباحث موضوعياً متجرداً منصفاً.
قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(18)} [آل عمران: 18].
_________________
_________________
(1) يكذبون.
(2) مقيماً للعدل في كل أمر.
ومتى وصل الباحث في العالم إلى الإيمان وتحقق من هذه المعرفة فلابد أن يكون أكثر الناس خشية لله تعالى. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28].
2- الإيمان بوجود الله:
وجود الله تعالى أظهر حقيقة في هذا الوجود، وأول شعور يشرق في عمق الإنسان إذا تأمل في نفسه وفي العالم من حوله، شعوره بوجود الله المهيمن على العالم كله والمدِّبر له والذي يتصرف فيه بالحياة والموت والخلق والفناء والتغير والتطور والحركة والسكون وجميع أنواع التغيرات المحكمة التي تجري فيه.
فالإنسان يشعر بهذه الحقيقة وهي وجود الله، ويؤمن بها إيماناً داخلياً عميقاً، سواء استطاع أن يقيم دليلاً عقلياً برهانياً على صدق هذا الشعور أو لم يستطع.
ولكن دليل الفطرة شاهد حق قد يسبق الأدلة النظرية وقد يكون أعمق منها في الشعور والصدق.
قال الله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30].
فهذه فطرة لا تنطمس في النفس الإنسانية إلا من بالغ في الانحراف الخُلقي بدافع شهواني ليرضي نفسه أو من حامت حوله الشكوك الفكرية أو من عادي هذه الفطرة استكباراً وتجبراً. ومن هذا المنطلق لابد من إقامة أدلة نظرية عقلية ترفع عن ذهن الإنسان كل شك أو ريب في وجود الله، فبالحجة القاطعة لا يترك مجال لأي شخص بإنكار هذه الحقيقة.
وهنالك أدلة كثيرة لا تحصى على وجود الله تعالى:
- أن العدم لا يخلق شيئاً:
والمعنى أن الذي لا وجود له لا يستطيع أن يصنع شيئاً لأنه غير موجود.
فإذا تأمل المرء في المخلوقات التي تولد في كل يوم من إنسان وحيوان ونبات وتفكر في كل ما يحدث في الوجود من رياح وعواصف وأمطار وليل ونهار، ونظر في المجرات الضخمة (التي تحتوي آلاف ملايين النجوم)، ونظر في كل مجرة فيها بالإضافة إلى النجوم والكواكب والسُّدم الغازية وتسير كلها بسرعات هائلة، وما فيها من النجوم والكواكب التي لها حركتها الخاصة المنتظمة، ومع ذلك فلكل منها مداره المنتظم الذي لا يختلف، ومن نظر في عالم الحياة من الأسرار في وحيدات الخلية وكذا في الورقة الخضراء التي تحتفظ بسر صناعة الغذاء، ومن غاص في عالم الذرة وأسرارها وفي عالم الإنسان وأسراره وغير ذلك من العوالم التي لا يستطيع أن يحصيها الإنسان والتي لا مجال للإفاضة فيها.
فإنه يجزم بأن هذا كله ليس من صنع العدم الذي لا وجود له، بل هو من صنع الخالق الموجود سبحانه.
قال الله سبحانه وتعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ} [الطور: 35، 36].
كما أن حدوث العالم يدل على الخلق لأنَّ العلوم تثبت بكل وضوح بأن هذا الكون لا يمكن أن يكون قديماً أزلياً أي ليس له بداية. فهنالك انتقال حراري مستمر من الأجسام الحارة إلى الأجسام الباردة ولا يمكن أن يحدث العكس.
فالكون يتجه إلى درجة حرارة تتساوى فيها حرارة جميع الأجسام، وينضب فيها معين الطاقة، ويومئذ لن تكون هناك عمليات كيماوية أو طبيعية، ولن يكون هنالك أثر للحياة نفسها في هذا الكون ولما كانت الحياة لا تزال قائمة، ولا تزال العمليات الكيماوية والطبيعية تسير في طريقها، فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون قد كانت له بداية، وإلا لاستهلكت طاقته منذ زمن بعيد وتوقف كل نشاط في الوجود.
وهذا العالم لم يأتِ من العدم كما ذكرنا في الدليل الأول والحادث كذلك لا يستطيع إخراج نفسه من مرتبة العدم إلى مرتبة الوجود، فينتج أن هناك خالقاً أوجده وأخرجه من العدم إلى الوجود. قال الله تعالى: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ(1) السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم: 10].
إضافة إلى ذلك فإن الاتقان في الكون يدل على خالق عظيم حكيم: إن إتقان صنعة هذا العالم الزاخر بالمتقنات دليل واضح على الصانع المتقن الحكيم العظيم العليم، يشهد ذلك كل الناس، وبالبداهة يُحكم بأن الله حق وهو على كل شيء قدير، وهكذا نجد أن الصنعة تدل على الصانع، فكل مصنوع لابد له من صانع، وكل اتقان للصنعة يدل على كمال متقنها ولنضرب مثالاً على ذلك:
إذا رأينا باباً من خشب قد أتقن صنعه، فإننا سنعلم أن للمصنوع صانعاً، وأن الصانع يملك الخشب، وأنه يستطيع أن يقطعه بانتظام وأنه قادر على أن يجعل الخشب أملس، وأنه يملك المسامير، وأنه يقدر على تثبيت أجزاء الباب بالمسامير وأن لديه خبرة في صناعة الأبواب وأن لديه إحكاماً في عمله وهكذا نجد كلَّ شيء في المصنوع يدل على صفات عند الصانع، فلا يمكن أن يوجد شيء في المصنوع إلا إذا كان الصانع يملك قدرة أو صفة تمكنه من صنع ذلك الشيء ولله المثل الأعلى.
قال الله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88]. وقال تعالى: {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ (2) لِلْمُؤْمِنِينَ* وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ*وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ (3)آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ* تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: 3،6].
_______________________
_______________________
(1) مبدع ومخترع وخالق من العدم إلى الوجود.
(2) علامات.
(3) تقليبها في مهابها وأحوالها.
3- ذات الله سبحانه وتعالى:
إن الحواس الخمس (السمع، والبصر، اللمس، والذوق، والشم) التي هي نوافذ إلى خارج كيان الإنسان محدودة في قدرتها وفي مجالات عملها.
فالعين مثلاً لا ترى إلا ألوان الطيف السبعة، أما الأشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء، والالكترونيات والقوة المغناطسية فلا تستطيع العين رؤيتها.
وقد تسحر العين أو تخدع كأن ترى الشمس كقرص الخبز والحقيقة أنها أكثر من الأرصاد: (1.305.000) مرة، أو ترى العصا في حوض الماء مكسورة عند سطح الانفصال، أو ترى المنازل من الطائرة كعلب السجائر، فلذا نجد عمل العين واضح محدود.
وكذلك الأذن لا تستطيع أن تسمع أصواتاً كثيرة موجودة لأن لها عملاً محدوداً لا يمكن تجاوزه.
والأنف وهو جهاز يعرف به روائح المواد ذات الرائحة ويبطل عمله إذا أصيب بزكام وحدود عمله ضيقة جداً إذ أن قدرته على الشم لا تتجاوز بضعة أمتار.
واللسان آلة لتمييز طعم المواد المختلفة وحدود عمل اللسان ضيقة جداً فتمييزه للطعم محصور في نطاق ما لامس اللسان شرط أن يذوب في اللعاب.
والجلد آلة حس لما يقع على الجسم من أشياء يقدر على الإحساس بها فيميز بين الناعم منها والخشن والصقيل والخفيف والحاد وغير الحاد والحار والبارد، وهو لا يدرك من الأشياء إلا ما كان له ثقل معلوم فهو لا يحس الجراثيم أو الكائنات الدقيقة أو الضوء أو الأمواج الإشعاعية كأمواج الراديو واللاسلكي، وحدود عمل الجلد ضيقة جداً تحد بحدود الجسم.
وقوة التصور وهي مصدر الخيال الواسع، فالإنسان يركِّب ويحلل ما جاء من الحواس الخمس في صورة جديدة مبتكرة، ولا يمكن تصديق ما تأتي به قوة التصور إلا بعد فحصه جيداً أمام العقل ومعظم الأوهام الباطلة التي تتحكم في حياة الإنسان تنبع من تصورات خاطئة، ولكن قوة التصور محدودة في قدرتها ومجالات عملها لأنها محدودة بالحواس الخمس.
والعقل الذي هو آلة ليميز الإنسان الحق من الباطل، فالعقل هو القاضي الذي تعرض عليه كل المعلومات القادمة من الحواس الخمسة ومن قوة التصور فيفصل أمرها، وقد يقع العقل في الخطأ ولكن لا من ذاته ولكن بسبب تغرير به أثناء عرض المعلومات، كأن تقدم له معلومات خاطئة أو ناقصة أو مشوهة، فتأتي أحكامه ناقصة مغلوطة مشوهة، فالخطأ جاء من مؤثرات خارجية، فالعقل هو الأساس لمعرفة الحقائق الثابتة في الكون.
والعقل له حدود فإذا علمنا أن الحواس الخمس محدودة وقوة التصور كذلك، والإنسان لا يعلم شيئاً إلا ما جاء بواسطة هذه الحواس الخمس التي هي نوافذه المفتوحة إلى خارج كيان الإنسان. فالعقل يستطيع أن يثبت الكثير من الحقائق الثابتة التي لا ترد من خلال الوسائل المؤثرة له.
ولكن مجال العقل محدود في كثير من الأمور، فالعقل عاجز عن إدراك كيفية عمله: كيف يفهم؟ وكيف يميز؟ وكيف يعقل؟.
العقل يعجز عن الإحاطة بكثير من الأمور في هذا الكون فمثلاً: هو يعجز عن الإحاطة بأكبر عدد فإذا سألته ما هو أكبر عدد؟ أجاب: أكبر عدد ما لا نهاية.
كما يعجز عن إدراك بداية الزمان أو أن يحيط بنهايته وكذلك يعجز عن إدراك نهاية المكان.
والعقل يعرف أن أحداثاً ستقع غداً، ولكنه يعجز عن إدراكها ومعرفتها مع أنها كائنة لا محالة ومع أن بعض الرؤى المنامية تتفوق على العقل في هذا الباب فتعرف ما سيكون غداً فيأتي كما رأت أو قريباً منه.
والعقل يعجز عن معرفة ما سيحدث لنا بعد موتنا بثوانٍ وصدق الله الذي يقول في كتابه العزيز: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255].
فإذا أدرك الإنسان قصور الحواس الخمس وقوة التصور والعقل، أدرك سخف الذين تطلب إليهم الإيمان بالله فيقولون: أرنا الله!! وحواسهم عاجزة قاصرة.
ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "تفكروا في كل شيء ولا تفكروا في ذات الله" رواه البيهقي بإسناد جيد.
فإن المنع في التفكر بذات الله ليس حَجْراً على الفكر ولا جموداً في البحث ولا تضييقاً على العقل ولكن عصمة له من التردي في مهاوي الضلالة، إبعاداً له عن معالجة أبحاث لم تتوافر وسائلها.
ولنضرب مثلاً لتوضيح المسألة:
خلق الله للإنسان قوة يتصور بها الأشياء تعينه على تنظيم الأمور وتخيلها ولكن قوة التصور ضعيفة ومحدودة فإذا وصفت لك مدينة، عقلت أن فيها أشياء وتصورت تلك الأشياء ولكنك إذا رأيت تلك المدينة ستجد أنها على غير الصورة التي تصورتها من قبل.
وإذا طرق شخص الباب استطعت أن تعقل أن طارقاً يطرق الباب، ولكن تصورك يعجز أن يتصور، من الطارق حقيقة؟ وما طوله؟ وما عرضه؟ وما لونه؟ وما حجمه؟ فقوة العقل اخترقت حاجز الباب فعقلت أن طارقاً موجود يطرق الباب فقط بينما عجزت قوة التصور، وحَبَسَها حاجزُ البابِ أن تنفذ إلى هوية الطارق.
- ولله المثل الأعلى - فالعقل يؤمن بوجود الله الخالق سبحانه، وقوة التصور تعجز عن تصور ذات الله سبحانه لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11].
4- أسماء الله تعالى:
إن الله عزَّ وجلَّ تعرَّف إلى خلقه بأسماء تليق بجلاله، فيحسن المؤمن معرفتها وحفظها تبركاً بألفاظها وتلذذاً بذكرها، وتعظيماً لقدرها.
ويتم النفع بأسماء الله تعالى على الوجه التالي:
1- فَهْمُ أسمائه تعالى بحيث يدرك معانيها.
2- الاعتقاد بالقلب وجود معناها في ذات الله تعالى.
3- التفكر بأسمائه تعالى ومشاهدة آثارها في الأكوان.
4- استعظام أسماء الله تعالى حتى تحدث في قلب المؤمن خشية وخوفاً من الله.
5- السعي في اكتساب ما يليق بالإنسان من تلك الأسماء والصفات والتخلق بها والتحلي بمحاسنها.- كالرحمة والعدل وغيرها - وبذلك يصبح المؤمن ربانياً.
- الأسماء الحسنى الواردة في الحديث النبوي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله تسعة وتسعون اسماً مائة إلا واحداً، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" رواه البخاري ومسلم. وفي رواية البخاري: "من أحصاها دخل الجنة".
وزاد الترمذي: "هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الخالق، الباريء، المصور، الغفار، القهار، الوهاب، الرزاق، الفتاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعزّ، المذل، السميع، البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العلي، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم،، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحق، الوكيل، القوي، المتين، الولي، الحميد، المحصي، المبديء، المعيد، المحي، المميت، الحي، القيوم، الواجد، الماجد، الواحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدم، المؤخر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، الوالي، المتعالي، البر، التواب، المنتقم، العفو، الروؤف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المقسط، الجامع، الغني، المغني، المانع، الضارّ، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد الصبور".
ومعنى "من أحصاها" أي أحصاها علماً وإيماناً ويقيناً بأنها صفات الله عز وجلَّ وليس المراد الإحصاء الذي هو العد.
شرح أسماء الله الحسنى:
1- الرحمن: هذا الاسم يختص بالله سبحانه وتعالى ولا يجوز إطلاقه على غيره. وهو من له الرحمة، وهو الذي رحم كافة خلقه بأن خلقهم وأوسع عليهم في رزقهم.
2- الرحيم: خاص في رحمته لعباده المؤمنين، بأن هداهم إلى الإيمان، وأنه يثيبهم الثواب الدائم الذي لا ينقطع في الآخرة.
3- الملك: هو النافذ الأمر في مُلكه، إذ ليس كلُّ مالك ينفذ أمره، وتصرفه فيما يملكه، فالملك أعم من المالك، والله تعالى مالك المالكين كِلّهم، والمُلاَّك إنما استفادوا التصرف في أملاكهم من جهته تعالى.
4- القدوس: هو الطاهر من العيوب المنزه، عن الأولاد والأنداد.
5- السلام: هو الذي سلم من كل عيب، وبريء من كل آفة، وهو الذي سلم المؤمنون من عقوبته.
6- المؤمن: هو الذي صدق نفسه وصدق عباده المؤمنين، فتصديقه لنفسه علمه بأنه صادق، وتصديقه لعباده: علمه بأنهم صادقون.
7- المهيمن: هو الشهيد على خلقه بما يكون منهم من قول أو عمل.
8- العزيز: هو الغالب الذي لا يغلب، والمنيع الذي لا يوصل إليه.
9- الجبار: وهو الذي لا تناله الأيدي ولا يجري في ملكه إلا ما أراد.
10- المتكبر: وهو المتعالي عن صفات الخلق، والكبرياء صفة لا تكون إلا لله خاصة لأن الله عز وجل هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس لأحد مثله، وذلك الذي يستحق أن يقال له المتكبر.
قال الله عزّ وجل في الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئاً منهما ألقيته في جهنم" رواه أبو داود وابن ماجه.
11- الخالق: وهو الذي أوجد الأشياء جميعها بعد أن لم تكن موجودة وقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14] أي تبارك الله أحسن المقدرين لأن الخلق يأتي بمعنى التقدير.
12- الباريء: هو الذي خلق الخلق عن غير مثال سابق.
13- المصور: هو الذي أنشأ خلقه على صور مختلفة.
14- الغفار: هو الذي يستر ذنوب عباده مرة بعد أخرى.
15- القهار: هو الذي قهر العاندين بما أقام من الآيات والدلالات على وحدانيته وقهر الجبابرة بعزِّ سلطانه وقهر الخلق كلهم الموت.
16- الوهَّاب: هو الذي يجود بالعطاء الكثير.
17- الرزاق: هو القائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها وطعامها، وما ينتفع به الناس من رزق مباحٍ وغير مباح.
18- الفتاح: وهو الذي يفتح المنغلق على عباده من أمورهم ديناً ودنيا وهو الذي يفتح بين الحق والباطل فيوضح الحق ويبينه ويدحض الباطل فيزهقه ويبطله.
19- العليم: بمعنى العالم على صيغة المبالغة، فالعلم صفة لله تعالى.
20، 21- القابض، الباسط: هو الذي يوسع الرزق ويقدره، يبسطه بجوده ورحمته ويقبضه بحكمته.
22، 23- الخافض، الرافع: هو الذي يخفض الجبارين والمتكبرين أي يضعهم ويهينهم، ويخفض كل شيء يريد خفضه، وهو الذي يرفع المؤمنين بالإسعاد وأولياءه بالتقريب.
24- المعز: وهو تعالى يعز من شاء من أوليائه والإعزاز على أقسام:
القسم الأول: إعزاز من جهة الحكم والفعل: هو ما يفعله الله تعالى بكثير من أوليائه في الدنيا ببسط حالهم وعلو شأنهم، فهو إعزاز حكم وفعل.
القسم الثاني: إعزاز من جهة الحكم: ما يفعله تعالى بأوليائه من قلَّة الحال في الدنيا، وأنت ترى من ليس في دينه فوقه في الرتبة فذلك امتحان من الله تعالى لوليه، وهو يثيبه إن شاء الله على الصبر عليه.
القسم الثالث: إعزاز من جهة الفعل: ما يفعله الله تعالى بكثير من أعدائه من بسط الرزق وعلو الأمر والنهي، وظهور الثروة في الحال في الدنيا، فذلك إعزاز فعل لا إعزاز حكم، وله في الآخرة عند الله العقاب الدائم، وإنما ذلك ابتلاء من الله تعالى واستدراج.
25- المذل: الله تعالى يذلُّ طغاة خلقه وعُتاتهم حكماً وفعلاً، فمن كان منهم في ظاهر أمور الدنيا ذليلاً، فهو ذليل حكماً وفعلاً.
26- السميع: وهو الذي له سمع يدرك به الموجودات وسمعه وسع كلَّ شيء فسبحان الذي لا يشغله سمع عن سمع، والسمع صفة لله تعالى.
27- البصير: وهو من له بصر يرى به الموجودات، والبصر صفة لله تعالى.
28- الحكم: هو الحاكم، وهو الذي يحكم بين الخلق لأنه الحَكَم في الآخرة، ولا حكم غيره. والحكام في الدنيا إنما يستفيدون الحكم من قبله تعالى.
29- العدل: وهو الذي حكم بالحقِّ، والله عادل في أحكامه وقضاياه عن الجور.
30- اللطيف: هو المحسن إلى عباده، في خفاء وستر من حيث لا يعلمون، ويُسيِّر لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون.
31- الخبير: هو العالم بحقائق الأشياء.
32- الحليم: هو الذي يؤخر العقوبة على مُستحقيها ثم قد يعفو عنهم.
33- العظيم: هو المستحق لأوصاف العلو والرفعة والجلال والعظمة وليس المراد به وصفه بعظم الأجزاء كالكبر والطول والعرض العمق لأن ذلك من صفات المخلوقين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
34- الغفور: هو الذي يكثر من المغفرة والستر على عباده.
35- الشكور: هو الذي يشكر اليسير من الطاعة، ويعطي عليه الكثير من المثوبة والأجر.
36- العلي: وهو تعالى عالٍ على خلقه فهو العالي القاهر.
37- الكبير: هو الموصوف بالجلال وكبر الشأن، فصغر دونه تعالى كل كبير.
38- الحفيظ: هو الحافظ لكل شيء أراد حفظه.
39- المقيت: هو المقتدر على كل شيء.
40- الحسيب: هو الكافي.
41- الجليل: هو عظيم الشأن والمقدار، فهو الجليل الذي يصغر دونه كل جليل ويتضع معه كل رفيع.
42- الكريم: هو الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه.
43- الرقيب: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء.
44- المجيب: هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويغيث الملهوف إذا ناداه.
45- الواسع: هو الغني الذي وسع غناه مفاقر الخلق.
46- الحكيم: هو مُحكِم للأشياء متقن لها.
47- الودود: هو المحب لعباده.
48- المجيد: هو الجليل الرفيع القدر، المحسن الجزيل البرّ.
49- الباعث: يبعث الخلق كلَّهم ليوم لا شك فيه، فهو يبعثهم من الممات، ويبعثهم أيضاً للحساب.
50- الشهيد: هو الذي لا يغيب عنه شيء.
51- الحق: هو الموجود حقاً.
52- الوكيل: هو الذي يستقل بأمر الموكول إليه.
53- القوي: هو الكامل القدرة على كل شيء.
54- المتين: هو شديد القوة الذي لا تنقطع قوته ولا يمسه في أفعاله ضعف.
55- الولي: هو المتولي للأمور القائم بها، بأن يتولى نصر المؤمنين وإرشادهم، ويتولى يوم الحساب ثوابهم وجزاءهم.
56- الحميد: هو المحمود الذي يستحق الحمد.
57- المحصي: لا يفوته شيء من خلقه عداً وإحصاءً.
58- المبديء: هو الذي ابتدأ الأشياء كلها، لا عن شيء فأوجدها.
59- المعيد: هو الذي يعيد الخلائق كلهم ليوم الحساب كما بدأهم.
60- المحيي: هو الذي خلق الحياة في الخلق.
61- المميت: هو الذي خلق الموت، وكتبه على خلقه، واستأثر سبحانه بالبقاء.
62- الحي: هو الذي يدوم وجوده، والله تعالى لم يزل موجوداً ولا يزال موجوداً.
63- القيوم: هو القائم الدائم بلا زوال.
64- الواجد: هو الغني الذي لا يفتقر إلى شيء.
65- الماجد: هو بمعنى المجيد.
66- الواحد: هو الفرد الذي لم يزل وحده بلا شريك.
67- الأحد(1): هو الذي لا شبيه له ولا نظير.
68- الصمد: هو الذي يُقْصَدُ في الحوائج.
69- القادر: هو الذي له القدرة الشاملة، فلا يعجزه شيء ولا يفوته مطلوب.
70- المقتدر: هو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء.
____________________________
(1) الأحد في رواية الترمذي.
71، 72- المقدم المؤخر: هو الذي يزن الأشياء منازلها فيقدم ما شاء ومن شاء ويؤخر ما شاء ومن شاء.
73، 74- الأول والآخر: وهو مقدم على الحوادث كلها بأوقات لا نهاية لها، فالأشياء كلها وجدت بعده، وقد سبقها كلها. الأول الذي لا بداية لوجوده والآخر الذي لا نهاية لوجوده.
وهو المتأخر عن الأشياء كلها، ويبقى بعدها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء" رواه مسلم والترمذي وابن ماجه.
75- الظاهر: هو الذي ظهر للعقول بحججه، وبراهين وجوده، وأدلة وجدانيته.
76- الباطن: هو الذي احتجب عن أبصار الخلائق وأوهامهم فلا يدركه بصر ولا يحيط به وهم.
77- الوالي: هو المالك للأشياء والمتولي لأمرها.
78- المتعالي: هو المنزه عن صفات الخلق.
79- البر: هو المحسن إلى خلقه، المصلح لأحوالهم.
80- التواب: هو الذي يقبل رجوع عبده إليه.
81- المنتقم: هو الذي ينتصر من أعدائه ويجازيهم بالعذاب على معاصيهم.
82- العفو: هو الذي يصفح عن الذنب.
83- الرؤوف: هو الذي تكثر رحمته بعباده.
84- مالك الملك: هو الذي يملك الملك، وهو مالك الملوك، والمُلاَّك يُصرِّفهم تحت أمره.
85- ذو الجلال والإكرام: هو المستَحق أن يُجَلَّ ويُكرم فلا يجحد.
86- المقسط: هو العادل في حكمه.
87- الجامع: هو الذي يجمع الخلق ليوم الحساب.
88- الغني: هو الذي استغنى عن الخلق، فهو الغني وهم الفقراء إليه.
89- المغني: هو الذي أغنى الخلق بأن جعل لهم أموالاً وبنين.
90- المانع: هو الذي يمنع ما أراد منعه، فيمنع العطاء عن قوم والبلاء عن آخرين.
91، 92- الضار، النافع: هو الذي يوصل الضرر إلى من شاء وما شاء ويوصل النفع إلى من شاء وما شاء.
93- النور: هو الهادي الذي يبصر بنوره ذو النهاية ويرشد بهداه ذو الغواية.
94- الهادي: هو الذي بهدايته اهتدى أهل ولايته وبهدايته اهتدى الحيوان لما يصلحه واتقى ما يضره.
95- البديع: هو الذي انفرد بخلق العالم كله فكان إبداعه لا عن مثال سبق.
96- الباقي: هو الذي يدوم وجوده، وهو المستأثر بالبقاء.
97- الوارث: هو الذي يبقى بعد هلاك كل مخلوق.
98- الرشيد: هو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم، وأرشد أولياءه إلى الجنة وطرق الثواب.
99- الصبور: وهو الذي لا يعاجل العصاة بالعقوبة.
- وهذه المذكورات التسع والتسعون ليست كل ما ورد في أسماء الله تعالى بل ذكر في القرآن والأحاديث غيرها مثل: الرب، الحنان، المنان، الباديء، الكافي، المغيث، المولى، المبين، المحيط، القريب، الوتر، العلاَّم، المليك، الأكرم، ذو الطَّول، الجميل، الرفيع.
شرح هذه الأسماء:
الرب: تطلق في اللغة كلمة الرب على المالك والسيد والمدبر والمربي والقيمِّ والمنعم. ولا يطلق غير مضاف إلا على الله وإذا أطلق على غيره أضيف فتقول: الله هو الرب، ولا تقول: فلان هو الرب بل تقول: فلان رب المنزل - أي فتضيفه إلى كلمة أخرى -
- الحنان: أي ذو الرحمة.
- المنان: هو الكثير العطاء.
- الباديء: بمعنى المبديء.
- الكافي: هو الذي يكفي عباده المُهم ويدفع عنهم المُلِم.
- المغيث: هو الذي يدرك عباده في الشدائد فيخلصهم.
- المولى: هو الناصر المعين.
- المبين: هو الظاهر أمره في الواحدنية.
- المحيط: هو الذي أحاطت قدرته بجميع المقدورات وأحاط علمه بجميع المعلومات.
- القريب: قريب بعلمه من خلقه، قريب ممن يدعوه بإجابته.
- الوتر: هو الفرد الذي لا شريك له ولا نظير.
- العلام: بمعنى العليم.
- المليك: هو المالك.
- الأكرم: هو الذي لا يوازيه كريم.
- ذو الطول: معناه صاحب المنِّ والعطاء.
- الجميل: هو الجميل في ذاته وصفاته وهو المُجمِل المحسن لخلقه وعباده.
- الرفيع: هو الذي لا أرفع قدراً منه وهو المستحق المدح والثناء.