جاء في الآية 34 من سورة إبراهيم:"وآتاكم من كُلِّ ما سألتُموه، وإنْ تَعدّوا نِعمتَ اللهِ لا تُحصوها، إنّ الإنسان لظلومٌ كفّار".
"وآتاكم من كلِّ ما سألتُموه": الذي نُرجّحُه أنّ ما هنا بمعنى الذي، والضمير في سألتموه يرجع إلى ما. ويجوز أن يكون الضمير راجعاً إلى الله تعالى، ولكننا نرجّح هنا أنّ الضمير يرجع إلى ما التي هي بمعنى الذي. وعليه يكون المعنى:" وآتاكم من كلّ شيء طلبتموه". والفرق بين الطلب والسؤال، أنّ السؤال هو طلب الشيء عن وعي وحضور ذهن.
وعليه فإنّ كل مَطلب يسعى إليه الإنسان لقوام حياته لا بدّ أن يجد له ما يُلبّيه، وكل ذلك مدّخر في الكون المسخّر للإنسان. ومهما اتسع أُفق الإنسان، ومهما تعاظمت مطالبه، فإن في الكون ما يُلبّي ذلك وزيادة. ونحن نشهد اليوم تجلّيات هذا الأمر في الاكتشافات العلميّة المختلفة. ولا يكاد الإنسان اليوم يتوقف عن تصعيد مطالبه ومحاولة تحقيق رغباته، وهو واثق من وجود الإجابة في إمكانات الكون المسخّر لهذا الإنسان.
"وآتاكم من كل...": قد تُشْكِل (مِن) هنا، وهي عند الكثير من المفسرين للتبعيض، وهذا فيما نرى ضعيف لأمور منها:
أ- لفظ الآية الكريمة يدل على أنّ الخالق يَمنُّ علينا بأنّه قد هَيّأ لنا ما فيه استجابة لكل مطالبنا، بل إنّ النص الكريم يشير إلى ما هو أكثر من ذلك.
ب- لو كانت مِن هنا تَبعيضيّة لأصبح المعنى:"وآتاكم بعض كلّ ما طلبتموه"، وهذا ضعيف، لأنّ الإيتاء يكون عندها لبعض الكل، والسياق يأبى هذا المعنى. وإذا كان المقصود إيتاء الكل فيمكن أن نقول:" وآتاكم ما سألتموه"، لأنّ ما هنا بمعنى كل. وإذا كان المقصود بعض الكل، فيمكن عندها أن نقول:" وآتاكم مما سألتموه"، أي بعض ما سألتموه.
ج- لو كانت العبارة هكذا:" وآتاكم كل ما سألتموه" لكانت بمعنى: "وآتاكم ما سألتموه"، وهذا يعني أنّ الإيتاء على قدر السؤال والمطلب. وهذا، كما قلنا، غير مراد، لقوله تعالى:"وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ...".
د- تُختم الآية بقوله تعالى:"... وإنْ تَعُدّوا نعمةَ الله لا تُحصوها..."،فالآية تُصرّح بأنّ النِّعَم المبثوثة في الكون هي أعظم كثيراً من المطالب المحتملة والقابلة للتصاعد إلى يوم القيامة. وعليه فليس المقام هو مقام أن النِّعَمأأأأأأالكلام عن إجابة بعض المطالب، بل كلها وزيادة، وهذه الزيادة هي فوق قدرة الإنسان على الإحاطة.
فلم أضيفت كل إذن؟!
حتى يتضح معنى (مِن كُل) في الآية الكريمة نضرب المثال الآتي: عندما نقول "أجابهُ من كُلِّ إجابة"، فإنما نقصِد أنّه قد نوّع له في الإجابات تنويعاً كثيراً، فكانت كلُّ إجابة كافية، ولكنه عدد له أوجه الإجابات بكل الاحتمالات المناسبة. وعليه فإنّ مطالب الإنسان الواعية لها إجابات عدّة ومتنوّعة وثريّة؛ فإذا طلبتَ الدفءَ، مثلاً، فإنك تجده في الطعام، واللباس، والحطب، والبترول، والذّرة... الخ. وينبني على هذا المعنى القول بأنّ مسيرة العلم لن تتوقّف حتى يتوقّف الإنسان عن سعيه لتحقيق رغباته المتصاعدة، وهذا غير متوقّع. ولن يبلغ الإنسان في هذه الدنيا نهاية الطريق، لأنه أعجز من أن يحصي نِعَم الخالق عليه، وكمال النعمة أُخرويّ. من هنا نفهم، بشكل أفضل، ما ورد في الأثر أنّ في الجنّة ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خَطرَ على قلب بشر.
فإذا كانت النِّعم لا تُحصى، وإذا كانت المطالب مستجابة، والإجابة مدّخرة في كينونة الكون المُسخّر، فمن أين تنشأ إذن المشكلة الاقتصادية؟!
ترى الماركسيّة أنّ المشكلة الاقتصادية ناتجة في جوهرها عن التناقض القائم بين قوى الإنتاج وعلاقات الملكيّة. وينعكس ذلك اجتماعياً في التناقض بين المالكين وغير المالكين، وبالتالي فإن حلّ هذه المشكلة سيكون في المرحلة الشيوعيّة، وذلك عندما يزول هذا التناقض. ولكنّ التجربة أثبتت بطلان ما كان يَظُنّه الماركسيون حقيقة، وبالتالي لا داعي لأن نستفيض في هذه المسالة، ولا أن نناقش الفكرة الماركسية التي أصبحت في ذمّة التاريخ.
أمّا الرأسمالية فترى أنّ المشكلة الاقتصادية ناتجة عن النُّدرة في الموارد، مما يؤدّي إلى صراع على هذه الموارد. ومثل هذا التشخيص لا يُبشّر بحل للمشكلة الاقتصاديّة، نظراً إلى أنّ مطالب البشر متصاعدة، فلو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنّى أن يكون له ثالث، كما جاء في الحديث الشريف. ومن هنا نجد أنّ أمريكيا، رائدة الرأسماليّة، تعاني من تفاقم المشكلة الاقتصادية؛ فأنت تجد اليوم أن 3% من الأمريكيين يمتلكون 90% من الدخل القومي الأمريكي، وقبل سنوات معدودة كان 5% منهم يمتلكون 90% وهذا يعني أنّ المشكلة في تصاعد.
تنبّه بعض العلماء المعاصرين إلى أنّ الآية الكريمة، التي نحن بصددها، تُبيّن سبب المشكلة الاقتصاديّة؛ فالموارد في حقيقتها أكثر من مطالب الإنسان، لذا ليس هناك نُدرة، وإنما تكمن المشكلة في الإنسان.
"... وإنْ تَعدّوا نعمتَ الله لا تُحصوها، إنّ الإنسانَ لظلومٌ كفّار": فالإنسان بطبعه كثير الظلم لنفسه ولغيره، وهو بطبعه عظيم الكفر، فيأتي الدين ليحدّ من هذا الظلم، ومن هذا الكفران، بتربية الإنسان وإرشاده إلى سبل العدل والإيمان.
فالمشكلة الاقتصادية ترجع إلى ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وترجع إلى كفرانه النعمة؛ أي أنّ تسلّط القَويّ على الضعيف والغنيّ على الفقير، على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول، يؤدّي إلى حدوث المشكلة الاقتصاديّة. وكفران النعمة، المُتمثّل أحياناً في الإهدار، يزيد من تفاقم هذه المشكلة؛ فما يُلقى في مزابل أوروبا من الطعام يكفي لقطع دابر المجاعة في العالم.
نعم، ليس هناك نُدرة، بل هناك سوء توزيع ناتج عن الظلم في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وعن إهدار في الموارد المتاحة. ويتجلّى ذلك في أوضح صورة في العلاقة الرأسماليّة. بذلك نكون قد وضعنا أصبعنا على المرض القابل للشفاء. أمّا الشفاء فيتمثّل بطرح الإسلام للحلّ عن طريق العقيدة السويّة، والتربية الزكيّة، والمجتمع الراشد. وهذا بعض معاني قولنا الإسلام هو الحل.
"وآتاكم من كلِّ ما سألتُموه": الذي نُرجّحُه أنّ ما هنا بمعنى الذي، والضمير في سألتموه يرجع إلى ما. ويجوز أن يكون الضمير راجعاً إلى الله تعالى، ولكننا نرجّح هنا أنّ الضمير يرجع إلى ما التي هي بمعنى الذي. وعليه يكون المعنى:" وآتاكم من كلّ شيء طلبتموه". والفرق بين الطلب والسؤال، أنّ السؤال هو طلب الشيء عن وعي وحضور ذهن.
وعليه فإنّ كل مَطلب يسعى إليه الإنسان لقوام حياته لا بدّ أن يجد له ما يُلبّيه، وكل ذلك مدّخر في الكون المسخّر للإنسان. ومهما اتسع أُفق الإنسان، ومهما تعاظمت مطالبه، فإن في الكون ما يُلبّي ذلك وزيادة. ونحن نشهد اليوم تجلّيات هذا الأمر في الاكتشافات العلميّة المختلفة. ولا يكاد الإنسان اليوم يتوقف عن تصعيد مطالبه ومحاولة تحقيق رغباته، وهو واثق من وجود الإجابة في إمكانات الكون المسخّر لهذا الإنسان.
"وآتاكم من كل...": قد تُشْكِل (مِن) هنا، وهي عند الكثير من المفسرين للتبعيض، وهذا فيما نرى ضعيف لأمور منها:
أ- لفظ الآية الكريمة يدل على أنّ الخالق يَمنُّ علينا بأنّه قد هَيّأ لنا ما فيه استجابة لكل مطالبنا، بل إنّ النص الكريم يشير إلى ما هو أكثر من ذلك.
ب- لو كانت مِن هنا تَبعيضيّة لأصبح المعنى:"وآتاكم بعض كلّ ما طلبتموه"، وهذا ضعيف، لأنّ الإيتاء يكون عندها لبعض الكل، والسياق يأبى هذا المعنى. وإذا كان المقصود إيتاء الكل فيمكن أن نقول:" وآتاكم ما سألتموه"، لأنّ ما هنا بمعنى كل. وإذا كان المقصود بعض الكل، فيمكن عندها أن نقول:" وآتاكم مما سألتموه"، أي بعض ما سألتموه.
ج- لو كانت العبارة هكذا:" وآتاكم كل ما سألتموه" لكانت بمعنى: "وآتاكم ما سألتموه"، وهذا يعني أنّ الإيتاء على قدر السؤال والمطلب. وهذا، كما قلنا، غير مراد، لقوله تعالى:"وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها ...".
د- تُختم الآية بقوله تعالى:"... وإنْ تَعُدّوا نعمةَ الله لا تُحصوها..."،فالآية تُصرّح بأنّ النِّعَم المبثوثة في الكون هي أعظم كثيراً من المطالب المحتملة والقابلة للتصاعد إلى يوم القيامة. وعليه فليس المقام هو مقام أن النِّعَمأأأأأأالكلام عن إجابة بعض المطالب، بل كلها وزيادة، وهذه الزيادة هي فوق قدرة الإنسان على الإحاطة.
فلم أضيفت كل إذن؟!
حتى يتضح معنى (مِن كُل) في الآية الكريمة نضرب المثال الآتي: عندما نقول "أجابهُ من كُلِّ إجابة"، فإنما نقصِد أنّه قد نوّع له في الإجابات تنويعاً كثيراً، فكانت كلُّ إجابة كافية، ولكنه عدد له أوجه الإجابات بكل الاحتمالات المناسبة. وعليه فإنّ مطالب الإنسان الواعية لها إجابات عدّة ومتنوّعة وثريّة؛ فإذا طلبتَ الدفءَ، مثلاً، فإنك تجده في الطعام، واللباس، والحطب، والبترول، والذّرة... الخ. وينبني على هذا المعنى القول بأنّ مسيرة العلم لن تتوقّف حتى يتوقّف الإنسان عن سعيه لتحقيق رغباته المتصاعدة، وهذا غير متوقّع. ولن يبلغ الإنسان في هذه الدنيا نهاية الطريق، لأنه أعجز من أن يحصي نِعَم الخالق عليه، وكمال النعمة أُخرويّ. من هنا نفهم، بشكل أفضل، ما ورد في الأثر أنّ في الجنّة ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خَطرَ على قلب بشر.
فإذا كانت النِّعم لا تُحصى، وإذا كانت المطالب مستجابة، والإجابة مدّخرة في كينونة الكون المُسخّر، فمن أين تنشأ إذن المشكلة الاقتصادية؟!
ترى الماركسيّة أنّ المشكلة الاقتصادية ناتجة في جوهرها عن التناقض القائم بين قوى الإنتاج وعلاقات الملكيّة. وينعكس ذلك اجتماعياً في التناقض بين المالكين وغير المالكين، وبالتالي فإن حلّ هذه المشكلة سيكون في المرحلة الشيوعيّة، وذلك عندما يزول هذا التناقض. ولكنّ التجربة أثبتت بطلان ما كان يَظُنّه الماركسيون حقيقة، وبالتالي لا داعي لأن نستفيض في هذه المسالة، ولا أن نناقش الفكرة الماركسية التي أصبحت في ذمّة التاريخ.
أمّا الرأسمالية فترى أنّ المشكلة الاقتصادية ناتجة عن النُّدرة في الموارد، مما يؤدّي إلى صراع على هذه الموارد. ومثل هذا التشخيص لا يُبشّر بحل للمشكلة الاقتصاديّة، نظراً إلى أنّ مطالب البشر متصاعدة، فلو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنّى أن يكون له ثالث، كما جاء في الحديث الشريف. ومن هنا نجد أنّ أمريكيا، رائدة الرأسماليّة، تعاني من تفاقم المشكلة الاقتصادية؛ فأنت تجد اليوم أن 3% من الأمريكيين يمتلكون 90% من الدخل القومي الأمريكي، وقبل سنوات معدودة كان 5% منهم يمتلكون 90% وهذا يعني أنّ المشكلة في تصاعد.
تنبّه بعض العلماء المعاصرين إلى أنّ الآية الكريمة، التي نحن بصددها، تُبيّن سبب المشكلة الاقتصاديّة؛ فالموارد في حقيقتها أكثر من مطالب الإنسان، لذا ليس هناك نُدرة، وإنما تكمن المشكلة في الإنسان.
"... وإنْ تَعدّوا نعمتَ الله لا تُحصوها، إنّ الإنسانَ لظلومٌ كفّار": فالإنسان بطبعه كثير الظلم لنفسه ولغيره، وهو بطبعه عظيم الكفر، فيأتي الدين ليحدّ من هذا الظلم، ومن هذا الكفران، بتربية الإنسان وإرشاده إلى سبل العدل والإيمان.
فالمشكلة الاقتصادية ترجع إلى ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وترجع إلى كفرانه النعمة؛ أي أنّ تسلّط القَويّ على الضعيف والغنيّ على الفقير، على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول، يؤدّي إلى حدوث المشكلة الاقتصاديّة. وكفران النعمة، المُتمثّل أحياناً في الإهدار، يزيد من تفاقم هذه المشكلة؛ فما يُلقى في مزابل أوروبا من الطعام يكفي لقطع دابر المجاعة في العالم.
نعم، ليس هناك نُدرة، بل هناك سوء توزيع ناتج عن الظلم في العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وعن إهدار في الموارد المتاحة. ويتجلّى ذلك في أوضح صورة في العلاقة الرأسماليّة. بذلك نكون قد وضعنا أصبعنا على المرض القابل للشفاء. أمّا الشفاء فيتمثّل بطرح الإسلام للحلّ عن طريق العقيدة السويّة، والتربية الزكيّة، والمجتمع الراشد. وهذا بعض معاني قولنا الإسلام هو الحل.