الشيخ أبوبكر الحاج عيسى الأغواطي

ام تيمية الاثرية

:: عضو مُشارك ::
إنضم
4 نوفمبر 2011
المشاركات
135
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
الشيخ أبوبكر الحاج عيسى الأغواطي

بقلم الأستاذان : أحمد حماني و أحمد قصيبة



مساء يوم الأحد 03ذو القعده 1407 هـ الموافق 28 يوليو 1987 م ختمت أنفاس هذا العالم الجزائري العظيم عن سن تجاوزت السبعين، بعد مرض عضال عانى منه الفقيد آلاماً مبرحة في عهده الأخير.

والشيخ أبوبكر الحاج عيسى أنبغ طلبة المرحوم الشيخ مبارك الميلي ومن الذين تخرجوا من جامعة الزيتونة، ثم أخذوا عن الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس، وشاركوه في التدريس وتحمل أعباء المسؤوليات الثقيلة حتى آخر أيام حياته وخلف تلاميذاً من بعده. ولد الفقيه بمدينة الأغواط وهي واحات جميلة بجنوب جبال عمور تقع على وادي مزي، تسكنها قبائل عربية صمية سنة 2ا9ام نحو 1331 هـ وكغيره من أبناء نبلاء الجزائر أدخله أبوه كتاب القرآن الكريم فأخذه وأتقن حفظه على مقرئي الأغواط الشيخ ابن عزوز رحمه الله .

وكان أبوه عالما وجده مؤلفا ترجم تأليفه ونشر في الولايات المتحدة. كما دخل المدرسة الفرنسية لاتقاء شر قوم الفرنسيين وأمن مكرهم وكانت سنة ميلاده أيام صراع عنيف ضد التجنيد الإجباري على أبناء الأمة وفى سنة 1962 حل بالأغواط _ بطلب من أهلها_العلامة الشيخ مبارك بن محمد الميلي ليؤذن له في تأسيس مدرسة عربية عصرية هي (المكتب العربي) وكان قد سبقه إلى الحلول بها المرحوم الشيخ محمد سعيد الزهري وحاول –عبثا- التحصيل على الرخصة لذلك فلم يظفر بها، وفي هذه المرة انظم إلى الراغبين في تأسيس هذا المكتب السيد "خليفة جلول" حاكم البلد من الأهالي، فاضطرت فرنسا لغض الطرف عنها كان الخليفة من ذوي الشهامة والغيرة _ فأذن الحاكم بتأسيس المكتب وشجعه كأنه يجبر ما قصرت دولته فيه وكان الشيخ مبارك رزينا حكيما، فعرف من أين تؤكل الكتف.

وقد بدأ حياته التعليمية بمدينة قسطينة بعد أن تخرج عن الزيتونة وأدار سنة 1952م (المكتب العربى بسيدي بومعزة) وشارك في التحرير في مجلتي المنتقد والشهاب بنصيب وافر، ومن تلاميذه الدكتور حمو بن يدير ولما بدت الرغبة من أهل الأغواط فيه انتقل إليهم، ومكث عندهم بضع سنين.

إن هذه الفترة من حياة الجزائر كانت حاسمة ففيها وقعت أحداث جسيمة منها محاولة اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس لأفكاره الإسلامية والوطنية الصحيحة، وقد أريد الوصول إلى الشيخ مبارك الميلي لاغتياله وكان يمضى بعض مقالاته النارية بإمضاء مستعار (البيضاوي).

وفي هذه الفترة اشتد الجدل بين دعاة فكرتين لنيل الجزائريين حقوقهم في الحياة فكرة تدعو إلى الاندماج الكلي للوصول إلى هذه الحقوق كما فعل قرار كريمو باليهود الجزائريين، وفكرة تقاوم الاندماج بكل صلابة وقوة، وتحكم عليه بأنه موت حقيقي للأمة وفناء، وكان على رأس هؤلاء الآخرين الشيخ مبارك الميلي الذي نشر - في (الشهاب) عدة مقالات منها ما نشر في شهر جوان 1928 وفيه يصرح بأن الاندماج موت حقيقي، وأنه يفضل بقاء بناء الأمة في تأخر وانحطاط وحرمان من قل الحقوق مع تمسكها بشخصيتها القومية على الاندماج في أمة دخيلة مع نيل هذه الحقوق لأن الاندماج موت لا حياة بعده.

و كان العلماء يومئذ حاملي لواء الوطنية التي تعمل علنا بالوطن بالقول وبالفعل وكما يبثونه من أفكار في الصحف السيارة يبثونه لطلابهم وتلاميذهم في أقسام الدراسة، ولذلك أهمية قصوى .

وكان الفقيد من الأمين لهذه الدروس، وهو في زهرة شبابه، وبدء نضجه ودارته وقد أعرض عن متابعة الدراسة بالمدارس الفرنسية وتخصص للعربية _ مع معرفته بالفرنسية _ وقد اشتدت الدعوة لتأسيس "جمعية العلماء"، ونجحت الفكرة التي كان من دعاتها الشيخ مبارك الميلي في 05 ماى 1931م.

وذلك بعد احتفال فرنسا سنة 1930 بمرور قرن على احتلال الجزائر وعقد المؤتمر الأفخاريستي الصليبي بالجزائر وظهور المساعي الجدية في تنصير الجزئر والقضاء على قوميتها.

ألم يكن هذا النجاح العلمي رداً مناسباً من الأمة على أعدائها ؟ إنه لذلك ولما انتخب العلماء مبارك الميلى أمينا لصندوقهم وتبين للملأ أنه اليد اليمنى لإبن باديس في عمله وأفكاره تغيرت أفكار المستعمرين الفرنسيين في موقفهم إزاء (المكتب العربي) بالأغواط، فأوعزوا إلى من كان بالأمس معنيا ومساعدا على وجوه أن يكون سببا لمحو أثاره وخروج شخصية مبارك الميلى من الأغواط فأرسل إليه عندما كان غائبا أن يؤجل رجوعه إلى الأغواط إلى أجل مناسب وفهم الشيخ النكتة فنوى الرحيل عنها نهائيا وقد اطمأن إلى أنه غرس البذرة الصالحة في أرض الثرية والبلد الطيب الذي لابد أن يخرج نباته بإذن ربه.

وفي هذه الفترة من إقامة الشيخ مبارك الميلي بالأغواط ألف كتابه النفيس "تاريخ الجزائر في القديم والحديث"، وقد قرضه الشيخ عبد الحميد بن باديس "بأنه أحي به أمة".

وبعد ارتحاله عن الأغواط _ محافظة على كرامته أن تمس بسوء وأن تخضع للمساومات _ تكون وفد من تلاميذه إلى تونس لينخرط في تلاميذ جامع الزيتونة_ وكان على رأس الوفد الشاب النابغ أبو بكر الحاج عيسى رحمه الله 1932، ثم الشهيد المرحوم أحمد شطة، والصديق النابغة أحمد بن بوزيد قصيبة، والمرحوم محمد دهينة والشاب محمد الطيب وكان معهم الأخ الحاج محمد حدبي الذي انتسب للثانوية الفرنسية "علوي".

وكنا _ في تلاميذ الزيتونة _ تتكون مجموعاتنا من ثلاث:

مجموعة ممن سبق لهم أن تتلمذوا في مدرسة (التهذيب) بتبسة على العلامة الشهيد الشيخ العربي التبسي ومنهم الشيخ عيسى سلطتني والمرحوم الشيخ الوردي والأستاذ الشاذلي المكى والمرحومان: محمد بن البشير هوام وابن عمه محمد الحنفاوي هوام والسيخ محمد الشبوكي، والشيخ العيد مطروح، ثم من بعدهم الشيخ ابراهيم زهودي والشيخ عبدالله شريط، والشيخ علي علي وغيرهم.

ومجموعة تتكون من طلبة الشيخ مبارك الميلي في الأغواط،وهم من ذكر ومعظم التلاميذ ممن قرأوا في مدرسة ابن باديس بقسنطينة من السابقين منهم الشيخ مبارك الميلي ، والشيخ عبد السلام سلطاني- من نوابغ خريجي الزيتونة وهو من مؤلف "شرح شواهد الأشموني"، والشيخ سعيد الزاهري الكاتب الشاعر الصحافي والشيخ صالح بن عتيق وجئنا من بعد هؤلاء أنا وأحمد حماني، والمرحوم الشيخ جلولي محمد الملياني والشيخ الجيلالي الأصنامي، والشيخ أحمد بن ذياب القنطري والشيخ مولود المهاجي، والشيخ خالد بيشور رحمه الله وغير هؤلاء كثير.

وهناك مجموعة أخرى غير هؤلاء المتقدم ذكرهم من الذين لم يسبق لهم القراءة عند واحد من هؤلاء المشايخ مثل الشيخ مصطفى بن سعد الجيجلي والمرحوم محمد بن المبروك السناني، والمرحوم بن العوادي وغيرهم .

وكان _في عصرنا_ ميزة الطلاب الجزائريين الجد والاجتهاد والحرص على التحصيل، والاستقامة وحسن الأحدوثة عند مشايخنا: في سنة 1936 دخل الإصلاح الجديد في حيز التطبيق، وشارك لأول مرة في شهادة الأهلية ما يزيد على 700 مترشح، نجح منهم نحو 500 أولهم الشاذلي المكي من (تبسة ) وثانيهم أحمد دريرة من "صفاقص"، وثالثهم أحمد بن محمد حماني من "الميلية" وفي الجزائريين عشرات من الناجحين على قلة الجزائريين. ولم تكن الشهادات تدخلنا الوظيف، فقد كنا نطلب العلم للعلم.

وقد استمر الشيخ أبو بكر الأغواطي ورفاقه بتونس بضع سنوات يدرس العلم على فطاحل الجامعة مثل المرحومين: الشيخ عبد العزيز جعيط، والشيخ بلمحسن النجار، والشيخ عبد السلام التونسى، والشيخ الهادي العلاني، والشيخ محمد الزعواني، والثنيخ البشيرالنيفر، ويحضر بالعطارين محاضرات الشيخ العربي الكيادي والخلدونية الشيخ عثمان الكعاك _رحمهم الله _، و يطالع لنفسه " نفائس العبدلية" مثل "المحصول" لفخر الدين الرازي وقد غادر الزيتونة عندما بدأت الاضطرابات في ربيع سنة 1937م وقد تخرج منها بتحصيل قلما حصل عليه أحد من الدارسين، فاستدعاه الأستاذ الإمام عبد الحميد بن باديس ليكون بجانبه يشارك في إلقاء دروس للطلبة وليلتقي دروسا عليه أجلها درس التفسير والحديث و "الأماني" لأبي علي القالي ودروس في "مقدمة ابن خلدون".

وندب لإلقاء دروس بمدرسة التربية والتعليم التي كانت في بدء نهضتها وكان عبد الحميد بن باديس مكونها يؤمل منها تكوين بعثات من الطلبة والطالبات يرسل بهم إلى معاهد الشرق، وقد كنت عينت في بعثة من هذه البعثات المؤملة للسفر إلى الأزهر _ مع الأستاذين مصطفى بن سعد رحمه الله، والشاذلي المكي لولا ظروف الحرب التي أعلنت قبل سفرنا سنة 1939.

وبعد أن قضى الشيخ أبو بكر مدة بجانب أستاذه ابن باديس اقتنع بكفاءته واطمأن إليه، وأذن له أن يرجع إلى بلاده الأغواط لأن وجوده بها أصبح ضربة لازب، فهو من أبناء البلد، ولا يسهل إخراجه منها كما يسهل إخراج أستاذه فبادر بالامتثال وانتصب لمهمته فيها، وشرع في احياء عهد أستاذه فسد الفراغ العظيم الذي تركه أستاذه .

ولكن ظروف الحرب العالمية الثانية داهمتنا، وتجرع شعبنا صابها وعلقمها، ولا يسليهم سوى الهزيمة الساحقة التي أصابت غريمتنا، ولكن هذه الهزيمة جعلت من الفرنسيين الوحش الجريح لا يؤمن جانبه ولا يستبعد إقدامه على ارتكاب حماقات كريهة كإصراره على بقاء الشيخ البشير في الاعتقال و مثل السيد ميصالي الحاج، وكإعدامه الشهيد محمد بوراس مؤسس الكشافة الإسلامية حماقة الحماقات. وقد زار الفقيد الشيخ

الإبراهيمي في معتقله وسجن من أجل ذلك مع أخيه ومع الشيخ أحمد بن بورن.

وأثناء هذه الفترة الحرجة توفى مبارك الميلي في 9فبراير 945ام ولكن كل الرزايا والمحن لم تصد أمتنا عن نهجها والعزم على البلوغ إلى غايتها وقد ترك لنا ابن باديس أن نعمل على دستور أبوابه الثلاثة، وفصوله كثيرة: "الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا"، ولهذا نهضنا بعد انتهاء المحن نجدد العمل الجماعي ونعمر المساجد والمدارس بالصالحين.

وفى سنة 1946 انتخب المرحوم الشيخ أبو بكر الأغواطي عضوا في الهيئة العليا لجمعية العلماء وانتخبته هذه الهيئة أمينا عاما لها خليفة للشيخ العربي التبسي الذي انتخب نائبا للرئيس فقام بالمهمة لمدة قصيرة وخلفه في الأمانة العامة المرحوم توفيق المدني _ سنة 1951_ وفي هذه السنوات من الأربعينيات نهض أهل الأغواط نهضة مباركة، وكونوا مدرسة عصرية وعدت من أحسن مدارس القطر، وأمدت معهد عبد الحميد بن باديس بأنبغ الطلبة الذين أصبحوا يملئون مناصب مرموقة، ومنهم الأستاذ محمود يعقوبي أستاذ الفلسفة والمؤلف الشهير، والأستاذ محمد يوسفي المحامي وكان قاضيا وغيرهم كثير.

وافتتحت المدرسة سنة 1948م ولحق بها_من الجزائر الشيخ أبو بكر بعدما كان مدير لمدرسة البليدة .

وكانت المدرسة هذه تدار من الشهيد المرحوم أحمد شطة، الذي اغتالته_أثناء الثورة_يد العدوان الفرنسي وكان الشيخ أبو بكر أستاذا بها ومسؤولا عاما بها عن سير الحركة، وانتصب بالجزائر الشيخ أحمد بن بوزيد قصيبة كاتبا عاما بمركز جمعية العلماء منذ سنة 1946 وسير العمل_بجانب الشيخ البشير الإبراهيمي لعدة سنوات قبل أن يرجع إلى الأغواط، ولما ارتحل الشيخ البشير إلى الشرق سنة1951، وتأججت نيران الثورة عام 954ام، كانت مدرسة الأغواط من المدارس الراسخة القدم المشاركة في كل دورات الامتحان التي تعقدها مدارس الجمعية وتساهم فيها بأنجب التلاميذ والتلميذات الذين يعمرون اليوم مدارس القطر وثانوياته، وأثناء سير أعمال الثورة هبت على جهات الأغواط ريح السموم فقد انتصب بتلك الجهات الخائن الكبير (الجنرال بلونيس) واتخذ له جبالا يأوي إليها تدعمه قوات الاستعمار، أما مدينة الأغواط فقد ثبتت وفية للثورة سالكة طريق جبهة التحرير_بفضل توجيهات الشيخ أبي بكر وإخوانه أحمد بوزيد قصيبة وأحمد شطة وقد اعتقل الشيخ أبوبكر وأعدم الشيخ شطة، وأذكر أن أول إنذار سمعته عن عملية (الجنرال بلونيس) كانت من الأستاذ أحمد قصيبة فرفعت الأمر إلى بعض أعضاء القيادة (لجنة التنسيق والتنفيذ) حتى قضى على الخائن وعصابته.

وبعد الاستقلال لم يتطاول الشيخ أبو بكر لينال ما يستحق من منصب رفيع في دولته، بل التزم التربية والتعليم والوعظ ولإرشاد. وقد قنع بمنصب مفتش التعليم الابتدائي والمتوسط ورضي أن يبقى في ميدان التربية الذي قضى فيه كل حياته، ولو تطلع إلى أعظم منه منزلة لناله لجمعه بين ثقافتين، ولما يمتاز به من كفاءة وذكاء، وألمعية وقد استمر يقوم بأعمال الوعظ والإرشاد في المساجد يلقى الدروس والمحاضرات ويبشر بالقرآن ويذكر به (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد).

وفي آخر حياته لحقه الإجهاد، وعانى من مرض عضال، نزل ضيفا على المستشفيات حتى أودى بحياته مساء يوم الأحد 03 ذو القعدة 1407هـ.

كان رحمه الله يمتاز بذكاء خارق يبلغ به حد الألمعية.

(الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأى و قد سمع)، وبالثقافة الصحيحة والعلم الغزير، والخلق القويم والتواضع الجم، وبسعة الاطلاع والتضلع في العربية وعلوم الدين وبالوفاء والإخلاص لأمته ودينه و وطنه وأصدقائه.

لقد خسرت الأمة بوفاة الشيخ أبي بكر عالما جليلا يذكرنا بشيوخنا الكبار ابن باديس والميلي، والتبسي، والإبراهيمي، رحمهم الله وجزاهم خيرا عما قدموا لأمتهم، ودينهم و وطنهم.
 
بارك الله فيك على ما بذلتي للتعريف بعلمائنا ..

تحياتي لك بالعافية ..
 
بارك الله فيك وفي طرحك القيم
جزاك الله كل خير
بانتظار جديدك
 
بارك الله فيك على هذه النبذة التارخية
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top