إن هذا القول لا ينطلي على "كبار الحومة"، بل لا ينطلي على أي شخص عاش يوما واحدا تحت الحراب الفرنسية في الجزائر، ولكنه قد ينطلي على شبابنا الذين كرم الله وجوههم فلم يدركوا الوجود الفرنسي في الجزائر، لان بعض "الجزائريين" عملوا – ومازالوا يعملون – على تجهيل شبابنا بجرائم فرنسا، ويوهمونهم ان الفرنسيين كانوا أقرب في سلوكهم إلى الملائكة، والحقيقة هي أن أشد الوحوش ضراوة وفتكا كان أكثر لطفا من الفرنسيين.
إن الفرنسيين – وعلى رأسهم دوغول – يؤكدون أن الجزائر لم تكن في نظرهم مستعمرة كأحد من المستعمرات، ولكنها "كانت تحتل في حياتنا القومية أهمية لا مجال للموازنة بينها وبين بقية البلاد التي كانت تابعة لنا"(1).
ولذلك كان الفرنسيون من أقصى يمينهم إلى أقصى يسارهم مرورا بوسطهم، يتشبثون بالجزائر، ولا يبغون بها بدلا، ولا عنها حولا، ويرون:"أن فقدان الجزائر يعني أكثر من عشر هزائم لفرنسا"(2)
لقد عدد دوغول نفسه الفوائد التي جنتها فرنسا من وجودها في الزائر وهي:
أنت في الأرض هفوة أزلية
يا فرنسا: يا لعنة البشرية"
الشاعر الكبير مفدي زكريا إن بلدا بمثل هذه الأهمية لا يمكن لشخص أو نظام أن يتخلى عنه، ويخرج منه إلا إذا كان مكرها على ذلك مضطرا إليه، وتلك كانت حالة فرنسا ودوغولها في الجزائر. إن الذين درسوا شخصية دوغول، وشرحوا وحللوا نفسيته انتهوا إلى أنه مصاب بمرض "التعاظم"، وهو مرض يجعل المصاب به يرى هزائمه انتصارات، وجرائمه مكرمات، وكبائره حسنات، وانتكاسته نجاحات.. ولذلك كبر على دوغول أن يعترف بهزيمته في الجزائر، فراح يهذي – وانفه في الرغام -، فأضحك الصغار قبل الكبار، وسخر منه المجانين قبل العاقلين، ورحم الله الشاعر صالح خرفي، الذي قال:
ديجول يا أكذوبة التاريخ في وطني،
ويا من للمصير تنكرا.(4)
إن عظماء الرجال يعترفون بهزائمهم كما يفتخرون بانتصاراتهم، ولو تخلق دوغول بأخلاق العضماء لأقر بهزيمته، وهزيمة دولته العظمى أمام شعب قليل عدده، عديمة عدده.
إن الذين يزكون دوغول، ويلبسونه لباس النبل والشهامة إنما يزيفون الحقيقة ويلبسونه ثوبا ليس على مقاسه، ويكذبون عليه وعلى الناس، لان دوغول ارتكب في الجزائر جرائم تجعله يتصدر – دون منافس – قائمة مجرمي الإنسانية عبر تاريخها الطويل، وأكتفي بذكر جريمتين من جرائمه في الجزائر وهما:
1. جريمة 8 ماي 1945 التي قضت في بضعة أيام على 45 ألف شهيد جزائري أعزل، وقد وقعت تلك الجريمة بأمر من الحكومة الفرنسية التي كان يرأسها دوغول. وبالرغم من بشاعة تلك الجريمة، فإنها لم تنل من الجنرال"النبيل" إلا سطرا واحدا في الجزء الثالث من مذكراته المسمى "الخلاص" حيث قال في وقاحة إنه شكل لجنة للبحث في هذه الجريمة، تتكون من ثلاثة أشخاص فقط، وانه أنهى عملها بعد 48 ساعة من بدء أعمالها(5).
2. جريمة تفجير القنبلة الذرية الفرنسية في الأرض الجزائرية، وذلك في 13 فبراير 1960، وأضاف دوغول إلى جريمة التفجير جريمة الكذب عندما قال أن إن "الاحتياطات حالت دون وفاة أي شخص"(6).
ومما يدل على سفالة هذا الشخص وعدم انسانيته أنه فرق بين البشر، ففي الوقت الذي فجر فيه قنبلته الذرية في وطننا، متسببا في موت المئات من البشر، وتشويه الآلاف منهم، وتلويث البيئة – هواءا ونباتا ومياها – يؤكد :"أننا حظرنا على القوى الامريكية إدخال قنابل ذرية إلى فرنسا ، سواء كانت مستقرة في الأرض أم ممولة في الطائرات، ومنع تشييد قواعد للقذف"(7).
ورحم الله الشاعر الكبير مفدي زكريا الذي قال – عند تفجير فرنسا بقيادة دوغول قنبلتها الذرية – مخاطبا كل فرد من أبناء البشر:
وانفجر صارخا.. وقل : يا فرنسا
أنت في الأرض هفوة أزلية
يافرنسا: يا لعنة البشرية
إن المساحة المخصصة لهذه الكلمة لا تتسع لايراد الأدلة القاطعة على أن دوغول ولى مدبرا من الجزائر، وان فضله – إن كان له فضل – هو "تخليص فرنسا من الجزائر"، كما اعترف هو نفسه لصديقه آلان بيرفيت الذي أورد هذه الكلمة في كتابه المسمى كان دوغول (c’etait DeGaulle)، لان فرنسا قد صارت بسبب جهاد الشعب الجزائري "رجل أوروبا المريض" حيث "كانت مهددة بحرب أهلية يكاد يرهقها الإفلاس ونسي العالم صوتها"(8).
فهل لمن كانت هذه حاله أن يزعم أنه "منح" الاستقلال للجزائر؟
اللهم أنزل شآبيب رحمتك على من اتخذتهم من شهداء، وأمنن بسترك وعافيتك على من صدقوا في جهادهم ولم يبدلوا، وأبقيتهم شهودا على من خانوا العهد، ومزقوا العقد.
* نشر المقال في الشروق اليومي في 21/10/2004.
(1) الجنرال دوغول، مذكرات الأمل، ص 49.
(2) هذه الكلمة هي لاحد أكابر المجرمين الفرنسيين، وهو الصليبي شارل لفيجري، أنظر أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، ج6 ص287.
(3) الجنرال دوغول، المرجع السابق، ص 49.
(4) صالح خرفي، أطلس المعجزات، ص179.
(5) الجنرال دوغول: مذكرات الخلاص ص 320
(6) مذكرات الأمل، ص 239
(7) المصدر نفسه ص 226
(8) مذكرات الأمل ص 333.
إن الفرنسيين – وعلى رأسهم دوغول – يؤكدون أن الجزائر لم تكن في نظرهم مستعمرة كأحد من المستعمرات، ولكنها "كانت تحتل في حياتنا القومية أهمية لا مجال للموازنة بينها وبين بقية البلاد التي كانت تابعة لنا"(1).
ولذلك كان الفرنسيون من أقصى يمينهم إلى أقصى يسارهم مرورا بوسطهم، يتشبثون بالجزائر، ولا يبغون بها بدلا، ولا عنها حولا، ويرون:"أن فقدان الجزائر يعني أكثر من عشر هزائم لفرنسا"(2)
لقد عدد دوغول نفسه الفوائد التي جنتها فرنسا من وجودها في الزائر وهي:
- <LI type=square>أنها – الجزائر – كلفت فرنسا تضحيات كبيرة.
- أنها عززت موقف فرنسا في افريقيا والبحر الأبيض المتوسط،
- انها كانت نقطة انطلاق لاحتلال تونس والمغرب وجنوب الصحراء.
- أنها قدمت لفرنسا عدد من المحاربين الجيدين،
- أنها كانت قاعدة لتجميع قسم كبير من وسائل انتصار فرنسا،
- أنها كانت مقر الحكومة الفرنسية المؤقتة في الحرب العالمية الثانية،
- انها وفرت لفرنسا حاجتها الماسة من الطاقة، مما حررها من ضغوط الانجليز والامريكيين في هذا الميدان،
- أنها كانت مقاما لمليون من الفرنسيين(3) ...
أنت في الأرض هفوة أزلية
يا فرنسا: يا لعنة البشرية"
الشاعر الكبير مفدي زكريا إن بلدا بمثل هذه الأهمية لا يمكن لشخص أو نظام أن يتخلى عنه، ويخرج منه إلا إذا كان مكرها على ذلك مضطرا إليه، وتلك كانت حالة فرنسا ودوغولها في الجزائر. إن الذين درسوا شخصية دوغول، وشرحوا وحللوا نفسيته انتهوا إلى أنه مصاب بمرض "التعاظم"، وهو مرض يجعل المصاب به يرى هزائمه انتصارات، وجرائمه مكرمات، وكبائره حسنات، وانتكاسته نجاحات.. ولذلك كبر على دوغول أن يعترف بهزيمته في الجزائر، فراح يهذي – وانفه في الرغام -، فأضحك الصغار قبل الكبار، وسخر منه المجانين قبل العاقلين، ورحم الله الشاعر صالح خرفي، الذي قال:
ديجول يا أكذوبة التاريخ في وطني،
ويا من للمصير تنكرا.(4)
إن عظماء الرجال يعترفون بهزائمهم كما يفتخرون بانتصاراتهم، ولو تخلق دوغول بأخلاق العضماء لأقر بهزيمته، وهزيمة دولته العظمى أمام شعب قليل عدده، عديمة عدده.
إن الذين يزكون دوغول، ويلبسونه لباس النبل والشهامة إنما يزيفون الحقيقة ويلبسونه ثوبا ليس على مقاسه، ويكذبون عليه وعلى الناس، لان دوغول ارتكب في الجزائر جرائم تجعله يتصدر – دون منافس – قائمة مجرمي الإنسانية عبر تاريخها الطويل، وأكتفي بذكر جريمتين من جرائمه في الجزائر وهما:
1. جريمة 8 ماي 1945 التي قضت في بضعة أيام على 45 ألف شهيد جزائري أعزل، وقد وقعت تلك الجريمة بأمر من الحكومة الفرنسية التي كان يرأسها دوغول. وبالرغم من بشاعة تلك الجريمة، فإنها لم تنل من الجنرال"النبيل" إلا سطرا واحدا في الجزء الثالث من مذكراته المسمى "الخلاص" حيث قال في وقاحة إنه شكل لجنة للبحث في هذه الجريمة، تتكون من ثلاثة أشخاص فقط، وانه أنهى عملها بعد 48 ساعة من بدء أعمالها(5).
2. جريمة تفجير القنبلة الذرية الفرنسية في الأرض الجزائرية، وذلك في 13 فبراير 1960، وأضاف دوغول إلى جريمة التفجير جريمة الكذب عندما قال أن إن "الاحتياطات حالت دون وفاة أي شخص"(6).
ومما يدل على سفالة هذا الشخص وعدم انسانيته أنه فرق بين البشر، ففي الوقت الذي فجر فيه قنبلته الذرية في وطننا، متسببا في موت المئات من البشر، وتشويه الآلاف منهم، وتلويث البيئة – هواءا ونباتا ومياها – يؤكد :"أننا حظرنا على القوى الامريكية إدخال قنابل ذرية إلى فرنسا ، سواء كانت مستقرة في الأرض أم ممولة في الطائرات، ومنع تشييد قواعد للقذف"(7).
ورحم الله الشاعر الكبير مفدي زكريا الذي قال – عند تفجير فرنسا بقيادة دوغول قنبلتها الذرية – مخاطبا كل فرد من أبناء البشر:
وانفجر صارخا.. وقل : يا فرنسا
أنت في الأرض هفوة أزلية
يافرنسا: يا لعنة البشرية
إن المساحة المخصصة لهذه الكلمة لا تتسع لايراد الأدلة القاطعة على أن دوغول ولى مدبرا من الجزائر، وان فضله – إن كان له فضل – هو "تخليص فرنسا من الجزائر"، كما اعترف هو نفسه لصديقه آلان بيرفيت الذي أورد هذه الكلمة في كتابه المسمى كان دوغول (c’etait DeGaulle)، لان فرنسا قد صارت بسبب جهاد الشعب الجزائري "رجل أوروبا المريض" حيث "كانت مهددة بحرب أهلية يكاد يرهقها الإفلاس ونسي العالم صوتها"(8).
فهل لمن كانت هذه حاله أن يزعم أنه "منح" الاستقلال للجزائر؟
اللهم أنزل شآبيب رحمتك على من اتخذتهم من شهداء، وأمنن بسترك وعافيتك على من صدقوا في جهادهم ولم يبدلوا، وأبقيتهم شهودا على من خانوا العهد، ومزقوا العقد.
* نشر المقال في الشروق اليومي في 21/10/2004.
(1) الجنرال دوغول، مذكرات الأمل، ص 49.
(2) هذه الكلمة هي لاحد أكابر المجرمين الفرنسيين، وهو الصليبي شارل لفيجري، أنظر أبو القاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، ج6 ص287.
(3) الجنرال دوغول، المرجع السابق، ص 49.
(4) صالح خرفي، أطلس المعجزات، ص179.
(5) الجنرال دوغول: مذكرات الخلاص ص 320
(6) مذكرات الأمل، ص 239
(7) المصدر نفسه ص 226
(8) مذكرات الأمل ص 333.