SOUILAH Mohamed
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 4 نوفمبر 2011
- المشاركات
- 310
- نقاط التفاعل
- 1
- النقاط
- 7
جواب إدارة الموقع الفصيح على المقال الموسوم ب: «الرد الصريح على ما يثار حول البنوك الإسلامية من قدح وتجريح»(*)
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فإنَّ من الفتن المنتشرة انتشارًا واسعًا والمستولية على أفئدة كثيرٍ من الناس فتنة المال التي قال فيها الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتي المالُ»(1)، ذلك لأنَّ الولع بالمال وحبه له يُشغل المسلم عن طاعة ربه وينسيه جمعُه والحرص عليه الآخرةَ، ويستعبده الدرهم والدينار فيوالي ويعادي عليهما، الأمر الذي يشتت الأخوة الإيمانية المأمور بها في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ويتصدّع -على إثره-كيان الأمة الإسلامية.
ومن أخس أنواع الحرص على المال وشدة محبته المبالغة في طلبه من الوجوه المحرمة شرعًا، وذلك من أعظم مظاهر الافتتانِ بالمال التي تئنُّ بها بلاد المسلمين، وفي طليعتها: المعاملاتُ الربويةُ المستفحلةُ في البنوك القائمة على محاربة الله ورسوله، قال الله تعالى محذِّرا ومتوعِّدًا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: 278-279] ، وانتشار الربا أعظم ذنبًا وأخطر مفسدة من الزنا، دليل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «دِرْهَمُ رِبا يَأْكُلُهُ الرجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ عِنْدَ الله مِنْ سِتَةٍ وَثلاثِينَ زَنْيَةً»(2)، وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: «الرِّبَا ثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الربَا عِرْضُ الرجُلِ المسْلِمِ»(3).
وفي ظل هذا الأنين الذي تعيشه بلاد المسلمين ظهرت مصارف إسلامية ترفض الربا الصريح المبني على القرض بفائدة، وأوجدت بديلاً يصرف -في زعمها- عن القرض الحرام، ويجر إلى اقتصاد إسلامي سليم من أكل أموال الناس بالباطل وخال من شوائب الربا، وفي طليعة تلك البدائل ما اصطلح على تسميته ب: «البيع بالمرابحة».
وإنّ إدارة موقع الشيخ أبي عبد المعز محمَّد علي فركوس –حفظه الله- قد اطَّلعت على ما كتبه صاحب المقال الموسوم ب: «الرد الصريح على ما يثار حول البنوك الإسلامية من قدح وتجريح» حيث دافع على حِلّية المرابحة البنكية، ونافح عنها، وحاول إعطاء صبغةٍ شرعيةٍ عمَّا تجريه البنوك الإسلامية -زعموا- ببحوث سِمتها الغالبة جمع أقوال الفقهاء في المسائل المختلف فيها بلا تمحيص ولا تنظير ولا تحرير ولا ترجيح، وتدرع بالخلاف لمحاجّة المنكِر، ولا يخفى عند العقلاء وأهل النظر أنَّ معرفة الخلاف والإحاطة به ليس وحده فِقهًا، كما أنَّ المنصب والولاية لا تُصيِّر غير العالم عالما، قال ابن عبد البر-رحمه الله-: «الاختلاف ليس بحجة عند أحد عَلِمْتُه من فقهاء الأمة إلاّ من لا بصر له ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله»(4)، وقال ابن تيمية -رحمه الله-: «والمنصب والولاية لا يجعل من ليس عالما مجتهدًا عالما مجتهدًا، ولو كان الكلام في العلم والدين بالولايات والمنصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين، وبأن يستفتيَه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين، فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدّعي ذلك لنفسه ولا يلزم الرعية حكمه في ذلك بقول دون قول إلاّ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن هو دون السلطان في الولاية أولى بأن لا يتعدى طوره، ولا يقيم نفسه في منصب لا يستحق القيام فيه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي -وهم الخلفاء الراشدون-، فضلاً عمّن هو دونهم فإنهم رضي الله عنهم إنما كانوا يُلزمون الناس باتباع كتاب ربهم وسنة نبيهم»(5).
لذلك اقتضى الموقف الشرعي من إدارة موقع الشيخ -حفظه الله- أن تنشر بحثًا مفصَّلاً يجلّي صورة المرابحة البنكية وحقيقتها ويبيّن حكمها، ويفصّل في الوقت ذاته ما أفتى به شيخنا –حفظه الله- في الفتوى رقم: (465) بعنوان: «في الاقتراض من البنوك الإسلامية»، مع إنصاف المخالف عملاً بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة : 8]. قال ابن تيمية -رحمه الله-: «والله قد أمرنا ألا نقول عليه إلاَّ الحق وألا نقول عليه إلاَّ بعلمٍ، وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني فضلاً عن رافضي قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق»(6)، سائلين المولى عزّ وجلّ التوفيق والسداد.
تعريف بيع المرابحة عند الفقهاء:
كلمة المرابحة مأخوذة من: ربح يربح رباحا، والرباح: النماء في التجر، وربح في تجارته يربح رِبْحًا ورَبَحًا وربَاحًا، أي: استشفّ، والعرب تقول للرجل إذا دخل في التجارة بالرباح والسماح(7).
وفي الاصطلاح: عرّف الفقهاء قديمًا بيع المرابحة بتعريفات متعدِّدة من أجمعها:
«البيع برأس المال وربح معلوم»(8).
وصورته: أن يعرِّف صاحبُ السلعةِ المشتريَ بكم اشتراها ويأخذ منه ربحًا، إمّا على الجملة مثل أن يقول: اشتريتها بعشرة وتربحني دينارا أو دينارين، وإمّا على التفصيل وهو أن يقول: تربحني درهما لكل دينار أو غير ذلك.
ويتضح من التعريف أنّ بيع المرابحة من بيوع الأمانة، وهي بالإضافة إلى بيع المرابحة:
بيع الوضيعة: وهو البيع بأنقص من رأس المال.
وبيع التولية: وهو البيع برأس المال من غير زيادة ولا نقصان.
وإنما سمّيت بيوع أمان، للائتمان الحاصل بين الطرفين على صحة خبر صاحب السلعة بمقدار رأس المال(9)، «فإن تعرَّض البائع لذكر رأس ماله فلا بد أن يكون صادقا في قوله وإلاّ كان ذلك من بيوع الغرر»(10).
حكم بيع المرابحة في عرف الفقهاء:
بيع المرابحة بالصورة السالفة البيان مجمع على جوازها، قال ابن قدامة: «رأس مالي فيه، أو هو عليّ بمائة بعتك بها وربح عشرة، فهذا جائز لا خلاف في صحته»(11).
والدليل على جوازه عمومات الكتاب والسنة في حلِّية البيع كقوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة : 275] ، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ﴾ [النساء: 29] ، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: لمّا سئل أي الكسب أفضل؟ قال: «عَمَلُ الرَجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ»(12)، ولأنّ الثمن في بيع المرابحة معلوم كما هو الحال في بيع المساومة(13) إذ لا فرق بين قوله بعتك هذا الثوب بمائة وعشرة وبين قوله بعتك بمائة وربح كل عشرة واحد، وأنّ كلا الثمنين مائة وعشرة وإن اختلفت العبارتان(14).
وشرط صحة هذا البيع وجوازه: العلمُ بمقدار ثمن رأس مال السلعة وربحها، وإذا جُهلا كان البيع غير جائز، قال ابن حزم –رحمه الله-: «لا يحل البيع على أن تربحني للدينار درهما ولا على أني أربح معك فيه كذا وكذا درهما فإن وقع فهو مفسوخ أبدا، فلو تعاقدا البيع دون هذا الشرط لكن أخبره البائع بأنه اشترى السلعة بكذا وكذا وأنه لا يربح فيها إلا كذا وكذا فقد وقع البيع صحيحًا...لأنه في الصورة الأولى بيع بثمن مجهول»(15).
وقد نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما القول بكراهة بيع المرابحة، ففي المصنف لابن أبي شيبة أنه «كره بيع ده دوازده قال: بيع الأعاجم»(16) ووجه الكراهة أنّ فيه نوعا من الجهالة والتحرز عنها أولى، إلاّ أنّ الجهالة يمكن إزالتها بالحساب(17) كما تحمل الكراهة على التنزيه لإجماع أهل العلم على جواز هذا النوع من البيوع(18).
بيع المرابحة في عرف البنوك:
تسمّي البنوك بيع المرابحة ب: «بيع المرابحة للآمر بالشراء» أو «الوعد بالشراء»، أو «بيع مواعدة»، أو«مواعدة على المرابحة»، ويمكن تعريفها كما يلي:
«طلب شراء للحصول على مبيع موصوف مقدم من عميل إلى مصرف يقابله قبول من المصرف ووعد من الطرفين الأول بالشراء والثاني بالبيع بثمن وربح يتفق عليها مسبقا»(19).
وصورتها: «أن يتقدم الراغب في شراء سلعة إلى المصرف، لأنه لا يملك المال الكافي لسداد ثمنها نقدا، ولأن البائع لا يبيعها له إلى أجل، إمّا لعدم مزاولته للبيوع المؤجلة، أو لعدم معرفته بالمشتري، أو لحاجته إلى المال النقدي، فيشتريها المصرف بثمن نقدي ويبيعها إلى عميله بثمن مؤجل أعلى، ويتم ذلك على مرحلتين: مرحلة المواعدة على المرابحة، ثمّ مرحلة إبرام المرابحة، وهذه المواعدة ملزمة للطرفين (المصرف، والعميل) في بعض المصارف الإسلامية، وغير ملزمة للعميل في بعض المصارف الأخرى»(20).
فبيع المرابحة البنكي قائم على: وعد ثمّ شراء ثم بيع، وتتم العملية حسب الخطوات التالية:
- طلبٌ من العميل (الآمر بالشراء) يقدمه للمصرف الإسلامي لشراء سلعة موصوفة.
- قبول من المصرف لشراء السلعة الموصوفة.
- وعدٌ من العميل لشراء السلعة الموصوفة من المصرف.
- وعدٌ من المصرف ببيع السلعة الموصوفة للعميل وقد يكون الوعد لازماً عند غالب البنوك.
- شراء المصرف للسلعة الموصوفة.
- بيع المصرف للسلعة الموصوفة للعميل بأجل مع زيادة ربح متفق عليها بين الطرفين.
الفرق بين المرابحة الفقهية والحديثة:
تظهر الفروق بين المرابحة الفقهية والبنكية الحديثة من الحيثيات التالية:
أولا: من حيث العقد: فالمرابحة الفقهية تنعقد مرة واحدة في مجلس العقد، أما المرابحة البنكية فتتم على مرحلتين: مواعد ثمّ معاقدة، ومن جهة أخرى فإن المرابحة الفقهية تشتمل على طرفين (بائع ومشتري)، بينما المرابحة البنكية فثلاثية الأطراف: (العميل وهو الآمر بالشراء، والبنك، والبائع المالك للسلعة).
ثانيا: من حيث السلعة: فهي في المرابحة الفقهية حاضرة يمتلكها البائع، وتكون في المرابحة البنكية غائبة ولا يمتلكها البنك، كما أن البائع في المرابحة الفقهية يشتري السلعة لنفسه سواء للانتفاع أو للمتجارة، وفي المرابحة البنكية لا يشتريها البنك إلا لبيعها.
ثالثا: من حيث الثمن: فهو في المرابحة الفقهية معلوم، وفي الأخرى حال المواعدة مجهول عند بنوك دون أخرى، ومع ذلك يلزم الآمر بالشراء بوعده.
رابعا: من حيث الربح: فهو في المرابحة الفقهية مقابل الجهد والوقت والمخاطر، وفي المرابحة البنكية نظير التأجيل.
تلك هي بعض الفوارق المميزة بين المرابحتين تمهد لمعرفة حكم المرابحة البنكية وأنهما لا تجتمعان إلا في الجزء الأول من التسمية فقط.
حكم بيع المرابحة البنكي:
جنح جماعة من الكُتاب والباحثين المعاصرين إلى أنّ المرابحة البنكية من البيوع المأذون فيها، بينما صنّف المحققون من العلماء بيعَ المرابحة في خانة البيوع المنهي عنها، وجعلوا عليها ست مؤاخذات، نعرض أولا لذكرها، ثم نتبعها بأدلة المجيزين ومناقشتها:
المؤاخذات على المرابحة البنكية:
الناحية الأولى: إنها من «بيوع ما لا يملك» المنهي عنه: فإن العميل (الآمر بالشراء) والمصرف إنما يتعاقدان على سلعة لا يملكها المصرف وليست تحت ملكه، وفي الحديث عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله يأتيني الرجل فيسألني المبيع لما ليس عندي فأبيعه منه ثمّ أبتاعه من السوق، فقال: «لاَ تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»(21)، وعن ابن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ في بَيْعٍ، ولاَ رِبْح مَا لَم تَضْمَنْ، وَلاَ بَيْع مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»(22).
«فاتفق لفظ الحديثين على نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع ما ليس عنده، فهذا هو المحفوظ من لفظه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يتضمن نوعا من الغرر فإنّه إذا باعه شيئا معينا وليس في ملكه ثم مضى ليشتريه أو يسلمه له كان مترددا بين الحصول وعدمه فكان غررا يشبه القمار فنهي عنه»(23).
فالبنك يُلزم العميل (الآمر بالشراء) شراء سلعة لا يملكها وليست تحت ضمانه، وهذا عين ما نهت عنه الأحاديث السالفة.
قال الشافعي –رحمه الله-: « وإذا أرى الرجلُ الرجلَ السلعة فقال: اشتر هذه وأربحك فيها كذا فاشتراها الرجل فالشراء جائز والذي قال: أربحك فيها بالخيار إن شاء أحدث فيها بيعا وإن شاء تركه، وهكذا إن قال : اشتر لي متاعا ووصفه له أو متاعا شئت وأنا أربحك فيه فكل هذا سواء يجوز البيع الأول ويكون هذا فيما أعطى من نفسه بالخيار، وسواء في هذا إن كان قال: أبتاعه وأشتريه منك بنقد أو دين يجوز البيع الأول ويكونان بالخيار في البيع الآخر، فإن جدداه جاز وإن تبايعا به على أن ألزما أنفسهما الأمر الأول فهو مفسوخ من قبل شيئين: أحدهما: أنه تبايعاه قبل أن يملكه البائع والثاني: أنه على مخاطرة أنك إن اشتريته على كذا أربحك فيه كذا»(24)
الناحية الثانية: أنّ المرابحة البنكية مشمولة بالأحاديث الناهية عن بيع الإنسان ما اشتراه قبل أن يقبضه، ومن ذلك:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ» قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لا أحسب كلّ شيء إلاّ مثله»(25).
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنِ اشْتَرَى طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ وَيَقْبِضَهُ»(26).
وحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَارُ إِلَى رِحَالِهِمْ»(27).
وحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني رجل أشتري المتاع، فما الذي يحل لي منها وما الذي يحرم عليّ، فقال: «يَا ابْنَ أَخِي إِذَا ابْتَعْتَ بَيْعًا فَلاَ تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ»(28).
ففي هذه الأحاديث نهي صريح عن بيع السلع حتى تُقبض، وتحاز إلى الرحل، وبيع المرابحة الذي تجريه البنوك الإسلامية تشمله الأحاديث السالفة الذكر، حيث إنه ليس للبنك رحل أو مستودع يقبض فيه السلع أو يحوّلها إليه بعد شرائها، وإنما يلجأ العميل (الآمر بالشراء) إلى البائع الأصلي فيأخذ منه السلعة التي سيدفع ثمنها أقساطا للوسيط وهو البنك، وبالتالي يكون البنك قد باع مالا بمال أزيد منه إلى أجل.
الناحية الثالثة: أنّ المرابحة البنكية من بيوع العينة، وبيع العينة المنهي عنه هو الذي يكون قصد المشتري فيه الحصول على العين أي: النقد وليس الحصول على السلعة، قال ابن رسلان: «وسميت هذه المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة، لأنّ العين هو المال الحاضر، والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصوده»(29).
ووجه كون المرابحة البنكية من بيوع العينة المحرمة أنّ قصد البنك من العملية الحصول على المال المؤجل وليس له قصد في الشراء، وكذا العميل فإنما لجأ إلى البنك من أجل المال.
قال ابن رشد -رحمه الله- ذاكرا صور العينة المحرمة: «..وأمّا الخامسة وهي أن يقول: اشتر سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل فهذا لا يجوز، إلاّ أنه يختلف فيه إذا وقع» ثم ذكر قولين:
الأول: أنّ السلعة لازمة للآمر باثني عشر إلى أجل، لأن المأمور كان ضامنا لها لو تلفت في يده قبل أن يشتريها منه الآمر، ويستحب له أن يتورع فلا يأخذ من الآمر إلا ما نقد في ثمنها.
والثاني: أن البيع الثاني يفسخ، وترد السلعة إلى المأمور إن كانت قائمة، فإن فاتت ردت إلى قيمتها معجلة كما يفعل في البيع الحرام لأنه باعه إياها قبل أن يجب له فيدخله بيع ما ليس عندك»(30)
فمن كلام ابن رشد –رحمه الله- يتضح أنّ الأصل في هذه المعاملة عند المالكية: التحريم وأنه من بيوع العينة ، إلاّ أنهم جوّزوها وألزموا بها بعد وقوعها على أحد القولين، وفرق بين تصحيح المعاملة اضطرارا بعد الوقوع وبين إنشائها ابتداء.
الناحية الرابعة: أنّ المرابحة البنكية بيعتان في بيعة: من حيث إنهم - المجيزون للمرابحة البنكية- يجعلون المواعدة ملزمة فصارت عندهم عقدا، وهذه هي البيعة الأولى بين المصرف وعميله المشتري، والثانية - على السلعة عينها- بين المصرف والبائع، وحينئذ يشملها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ»(31)
وقد روى مالك في «الموطإ» أنه بلغه: «أن رجلا قال لرجل ابتع لي هذا البعير بنقد حتى ابتاعه منك إلى أجل فسئل عن ذلك عبد الله بن عمر فكرهه ونهى عنه»
قال الباجي معلّقا: «ولا يمتنع أن يوصف بذلك من جهة أنه انعقد بينهما أن المبتاع للبعير بالنقد إنما يشتريه على أنه قد لزم مبتاعه بأجل بأكثر من ذلك الثمن، فصار قد انعقد بينهما عقد بيع تضمّن بيعتين: إحداهما: الأولى وهي النقد، والثانية: مؤجلة، وفيها مع ذلك: بيع ما ليس عنده لأن المبتاع بالنقد قد باع من المبتاع بالأجل البعير قبل أن يملكه، وفيها سلف بزيادة: لأنه يباع له البعير بعشرة على أن يبيعه منه بعشرين إلى أجل، يتضمن ذلك أنه سلفه عشرة في عشرين إلى أجل، وهذه كلها معان تمنع جواز البيع، والعينة فيها أظهر من سائرها»(32)
الناحية الخامسة: أن المرابحة البنكية صورتها صورة بيع وحقيقتها قرض بزيادة.
قال ابن عبد البر-رحمه-: «معناه: أنه تحيّل في بيع دراهم بدراهم أكثر منها إلى أجل بينهما سلعة محلّلة، وهو أيضًا من باب بيع ما ليس عندك، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كانت السلعة المبيعة في ذلك طعامًا دخله أيضا مع ذلك بيع الطعام قبل أن يستوفى، مثال ذلك: أن يطلب رجل من آخر سلعة ليبيعها منه نسيئة وهو يعلم أنها ليست عنده، ويقول له: اشترها من مالكها هذا بعشرة وهي عليّ باثني عشر أو بخمسة عشر إلى أجل كذا، فهذا لا يجوز لما ذكرنا»(33).
وقال الدردير: «العينة: وهي بيع من طلبت منه سلعة للشراء وليست عنده، لطالبها بعد شرائها جائز، إلا أن يقول الطالب: اشترها بعشرة نقدا، وأنا آخذها منك باثني عشر إلى أجل فيمنع فيه من تهمة (سلف جر نفعا)، لأنه كأنه سلفه ثمن السلعة يأخذ عنها بعد الأجل اثنى عشر»(34).
وقال ابن رشد: «وأما الثانية وهو أن يقول اشتر لي سلعة كذا بعشرة نقدا وأنا أبتاعها منك باثني عشر إلى أجل فذلك حرام لا يحل ولا يجوز لأنه رجل ازداد في سلفه، فإن وقع ذلك لزمت السلعة للآمر لأن الشراء كان له وإنما أسلفه المأمور ثمنها ليأخذ به منه أكثر منه إلى أجل، فيعطيه العشرة معجلة ويطرح عنه ما أربى، ويكون له جعل مثله بالغا ما بلغ، في قول، والأقل من جعل مثلها أو الدينارين اللذين أربى بهما في قول، وفي قول سعيد بن المسيب لا أجرة له بحال لأن ذلك تتميم للربا»(35).
وقال ابن جُزي: «إن العينة ثلاثة أقسام: الأول: أن يقول رجل لآخر: اشتر لي سلعة بعشرة، وأعطيك خمسة عشر إلى أجل، فهذا ربا حرام، والثاني: أن يقول له: اشتر لي سلعة، وأنا أربحك فيها، ولم يسمّ الثمن، فهذا مكروه، والثالث: أن يطلب السلعة عنده فلا يجدها، ثم يشتريها الآخر من غير أمره، ويقول: قد اشتريت السلعة التي طلبت منّي، فاشترها مني إن شئت، فهذا جائز»(36).
فهؤلاء علماء المالكية ينصّون على أنّ الآمر إن قال للمأمور: اشتر لي سلعة وأبتاعها منك بثمن أزيد إلى أجل أن ذلك من القرض بفائدة في صورة بيع.
الناحية السادسة: فضلا عما تكتنفه المرابحة البنكية من مخالفات شرعية، يُلزم بها المأمور (البنك) الآمر بالشراء (العميل) من مثل: التأمين على العين المبيعة من كل الأخطار، وعلى الدين، وتغريم المدين المماطل، وغيرها من الشروط الفاسدة، وما يترتب على هذه العقود من الضرر المالي من جراء أكل أموال الناس بالباطل، فلو كانت كل واحدة على حده لكانت كافية بالقول بمنع هذه المعاملة فكيف بها إذا اجتمعت كلها في صفقة واحدة؟ إذ المعلوم تقعيدا أن «التحريم يتبع الخبث والضرر».
شبهة المجيزين للمرابحة البنكية:
تمسّك المجيزون للمرابحة البنكية -وهم جماعة من الباحثين المعاصرين- بجملة من التبريرات والتعليلات منها:
1- أنّ الأصل في المعاملات الإباحة، فلا يلزم المجيزين ذكر الدليل لأنهم على الأصل، والمحرمون هم المطالبون بالدليل لأنهم على خلاف الأصل المتفق عليه.
2- ولأنّ الوعد ملزم، وهو عقد حقيقي، والآمر بالشراء ملزم بتنفيذ وعده.
3- ولأنّ المصلحة قائمة على القول بجواز هذه المعاملة كإجازة الفقهاء لعقد الاستصناع مع أنه بيع معدوم نظرا لحاجة الناس إليه وجريان العمل به.
4- ولأن القول بجواز المرابحة البنكية فيه تيسير على الناس، وقد جاءت الشريعة برفع الحرج والضيق، «وَمَا خُيِّرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا» والقول بتحريمها دفع لهم إلى اللجوء إلى البنوك الربوية، والقول بجوازها عصمة لهم من الحرام(37).
تفنيد شبهة المجيزين:
ويمكن الجواب على ما استندوا إليه على الوجه التالي:
1- إن القول بأنّ الأصل في المعاملات الإباحة أصل مسلّم به لا خلاف في صحته، ولكن إذا ورد ما يخالف هذا الأصل فالمصير إليه حتم لازم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: «والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرّمه، وإلا دخلنا في معنى قوله: ﴿قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا﴾» وقال أيضا: «فالناس يتبايعون ويستأجرون كيف شاؤوا، ما لم تحرّم الشريعة، كما يأكلون ويشربون كيف شاؤوا ما لم تحرّم الشريعة»(38)، وقد سبق أنّ المرابحة البنكية غير جائزة من نواح متعددة، مما يجعلها تندرج تحت الشطر الثاني من القاعدة المتفق عليها: «الأصل في المعاملات الإباحة إلاّ ما ورد النهي عنه».
2- وأمّا مسألة الإلزام بالوعد فإنّ العلماء يتفقون على أنَّ مَن وعَدَ إِنساناً شيئاً ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي بوعده(39) ويختلفون في الإلزام به على ثلاثة مذاهب(40):
الأول: عدم الإلزام بالوفاء به مطلقا، وهو مذهب الجمهور.
الثاني: الإلزام بالوفاء بالوعد مطلقا، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز، وابن شبرمة.
الثالث: إن أدخل الواعد بوعده في هلكة لزم الوفاء به، وإلاّ فلا يلزم الوفاء به، وهو رواية عن الإمام مالك -رحمه الله-.
واحتج من قال بأنّ الوعد لا يلزم الوفاء به بالإجماع على أنّ من وعد رجلاً بمال إذا أفلس الواعد لا يضرب للموعود بالوعد مع الغرماء، ولا يكون مثل ديونهم اللازمة بغير الوعد، حكى الإجماع على هذا ابن عبد البر(41)، وبأنّ الوعد في معنى الهبة، والهبة لا تلزم إلاّ بالقبض عند الجمهور، وذلك يقتضي عدم الحكم بها فيما لو رجع الواهب عنها قبل قبض الموهوب إياها.
واحتج القائلون بالإلزام بالوفاء بالوعد بجملة من الأدلة من الكتاب والسنة منها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ ﴾[يونس: 55] وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً﴾[مريم: 54] وقوله تعالى: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: 77] وقوله تعالى:﴿وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ [الأحقاف: 16]، ومن السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ"(42).
«ولا يخفى أنه ليس في هذه النصوص الشرعية ما يدلُّ على تحريم إخلاف الوعد ولزوم الوفاء به ذلك لأنَّ الوعد في سورة التوبة إنما المقصود به العهد الذي هو الميثاق والالتزام والنذر على نحو ما بينته الآية التي قبلها، وهو خارج عن محل النزاع، كما أنَّ الوعد للمستقبل لا ينطبق عليه الصدق والكذب كما بينه صاحب الفروق في" الفرق: 214" (4/23):"بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد وما يجب الوفاء به وما لا يجب" حيث يقول:" إنَّ المستقبل زمان يقبل الوجود والعدم، ولم يقع فيه بعد وجود ولا عدم فلا يوصف الخبر عند الإطلاق بعدم المطابقة و لا بالمطابقة لأنه لم يقع بعد ما يقتضي أحدهما، وحيث قلنا الصدق القول المطابق والكذب القول الذي ليس بمطابق ظاهر في وقوع وصف المطابقة أو عدمها بالفعل، وذلك مختص بالحال والماضي، وأما المستقبل فليس فيه إلاَّ قبول المطابقة وعدمها"، وأمَّا الإخلاف في صفة المنافق في الحديث، فليس فيه دليل على لزوم الوفاء بالوعد، لأنَّ غاية ما يدل عليه هو ما كان الإخلاف بالوعد على وفق مقتضى حاله، وكان سجية له وطبعًا، وما كان كذلك فلا يغيب على بال أنه يحسن الذم بها. فالحاصل أنَّ العلماء أجمعوا على أنَّ من وعد إنسانًا شيئًا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده، وأنَّ ذلك معدود من مكارم الأخلاق، لكن الوفاء به -على مذهب الجمهور- غير لازم وإنما يستحب له ذلك فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة ولكنه لا يأثم، وبهذا قال أبو حنيفة ومالك في رواية والشافعي وأحمد وابن حزم (المحلى: 8/28) وغيرهم.
وإذا تقرر عدم لزوم الوفاء بالوعد ظهر الفرق بينه وبين العقد، فالعقد هو تطابق إرادتين وارتباطهما على وجه التحقق والإنجاز، بينما الوعد هو إبداء الرغبة في تحقيق فعل للغير على وجه الإحسان والمعروف، فمن وعد بالوفاء به وهو عاقد العزم على تحقيقه له، لكن حالت الظروف دون ذلك فأخلف فلا حرج عليه، وإنما الحرج والضيق فيمن عَزْمُه على الإخلاف بالوعد معقود فهو واقع في المكروه ولا يلحقه إثم، ولا يلزم الوفاء بوعده»(43).
وتجدر الملاحظة والتنبيه إلى: أنّ البنوك الإسلامية الآخذة بالإلزام بالوعد تطبقه -في الحقيقة- على الآمر بالشراء دون البنك «ذلك بأن المصرف لا يلتزم حيال العميل إلاّ بعد شراء السلعة، فإذا رأى من مصلحته اشترى، وإلاّ فلا، وهذا من شأنه أن يؤدي في الواقع إلى إلزام العميل حقيقة والمصرف ظاهرا»(44)، وثمّة أمر آخر وهو: «أنّ إلزام العميل بالشراء، لا يمكن شرعا إذا لم يكن الثمن معلوما في وقت الإلزام، فمعلومية الثمن مطلوبة في كلّ بيع شرعي، لأجل تحقيق التراضي، فكيف يتم التراضي على مجهول؟»(45)
3- أمّا قياس المرابحة البنكية على عقد الاستصناع(46) فقياس مع ظهور الفارق، ذلك لأنّ المرابحة البنكية المتعامل بها في كثير من البنوك يُلزم القائمون عليها العميل (الآمر بالشراء) بوعده ولا يجعلون له الخيار، وفي عقد الاستصناع الخيار للمستصنع (المشتري) قائم.
قال الكاساني: «وأما معناه (أي: عقد الاستصناع) فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: هو مواعدة، وليس ببيع، وقال بعضهم: هو بيع لكن للمشتري فيه خيار، وهو الصحيح»(47)، وأمّا ما ذهب إليه أبو يوسف –رحمه الله- من أنه لا خيار للصانع ولا للمشتري لأن الصانع قد أفسد متاعه وقطع جلده وجاء بالعمل على الصفة المشروطة، فلو كان للمستصنع الامتناع من أخذه لكان فيه إضرارا بالصانع، فجوابه: أن «ضرر المستصنع بإبطال الخيار فوق ضرر الصانع بإثبات الخيار للمستصنع، لأنّ المصنوع إذا لم يلائمه، وطولب بثمنه لا يمكنه بيع المصنوع من غيره بقيمة مثله، ولا يتعذر ذلك على الصانع لكثرة ممارسته وانتصابه لذلك، ولأنّ المستصنع إذا غرم ثمنه ولم تندفع حاجته لم يحصل ما شرع له الاستصناع وهو اندفاع حاجته، فلا بد من إثبات الخيار له»(48)
4- وأمّا القول بأنّ جواز المرابحة البنكية من التيسير، فجوابه أنّ التيسير مطلب شرعي ومقصد من مقاصد الحنيفية السمحة، قال تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: 6] وقال أيضا: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، فالتيسير منوط بنص الشارع فيما اعتبره سببًا للتخفيف والتيسير، عُمل به بقطع النظر عن وجود حقيقة المشقة، وما لم يعتبره الشرع سببًا للتخفيف فلا يصح الترخص به، وعليه فالمشقة لا تنافي التكليف ولا توجب التخفيف؛ لأن التكاليف بالمأمورات والمنهيات لم تشرع إلا لتحقيق ما يترتَّب على الأفعال من مصالح العباد، لذلك كان التخفيف في التكليف غير المنصوص على اعتباره شرعًا إهمالاً وتفريطًا ينافي مقصود الشارع. ولكن لَيُّ النصوص الشرعية وتمييعها إلى حدّ جعل الحرام حلالاً، لا يعدُّ من التيسير في شيء، وما استدل به من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم «مَا خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا»(49) فإن التخيير المقصود به ما كان بين مباحين أحدهما يسير، والآخر أيسر، فيختار عليه الصلاة والسلام أيسر المباحين تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]، أمّا إن كان التخيير بين مباح وحرام فالأخذ بالمباح ولو كان شديدًا وترك الحرام ولو كان يسيرًا هو الواجب، وهذا هو معنى قول عائشة رضي الله عنها «مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا».
ويشهد لما سبق تقريره ما أخرجه البخاري عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه قال: «بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلّم جدَّه أبا موسى ومعاذا إلى اليمن فقال: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا» فقال أبو موسى: يا نبي الله إنّ أرضنا بها شراب من الشعير المزر وشراب من العسل البتع فقال: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» فانطلقا، فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال: قائما وقاعدا وعلى راحلتي وأتفوقه تفوقا(50)، قال: أمّا أنا فأنام وأقوم، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. وضرب فسطاطا فجعلا يتزاوران، فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق، فقال: ما هذا ؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثمّ ارتدَّ فقال معاذ: لأضربن عنقه»(51).
فوصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهما بالتيسير لم تحملهما على تحليل المسكر الحرام، وهو تيسير في نظر المستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها على التيسير في الفتاوى ولو بالعدول عن العمل بالنصوص الشرعية.
كما أنه يحتمل أن يكون المقصودُ بالتخيير في الحديث التخييرَ في أمور الدنيا، قال ابن حجر شارحا قولها رضي الله عنها «بين أمرين»: «أي: من أمور الدنيا، يدل عليه قوله: «ما لم يكن إثما»، لأنّ أمور الدين لا إثم فيها»(52).
هذا، وصرف الناس عن الحرام والقروض البنكية، بزجهم في معاملات ظاهرها الجواز وحقيقتها عين ما تجريه البنوك الربوية، أعظم جرما وأشدّ فظاعة، لأنّه تحايل على الحرام، وتجاسر على المحظورات بالشبه والتلبيسات، وتغيير للمعصية بمعصية مثلها، ولا شك أنّ من أتى المحظور مع علمه به ممنيا نفسه بالتوبة لا حقا، أهونُ حالا ممن يتحايل على الحرام لأنه لا يفكر في التوبة مما يصنع زعما منه أن معاملاته حلال لا حرام فيها.
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر من القتل وقطع الطريق والسرقة وشرب الخمر وغير ذلك، ثمّ إنّ شيخا من المشائخ المعروفين بالخير واتباع السنة قصد منع المذكورين من ذلك فلم يمكنه إلاّ أن يقيم لهم سماعا يجتمعون فيه بهذه النية وهو بدف بلا صلاصل وغناء المغني بشعر مباح بغير شبابة فلما فعل هذا تاب منهم جماعة وأصبح من لا يصلى ويسرق ولا يزكى يتورع عن الشبهات ويؤدى المفروضات ويجتنب المحرمات فهل يباح فعل هذا السماع لهذا الشيخ على هذا الوجه لما يترتب عليه من المصالح مع أنه لا يمكنه دعوتهم إلاّ بهذا؟
وكان من جوابه -رحمه الله-: «.. فنقول للسائل إن الشيخ المذكور قصد أن يتوب المجتمعين على الكبائر فلم يمكنه ذلك إلا بما ذكره من الطريق البدعي يدل أن الشيخ جاهل بالطرق الشرعية التي بها تتوب العصاة أو عاجز عنها فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من هؤلاء من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية، فلا يجوز أن يقال إنه ليس في الطرق الشرعية التي بعث الله بها نبيه ما يتوب به العصاة، فإنه قد علم بالاضطرار والنقل المتواتر أنه قد تاب من الكفر والفسوق والعصيان من لا يحصيه إلاّ الله تعالى من الأمم بالطرق الشرعية التي ليس فيها ما ذكر من الاجتماع البدعي بل السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهم خير أولياء الله المتقين من هذه الأمة تابوا إلى الله تعالى بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية، وأمصار المسلمين وقُراهم قديما وحديثا مملوءة ممن تاب إلى الله واتقاه وفعل ما يحبه الله ويرضاه بالطرق الشرعية لا بهذه الطرق البدعية، فلا يمكن أن يقال إن العصاة لا تمكن توبتهم إلاّ بهذه الطرق البدعية بل قد يقال: إنّ في الشيوخ من يكون جاهلا بالطرق الشرعية عاجزا عنها ليس عنده علم بالكتاب والسنة وما يخاطب به الناس ويسمعهم إياه مما يتوب الله عليهم فيعدل هذا الشيخ عن الطرق الشرعية إلى الطرق البدعية إمّا مع حسن القصد إن كان له دين، وإما أن يكون غرضه الترأس عليهم وأخذ أموالهم بالباطل كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾ فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلاّ لجهل أو عجز أو غرض فاسد»(53).
اعتراضات والجواب عليها:
واعترض المجيزون للمرابحة البنكية ب:
«.. مسألة جواز بيع ما لم يقبض من المسائل الخلافية التي تباينت فيها آراء الفقهاء، من قائل بالجواز المطلق وهم شواذ، ومن قائل بالجواز في بعض الأحوال دون بعض وهم الغالب، ومن قائل بالمنع المطلق وهم الشافعية. وهو ما يوضح ما أشرنا إليه أعلاه من أنّ جُلَّ أحكام البيوع اجتهادات مؤسّسة على أدلة ظنية، إمَّا في ثبوتها أو في دلالتها، والاجتهاد لا ينقض بمثله، ولا يرفع الخلاف إلاَّ اجتهاد الحاكم إذا قضى برأي منها»
والجواب: أنّ العلماء مجمعون على أنّ من اشترى طعاما فليس له بيعه حتى يقبضه، وقد حكى الإجماع ابن المنذر(54) -رحمه الله- وأمّا غير الطعام فاختلف فيه الفقهاء على أقوال عديدة لخصها ابن القيم -رحمه الله- في أربعة أقوال:
«أحدها: أنه يجوز بيعه قبل قبضه مكيلا كان أو موزونا وهذا مشهور مذهب مالك واختاره أبو ثور وابن المنذر.
والثاني: أنه يجوز بيع الدور والأرض قبل قبضها وما سوى العقار فلا يجوز بيعه قبل القبض وهذا مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف.
والثالث: ما كان مكيلا أو موزونا فلا يصح بيعه قبل القبض سواء أكان مطعوما أم لم يكن وهذا يروى عن عثمان رضي الله عنه وهو مذهب ابن المسيب والحسن والحكم وحماد والأوزاعي وإسحاق وهو المشهور من مذهب أحمد بن حنبل.
والرابع: أنه لا يجوز بيع شيء من المبيعات قبل قبضه بحال وهذا مذهب ابن عباس ومحمد بن الحسن وهو إحدى الروايات عن أحمد» (55).
هذا، وقد تقدم من كلام ابن عبد البر -رحمه الله- أن التمسك باختلاف العلماء ليس بحجة إجماعا إلا لمن لا بصر له ولا معرفة عنده ولا حجة في قوله، والواجب عند التنازع الرد إلى الله والرسول، كما في قوله تعالى: ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [النساء: 59] وترجيح القول المؤيَّد بالدليل الصحيح، والذي يظهر -والعلم عند الله تعالى- أنّ القول بأنّ النهي عامّ في جميع المبيعات قول قوي تنصره الحجج والبراهين، لحديث حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إني رجل أشتري المتاع، فما الذي يحل لي منها وما الذي يحرم عليّ، فقال: «يَا ابْنَ أَخِي إِذَا ابْتَعْتَ بَيْعًا فَلاَ تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ»(56)، ولحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعُ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَارُ إِلَى رِحَالِهِمْ»(57) فهذان الحديثان صريحان في النهي عن بيع كلّ السلع بما فيها الطعام حتى تقبض وتحاز إلى الرحل، ولا يمكن معارضتها بالأحاديث الأخرى التي خصّت النهي بالطعام بحمل العام على الخاص لوجوه:
الأول: أنّ التخصيص إنما تمّ بمفهوم اللقب، وليس بحجة عند جماهير الأصوليين(58).
الثاني: أنّ ذكر الطعام في النهي ليس لاختصاص الحكم به، لأنه خرج مخرج الغالب الأعمّ حيث كان غالبَ تجارتهم، والغالب لا مفهوم له.
الثالث: أنّ الأحاديث العامّة فيها حكم زائد عن الأحاديث المقتصرة على الطعام، والأخذ بالزائد متحتم، قال ابن حزم -رحمه الله- بعد أن ذكر حديثي ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما الوارد فيهما ذكر الطعام: «نعم هذان صحيحان إلاّ أنّهما بعض ما في حديث حكيم بن حزام، فحديث حكيم بن حزام دخل فيه الطعام وغير الطعام فهو أعمّ، فلا يجوز تركه لأنّ فيه حكمًا زائدا ليس في خبر ابن عباس وابن عمر»(59)
الرابع: أنّ القياس الأولوي يؤيّد ذلك، فإنّه إذا نُهي عن بيع الطعام قبل قبضه مع قيام حاجة الناس إليه فغيره أولى بالمنع.
الخامس: ولا يؤيّد تخصيصَ الحكمِ بالطعامِ حديثُ ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه: «اشترى من عمر بَكْرًا كان ابنه راكبًا عليه، ثمَّ وهبه لابنه قبل قبضه»(60)، أو حديث جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم اشترى من جابرٍ رضي الله عنهما جَمَله، وقال: «فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَقَالَ: «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ، خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ»(61) بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم تصرّف في المبيع بالهبة قبل قبضه لأنَّ غايةَ ما في الحديثين جواز التصرُّف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عِوض، ولا يصلح إلحاقه بالبيع وسائر التصرُّفات؛ لأنَّ البيع معاوضة بعِوض، وكذا الهبة بعِوض، أمَّا الهبة الواقعة من النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فليست على عِوض فافترق الأمران، وإنما يمكن إلحاق كُلِّ التصرفات التي لا عوض فيها بالهبة، وجواز التصرُّف فيها قبل قبضها وحيازتها دون التصرفات بعوض كالبيع، وبذلك تجتمع الأدلة وتتَّفق ولا تختلف، ويشهد لذلك: الإجماعُ على صِحَّة الوقف والعِتق قبل القبض، لكونهما من التصرفات التي لا عوض فيها(62).
فتبيّن ممّا سبق أنّ جميع المبيعات والسلع داخلة في عموم النهي عن بيع السلع قبل حيازتها إلى الرحال وقبضها، وأنّ ما احتج به المانعون من العموم غير صريح ولا قوّة فيه، قال ابن القيم -رحمه الله- بعد حكايته القول الرابع: «وهذا القول هو الصحيح الذي نختاره»(63).
أمّا القول بأن الخلاف لا يرفعه إلا اجتهاد الحاكم إذا قضى برأي فيه فإن ذلك ليس على إطلاقه، قال الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-: « فلا أعلم خلافًا في الاعتداد بحكم الحاكم إذا ورد حكمه مرتبا على سبب صحيح موافق لحكم شرعي، نصًّا كان أو إجماعًا قطعيا، فحكمه نافذ قطعًا ظاهرًا وباطنًا. ويبقى الإجماع الظني والقياس الجلي موضع اجتهاد واختلاف –كما سيأتي-
أمَّا في المسائل المختلف فيها فإنَّ حكم الحاكم يرفع الخلاف، وهو مقيد بما لا ينقض فيه حكم الحاكم، أمَّا ما ينقض فيه فلا يرفع الخلاف، ومدار نقض الحكم على تبين الخطإ، والخطأ إمَّا أن يكون في السبب أو في الاجتهاد، فإن كان الحكم مرتَّبًا على سبب باطل كشهادة الزور فلا ينفَّذ حكمه، وأمَّا الخطأ في الاجتهاد فينقض وجوبًا بمخالفة نصٍّ صريح من كتاب أو سنة ولو كانت آحادًا، أو مخالفة إجماع قطعي، وينقض -أيضا- وفاقًا لمالك والشافعي بمخالفة القياس الجلي خلافا لأكثر الحنابلة، وزاد مالك أنه ينقض بمخالفة القواعد الشرعية.
وبناء على ما تقدَّم، فإنَّ حكم الحاكم يرفع الخلاف إذا لم ينتقض الحكم بالخطأ في السبب والاجتهاد ويكون حكمه نافذًا ظاهرًا وباطنًا على أرجح القولين خلافًا لمن يرى عدم نفاذه في حقِّ من لا يعتقده.
ويمكن الإفادة بمزيد من المصادر الأصولية المتناولة لهذه المسألة على الترتيب التالي:
- المستصفى للغزالي: 2/382. البرهان للجويني: 2/1328. المحصول للرازي: 2/3/91. الفروق للقرافي: 4/40. الإحكام للآمدي: 4/203. المنثور للزركشي: 1/305. شرح تنقيح الفصول للقرافي: 441. روضة الطالبين للنووي: 11/234. مختصر ابن الحاجب والعضد عليه: 2/300. تيسير التحرير لبادشاه: 2/234. أدب القضاء لابن أبي الدم: 164. إيضاح المسالك للونشريسي: 150. ترتيب الفروق واختصارها للبقوري: 2/296. فواتح الرحموت للأنصاري: 2/395. جمع الجوامع لابن السبكي: 2/391. شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب للمنجور: 147» (64)
واعترضوا -أيضًا-: بأنّ قبض السلع إمّا أن يكون حكميا أو حقيقيا، والقبض الحكمي يكون إمّا بالتخلية بين المشتري والمبيع وتمكينه من تسلمه بأي وجه من الأوجه المتعارف عليها، أو بتسليم المشتري لمستندات مثل شهادة التخزين التي تمكنه من قبضها حسيا.
والجواب: أنّ القول بأنّ قبض كلّ شيء بالتخلية هو قول الأحناف، ودليلهم قياس سائر الأموال على العقار، ومذهب الجمهور أنّ قبض كلّ شيء بحسبه(65)، فالعقار قبضه بالتخلية، وكذا الثمر على الشجر، والمنقول كالأخشاب والحبوب والسيارات بالنقل والتحويل إلى مكان لا اختصاص للبائع به، والمتناول باليد كالدراهم والدنانير والثوب والكتاب ونحوها فقبضه بالتناول.
ويدلّ على مذهب الجمهور-وهو المختار-: حديث ابن عمر رضي الله عنهما «أَنهمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ الرسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جُزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ في مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ»(66)، وعنه أيضا: «كُنّا في زَمَانِ الرسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنَ المكَانِ الذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ»(67).
وأمّا غير المنقول فمرده إلى العرف، وأمّا قياس الأحناف سائر الأموال المنقولة على العقار في القبض بالتخلية ففيه قادحان: الأول: أنه قياس في مقابل النص، وقد سبق ذكر حديثي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وفيهما أنه لا يكتفى بالتخلية بل لا بد من النقل والتحويل، والثاني: أنه قياس مع ظهور الفارق، فالعقار لا يمكن نقله، بخلاف غيره.
وبناء على ما تقرر ترجيحه فإنّ البائع إذا خلّى بين المشتري والسلعة من غير العقار فإنه لا يعد قابضا لها، وبالتالي تشمله الأحاديث الصحيحة الناهية عن بيع السلع حتى تحاز إلى الرحل، وتنقل من ملك البائع إلى رحل المشتري.
واعترضوا ‑أيضًا‑ بأن الجمهور على أنَّ علة النهي عن بيع ما لم يقبض هي الغرر ..وقد رجَّح ابن تيمية رأي الجمهور بتعليله المنع باحتمال عجز البائع الثاني عن التسليم إذا نكل البائع الأول عن تسليمه هو المبيع، وهو غرر قد يفضى إلى النِّزاع. وإذا اعتبرنا هذا التعليل فإنَّ انتفاء هذا الاحتمال بالتخلية بين البائع الثاني والمبيع، أو تمكينه منه بأي وسيلة معتبرة عرفًا أو قانونًا يؤدي إلى انتفاء علة النهي والنهي تبعا لذلك.
والجواب: أنه قد سبق أن التخلية لا تعد قبضا إلا في العقار، أما المنقول فلا بد من تحويله ونقله، ولو سلّمنا أن تمكين البائع بين المشتري والسلعة بالتخلية يؤدي إلى انتفاء الغرر المتمثل في عجز البائع الثاني عن التسليم إذا نكل البائع الأول، فإن النهي يبقى قائما من جهة أنّ من اشترى سلعة بمائة دينار، ودفعها للبائع ولم يقبض منه السلعة، ثم باعها إلى آخر بمائة وعشرين مثلا أنه اشترى بماله مالا أزيد منه، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: «دراهم بدراهم والطعام مرجأ»(68) وبيّن ذلك فيما أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمّا سأله طاوس: «ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ»(69)
قال الشوكاني -رحمه الله-: «وهذا التعليل أجود ما علّل به النهي، لأنّ الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم»(70).
خلاصة البحث
أنّ المرابحة البنكية بصورتها المنتشرة وهي: اشتر لي سلعة كذا، وأربحك فيها نسيئة، مع إلزام الآمر بالشراء بوعده ليست امتدادا للمرابحة الفقهية المجمع على جوازها، ولا هي وليدة العصر، وحديثة النشوء كما صرح به بعض الباحثين، فقد سبق نقل كلام الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه إذا ألزم المأمور الآمر بالشراء بوعده أن ذلك من البيع قبل التملك، وأن فيه غررا بحيث قد لا يستطيع المأمور تسليم السلعة في وقتها، كما سبق نقل نصوص كثيرة عن علماء المالكية الذين جعلوا المرابحة البنكية من صور العينة المحرَّمة.
وأمّا الأحناف فقد جاء في كتاب «الحيل» للإمام محمد بن الحسن قوله: «قلت: أرأيت رجلا أمر رجلا أن يشتري دارا بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر بألف درهم ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثمّ خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟ قال: يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ويقبضها، ويجيء الآمر ويبدأ فيقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم، فيقول المأمور: هي لك بذلك، فيكون ذلك للآمر لازما، ويكون استيجابا من المأمور للمشتري، أي: ولا يقل المأمور مبتدئا: بعتك إياها بألف ومائة، لأن خياره يسقط بذلك فيفقد حقه في إعادة البيت إلى بائعه،و إن لم يرغب الآمر في شرائها تمكّن المأمور من ردها بشرط الخيار، فيدفع عنه الضرر بذلك»(71) وهذا النقل يفيد بأنه –رحمه الله- لا يرى إلزام الآمر بالشراء بوعده لكونه جعل للمأمور حيلة شرعية متمثلة في شراء السلعة بالخيار ليتسنى له إرجاعها متى ما بدا للآمر عدم اقتنائها.
وأمّا الحنابلة فجاء موقفهم صريحا فيما ذكره ابن القيم –رحمه الله- من أمثلة الحيل: «المثال الحادي بعد المائة: رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد، فالحيلة: أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر، ثمّ يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت، فإن أخذها منه وإلاّ تمكّن من ردها على البائع بالخيار، فإن لم يشترها الآمر إلاّ بالخيار فالحيلة أن يشترط له خيارًا أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع، ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه»(72). وبذلك تتفق المذاهب الأربعة على عدم جواز ما تجريه البنوك الإسلامية من إلزام الآمر بالشراء بوعده.
وتجدر الإشارة إلى أن المجيزين للمرابحة البنكية إنما اعتمدوا في تجويزهم لها على ما لفّقوه من مذاهب العلماء المشار إليهم آنفا، فأخذوا من المالكية إلزامهم بالوعد، وقد سبق أن المالكية إنما ألزموا الآمر بالشراء بوعده تصحيحا للمعاملة بعد وقوعها من باب الضرورة لئلا يلحق المأمور ضرر، لا ابتداء، ومن الشافعي تجويزه لها وأبطلوا الشطر الثاني من كلامه، فصار للمجيزين مذهب لم يسبقهم إليه أحد من العلماء، وهذا مزلق في الفتوى خطير يؤدي بطريق أو بآخر إلى انتشار الآراء الشاذة واستفحال ظاهرة تتبع رخص الفقهاء التي من أعظم مفاسدها الاستهانة بدين الله وركوب المحرمات بدعوى تجويزها من عالم أو فقيه(73) وما أحسن قول سليمان التيمي -رحمه الله- «إن أخذت برخصة كلّ عالم اجتمع فيك الشر كله» قال ابن عبد البر عقبه: «هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا»(74).
هذا، ولا يمكن تخريج ما تفعله البنوك على الوكالة، بمعنى أن ما تأخذه زائدا على ثمن السلعة لا يعتبر جعلا على وكالتها، لأن المقاصد والنيات في العقود معتبرة، وكون الآمر يدفع للمأمور (البنك) الثمن مؤجلا دليل على أن البنك لم يكن مجرد وكيل له في الشراء بل كان مقرضا، وكان بإمكان المشتري اللجوء إلى البائع مباشرة ليقتني منه ما أراد من سلع، دون اللجوء إلى البنك، ولجوؤه إلى البنك دليل على عدم توفر السيولة المالية لديه مما أحوجه إلى اتخاذ وسيط مقرض، ولعلّ هذا الذي حمل الإمام مالك على أن يفرِّق بين النقد والأجل، قال -رحمه الله-: «وإن قال: ابتع لي هذا الثوب وأنا أبتاعه منك بربح كذا، فأمّا بالنقد فذلك جائز، وذلك جعل إذا استوجبه له، ولا خير فيه إلى أجل»(75)، ثمّ إن أجرة الوكالة على عمل واحد لا تختلف بحسب ثمن السلعة لأنّ العمل -في الوكالة- هو المقصود، فإذا اختلفت الأجرة بحسب ثمن السلعة دلّ ذلك على أنّه مقصود من حيث الكثرة أو القلة، وليس من الوكالة في شيء، فدلّ على أن البنك اعتبر ثمن السلعة وجعله الأساس الذي ينبني عليه حجم نسبة الزيادة، ومن هنا اصطلحوا على تسمية هذه المعاملة ب: «المرابحة»، وفي حال تلف السلعة قبل أن يقبضها المشتري، فإن كان ضمانها على البنك فلم تعد وكالةً لأنّ الوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف تحت يده إذا لم يتعدّ ولم يفرّط.
والجدير بالملاحظة أنَّ موانع البنوك الحالية في اتخاذ محلات لقبض المبيع أو فضاءات لحيازته إنما هي موانع قانونية بحتة؛ لأن أساس تقنين البنوك في نشأتها وعملها كونها مصرفية تتعامل بالقروض الربوية كشأن البنوك الغربية، وليست صفتها تجارية حتى يتسنى لها التعامل التجاري باتخاذ محلات للقبض ومحطات للبيع، لذلك فإن تغطية صاحب المقال الصفة الحقيقية للبنك بالخلاف الفقهي الوارد في القبض والحيازة والبيوع التجارية ليس له تفسير إلا در الرماد على العيون تقصدًا لإثارة الشبه والتمكين من زعزعة معتقد الناس في الربويات بالحيل، والله المستعان.
ولا يسعنا -أخيرًا- إلا أن ندعو بما أثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السمَوَاتِ والأَرْض، عَالمَ الغَيْبِ والشهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني لما اخْتُلِفَ فِيهِ منَ الحقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(76).
الشيخ أبوعبد المعز محمد علي فركوس
المراجع
(*) من مقال منشور في بعض الجرائد الجزائرية.
1- أخرجه الترمذي (2336) كتاب «الزهد»، باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال، والحاكم: (4/318)، من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (594).
2- أخرجه أحمد: (5/225)، من حديث عبد الله بن حنظلة رضي الله عنه، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (4/210): «رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح»، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (3/29).
3- أخرجه الحاكم: (2/43)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (4/488).
4- «جامع بيان العلم» لابن عبد البر: (2/89).
5- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (27/296-297).
6- «منهاج السنة النبوية» لابن تيمية: (2/342).
7- انظر: «لسان العرب» لابن منظور: (2/442) مادة: ربح.
8- انظر: «بدائع الصنائع» للكاساني: (4/138)، «القوانين الفقهية» لابن جزي: (174)، «المغني» لابن قدامة: (5/362)، «الحاوي الكبير» للماوردي: (5/287).
9- «بدائع الصنائع» للكاساني: (4/465).
10- «السيل الجرار» للشوكاني: (2/683).
11- «المغني» لابن قدامة: (5/572).
12- أخرجه أحمد: (3/466)، والحاكم: (2/12)، والبيهقي: (5/466)، من حديث أبي بردة رضي الله عنه. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (2/159).
13- المساومة: المجاذبة بين البائع والمشتري على السلعة وفصل ثمنها. [انظر: «لسان العرب» مادة سوم].
14- انظر: «المغني» لابن قدامة: (5/362و572)، «الحاوي الكبير» للماوردي: (5/278)، «السيل الجرار» للشوكاني: (2/681).
15- «المحلى» لابن حزم: (9/14).
16- «المصنف» لابن أبي شيبة: (4/443).
17- «المغني» لابن قدامة: (5/573).
18- حكى الإجماع: ابن هبيرة في «الإفصاح»: (2/350).
19- «بيع المرابحة» لأحمد ملحم: (79)، وانظر: «بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية» للأشقر: (6).
20- «بيع المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية» للدكتور رفيق يونس المصري: (13-14).
21- أخرجه أحمد: (3/402)، وأبو داود (3503) كتاب «الإجارة»، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، والترمذي (1232) كتاب «البيوع»، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه. وصححه ابن الملقن في «البدر المنير»: (6/448و489)، والألباني في «الإرواء»: (5/132).
22- أخرجه أحمد: (2/178)، وأبو داود (3504) كتاب «الإجارة»، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، والترمذي (1234) كتاب «البيوع»، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيق مسند أحمد»: (10/154)، وحسّنه الألباني في «الإرواء»: (5/148).
23- «زاد المعاد» لابن القيم: (5/716).
24- «الأم» للشافعي: (3/43).
25- أخرجه البخاري (2028) كتاب «البيوع»، باب بيع الطعام قبل أن يقبض وبيع ما ليس عندك، ومسلم (1525)، كتاب «البيوع»، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
26- أخرجه البخاري (2019)، كتاب «البيوع»، باب الكيل على البائع والمعطي، ومسلم (1526)، كتاب «البيوع»، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
27- أخرجه أبو داود (3499) كتاب «الإجارة»، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى، من حديث زيد ين ثابت رضي الله عنه، والحديث حسّنه ابن القطان في «الوهم والإيهام»: (5/401)، والألباني في «صحيح أبي داود»: (3499).
28- أخرجه أحمد: (3/402)، وابن حبان: (11/358)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه. قال ابن القيم في «تهذيب السنن» (9/381): «وهذا إسناد على شرطهما سوى عبد الله بن عصمة وقد وثقه ابن حبان واحتج به النسائي»، والحديث صححه الألباني في «صحيح الجامع»: (342).
29- من «نيل الأوطار» للشوكاني: (5/268).
30- «البيان والتحصيل» لابن رشد: (7/87).
31- أخرجه أحمد: (2/432)، والترمذي (1231)، كتاب «البيوع»، باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة والنسائي (4632)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال ابن عبد البر في «الاستذكار» (5/458): «هذا الحديث مسند متصل عن النبي صلى الله عليه وسلم عن حديث بن عمر و حديث بن مسعود وحديث أبي هريرة وكلها صحاح من نقل العدول وقد تلقاها أهل العلم بالقبول»، والحديث صحَّحه ابن الملقن في «البدر المنير»: (6/496)، وحسّنه الألباني في «الإرواء»: (5/149).
32- «المنتقى» للباجي: (5/38)، وانظر: «شرح الزرقاني»: (3/311).
33- «الكافي» لابن عبد البر: (325).
34- «الشرح الصغير» للدردير: (3/192).
35- «البيان والتحصيل» لابن رشد: (7/87).
36- «القوانين الفقهية» لابن جزي: (284).
37- انظر أدلة المجيزين للمرابحة البنكية في «بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية» للقرضاوي.
38- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (29/13).
39- «الأذكار» للنووي: (270).
40- انظر: «التمهيد» لابن عبد البر: (3/206-214)، «فتح الباري» لابن حجر: (5/356)، «تفسير القرطبي»: (11/113-114)، «أضواء البيان» للشنقيطي: (4/375-381).
41- «التمهيد» لابن عبد البر: (3/207).
42- أخرجه البخاري (33)كتاب «الإيمان»، باب علامة المنافق، ومسلم (59) كتاب «الإيمان»، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
43- من فتوى للشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله- الموسومة ب: « في الاستفادة من البنوك بواسطة ديوان تشغيل الشباب» برقم: (467).
44- «بيع المرابحة للآمر بالشراء» للدكتور رفيق يونس المصري: (35).
45- المصدر نفسه.
46- الاستصناع: عقد على بيع عين موصوفة في الذمة مطلوب صنعها، وصورته: أن يقول إنسان لصانع: أصنع لي طاولة مثلا من عندك ويبيّن له نوعها وقدرها وصفتها، ويقدم له المال كله أو جزءً منه، ويتفقان على ذلك، فينتفع الصانع بالمال، والمستصنع بالعين.
47- «بدائع الصنائع» للكاساني: (4/63).
48- المصدر نفسه.
49- أخرجه البخاري (3367)، كتاب «المناقب»، باب صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومسلم (2327) كتاب «الفضائل»، من حديث عائشة رضي الله عنها.
50- أي ألازم قراءته ليلا ونهارا شيئا بعد شيء وحينا بعد حين، مأخوذ من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب هكذا دائما. [«الفتح» لابن حجر: (7/710)].
51- أخرجه البخاري (4088) كتاب «المغازي»، باب بعث أبي موسى ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما إلى اليمن قبل حجة الوداع.
52- «فتح الباري» لابن حجر: (6/712).
53- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (11/620-635).
54- «الإجماع» لابن المنذر: (132).
55- «تهذيب السنن» لابن القيم المطبوع بحاشية «عون المعبود»: (9/382)، وانظر «بداية المجتهد» لابن رشد: (1/888)، و«المجموع شرح المهذب» للنووي: (10/414).
56- سبق تخريجه.
57- سبق تخريجه.
58- انظر: «الإنارة شرح كتاب الإشارة» للشيخ محمَّد علي فركوس: (344).
59- «المحلى» لابن حزم: (8/519).
60- أخرجه البخاري (2009) كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا...، وابن حبان في «صحيحه»: (7073)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
61- أخرجه مسلم (498) كتاب «المساقاة»، وأبو داود (3505)كتاب «الإجارة»، باب في شرط في بيع، والنسائي (4637) كتاب «البيوع»، باب البيع يكون فيه الشرط فيصح البيع والشرط، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
62- من فتوى للشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله- بعنوان: «في اشتراط الإيواء إلى الرِّحال في المعقود عليه بمعاوضة» تحت رقم: (891).
63- «تهذيب السنن» لابن القيم المطبوع بحاشية «عون المعبود»: (9/382).
64- انظر فتوى: « في الاعتداد بحكم الحاكم في رفع الخلاف» برقم: (457).
65- انظر: «مواهب الجليل» للحطاب: (4/477)، «كشاف القناع» للبهوتي: (3/247)، «الحاوي الكبير» للماوردي: (5/227)، «المجموع شرح المهذب» للنووي: (10/434).
66- أخرجه مسلم كتاب «البيوع»: (2/711)، رقم: (1527)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
67- أخرجه مسلم كتاب «البيوع»: (2/711)، رقم: (1527)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
68- أخرجه البخاري (2025) كتاب «البيوع»، باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
69- أخرجه مسلم (1525) كتاب «البيوع»، من حديث ابن عباس رضي الله عنها.
70- «نيل الأوطار» للشوكاني: (5/168).
71- «الحيل» لمحمد بن الحسن الشيباني: (79).
72- «أعلام الموقعين»: (4/29).
73- قال الشاطبي في «الموافقات» (4/148): «وقد أذكر هذا المعنى جملة مما فى اتباع رخص المذهب من المفاسد سوى ما تقدم ذكره فى تضاعيف المسألة: كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاعتبار سيالا لا ينضبط، وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم لأن المذاهب الخارجة عن مذهب مالك في هذه الأمصار مجهولة وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعداده».
74- «جامع بيان العلم» لابن عبد البر: (2/91).
75- «النوادر والزيادات» لابن أبي زيد القيرواني: (6/88).
76- أخرجه مسلم: (1/350)، رقم: (770) كتاب «صلاة المسافرين»، من حديث عائشة رضي الله عنها.