اسلام سلفي
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 16 أكتوبر 2011
- المشاركات
- 284
- نقاط التفاعل
- 0
- النقاط
- 6
باب التحذير من البدع
عن العرباض بن سارية قال: « وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عيها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة »(1) قال الترمذي حديث حسن صحيح.
وعن حذيفة قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تتعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم. رواه أبو داود.
وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنبأنا عمر بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا، انتظار رأيك أو انتظار أمرك قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ فقالوا يا أبا عبد الرحمن: حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، فقال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة محمد صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج. والله المستعان وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا هو الباب الأخير في هذا الكتاب المبارك والرسالة العظيمة وهو باب التحذير من البدع، وهذا الباب عقده المؤلف لأن البدع من أعظم ما يذهب فضل الإسلام، وهي يسيرة في الدخول على الناس والتمكن من نفوسهم؛ لأنها تأتي بوجه الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وذكر المؤلف فيه حديث العرباض بن سارية الشهير وهو حديث خرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي، وصححه ابن حبان والحاكم وكذلك صححه أبو نعيم والحافظ بن عبد البر وغيرهم صححوا هذا الحديث، والترمذي قال حسن صحيح. حديث العرباض بن سارية قال فيه: « قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع »(2) وذلك أن المودع لا يترك شيئا مما يهم المودع إلا أوصاه به عند وداعه إياه، وهكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابه بهذه الوصية العظيمة الجامعة قال: « أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة »(3) فهاتان وصيتان إحداهما الوصية بتقوى الله والثانية السمع والطاعة لمن تأمر على المسلمين.
قال: « وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ »(4) وهذه الوصية الثالثة الخاصة في المخرج من الفتن وتعدد الأهواء، ثم أكد صلى الله عليه وسلم بقوله: « وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة »(5) ؛ فقوله أولا: « فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها »(6) هذا أمر بلزوم السنة وفيها تتضمن التحذير من الوقوع في البدع لأنه إذا أمرنا بالسنة فمعناه أنه حذرنا مما يخالفه وهو البدعة، والثاني أنه قال: « وإياكم ومحدثات الأمور »(5) وهذا تحذير من البدع؛ والثالث أنه وصف البدع كلها بأنها ضلالة؛ وقد جاء في بعض روايات الأحاديث وصححها بعض أهل العلم قال: « وكل ضلالة في النار »(7) فهذا التحذير من البدع وبيان أن البدع كلها ضلالة، وهذا يشمل التحذير من البدع صغيرها وكبيرها، وليس في البدع بدعة حسنة بل كلها سيئة؛ لأن قوله: « فإن كل بدعة ضلالة »(8) يعم جميع البدع.
ثم أورد المؤلف رحمه الله أثر حذيفة بن اليمان قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها، يعني أن العبادات توقيفية، وأن العبادة إنما تتلقى عن سلف هذه الأمة ولا يجوز للناس أن يحدثوا شيئا؛ لأن الصحابة كانوا أبر الناس قلوبا وأعمقها علما وأبعدها تكلفا وأهداها سبيلا وأقومها اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم، فكونهم لا يتعبدون بها دليل على عدم شرعيتها، وأن من فهم التعبد بعبادة لم يتعبدوا بها فإن فهمه خاطئ. ثم قال: فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم؛ وهذا سبق عندنا في باب وجوب الدخول في الإسلام ما جاء في الصحيح عن حذيفة أنه قال: يا معشر القراء استقيموا فإن استقمتم فقد سبقتم سبقا بعيدا. وهذا الأثر هو معنى الأثر السابق.
ثم أورد ما خرجه الدارمي في مقدمة سننه في قصة أولئك الذين كانوا يجلسون على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا الأثر طويل فيه التحذير من البدع وإن استحسنها الإنسان ورأى فيها خيرا؛ وفيه أيضا أن البدع، فيه بيان خطورة البدع لأنها كما قلنا لأن سريانها إلى النفوس سريع؛ لأنها تأتي على وجه القربة لله عز وجل لا على وجه المعصية، وفيه أن البدع لا يستهان بها وإن كانت صغيرة؛ لأن البدع الصغيرة قد تئول إلى بدع كبرى، ولهذا قال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان، يعني لما قاتل علي رضي الله عنه الخوارج في موقعة النهروان كانوا أولئك الذين في الحلق كانوا يقاتلون علي بن أبي طالب قد خرجوا عليه فترقوا من هذه البدعة الصغيرة بمجرد التهليل والتحميد والتسبيح على وجه أو على هيئة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا على هذه البدعة الصغيرة ثم ترقوا حتى وصلوا إلى إحدى البدع الكبرى وهي الخروج على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
فالأمر الرابع أن البدعة لا تخلوا من أحد أمرين أو فاعل البدعة لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يزعم أنه أهدى مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه يفتح باب ضلالة لا يخلو من هذا؛ إن قال إنه أهدى من النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضال مضل فلم يبق له إلا أن يفتتح باب ضلالة، يعني باب بدع وضلالة على الناس؛ لأن كل بدعة ضلالة، فتعين أن كل بدعة ضلالة؛ لأن المبتدع لا يقول إني أجيء بما هو أفضل من ملة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما هو في زعمه يريد أن يأتي بما يقربه إلى الله عز وجل ويهديه إليه فلم يبق له إلا أن يكون بفعله هذا مفتتحا لباب ضلالة؛ وفيه تحذير من البدع لأنها ضلالة.
هذا ما تيسر في هذه الدروس الخمسة ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، كما نسأله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وأن يغفر للشيخ الإمام المجدد المصلح محمد بن عبد الوهاب وأن يرفع درجاته وأن يجعلنا وإياكم ممن اتبع نبيه صلى الله عليه وسلم بهدى وإحسان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
(1): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(2): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(3): الترمذي : العلم (2676) , والدارمي : المقدمة (95).
(4): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(5): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (42) , والدارمي : المقدمة (95).
(6): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (42) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(7): النسائي : صلاة العيدين (1578).
(8): الترمذي : العلم (2676) , وأبو داود : السنة (4607) , وابن ماجه : المقدمة (42) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95)
عن العرباض بن سارية قال: « وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما موعظة بليغة، ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمر عليكم عبد، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عيها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة »(1) قال الترمذي حديث حسن صحيح.
وعن حذيفة قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد فلا تتعبدوها فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم. رواه أبو داود.
وقال الدارمي: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنبأنا عمر بن يحيى، قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد ؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، فيقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا، انتظار رأيك أو انتظار أمرك قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون ؟ فقالوا يا أبا عبد الرحمن: حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، فقال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة محمد صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة، قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوماً يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج. والله المستعان وعليه التكلان، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا هو الباب الأخير في هذا الكتاب المبارك والرسالة العظيمة وهو باب التحذير من البدع، وهذا الباب عقده المؤلف لأن البدع من أعظم ما يذهب فضل الإسلام، وهي يسيرة في الدخول على الناس والتمكن من نفوسهم؛ لأنها تأتي بوجه الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم. وذكر المؤلف فيه حديث العرباض بن سارية الشهير وهو حديث خرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد والدارمي، وصححه ابن حبان والحاكم وكذلك صححه أبو نعيم والحافظ بن عبد البر وغيرهم صححوا هذا الحديث، والترمذي قال حسن صحيح. حديث العرباض بن سارية قال فيه: « قلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع »(2) وذلك أن المودع لا يترك شيئا مما يهم المودع إلا أوصاه به عند وداعه إياه، وهكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابه بهذه الوصية العظيمة الجامعة قال: « أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة »(3) فهاتان وصيتان إحداهما الوصية بتقوى الله والثانية السمع والطاعة لمن تأمر على المسلمين.
قال: « وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ »(4) وهذه الوصية الثالثة الخاصة في المخرج من الفتن وتعدد الأهواء، ثم أكد صلى الله عليه وسلم بقوله: « وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة »(5) ؛ فقوله أولا: « فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها »(6) هذا أمر بلزوم السنة وفيها تتضمن التحذير من الوقوع في البدع لأنه إذا أمرنا بالسنة فمعناه أنه حذرنا مما يخالفه وهو البدعة، والثاني أنه قال: « وإياكم ومحدثات الأمور »(5) وهذا تحذير من البدع؛ والثالث أنه وصف البدع كلها بأنها ضلالة؛ وقد جاء في بعض روايات الأحاديث وصححها بعض أهل العلم قال: « وكل ضلالة في النار »(7) فهذا التحذير من البدع وبيان أن البدع كلها ضلالة، وهذا يشمل التحذير من البدع صغيرها وكبيرها، وليس في البدع بدعة حسنة بل كلها سيئة؛ لأن قوله: « فإن كل بدعة ضلالة »(8) يعم جميع البدع.
ثم أورد المؤلف رحمه الله أثر حذيفة بن اليمان قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها، يعني أن العبادات توقيفية، وأن العبادة إنما تتلقى عن سلف هذه الأمة ولا يجوز للناس أن يحدثوا شيئا؛ لأن الصحابة كانوا أبر الناس قلوبا وأعمقها علما وأبعدها تكلفا وأهداها سبيلا وأقومها اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم، فكونهم لا يتعبدون بها دليل على عدم شرعيتها، وأن من فهم التعبد بعبادة لم يتعبدوا بها فإن فهمه خاطئ. ثم قال: فاتقوا الله يا معشر القراء، وخذوا طريق من كان قبلكم؛ وهذا سبق عندنا في باب وجوب الدخول في الإسلام ما جاء في الصحيح عن حذيفة أنه قال: يا معشر القراء استقيموا فإن استقمتم فقد سبقتم سبقا بعيدا. وهذا الأثر هو معنى الأثر السابق.
ثم أورد ما خرجه الدارمي في مقدمة سننه في قصة أولئك الذين كانوا يجلسون على باب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا الأثر طويل فيه التحذير من البدع وإن استحسنها الإنسان ورأى فيها خيرا؛ وفيه أيضا أن البدع، فيه بيان خطورة البدع لأنها كما قلنا لأن سريانها إلى النفوس سريع؛ لأنها تأتي على وجه القربة لله عز وجل لا على وجه المعصية، وفيه أن البدع لا يستهان بها وإن كانت صغيرة؛ لأن البدع الصغيرة قد تئول إلى بدع كبرى، ولهذا قال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنوننا يوم النهروان، يعني لما قاتل علي رضي الله عنه الخوارج في موقعة النهروان كانوا أولئك الذين في الحلق كانوا يقاتلون علي بن أبي طالب قد خرجوا عليه فترقوا من هذه البدعة الصغيرة بمجرد التهليل والتحميد والتسبيح على وجه أو على هيئة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا على هذه البدعة الصغيرة ثم ترقوا حتى وصلوا إلى إحدى البدع الكبرى وهي الخروج على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.
فالأمر الرابع أن البدعة لا تخلوا من أحد أمرين أو فاعل البدعة لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يزعم أنه أهدى مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه يفتح باب ضلالة لا يخلو من هذا؛ إن قال إنه أهدى من النبي صلى الله عليه وسلم فهو ضال مضل فلم يبق له إلا أن يفتتح باب ضلالة، يعني باب بدع وضلالة على الناس؛ لأن كل بدعة ضلالة، فتعين أن كل بدعة ضلالة؛ لأن المبتدع لا يقول إني أجيء بما هو أفضل من ملة محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما هو في زعمه يريد أن يأتي بما يقربه إلى الله عز وجل ويهديه إليه فلم يبق له إلا أن يكون بفعله هذا مفتتحا لباب ضلالة؛ وفيه تحذير من البدع لأنها ضلالة.
هذا ما تيسر في هذه الدروس الخمسة ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، كما نسأله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وأن يغفر للشيخ الإمام المجدد المصلح محمد بن عبد الوهاب وأن يرفع درجاته وأن يجعلنا وإياكم ممن اتبع نبيه صلى الله عليه وسلم بهدى وإحسان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
(1): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(2): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(3): الترمذي : العلم (2676) , والدارمي : المقدمة (95).
(4): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (44) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(5): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (42) , والدارمي : المقدمة (95).
(6): الترمذي : العلم (2676) , وابن ماجه : المقدمة (42) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95).
(7): النسائي : صلاة العيدين (1578).
(8): الترمذي : العلم (2676) , وأبو داود : السنة (4607) , وابن ماجه : المقدمة (42) , وأحمد (4/126) , والدارمي : المقدمة (95)