عندما سأله أبوه عن أمر خطوبته،لم يكن سؤاله إلا ليفتح معه باباً للحديث يجس من خلاله مدى استعداده لما ينتظره مما أقدم عليه،عندما قصد بيت السي فلان طالبا يد ابنته ،ولم يكن يتوقع على الإطلاق أن يسمع منه ذلك الجواب الذي كان صادما بالفعل...
سأله إن كان يفكر في زيارة أصهاره هذا العيد،ففاجأه بأنه لن يفعل ذلك...
-لماذا يا ولدي؟...ألم تعُد ترغب في الزواج من الفتاة؟.
تلك الفتاة،كانت منذ وقت قريب جدّا،الحلم الأول لهذا الشاب العاشق الفقير،بل الهوس، فلطالما ذرف الدموع على حبيبة كانت تبدو غاية صعبة المنال...
في الحقيقة،لم يكُن الفوز بحب الفتاة التي أسرت قلبه لأسباب يقول أنها تخصُّه وحده،بالأمر الصعب على الشاب ،ولا حتى نيل قبولها بالزواج منه، فهو يرى ،وهي كذلك،أنه كفؤ لها حتى وإن لم يكُن يملك ثروة زوج أختها الكبرى،أو منصب زوج أختها الثانية،فهو ليس بالغني ولكنه ليس بطالاً،بل يصل الليل بالنهار في طلب رزقه بكدّ ساعده الفتي، وعزيمة نفسه العزيزة،ويفتخر دائما أمام نفسه وأمام محبوبته بأنه لم يطلب دينارا واحدا من أبيه الكريم منذ أن انقطع عن الدراسة...
ولكن السد العالي الذي كان يقف في وجه أمانيه بالعيش مع حبيبته، هو تاجر الجملة والتجزئة أبوها ...
كان واضحا له،ولأبيه ،ولكلّ العائلة ،بأن التفكير في مصاهرة هذا الجار الميسور ،ليست ككل المصاهرات المشروعة،بل هي أقرب من هذا إلى الوهم، أو إلى الوقاحة في عقلية الصهر ،أو من يفترض أن يكون صهرا على الأكثر في هذه اللحظة...
كل الذين سمعوا بنية الشاب في خطبة بنت ذلك الرجل،كانوا متأكدين من عودته خائباً منكسر القلب إذا ما سارت الأمور طبيعيةً ولم تحدث مُعجزة ما...كُلُّهم بما فيهم الشاب نفسُه توقعوا الهزيمة لهذه الغزوة العابثة،ولم يشذ عن ذلك أحد غير الفتاة التي لا ترى في أبيها ما يرى فيه الناس.
ولكن منطق العشق وضغطه،تغلب على منطق قواعد الترتيب الاجتماعي،وعلى ضغط الخضوع لتلك القواعد، وثار الشاب على نفسه وحملها على التصريح بغايته وبكل وضوح وإصرار لوالديه...
-أبي،أمي ...لا أريد غيرها
فما كان من الأب المستحي من رد مثل هذا الطلب لابن طوى من سنين الحياة ثلاثين،إلا أن يصطحب أم الشاب وأخته وعمته، ويرافق الخاطب الجريء في مهمة لا يملك أن يثق بنجاحها...
كان ذلك أول أيام الشهر الأخير من العام الهجري،وكانت جلسة الخطبة كما كان متوقعا ...ابتسامات باردة،أطباق من الحلوى لم توضب بعناية،نظرات بليدة ،الهواتف ترن بين الحين والآخر ولا يتحرج أحد من الرد،لا دعوة للمزيد من فناجين القهوة،ولحظات صمت طويلة تتخلل الأحاديث القصيرة...باختصار، كل شيء كان يوحي بشيء واحد...لا أمل.
لم يتطلب رفع الجلسة من الخُطّاب وأهل الدار إلا بضعة عبارات من العبارات التقليدية...
-هذاك هو ...ايا بقاو على خير...
-بالسلامة ...الله يسهل...
-نشا لله يكون الخير...
-كل شي بالمكتوب...
"الخير" الذي يقصده أبو الشاب هو قبول الخطبة،أما "المكتوب" الذي جاء في ردّ أبو الفتاة فهو يحمل إيحاءا أو تلميحا بالرفض...
كان الرد واضحا ضمنيا،ولكن التقاليد تقتضي ألا يصرّح بالجواب في الجلسة الأولى التي تعتبر جلسة تعارف،بل يؤجل إلى الجلسة التي يفترض أن تعقبها...
وبما أن العيد الكبير على الأبواب،فقد كان بديهيا لكلا العائلتين أن تكون الزيارة الثانية لمعرفة الجواب الذي يكاد يكون معروفا،في أحد أيام العيد،إذ هي أقرب مناسبة للعودة إلى بيت الفتاة المخطوبة،على سبيل زيارة عائلة لعائلة، تجمعها بها علاقة خاطب ومخطوب،فتكون جلسة العيد هذه موعدا لتقرير مصير هذه العلاقة المؤقتة،فإما أن تتحول إلى علاقة مصاهرة رسمية،وإما أن يوضع لها حدٌّ بالجواب الحاسم
بلا أبي، لا أزال مصرا على الزواج منها ،ولن أتراجع في كلامي...يُجيب الشاب بسرعة على سؤال أبيه،فيرد الأب والدهشة لا تفارق تعابير وجهه...
-إذن لماذا لا تريد زيارتهم في العيد؟...ألا تريد أن نعود ليُعلمونا بالجواب؟...حيرتني يا وليدي؟...
-أبي...أعرف ما أفعله...
لم يكُن الأب في حاجة إلى أكثر من هذا الرد...إنه يثق في أن ابنه الراشد يفكر في شيء ما...
جاء يوم العيد،وامتلأ بيت تاجر الجملة والتجزئة بالضيوف والمهنئين، ولم تتوقف جموع الأحبة والأصدقاء عن طرق الباب طيلة اليوم،ولكن تمت من الضيوف من لم يشرّف بالزيارة...
تقول ربة المنزل والأسرة مجتمعة مع بعض الأقارب على مائدة العشاء:
-ما جاوش...
فيرد عليها الأب والكبيرات من نساء العائلة بنظرات تترنح تعبيراتها مابين التساؤل ...والترقب...
إنهم ينتظرونهم...نعم،حتى ولو كانوا سيردونهم إلا أنهم ينتظرونهم،فلابد وان يعودوا ليتلقوا الرفض...هذه هي التقاليد.
عندما يقصد أهلَ فتاة ما،خاطبٌ أو خاطبين أو أكثر،ويردُّ الأهل الخُّطاب الواحد تلو الآخر،يزيد هذا من قدر الفتاة ومن قيمتها في سوق المصاهرة،ولكنّ عكس هذا تماما،يحدث إذا انقلبت المعادلة،فينخفض سهم الفتاة مهما بلغت من الجمال ومهما كان لأهلها من الثروة والجاه،بمجرد ما يُعلن أول خاطب تراجعه عن الخطبة بعد دخوله البيت ورؤيته البنت...
وعائلة الصهر الثري،لا تريد أن يحصل هذا معها،فلا يزال بعد هذه البنت بنتان أصغر منها،لا ينبغي أن يؤثر على مستقبلهما ردّ محتمل كهذا من قِبل الخاطب...
تزداد المخاوف حدّة في ثاني أيام العيد،عندما تتساءل الجارات عن الخُطّاب...
-هاذوك الخطّابة ماولاوش؟...
-...مازال...
"مازال" أو ليس بعد،ماهي إلا تجلٍّ للرغبة الكبيرة في عودتهم...رغبة تقاوم بشراسة الخوف المُريع من حدوث عكس ذلك...
أما السي أبو البنت،فقد وجد حيلة أجدى من حيلة حرَمه ليُواسي نفسه...
-لابد وأنهم سيزوروننا غدا بإذن الله،لا شك في ذلك،فالعيد ثلاثة أيام...
إنه يستأنس بأيام التشريق...
ولكن ذلك لم يكُن كافيا لكبح جماح سؤال مُرعب يجول في ذهنه...ماذا لو لم يعودوا؟...
عكّر هذا السؤال صفوه في يوم عيد،وكاد يسرق من بسمته معناها،فعسُر عليه تحمل المشقة وحده...شاور زوجته،فوجدها أشدّ منه قلقا وحرصا على عودة أهل الشاب،وكل ما في الأمر أنهما كانا يحاولان إخفاء الهاجس الذي يشغل بالهما...ولكن الساعات تمر مسرعة وثاني أيام العيد يوشك على الانتهاء،واحتمال أن يسبق جواب الخطاب جوابهم صار كبيرا ومُفزعا،
-...لابد من أن نُجيبهُم ...هيا حالاً..
اقترحت عليه زوجته أن يتصل بهم... فوافقها بلا تردد.
-ألو،صح عيدكم وكل عام ونتوما بخير...
-الله يسلمك،نتوما زاده...
-علاش ماجيتوش،ستيناكُم اليوم والبارح، غير الخير؟
-غير الخير، غير الخير...
-راكم معروضين غدوة نشا لله...مرحبا بيكم، ياخي رانا انساب.
القصة فيها هم يضحك وهم يبكي
هم يبكي بسبب العراقيل التي تقف في طريق الشباب وتثنيهم عن تحقيق احلامهم
ربما علم الفتاة بعادات اهلها وحبهم للرياء والمفاخرة وشدة ودها لخطيبها ربما جعلها تطلب منه ان لا يحضر لبيتها ,حتى تجعل والدها يتنازل ويدعوهم للحضور
طريقة سرد القصة جميلة جدا و مشوقة حتى اني تقت الى المزيد حتى رايت كلمة تمت
وتمت القصة باذن الله بالتوفيق
اذكر انك لا ترد على من يشكرك لذلك لن افعل
ادعو الله ان يوفقك اخيyazar
القصة فيها هم يضحك وهم يبكي
هم يبكي بسبب العراقيل التي تقف في طريق الشباب وتثنيهم عن تحقيق احلامهم
ربما علم الفتاة بعادات اهلها وحبهم للرياء والمفاخرة وشدة ودها لخطيبها ربما جعلها تطلب منه ان لا يحضر لبيتها ,حتى تجعل والدها يتنازل ويدعوهم للحضور
طريقة سرد القصة جميلة جدا و مشوقة حتى اني تقت الى المزيد حتى رايت كلمة تمت
وتمت القصة باذن الله بالتوفيق
اذكر انك لا ترد على من يشكرك لذلك لن افعل
ادعو الله ان يوفقك اخيyazar