الحب في زمن الخيانة
:: عضو مُشارك ::
- إنضم
- 6 أكتوبر 2011
- المشاركات
- 141
- نقاط التفاعل
- 18
- النقاط
- 7
أبكم و أعمى
1. في حارتنا حلاق أبكم ، جميل الروح رغم النكبة و رغم متاعبها ... لم يتأخر يوما عن عمله و لم يجعل أحدا يغضب منه ، ماذا يقول لسانك لو تحرك أو نطق ؟ .... في يوم العيد أذكرك خارجا من البيت و خضاب الحنة في يديك و بابتسامتك العريضة كنت تعانق أصحاب الحي حتى تترك نبضك في صدورهم !!.... أنت الذي تحلق رؤوسنا من أجل أن تأكل ، تخلصنا من بشاعة شعورنا المتطاولة ، نجلس على كرسيك المتحرك يمنة و يسارا في راحة، بينما تتعذب أنت بوقوفك الدائم و بدورانك حول أجسامنا المتعبة، دخلت عنده البارحة و لا أعلم كيف دار بيننا حديث بالأيادي فقلت له : أنا أتكلم بفمي و أشتغل بيدي بينما تتكلم أنت و تشتغل بيديك فقط !! فقال بإشارة من يده : لقد اعتدت على ذلك منذ طفولتي ...............و كانت على يميني تماما طاولة بنية سقط الشعر عليها بغزارة فكتب عليها بأصبعه : " و كل ذي عاهة جبار"!!...... تعجبت منه كثيرا ، ماذا تكبت بداخلك أيها الحلاق ؟ ماذا يقول لسانك لو تحرك ؟!..... ستثور كل ساكنة على الأرض لتقف إلى جانبك ، قل ما يقال بأي طريقة، و لك مني ألف احترام ،فقط أتح لي فرصة لأجول بداخلك ، هذا العالم الخفي الذي ليس يعرفه غيرك، دعني أرى إن كان في صدرك سكون رهيب أم فوضى كبيرة من ضحكاتك الجميلة ، لعلك يوما تكلمت في حلمك ،أو داعبت فوق شفتيك ابتسامة هاربة أو كلمة تشبه الحلم !!.....قد ينعم الله بالبلوى و إن عظمت و قد يبتلي بعض القوم بالنعم... و لا يعرف أحدنا قيمة النعمة إلا بفقدانها......و لفت انتباهي صور المنتخب الوطني على جدران المحل ، و صور لأبطال في كمال الأجسام ،و مناظر طبيعية، و صور للحلاق في مرتفعات مليانة مع رفاقه،و زجاجات عطر مرصوصة فوق الرف بإحكام، هل هذا ما تود أن تقوله ؟... أنا رياضي أعشق الطبيعة و النظام و الهدوء ؟....... أنا مثلكم تماما ، خلقت من حكمة الصمت ، و مع الصمت عشت و ترعرعت ، و لي يوما أن أشاطر كلمة في محراب الصمت صمتها ، سمعت فجأة طقطقة معدنية عل بلاط المحل ، التفتت لأرى "عمي موسى" و هو مسن أعمى يدخل لكي يحلق شعره، يا الله، الأعمى و الأبكم دفعة واحدة ، كيف سيتفاهمان ، و كيف سيتحدثان ؟!! ............. دفعت له ثمن الحلاقة و خرجت مستذكرا ما كتب على الطاولة و قلت : فعلا إن كل ذي عاهة جبار و سيتفاهمان حتما !!