إختلف الفقهاء المسلمين في تحديد أركان عقد الزواج فمنهم من جعلها ركنين الإيجاب والقبول كالحنفية وهناك من جعلها ثلاث الصيغة، المحل، الولي وهناك من جعلها أربعة الصيغة، الولي، الزوج والزوجة، الصداق كالمالكية وهناك من جعلها خمسة كالشافعية، و الإختلاف حول تحديد أركان عقد الزواج لم يقتصر على الفقهاء المسلمين وإنما تعد إلى التشريعات العربية وهذا منطقي جدا بإعتبار كل تشريع أخذ بمذهب ما وهناك تشريعات أدمجت بين المذاهب مثلما هو الحال بالنسبة للتشريع الجزائري الذي حدد أركان عقد الزواج في المادة التاسعة من قانون الأسرة بأربع أركان وهي الرضا، الولي، الشاهدين، الصداق (1) ، وتعرضنا لأكان عقد الزواج يكون بناءا على ما نص عليه قانون الأسرة.
المبحـث الأول: ركن الرضا في عقد الزواج وأثر تخلفه
لقد اتفق كل من فقهاء الشريعة الإسلامية وفقهاء القانون ومختلف التشريعات وكذا الإتفاقيات الدولية على أن الرضا هو الركن الأساسي في عقد الزواج وهو القائم الذي يقوم عليه ويتوقف وجوده عليه وأختلف في تسميته فهناك من يطلق عليه تسمية الإيجاب والقبول وهناك من يسميه الصيغة وهناك من يسميه العنصر النفسي في عقد الزواج L’ELEMENT PSYCHOLOGIUE (2) و هذا الإختلاف هو لفظي فقط أما المعنى فهو واحد، ولقد نصت المادة 16 من ميثاق حقوق الإنسان على أنه '' لايعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما زواجا كاملا لا إكراه فيه '' ونصت المادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة 10 من العهد الدولي لحقوق الإنسان الإقتصادية والإجتماعية والتقافية على '' لا ينعقد زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا لا إكراه فيه ''، ونصت المادة 16 من إتفاقية إلغاء التميز ضد المرأة لسنة 1975 على '' للمرأة الحرية في إختيار الزوج وفي عدم الزواج إلا برضاها الحر والكامل '' و نجد أن معظم التشريعات العربية قد سارت في هذا النهج وكمثال عن ذلك المشروع العربي الموحد لقانون الأحوال الشخصية نص في مادته 23 على أنـه '' ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر صادرين عن رضا تام … '' .
المطلـب الأول: المقصود بركن الرضـا في عقد الزواج
لم يعرف قانون الأسرة ركن الرضا وإنما إكتفى فقط في الفقرة الأولى من المادة العاشرة بتحديد قسمي الرضا واللفظ بصفة عامة الذي يحوز به التعبير عن الإيجاب والقبول، وعدم تعريف المشرع الجزائري لركن الرضا بتركنا نذهب إلى التعريف الذي وضعه له الفقه ومن بين تلك التعريفات نجد السيد سابق يعرّفه '' بأنه توافق إرادة الطرفين في الإرتباط بواسطة التعبير الدال على التصميم على إنشاء الإرتباط وإيجاده، وأنه ما صدر من الأول يعتبر إيجابا وما صدر من الثاني يعتبر قبولا (1) ويعرّفه الدكتور يدران أبو العينين بدران بأنه '' الإيجاب والقبول الصادرين من التعاقدين الذين يرتبط أحدهما بالآخر فيفيدان تحقق المراد من صدورهما (2)،
ومن خلال إطلاعنا على هذه التعاريف ونص المادة 10 من قانون الأسرة نستخلص أن ركن الرضا في عقد الزواج ينقسم إلى قسمين وهما الإيجاب والقبول.
الفـرع الثانـي: الإيجاب والقبول
إن نص المادة 10 فقرة 01 جاءت متفقة تماما مع ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية وهو أن ركن الرضا يتكون من شقين الإيجاب والقبول لكن ما يؤخد على هذه المادة أنها حددت الإيجاب والقبول من دون أن تعرفهما ولم تحدد شروطهما ولهذا ووفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة نرجع إلى ماذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع:
أولا : تعريف كل من الايجاب والقبـول
أ- الإيـجـاب: يتفق الفقهاء على أن الإيجاب هو ما يصدر من أحد العاقدين يدل على أنه يود الإرتباط بعلاقة زوجية مع طرف العقد الآخر ويسمى بالتالى موجبا.
ب- القبـول: يعرف الفقهاء القبول بأنه الكلام الذي يصدره المتعاقد الثاني الذي وجه له الإيجاب يدل على موافقته على ما أوجبه الموجب ويسمى القابل.
ثـانيـا: شروط صحة الايجاب والقبول
لصحة الإيجاب والقبول إشترط الفقهاء المسلمين أن تتوافر فيهما شروط معينة منها ما اتفقوا عليها ومنها ما اختلفوا فيها وهي كالتالي:
المطلـب الثـانـي: صيغة الإيجـاب والقبول
تنص المادة العاشرة من قانون الأسرة على أن '' يكون الرضا بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر يكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا ''، وما يستخلص من هذه المادة أن المشرع الجزائري لم يجدد الألفاظ التى يتم بها التعبير عن الإيجاب والقبول ولم يجدد اللغة التي يتم بها العقد وصيغة الفعل عند التعبير عن الإيجاب والقبول وهذا ما يؤدي بنا لتحديدها الرجوع إلى ماذهبت إليه الشريعة الإسلامية وفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة ولقد أفاض الفقهاء المسلمين في الحديث عن هذه المسألة وهي كالتالي:
الفـرع الأول: الألفـاظ المعبـرة شرعـا عن النكـاح
وتعرض للألفاظ المعبرة شرعا عن النكاح في نقطتين أساسيتين وفقا لما ذهب إليه الفقهاء المسلمين.
أ- الألفاظ المتفق عليها أنها تؤدي معنى النكاح شرعا أو لا تؤدي معناه :
لقد إتفق الفقهاء المسلمين سنة منهم أو شيعة بأن الزواج ينعقد بألفاظ الزواج، النكاح منشدين في ذلك أن معظم الآيات والأحاديث المتعلقة بالزواج جاءت بهذين اللفظين كما إتفقوا على أن الزواج لا ينعقد بالألفاظ التالية: الإباحة، الإحلال، الإيداع، الإعارة، الرهن، الوصية، الإجازة وذلك بسبب أنها لا تؤدي مفهوم الزواج حقا (2) .
ب- الألفـاظ المختلف فـي آدائهـا لمعنى النكـاح
ذهبت المالكية والحنفية بأنه يجوز ويصح أن يكون الإيجاب بالألفاظ التالية: الهبة، التمليك، البيع، الصدقة والجعل مشترطين فقط أن تدل تلك الألفاظ على بقاء الحياة الزوجية مدى الحياة، في حين الشافعية والحنفية .
المبحـث الأول: ركن الرضا في عقد الزواج وأثر تخلفه
لقد اتفق كل من فقهاء الشريعة الإسلامية وفقهاء القانون ومختلف التشريعات وكذا الإتفاقيات الدولية على أن الرضا هو الركن الأساسي في عقد الزواج وهو القائم الذي يقوم عليه ويتوقف وجوده عليه وأختلف في تسميته فهناك من يطلق عليه تسمية الإيجاب والقبول وهناك من يسميه الصيغة وهناك من يسميه العنصر النفسي في عقد الزواج L’ELEMENT PSYCHOLOGIUE (2) و هذا الإختلاف هو لفظي فقط أما المعنى فهو واحد، ولقد نصت المادة 16 من ميثاق حقوق الإنسان على أنه '' لايعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما زواجا كاملا لا إكراه فيه '' ونصت المادة 23 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة 10 من العهد الدولي لحقوق الإنسان الإقتصادية والإجتماعية والتقافية على '' لا ينعقد زواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءا كاملا لا إكراه فيه ''، ونصت المادة 16 من إتفاقية إلغاء التميز ضد المرأة لسنة 1975 على '' للمرأة الحرية في إختيار الزوج وفي عدم الزواج إلا برضاها الحر والكامل '' و نجد أن معظم التشريعات العربية قد سارت في هذا النهج وكمثال عن ذلك المشروع العربي الموحد لقانون الأحوال الشخصية نص في مادته 23 على أنـه '' ينعقد الزواج بإيجاب من أحد المتعاقدين وقبول من الآخر صادرين عن رضا تام … '' .
المطلـب الأول: المقصود بركن الرضـا في عقد الزواج
لم يعرف قانون الأسرة ركن الرضا وإنما إكتفى فقط في الفقرة الأولى من المادة العاشرة بتحديد قسمي الرضا واللفظ بصفة عامة الذي يحوز به التعبير عن الإيجاب والقبول، وعدم تعريف المشرع الجزائري لركن الرضا بتركنا نذهب إلى التعريف الذي وضعه له الفقه ومن بين تلك التعريفات نجد السيد سابق يعرّفه '' بأنه توافق إرادة الطرفين في الإرتباط بواسطة التعبير الدال على التصميم على إنشاء الإرتباط وإيجاده، وأنه ما صدر من الأول يعتبر إيجابا وما صدر من الثاني يعتبر قبولا (1) ويعرّفه الدكتور يدران أبو العينين بدران بأنه '' الإيجاب والقبول الصادرين من التعاقدين الذين يرتبط أحدهما بالآخر فيفيدان تحقق المراد من صدورهما (2)،
ومن خلال إطلاعنا على هذه التعاريف ونص المادة 10 من قانون الأسرة نستخلص أن ركن الرضا في عقد الزواج ينقسم إلى قسمين وهما الإيجاب والقبول.
الفـرع الثانـي: الإيجاب والقبول
إن نص المادة 10 فقرة 01 جاءت متفقة تماما مع ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية وهو أن ركن الرضا يتكون من شقين الإيجاب والقبول لكن ما يؤخد على هذه المادة أنها حددت الإيجاب والقبول من دون أن تعرفهما ولم تحدد شروطهما ولهذا ووفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة نرجع إلى ماذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع:
أولا : تعريف كل من الايجاب والقبـول
أ- الإيـجـاب: يتفق الفقهاء على أن الإيجاب هو ما يصدر من أحد العاقدين يدل على أنه يود الإرتباط بعلاقة زوجية مع طرف العقد الآخر ويسمى بالتالى موجبا.
ب- القبـول: يعرف الفقهاء القبول بأنه الكلام الذي يصدره المتعاقد الثاني الذي وجه له الإيجاب يدل على موافقته على ما أوجبه الموجب ويسمى القابل.
ثـانيـا: شروط صحة الايجاب والقبول
لصحة الإيجاب والقبول إشترط الفقهاء المسلمين أن تتوافر فيهما شروط معينة منها ما اتفقوا عليها ومنها ما اختلفوا فيها وهي كالتالي:
المطلـب الثـانـي: صيغة الإيجـاب والقبول
تنص المادة العاشرة من قانون الأسرة على أن '' يكون الرضا بإيجاب من أحد الطرفين وقبول من الطرف الآخر يكل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا ''، وما يستخلص من هذه المادة أن المشرع الجزائري لم يجدد الألفاظ التى يتم بها التعبير عن الإيجاب والقبول ولم يجدد اللغة التي يتم بها العقد وصيغة الفعل عند التعبير عن الإيجاب والقبول وهذا ما يؤدي بنا لتحديدها الرجوع إلى ماذهبت إليه الشريعة الإسلامية وفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة ولقد أفاض الفقهاء المسلمين في الحديث عن هذه المسألة وهي كالتالي:
الفـرع الأول: الألفـاظ المعبـرة شرعـا عن النكـاح
وتعرض للألفاظ المعبرة شرعا عن النكاح في نقطتين أساسيتين وفقا لما ذهب إليه الفقهاء المسلمين.
أ- الألفاظ المتفق عليها أنها تؤدي معنى النكاح شرعا أو لا تؤدي معناه :
لقد إتفق الفقهاء المسلمين سنة منهم أو شيعة بأن الزواج ينعقد بألفاظ الزواج، النكاح منشدين في ذلك أن معظم الآيات والأحاديث المتعلقة بالزواج جاءت بهذين اللفظين كما إتفقوا على أن الزواج لا ينعقد بالألفاظ التالية: الإباحة، الإحلال، الإيداع، الإعارة، الرهن، الوصية، الإجازة وذلك بسبب أنها لا تؤدي مفهوم الزواج حقا (2) .
ب- الألفـاظ المختلف فـي آدائهـا لمعنى النكـاح
ذهبت المالكية والحنفية بأنه يجوز ويصح أن يكون الإيجاب بالألفاظ التالية: الهبة، التمليك، البيع، الصدقة والجعل مشترطين فقط أن تدل تلك الألفاظ على بقاء الحياة الزوجية مدى الحياة، في حين الشافعية والحنفية .
قالوا بعدم صحة الزواج الذي يتم بالألفاظ المذكورة أعلاه، وما يلاحظ في إشتراط الفقهاء الألفاظ التى يتم بها عقد الزواج أنها تشترط فقط أن يستعملها الموجب في إيجابه أما القابل فلا تشترط فيه وإنما يكفيه أن يقول قبلت أو رفضت، وأنه وفقا لما جرت عليه العادة والعرف في الجزائر أنه يعمل بما ذهب إليه المذهب المالكي والحنفي فجرت العادة أن يقول الموجب جئت أطلب بنتك مثلا فيقول القابل إني أعطيتك.
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسـام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن
تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسـام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن
تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور
قالوا بعدم صحة الزواج الذي يتم بالألفاظ المذكورة أعلاه، وما يلاحظ في إشتراط الفقهاء الألفاظ التى يتم بها عقد الزواج أنها تشترط فقط أن يستعملها الموجب في إيجابه أما القابل فلا تشترط فيه وإنما يكفيه أن يقول قبلت أو رفضت، وأنه وفقا لما جرت عليه العادة والعرف في الجزائر أنه يعمل بما ذهب إليه المذهب المالكي والحنفي فجرت العادة أن يقول الموجب جئت أطلب بنتك مثلا فيقول القابل إني أعطيتك.
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الأافاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط:ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور العلماء.
الفقهاء الذين يقولون بوجوب الولاية في الزواج أما الذين يرون أن الولاية لا تكون إلا على القصر والمجانين دون البالغة العاقلة فقد إختلفوا في تفسير تلك الآيات والأحاديث واستدلوا بالآية الكريمة قوله تعالى '' فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره … '' وغيرها من الآيات وكذا الحديث النبوى الشريف '' الأيم أحق بنفسها من وليها '' ويقصدون بالأيم من لبس لها زوجا سواءا كانت يكرا أم ثيبا.
المطلـب الثـانـي: شـروط الولـي
لم يحدد المشرع الجزائري الشروط التى يجب أن تتوافر في الولي ولهذا يجب الرجوع إلى ما حدده فقهاء الشريعة الإسلامية وفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى قسمين:
الفـرع الأول: الشروط المتفق على وجوب توفرها في الولي
إتفق الفقهاء المسلمين على شروط يجب أن تتوفر في الولي وهي كالتالي:
1- أن يكون الولي بالغا عاقلا حرا: يجب أن يكون الولي كامل الأهلية أي أن لا يكون فاقدا للأهلية ولا ناقصها
2- إتحـاد الدين بين الولي والمولى عليها: فإتحاد الدين تتفق المصلحة بين الولي والمولى عليها ويستثنى من هذه الشروط من له ولاية عامة القاضي والحاكم والمالك بالنسبة للأمة الكافرة.
الفـرع الثانـي: الشروط الغير متفق على وجوب توفرها في الولي
- الـذكـورة: ذهب جمهور الفقهاء إلى إشتراط الذكورة في الولي وخالفهم أبو حنيفة وأجاز للمرأة أن تكون ولي على الصغير والكبير فاقد الأهلية عند عدم وجود الأولياء الذكور وذهبت المالكية إلى إجازة ولاية المرأة في حالات استثنائية جدا وهي حالة ما إذا تعاق الأمر بوصية من الولي أو إذا كانت مالكة (1).
أما بخصوص ما ذهب إليه المشرع الجزائري فيما يخص هذا الشرط فحسب رأي الشخصي فإنه يتماشى أكثر مع الرأى الذي يشترط الذكورة في الولي و فقا لما ورد في المادة 11 من قانون الأسرة .
المطلب الثالث: الولي ووظيفته وفقا لما هو محدد في قانون الأسرة
بعـد أن حددت المادة 9 من قانون الأسرة بأن ولي الزوجة هو ركن من أركان جاءت المواد 11 و 12 و 13 لتحدد من هو الولي ووظيفته وحدود وظيفته، وبالتالي سأتطرق إلى هذه النقاط كمايلي:
الفـرع الأول: ولـي المـرأة في الـزواج
تنص المادة 11 على أن يتولى زواج المرأة وليها وهو أبوها فأحد أقاربها الأولين والقاضي ولي من ولي له من خلال هذه المادة تستنتج أنه المشرع جعل ولي المرأة في الزواج هو أبوها مطلقا بغض النظر أكان للمرأة إبن أم لا و بالتالي فهو قد نهج بما ذهب إليه الشافعية والحنابلة في جعلهم الولاية ابتداء للأب ولو كان لها ابن وذلك بخلاف ما ذهب إليه فقهاء المذهب المالكي وبعض الحنفية في تقديمهم الفروع على الأصول، وبما أن المادة 11 لما سبقت الأصول على الفروع إبتداءا من الأب ثم الأقربون قد كان قصد المشرع الجزائري الأخذ بما ذهبت اليه الشافعية والحنابلة في تقديمهم الأب ثم الأقربون وإن علوا ثم يأتي بذلك الإبن وإبن الإبن وإن نزلوا ولقد إستدلوا الذين سبقوا الأصول في الولاية على الفروع بقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل '' والإبن حسبهم لا ينطبق عليه اسم مولى (1) وهذا بعكس ما ذهب إليه البعض إلى القول بأن المشرع الجزائري قد أخد بما ذهب إليه المذهب المالكي (2) وإن لم يكن للمرأة ولي على الإطلاق تنتقل هذه الولاية إلى القاضي الذي يعتبر ولي من لا ولي له.
الفـرع الثـانـي: دور الولـي فـي الـزواج
لقد نصت المادتين 11 و 12 فقرة 02 على دور الولي في إبرام عقد الزواج فالولي هو الذي يتولي زواج المرأة وهذا يعني بتوافر رضا طرفي عقد الزواج يجب أن يرضى الولي بهذا الزواج ويقوم بنقل إرادة الزوجة خصوصا وإن حياء المرأة يمنعها من مناقشة أمور الزواج في مجلس العقد وبالتالي فهو الذي يقوم بهذه المهمة وهذا ما يتبين من خلال نص المادة 11، وهو ما عبر عنه الأستاد الغوثي بن ملحة بقوله تذخل الولي تفسره الآداب التى تمنع الفتاة
أو المرأة من منافستها مباشرة الرجل الذي يتقدم للزواج بها في شروط مستقبلهم الذي يجمعهم (3) وهذا ما يعني أنه إضافة إلى رضاه فهو بنقل إرادة موليته سواء كانت بكرا أم ثيب بالغة أم قاصرة.
أما الدور الثاني الذي يمكن أن نستشفه من خلال إطلاعنا على نص المادة 12 فقرة 2 فهو مقصور على الولي الأب ويستعمله فقط على إبنته البكر فقط وذلك بالتحري والحرص دائما على تحقيق مصلحة إبنته بحيث أن المادة 12 فقرة 02 تنص على مايلي '' غير أن للأب أن يمنـع بنته البكر من الزواج إذا كان في المنع مصلحة للبنت '' وهذ الفقرة الثانية جاءت موافقة لما يراه جمهور الفقهاء وخصوصا الأئمة الثلاث دون الحنفية بأن البنت البكر حتى وإن كانت بالغة عاقلة إلا أنها لا تعلم مصالح الزواج لأن علمها به متوقف على التجربة والممارسة وهذا ما يتحقق بالثيابة.
الفـرع الثالث: حـدود دور الولـي في إبرام عقد الزواج
لقد نص المشرع الجزائري في نص المادة 12 فقرة 1 والمادة 13 من قانون الأسرة على الحدود الموضوعة للصلاحيات الممنوحة للولي في تزويجه للتي هي تحت ولايته كما أنه حدد في المادة 12 فقرة 01 إلى من تؤول الولاية في حالة ثبوت تعسف الولي وقبل التطرق إلى موقف قانون الأسرة من هذه المسألة أرى أنه من الأفضل التطرق أولا لما ذهب إليه الفقهاء المسلمين فيها وهي كالتالي:
لقد إتفق الفقهاء على أن مسألة عضل الولي أي أن يمنع ويضلم مولينه إذا أراد أن يتزوجها كفىء بمهر المثل فإن منعها في هذه الحالة يعتبر عضلا وبالتالي يرفع عنها هذا الضلم عن طريق رفع الولاية على الولي وتتنقل مباشرة إلى القاضي ولا تتنقل إلى الولي الآخر الذي يليه (1) ويمكن من خلال إطلاعنا على قانون الأسرة و ما ذهب إليه القضاء فإن حدود دور الوالي في تزويج موليته نقسمه إلى نقطتين أساسيتين وهما:
أ – حدود سلطة الولي في منع موليته من الزواج ممن رغبت فيه:
وفقا لما ورد في نص المادة 12 فقرة 1 من قانون الأسرة بأنه لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته مع الزواج إذا رغبت فيه وكان أصلح لها وإذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 9 من هذا القانون '' فكما سبق ذكره فإن إشتراط الولي في عقد الزواج هو مصلحة المولى عليها وبالتالي أعطى له دور في زواج المولى عليها إلا أن هذا الدور المشرع الجزائري وضع له قيد بأن لا يستطيع الولي أي كان أن يمنع موليته من الزواج سواء كانت بكرا أم ثيبا فالمادة جاءت عامة ولم تميز لكنها جاءت غامضة فما هي المعايير لتحديد الزوج الأصلح و كلمة الأصلح لها معنى واسع والقضاء لم يحدد معناها دائما بل حدّد بعض الحالات التى يكون فيها الزوج أصلح للمولى عليها، وفي حالة ما إذا أثبتث البنت بأن الزوج أصلح لها ولا مبرر للمنع فيصبح هنا الأب متعسف في منعه إبنته وبالتالي يحق لهذه الأخيرة أن تلجأ مباشرة إلى القاضي دون أن تعود الولاية للذي يليه في الولاية، وهذا ما كرسته المحكمة العليا في قرارها الصادر في 30 مارس 1993 تحت رقم 90468 (2).
والمادة 12 فقرة 1 تطرح تساؤلا فيما يخص إحالتها الولاية إلى القاضي ولم تحدد من هو هذا القاضي، ونجد الإجابة على هذا التساؤل في التطبيقات القضائية التى إستقرت على أن القاضي المختص بمنح الإذن هو رئيس المحكمة، ولكن في رأيي الشخصي فإن القاضي المقصود في هذه المادة هو قاضي الموضوع لأن تقدير مصلحة المرأة التي تريد الزواج بالأصلح لها هي مسألة موضوعية ليست من إختصاص رئيس المحكمة، ونلاحظ حتى المشروع العربي الموحد للأحوال الشخصية قد منح للولي حق منع موليته من الزواج بغير الكفىء.
ب- حـدود دور الولـى بعـدم إجبـار موليتـه
ناقش فقهاء الشريعة الإسلامية هذه المسألة وذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن للولي على المولى عليها البكر البالغة ولاية إجبار أما الثيب فعليها ولاية إختيار وإستحباب أما الحنفية فتجعل ولاية الإستحباب والإختيار على البالغة سواءا كانت بكرا أم ثيبا لأن ولاية الإجبار مناطها نقص العقل أما الشرع الجزائري فلقد تناول المسألة في المادة 13 من قانون الأسرة وخالف ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وأخد بالمذهب الحنفي بحيث نص على عدم جوازية إجبار الولي لموليته على الزواج ولا تزويجها بدون موافقتها دون أن يميز بين البكر والثيب، وعليه فسلطة الولي محدودة و يجب أن يأخد برأي موليته.
إضافة إلى ما سبق فإن المادة 13 من قانون الأسرة لا تميز بين البنت البالغة لسن الزواج أي 18 سنة وبين من لم تلبغ والتي تحصلت على إذن بالزواج من القاضي، وبالتالي فالمشرع هنا قد خالف رأي الفقهاء المسلمين واستغني على ولاية الإجبار على القاصرة و حسنا ما فعل.
المطلـب الرابع: أثـر تخلف ركـن الولـي
ونتعرض إلى أثر تخلف ركن الولي في عقد الزواج في نقطتين أساسيتين هما كالتالي:
الفـرع الأول: موقف فقهاء الشريعة الإسلامية في حالة تخلف الولـي
لقد رتب جمهور الفقهاء المسلمين على تخلف ركن الولي عدم صحة العقد وبالتالي يكون باطل مستدلين في ذلك بالحديث النبوي الشريف '' أيما إمرأة نكحت بغير وليها فنكاحها باطل قالها ثلاث'' (1) أما الحنفية ترى بأنه إذا زوجت الحرة البالغة نفسها بدون إذن وليها سواء كانت ثيبا أو بكرا فزواجها صحيح ونافذ ولازم متى كان القرين كفىء وبمهر المثل، ولا عبرة لرضا أو عدم رضا الولي، ويذهب نفر من الحنفية إلى أن الزواج يكون صحيحا ولا يكون نافذا إلا إذا أجازه الولي.
الفـرع الثانـي: أثر تخلف ركن الولي في قانون الأسرة
لقد نص قانون الأسرة على أثر تخلف الولي في عقد الزواج في نص المادتين 32 و 33 منه والتى يمكن تقسيمها إلى ثلاث حالات:
أ- في حالة ما إذا تخلف ركن الولي و تم إكتشافه قبل الدخول فإن نص المادة 32 و 33 قد حددت بأنه يفسخ العقد ولا تستحق الزوجة الصداق.
ب – في حالة ما إذا تخلف ركن الولي ولم يتم إكتشافه أو لم يثار هذا الخلف إلا بعد الدخول فهنا وفقا لنص المادة 33 الزواج يثبت بصداق المثل، ويرتب أثار العقد الصحيح.
ج – في حالة ما إذا تخلف ركن الولي مع أحد الأركان الثلاثة الرضا، الصداق، الشاهدين، فالعقد يكون في هذه الحالة باطل سواءا كان ذلك قبل الدخول أو بعد الدخول ولا يمكن إثباته وهذه المسألة مكرسة في التطبيقات الفضائيـة وفقا لما جـاء في قرار المحكمة العليـا المؤرخ في 02 جانفـي 1989 تحت رقم 51107 الذي جـاء فيه " … و من المقرر أيضا أنه إذا إختل ركنان من أركان عقد الزواج غير الرضا يبطل الزواج ... الخ '' (1) .
المبحـث الثالـث: ركن الإشهاد في عقد الزواج وأثر تخلفه
لقد تناول فقهاء الشريعة الإسلامية الإشهاد على الزواج بالتدقيق وذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى إعتباره شرط صحة عقد الزواج وإذا تخلف كان العقد غير صحيح أما المذهب المالكي يري بأن الإشهاد على النكاح ليست بفرض ويكفي لصحته إعلانه وشهرته فإذا حصلت الشهادة وقت العقد كان صحيحا نافذا أما إذا لم تتحقق فيكون العقد موقوف النفاذ (2) وبالتالي فالإشهاد على الزواج هو شرط نفاذ، وأخذ المشروع العربي الموحد للأحوال الشخصية بما ذهب إليه الجمهور الفقهاء وإعتبره شرط صحة وفقا للمادة 33 منه، أما المشرع الجزائري فقد إعتبر الإشهاد على النكاح ركن من أركان عقد الزواج في المادة 9 من قانون الأسرة وتناول آثار تخلفه في المادتين 32 و 33 من نفس القانون، والإشهاد على الزواج يمكن تناوله في النقاط التالية:
المطلـب الأول: المقصود بالإشهاد في الـزواج
نتعرض تحت هذا العنوان إلى تعريف الإشهاد وحكمه وطبيعته القانونية وهي كالتالي:
الفـرع الأول: تعريف الإشهاد في الزواج
لم يعرف المشرع الجزائري الإشهاد في الزواج ويمكن تعريفه على أنه إخبار شخص بما رأى أو أدرك بأحد حواسسه، ويعد وسيلة من وسائل الإثبات والبينات عند حصول التناكر والتجاحد، ومن خلال هذا التعريف يمكن تحديد الحكمة من الإشهاد وطبيعته القانونية.
الفـرع الثانـي: حكمة الإشهـاد في الـزواج
لم يتطرق المشرع الجزائري إلى الحكمة من الإشهاد في الزواج وإعتباره ركن في العقد الذي ينشأه وهذا ما يستدعي لمعرفة الحكمة منه الرجوع إلى الفقه والذي حدد حكمة الإشهاد فيما يلي:
1- إخـراج النكاح من السرية:
والمقصود منه أنه يفصل بين الزواج والزنى، فالاشهاد يعلن الزواج وتزول الشبهة وسوء الضن ، فشأن الحلال إظهاره وشأن الحرام التستر عنه
2- تبيـان خطـورة الـزواج وأهميته:
للزواج أهمية ومزايا كبرى وآثار ذات خطورة كبيرة كالمصاهرة والنسب والترابط بين الأسر والأفراد وتكوين الأسر ولهذا إختص عقد الزواج بالشهادة.
3- التوثيف لأمر الزواج والإحتياط لإثباته عند الحاجة:
أي أن الإشهاد يصون الأنكحة من الجحود و يثبت النسب والحقوق و الواجبات الناشئة عن عقد الزواج.
الفـرع الثـالث: الطبيعة القانونيـة للإشهاد في عقد الزواج
إتفق الفقه على أن الشهادة في عقد الزواج هي شرط شكلي يدخل في إبرام عقد الزواج بعكس الشهادة في العقود الأخرى التى تكون فيها وسيلة إثبات فقط، وإشتراط الشهادة لكي يرتب عقد الزواج آثاره أو لصحته يجعل عقد الزواج شكلي لأن العقد الرضائي يكفي لصحته تراضي الطرفين فقط وهذا ما لا يتوافر في عقد الزواج (2) ولقد استقر القضاء الجزائري القديم على هذا الرأى.
المطلـب الثـانـي: شروط الشهود
نص المشرع الجزائري على الإشهاد في الزواج لكنه لم يحدد الشروط التى يجب أن تتوافر في الشهود حتى تصح شهادتهم وهذا ما يجعلنا ووفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة بالرجوع إلى الشروط التى حددها فقهاء الشريعة الإسلامية و أوجبوا توافرها في الشهود وهذا يعكس الذين يقولون بأنه يرجع في ذلك إلى قانون الحالة المدنية مخالفين بذلك ما نص عليه قانون الأسرة الذي أحال في حالة وجود نقص أو السهو فيه الرجوع إلى الشريعة الإسلامية، وفقهاء الشريعة الإسلامية هناك الشروط التى إتفقوا عليها وشروط لم يتفقوا عليها وهي كالتالي:
الفـرع الأول: الشروط المتفق عليها
وهــذه الشروط تتمثل فيمـايلـي:
1- العقـل: يجب أن يكون الشاهد عاقلا بإعتبار أن الغاية من الشهادة الإعلان والإثبات في حالة الجحود (3) وهذا ما لا يستطيع القيام به المجنون والقاصر الغير مميز.
الفـرع الثـانـي: شروط الشهود في الزواج الغير متفق عليها
وهذه الشروط هي :
1- ذكورة الشهود: إعتبرها جمهور الفقهاء المسلمين شرط صحة عقد الزواج، لاتصح شهادة الأنثى مستدلين على رأيهم هذا أنه جرت السنة على أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود و النكاح والطلاق (2) في حين الحنفية أجازت شهادة رجل وإمرأتي ، أما فيما يخص التطبيقات القضائية فإن القضاء الجزائري أخد بما ذهب إليه جمهور الفقهاء في إشتراطهم الذكورة في الشهود وهو ما جسد في القرار الصادر عن محكمة العليا بتاريخ 15 ديسمبر 1988 تحت رقم 43889 الذي جاء فيه '' … والشهادة المعتبرة في الزواج هي شهادة عدلين ذكرين ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية (3).
2- العـدالة: ذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أنه يشترط في الشهود العدالة حتى و لو كانت ظاهرة فقط في حين أبو حنيفة لم يشترطها والقضاء الجزائري من خلال القرار رقم 43889 المذكور أعلاه قد أخذ بما ذهب إليه الجمهور.
3- الحريـة: إشتراط جمهور الفقهاء المسلمين الحرية في الشهود وإعتبروا أن شهادة العبد غير صحيحة، وخالفهم في ذلك الحنابلة وأجازوا شهادة العبد مستدلين في ذلك بأنه لم يثبت في الكثاب والنسة أو الإجماع نفيها خصوصا إذا ما كان العبد عدلا و ثقة (4) وهذا الشرط لم يعد له محل في وقتنا الحالي بإعتبار العبودية قد زالت.
4- البصــر: هذا الشرط إشترطه الشافعية أما جمهور الفقهاء فلم يأخذوا به وتصح عندهم شهادة الأعمى لأنه ما يشرط لديهم فقط سماع كلام العاقدين وتمييز صوتهما (
5- قابلية الشهود للشهادة على الزوجيـن:
ذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أنه لا يشترط في الشهود ممن لا ترد شهادتهم للزوجين في الزواج، وهذا يعني يجوز أن يكون الشهود من الأقارب سواء الأصول أو الفروع أما الحنابلة فقد خالفوا هذا الرأي وقالوا بأنه لا تصح شهادة الأبناء على زواج أبويهم ولقد أخد القضاء الجزائر بما ذهب إليه المذهب الحنبلي ونجد كذلك ما نصت عليه المادة 64 فقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية (1) ومن بين القرارات القضائية المؤكدة لذلك نجد القرار رقم 84334 المؤرخ في 29 سبتمبر 1992 الصادر عن المحكمة العليا والذي جاء فيه " … من المقرر قانونا أنه يجوز سماع الاقارب بإستثناء الأبناء في الدعاوي الخاصة بمسائل الحالة والطلاق '' (2) .
المطلـب الثـانـي: شـروط الولـي
لم يحدد المشرع الجزائري الشروط التى يجب أن تتوافر في الولي ولهذا يجب الرجوع إلى ما حدده فقهاء الشريعة الإسلامية وفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة ويمكن تقسيم هذه الشروط إلى قسمين:
الفـرع الأول: الشروط المتفق على وجوب توفرها في الولي
إتفق الفقهاء المسلمين على شروط يجب أن تتوفر في الولي وهي كالتالي:
1- أن يكون الولي بالغا عاقلا حرا: يجب أن يكون الولي كامل الأهلية أي أن لا يكون فاقدا للأهلية ولا ناقصها
2- إتحـاد الدين بين الولي والمولى عليها: فإتحاد الدين تتفق المصلحة بين الولي والمولى عليها ويستثنى من هذه الشروط من له ولاية عامة القاضي والحاكم والمالك بالنسبة للأمة الكافرة.
الفـرع الثانـي: الشروط الغير متفق على وجوب توفرها في الولي
- الـذكـورة: ذهب جمهور الفقهاء إلى إشتراط الذكورة في الولي وخالفهم أبو حنيفة وأجاز للمرأة أن تكون ولي على الصغير والكبير فاقد الأهلية عند عدم وجود الأولياء الذكور وذهبت المالكية إلى إجازة ولاية المرأة في حالات استثنائية جدا وهي حالة ما إذا تعاق الأمر بوصية من الولي أو إذا كانت مالكة (1).
أما بخصوص ما ذهب إليه المشرع الجزائري فيما يخص هذا الشرط فحسب رأي الشخصي فإنه يتماشى أكثر مع الرأى الذي يشترط الذكورة في الولي و فقا لما ورد في المادة 11 من قانون الأسرة .
المطلب الثالث: الولي ووظيفته وفقا لما هو محدد في قانون الأسرة
بعـد أن حددت المادة 9 من قانون الأسرة بأن ولي الزوجة هو ركن من أركان جاءت المواد 11 و 12 و 13 لتحدد من هو الولي ووظيفته وحدود وظيفته، وبالتالي سأتطرق إلى هذه النقاط كمايلي:
الفـرع الأول: ولـي المـرأة في الـزواج
تنص المادة 11 على أن يتولى زواج المرأة وليها وهو أبوها فأحد أقاربها الأولين والقاضي ولي من ولي له من خلال هذه المادة تستنتج أنه المشرع جعل ولي المرأة في الزواج هو أبوها مطلقا بغض النظر أكان للمرأة إبن أم لا و بالتالي فهو قد نهج بما ذهب إليه الشافعية والحنابلة في جعلهم الولاية ابتداء للأب ولو كان لها ابن وذلك بخلاف ما ذهب إليه فقهاء المذهب المالكي وبعض الحنفية في تقديمهم الفروع على الأصول، وبما أن المادة 11 لما سبقت الأصول على الفروع إبتداءا من الأب ثم الأقربون قد كان قصد المشرع الجزائري الأخذ بما ذهبت اليه الشافعية والحنابلة في تقديمهم الأب ثم الأقربون وإن علوا ثم يأتي بذلك الإبن وإبن الإبن وإن نزلوا ولقد إستدلوا الذين سبقوا الأصول في الولاية على الفروع بقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل '' والإبن حسبهم لا ينطبق عليه اسم مولى (1) وهذا بعكس ما ذهب إليه البعض إلى القول بأن المشرع الجزائري قد أخد بما ذهب إليه المذهب المالكي (2) وإن لم يكن للمرأة ولي على الإطلاق تنتقل هذه الولاية إلى القاضي الذي يعتبر ولي من لا ولي له.
الفـرع الثـانـي: دور الولـي فـي الـزواج
لقد نصت المادتين 11 و 12 فقرة 02 على دور الولي في إبرام عقد الزواج فالولي هو الذي يتولي زواج المرأة وهذا يعني بتوافر رضا طرفي عقد الزواج يجب أن يرضى الولي بهذا الزواج ويقوم بنقل إرادة الزوجة خصوصا وإن حياء المرأة يمنعها من مناقشة أمور الزواج في مجلس العقد وبالتالي فهو الذي يقوم بهذه المهمة وهذا ما يتبين من خلال نص المادة 11، وهو ما عبر عنه الأستاد الغوثي بن ملحة بقوله تذخل الولي تفسره الآداب التى تمنع الفتاة
أو المرأة من منافستها مباشرة الرجل الذي يتقدم للزواج بها في شروط مستقبلهم الذي يجمعهم (3) وهذا ما يعني أنه إضافة إلى رضاه فهو بنقل إرادة موليته سواء كانت بكرا أم ثيب بالغة أم قاصرة.
أما الدور الثاني الذي يمكن أن نستشفه من خلال إطلاعنا على نص المادة 12 فقرة 2 فهو مقصور على الولي الأب ويستعمله فقط على إبنته البكر فقط وذلك بالتحري والحرص دائما على تحقيق مصلحة إبنته بحيث أن المادة 12 فقرة 02 تنص على مايلي '' غير أن للأب أن يمنـع بنته البكر من الزواج إذا كان في المنع مصلحة للبنت '' وهذ الفقرة الثانية جاءت موافقة لما يراه جمهور الفقهاء وخصوصا الأئمة الثلاث دون الحنفية بأن البنت البكر حتى وإن كانت بالغة عاقلة إلا أنها لا تعلم مصالح الزواج لأن علمها به متوقف على التجربة والممارسة وهذا ما يتحقق بالثيابة.
الفـرع الثالث: حـدود دور الولـي في إبرام عقد الزواج
لقد نص المشرع الجزائري في نص المادة 12 فقرة 1 والمادة 13 من قانون الأسرة على الحدود الموضوعة للصلاحيات الممنوحة للولي في تزويجه للتي هي تحت ولايته كما أنه حدد في المادة 12 فقرة 01 إلى من تؤول الولاية في حالة ثبوت تعسف الولي وقبل التطرق إلى موقف قانون الأسرة من هذه المسألة أرى أنه من الأفضل التطرق أولا لما ذهب إليه الفقهاء المسلمين فيها وهي كالتالي:
لقد إتفق الفقهاء على أن مسألة عضل الولي أي أن يمنع ويضلم مولينه إذا أراد أن يتزوجها كفىء بمهر المثل فإن منعها في هذه الحالة يعتبر عضلا وبالتالي يرفع عنها هذا الضلم عن طريق رفع الولاية على الولي وتتنقل مباشرة إلى القاضي ولا تتنقل إلى الولي الآخر الذي يليه (1) ويمكن من خلال إطلاعنا على قانون الأسرة و ما ذهب إليه القضاء فإن حدود دور الوالي في تزويج موليته نقسمه إلى نقطتين أساسيتين وهما:
أ – حدود سلطة الولي في منع موليته من الزواج ممن رغبت فيه:
وفقا لما ورد في نص المادة 12 فقرة 1 من قانون الأسرة بأنه لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته مع الزواج إذا رغبت فيه وكان أصلح لها وإذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 9 من هذا القانون '' فكما سبق ذكره فإن إشتراط الولي في عقد الزواج هو مصلحة المولى عليها وبالتالي أعطى له دور في زواج المولى عليها إلا أن هذا الدور المشرع الجزائري وضع له قيد بأن لا يستطيع الولي أي كان أن يمنع موليته من الزواج سواء كانت بكرا أم ثيبا فالمادة جاءت عامة ولم تميز لكنها جاءت غامضة فما هي المعايير لتحديد الزوج الأصلح و كلمة الأصلح لها معنى واسع والقضاء لم يحدد معناها دائما بل حدّد بعض الحالات التى يكون فيها الزوج أصلح للمولى عليها، وفي حالة ما إذا أثبتث البنت بأن الزوج أصلح لها ولا مبرر للمنع فيصبح هنا الأب متعسف في منعه إبنته وبالتالي يحق لهذه الأخيرة أن تلجأ مباشرة إلى القاضي دون أن تعود الولاية للذي يليه في الولاية، وهذا ما كرسته المحكمة العليا في قرارها الصادر في 30 مارس 1993 تحت رقم 90468 (2).
والمادة 12 فقرة 1 تطرح تساؤلا فيما يخص إحالتها الولاية إلى القاضي ولم تحدد من هو هذا القاضي، ونجد الإجابة على هذا التساؤل في التطبيقات القضائية التى إستقرت على أن القاضي المختص بمنح الإذن هو رئيس المحكمة، ولكن في رأيي الشخصي فإن القاضي المقصود في هذه المادة هو قاضي الموضوع لأن تقدير مصلحة المرأة التي تريد الزواج بالأصلح لها هي مسألة موضوعية ليست من إختصاص رئيس المحكمة، ونلاحظ حتى المشروع العربي الموحد للأحوال الشخصية قد منح للولي حق منع موليته من الزواج بغير الكفىء.
ب- حـدود دور الولـى بعـدم إجبـار موليتـه
ناقش فقهاء الشريعة الإسلامية هذه المسألة وذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن للولي على المولى عليها البكر البالغة ولاية إجبار أما الثيب فعليها ولاية إختيار وإستحباب أما الحنفية فتجعل ولاية الإستحباب والإختيار على البالغة سواءا كانت بكرا أم ثيبا لأن ولاية الإجبار مناطها نقص العقل أما الشرع الجزائري فلقد تناول المسألة في المادة 13 من قانون الأسرة وخالف ما ذهب إليه جمهور الفقهاء وأخد بالمذهب الحنفي بحيث نص على عدم جوازية إجبار الولي لموليته على الزواج ولا تزويجها بدون موافقتها دون أن يميز بين البكر والثيب، وعليه فسلطة الولي محدودة و يجب أن يأخد برأي موليته.
إضافة إلى ما سبق فإن المادة 13 من قانون الأسرة لا تميز بين البنت البالغة لسن الزواج أي 18 سنة وبين من لم تلبغ والتي تحصلت على إذن بالزواج من القاضي، وبالتالي فالمشرع هنا قد خالف رأي الفقهاء المسلمين واستغني على ولاية الإجبار على القاصرة و حسنا ما فعل.
المطلـب الرابع: أثـر تخلف ركـن الولـي
ونتعرض إلى أثر تخلف ركن الولي في عقد الزواج في نقطتين أساسيتين هما كالتالي:
الفـرع الأول: موقف فقهاء الشريعة الإسلامية في حالة تخلف الولـي
لقد رتب جمهور الفقهاء المسلمين على تخلف ركن الولي عدم صحة العقد وبالتالي يكون باطل مستدلين في ذلك بالحديث النبوي الشريف '' أيما إمرأة نكحت بغير وليها فنكاحها باطل قالها ثلاث'' (1) أما الحنفية ترى بأنه إذا زوجت الحرة البالغة نفسها بدون إذن وليها سواء كانت ثيبا أو بكرا فزواجها صحيح ونافذ ولازم متى كان القرين كفىء وبمهر المثل، ولا عبرة لرضا أو عدم رضا الولي، ويذهب نفر من الحنفية إلى أن الزواج يكون صحيحا ولا يكون نافذا إلا إذا أجازه الولي.
الفـرع الثانـي: أثر تخلف ركن الولي في قانون الأسرة
لقد نص قانون الأسرة على أثر تخلف الولي في عقد الزواج في نص المادتين 32 و 33 منه والتى يمكن تقسيمها إلى ثلاث حالات:
أ- في حالة ما إذا تخلف ركن الولي و تم إكتشافه قبل الدخول فإن نص المادة 32 و 33 قد حددت بأنه يفسخ العقد ولا تستحق الزوجة الصداق.
ب – في حالة ما إذا تخلف ركن الولي ولم يتم إكتشافه أو لم يثار هذا الخلف إلا بعد الدخول فهنا وفقا لنص المادة 33 الزواج يثبت بصداق المثل، ويرتب أثار العقد الصحيح.
ج – في حالة ما إذا تخلف ركن الولي مع أحد الأركان الثلاثة الرضا، الصداق، الشاهدين، فالعقد يكون في هذه الحالة باطل سواءا كان ذلك قبل الدخول أو بعد الدخول ولا يمكن إثباته وهذه المسألة مكرسة في التطبيقات الفضائيـة وفقا لما جـاء في قرار المحكمة العليـا المؤرخ في 02 جانفـي 1989 تحت رقم 51107 الذي جـاء فيه " … و من المقرر أيضا أنه إذا إختل ركنان من أركان عقد الزواج غير الرضا يبطل الزواج ... الخ '' (1) .
المبحـث الثالـث: ركن الإشهاد في عقد الزواج وأثر تخلفه
لقد تناول فقهاء الشريعة الإسلامية الإشهاد على الزواج بالتدقيق وذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى إعتباره شرط صحة عقد الزواج وإذا تخلف كان العقد غير صحيح أما المذهب المالكي يري بأن الإشهاد على النكاح ليست بفرض ويكفي لصحته إعلانه وشهرته فإذا حصلت الشهادة وقت العقد كان صحيحا نافذا أما إذا لم تتحقق فيكون العقد موقوف النفاذ (2) وبالتالي فالإشهاد على الزواج هو شرط نفاذ، وأخذ المشروع العربي الموحد للأحوال الشخصية بما ذهب إليه الجمهور الفقهاء وإعتبره شرط صحة وفقا للمادة 33 منه، أما المشرع الجزائري فقد إعتبر الإشهاد على النكاح ركن من أركان عقد الزواج في المادة 9 من قانون الأسرة وتناول آثار تخلفه في المادتين 32 و 33 من نفس القانون، والإشهاد على الزواج يمكن تناوله في النقاط التالية:
المطلـب الأول: المقصود بالإشهاد في الـزواج
نتعرض تحت هذا العنوان إلى تعريف الإشهاد وحكمه وطبيعته القانونية وهي كالتالي:
الفـرع الأول: تعريف الإشهاد في الزواج
لم يعرف المشرع الجزائري الإشهاد في الزواج ويمكن تعريفه على أنه إخبار شخص بما رأى أو أدرك بأحد حواسسه، ويعد وسيلة من وسائل الإثبات والبينات عند حصول التناكر والتجاحد، ومن خلال هذا التعريف يمكن تحديد الحكمة من الإشهاد وطبيعته القانونية.
الفـرع الثانـي: حكمة الإشهـاد في الـزواج
لم يتطرق المشرع الجزائري إلى الحكمة من الإشهاد في الزواج وإعتباره ركن في العقد الذي ينشأه وهذا ما يستدعي لمعرفة الحكمة منه الرجوع إلى الفقه والذي حدد حكمة الإشهاد فيما يلي:
1- إخـراج النكاح من السرية:
والمقصود منه أنه يفصل بين الزواج والزنى، فالاشهاد يعلن الزواج وتزول الشبهة وسوء الضن ، فشأن الحلال إظهاره وشأن الحرام التستر عنه
2- تبيـان خطـورة الـزواج وأهميته:
للزواج أهمية ومزايا كبرى وآثار ذات خطورة كبيرة كالمصاهرة والنسب والترابط بين الأسر والأفراد وتكوين الأسر ولهذا إختص عقد الزواج بالشهادة.
3- التوثيف لأمر الزواج والإحتياط لإثباته عند الحاجة:
أي أن الإشهاد يصون الأنكحة من الجحود و يثبت النسب والحقوق و الواجبات الناشئة عن عقد الزواج.
الفـرع الثـالث: الطبيعة القانونيـة للإشهاد في عقد الزواج
إتفق الفقه على أن الشهادة في عقد الزواج هي شرط شكلي يدخل في إبرام عقد الزواج بعكس الشهادة في العقود الأخرى التى تكون فيها وسيلة إثبات فقط، وإشتراط الشهادة لكي يرتب عقد الزواج آثاره أو لصحته يجعل عقد الزواج شكلي لأن العقد الرضائي يكفي لصحته تراضي الطرفين فقط وهذا ما لا يتوافر في عقد الزواج (2) ولقد استقر القضاء الجزائري القديم على هذا الرأى.
المطلـب الثـانـي: شروط الشهود
نص المشرع الجزائري على الإشهاد في الزواج لكنه لم يحدد الشروط التى يجب أن تتوافر في الشهود حتى تصح شهادتهم وهذا ما يجعلنا ووفقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة بالرجوع إلى الشروط التى حددها فقهاء الشريعة الإسلامية و أوجبوا توافرها في الشهود وهذا يعكس الذين يقولون بأنه يرجع في ذلك إلى قانون الحالة المدنية مخالفين بذلك ما نص عليه قانون الأسرة الذي أحال في حالة وجود نقص أو السهو فيه الرجوع إلى الشريعة الإسلامية، وفقهاء الشريعة الإسلامية هناك الشروط التى إتفقوا عليها وشروط لم يتفقوا عليها وهي كالتالي:
الفـرع الأول: الشروط المتفق عليها
وهــذه الشروط تتمثل فيمـايلـي:
1- العقـل: يجب أن يكون الشاهد عاقلا بإعتبار أن الغاية من الشهادة الإعلان والإثبات في حالة الجحود (3) وهذا ما لا يستطيع القيام به المجنون والقاصر الغير مميز.
الفـرع الثـانـي: شروط الشهود في الزواج الغير متفق عليها
وهذه الشروط هي :
1- ذكورة الشهود: إعتبرها جمهور الفقهاء المسلمين شرط صحة عقد الزواج، لاتصح شهادة الأنثى مستدلين على رأيهم هذا أنه جرت السنة على أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود و النكاح والطلاق (2) في حين الحنفية أجازت شهادة رجل وإمرأتي ، أما فيما يخص التطبيقات القضائية فإن القضاء الجزائري أخد بما ذهب إليه جمهور الفقهاء في إشتراطهم الذكورة في الشهود وهو ما جسد في القرار الصادر عن محكمة العليا بتاريخ 15 ديسمبر 1988 تحت رقم 43889 الذي جاء فيه '' … والشهادة المعتبرة في الزواج هي شهادة عدلين ذكرين ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية (3).
2- العـدالة: ذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أنه يشترط في الشهود العدالة حتى و لو كانت ظاهرة فقط في حين أبو حنيفة لم يشترطها والقضاء الجزائري من خلال القرار رقم 43889 المذكور أعلاه قد أخذ بما ذهب إليه الجمهور.
3- الحريـة: إشتراط جمهور الفقهاء المسلمين الحرية في الشهود وإعتبروا أن شهادة العبد غير صحيحة، وخالفهم في ذلك الحنابلة وأجازوا شهادة العبد مستدلين في ذلك بأنه لم يثبت في الكثاب والنسة أو الإجماع نفيها خصوصا إذا ما كان العبد عدلا و ثقة (4) وهذا الشرط لم يعد له محل في وقتنا الحالي بإعتبار العبودية قد زالت.
4- البصــر: هذا الشرط إشترطه الشافعية أما جمهور الفقهاء فلم يأخذوا به وتصح عندهم شهادة الأعمى لأنه ما يشرط لديهم فقط سماع كلام العاقدين وتمييز صوتهما (
5- قابلية الشهود للشهادة على الزوجيـن:
ذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أنه لا يشترط في الشهود ممن لا ترد شهادتهم للزوجين في الزواج، وهذا يعني يجوز أن يكون الشهود من الأقارب سواء الأصول أو الفروع أما الحنابلة فقد خالفوا هذا الرأي وقالوا بأنه لا تصح شهادة الأبناء على زواج أبويهم ولقد أخد القضاء الجزائر بما ذهب إليه المذهب الحنبلي ونجد كذلك ما نصت عليه المادة 64 فقرة 3 من قانون الإجراءات المدنية (1) ومن بين القرارات القضائية المؤكدة لذلك نجد القرار رقم 84334 المؤرخ في 29 سبتمبر 1992 الصادر عن المحكمة العليا والذي جاء فيه " … من المقرر قانونا أنه يجوز سماع الاقارب بإستثناء الأبناء في الدعاوي الخاصة بمسائل الحالة والطلاق '' (2) .
لقد قمت بنقل هذا الموضوع و الذي مازال فيه الكثير فارتايت ان انقله لكم عسي ان ينفعكم و شكرا.
قالوا بعدم صحة الزواج الذي يتم بالألفاظ المذكورة أعلاه، وما يلاحظ في إشتراط الفقهاء الألفاظ التى يتم بها عقد الزواج أنها تشترط فقط أن يستعملها الموجب في إيجابه أما القابل فلا تشترط فيه وإنما يكفيه أن يقول قبلت أو رفضت، وأنه وفقا لما جرت عليه العادة والعرف في الجزائر أنه يعمل بما ذهب إليه المذهب المالكي والحنفي فجرت العادة أن يقول الموجب جئت أطلب بنتك مثلا فيقول القابل إني أعطيتك.
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسـام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن
تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسـام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن
تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور
قالوا بعدم صحة الزواج الذي يتم بالألفاظ المذكورة أعلاه، وما يلاحظ في إشتراط الفقهاء الألفاظ التى يتم بها عقد الزواج أنها تشترط فقط أن يستعملها الموجب في إيجابه أما القابل فلا تشترط فيه وإنما يكفيه أن يقول قبلت أو رفضت، وأنه وفقا لما جرت عليه العادة والعرف في الجزائر أنه يعمل بما ذهب إليه المذهب المالكي والحنفي فجرت العادة أن يقول الموجب جئت أطلب بنتك مثلا فيقول القابل إني أعطيتك.
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسـام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن
تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسـام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن
تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور
قالوا بعدم صحة الزواج الذي يتم بالألفاظ المذكورة أعلاه، وما يلاحظ في إشتراط الفقهاء الألفاظ التى يتم بها عقد الزواج أنها تشترط فقط أن يستعملها الموجب في إيجابه أما القابل فلا تشترط فيه وإنما يكفيه أن يقول قبلت أو رفضت، وأنه وفقا لما جرت عليه العادة والعرف في الجزائر أنه يعمل بما ذهب إليه المذهب المالكي والحنفي فجرت العادة أن يقول الموجب جئت أطلب بنتك مثلا فيقول القابل إني أعطيتك.
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسـام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن
تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور
الفـرع الثانـي: لغـة إبـرام عقد الـزواج
كما سبقت الإشارة إليه فإن المشرع الجزائري في قانون الأسرة لم ينص إطلاقا على اللغة التى يجب أن يبرم بها عقد الزواج بل إكتفى فقط بذكر كل لفظ يفيد معنى النكاح شرعا، في حين نجد أن جمهور الفقهاء المسلمين متفقين على جواز عقد القران بغير اللغة العربية مستدلين في رأيهم على أن العقود تقوم على المعاني لا على الألفاظ والمياني ، وان الزواج ليس أمر تعبدي حتى يجب تعلم أركانه باللغة العربية، وذهب أصحاب المذهب الشافعي والشيمة إلى أنه لا يصح إبرام عقد الزواج بغير اللغة العربية إذا كان العاقد يفهمها وينطق بها ويجوز لمن لا يستطيع النطق بها بأن يعقد بغير اللغة العربية وبما أنه عاجز عنها فإنها تسقط عنه (1) ، وما يلاحظ على ما ذهب إليه المشرع الجزائري في عدم تحديده للغة التى يتم بها العقد هو أنه أخذ بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وهو موقف وفق فيه حسب رأيي وذلك حتى لا يصعب على من أراد الزواج، لأنه إن إشترط لغة معينة فإنه يتوجب على الذي لا ينطق بها يثبت ذلك.
الفـرع الثالـث: صيغـة الفعـل
لم يحدد المشرع الجزائري صيغة الفعل التى يعبر بها عند الإيجاب والقبول وهو ما يتركنا نرجع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية لتحديد هذه المسألة، ولقد إشترط الفقهاء المسلمين لصحة الإيجاب والقبول أن تكون الأفعال المعبر بها مصرفة كالاتي:
- أن يكون كل من الألفاظ المعبر بها في الإيجاب والقبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة الأمر يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المضارع يكون القبول بصيغة الماضي.
- إذا كان الإيجاب بصيغة المستقبل يكون القبول بصيغة الماضي.
وإشتراط الفقهاء المسلمين صيغة الماضي لأنها تفيذ دلالة قطعية على رضا الطرفين ويكون بالتالي الإيجاب والقبول منجزين غير معلقين إلى المستقبل (2).
المطلب الثالث: إنعقاد الزواج بغير الكلام
تناول المشرع الجزائري إنعقاد الزواج بغير الكلام في المادة 10 من قانون الأسرة الفقرة الثانية (3) وإقتصر في هذه الفقرة على النص على حالة الشخص العاجز عن الكلام أو الكتابة ولم يتطرق إلى الزواج عن طريق الرسالة أو الرسول وهذا ما يجعلنا عند التطرق لهذه النقطة الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية كما أن المشرع الجزائري لم يتطرق إلى الإيجاب والقبول الذي يتم بكلمة واحدة ونستعرض لهذه المسالة في النقاط التالية:
الفـرع الأول: التعبير الإيجاب والقبول من طرف العاجز عن الكلام
قد يتعذر على أحد المتعاقدين أن يعبر عن إرادته في الزواج لعائق فيه كالأخرس والأبكم ولهذا إتفق جمهور الفقهاء المسلمين على أنه إذا كان العاقدين أو أحدهما يعجز عن التعبير وكان يحسن الكتابة فإنه يعبر عن إرادته بواسطة هذه الأخيرة لأنها طريقة تعبير أكثر بيانا من الإشارة في حين نجد المذهب الحنفي إنقسم إلى إتجاهين إتجاه قال بما ذهب إليه جمهور الفقهاء وذلك بعدم الجواز للشخص أن يعقد بالإشارة إذا كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة، أما الإتجاه الثاني حسب رواية الجامع الصغير فإنه يجوز أن يعقد بالإشارة حتى ولو كان بإمكانه أن يعقد بالكتابة (1).
وما يلاحظ على المشرع الجزائري وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة العاشرة السابقة الذكر فإنها أخدت بالرواية الثانية عن المذهب الحنفي أي بإمكان الشخص أن يعقد بالإشارة رغم مقدرته على التعبير بالكتابة بإعتبار الفقرة الثانية لم تأتي بالترتيب وإنما أعطت للمتعاقد الإختيار التام بحيث العبارة جاءت كما يلي '' … كالكتابـة أو الإشارة '' وهذا الموقف الذي إتخذه المشرع الجزائري منتقد بإعتبار أن الكتابة فعلا هي الأكثر تعبيرا وبيانا من الإشارة، وهذا على عكس بعض الذين قالوا بأن قانون الأسرة يشترط الترتيب.
الفـرع الثانـي: التعبير عن الإيجاب و القبول عن طريق الرسول والمراسلة
لم ينص المشرع الجزائري على التعبير عن الرضا عن طريق الرسول أو المراسلة (المكاتبة) أي إذا لم يحضر أحد العاقدين مجلس العقد وهذا ما يجعلنا نطبق نص المادة 222 من قانون الأسرة ورجع إلى ما ذهب إليه الفقهاء المسلمين الذين أجازوا الزواج عن طريق الرسول أو المراسلة المكتوبة واتفقوا على أن من لا يستطيع حضور مجلس العقد لغيابه مثلا فله أن يعبر عن إرادته في إبرام عقد الزواج بالمكاتبة أو عن طريق الرسول، ولكنهم إشترطوا حضور شهود يعلمون مضمون قول أو كتاب الموجب وكذا رد القابل عن طريق القول أو المكاتبة.
الفـرع الثالـث: التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة
يقصد بالتعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو العقد الذي يباشره شخص واحد، وهذه الحالة لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون الأسرة، أما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد خاضوا فيها واختلفوا في الحكم الذي تأخذه، فهناك من الفقهاء المسلمين الذين يجيزون العقد بكلمة واحدة وهم الغالبية في المذهب الحنفي والشافعي، فالحنفية تشترط لكي يصح العقد الذي يباشره شخص واحد أن يكون مباشرا من طرف الولي على الطرفين أو وكيلا عن الطرقين أو رسولا عنها أو أصيلا من جانب وولي من جهة، أو وكيلا من جهة وولي من جهة أخرى أو أصيلا من جانب ووكيلا من جانب آخر، في حين هناك زفر من الحنفية من لا يجيز على الإطلاق التعبير عن الإيجاب والقبول بكلمة واحدة أما الشافعية فقد أجازتها لكن بشرط وهو أنها لا تجوز إلا إذا كان الشخص الذي يباشر الإيجاب والقبول بكلمة واحدة هو ولي عن الطرفين كالجـد على الحفيدين (2) ، وأجازت المالكية والحنابلة ما ذهب إليه أبو حنيفة في إجازتهم للعقد الذي يتم بواسطة كلمة واحدة وما يمكن قوله أنه رغم
المطلب الرابع: شروط صحة الارادة في عقد الزواج
يشترط الفقهاء لصحة الإرادة في عقد الزواج أن تكون جدية، واعية وحرة أي غير مشوبة بالإكراه وعيوب الرضا، وغير مقيدة بشرط ولا أجل و مؤبدة.
الفـرع الأول: الإرادة الجدية والواعية Volontee Consiente Et Serieuse
يقصد بالإرادة الواعية هي أن لا يكون المتعاقد فاقد لوعيه كالمجنون أو لانعدام الأهلية كالصغر أما الإرادة الجدية فهي تلك الإرادة التي تؤدي إلى إبرام عقد الزواج صحيحا بعكس الإرادة الهازلة أو الصورية التي لا تنسجم مع الطبيعة الخاصة لعقد الزواج.
الفـرع الثانـي: الإرادة الخالية من عيوب الرضا
لم يتعرض المشرع الجزائري في قانون الأسرة لعيوب الإرادة بالتفصيل و كذا عدم خوض فقهاء الشريعة الإسلامية كثيرا في هذه المسألة نلجأ كما يري البعض إلى القواعد العامة في القانون المدني المادة 82/2 والمواد من 86 إلى 88 (1) وعموما العيوب التى تشوب الإرادة في عقد الزواج هي الإكراه والغلط أما التدليس فيكون بدرجة أقل وتتعرض لهذه العيوب الثلاثة كمايلي:
أ- الإكــراه: يقصد به بأنه كل ضغط مادي أو معنوي يولّد في نفس الشخص رهبة تدفعه إلى التعاقد، فالإكراه بجانبيه المادي والمعنوى يمس بقاعدة حرية الإرادة في إبرام العقود، وما يشترط في الإكراه هو أن يكون الدافع الذي دفع بأحد المتعاقدين إلى إبرام عقد الزواج، والمذاهب الفقهية تناولت هذه المسألة وإعتبرت عقد الزواج الذي تم تحت الإكراه باطل بإستثناء بعض الآراء الشاذة وإن ما يقال على إجازة جمهور الفقهاء للولي أن يجبر بنته القاصرة على الزواج هو محدود ولا يصل إلى غاية الإكراه وهو أن يراعي رغبتها في الزواج، والمشرع الجزائري في نص المادة 13 من قانون الأسرة منع الولي من إجبار موليته على الزواج دون رضاها وأن السلطة في منع بنته البكر من الزواج فقد وضع لها المشرع حدود وهو مراعاة مصلحتها وفي حالة تعسفه أعطى للبنت حق اللجوء إلى القاضي الذي يعين لها ولي للتـزوج.
ب- الغـلــط: ويعرف الغلط بأنه وهم يقوم في ذهن الشخص يحمله على إعتقاد غير الواقع (2) ويشترط في الغلط كي يكون عيب في الإرادة المبرمة لعقد الزواج أن يكون متعلقا بالشخص أو في صفة من صفاته الأساسية التي هي محل إعتبار في التراضي ( 3).
ج - التدليس: ويعرف التدليس بأنه إستعمال الحيلة بقصد إيقاع المتعاقد في غلط يحمله على التعاقد وهو عيب غير هام في إبرام عقد الزواج وكمثال على ذلك أن الشخص الذي يريد إبرام عقد لا يصرح بحالته العائلية السابقة وهو متزوج وله أولاد فهنا قد دلس الطرف الذي تعاقد معه وبالتالي فإرادة الطرف الثاني معيبة.
الفـرع الثالـث: الإرادة الغير المقيدة بشرط ولا بأجل
ويقصد بالإرادة المقيدة بشرط أو أجل هي تعليق عقد الزواج على تحقق شروط ما أو إضافته إلى زمن مستقبل وهي معطيات تتخالف ولا تتفق مع طبيعة عقد الزواج الذي يجب أن يكون الإيجاب والقبول فيه قطعي لا إحتمالي أي أن يؤدي إلى إنشاء عقد الزواج في الحال وبصفة فورية بإعتباره منجز وأحكامه لا تتراخى عن أسبابه وذلك وفقا لنص المادة التاسعة من قانون الأسرة.
ويجيز المذهب المالكي إضافة عقد الزواج إلى المستقبل بشرطين فقط وهما أن يكون العاقد أب في مرض الموت وإضافة أثر العقد إلى ما بعد وفاته وبالتالي تصبح وصية بالزواج (1)، هذا فيما يخص التعليق على الشروط والإضافة إلى الزمان المستقبل أما فيما يخص الشروط المقترنة بعقد الزواج فقد أجازها المشرع الجزائري في نص المادة 35 من قانون الأسرة وتكون نافذة في حق كل من الزوجين متى كانت لا تتنافى مع عقد الزواج وإذا كانت تتنافى مع هذا الأخير فهي باطلة وعقد الزواج يكون صحيح.
الفـرع الرابـع: أن تكون إرادة الزوجين مؤبدة
لقد إشترط الفقهاء المسلمين أن تكون صيغة عقد الزواج مؤبدة غير مؤقتة ولا مقترنة بما يدل على التأقيت لأن مقتضى عقد الزواج هو التأبيد، وعليه فإن عقد الزواج المؤقت وعقد زواج المتعة غير جائزين عند الفقهاء المسلمين ويقع تحت طائلة البطلان بإستثناء زفر من الحنفية الذين يحيزون الزواج المؤقت ويبطلون زواج المتعة، أما الشيعة الإمامية فلا يميزون بين الزواج المؤقت وزواج المتعة ويحلونهما ( 2).
المطلب الخامـس: أثـر تخلف ركن الرضـا
نتعرض لهذه النقطة في فرعين أساسيين هما :
الفـرع الأول: أثر تخلف ركن الرضا في الشريعة الإسلامية
يذهب جمهور الفقهاء المسلمين إلى أن تخلف ركن الرضا في عقد الزواج يجعله باطلا ومنعدما لما أصابه من خلل، ولم يرتبوا عليه أية آثار، ولم يحلون به الدخول، وإذا تم الدخول فلقد إتفق على وجوب التفريق بين الزوجين ويعتبرونه زنى، لكن أختلف حول وجوب إقامة حد الزنى عليهما، فالمالكية والشافعية والحنابلة وأبو يوسف يقولون بإقامته في حين الحنفية ترى بأن الزواج الباطل في حد ذاته شبهة تدرأ الحدود، ولكن هذا لا يمنع من إنزال عقوبة التعزير عليهمـا (3) ومن المتفق عليه أيضا أنه لا يثبت المهر ولا النفقة ولا الطاعة كما أنه لا يرد الطلاق، أما النسب فقد أختلف فيه فالجمهور يرى بعدم ثبوته على عكس الحنفية التي قالت بثبوته.
الفـرع الثـانـي: أثر تخلف ركن الرضا في قانون الأسرة
تناول المشرع الجزائري أثر تخلف ركن الرضا في نص المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة والتى يمكن التطرق اليها كمايلي:
أ – الحـالـة التـى رتـب عليهـا فسـخ عقـد الـزواج
تنص المادة 32 من قانون الأسرة على أنه '' يفسخ النكاح إذا إختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافي مع العقد … '' وبما أن المشرع رتب على تخلف ركن الرضا الفسخ سواء قبل الدخول أو بعده فإنه يترتب عليه الآثار التالية: ثبوت النسب، حرمة المصاهرة، وجوب العدة، نفقة العدة.
ب – الحالـة التي يترتب عليهـا بطـلان عقـد الـزواج
تنص المادة 33 من قانون الأسرة على هذه الحالة وهي أنه يترتب البطلان إذا ما تخلف ركن الرضا وركن آخر سواء الشاهدين، الصداق، الولي وبالتلي فهو منعدم ولا ينتج عنه أي أثر، ويذهب بعض من الفقه إلى أن المشرع الجزائري موقفه يتماشى وموقف الحنفية التي تقول أن النسب يثبت بالزواج الباطل وذلك وفقا لمبدأ إحياء الولد لأن هذا الأخير لا ذنب له وهو ضخية وبالتالي فمن غير المعقول تحميله جزاء عمل لم يقم به خصوصا وأن نص المادة 40 من قانون الأسرة تجيز إثبات النسب بالإقرار، لكن ما ينتقد عليه المشرع الجزائري عند تناوله لأثر تخلف ركن الرضا في المادتين 32 و 33 من قانون الأسرة إستعماله مصطلحين الفسخ و البطلان وهذا ما يعني أنه أخد بالمذهب الحنفي الذى يفرق بين العقد الفاسد والباطل وتخلف ركن من أركان عقد الزواج يرتب البطلان أما نخلف شرط من شروط الإنعقاد يؤدى إلى الفسخ في حين المشرع الجزائري قد أخلط في حالة تخلف الركن ورتب على تخلف ركن واحد الفسخ وفي حالة تخلف ركنين رتب البطلان وبالتالي خالف المذهب الحنفي الذي كان قد أخد بتقسيمه لحالات فساد الزواج، وكذا يؤخذ على المشرع الجزائري أنه خالف المبادىء العامة للقانون وهي أنه إذا تخلف ركن من أركان عقد الزواج يترتب عليه بطلان العقد في حين هو رتب عليه الفسخ بإستثناء في حالة تخلف ركنين رتب عليه البطلان، كما يؤخد على المشرع الجزائري أنه لم يكن واضحا في نص المادة 33 من قانون الأسرة لما ربط تخلف ركنين في عقد الزواج لكي يترتب بطلان عقد الزواج، فالسؤال المطروح هل تخلف ركن الرضا بدخل ضمن الركنين المنصوص عليهما في المادة 33 الذين إن تخلفوا ترتب بطلان العقد أم لا خصوصا وأن نص المادة 33 لم تذكر ركن الرضا ضمن تلك الأركان في مبناها باللغة العربية ولكن لو رجعنا إليها كما هي مكتوبة باللغة الفرنسية لوجدناها تنطبق على ركن الرضا، والأجدر كما سبق ذكره أعلاه أن نطبق عليه قاعدة بطلان عقد الزواج في حالة ما إذا تخلف الرضا مع أحد أركان عقد الزواج المحددة في المادة 33.
المبحـث الثانـي: ركن الولاية في عقد الـزواج وأثر تخلفـه
أخد المشرع الجزائري بما ذهب إليه المذهب المالكي وأعتبر الولي على الزوجة ركن من أركان عقد الزواج ونظم هذا الركن في المواد 09 – 11 – 12 – 13 – 32 – 33 من قانون الأسرة وسنتعرض لهذا الركن في النقاط التالية:
المطلـب الأول: تعريف الولايـة وأقسامها ودليل شرعيتها
المشرع الجزائري لم يعرف الولاية في الزواج ولم يحدد أقسامها ولا دليل شرعيتها وهذا ما يؤدي بنا إلى الرجوع إلى ما ذهب إليه فقهاء الشريعة الإسلامية.
الفـرع الأول: تعريـف الولايـة
ونتعرض إلى تعريف الولايـة لغة وإصطلاحا
أ- الولايـة لغـة: هي سلطة يملكها المرء على شيء من الأشياء ومنها أخذت كلمة الوالي الذي له سلطة ونفوذ على قطر معين (1).
ب- الولايـة إصطلاحا: ويقصد بها الفقهاء " تنفيذ القول على الغير والإشراف على شؤونه" (2) ويعرفها الإمام أبو زهرة بأنها "القدرة على إنشاء عقد الزواج نافذا من غير الحاجة إلى إجازة من أحد" (3).
الفـرع الثـانـي: أقسـام الولايـة فـي الـزواج
يقسم الفقهاء الولاية في الزواج إلى قسمبن ولاية إختيار و ولاية إجبار.
أ – ولايـة الإجبـار: وهي الولاية الكاملة لأن الولي يقوم بإنشاء عقد الزواج دون أن يشاركه فيه أحد وهي تثبت كما إتفق عليه جمهور الفقهاء على الصغير و الصغيرة والمجنون و المجنونة وزاد على ذلك الشافعي والإمام مالك وأحمد بن حنبل على أن البكر حتى ولو كانت بالغة فتكون عليها ولاية الإجبار مادامت لا تزال يكرا أما لمن تثبت هذه الولاية فقد اختلفوا فيها، فالحنفية ترى بأنه تثبت للعصبة وذوي الأرحام أما الشافعي فقد ثبتها للأب أو للوصي الذي جعل له الأب ولاية الزواج وهذا ما ذهب إليه أحمد إلا أن الوصي إشترط أن يكون الأب قد حدد الزوج (4) .
ب- ولايـة الإختيار (الإستحباب): وهي الولاية التى تثبت على المرأة البالغة، العاقلة الثيب لما ذهب إليه الجمهور في حين الحنفية ذهبت إلى أن المرأة البالغة الراشدة العاقلة لاولاية عليها وتبرم عقد زواجها بنفسها وبعباراتها ويستحب أن يتولى وليها ذلك فقط وأن يكون راضيا بذلك وإستبدلت الولاية بشرطين يجب أن
تراعيهما الفتاة البالغة العاقلة التى تريد التزوج وهما الكفاءة ومهر المثل وأعطى للولي حق المطالبة بفسخ العقد إذا تزوجت الفتاة بمن هو غير كفىء لها وإذا كان العقد بأقل من مهر المثل جاز له المطالبة برفع المهر إلى غاية مهر المثل وإلا طالب بفسخ العقد.
الفـرع الثـالث: دليـل شرعيـة الولايـة في الـزواج
يستدل جمهور الفقهاء على وجوب الولاية في الزواج بآيات وأحاديث كثيرة منها قوله تعالى في الآية 282 من سورة البقرة '' وأنكحوا الأيامى منكم … " وقوله تعالى في الآية 230 من سورة البقرة '' ولا تنكحو المشركين حتى يؤمنوا '' وقول الرسول صلى الله عليه وسلم '' لا نكاح إلا بولي '' وكذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم '' أيما إمرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل، باطل، باطل وإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن إشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له '' وروي عن أبو هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال '' لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها، فإن الزانية هي التى تزوج نفسها '' هذه الأدلة التى أتى بها جمهور