فيما اعتبر أكبر صفقة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة ، أبلغت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الأربعاء الموافق 20 أكتوبر الكونجرس الأمريكي بتفاصيل صفقة ضخمة لبيع أسلحة إلى المملكة العربية السعودية تقدر قيمتها بـ 60 مليار دولار وتنفذ على عدة مراحل. ورغم إعلان وزارة الخارجية الأمريكية أن الهدف من الصفقة هو تدعيم العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة وتعزيز قدرة المملكة على مواجهة التهديدات وتمكينها من حماية منشآتها النفطية التي تعد رافدا مهما للاقتصاد الأمريكي ، إلا أن هناك من أشار إلى أن الصفقة تحمل رسالة واضحة لطهران بأن واشنطن تعزز الدفاعات الإقليمية لحلفائها لمواجهة تداعيات أي ضربة عسكرية محتملة لإيران ، هذا بالإضافة للأمر الأهم وهو أن أوباما يعول على تلك الصفقة لرفع شعبيته المتدهورة قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر المقبل . فتوقيت الإعلان عن الصفقة ، التي تتضمن تزويد السعودية بـ 84 طائرة مقاتلة من طراز "بوينج إف 15" وتجديد وصيانة 70 طائرة أخرى من نفس الطراز إلى جانب 70 مروحية "أ****ي" و72 "بلاك هوك" و36 طائرة "لتل بيرد " ، لا يخلو من مغزى واضح ، حيث أنه جاء بعد أن أظهرت آخر استطلاعات الرأي أن شعبية أوباما في أدنى مستوى لها ، ولذا سارع لإتمام أكبر صفقة أسلحة في التاريخ لتوفير الآلاف من فرص العمل للقطاع الصناعي الأمريكي وبالتالي التخفيف من وطأة الأزمة المالية ورفع شعبية الديمقراطيين قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس . ورغم تحفظ اللوبي الصهيوني على الصفقة ، إلا أن الأغلبية التي يتمتع بها أوباما في الكونجرس حاليا من شأنها أن تسمح بتمريرها ، فمعروف أنه أمام الكونجرس 30 يوما للتقدم بأي اعتراض على الصفقة التي يمكن أن تولد أكثر من 75 ألف فرصة عمل ، ويبدو أن أوباما أعد مبكرا العدة لإجهاض اعتراضات حلفاء إسرائيل في الكونجرس عبر اتفاق وزير الدفاع الأمريكي روبرت جيتس ونظيره الإسرائيلي إيهود باراك على الحد من قدرة طائرات "إف-15 " التي تتضمنها الصفقة على ضرب أهداف بعيدة حتى لا تشكل خطرا على إسرائيل. أيضا ، فإن أوباما وإن كان سيستفيد سريعا من الصفقة ، إلا أن السعودية مازال أمامها وقت طويل قبل أن تحصل على طائرات "إف-15 " ، حيث من المقرر أن يستغرق إنتاج مكونات الصفقة من 5 إلى 10 سنوات . وهناك أمر آخر هام ، وهو أن إدارة أوباما كانت أعلنت في شهر سبتمبر الماضي عن صفقة تصل قيمتها إلى 15.2 مليون دولار تبيع بموجبها لإسرائيل طائرات مقاتلة من طراز "إف-35 " الأكثر تطورا عن "إف-15." ويبقى التساؤل الذي يحير البعض " هل السعودية في حاجة لإنفاق كل تلك المليارات من أجل إتمام الصفقة السابقة ؟". ويبدو أن الإجابة لا تخرج عن هواجس أمنية أكثر منها تهديدات فعلية ، فواشنطن تعلب على موضوع "بعبع إيران" للاستمرار باستنزاف ميزانيات دول الخليج العربية الغنية بالنفط وهو الأمر الذي يؤثر سلبيا على التنمية في تلك الدول وينعش في الوقت ذاته من الاقتصاد الأمريكي ويخدم بطريقة غير مباشرة إسرائيل التي تستغل مثل تلك الصفقات للحصول على مساعدات مالية وعسكرية إضافية من واشنطن . وكان تقرير أعدته لجنة الأبحاث في الكونجرس الأمريكي نهاية العام الماضي أظهر أن الولايات المتحدة تصدرت مبيعات الأسلحة خلال الفترة بين عامي 2001 و2008 وأن عدداً من الدول العربية وخاصة الخليجية منها احتل مراكز متقدمة من حيث المشتريات. وأضاف التقرير أن الإمارات جاءت في مقدمة الدول المشترية للسلاح الأمريكي بعدما اشترت أسلحة بقيمة 9.7 مليارات دولار ثم السعودية وبلغت قيمة مشترياتها 8.7 مليارات دولار . وفي السياق ذاته ، كشفت شبكة "سي ان ان" الإخبارية الأمريكية في تقرير لها في 20 أكتوبر أن السعودية احتلت المركز الأول في مشتريات السلاح من مصادر مختلفة إذ بلغت قيمة مشترياتها من السلاح خلال الفترة من 2001 إلى 2008 حوالي 34.9 مليار دولار وتلتها الصين بإجمالي مشتريات بلغ 16.2 مليار دولار ثم الهند "13.5 ملياراً". والخلاصة أن استمرار تفجير الأوضاع في الشرق الأوسط بصفة عامة ومنطقة الخليج بصفة خاصة هو أمر مقصود من قبل واشنطن لنهب الثروات العربية ولعل الالتزام الأمريكي العلني والخفي بالمحافظة على تفوق إسرائيل عسكريا وتكنولوجيا ونوويا يدعم صحة ما سبق .