اسرار كثيرة كشفها...Dans le secret des president » (في سر الرؤساء) لمؤلفه الفرنسي .. Vincent Nouzille...من سنة 1981 الى سنة2010 وأبرزها يتعلق.........
بسعي الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان لقتل العقيد الليبي معمر القذافي، وأحدثها وأهما يتمحور حول اصرار الرئيس جاك شيراك على اطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.
وأما صدام حسين، فله في الكتاب الصادر عن دار «فايار» أماكن كثيرة، فنقرأ مثلا ان جورج بوش الأب، قال لفرانسوا ميتران في خلال احدى المحادثات الهاتفية: «سنرقص في شوارع بغداد حين يسقط صدام»، وهو الخيار الذي تبانه ميتران نفسه حين راح الرئيس العراقي يقصف الشيعة والاكراد، فالرئيس الفرنسي الراحل قال بالحرف الواحد لنظيره الاميركي: «لا يمكننا ان نترك الطاغية يقتل شعبه بذريعة ان هذا الشعب أمل خيرا من التحالف الغربي، وليتنا أكملنا العمل وتقدمنا الى بغداد».
ويؤكد الكاتب، ان الفرنسيين كانوا على قناعة تامة منذ بداية الاعداد للحرب الثانية على العراق، أن الهدف لن يكون العثور على أسلحة الدمار الشامل وانما اطاحة صدام، لكن شيراك كان يعارض في شدة هذا الأمر، ويسعى في خلال اتصالاته العديدة مع الاميركيين للقول انه ضد تغيير الانظمة في المنطقة.
يروي الكاتب الفرنسي، ان في 13 يناير 2003 شعر شيراك بأن الاميركيين بدأوا فعلا حملة اطاحة صدام، فأرسل على عجل مستشاره موريس غوردو مونتانيو وسفير فرنسا في واشنطن جان دافيد لافيت الى البيت الابيض للقاء غوندوليزا رايس. وسأل الزائرين الفرنسيين، المستشارة عن أسباب تسريع وتيرة الاستعدادات العسكرية الاميركية في الخليج، فردت «بان سمعة أميركا ورئيسها على المحك، ولن نتراجع»
.
فسألها غوردو مونتانيو «وماذا يمكن ان يوقفكم»، فأجابت بحزم كبير «رحيل صدام حسين، وبعدها نغير رؤوس الادارة العراقية، وبعدها نهتم باسلحة الدمار الشامل».
وفهم الفرنسيون ان أولوية الاميركيين هي اطاحة الرئيس العراقي وليس الاسلحة.
وقد اصيب مبعوث شيراك بصدمة كبيرة ثانية حين استقبله في البنتاغون بول وولفوفيتز، مساعد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ذلك ان الصقر الاميركي المعادي لصدام، قال له بفجاجة «ان الموقف الفرنسي تعبير عن هزيمة اخلاقية». وراح يلوح بيده قائلا: « we Know that you know ». ففهم الفرنسيون ان في الامر تهديدا أميركيا واضحا لفرنسا بسبب موقفها المناهض للحرب، لا بل ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول لم يتردد في الايحاء للفرنسيين بأنهم طعنوا أميركا بالظهر.
ويكشف الكاتب الفرنسي أيضا، كيف أن ريغان وميتران وصلا الى مرحلة اليأس من تصرفات القذافي، خصوصا في تشاد وغيرها. ويروي بالتفصيل كل محاضر اللقاءات والمحادثات التي جرت بينهما بغية ازالة الخطر الليبي وتخويف العقيد وصولا الى مرحلة الاقتناع باغتياله، رغم ان فرنسا بقيت معارضة لاغتياله مباشرة.
واذا كان ميتران تردد طويلا في الامر، وبقي مناصرا للضغوط على القذافي لا بل والحور في بعض المرات، الا أنه في نهاية المطاف سلم بالمنطق الاميركي، القائل ان القذافي ميؤوس منه، لكنه بقي حتى النهاية مناهضا لاي تحالف اميركي فرنسي للقضاء عليه.
ويشرح كيف ان الاستخبارات الاميركية فبركت معلومات استخبارية، منها مثلا ما تحدث عن محاولة القذافي اغتيال الرئيس الاميركي.
ومن طرائف الروايات بين ميتران وريغان، ان الرئيس الفرنسي قال لنظيره الأميركي عام 1984: «تصور أنه حين كان جيشنا يواجه الجيش الليبي في تشاد، لم يجد القذافي أفضل من تلك المناسبة لارسال زوجته الى باريس، بغية شراء بضائع والطلب الينا ضمان حمايتها الشخصية».
«في سر الرؤساء»، يروي أيضا أسرار الخضات التي عاشها لبنان وسورية قبيل وخلال وبعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، ذلك أن فيه معلومات تُكشف للمرة الأولى من قلب الاليزيه حول سعي الرئيس السابق جاك شيراك لاسقاط النظام السوري، وحول الصفقة الاميركية-الفرنسية مع الحريري نفسه لفرض القرار 1559.
وحصل مؤلفه على اذن خاص للدخول الى أرشيف الرئاسة الفرنسية، وقابل معظم أصحاب القرار الفرنسيين والاميركيين الذين أشرفوا على تلك السنوات العصيبة التي عرفها لبنان وسورية في السنوات التي أعقبت وتلت اغتيال الحريري، وهو أمر نادر لأن القانون الفرنسي لا يسمح بفتح هكذا أرشيف الا بعد مرور 60 عاما على الاحداث.
وينشر بالتفصيل، محاضر اللقاءات الاميركية الفرنسية، فنقرأ مثلا كيف أن الرئيس الاميركي السابق جورج بوش يقول لشيراك في سبتمبر 2003 على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة: «قل لبشار الاسد أني شرير احادي التصرف»، وكيف أن الخارجية الاميركية وصفت في حينه الرئيس السوري على انه «يتصرف كناصري جديد، ويبحث عن موقع البطولة في العالم العربي»، ويجب الحد من طموحه.
ويكشف الكاتب، أنه منذ الأشهر الاولى لعام 2004 راح قصر الاليزيه يعرب عن بواكير رغباته بالتقارب مع واشنطن حول الملف اللبناني-السوري، فيقول شيراك لاعضاء مجلس الشيوخ الاميركي في مارس 2004: «يجب مساعدة لبنان على التخلص من الوصاية السورية». ثم يقول لبوش خلال العشاء الذي جمعهمها في 5 يونيو 2004: «هناك انتخابات رئاسية ستجري في لبنان في اكتوبر وسيكون في الأمر انطلاقة جديدة للبنان لو أصبح رئيسه من دون وصاية سورية». وطالب بفرض عقوبات على سورية لدفعها صوب الانسحاب من لبنان.
وشيراك الذي وجد في الملف اللبناني فرصة للمصالحة مع أميركا بعد الشرخ الذي أحدثه برفضه حربها على العراق، راح يرسل مرارا مبعوثه موريس غوردو مونتانيو الى واشنطن للقاء رايس وعدد من المسؤولين، وكانت اللقاءات الأبرز في 19 و20 اغسطس 2004 « قبل الانتقال الى سردينيا حيث يمضي رفيق الحريري اجازته الصيفية، وهناك تمت قراءة مشروع القرار 1559 بامعان شديد على يخت الحريري الذي لم يخف غضبه الشديد من السوريين بسبب تعديل الدستور للسماح لحليفهم (الرئيس ) اميل لحود بتمديد ولايته الرئاسية 3 سنوات».
قال شيراك صراحة لرايس التي كان يتصل بها مرات عدة في الاسبوع الواحد أن القرار 1559 «سيجعل المتشددين في دمشق في وضع هش ويعطي الذرائع للمعتدلين للتشكيك بقدرات وتوجهات النظام، ولن تكون لنا اي مصلحة في أن نرى في الشرق الأوسط هلالا شيعيا من ايران الى حزب الله مرورا بالعراق وسورية».
وبعد 4 أيام فقط على اغتيال الحريري، يقرر سفيرا أميركا وفرنسا جيفري فيلتمان وبرنار ايميه المجتمعان في لبنان، ان «سورية هي القاتلة» ويتصل الرئيس المصري حسني مبارك مرات عديدة بشيراك، ليؤكد «ان الجريمة تحمل توقيع سورية»، ويجاريهم في الامر وولفوفيتز.
وبما ان الاتهام الأميركي- الفرنسي -المصري، صدر قبل ان تظهر أي معلومات حول الجهة القاتلة، فان آلة تكريس التهمة تبدأ سريعا بالعمل، فها هو شيراك المشتعل غضبا ضد سورية، يقول لبوش خلال العشاء بينهما في 21 فبراير في بروكسيل: «من الضروري، اطلاق لجنة تحقيق دولية للكشف عن المخططين والمنفذين».
هنا بالضبط، بدأ الرئيس الفرنسي السابق يعتقد أن النظام السوري آيلٌ للسقوط، فيكتب بخط يده وبقلم أسود وتحته سطر بالأحمر «حين ندفع النظام السوري الى الفشل حول القضية اللبنانية، يمكننا أن نصيبه في المقتل، وقد بدأنا فعلا هذا المسار، ويقيني بأن سورية لن تتراجع الا اذا اخفناها وسببنا لها الأذى»، مضيفا «ان من يعرف كيفية عمل النظام العلوي في سورية لا يشك مطلقا بأن قرار (اغتيال الحريري) اتخذ من قبل بشار الأسد، وكل فرضية أخرى ليس لها أي معنى».
وهكذا استبعد شيراك، سلفا أي تورط اسرائيلي او سلفي في القضية، «وكان جورج بوش ينصت اليه».
يقين شيراك بقرب انهيار النظام السوري، اقترن بخشيته من أن أي مواجهة مباشرة مع الأسد ستؤدي الى تضامن عربي مع دمشق، فيجيبه بوش، «انا موافق معك، يجب عدم مواجهة سورية مباشرة، وعلينا المرور عبر لبنان، ولكن كيف يمكننا الوصول الى هذا الهدف»؟
يكرر شيراك ضرورة قيام لجنة تحقيق دولية، معتبرا ان ذلك يقوي شوكة المعارضة اللبنانية لسورية، ويشدد على وجوب عدم مزج الملف اللبناني- السوري مع مسيرة سلام الشرق الاوسط «لاننا بذلك نخسر الشيعة الذين سينضمون الى العلويين».
ويكشف الكاتب كيف أن باريس وبالتشاور مع واشنطن، سعت الى ابعاد «حزب الله» عن دمشق، لا بل ان فرنسا أوفدت ايميه سرا للقاء الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فلاقى جوابا مفاده بان المقاومة مستمرة وانه يجب عدم المساس بسورية. ومع تشديد شيراك على لجنة التحقيق وابعاد الملف عن مسالة الشرق الاوسط، يجيبه بوش بأنه سيمرر رسالته هذه الى الاسرائيليين، ويسأل عما اذا كان من الممكن خروج السوريين من لبنان من دون أن يؤدي الأمر الى حرب أهلية لبنانية، فيطمئنه شيراك على أن الحل يكمن في تطبيق القرار،1559 قائلا «سيكون القرار قاتلا للنظام السوري»، خصوصا اذا ما اضيفت اليه عقوبات قاسية على هذا النظام، وتقترح رايس الحاضرة ذاك الاجتماع ان يكون للمبعوث الدولي تيري رود - لارسن دور في ذلك.
والغريب أن شيراك أظهر تشددا ضد سورية أكثر بمرات مما كان عليه أمر بوش، فما أن يعلن الاسد الرغبة بالانسحاب من لبنان، حتى يسارع سيد الاليزيه للقول لبوش «ان هذا غير كاف، فالأسد سيحتفظ بنقاط استراتيجية في لبنان، ويجب مواصلة الضغط عليه واقناع حزب الله بالابتعاد عنه».
ويقول شيراك صراحة: «اذا حصلنا على انسحاب السوريين وعلى فقدان سيطرة سورية على لبنان سينهار النظام السوري... وستقود الديموقراطية في سورية الغد الى وصول السنة والمسيحيين الى السلطة وهو ما سيدق مسمارا في الهلال الشيعي». وحين يستقبل الرئيس الفرنسي، ضيفته رايس في 14 اكتوبر 2005، يؤكد لها بيقين مطلق أن «النظام السوري يتحلل، ولن يستطيع مقاومة الضغط المزدوج والمتمثل من جهة باستقلال لبنان المناهض لمشروع اقامة سورية الكبرى، ومن جهة ثانية بالتناقضات داخل الأقلية العلوية... وان فرض عقوبات على سورية سيؤدي حكما الى اسقاط النظام»
.وفي اللقاء نفسه، تنضج الطبخة الفرنسية الأميركية لأنشاء المحكمة الدولية بغية ملاحقة قتلة الحريري، بعد أن تؤكد رايس ضرورة استصدار قرارين ضد سورية، الاول يشدد على عدم تعاونها مع لجنة التحقيق، والثاني على تصرفاتها بعد تقرير لارسن، ولم تمض أسابيع قليلة حتى طلبت حكومة لبنان من الأمم المتحدة انشاء تلك المحكمة.
ومن يمعن في قراءة الكتاب، سيخرج بقناعة، مفادها بان شيراك كان أكثر حماسة من بوش لجهة تسريع خطوات اسقاط النظام السوري، وربما أكثر يقينا أيضا بأن الأمر سيحصل قريبا جدا واقل حماسة من نظيره الآميركي لجهة اقامة «شرق اوسط جديد»، لخشيته من أن أي خطة متسرعة لنشر الديموقراطية في هذه المنطقة الصعبة قد تؤدي الى زعزعة استقرار أنظمة عربية عديدة من مصر الى الاردن وصولا الى السعودية.
بسعي الرئيس الاميركي السابق رونالد ريغان لقتل العقيد الليبي معمر القذافي، وأحدثها وأهما يتمحور حول اصرار الرئيس جاك شيراك على اطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، خصوصا بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري.
وأما صدام حسين، فله في الكتاب الصادر عن دار «فايار» أماكن كثيرة، فنقرأ مثلا ان جورج بوش الأب، قال لفرانسوا ميتران في خلال احدى المحادثات الهاتفية: «سنرقص في شوارع بغداد حين يسقط صدام»، وهو الخيار الذي تبانه ميتران نفسه حين راح الرئيس العراقي يقصف الشيعة والاكراد، فالرئيس الفرنسي الراحل قال بالحرف الواحد لنظيره الاميركي: «لا يمكننا ان نترك الطاغية يقتل شعبه بذريعة ان هذا الشعب أمل خيرا من التحالف الغربي، وليتنا أكملنا العمل وتقدمنا الى بغداد».
ويؤكد الكاتب، ان الفرنسيين كانوا على قناعة تامة منذ بداية الاعداد للحرب الثانية على العراق، أن الهدف لن يكون العثور على أسلحة الدمار الشامل وانما اطاحة صدام، لكن شيراك كان يعارض في شدة هذا الأمر، ويسعى في خلال اتصالاته العديدة مع الاميركيين للقول انه ضد تغيير الانظمة في المنطقة.
يروي الكاتب الفرنسي، ان في 13 يناير 2003 شعر شيراك بأن الاميركيين بدأوا فعلا حملة اطاحة صدام، فأرسل على عجل مستشاره موريس غوردو مونتانيو وسفير فرنسا في واشنطن جان دافيد لافيت الى البيت الابيض للقاء غوندوليزا رايس. وسأل الزائرين الفرنسيين، المستشارة عن أسباب تسريع وتيرة الاستعدادات العسكرية الاميركية في الخليج، فردت «بان سمعة أميركا ورئيسها على المحك، ولن نتراجع»
.
فسألها غوردو مونتانيو «وماذا يمكن ان يوقفكم»، فأجابت بحزم كبير «رحيل صدام حسين، وبعدها نغير رؤوس الادارة العراقية، وبعدها نهتم باسلحة الدمار الشامل».
وفهم الفرنسيون ان أولوية الاميركيين هي اطاحة الرئيس العراقي وليس الاسلحة.
وقد اصيب مبعوث شيراك بصدمة كبيرة ثانية حين استقبله في البنتاغون بول وولفوفيتز، مساعد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ذلك ان الصقر الاميركي المعادي لصدام، قال له بفجاجة «ان الموقف الفرنسي تعبير عن هزيمة اخلاقية». وراح يلوح بيده قائلا: « we Know that you know ». ففهم الفرنسيون ان في الامر تهديدا أميركيا واضحا لفرنسا بسبب موقفها المناهض للحرب، لا بل ان وزير الخارجية الاميركي كولن باول لم يتردد في الايحاء للفرنسيين بأنهم طعنوا أميركا بالظهر.
ويكشف الكاتب الفرنسي أيضا، كيف أن ريغان وميتران وصلا الى مرحلة اليأس من تصرفات القذافي، خصوصا في تشاد وغيرها. ويروي بالتفصيل كل محاضر اللقاءات والمحادثات التي جرت بينهما بغية ازالة الخطر الليبي وتخويف العقيد وصولا الى مرحلة الاقتناع باغتياله، رغم ان فرنسا بقيت معارضة لاغتياله مباشرة.
واذا كان ميتران تردد طويلا في الامر، وبقي مناصرا للضغوط على القذافي لا بل والحور في بعض المرات، الا أنه في نهاية المطاف سلم بالمنطق الاميركي، القائل ان القذافي ميؤوس منه، لكنه بقي حتى النهاية مناهضا لاي تحالف اميركي فرنسي للقضاء عليه.
ويشرح كيف ان الاستخبارات الاميركية فبركت معلومات استخبارية، منها مثلا ما تحدث عن محاولة القذافي اغتيال الرئيس الاميركي.
ومن طرائف الروايات بين ميتران وريغان، ان الرئيس الفرنسي قال لنظيره الأميركي عام 1984: «تصور أنه حين كان جيشنا يواجه الجيش الليبي في تشاد، لم يجد القذافي أفضل من تلك المناسبة لارسال زوجته الى باريس، بغية شراء بضائع والطلب الينا ضمان حمايتها الشخصية».
«في سر الرؤساء»، يروي أيضا أسرار الخضات التي عاشها لبنان وسورية قبيل وخلال وبعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، ذلك أن فيه معلومات تُكشف للمرة الأولى من قلب الاليزيه حول سعي الرئيس السابق جاك شيراك لاسقاط النظام السوري، وحول الصفقة الاميركية-الفرنسية مع الحريري نفسه لفرض القرار 1559.
وحصل مؤلفه على اذن خاص للدخول الى أرشيف الرئاسة الفرنسية، وقابل معظم أصحاب القرار الفرنسيين والاميركيين الذين أشرفوا على تلك السنوات العصيبة التي عرفها لبنان وسورية في السنوات التي أعقبت وتلت اغتيال الحريري، وهو أمر نادر لأن القانون الفرنسي لا يسمح بفتح هكذا أرشيف الا بعد مرور 60 عاما على الاحداث.
وينشر بالتفصيل، محاضر اللقاءات الاميركية الفرنسية، فنقرأ مثلا كيف أن الرئيس الاميركي السابق جورج بوش يقول لشيراك في سبتمبر 2003 على هامش الجمعية العامة للامم المتحدة: «قل لبشار الاسد أني شرير احادي التصرف»، وكيف أن الخارجية الاميركية وصفت في حينه الرئيس السوري على انه «يتصرف كناصري جديد، ويبحث عن موقع البطولة في العالم العربي»، ويجب الحد من طموحه.
ويكشف الكاتب، أنه منذ الأشهر الاولى لعام 2004 راح قصر الاليزيه يعرب عن بواكير رغباته بالتقارب مع واشنطن حول الملف اللبناني-السوري، فيقول شيراك لاعضاء مجلس الشيوخ الاميركي في مارس 2004: «يجب مساعدة لبنان على التخلص من الوصاية السورية». ثم يقول لبوش خلال العشاء الذي جمعهمها في 5 يونيو 2004: «هناك انتخابات رئاسية ستجري في لبنان في اكتوبر وسيكون في الأمر انطلاقة جديدة للبنان لو أصبح رئيسه من دون وصاية سورية». وطالب بفرض عقوبات على سورية لدفعها صوب الانسحاب من لبنان.
وشيراك الذي وجد في الملف اللبناني فرصة للمصالحة مع أميركا بعد الشرخ الذي أحدثه برفضه حربها على العراق، راح يرسل مرارا مبعوثه موريس غوردو مونتانيو الى واشنطن للقاء رايس وعدد من المسؤولين، وكانت اللقاءات الأبرز في 19 و20 اغسطس 2004 « قبل الانتقال الى سردينيا حيث يمضي رفيق الحريري اجازته الصيفية، وهناك تمت قراءة مشروع القرار 1559 بامعان شديد على يخت الحريري الذي لم يخف غضبه الشديد من السوريين بسبب تعديل الدستور للسماح لحليفهم (الرئيس ) اميل لحود بتمديد ولايته الرئاسية 3 سنوات».
قال شيراك صراحة لرايس التي كان يتصل بها مرات عدة في الاسبوع الواحد أن القرار 1559 «سيجعل المتشددين في دمشق في وضع هش ويعطي الذرائع للمعتدلين للتشكيك بقدرات وتوجهات النظام، ولن تكون لنا اي مصلحة في أن نرى في الشرق الأوسط هلالا شيعيا من ايران الى حزب الله مرورا بالعراق وسورية».
وبعد 4 أيام فقط على اغتيال الحريري، يقرر سفيرا أميركا وفرنسا جيفري فيلتمان وبرنار ايميه المجتمعان في لبنان، ان «سورية هي القاتلة» ويتصل الرئيس المصري حسني مبارك مرات عديدة بشيراك، ليؤكد «ان الجريمة تحمل توقيع سورية»، ويجاريهم في الامر وولفوفيتز.
وبما ان الاتهام الأميركي- الفرنسي -المصري، صدر قبل ان تظهر أي معلومات حول الجهة القاتلة، فان آلة تكريس التهمة تبدأ سريعا بالعمل، فها هو شيراك المشتعل غضبا ضد سورية، يقول لبوش خلال العشاء بينهما في 21 فبراير في بروكسيل: «من الضروري، اطلاق لجنة تحقيق دولية للكشف عن المخططين والمنفذين».
هنا بالضبط، بدأ الرئيس الفرنسي السابق يعتقد أن النظام السوري آيلٌ للسقوط، فيكتب بخط يده وبقلم أسود وتحته سطر بالأحمر «حين ندفع النظام السوري الى الفشل حول القضية اللبنانية، يمكننا أن نصيبه في المقتل، وقد بدأنا فعلا هذا المسار، ويقيني بأن سورية لن تتراجع الا اذا اخفناها وسببنا لها الأذى»، مضيفا «ان من يعرف كيفية عمل النظام العلوي في سورية لا يشك مطلقا بأن قرار (اغتيال الحريري) اتخذ من قبل بشار الأسد، وكل فرضية أخرى ليس لها أي معنى».
وهكذا استبعد شيراك، سلفا أي تورط اسرائيلي او سلفي في القضية، «وكان جورج بوش ينصت اليه».
يقين شيراك بقرب انهيار النظام السوري، اقترن بخشيته من أن أي مواجهة مباشرة مع الأسد ستؤدي الى تضامن عربي مع دمشق، فيجيبه بوش، «انا موافق معك، يجب عدم مواجهة سورية مباشرة، وعلينا المرور عبر لبنان، ولكن كيف يمكننا الوصول الى هذا الهدف»؟
يكرر شيراك ضرورة قيام لجنة تحقيق دولية، معتبرا ان ذلك يقوي شوكة المعارضة اللبنانية لسورية، ويشدد على وجوب عدم مزج الملف اللبناني- السوري مع مسيرة سلام الشرق الاوسط «لاننا بذلك نخسر الشيعة الذين سينضمون الى العلويين».
ويكشف الكاتب كيف أن باريس وبالتشاور مع واشنطن، سعت الى ابعاد «حزب الله» عن دمشق، لا بل ان فرنسا أوفدت ايميه سرا للقاء الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، فلاقى جوابا مفاده بان المقاومة مستمرة وانه يجب عدم المساس بسورية. ومع تشديد شيراك على لجنة التحقيق وابعاد الملف عن مسالة الشرق الاوسط، يجيبه بوش بأنه سيمرر رسالته هذه الى الاسرائيليين، ويسأل عما اذا كان من الممكن خروج السوريين من لبنان من دون أن يؤدي الأمر الى حرب أهلية لبنانية، فيطمئنه شيراك على أن الحل يكمن في تطبيق القرار،1559 قائلا «سيكون القرار قاتلا للنظام السوري»، خصوصا اذا ما اضيفت اليه عقوبات قاسية على هذا النظام، وتقترح رايس الحاضرة ذاك الاجتماع ان يكون للمبعوث الدولي تيري رود - لارسن دور في ذلك.
والغريب أن شيراك أظهر تشددا ضد سورية أكثر بمرات مما كان عليه أمر بوش، فما أن يعلن الاسد الرغبة بالانسحاب من لبنان، حتى يسارع سيد الاليزيه للقول لبوش «ان هذا غير كاف، فالأسد سيحتفظ بنقاط استراتيجية في لبنان، ويجب مواصلة الضغط عليه واقناع حزب الله بالابتعاد عنه».
ويقول شيراك صراحة: «اذا حصلنا على انسحاب السوريين وعلى فقدان سيطرة سورية على لبنان سينهار النظام السوري... وستقود الديموقراطية في سورية الغد الى وصول السنة والمسيحيين الى السلطة وهو ما سيدق مسمارا في الهلال الشيعي». وحين يستقبل الرئيس الفرنسي، ضيفته رايس في 14 اكتوبر 2005، يؤكد لها بيقين مطلق أن «النظام السوري يتحلل، ولن يستطيع مقاومة الضغط المزدوج والمتمثل من جهة باستقلال لبنان المناهض لمشروع اقامة سورية الكبرى، ومن جهة ثانية بالتناقضات داخل الأقلية العلوية... وان فرض عقوبات على سورية سيؤدي حكما الى اسقاط النظام»
.وفي اللقاء نفسه، تنضج الطبخة الفرنسية الأميركية لأنشاء المحكمة الدولية بغية ملاحقة قتلة الحريري، بعد أن تؤكد رايس ضرورة استصدار قرارين ضد سورية، الاول يشدد على عدم تعاونها مع لجنة التحقيق، والثاني على تصرفاتها بعد تقرير لارسن، ولم تمض أسابيع قليلة حتى طلبت حكومة لبنان من الأمم المتحدة انشاء تلك المحكمة.
ومن يمعن في قراءة الكتاب، سيخرج بقناعة، مفادها بان شيراك كان أكثر حماسة من بوش لجهة تسريع خطوات اسقاط النظام السوري، وربما أكثر يقينا أيضا بأن الأمر سيحصل قريبا جدا واقل حماسة من نظيره الآميركي لجهة اقامة «شرق اوسط جديد»، لخشيته من أن أي خطة متسرعة لنشر الديموقراطية في هذه المنطقة الصعبة قد تؤدي الى زعزعة استقرار أنظمة عربية عديدة من مصر الى الاردن وصولا الى السعودية.