بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني وأخواتي من واجب النصيحة التي أمرنا بها الله في كتابه والنبي _ صلى الله عليه وسلم _ في سنته كان لا بد من التنبيه والرد على الشبه التي تستسيغ البدع باسم ( البدعة الحسنة ) كما سماها أصحابها فلم يسم رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ ولا صحبه من بعده شيئا من الدين ( بدعة حسنة ) .
لذلك ليس للقوم مستند إلا لف ولي النصوص الصحيحة وقلبها رأسا على عقب لتلائم إستدلالهم على بدعتهم الحسنة .
ومن أعظم تلك المسوغات التي أوردوها بلية ما إصطلحوا عليه ( التحسين والتقبيح ) للأعمال التي يتقرب بها إلى الله ، فما ندري ما هو الضابط في هذه القاعدة التي قعدوها تطاولا على توقيف سائر العبادات على ما جاء في الوحيين وتطبيقهما العملي من رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وصحبه _ رضوان الله عليهم _ .
أهذا الضابط الشرع أم الرأي و الهوى؟
فإن قالوا "الرأي" فنقول ما قال مفتي الحرم عطاء بن أبي رباح رحمه الله( إني أستحي من الله أن يدان في الأرض برأيي) .
و إن قالوا" الشرع" قلنا لهم : إن كانت من أصل الشرع فهي الحسنة و عندئذ هي سنة حسنة لا بدعة حسنة لأن البدعة هي الإيجاد علي غير مثال سابق، قال تعالي " بديع السماوات و الأرض"، و إن لم تكن من الشرع و هذا شأن كل البدع فهي القبيحة لا نأتيها فضلا عن أن نتقرب بها إلي الله.
وعلى ذلك يا إخواني فقد كنت علقت على الموضوع في بدايته وقد تساءلت حينها بما تساءلت به الأخت الكريمة ,,,,الفقيرة لله,,,,, هل هذه الصورة المذكورة في موضوع أخينا الفاضل ,,,, DAVID2008 ,,,,, والتي إنتشرت في المنتديات كالنار في الهشيم داخلة في باب بدعية الذكر الجماعي أم لا ؟؟؟
فلم يكن الأمر يستبين لي في بدايته أو بالأحرى لم أشأ التسرع في الأمر إلا بعد تيقني ، وبعد مطالعتي لمشاركات أخونا الكريم محمد أبو الوليد,,,, إستفدت مما نقله من نقول طيبة قيمة وكذا وسعت قراءتي في بعض الكتب في علم أصول البدع وقواعده فكيف لي أن أنطق بشيء وأنا في تردد منه وقليل بضاعة فيه .
فأقول توضيحا للأمر في نقاط محددة وضوابط مقررة عند أهل السنة والجماعة :
&& أن سائر العبادات توقيفية على ما ورد في كتاب الله _ تعالى _ وصحيح سنته _ صلى الله عليه وسلم والتطبيق العملي في فهمهما منه عليه الصلاة والسلام والصحابة _ رضوان الله عليهم _ لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ ووصيته عند حدوث الإختلاف والتفرق في الأمة (( وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة )) \ رواه أبو داود والترمذي \ .
ففي هذا الحديث أمر وتحذير يفيد النهي : أمر بإتباع سنته _ صلى الله عليه وسلم _ وسنة خلفائه _ رضوان الله عليهم لأنهم أفقه الناس بما أنزل به _ عليه الصلاة والسلام _ .
ونهي وتحذير عن البدع والمحدثات في الدين فهي كلها ضلالة .
فالوقوف على نصوص الشرع إنما هو التصديق بكمال الرسالة وتمامها كما قال تعالى : ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) \ المائدة : 3 \ .
قال الإمام مالك: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) . فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً ". \ الإعتصام للشاطبي \ .
وروى أبو خثيمة عن ابن مسعود: (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم )) رواه الدارمي في سننه :1\69\.
فالله تعالى لا يُعبد إلا بما شرعه على لسان رسوله _ عليه الصلاة والسلام _ وهذا من شرطي العبادة :
الأول : أن تكون هذه العبادة خالصة لله تعالى وحده .
الثاني : أن تكون هذه العبادة على سنة رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ .
فهذان الشرطان هما ركنا الدين وحقيقة الشهادتين : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
يقول شيخ الإسلام بن تيمية _ رحمه الله _ : (( ... وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان ، أحدهما أن لا نعبد إلا الله ، والثاني : أن لا نعبده إلا بما شرع ، لا نعبده بعبادة مبتدعة وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله )) \ مجموع الفتاوى : 1\333-334\ .
أو كما عبر عن هذا العلامة المحدث الفقيه _ محمد ناصر الدين اللألباني _ رحمه الله _ في أحد أشرطته :
(( الله لا شريك له في عبادته ، محمد لا شريك له في إتباعه )) .
وقال الفضيل بن عياض _ رحمه الله _ في قوله تعالى : (( ليبلوكم أيكم أحسن عملا )) _ الملك : 2 _
قال : أخلصه وأصوبه وقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا ، لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا وصوابا . قال : (( والخالص أن يكون لله _ عزوجل _ والصواب إذا كان على السنّة )) \ جامع العلوم والحكم لإبن رجب : 1\72\ .
فهذا التوقيف في العبادة وهوالوقوف عند النصوص الشرعية وعدم النظر في غيرها يشتمل على حيثيات
أربع لكي تكون موافقة للسنّة :
الأولى : الكمية . بمعنى العدد .
الثانية : الكيفية . وهي الصفة التي عليها العبادة .
الثالثة : الزمـان الذي حدد لها .
الرابعة : المكان الذي عين لها .
وهذه الحيثيات حسب ما يرد عليها من دليل في الشرع كما إستبان لنا .
فقط تكون هناك عبادات ليس لها وقت معين أو مكان مخصص ورد في نص شرعي كالتسبيح والتكبير
وأنواع الذكر ،لكن لها صفة أو عدد وفق ما جاء عنه _ صلى الله عليه وسلم _ .
فكل عبادة حرفت إلى صفة أو عدد أو خصصت بمكان أو زمان ولم يرد في ذلك نص شرعي صحيح في النقل
والإستدلال أي يصح أن يستدل به عليها فهي بدعة مخالفة للسنة لم يتحقق فيها شرط الصواب أو المتابعة
فيها للنبي _ صلى الله عليه وسلم _ .
وهنا نأتي لتطبيق عملي لهذه القواعد التي دلت عليها نصوص الوحيين . وهذا التطبيق يأتي من أحد كبار
فقهاء وعلماء الصحابة _ رضوان الله عليهم _ الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود _ رضي الله عنه _ .
&& فعن عمرو بن سلمة : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا فجلس معنا حتى خرج.
فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن: إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا. قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، ويقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة! قال (أي ابن مسعود): فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا، انتظار رأيك وانتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟!! ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟! قالوا: يا أبا عبد الرحمن: حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: «فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء! ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر! والذي نفسي بيده إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير!!
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه إن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم ولى عنهم.» فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج. \ رواه الدارمي وصححه الألباني : أنظر السلسلة الصحيحة حديث رقم ( 2005 ) \.
&& فمن خلال هذا الأثر العظيم تتضح لنا دلالات منها :
أولا: أن اختراع هيئات للذكر لا أصل لها في الشرع، من البدع المنكرة التي تذهب بثواب العمل، لذلك قال عبد الله بن مسعود لتلك الحلق: «ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم».
ثانيا: إن الابتداع في مجال العبادة، غالبا ما يكون عن حسن نية، وطلب المبالغة في التقرب إلى الله عز وجل. لذا قال هؤلاء لعبد الله
والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير!) وهو رضي الله عنه ، لم يطعن في نيتهم،وإنما قال لهم كلمة بليغة، جديرة بالتأمل والوقوف عندها طويلا، لمن أراد أن يسلك طريقا في العبادة، دون أن يعرف أصلها في الكتاب أو السنة، قال لهم: «وكم من مريد للخير لن يصيبه».
وهذه الكلمة البليغة من عبدالله بن مسعود _ رضي الله عنه _ يتضح فيها أن حسن النية والإخلاص فيها لله لا تكفي لمشروعية العبادة، بل يجب أن يتوافر الشرط الثاني الذي أشرنا إليه سابقا من أنها لا بد أن توافق سنة النبي _ صلى الله عليه وسلم _ بالحيثيات التي ذكرناها فلا يصح إختراع هيئة أو صفة لعبادة ما ليس عليها دليل صحيح من الكتاب والسنة .
بل إن هذه العبادة تصبح وبالا ومخالفة لهديه _ صلى الله عليه وسلم _ ونهجه القويم ولا تنفع فيها حسن النية .حتى شنع عبدالله بن مسعود على القوم أيما تشنيع في مخالفتهم للسنة بإختراعهم تلك الهيئة في الذكر والتي لم يفعلها أفضل الخلق _ رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ وخير الأمة وأعلمها الصحابة _ رضوان الله عليهم _ حتى قال لهم : ((والذي نفسي بيده إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة )).
وجعل قرب وفاته _ عليه الصلاة والسلام _ ووجود وتوافر الصحابة بينهم حجة عليهم فكيف يبتدعون هذه البدعة على قربهم من عهد رسول الله وتوافر الصحابة الذين هم أوعية العلم الذي ورثّه _ صلى الله عليه وسلم _ لأصحابه _ رضي الله عنهم _ فقال _ رضي الله عنه : ((ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم ص متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر! ....)) .
ثالثا: وهنا أمر وهو أن مثل هذا النوع من البدع تخفى على الكثير. لذلك خفيت في أول الأمر على أبي موسى الأشعري، على جلالة قدره، حيث قال: «يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته (أي لم أعهده) ولم أر والحمد لله إلا خيرا».!
وبعد هذه النظرة السريعة في هذا النص المنهجي التطبيقي نأتي لموضوعنا المثار هاهنا ونعيد طرح التساؤل مرة أخرى : هل هذه الصورة المذكورة في موضوع أخينا الفاضل ,,,, الوزيـــر ,,,,, والتي إنتشرت في المنتديات كالنار في الهشيم داخلة في باب بدعية الذكر الجماعي أم لا ؟
وأنا هنا أضع هذا التصوير ليجيب كل قارئ لهذه الأسطر على السؤال بنفسه ، فؤجيب على هذا السؤال بطرح سؤال آخر .!
هل وضع رسول الله يوما صحيفة على باب مسجده أو في داره أو في أي مكان كان وقال لصحابته : دعونا نذكر الله فكلما مر أحدكم على هذه الورقة فليكتب ذكر من إستغفار أو تسبيح أو تكبير أو صلاة علي أوغيرها مما علمتكم إياه من الذكر ؟
فإن كان الجواب : نعم قد وردت مثل هذه الصورة . قلنا : (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) .
وإن كان الجواب : لا لم يرد مثل هذا _ وهي الحق يقينا _ قلنا : فهذه مثل تلك .
تقرير هذه الهيئة والصورة من الذكر من البدع المخالفة لمنهاج السنة النبوية الشريفة وفهم سلف الأمة
وعلى رأسهم الصحابة _ رضوان الله عليهم _ .
فلا فرق بين صفحة ورق وصفحة ( نت ) فالعبرة بما إستعرضناه في أثر عبدالله بن مسعود من إختراع هيئات للذكر لم تكن في عهد رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ ولا عهد صحبه _ رضوان الله عليهم _ .
وعليه يا إخوان ويا اخوات لا يجوز نشر مثل هذه المواضيع ولا المشاركة فيها لأنها خلاف السنة مجانبة لطريقة النبي _ عليه الصلاة والسلام _ ورغبة عن سنته الصحيحة وهو القائل بأبي وأمي : (( ... فمن رغب عن سنتي فليس مني )) وكثير منا يعلم سبب هذا الحديث وهو الحديث الذي فيه خبر الثلاثة الذين تقالوا عمل النبي صلي الله عليه و سلم و أرادوا الزيادة عليها ، فقال الرسول صلي الله عليه و سلم " من رغب عن سنتي فليس مني" .
ولا يظنن ظان أن الأمر هين فإن القلب إذا تعود مخالفة السنة لتصوره أن الموضوع هين لا يستحق كل هذا النقاش والكلام فإنه لن ينفك عن التبرير لنفسه بهذا التبرير الخطير على الدين مرة بعد مرة حتى يؤول به المآل لإرتكاب البدع والمناهي والإنغماس في وحولها النتنه والصد عن دعاة السنة والعلم النافع .
ولا أدل على هذا ما جاء في آخر أثر عبدالله بن مسعود السالف والذي فيه : (( .... قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه إن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم ولى عنهم.))
والذين أشار إليهم بن مسعود _ رضي الله عنه _ في حديث رسول الله (( أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ..)) هم الخوارج الذين خرجوا على جماعة المسلمين وكفروهم ورفعوا السيف على الأمة وصحب رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ .
وهذا الذي وقع من أولئك الذين لم ينتهوا عن تحلقهم في تلك الحلق بذريعة الذكر ولم يسمعوا لتحذير بن مسعود كما يتضح من قول راوي الأثر عمرو بن سلمة (( رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج . )) .
فانظروا يا إخوان كيف قادت تلك البدعة أولئك القوم إلى بدعة الخوارج حتى إستحلوا دماء المسلمين ؟
فلا تنظر لصغر البدعة فتستهونها بل أنظر لعظم من إستدركت عليه فاقترفت البدعه في دينه .
هذا... فما كان من صواب فمن الله تعالى وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفره تعالى من القول عليه بلا علم ، والله وحده أسأل أن يوفقني وجميع إخواني وأخواتي على طريق السنة وسبيل أهلها ويجنبنا وأمة محمد البدع في دينه ومخالفة نبيه _ صلى الله عليه وسلم _ ومنهاج أسلافنا الصالحين _ رضي الله عنهم أجمعين _ .
إخواني وأخواتي من واجب النصيحة التي أمرنا بها الله في كتابه والنبي _ صلى الله عليه وسلم _ في سنته كان لا بد من التنبيه والرد على الشبه التي تستسيغ البدع باسم ( البدعة الحسنة ) كما سماها أصحابها فلم يسم رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ ولا صحبه من بعده شيئا من الدين ( بدعة حسنة ) .
لذلك ليس للقوم مستند إلا لف ولي النصوص الصحيحة وقلبها رأسا على عقب لتلائم إستدلالهم على بدعتهم الحسنة .
ومن أعظم تلك المسوغات التي أوردوها بلية ما إصطلحوا عليه ( التحسين والتقبيح ) للأعمال التي يتقرب بها إلى الله ، فما ندري ما هو الضابط في هذه القاعدة التي قعدوها تطاولا على توقيف سائر العبادات على ما جاء في الوحيين وتطبيقهما العملي من رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ وصحبه _ رضوان الله عليهم _ .
أهذا الضابط الشرع أم الرأي و الهوى؟
فإن قالوا "الرأي" فنقول ما قال مفتي الحرم عطاء بن أبي رباح رحمه الله( إني أستحي من الله أن يدان في الأرض برأيي) .
و إن قالوا" الشرع" قلنا لهم : إن كانت من أصل الشرع فهي الحسنة و عندئذ هي سنة حسنة لا بدعة حسنة لأن البدعة هي الإيجاد علي غير مثال سابق، قال تعالي " بديع السماوات و الأرض"، و إن لم تكن من الشرع و هذا شأن كل البدع فهي القبيحة لا نأتيها فضلا عن أن نتقرب بها إلي الله.
وعلى ذلك يا إخواني فقد كنت علقت على الموضوع في بدايته وقد تساءلت حينها بما تساءلت به الأخت الكريمة ,,,,الفقيرة لله,,,,, هل هذه الصورة المذكورة في موضوع أخينا الفاضل ,,,, DAVID2008 ,,,,, والتي إنتشرت في المنتديات كالنار في الهشيم داخلة في باب بدعية الذكر الجماعي أم لا ؟؟؟
فلم يكن الأمر يستبين لي في بدايته أو بالأحرى لم أشأ التسرع في الأمر إلا بعد تيقني ، وبعد مطالعتي لمشاركات أخونا الكريم محمد أبو الوليد,,,, إستفدت مما نقله من نقول طيبة قيمة وكذا وسعت قراءتي في بعض الكتب في علم أصول البدع وقواعده فكيف لي أن أنطق بشيء وأنا في تردد منه وقليل بضاعة فيه .
فأقول توضيحا للأمر في نقاط محددة وضوابط مقررة عند أهل السنة والجماعة :
&& أن سائر العبادات توقيفية على ما ورد في كتاب الله _ تعالى _ وصحيح سنته _ صلى الله عليه وسلم والتطبيق العملي في فهمهما منه عليه الصلاة والسلام والصحابة _ رضوان الله عليهم _ لقوله _ صلى الله عليه وسلم _ ووصيته عند حدوث الإختلاف والتفرق في الأمة (( وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة )) \ رواه أبو داود والترمذي \ .
ففي هذا الحديث أمر وتحذير يفيد النهي : أمر بإتباع سنته _ صلى الله عليه وسلم _ وسنة خلفائه _ رضوان الله عليهم لأنهم أفقه الناس بما أنزل به _ عليه الصلاة والسلام _ .
ونهي وتحذير عن البدع والمحدثات في الدين فهي كلها ضلالة .
فالوقوف على نصوص الشرع إنما هو التصديق بكمال الرسالة وتمامها كما قال تعالى : ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً )) \ المائدة : 3 \ .
قال الإمام مالك: " من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول : (( اليوم أكملت لكم دينكم )) . فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً ". \ الإعتصام للشاطبي \ .
وروى أبو خثيمة عن ابن مسعود: (( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم )) رواه الدارمي في سننه :1\69\.
فالله تعالى لا يُعبد إلا بما شرعه على لسان رسوله _ عليه الصلاة والسلام _ وهذا من شرطي العبادة :
الأول : أن تكون هذه العبادة خالصة لله تعالى وحده .
الثاني : أن تكون هذه العبادة على سنة رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ .
فهذان الشرطان هما ركنا الدين وحقيقة الشهادتين : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .
يقول شيخ الإسلام بن تيمية _ رحمه الله _ : (( ... وبالجملة فمعنا أصلان عظيمان ، أحدهما أن لا نعبد إلا الله ، والثاني : أن لا نعبده إلا بما شرع ، لا نعبده بعبادة مبتدعة وهذان الأصلان هما تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله )) \ مجموع الفتاوى : 1\333-334\ .
أو كما عبر عن هذا العلامة المحدث الفقيه _ محمد ناصر الدين اللألباني _ رحمه الله _ في أحد أشرطته :
(( الله لا شريك له في عبادته ، محمد لا شريك له في إتباعه )) .
وقال الفضيل بن عياض _ رحمه الله _ في قوله تعالى : (( ليبلوكم أيكم أحسن عملا )) _ الملك : 2 _
قال : أخلصه وأصوبه وقال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا ، لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا وصوابا . قال : (( والخالص أن يكون لله _ عزوجل _ والصواب إذا كان على السنّة )) \ جامع العلوم والحكم لإبن رجب : 1\72\ .
فهذا التوقيف في العبادة وهوالوقوف عند النصوص الشرعية وعدم النظر في غيرها يشتمل على حيثيات
أربع لكي تكون موافقة للسنّة :
الأولى : الكمية . بمعنى العدد .
الثانية : الكيفية . وهي الصفة التي عليها العبادة .
الثالثة : الزمـان الذي حدد لها .
الرابعة : المكان الذي عين لها .
وهذه الحيثيات حسب ما يرد عليها من دليل في الشرع كما إستبان لنا .
فقط تكون هناك عبادات ليس لها وقت معين أو مكان مخصص ورد في نص شرعي كالتسبيح والتكبير
وأنواع الذكر ،لكن لها صفة أو عدد وفق ما جاء عنه _ صلى الله عليه وسلم _ .
فكل عبادة حرفت إلى صفة أو عدد أو خصصت بمكان أو زمان ولم يرد في ذلك نص شرعي صحيح في النقل
والإستدلال أي يصح أن يستدل به عليها فهي بدعة مخالفة للسنة لم يتحقق فيها شرط الصواب أو المتابعة
فيها للنبي _ صلى الله عليه وسلم _ .
وهنا نأتي لتطبيق عملي لهذه القواعد التي دلت عليها نصوص الوحيين . وهذا التطبيق يأتي من أحد كبار
فقهاء وعلماء الصحابة _ رضوان الله عليهم _ الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود _ رضي الله عنه _ .
&& فعن عمرو بن سلمة : كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل الغداة ، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد ، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا فجلس معنا حتى خرج.
فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن: إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا. قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، ويقول: هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول: سبحوا مائة، فيسبحون مائة! قال (أي ابن مسعود): فماذا قلت لهم؟ قال: ما قلت لهم شيئا، انتظار رأيك وانتظار أمرك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم؟!! ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟! قالوا: يا أبا عبد الرحمن: حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: «فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء! ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر! والذي نفسي بيده إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير!!
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه إن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم ولى عنهم.» فقال عمرو بن سلمة : رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج. \ رواه الدارمي وصححه الألباني : أنظر السلسلة الصحيحة حديث رقم ( 2005 ) \.
&& فمن خلال هذا الأثر العظيم تتضح لنا دلالات منها :
أولا: أن اختراع هيئات للذكر لا أصل لها في الشرع، من البدع المنكرة التي تذهب بثواب العمل، لذلك قال عبد الله بن مسعود لتلك الحلق: «ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم».
ثانيا: إن الابتداع في مجال العبادة، غالبا ما يكون عن حسن نية، وطلب المبالغة في التقرب إلى الله عز وجل. لذا قال هؤلاء لعبد الله
والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير!) وهو رضي الله عنه ، لم يطعن في نيتهم،وإنما قال لهم كلمة بليغة، جديرة بالتأمل والوقوف عندها طويلا، لمن أراد أن يسلك طريقا في العبادة، دون أن يعرف أصلها في الكتاب أو السنة، قال لهم: «وكم من مريد للخير لن يصيبه». وهذه الكلمة البليغة من عبدالله بن مسعود _ رضي الله عنه _ يتضح فيها أن حسن النية والإخلاص فيها لله لا تكفي لمشروعية العبادة، بل يجب أن يتوافر الشرط الثاني الذي أشرنا إليه سابقا من أنها لا بد أن توافق سنة النبي _ صلى الله عليه وسلم _ بالحيثيات التي ذكرناها فلا يصح إختراع هيئة أو صفة لعبادة ما ليس عليها دليل صحيح من الكتاب والسنة .
بل إن هذه العبادة تصبح وبالا ومخالفة لهديه _ صلى الله عليه وسلم _ ونهجه القويم ولا تنفع فيها حسن النية .حتى شنع عبدالله بن مسعود على القوم أيما تشنيع في مخالفتهم للسنة بإختراعهم تلك الهيئة في الذكر والتي لم يفعلها أفضل الخلق _ رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ وخير الأمة وأعلمها الصحابة _ رضوان الله عليهم _ حتى قال لهم : ((والذي نفسي بيده إنكم على ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحوا باب ضلالة )).
وجعل قرب وفاته _ عليه الصلاة والسلام _ ووجود وتوافر الصحابة بينهم حجة عليهم فكيف يبتدعون هذه البدعة على قربهم من عهد رسول الله وتوافر الصحابة الذين هم أوعية العلم الذي ورثّه _ صلى الله عليه وسلم _ لأصحابه _ رضي الله عنهم _ فقال _ رضي الله عنه : ((ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم ص متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر! ....)) .
ثالثا: وهنا أمر وهو أن مثل هذا النوع من البدع تخفى على الكثير. لذلك خفيت في أول الأمر على أبي موسى الأشعري، على جلالة قدره، حيث قال: «يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته (أي لم أعهده) ولم أر والحمد لله إلا خيرا».!
وبعد هذه النظرة السريعة في هذا النص المنهجي التطبيقي نأتي لموضوعنا المثار هاهنا ونعيد طرح التساؤل مرة أخرى : هل هذه الصورة المذكورة في موضوع أخينا الفاضل ,,,, الوزيـــر ,,,,, والتي إنتشرت في المنتديات كالنار في الهشيم داخلة في باب بدعية الذكر الجماعي أم لا ؟
وأنا هنا أضع هذا التصوير ليجيب كل قارئ لهذه الأسطر على السؤال بنفسه ، فؤجيب على هذا السؤال بطرح سؤال آخر .!
هل وضع رسول الله يوما صحيفة على باب مسجده أو في داره أو في أي مكان كان وقال لصحابته : دعونا نذكر الله فكلما مر أحدكم على هذه الورقة فليكتب ذكر من إستغفار أو تسبيح أو تكبير أو صلاة علي أوغيرها مما علمتكم إياه من الذكر ؟
فإن كان الجواب : نعم قد وردت مثل هذه الصورة . قلنا : (( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) .
وإن كان الجواب : لا لم يرد مثل هذا _ وهي الحق يقينا _ قلنا : فهذه مثل تلك .
تقرير هذه الهيئة والصورة من الذكر من البدع المخالفة لمنهاج السنة النبوية الشريفة وفهم سلف الأمة
وعلى رأسهم الصحابة _ رضوان الله عليهم _ .
فلا فرق بين صفحة ورق وصفحة ( نت ) فالعبرة بما إستعرضناه في أثر عبدالله بن مسعود من إختراع هيئات للذكر لم تكن في عهد رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ ولا عهد صحبه _ رضوان الله عليهم _ .
وعليه يا إخوان ويا اخوات لا يجوز نشر مثل هذه المواضيع ولا المشاركة فيها لأنها خلاف السنة مجانبة لطريقة النبي _ عليه الصلاة والسلام _ ورغبة عن سنته الصحيحة وهو القائل بأبي وأمي : (( ... فمن رغب عن سنتي فليس مني )) وكثير منا يعلم سبب هذا الحديث وهو الحديث الذي فيه خبر الثلاثة الذين تقالوا عمل النبي صلي الله عليه و سلم و أرادوا الزيادة عليها ، فقال الرسول صلي الله عليه و سلم " من رغب عن سنتي فليس مني" .
ولا يظنن ظان أن الأمر هين فإن القلب إذا تعود مخالفة السنة لتصوره أن الموضوع هين لا يستحق كل هذا النقاش والكلام فإنه لن ينفك عن التبرير لنفسه بهذا التبرير الخطير على الدين مرة بعد مرة حتى يؤول به المآل لإرتكاب البدع والمناهي والإنغماس في وحولها النتنه والصد عن دعاة السنة والعلم النافع .
ولا أدل على هذا ما جاء في آخر أثر عبدالله بن مسعود السالف والذي فيه : (( .... قال : وكم من مريد للخير لن يصيبه إن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم ولى عنهم.))
والذين أشار إليهم بن مسعود _ رضي الله عنه _ في حديث رسول الله (( أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ..)) هم الخوارج الذين خرجوا على جماعة المسلمين وكفروهم ورفعوا السيف على الأمة وصحب رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ .
وهذا الذي وقع من أولئك الذين لم ينتهوا عن تحلقهم في تلك الحلق بذريعة الذكر ولم يسمعوا لتحذير بن مسعود كما يتضح من قول راوي الأثر عمرو بن سلمة (( رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج . )) .
فانظروا يا إخوان كيف قادت تلك البدعة أولئك القوم إلى بدعة الخوارج حتى إستحلوا دماء المسلمين ؟
فلا تنظر لصغر البدعة فتستهونها بل أنظر لعظم من إستدركت عليه فاقترفت البدعه في دينه .
هذا... فما كان من صواب فمن الله تعالى وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفره تعالى من القول عليه بلا علم ، والله وحده أسأل أن يوفقني وجميع إخواني وأخواتي على طريق السنة وسبيل أهلها ويجنبنا وأمة محمد البدع في دينه ومخالفة نبيه _ صلى الله عليه وسلم _ ومنهاج أسلافنا الصالحين _ رضي الله عنهم أجمعين _ .
