بثيــــنة 19
:: عضو فعّال ::
الإنفعالات
الفهرس :
1/ المقدمة .
2/ تعريف الإنفعالات .
3/ أبعاد الإنفعالات .
4/ تصنيف أنماط الإنفعالات .
5/ مظاهر الإنفعالات والتغيرات المصاحبة لها .
6/ النظريات المفسرة للإنفعالات .
7/ العوامل المؤثرة في إرتقاء الإنفعالات .
8/ فوائد الإنفعالات .
9/ مضار الإنفعالات .
10/ التحكم في الإنفعالات أو السيطرة عليها .
المقدمة :
لا تمضي حياة الإنسان على وتيرة واحدة وعلى نمط واحد وإنما هي مليئة بالخبرات والتجارب المتنوعة التي تبعث فيها مختلف الإنفعالات والحالات الوجدانية فالإنسان يشعر بالحب حينا وبالبغض والكره حينا آخر . وهو يشعر بالخوف والقلق تارة وبالأمن والطمأنينة تارة أخرى . ويشعر بالفرح بعض الوقت وبالحزن والكآبة في بعض الأحيان . وهكذا نجد أن حياة الإنسان في تقلب مستمر وتغير دائم. وهذا لا شك يضفي على الحياة جزءا كبيرا مما لها من قيمة وما لها من متعة . وتصبح شبيهة بحياة الجماد الذي لا يحس ولا يشعر ولا ينفعل.
تعريف الإنفعال :
رغم أن مفهوم الإنفعال من المفاهيم الشائعة في مجال علم النفس فلا يوجد تعريف واحد يعترف به جميع المتخصصين في مجال علم النفس فهو كما يرى بول توماس يونغ "1961" يتمثل في عملية ذات طبيعة مركبة وإلى درجة أنه لا بد من تحليله إلى أجزاء من مختلف وجهات النظر . ففي الكتابات القديمة لبعض العلماء أمثال فونت وماكدوجل وغيرهم كان ينظر إلى الإنفعال كحدث شعوري. وتركزت المشكلات الأساسية حول علاقة بين الإنفعال الشعوري وبين تعبيرات الجسمية . تم تلا ذلك مباشرة إهتمام علماء النفس بالمظاهر الموضوعية للإنفعال . فيجب أن يميز المرء بين الموقف الذي يثير الإنفعال وبين رد الفعل الحادث . فالإرجاع الإنفعالية نفسها مظاهر داخلية وخارجية على السواء ويستخدم البعض من السيكلوجيين مفهوم الإنفعال على أنه عبارة عن نماذج إنعكاسية معينة للإستجابة (مثل الغضب والخوف والفرح …إلخ ). تتصل بالمراكز العصبية في منطقة الهيبوثلاموس . ويستخدم البعض الأخر نفس المفهوم بشكل أوسع وذلك على أنه إضطراب حاد ناشىء عن موقف سيكولوجي ويظهر في الخبرة الشعورية وفي السلوك . ومن خلال التغيرات في الأعضاء الحشوية الداخلية .
فالإنفعال يشير إلى ما يتعرض له الكائن الحي من تهيج أو إستثارة تتجلى فيما يطرأ عليه من تغيرات فسيولوجية وما ينتابه من مشاعر وأحاسيس وجدانية ومن رغبة في القيام بسلوك يتخفف به من هذه الإستثارة وسواء كان مصدر الإستثارة الإنفعالية داخليا أو خارجيا فهو وثيق الصلة بحاجات الكائن .
ويعرف ميلفن ماركس"1976" الإنفعال بأنه " إضطراب حاد لأنه يتميز بحالة شديدة من التوتر والتهيج العام ولأنه أثناء الإنفعال تتوقف جميع أنواع النشاطات الأخرى التي يقوم بها الفرد . ويصبح نشاطه حول الشيء أو الموقف الذي أثار غضبه. وكما أنه يؤثر في جميع كيان الفرد سواء في سلوكه أو خبرته الشعورية أو الوظائف الفسيولوجية الداخلية ( كما سنتعرض فيما بعد ) . وينشأ الإنفعال في الأصل عن مصدرنفسي لأنه يحدث نتيجة إدراك بعض المؤثرات الخارجية أو الداخلية .
ويمكن تصور الإنفعالات على أنها تتضمن جانبين هما :
الأول: المشاعر الذاتية .
والثاني: الإستجابات الموضوعية.
* المشاعر الذاتية:
حيث تعتبر الحالات الإنفعالية مثل الغضب والسرور خبرة ذاتية يشعر بها الفرد . ويمكن معرفتها وتحديدها من خلال التقارير اللفظية التي يصف الافراد من خلالها إنفعالاتهم.
· *الإستجابات الموضوعية:
· نظرا لأن هناك صعوبات في الحصول على تقارير لفظية دقيقة لوصف مشاعر الأفراد . يفضل دراسة الإستجابات الموضوعية وذلك سواء من خلال مشاهدة المظهر أو الملامح الخارجية للجسم أو من خلال تسجيل الإستجابات الداخلية ( مثل ضغط الدم . ضربات القلب . التنفس. رسام المخ الكهربائي ….إلخ).
أبعاد الإنفعالات :
تمثلت جهود علماء النفس في محاولة التوصل إلى أهم الأبعاد التي يمكن وصف الإنفعالات على أساسها في الابعاد التالية :
*النبرة أو الطابع الوجداني
*الشدة
*مدة الإنفعال
*التعقيد أو التركيب
ونعرض فيما يلي كل بعد على حدى
1/النبرة أو الطابع الوجداني :
يعد الطابع الوجداني المتمثل في مشاعروجدانية مثل ( السرور) وعلى الرغم أن الكائن ينجدب إلى النوعيات السارة من الإنفعالات وينفر أو يبتعد عن النوعيات غير السارة .
فإنه ليس من السهل دائما أن نميز بدقة وبشكل قاطع بين هذين النوعين وخاصة في الحالات الإستثارة الإنفعالية المعتدلة .
2/الشدة:
تظهر شدة الإنفعال أو قوته بوضوح في زيادة الطاقة المبذولة في العمليات الثلاث المكونة للإنفعال وهي " الشعور أو الخبرة الشعورية أو الوعي – السلوك الصريح – والإستجابات الفسيولوجية ". وتتسم العلاقة بين هذه العناصر الثلاثة بانها غير متسقة حيث تختلف في درجة شدتها أو قوتها في الإنفعال الواحد . كما تختلف من إنفعال لآخر.
3/مدة الإنفعال :
تختلف الإستجابات الإنفعالية في الفترة الزمنية التي تستغرقها . فالإستجابة لأالم من مستوى معين – على سبيل المثال – قد تكون بسيطة ووقتية وليس لها آثار واضحة كما قد تكون مبالغ فيها
ويرى توماس يونغ أنه يمكن تصور الإنفعالات كأحد العمليات الوجدانية في ضوء عدة مستويات تختلف من حيث طول الفترة الزمنية
* المستوى الأول:
حيث تواجد المشاعر الحسية البسيطة ( الإيجابية-السلبية ) وتشمل على نوعين وهي حالات السرور أو الكدر .
* المستوى التاني :
المشاعر التي تتسم بالإستمرار أو الدوام ةعن المستوى السابق .
* المستوى الثالث : الإنفعالات .
وتشير إلى العمليات الوجدانية المضطربة التي تنشأ عن مصدر نفسي . ويصحبها عدة تغيرات جسمية . ومنها الغضب الشديد والخجل والحزن والفرح .
* المستوى الرابع الحالة المزاجية .
ويشير إلى الحالة الإنفعالية الأقل إضطرابا من الإنفعال وأقل شدة منه و أنها أكثر إستمرارا أو بقاء من الإنفعال . فيمكن أن يستمر لعدة ساعات أو أيام أو أسابيع . فالشخص متغير المزاج يعبر نمطا عن إنفعالاته في سلوكه العام ( مثل الإكتئاب – القلق – المرح) فالإنفعالات إذن حالة حادة من الإضطراب . أما المزاج فهو حالة مزمنة .
* المستوى الخامس : الوجدان
.ويستخدم هذا المفهوم في كل من الطب النفسي وعلم النفس الأكلينيكي ومنه حالات الإكتئاب الشديدة – القلق – الهوس – الشعور بالنشوة.
* المستوى السادس: العواطف .
وهي عبارة عن مشاعر تقوم على أساس الخبرات والمعارف الماضية . ويتضمن هذا المستوى تحقيق درجة من الرضا وإشباع الرغبات أو عدمها وذلك عند العمل في مجال معين ( كالموسيقى أو الفن أو الشعر …إلأخ )
* المستوى السابع : الإهتمام والمنفرات .
ويشتمل هذا المستوى على الإهتمامات والأنشطة التي يحبها الفرد ويستغرق في ممارستها وقتا طويلا. وكما يشتمل على المنفرات وهي الأنشطة التي لا يحبها الفرد ويحاول تحاشيها والإبتعاد عنها كلما أمكن ذلك .
* المستوى الثامن : المزاج كسمة .
وعندما نتحدث عن هذا المستوى نقصد به أن هناك نمطا إنفعاليا مزمنا أو سمة من سمات الشخصية تتسم بقدر كبير من الإستقرار والثبات وتظهر في العديد من تصرفات الفرد وسلوكياته
وعلى الرغم من أن هناك تداخلا بين الإنفعالات وبعض المفاهيم الأخرى إلا أن الشيء الواضح هو أن الإنفعال "عملية إنفعالية تتميز عن الجوانب الأخرى بأنها حالة حادة من الإضطراب الوجداني التي تستغرق فترة زمنية قصيرة ".
4/التعقيد أو التركيب
تتسم الإنفعالات بأن هناك علاقات وإرتباطات فيما بينها . لذلك يصعب الفصل بينها . فلا يمكننا مثلا أن نحدد بدقة حالة نقية تماما من الخوف أو الغضب فقط. ولذلك فإن محاولة تصنيف الإنفعالات هي الخطوة الأولى نحو تبسيطها والوقوف على كل نوع منها وتحديد مظاهره والتغيرات المصاحبة له . وهذا ما سنتناوله في الفقرة التالية.
تصنيف أنماط الإنفعالات :
تعد المسميات اللفظية للإنفعالات –فيما يرى ميلفن ماركس- غير كافية لإبراز ملامحها وأبعادها. ويقترح تقيما للأنماط الرئيسية للإنفعالات في ضوء فئتين :
الأولى : وختص بالمنشأ أو أصل الإنفعالات .
الثانية : وتختص بموضوع الإنفعال .
وبإستخدام هذا المحك كأساس للتصنيف يمكننا أن نميز بين مصدرين رئيسيين للإنفعالات هما . المواقف والكائنات الحية ( وخاصة الآدميين ) ثم عمل بعض التصنيفات الفرعية طبقا لموضوعات الإنفعال التي تندرج في كل فئة على حدى.
1/الإنفعالات الموقفية :
ويستثار هذا النوع من الإنفعالات عن طريق الآثارالحسية المباشرة للمنبهات أو بواسطة الدفاعية طويلة المدى أو خصائص الموقف . ويظهر الاساس الحسي للإنفعال بوضوح في حالات الشعور بالألم . فالمنبه الشديد أو الإجهاد الدي يؤثر على بناء الجسم وخاصة في الاجزاء السطحية منه – يحاول الفرد التخلص منه والإبتعاد عنه في حين أن إستجابة الألم التي تؤدي إلى الغضب ( الهجوم ) أو الخوف ( الهروب ) تعتمد على طبيعة الموقف ووعي الفرد بها .
2/الإنفعالات الأولية :
تستثار معظم الإنفعالات بنفس الطريقة التي يدرك بها الكائن مختلف المواقف والمنبهات . وتنقسم الإستجابات الإنفعالية الأولية إلى أربعة أنماط أساسية وهي : السعادة و الأسى والخوف والغضب
ونعرضها على النحو التالي :
* السعادة : إستجابة السرور أو السعادة هي نتائج إرضاء دافع ما. وكلما كان الدافع قويا أو عميقا بالنسبة للفرد كان أكثر كفاءة على بعض السرور لديه
ويظهر هذا النوع من الإنفعالات في أشكال مختلفة كالفرح الشديد أو النشوة .
* الأسى : وفي النهاية المتصل الوجدني للسرور نجد ما نسميه بإنفعال الأسى . والذي ينتج عن فقدان هدف ما أو موضوع مرغوب . وقد يصل هذا النوع من الإنفعالات بالفرد إلى حالة متطرفة فيصاب بالإكتئاب.
* الخوف : يقع الخوف أيضا في نهاية المتصل الوجداني للسرور أو السعادة . ولكنه ليس مقابلا لها . ويعد الخوف إستجابة متعلمة تتوقف على إكتساب الفرد للخبرات ومعارف .
ويؤدي إنفعال الخوف وظيفة بيولوجية هامة. فهو يدفع الفرد إلى الهرب من الخطر والحذر منه فيعينه على حفظ حياته . غير أن كثيرا ما يتجاوز الخوف هذه الوظيفة المفيدة فيصبح سببا لإلحاق الضرر بحياة الفرد . وإنفعال الخوف هو إنفعال مكتسب فقد دلت التجارب التي قام بها واطسون على أن الطفل الصغير لا يكاد يخاف إلا من الأصوات الشديدة المفاجئة . فهو لا يخاف الضلام أو النار أو الثعابين أو القطط أو الكلاب أو غير ذلك من الأشياء التي قد يخاف منها الكبار . ثم يتعلم الطفل فيما بعد الخوف من أشياء كثيرة لم يكن يخافها من قبل.
ويتفاوت الخوف كثيرا من شخص لآخر ومن حضارة لأخرى . ويلاحظ أنه يستثار بتنبيه خارجي وليس من إجراء حاجة داخلية تلقائية فعندما يواجه الكائن منبها مؤلما تحدث إستجابة إنسحاب وفيما بعد قد يسبب مجرد إقتراب المنبه المؤلم منه الإنسحاب . ويقول الشخص بانه يشعر بالخوف . وهذا يوحي بأن الخوف إستجابة متعلمة . وتتوقف على الخبرة الماضية . وينمو شعور الطفل بالخوف من عمر لآخر فهو يرتبط أول الأمر بالواقع . ذلك أن الطفل عندما يتعلم المشي يتعرض لسقطات مؤلمة . وهكذا ينمو لديه خوف يبرزه الواقع . ومع تزايد نضج الطفل يتعلم عادة بأنه بالتعامل مع هذه التهديدات ويختفي الخوف . والخوف كأحد أنواع الإنفعالات يتضمن حالة من حالات التوتر التي تدفع الخائف إلى الهرب من الموقف الذي أدى إلى إستثارة الخوف حتى يزول التوتر ويزول الإنفعال .
ويصاحب إنفعال الخوف بعض التغيرات الفسيولوجية مثل سرعة خفقان القلب والإحسساس بالهبوط في المعدة والرعشة في الركايب وتصيب العرق والقىء .
* الغضب : يقوم إنفعال الغضب بفائدة هامة للفرد فهو يزيد من نشاطه ويدفعه في بعض الأحيان إلى القيام ببعض الأعمال العنيفة لإزالة ما يعترضه من عوائق. ولكن كثيرا ما يشتد إنفعال الغضب ويصعب على الشخص التحكم فيه فيؤدي إلى بعض النتائج الضارة أو السلبية . ويظهر هذا النوع من الإنفعالات نتيجة عوامل وظروف عدة منها الحرمان أو المنع . فأول ما يثير غضب الاطفال هو شعورهم بالعجز عن تحقيق أغراضهم ورغباتهم . كما يثير غضب الأطفال الشعور بالحرمان من حب الوالدين وعطفهما .
يتضح مما سبق أن كلا من إنفعال الخوف والغضب ينشأ نتيجة إحباط لبعض الدوافع الأساسية للكائن الحي. فالخوف يحدث إذا إعترضت الكائن الحي بعض العقبات وحالت بينه وبين تحقيق رغبته . ويؤدي الإنفعال في كل من حالتي الخوف والغضب وإلى زيادة النشاط اي يمكن إستخدامه في مواقف الخطر المخيفة أو في إزالة العقبات التي تعوق الفرد من الوصول إلى رغبته .
ويرتبط نضج الشخص بقدرته على التحكم في إنفعال الغضب الذي يفقده القدرة على حسن مواجهة الموقف .
3/الإنفعالات الإجتماعية :
وتنقسم إلى فئتين رئيسيتين:
الأولى : وتختص بالذات المرجعية " كالفخر والخجل والشعور بالذنب"
الثانية : وتتعلق بالتفاعل مع الآخرين " كالحب والكراهية .."
ويبدو أن هناك درجة كبيرة من التداخل بين الإنفعالات الإجتماعية والإنفعالات الموقفية . ويعتمد هذا الفصل على الشخص أو الأشخاص في مواقف معينة أكثر من إعتماده على الموقف في حد ذاته . ولأن تقسيمنا للإنفعالات يهدف إلى الشرح والتفسير وليس نتيجة بحوث أو دراسات أجريت في هذا الصدد.
وتنقسم الإنفعالات الإجتماعية إلى فئتين :
* إنفعالات تقدير الذات :
حيث تعد قدرة الفرد على تقييم ذاته من أكثر الجوانب المركزية في بنائه السيكولوجي. وعملية تقدير الذات هي عملية دالة للمتغيرات الشخصية والإجتماعية العديدة ومن هذه المتغيرات : المستوى الأكاديمي أو الأخلاقي والثقافي والإقتصادي والإطار الحضاري . ويؤثر في عملية تقدير الفرد لذاته كل من الشعور بالذنب والخزي والندم .
ويشير الخزي إلى حالة منخفظة من تقدير الذات . أما الشعور بالذنب فيشير إلى إستجابة إنفعالية أكثر إرتباطا بإنتهاك المعايير والقواعد الأخلاقية . أما الندم فهو حالة أكثر وضوحا وإمتدادا للشعور بالذنب . وتختلف هذه الحالات الإنفعالية من ثقافة لأخرى.
* الإنفعالات الخاصة بالعلاقات بين الأشخاص :
يمتد المتصل الوجداني من أقصى درجات المشاعر الإيجابية إلى أقصى درجات المشاعر السلبية . ويجب ألا يقتصر تعاملنا فقط على هذين القطبين : الحب – الكراهية .
فالحب كحالة إنفعالية يترتب عليه المزيد من الإتصال والتفاعل مع الأفراد الآخرين . ويجب تصوره في ضوء أنواعه المختلفة : كالحب الرومنسي وحب الوالدين …إلخ.
أما الكراهية فهي حالة إنفعالية يترتب عليها النفور والبعد عن الآخرين . وهناك درجات مختلفة من الحب والكراهية . ترتبط درجة إستمرار أو دوام أي منهما بحضور أو غياب الأفراد.
مظاهر الإنفعالات والتغيرات المصاحبة لها :
يمكن تقسيم التغيرات المصاحبة للإنفعال إلى نوعين رئيسيين. هما : التغيرات الفيسيولوجية الداخلية . و التعبيرات الجسمية الخارجية.
1/التغيرات الفسيولوجية الداخلية :
تصاحب الحالة الإنفعالية للفرد عدة تغيرات فسيولوجية كضغط الدام وسرعة التنفس .. كما تتأثر الغدد والعضلات ونشاط المعدة والأمعاء …إلخ
* ضغط الدم : يحدث أثناء الإنفعال تغيرات في ضغط الدم وتوزيعه في أجزاء الجسم . فنجد إحتقانا في كل من الوجه والرقبة عند الغضب . ويحدث هذا الإحتقان لأن الأوعية الدموية تتمدد فتزيد من كمية الدم قرب سطح الجلد.
* إستجابة الجلد : حيث يصاحب الإنفعال حدوث تغيرات كهربائية يمكن التأكد منها عن طريق توصيل أقطاب كهربائية إلى الجلد ( على الكفين ) متصلة بجلفانومتر لتسجيل الإستجابة (1) الجلفانية للجلد . وتعد إستجابة الجلد الكهربائية بمثابة مؤشرللتغيرات الإنفعالية .
* التنفس : يتغير معدل التنفيد وزمن الشهيق والزفير حسب الحالة الإنفعالية فنجده ينقطع برهة من الزمن في الحالات الدهشة . ويكون متقطعا أثناء الشحك أو البكاء . فعند الكشف عن الكذب على سبيل لمثال يتم تسجيل مستديم للتنفس أو ضغط الدم أو الإثنين معا لإظهار حالة التهيج الإنفعالي عند الشخص الكاذب .
* ضربات القلب : كما يتغير أيضا معدل ضربات القلب أثناء الحالة الإنفعالية فقد لوحظ أن سرعة النبض قد تزيد أثناء الإنفعال من 72 إلى 150 نبضة في الدقيقة . كما أوضحت بعض التجارب التي أجريت على عينات من الطلبة أن قوة إندفاع الدم من القلب قبل الإمتحان تزيد لترين في الدقيقة عنه بعد الإمتحان .
* توتر وإرتعاش العضلات : يعتبر توتر العضلات من الأعراض المصاحبة للإنفعال فقد يرتعش الفرد أثناء الإنفعال الشديد. وتبين من خلال رسام العضلات الكهربائي أن النشاط الكهربائي يتزايد أثناء إنفعال الفرد .
* حركة المعدة والأمعاء : فقد تبين أن حالات الغضب يصاحبها إنتفاخ الأغشية الداخلية للمعدة مع زيادة في |إنقباض عضلاتها وإرتفاع نسبة إفراز الحامض منها . أما في حالات الإكتئاب فتقل نسبة الحامض وتكف المعدة عن الحركة .
كما تبين من خلال إستخدام الأشعة السينية أن حركة المعدة والأمعاء تتأثر بالإنفعال الشديد . وقد تؤدي الآثار الإنفعالية إلى القيء والإسهال.
* الإنفعال والكليتان : كما تتغير وظائف الكلية ونسبة الماء والأملاح في الجسم تبعا لتغير حالة الإنفعالية . ففي حالات التهيج والخوف الشديد على سبيل المثال تزيد نسبة التبول .
* الإنفعال والغدد الصماء : تتغير معدلات إفراز الغدد الصماء للهرمونات أثناء الإنفعال . فمثلا تنشط الغدتان المجاورتين للكليتين في حالات الغضب والخوف من خطر مفاجىء فنجد زيادة في إفراز هرمون الأدرينالين الذي يؤدي بالكبد إلى زيادة نشاطه فيقوم بزيادة كمية السكر الذي يفرزه الكبد في الدم . وتؤدي زيادة كمية السكر إلى تعبئة طاقة الفرد لمواجهة حالة الإنفعال فتزول آثارها بسرعة.
2/التعبيرات الجسمية الخارجية :
تعتبر التعبيرات الجسمية الخارجية من الوسائل التي نستدل من خلالها على إنفعالات ومشاعر الأفراد وعلى الرغم من أن هناك بعض التعبيرات الإنفعالية يمكن إخفاؤها إلا أن البعض الآخر يصعب إخفاؤه لعدم قدرة الشخص على التحكم في جهازه العصبي . وتعتمد قدرة الشخص على التحكم في تعبيراته غير اللفظية على درجة صحته النفسية والجسمية . فقد تبين من خلال البحث الذي آجراه كل من أكمان وآخرون عن التعبيرات الإنفعالية للمرضى العقليين تبين أن هؤلاء المرضى أقل تحكما في التعبيرات أيديهم وأرجلهم منهم في تحكمهم لتعبيرات وجوههم .وقد أفترضا تفسيرا لهذا هو أن المناطق الجسمية لديهم أقل خضوعا للضبط من غيرها وأن تعبيراتهم عن مشاعرهم وأفكارهم تتسرب لديهم من بعض المناطق الأقل ضبطا أو تحكما .
النظريات المفسرة للإنفعالات :
1/ النظريات الفسيولوجية :
* نظرية جيمس- لانج : نشر عالم الفسيولوجي الدنماركي " كارل جورج لانج .( 1834- 1950) " عام 1885 نظريته في الإنفعالات تتمثل في أن الإنفعالات تحدث نتيجة لشعور الشخص بالتغير في الأوعية الدموية .
وكان وليم جيمس ( 1842-1900 ) الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي قد توصل مستقلا إلى نظرية متشابهة . ونشر عام 1890 في كتابه مبادىء علم النفس نظريته في الإنفعال واضعا في حسبانه إسهام لانج . وقد عرفت النظرية فيما بعد بإسم نظرية جيمس - لانج . في الإنفعال.
ولم تكن نظرية لانج شديدة الإتساع إذ كانت تؤكد فقط على تغير الأوعية الدموية في حين إهتم وليم جيمس بكل أنواع التغيرات الحشوية . إلا أنهما يتفقان على أن الإنفعالات تكون نتيجة شعور الشخص بالتغيرات في الأوعية أو الأحشاء الداخلية . فالإحساس الحشوي الجسمي يسبق الإحساس الإنفعالي .. (فمثلا نحن نري شيئا مخيفا فنرتعش ثم نشعر بالخوف ). وعلى العكس من الفكرة الشائعة- وقتئذ التي تذهب إلى أن الإنفعال يترتب عليه السلوك – أكد وليم جيمس أن السلوك هو الذي يولد الإنفعال ويلخص مضمون النظرية بقوله : " إننا نخاف لأننا نجري . "
وهذا فيما يرى " هيلجارد و إيكيسون " وهو الذي أعطى هذه النظرية شيئا من القبول والمعقولية .
وعلى الرغم من أهمية هذه النظرية . فإن هناك بعض التجارب التي تقيم الدليل على أنها نظرية قاصرة . حيث تبين أن الشعور الإنفعالي لا يحدث إذا هيجنا الغدد والأحشاء بطريقة تجريبية . فلإضطرابات الفسيولوجية الحشوية ليست وحدها المسئولة عن الشعور بالإنفعالات .
ونتيجة لهذه الإنتقادات التي وجهت إلى نظرية جيمس – لانج في تفسير الإنفعالات . تقدم عالم الفسيولوجي الأمريكي" ولتر كانون "( 1871- 1945 ) بنظريته التي نعرض لها على النحو الآتي :
* النظرية الثلاموسية أو المهادية : وهي النظرية التي قدمها كانون لتفسير الإنفعالات . ومضمونها أن المشاعر الإنفعالية هي تنيجة تنبيه الثلاموس أو المهاد . أما التعبيرات السلوكية للإنفعال فهي من وظائف الهيبوثلاموس أو مهاد المخ .
وتفترض هذه النظرية أن الإحساسات المختلفة من الجسم تصل إلى كل من القشرة المخية والهيبوثلاموس من خلال مسارات الإحساس الصاعدة . حيث يصدر نوعان من السيالات العصبية : أحدهما لقشرة المخ للشعور بالإنفعال . والثاني للهيبوثلاموس ويختص بالسلوك الإنفعالي ومظاهره . وتشير هذه النظرية إلى أن الشعور الإنفعالي والسلوك الإنفعالي يصدران في نفس الوقت وليس كما يظن سابقا واحدة تلي الأخرى.
ويؤخد على هذه النظرية أنها مجرد إفتراضات ولا يوجد برهان علمي أو ثبات يبين أن الشعور بالإنفعال يصدر من المهاد وأن المهاد لا يخدم إلا الشعور بالحساسية الأولية .
ملاحظة : المهاد الثلاموس هو مركز تنظيم المعلومات الحسية التي ترد المخ . حيث يخبر المخ بما يحدث خارج حدود الجسم.
أما ما تحت المهاد الهيبوثلاموس فهو يراقب أجهزة الجسم التي تنظم وظائفه فهو يخبر المخ بما يجري داخل الجسم .
2/النظرية المعرفية :
تفتقد النظريات الفسيولوجية إلى مظهرهام من مظاهر الخبرة الإنفعالية . فالإحساس بالسعادة أو اليأس من شيء معين مصحوب بخبرات ومعارف عن هذا الشيء . وطبقا لهذه الوجهة من النظر فإن الإنفعال يعد نتيجة التفاعل بين الإستثارة الداخلية والعمليات المعرفية.
وقد ساعدت سلسلة التجارب الحديثة على سد الفجوة في النظريات الفسيولوجية المفسرة للإنفعال . فالتعبير الإنفعالي يمكن أن يحدث في غياب أي مشاعر إنفعالية أو دون وجود دليل واضح يؤكدها . ومن هنا برزت أهمية تفسيرنا في ضوء الخبرات والمعارف التي توجد لدى الفرد عن موضوع الإنفعال فعملية تقدير الفرد للموقف الخارجي في ضوء خبراته ومعارفه هي عملية معرفية تؤثر في الإنفعال .
3/ النظريات السلوكية :
ينشأ الإنفعال من وجهة نظر السلوكيين نتيجة الصراع المستثار لدى الكائن الحي . والذي يؤدي به للقيام بإستجابات غير متسقة. كما يفسر البعض الآخر الإنفعالات في ضوء إضطراب السلوك . ويؤخذ على هذه النظريات – فيما يرى ميلفن ماركس – أن هناك صعوبات في تحديد التعريفات الإجرائية الدقيقة لمعنى الصراع بإعتباره اساسا للإنفعالات .
وقد تعامل واطسون مع الإنفعال على أنه نمط وراثي من الإستجابة وتتضمن تغيرات جسمية في جسم الكائن الحي ككل . وخاصة في الأنظمة الحشوية والغددية . وقد عالج واطسون الإنفعالات بنفس الطريقة التي تعامل بها مع الإستجابات غير شرطية التي تحدث بشكل متسق لمنبهات معينة . ويلاحظ أن واطسون لم يهتم بالتحليل الفسيولوجي للإنفعال أو بدور الجهاز العصبي.
أما تومان فيتعامل مع الإنفعال على أنه إستجابة لتنبيه معين . فالإنفعال لا يمكن تحديده بواسطة المنبهات فقط أو الإستجابات فقط ولكن في ضوء العلاقة بينهما . وقد إهتم تولمان بآثار التعلم على الإنفعالات سواء لدى الحيوانات أو الأطفال أو الراشدين . أما سكينر فقد تعامل في البداية مع الإنفعالات على أنها ليست نوعا آليا من الإستجابة ولكنها نوع من القوة يمكن مقارنتها أو مضاهاتها بمظاهر الحوافز .
ثم تغيرت معالجة سكينر للإنفعالات بعذ ذلك حيث إعتبرها حالة إفتراضية تمثل إستعداد أو تهيؤ للفعل أو الإستجابة بشكل معين . ويرى أن الإنفعال عبارة عن " جملة من النشاط أو الإستثارة يصاحبها تغيرات في الأحشاء و العضلات ".
العوامل المؤثرة في إرتقاء الإنفعالات :
* حسين حسن سليمان . السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية، بين النظرية والتطبيق المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 2005
الفهرس :
1/ المقدمة .
2/ تعريف الإنفعالات .
3/ أبعاد الإنفعالات .
4/ تصنيف أنماط الإنفعالات .
5/ مظاهر الإنفعالات والتغيرات المصاحبة لها .
6/ النظريات المفسرة للإنفعالات .
7/ العوامل المؤثرة في إرتقاء الإنفعالات .
8/ فوائد الإنفعالات .
9/ مضار الإنفعالات .
10/ التحكم في الإنفعالات أو السيطرة عليها .
المقدمة :
لا تمضي حياة الإنسان على وتيرة واحدة وعلى نمط واحد وإنما هي مليئة بالخبرات والتجارب المتنوعة التي تبعث فيها مختلف الإنفعالات والحالات الوجدانية فالإنسان يشعر بالحب حينا وبالبغض والكره حينا آخر . وهو يشعر بالخوف والقلق تارة وبالأمن والطمأنينة تارة أخرى . ويشعر بالفرح بعض الوقت وبالحزن والكآبة في بعض الأحيان . وهكذا نجد أن حياة الإنسان في تقلب مستمر وتغير دائم. وهذا لا شك يضفي على الحياة جزءا كبيرا مما لها من قيمة وما لها من متعة . وتصبح شبيهة بحياة الجماد الذي لا يحس ولا يشعر ولا ينفعل.
تعريف الإنفعال :
رغم أن مفهوم الإنفعال من المفاهيم الشائعة في مجال علم النفس فلا يوجد تعريف واحد يعترف به جميع المتخصصين في مجال علم النفس فهو كما يرى بول توماس يونغ "1961" يتمثل في عملية ذات طبيعة مركبة وإلى درجة أنه لا بد من تحليله إلى أجزاء من مختلف وجهات النظر . ففي الكتابات القديمة لبعض العلماء أمثال فونت وماكدوجل وغيرهم كان ينظر إلى الإنفعال كحدث شعوري. وتركزت المشكلات الأساسية حول علاقة بين الإنفعال الشعوري وبين تعبيرات الجسمية . تم تلا ذلك مباشرة إهتمام علماء النفس بالمظاهر الموضوعية للإنفعال . فيجب أن يميز المرء بين الموقف الذي يثير الإنفعال وبين رد الفعل الحادث . فالإرجاع الإنفعالية نفسها مظاهر داخلية وخارجية على السواء ويستخدم البعض من السيكلوجيين مفهوم الإنفعال على أنه عبارة عن نماذج إنعكاسية معينة للإستجابة (مثل الغضب والخوف والفرح …إلخ ). تتصل بالمراكز العصبية في منطقة الهيبوثلاموس . ويستخدم البعض الأخر نفس المفهوم بشكل أوسع وذلك على أنه إضطراب حاد ناشىء عن موقف سيكولوجي ويظهر في الخبرة الشعورية وفي السلوك . ومن خلال التغيرات في الأعضاء الحشوية الداخلية .
فالإنفعال يشير إلى ما يتعرض له الكائن الحي من تهيج أو إستثارة تتجلى فيما يطرأ عليه من تغيرات فسيولوجية وما ينتابه من مشاعر وأحاسيس وجدانية ومن رغبة في القيام بسلوك يتخفف به من هذه الإستثارة وسواء كان مصدر الإستثارة الإنفعالية داخليا أو خارجيا فهو وثيق الصلة بحاجات الكائن .
ويعرف ميلفن ماركس"1976" الإنفعال بأنه " إضطراب حاد لأنه يتميز بحالة شديدة من التوتر والتهيج العام ولأنه أثناء الإنفعال تتوقف جميع أنواع النشاطات الأخرى التي يقوم بها الفرد . ويصبح نشاطه حول الشيء أو الموقف الذي أثار غضبه. وكما أنه يؤثر في جميع كيان الفرد سواء في سلوكه أو خبرته الشعورية أو الوظائف الفسيولوجية الداخلية ( كما سنتعرض فيما بعد ) . وينشأ الإنفعال في الأصل عن مصدرنفسي لأنه يحدث نتيجة إدراك بعض المؤثرات الخارجية أو الداخلية .
ويمكن تصور الإنفعالات على أنها تتضمن جانبين هما :
الأول: المشاعر الذاتية .
والثاني: الإستجابات الموضوعية.
* المشاعر الذاتية:
حيث تعتبر الحالات الإنفعالية مثل الغضب والسرور خبرة ذاتية يشعر بها الفرد . ويمكن معرفتها وتحديدها من خلال التقارير اللفظية التي يصف الافراد من خلالها إنفعالاتهم.
· *الإستجابات الموضوعية:
· نظرا لأن هناك صعوبات في الحصول على تقارير لفظية دقيقة لوصف مشاعر الأفراد . يفضل دراسة الإستجابات الموضوعية وذلك سواء من خلال مشاهدة المظهر أو الملامح الخارجية للجسم أو من خلال تسجيل الإستجابات الداخلية ( مثل ضغط الدم . ضربات القلب . التنفس. رسام المخ الكهربائي ….إلخ).
أبعاد الإنفعالات :
تمثلت جهود علماء النفس في محاولة التوصل إلى أهم الأبعاد التي يمكن وصف الإنفعالات على أساسها في الابعاد التالية :
*النبرة أو الطابع الوجداني
*الشدة
*مدة الإنفعال
*التعقيد أو التركيب
ونعرض فيما يلي كل بعد على حدى
1/النبرة أو الطابع الوجداني :
يعد الطابع الوجداني المتمثل في مشاعروجدانية مثل ( السرور) وعلى الرغم أن الكائن ينجدب إلى النوعيات السارة من الإنفعالات وينفر أو يبتعد عن النوعيات غير السارة .
فإنه ليس من السهل دائما أن نميز بدقة وبشكل قاطع بين هذين النوعين وخاصة في الحالات الإستثارة الإنفعالية المعتدلة .
2/الشدة:
تظهر شدة الإنفعال أو قوته بوضوح في زيادة الطاقة المبذولة في العمليات الثلاث المكونة للإنفعال وهي " الشعور أو الخبرة الشعورية أو الوعي – السلوك الصريح – والإستجابات الفسيولوجية ". وتتسم العلاقة بين هذه العناصر الثلاثة بانها غير متسقة حيث تختلف في درجة شدتها أو قوتها في الإنفعال الواحد . كما تختلف من إنفعال لآخر.
3/مدة الإنفعال :
تختلف الإستجابات الإنفعالية في الفترة الزمنية التي تستغرقها . فالإستجابة لأالم من مستوى معين – على سبيل المثال – قد تكون بسيطة ووقتية وليس لها آثار واضحة كما قد تكون مبالغ فيها
ويرى توماس يونغ أنه يمكن تصور الإنفعالات كأحد العمليات الوجدانية في ضوء عدة مستويات تختلف من حيث طول الفترة الزمنية
* المستوى الأول:
حيث تواجد المشاعر الحسية البسيطة ( الإيجابية-السلبية ) وتشمل على نوعين وهي حالات السرور أو الكدر .
* المستوى التاني :
المشاعر التي تتسم بالإستمرار أو الدوام ةعن المستوى السابق .
* المستوى الثالث : الإنفعالات .
وتشير إلى العمليات الوجدانية المضطربة التي تنشأ عن مصدر نفسي . ويصحبها عدة تغيرات جسمية . ومنها الغضب الشديد والخجل والحزن والفرح .
* المستوى الرابع الحالة المزاجية .
ويشير إلى الحالة الإنفعالية الأقل إضطرابا من الإنفعال وأقل شدة منه و أنها أكثر إستمرارا أو بقاء من الإنفعال . فيمكن أن يستمر لعدة ساعات أو أيام أو أسابيع . فالشخص متغير المزاج يعبر نمطا عن إنفعالاته في سلوكه العام ( مثل الإكتئاب – القلق – المرح) فالإنفعالات إذن حالة حادة من الإضطراب . أما المزاج فهو حالة مزمنة .
* المستوى الخامس : الوجدان
.ويستخدم هذا المفهوم في كل من الطب النفسي وعلم النفس الأكلينيكي ومنه حالات الإكتئاب الشديدة – القلق – الهوس – الشعور بالنشوة.
* المستوى السادس: العواطف .
وهي عبارة عن مشاعر تقوم على أساس الخبرات والمعارف الماضية . ويتضمن هذا المستوى تحقيق درجة من الرضا وإشباع الرغبات أو عدمها وذلك عند العمل في مجال معين ( كالموسيقى أو الفن أو الشعر …إلأخ )
* المستوى السابع : الإهتمام والمنفرات .
ويشتمل هذا المستوى على الإهتمامات والأنشطة التي يحبها الفرد ويستغرق في ممارستها وقتا طويلا. وكما يشتمل على المنفرات وهي الأنشطة التي لا يحبها الفرد ويحاول تحاشيها والإبتعاد عنها كلما أمكن ذلك .
* المستوى الثامن : المزاج كسمة .
وعندما نتحدث عن هذا المستوى نقصد به أن هناك نمطا إنفعاليا مزمنا أو سمة من سمات الشخصية تتسم بقدر كبير من الإستقرار والثبات وتظهر في العديد من تصرفات الفرد وسلوكياته
وعلى الرغم من أن هناك تداخلا بين الإنفعالات وبعض المفاهيم الأخرى إلا أن الشيء الواضح هو أن الإنفعال "عملية إنفعالية تتميز عن الجوانب الأخرى بأنها حالة حادة من الإضطراب الوجداني التي تستغرق فترة زمنية قصيرة ".
4/التعقيد أو التركيب
تتسم الإنفعالات بأن هناك علاقات وإرتباطات فيما بينها . لذلك يصعب الفصل بينها . فلا يمكننا مثلا أن نحدد بدقة حالة نقية تماما من الخوف أو الغضب فقط. ولذلك فإن محاولة تصنيف الإنفعالات هي الخطوة الأولى نحو تبسيطها والوقوف على كل نوع منها وتحديد مظاهره والتغيرات المصاحبة له . وهذا ما سنتناوله في الفقرة التالية.
تصنيف أنماط الإنفعالات :
تعد المسميات اللفظية للإنفعالات –فيما يرى ميلفن ماركس- غير كافية لإبراز ملامحها وأبعادها. ويقترح تقيما للأنماط الرئيسية للإنفعالات في ضوء فئتين :
الأولى : وختص بالمنشأ أو أصل الإنفعالات .
الثانية : وتختص بموضوع الإنفعال .
وبإستخدام هذا المحك كأساس للتصنيف يمكننا أن نميز بين مصدرين رئيسيين للإنفعالات هما . المواقف والكائنات الحية ( وخاصة الآدميين ) ثم عمل بعض التصنيفات الفرعية طبقا لموضوعات الإنفعال التي تندرج في كل فئة على حدى.
1/الإنفعالات الموقفية :
ويستثار هذا النوع من الإنفعالات عن طريق الآثارالحسية المباشرة للمنبهات أو بواسطة الدفاعية طويلة المدى أو خصائص الموقف . ويظهر الاساس الحسي للإنفعال بوضوح في حالات الشعور بالألم . فالمنبه الشديد أو الإجهاد الدي يؤثر على بناء الجسم وخاصة في الاجزاء السطحية منه – يحاول الفرد التخلص منه والإبتعاد عنه في حين أن إستجابة الألم التي تؤدي إلى الغضب ( الهجوم ) أو الخوف ( الهروب ) تعتمد على طبيعة الموقف ووعي الفرد بها .
2/الإنفعالات الأولية :
تستثار معظم الإنفعالات بنفس الطريقة التي يدرك بها الكائن مختلف المواقف والمنبهات . وتنقسم الإستجابات الإنفعالية الأولية إلى أربعة أنماط أساسية وهي : السعادة و الأسى والخوف والغضب
ونعرضها على النحو التالي :
* السعادة : إستجابة السرور أو السعادة هي نتائج إرضاء دافع ما. وكلما كان الدافع قويا أو عميقا بالنسبة للفرد كان أكثر كفاءة على بعض السرور لديه
ويظهر هذا النوع من الإنفعالات في أشكال مختلفة كالفرح الشديد أو النشوة .
* الأسى : وفي النهاية المتصل الوجدني للسرور نجد ما نسميه بإنفعال الأسى . والذي ينتج عن فقدان هدف ما أو موضوع مرغوب . وقد يصل هذا النوع من الإنفعالات بالفرد إلى حالة متطرفة فيصاب بالإكتئاب.
* الخوف : يقع الخوف أيضا في نهاية المتصل الوجداني للسرور أو السعادة . ولكنه ليس مقابلا لها . ويعد الخوف إستجابة متعلمة تتوقف على إكتساب الفرد للخبرات ومعارف .
ويؤدي إنفعال الخوف وظيفة بيولوجية هامة. فهو يدفع الفرد إلى الهرب من الخطر والحذر منه فيعينه على حفظ حياته . غير أن كثيرا ما يتجاوز الخوف هذه الوظيفة المفيدة فيصبح سببا لإلحاق الضرر بحياة الفرد . وإنفعال الخوف هو إنفعال مكتسب فقد دلت التجارب التي قام بها واطسون على أن الطفل الصغير لا يكاد يخاف إلا من الأصوات الشديدة المفاجئة . فهو لا يخاف الضلام أو النار أو الثعابين أو القطط أو الكلاب أو غير ذلك من الأشياء التي قد يخاف منها الكبار . ثم يتعلم الطفل فيما بعد الخوف من أشياء كثيرة لم يكن يخافها من قبل.
ويتفاوت الخوف كثيرا من شخص لآخر ومن حضارة لأخرى . ويلاحظ أنه يستثار بتنبيه خارجي وليس من إجراء حاجة داخلية تلقائية فعندما يواجه الكائن منبها مؤلما تحدث إستجابة إنسحاب وفيما بعد قد يسبب مجرد إقتراب المنبه المؤلم منه الإنسحاب . ويقول الشخص بانه يشعر بالخوف . وهذا يوحي بأن الخوف إستجابة متعلمة . وتتوقف على الخبرة الماضية . وينمو شعور الطفل بالخوف من عمر لآخر فهو يرتبط أول الأمر بالواقع . ذلك أن الطفل عندما يتعلم المشي يتعرض لسقطات مؤلمة . وهكذا ينمو لديه خوف يبرزه الواقع . ومع تزايد نضج الطفل يتعلم عادة بأنه بالتعامل مع هذه التهديدات ويختفي الخوف . والخوف كأحد أنواع الإنفعالات يتضمن حالة من حالات التوتر التي تدفع الخائف إلى الهرب من الموقف الذي أدى إلى إستثارة الخوف حتى يزول التوتر ويزول الإنفعال .
ويصاحب إنفعال الخوف بعض التغيرات الفسيولوجية مثل سرعة خفقان القلب والإحسساس بالهبوط في المعدة والرعشة في الركايب وتصيب العرق والقىء .
* الغضب : يقوم إنفعال الغضب بفائدة هامة للفرد فهو يزيد من نشاطه ويدفعه في بعض الأحيان إلى القيام ببعض الأعمال العنيفة لإزالة ما يعترضه من عوائق. ولكن كثيرا ما يشتد إنفعال الغضب ويصعب على الشخص التحكم فيه فيؤدي إلى بعض النتائج الضارة أو السلبية . ويظهر هذا النوع من الإنفعالات نتيجة عوامل وظروف عدة منها الحرمان أو المنع . فأول ما يثير غضب الاطفال هو شعورهم بالعجز عن تحقيق أغراضهم ورغباتهم . كما يثير غضب الأطفال الشعور بالحرمان من حب الوالدين وعطفهما .
يتضح مما سبق أن كلا من إنفعال الخوف والغضب ينشأ نتيجة إحباط لبعض الدوافع الأساسية للكائن الحي. فالخوف يحدث إذا إعترضت الكائن الحي بعض العقبات وحالت بينه وبين تحقيق رغبته . ويؤدي الإنفعال في كل من حالتي الخوف والغضب وإلى زيادة النشاط اي يمكن إستخدامه في مواقف الخطر المخيفة أو في إزالة العقبات التي تعوق الفرد من الوصول إلى رغبته .
ويرتبط نضج الشخص بقدرته على التحكم في إنفعال الغضب الذي يفقده القدرة على حسن مواجهة الموقف .
3/الإنفعالات الإجتماعية :
وتنقسم إلى فئتين رئيسيتين:
الأولى : وتختص بالذات المرجعية " كالفخر والخجل والشعور بالذنب"
الثانية : وتتعلق بالتفاعل مع الآخرين " كالحب والكراهية .."
ويبدو أن هناك درجة كبيرة من التداخل بين الإنفعالات الإجتماعية والإنفعالات الموقفية . ويعتمد هذا الفصل على الشخص أو الأشخاص في مواقف معينة أكثر من إعتماده على الموقف في حد ذاته . ولأن تقسيمنا للإنفعالات يهدف إلى الشرح والتفسير وليس نتيجة بحوث أو دراسات أجريت في هذا الصدد.
وتنقسم الإنفعالات الإجتماعية إلى فئتين :
* إنفعالات تقدير الذات :
حيث تعد قدرة الفرد على تقييم ذاته من أكثر الجوانب المركزية في بنائه السيكولوجي. وعملية تقدير الذات هي عملية دالة للمتغيرات الشخصية والإجتماعية العديدة ومن هذه المتغيرات : المستوى الأكاديمي أو الأخلاقي والثقافي والإقتصادي والإطار الحضاري . ويؤثر في عملية تقدير الفرد لذاته كل من الشعور بالذنب والخزي والندم .
ويشير الخزي إلى حالة منخفظة من تقدير الذات . أما الشعور بالذنب فيشير إلى إستجابة إنفعالية أكثر إرتباطا بإنتهاك المعايير والقواعد الأخلاقية . أما الندم فهو حالة أكثر وضوحا وإمتدادا للشعور بالذنب . وتختلف هذه الحالات الإنفعالية من ثقافة لأخرى.
* الإنفعالات الخاصة بالعلاقات بين الأشخاص :
يمتد المتصل الوجداني من أقصى درجات المشاعر الإيجابية إلى أقصى درجات المشاعر السلبية . ويجب ألا يقتصر تعاملنا فقط على هذين القطبين : الحب – الكراهية .
فالحب كحالة إنفعالية يترتب عليه المزيد من الإتصال والتفاعل مع الأفراد الآخرين . ويجب تصوره في ضوء أنواعه المختلفة : كالحب الرومنسي وحب الوالدين …إلخ.
أما الكراهية فهي حالة إنفعالية يترتب عليها النفور والبعد عن الآخرين . وهناك درجات مختلفة من الحب والكراهية . ترتبط درجة إستمرار أو دوام أي منهما بحضور أو غياب الأفراد.
مظاهر الإنفعالات والتغيرات المصاحبة لها :
يمكن تقسيم التغيرات المصاحبة للإنفعال إلى نوعين رئيسيين. هما : التغيرات الفيسيولوجية الداخلية . و التعبيرات الجسمية الخارجية.
1/التغيرات الفسيولوجية الداخلية :
تصاحب الحالة الإنفعالية للفرد عدة تغيرات فسيولوجية كضغط الدام وسرعة التنفس .. كما تتأثر الغدد والعضلات ونشاط المعدة والأمعاء …إلخ
* ضغط الدم : يحدث أثناء الإنفعال تغيرات في ضغط الدم وتوزيعه في أجزاء الجسم . فنجد إحتقانا في كل من الوجه والرقبة عند الغضب . ويحدث هذا الإحتقان لأن الأوعية الدموية تتمدد فتزيد من كمية الدم قرب سطح الجلد.
* إستجابة الجلد : حيث يصاحب الإنفعال حدوث تغيرات كهربائية يمكن التأكد منها عن طريق توصيل أقطاب كهربائية إلى الجلد ( على الكفين ) متصلة بجلفانومتر لتسجيل الإستجابة (1) الجلفانية للجلد . وتعد إستجابة الجلد الكهربائية بمثابة مؤشرللتغيرات الإنفعالية .
* التنفس : يتغير معدل التنفيد وزمن الشهيق والزفير حسب الحالة الإنفعالية فنجده ينقطع برهة من الزمن في الحالات الدهشة . ويكون متقطعا أثناء الشحك أو البكاء . فعند الكشف عن الكذب على سبيل لمثال يتم تسجيل مستديم للتنفس أو ضغط الدم أو الإثنين معا لإظهار حالة التهيج الإنفعالي عند الشخص الكاذب .
* ضربات القلب : كما يتغير أيضا معدل ضربات القلب أثناء الحالة الإنفعالية فقد لوحظ أن سرعة النبض قد تزيد أثناء الإنفعال من 72 إلى 150 نبضة في الدقيقة . كما أوضحت بعض التجارب التي أجريت على عينات من الطلبة أن قوة إندفاع الدم من القلب قبل الإمتحان تزيد لترين في الدقيقة عنه بعد الإمتحان .
* توتر وإرتعاش العضلات : يعتبر توتر العضلات من الأعراض المصاحبة للإنفعال فقد يرتعش الفرد أثناء الإنفعال الشديد. وتبين من خلال رسام العضلات الكهربائي أن النشاط الكهربائي يتزايد أثناء إنفعال الفرد .
* حركة المعدة والأمعاء : فقد تبين أن حالات الغضب يصاحبها إنتفاخ الأغشية الداخلية للمعدة مع زيادة في |إنقباض عضلاتها وإرتفاع نسبة إفراز الحامض منها . أما في حالات الإكتئاب فتقل نسبة الحامض وتكف المعدة عن الحركة .
كما تبين من خلال إستخدام الأشعة السينية أن حركة المعدة والأمعاء تتأثر بالإنفعال الشديد . وقد تؤدي الآثار الإنفعالية إلى القيء والإسهال.
* الإنفعال والكليتان : كما تتغير وظائف الكلية ونسبة الماء والأملاح في الجسم تبعا لتغير حالة الإنفعالية . ففي حالات التهيج والخوف الشديد على سبيل المثال تزيد نسبة التبول .
* الإنفعال والغدد الصماء : تتغير معدلات إفراز الغدد الصماء للهرمونات أثناء الإنفعال . فمثلا تنشط الغدتان المجاورتين للكليتين في حالات الغضب والخوف من خطر مفاجىء فنجد زيادة في إفراز هرمون الأدرينالين الذي يؤدي بالكبد إلى زيادة نشاطه فيقوم بزيادة كمية السكر الذي يفرزه الكبد في الدم . وتؤدي زيادة كمية السكر إلى تعبئة طاقة الفرد لمواجهة حالة الإنفعال فتزول آثارها بسرعة.
2/التعبيرات الجسمية الخارجية :
تعتبر التعبيرات الجسمية الخارجية من الوسائل التي نستدل من خلالها على إنفعالات ومشاعر الأفراد وعلى الرغم من أن هناك بعض التعبيرات الإنفعالية يمكن إخفاؤها إلا أن البعض الآخر يصعب إخفاؤه لعدم قدرة الشخص على التحكم في جهازه العصبي . وتعتمد قدرة الشخص على التحكم في تعبيراته غير اللفظية على درجة صحته النفسية والجسمية . فقد تبين من خلال البحث الذي آجراه كل من أكمان وآخرون عن التعبيرات الإنفعالية للمرضى العقليين تبين أن هؤلاء المرضى أقل تحكما في التعبيرات أيديهم وأرجلهم منهم في تحكمهم لتعبيرات وجوههم .وقد أفترضا تفسيرا لهذا هو أن المناطق الجسمية لديهم أقل خضوعا للضبط من غيرها وأن تعبيراتهم عن مشاعرهم وأفكارهم تتسرب لديهم من بعض المناطق الأقل ضبطا أو تحكما .
النظريات المفسرة للإنفعالات :
1/ النظريات الفسيولوجية :
* نظرية جيمس- لانج : نشر عالم الفسيولوجي الدنماركي " كارل جورج لانج .( 1834- 1950) " عام 1885 نظريته في الإنفعالات تتمثل في أن الإنفعالات تحدث نتيجة لشعور الشخص بالتغير في الأوعية الدموية .
وكان وليم جيمس ( 1842-1900 ) الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي قد توصل مستقلا إلى نظرية متشابهة . ونشر عام 1890 في كتابه مبادىء علم النفس نظريته في الإنفعال واضعا في حسبانه إسهام لانج . وقد عرفت النظرية فيما بعد بإسم نظرية جيمس - لانج . في الإنفعال.
ولم تكن نظرية لانج شديدة الإتساع إذ كانت تؤكد فقط على تغير الأوعية الدموية في حين إهتم وليم جيمس بكل أنواع التغيرات الحشوية . إلا أنهما يتفقان على أن الإنفعالات تكون نتيجة شعور الشخص بالتغيرات في الأوعية أو الأحشاء الداخلية . فالإحساس الحشوي الجسمي يسبق الإحساس الإنفعالي .. (فمثلا نحن نري شيئا مخيفا فنرتعش ثم نشعر بالخوف ). وعلى العكس من الفكرة الشائعة- وقتئذ التي تذهب إلى أن الإنفعال يترتب عليه السلوك – أكد وليم جيمس أن السلوك هو الذي يولد الإنفعال ويلخص مضمون النظرية بقوله : " إننا نخاف لأننا نجري . "
وهذا فيما يرى " هيلجارد و إيكيسون " وهو الذي أعطى هذه النظرية شيئا من القبول والمعقولية .
وعلى الرغم من أهمية هذه النظرية . فإن هناك بعض التجارب التي تقيم الدليل على أنها نظرية قاصرة . حيث تبين أن الشعور الإنفعالي لا يحدث إذا هيجنا الغدد والأحشاء بطريقة تجريبية . فلإضطرابات الفسيولوجية الحشوية ليست وحدها المسئولة عن الشعور بالإنفعالات .
ونتيجة لهذه الإنتقادات التي وجهت إلى نظرية جيمس – لانج في تفسير الإنفعالات . تقدم عالم الفسيولوجي الأمريكي" ولتر كانون "( 1871- 1945 ) بنظريته التي نعرض لها على النحو الآتي :
* النظرية الثلاموسية أو المهادية : وهي النظرية التي قدمها كانون لتفسير الإنفعالات . ومضمونها أن المشاعر الإنفعالية هي تنيجة تنبيه الثلاموس أو المهاد . أما التعبيرات السلوكية للإنفعال فهي من وظائف الهيبوثلاموس أو مهاد المخ .
وتفترض هذه النظرية أن الإحساسات المختلفة من الجسم تصل إلى كل من القشرة المخية والهيبوثلاموس من خلال مسارات الإحساس الصاعدة . حيث يصدر نوعان من السيالات العصبية : أحدهما لقشرة المخ للشعور بالإنفعال . والثاني للهيبوثلاموس ويختص بالسلوك الإنفعالي ومظاهره . وتشير هذه النظرية إلى أن الشعور الإنفعالي والسلوك الإنفعالي يصدران في نفس الوقت وليس كما يظن سابقا واحدة تلي الأخرى.
ويؤخد على هذه النظرية أنها مجرد إفتراضات ولا يوجد برهان علمي أو ثبات يبين أن الشعور بالإنفعال يصدر من المهاد وأن المهاد لا يخدم إلا الشعور بالحساسية الأولية .
ملاحظة : المهاد الثلاموس هو مركز تنظيم المعلومات الحسية التي ترد المخ . حيث يخبر المخ بما يحدث خارج حدود الجسم.
أما ما تحت المهاد الهيبوثلاموس فهو يراقب أجهزة الجسم التي تنظم وظائفه فهو يخبر المخ بما يجري داخل الجسم .
2/النظرية المعرفية :
تفتقد النظريات الفسيولوجية إلى مظهرهام من مظاهر الخبرة الإنفعالية . فالإحساس بالسعادة أو اليأس من شيء معين مصحوب بخبرات ومعارف عن هذا الشيء . وطبقا لهذه الوجهة من النظر فإن الإنفعال يعد نتيجة التفاعل بين الإستثارة الداخلية والعمليات المعرفية.
وقد ساعدت سلسلة التجارب الحديثة على سد الفجوة في النظريات الفسيولوجية المفسرة للإنفعال . فالتعبير الإنفعالي يمكن أن يحدث في غياب أي مشاعر إنفعالية أو دون وجود دليل واضح يؤكدها . ومن هنا برزت أهمية تفسيرنا في ضوء الخبرات والمعارف التي توجد لدى الفرد عن موضوع الإنفعال فعملية تقدير الفرد للموقف الخارجي في ضوء خبراته ومعارفه هي عملية معرفية تؤثر في الإنفعال .
3/ النظريات السلوكية :
ينشأ الإنفعال من وجهة نظر السلوكيين نتيجة الصراع المستثار لدى الكائن الحي . والذي يؤدي به للقيام بإستجابات غير متسقة. كما يفسر البعض الآخر الإنفعالات في ضوء إضطراب السلوك . ويؤخذ على هذه النظريات – فيما يرى ميلفن ماركس – أن هناك صعوبات في تحديد التعريفات الإجرائية الدقيقة لمعنى الصراع بإعتباره اساسا للإنفعالات .
وقد تعامل واطسون مع الإنفعال على أنه نمط وراثي من الإستجابة وتتضمن تغيرات جسمية في جسم الكائن الحي ككل . وخاصة في الأنظمة الحشوية والغددية . وقد عالج واطسون الإنفعالات بنفس الطريقة التي تعامل بها مع الإستجابات غير شرطية التي تحدث بشكل متسق لمنبهات معينة . ويلاحظ أن واطسون لم يهتم بالتحليل الفسيولوجي للإنفعال أو بدور الجهاز العصبي.
أما تومان فيتعامل مع الإنفعال على أنه إستجابة لتنبيه معين . فالإنفعال لا يمكن تحديده بواسطة المنبهات فقط أو الإستجابات فقط ولكن في ضوء العلاقة بينهما . وقد إهتم تولمان بآثار التعلم على الإنفعالات سواء لدى الحيوانات أو الأطفال أو الراشدين . أما سكينر فقد تعامل في البداية مع الإنفعالات على أنها ليست نوعا آليا من الإستجابة ولكنها نوع من القوة يمكن مقارنتها أو مضاهاتها بمظاهر الحوافز .
ثم تغيرت معالجة سكينر للإنفعالات بعذ ذلك حيث إعتبرها حالة إفتراضية تمثل إستعداد أو تهيؤ للفعل أو الإستجابة بشكل معين . ويرى أن الإنفعال عبارة عن " جملة من النشاط أو الإستثارة يصاحبها تغيرات في الأحشاء و العضلات ".
العوامل المؤثرة في إرتقاء الإنفعالات :
يؤثر كل من النضج والتعلم في إرتقاء الإنفعالات وتمايزها وزيادة تعقيدها أو تركيبها . غير أن حدوث نمو الإنفعالات على نسق واحد تقريبا عند الإطفاء في أثناء الشهور الأو لى من حياتهم يوحي بأن النضج هو العامل الأساسي المؤثر في هذه الفترة المبكرة من العمر . وكلما تقدم الطفل في العمر كان أثر التعلم أكثر وضوحا .
النضج : ويقصد به النمو الذي يحدث بدون تأثير التعلم . ويحدث نتيجة للعوامل الوراثية وحدها . ويظهر أثر النضج واضحا في تهيئة البناء العضلي والغدي والعصبي اللزم لظهور بعض الغنفعالات . فالأطفال عادة لا يبتسمون ولا يضحكون قي الشهرين الأولين لأن الحركات العضلية التي يمكن من خلالها القيام بذلك لم تنضج بعد .
التعلم : ويظهر دوره واضحا في إكتساب الأطفال للعديد من التعبيرات الإنفعالية فالتعبير عن إنفعال الغضب لدى الأطفال يتمثل في الإفصاح عن الطعام أو مغادرة مكان ما …وكل هذه الأفعال يتعلمها الأطفال من البيئة التي يعيشون فيها . ويعد إختلاف التعبيرات الإنفعالية من مجتمع لآخر دليلا على وجود آثار التعلم في تشكيل الإستجابة الإنفعالية . فبعض المجتمعات يعبر عن الدهشة برفع الحاجب وفتح العينين ..بينما يعبر الصينيون مثلا عن الدهشة بإخراج ألسنتهم . ويرى إدوارد (1968) أن تعلم الطفل للإستجابة الإنفعالية يتم من خلال ثلاثة أساليب وهي :
المحاكاة : وتقوم بدور كبير في إكتساب الأطفال للإستجابة الإنفعالية ويبدأ الطفل في محاكاة الآخرين في حوالي سن السنتين . فهو يقتدي بوجود نماذج من البيئة التي يعيش فيها " أفراد الأسرة أو أقارب أو جيران …"
التشريط : ويبدأ بأن يربط الكائن بين منبه محايد ومنبه آخر سبق وأن إستثار إستجابة إنفعالية لديه . كما تبين أن الخوف الذي يتعلمه الفرد من منبه معين يمتد إلى غيره من المنبهان التي تتشابه معه وذلك في ضوء مبدأ التعميم .
الفهم : ويعني إدراك المواقف التي تحتمل أن تثير إستجابة إنفعالية لدى الفرد . فالخوف من تعاطي مخدر معين يتضمن فهما لأضراره وما يمكن أن يحدثه من مخاطر او أضرار .
فوائد الإنفعالات :
تحقق الدرجات المعتدلة من الإنفعالات العديد من الفوائد بالنسبة للفرد ومنها ما يأتي :
1/ تزيد الشحنة الوجدانية المصاحبة للإنفعال من تحمل الفرد وتدفعه إلى مواصلة العمل وتحقيق أهدافه.
2/ للإنفعال قيمة إجتماعية . فالتعبيرات المصاحبة للإنفعال ذات قيمة تعبيرية تربط بين الأفراد وتزيد من فهمهم لبعضهم البعض .
3/ تعتبر الإنفعالات مصدرا من مصادر السرور . فكل فرد يحتاج إلى درجة معينة منها إذا زادت أثرت على سلوكه وتفكيره . وإذا قلت إصابته بالملل.
4/ تهيىء الإنفعالات الفرد للمقاومة من خلال تنبيه الجهاز العصبي اللارادي .
أضرار الإنفعالات :
1/ يؤثر الإنفعال على التفكير الفرد فيمنعه من الإستمرار . كما هو الحال في الحالة الغضب أو يجعل التفكير بطيئا كما هو الحال في حالات الحزن والإكتئاب.
2/ يقلل الإنفعال من قدرة الشخص على النقد وإصدار الأحكام الصحيحة كما يؤثر أيضا على الذاكرة.
3/ في حالة حدوث الإنفعالات بشكل مستمر ودائم يترتب عليه العديد من التغيرات الفسيولوجية مما يؤدي إلى حدوث تغيرات عضوية في الأنسجة وينشأ في هذه الحالة ما يسمى بالأمراض النفسية – الجسمية أو السيكوسوماتية . ومنها قرحة المعدة وإرتفاع ضغط الدم .
ووالسؤال الذي يستحق الإجابة عليه هو : كيف يمكن التغلب والسيطرة على الإنفعالات والتقليل من أضرارها . وهذا ما نتناوله في الفقرة التالية :
التحكم في الإنفعالات أو السيطرة عليها :
1/التعبير عن الطاقة الإنفعالية في الأعمال المفيدة . حيث يولد الإنفعال طاقة زائدة في الجسم تساعد الفرد على القيام ببعض الأعمال العنيفة . ومن الممكن أن يتدرب الفرد على القيام ببعض الأعمال الأخرى المفيدة لكي يتخلص من هذه الطاقة.
2/ تقديم المعلومات والمعارف عن المنبهات المثيرة للإنفعال . حيث يساعد ذلك على إنقاص شدة الإنفعال وبالتالي التغلب على الإضطراب الذي يحدث للأنشطة المتصلة به . فالطفل الذي يخاف من القطط مثلا يمكن مساعدته على التخلص من ذلك عن طريق تزويده ببعض المعلومات التي تقلل من هذه الحالة لديه .
3/ محاولة البحث عن الإستجابات التي تتعارض مع الإنفعال . فإذا شعر الفرد نحو شخص ما بشيء من الكراهية لأسباب معينة. عليه أن يبحث عن أسباب أخرى إيجابية يمكن أن تثير إعجابه بهذا الشخص وتغير إتجاهه نحوه.
4/ عدم تركيز الإنتباه على الأشياء والمواقف المثيرة للإنفعالات . فإذا لم يستطع الفرد التحكم في إنفعالاته عن طريق البحث عن الجوانب الإيجابية أو السارة في الشيء مصدر الإنفعال فيمكنه أن يغير إهتمامه عن هذا الشيء إلى الأشياء والموضوعات التي تساعده على الهدوء والتخلص من إنفعالاته وتوتراته.
5/ الإسترخاء : يحدث الإنفعال عادة حالة عامة من التوتر في عضلات الجسم وفي هذه الحالات يحسن القيام بشيء من الإسترخاء العام لتهدئة الإنفعال وتناقصه تدريجيا .
وبهذا نكون قد عرضنا في هذا البحث تعريف الإنفعالات وأبعادها وأنواعها والنظريات المفسرة لها ومظاهرها وكيف ترتقي وتتغير من عمر لآخر . ثم تحدثنا بعد ذلك عن فوائد وأضرار الإنفعالات وكيف يمكن التحكم والسيطرة عليها ..
المراجع :* حسين حسن سليمان . السلوك الإنساني والبيئة الاجتماعية، بين النظرية والتطبيق المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر. 2005
* كتاب السلوك الإنساني . مؤسسة أطفال الخليج لذوي الإحتياجات الخاصة