ولدنا وترعرعنا ونشأنها وهرمنا على الاعتقاد بأنّ العربي مجبول على الفشل والخنوع والقابلية للهوان، لا يصلح إلا للتصفيق والاصطفاف إلى جانب "الواقف" مهما كان لونه واتجاهه، كل ذلك لقاء "لقمة" العيش في ظلّ سلم وأمن "القبور والسجون". هذا ما أُتخِمنا به حتى كاد يشكلّ اعتقادًا بل وحقيقة ملازمة لكل ما هو عربي، فكل فشل لا بدّ أن يكون عربي، كل خيانة لا بدّ أن تكون عربية، كل استهتار لا بدّ أن يكون عربي، أي كل ناقصة لا بدّ أن يضاف إليها هويتها العربية حتما.
تجرّعنا هذه "القابلية للدنية"، في قرار ذواتنا حتى كدنا نفارق الحياة على طعم هذه المرارة المكبّلة للإرادة. وعندما دقّت لحظة التحرّر، حيث استفاقت شعوب عالمنا العربي وقرّرت كسر القيود وتحدّت هاجس الخوف حاملة روحها على كفّها، لتقول "لست كذلك"، مفندة هذا الاعتقاد الكاذب الذي حاولوا غرسه في أعماق نفوسنا بل وفي صبغيات خلايانا، لمّا نهض العربي ليخرس لسان كل من رماه بهذه الفرية، ومن زعم أنّ الفشل عنوانه عربي، وجّهت إلى هذه الشعوب الثائرة شتيمة أخرى واتهاما لا يقلّ شناعة، وقوبِلت هذه الشعوب المتحرّرة بالريبة والتشكيك والتخوين.
وممّا يدلّ على درجة إفلاس الأنظمة الآيلة للانهيار، ومدى الهلع الذي انتابها وهي تشاهد مذهولة حراك لم تكن تتصوّره يومًا، أنها راحت توعز كعادتها إلى كتيبة أقلامها للّعب على الوتر الحساس، واستغلال العواطف الوطنية، فانهمرت أودية من الحبر الدسيس، بأقلام مدمني الخنوع الوظيفي، يحلّلون لنا الوضع، في محاولة يائسة منهم لإقناع "الغاشي" (المواطنون من الدرجة السفلى من منظورهم) بأنّ ما يجري في العالم العربي من "شغب" لا يمتّ بصلة إلى الثورة، بل هو مجرّد "ألاعيب" مدبرة، ومؤامرات تنسج خيوطها القوى الإمبريالية والصهيونية و... ومنفذوها (الشعوب) حطب هذه الحروب ليس إلا، مجرّد رعاع من السذّج الذين يعتقدون زورًا أنهم ثوّار! هذا إن لم يتّهموا بالخيانة والعمالة للغرب الحاقد على "تحررنا واستقلاليتنا". فالعربي من منظور هؤلاء كائن خامل وفاشل إذا أخلد إلى النوم، وخائن وساذج، لعبة بين أيدي غيره إذا رام التحرر؛ فهو على الجانب الخطأ من المعادلة مهما فعل وأبد الآبدين.
إلى هؤلاء الذين أدمنوا نهش لحم العربي، أسألُهم: قولوا لنا بصراحة وصدق، ماذا تريدون من الشعوب العربية؟ هل تريدون زرع اليأس في نفوسها، لأنّكم تعتبرونها دون مستوى غيرها من الشعوب؟ هل ترونها أضعف من أن تفتكّ حقّها في الحرية والكرامة والسيادة، لأنها في نظركم أدمنت عيش الاستعباد والاستبداد؟ هل تريدون منها أن تعرب عن امتنانها لمن يسومها سوء العذاب؟ هل تعتقدون أنّ الجنس العربي، بتركيبته البيولوجية والوراثية والنفسية، محكوم عليه أن يكون حتما في الاتجاه المعاكس لصيرورة التاريخ؟ هل تريدون أن تشكّكوا في قدراته الفطرية التي حباه الخالق عزّ وجلّ بها، ومن ثمّ تدفعون به نحو القنوط من رحمة الله؟ أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟
بقلم :د. رشيد زياني - شريف
تجرّعنا هذه "القابلية للدنية"، في قرار ذواتنا حتى كدنا نفارق الحياة على طعم هذه المرارة المكبّلة للإرادة. وعندما دقّت لحظة التحرّر، حيث استفاقت شعوب عالمنا العربي وقرّرت كسر القيود وتحدّت هاجس الخوف حاملة روحها على كفّها، لتقول "لست كذلك"، مفندة هذا الاعتقاد الكاذب الذي حاولوا غرسه في أعماق نفوسنا بل وفي صبغيات خلايانا، لمّا نهض العربي ليخرس لسان كل من رماه بهذه الفرية، ومن زعم أنّ الفشل عنوانه عربي، وجّهت إلى هذه الشعوب الثائرة شتيمة أخرى واتهاما لا يقلّ شناعة، وقوبِلت هذه الشعوب المتحرّرة بالريبة والتشكيك والتخوين.
وممّا يدلّ على درجة إفلاس الأنظمة الآيلة للانهيار، ومدى الهلع الذي انتابها وهي تشاهد مذهولة حراك لم تكن تتصوّره يومًا، أنها راحت توعز كعادتها إلى كتيبة أقلامها للّعب على الوتر الحساس، واستغلال العواطف الوطنية، فانهمرت أودية من الحبر الدسيس، بأقلام مدمني الخنوع الوظيفي، يحلّلون لنا الوضع، في محاولة يائسة منهم لإقناع "الغاشي" (المواطنون من الدرجة السفلى من منظورهم) بأنّ ما يجري في العالم العربي من "شغب" لا يمتّ بصلة إلى الثورة، بل هو مجرّد "ألاعيب" مدبرة، ومؤامرات تنسج خيوطها القوى الإمبريالية والصهيونية و... ومنفذوها (الشعوب) حطب هذه الحروب ليس إلا، مجرّد رعاع من السذّج الذين يعتقدون زورًا أنهم ثوّار! هذا إن لم يتّهموا بالخيانة والعمالة للغرب الحاقد على "تحررنا واستقلاليتنا". فالعربي من منظور هؤلاء كائن خامل وفاشل إذا أخلد إلى النوم، وخائن وساذج، لعبة بين أيدي غيره إذا رام التحرر؛ فهو على الجانب الخطأ من المعادلة مهما فعل وأبد الآبدين.
إلى هؤلاء الذين أدمنوا نهش لحم العربي، أسألُهم: قولوا لنا بصراحة وصدق، ماذا تريدون من الشعوب العربية؟ هل تريدون زرع اليأس في نفوسها، لأنّكم تعتبرونها دون مستوى غيرها من الشعوب؟ هل ترونها أضعف من أن تفتكّ حقّها في الحرية والكرامة والسيادة، لأنها في نظركم أدمنت عيش الاستعباد والاستبداد؟ هل تريدون منها أن تعرب عن امتنانها لمن يسومها سوء العذاب؟ هل تعتقدون أنّ الجنس العربي، بتركيبته البيولوجية والوراثية والنفسية، محكوم عليه أن يكون حتما في الاتجاه المعاكس لصيرورة التاريخ؟ هل تريدون أن تشكّكوا في قدراته الفطرية التي حباه الخالق عزّ وجلّ بها، ومن ثمّ تدفعون به نحو القنوط من رحمة الله؟ أم أنّ وراء الأكمة ما وراءها؟
بقلم :د. رشيد زياني - شريف