عن عطاء رضي الله عنه قال قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن
وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا - رواه البخاري كان خلقه القرآن
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن - رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وزاد مسلم يغضب لغضبه ويرضى لرضاه دفع السيئة بالحسنة
لما أراد الله هدي زيد بن سعية، قال زيد لم يبق شيء من علامات النبوة إلا وقد عرفتها في وجه محمد صلى الله عليه وسلم إلا اثنتين يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا
قال زيد فقلت يا محمد، هل لك أن تبيعني ثمرًا_ معلومًا لي _ فباعني فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب، فلما حل الأجل أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه وهو في جنازة مع أصحابه ونظرت إليه بوجه غليظ وقلت له يا محمد ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب إلا مطلاً
ونظرت إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه ثم رماني ببصره فقال يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع وتصنع به ما أرى؟ فلولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفي رأسك
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، وقال أنا وهو كنا أحوج إلى غير ذلك منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه وزد عشرين صاعًا من تمر مكان ما روعته
فذهب بي عمر فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعًا، وقال لي ما دعاك إلى أن فعلت ما فعلت وقلت ما قلت؟
قلت يا عمر لم يكن من علامات النبوة شيء إلا عرفته في وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا، وقد خبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا، وأشهدك أن شطر مالي صدقة على أمة محمد ثم توفي في غزوة تبوك مقبلاً غير مدبرًا - رواه الطبراني في (الكبير) ورجاله ثقات، ورواه أيضًا ابن حبان والحاكم والبيهقي ورواه أبو نعيم في الدلائل الرسول صلى الله عليه وسلم يعتق من أرادوا قتله
عن أنس رضي الله عنه قال إن ثمانين نزلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الصبح، يريدون أن يقتلوه، فأخذوا فأعتقهم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى
سورة الفتح آية 24- رواه مسلم والترمذي وأبو داود كان أحسن الناس خلقًا
عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا - الحديث رواه الشيخان وأبو داود والترمذي وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا
عن عبد الله بن عمرو قال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا - رواه البخاري من مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في المصافحة والمحادثة والمجالسة
عن أنس رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له - رواه أبو داود والترمذي بلفظه وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك - رواه الطبراني والترمذي وروى مسلم وما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم قط فقال لا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو بحسن الخلق
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي - رواه أحمد ورواته ثقات وقال صلى الله عليه وسلم إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا - رواه البخاري وروي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رآه قال بئس أخو العشيرة وبئس ابن العشيرة، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسط إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة متى عهدتني فحاشًا، إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس- أو ودعه الناس- اتقاء شره - رواه البخاري كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الأخلاق وينهى عن اللعن
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق - رواه أبو داود والنسائي وقال صلى الله عليه وسلم لا ينبغي لصديق أن يكون لعانًا - رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة - رواه مسلم وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة - رواه مسلم أما من لعنه الرسول صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلاً لذلك، كان ذلك له زكاة وأجرًا ورحمة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم شارط ربه على ذلك كما في الحديث اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرًا رواه مسلم خلقه صلى الله عليه وسلم مع الخدم
عن أنس رضي الله عنه قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا - رواه الشيخان وأبو داود والترمذي وعنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟
قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله - فذهبت رواه مسلم وأبو داود خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله
قال صلى الله عليه وسلم خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وما أكرم النساء إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم - رواه ابن عساكر عن علي، والترمذي عن عائشة، وابن ماجة عن ابن عباس ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه - رواه البخاري وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان صلى الله عليه وسلم إذا خلا بنسائه ألين الناس وأكرم الناس ضحاكًا بسامًا - رواه ابن عساكر بسند ضعيف وروى مسلم أن عائشة رضي الله عنها كانت إذا شربت من الإناء، أخذه صلى الله عليه وسلم فوضع فمه على موضع فمها وشرب، وإذا تعرقت عرقًا وهو العظم الذي عليه اللحم أخذه فوضع فمه على موضع فمها وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها - رواه البخاري وأوصى صلى الله عليه وسلم بالمرأة الزوجة، فقال استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا - رواه الشيخان وقال صلى الله عليه وسلم بم يضرب أحدكم امرأته ضرب الفحل ثم لعله يعانقها وفي رواية جلد العبد - رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم أخرجه أحمد بإسناد حسن، والترمذي وقال حديث حسن صحيح وقال صلى الله عليه وسلم إن من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل - رواه مسلم ملاعبته ومفاكهته لأهله
عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس اقدموا فتقدموا، ثم قال لي تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس تقدموا فتقدموا، ثم قال لي تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك - رواه أحمد حلم النبي صلى الله عليه وسلم
كان مما يحبه صلى الله عليه وسلم من الصفات صفتا الحلم والأناة وقد قال صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة - أخرجه مسلم وعن أنس رضي الله عنه قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة، فنظرت إلى صفحة عنق النبي، وقد أثر بها حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك،فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس معنا في المسجد يحدثنا، فإذا قام قمن قيامًا حتى نراه قد دخل بعض بيوت أزواجه، فحدثنا يومًا فقمنا حين قام، فنظرنا إلى أعرابي قد أدركه، فجبذه بردائه فحمر رقبته، وكان رداؤه خشنًا، فالتفت إليه، فقال له الأعرابي احملني على بعيري هذين، فإنك لا تحملني من مالك ولا مال أبيك
فقال صلى الله عليه وسلم لا وأستغفر الله، لا وأستغفر الله، لا أحملك حتى تقيدني من جذبتك التي جبذتني، وبعد ذلك يقول له الأعرابي والله لا أقيد لها فذكر الحديث، ثم دعا رجلاً فقال له احمل له على بعيريه هذين، على بعير شعيرًا، وعلى الآخر تمرًا، ثم التفت إلينا فقال انصرفوا على بركة الله - رواه أبو داود والنسائي ما انتقم لنفسه وما ضرب خادمًا ولا أمره
عن عائشة رضي الله عنها قالت ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم
وفي رواية ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله - رواه مالك والشيخان وأبو داود تواضع النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله صلى الله عليه وسلم في الثناء على التواضع وذم الاستكبار
ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر رواه البخاري -ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله رواه مسلم وظاهر الحديث يعني الرفعة في الدنيا والآخرة - عن أنس رضي الله عنه قال إن كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيث شاءت - رواه البخاري
وعنه أن امرأة كان في عقلها شيء، فقالت يا رسول الله، إن لي إليك حاجة فقال يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك، فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها - رواه مسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله - رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت - رواه البخاري
وعن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته - رواه النسائي والحاكم وقال على شرطهما وأقره الذهبي، ورواه الترمذي في العلل عنه، وذكر أنه سأل عنه البخاري فقال هو حديث تفرد به الحسين بن واقد وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم - رواه البخاري واللفظ له ومسلم وعن سهل بن حنيف قال كان صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم - رواه أبو يعلى والطبراني والحاكم يسند ضعيف
وذكر المحب الطبري أنه صلى الله عليه وسلم كان في سفر وأمر أصحابه بإصلاح شاة، فقال رجل يا رسول الله، علي ذبحها
وقال آخر يا رسول الله، علي سلخها
وقال آخر يا رسول الله، علي طبخها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي جمع الحطب
فقالوا يا رسول الله، نكفيك العمل
فقال صلى الله عليه وسلم قد علمت أنكم تكفونني، ولكن أكره أن أتميز عليكم وعن أبي أمامة الباهلي قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا - رواه أبو داود أبن ماجة وإسناده حسن من مظاهر تواضعه صلى الله عليه و سلم أولاً : كان صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله
عن الأسود قال سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قال كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة - رواه مسلم والترمذي
وعن عائشة رضي الله عنها قالت كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم - رواه أحمد ثانياً : كان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار
عن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يعود المريض ويشهد الجنازة ويأتي دعوة المملوك ويركب الحمار، ولقد رأيته يومًا على حمار خطامه ليف - رواه أبو داود والطيالسي ونحوه عند الترمذي وابن ماجة وعن حمزة بن عبد الله بن عتبة قال كان صلى الله عليه وسلم يركب الحمار عريانًا ليس عليه شيء - رواه ابن سعد مرسلاً بسند ضعيف ثالثاً : كان صلى الله عليه وسلم يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير
عن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب - رواه الترمذي في الشمائل
الإهالة السنخة أي الدهن الجامد المتغير الريح من طوال المكث رابعاً : كان صلى الله عليه وسلم لا يدفع عنه الناس
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان صلى الله عليه وسلم لا يدفع عنه الناس ولا يضربوا عنه - رواه الطبراني في الكبير وحسنه السيوطي وذلك لشدة تواضعه صلى الله عليه وسلم وبرأته من الكبر والتعاظم
وعن الحسن قال والله ما كانت تغلق دونه الأبواب، ولا تقوم دونه الحجاب، ولا يغدى عليه بالجفان، ولا يراح عليه بها، ولكنه كان باروزًا، من أراد أن يلقى نبي الله لقيه رحمة النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى
وقال صلى الله عليه وسلم عن نفسه إنما أنا رحمة مهداه - رواه ابن سعد في الطبقات، والحكم في النوادر عن أبي صالح مرسلاً، والحاكم عن أبي هريرة وقال على شرطهما وأقره الذهبي وقال صلى الله عليه وسلم إنما بعثت رحمة ولم أبعث عذابًا - رواه البخاري في التاريخ عن أبي هريرة نماذج من رحمته صلى الله عليه وسلم أولاً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالأطفال
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ويدعو لهم رواه الشيخان وأبو داود
يبرك عليهم أي يدعو لهم ويمسح عليهم
يحنكهم التحنيك أن يمضغ التمر أو نحوه ثم يدلك به حنك الصغير وعن أنس رضي الله عنه قال ما رأيت أحدًا أرحم بالعيال من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث رواه الأربعة
وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ ولده إبراهيم فقبله وشمه - رواه البخاري
وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الجنة لمن يموت وله ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، بفضل رحمته إياه - رواه البخاري
الحنث أي الإثم، والمعنى أنهم ماتوا قبل أن يبلغوا وكانت تفيض عيناه لموتهم، وقد سأله مرة سعد بن عبادة يا رسول الله ما هذا؟ فقال صلى الله عليه وسلم هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء - رواه البخاري وخرج على الصحابة رضي الله عنهم وأمامة بنت الربيع، ابنة زينب، على عاتقه، فصلى، فإذا ركع وضعها وإذا رفع رفعها - رواه البخاري
وقبل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يرحم لا يرحم رواه البخاري
وجاءه أعرابي فقال تقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة - رواه البخاري ثانياً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالإناث
شبه الرسول صلى الله عليه وسلم النساء بالقوارير، إشارة إلى ما فيهن من الصفاء والنعومة والرقة، وإلى ضعفهن وقلة تحملهن؛ ولذا فإنهن يحتجن إلى الرفق وله توجيهات كثيرة ومواقف عملية في هذا المجال، ومن أبرز الأمثلة على ذلك
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وكانت معه نساء منهن أم سليم، وغلام أسود يقال له أنجشة يحدو، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا أنجشة رويدك، سوقًا بالقوارير رواه البخاري
وقد عثرت ناقته ذات مرة، ومعه عليها زوجته صفية، فطرحا على الأرض، فلحق بهما أبو طلحة رضي الله عنه ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم عليك بالمرأة رواه البخاري
وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن، كن له سترًا من النار رواه الشيخان
وقال صلى الله عليه وسلم أفضل الصدقة إعالتك ابنتك الفقيرة التي رفضها زوجها، وليس لها غيرك رواه البخاري وابن ماجة
وكان صلى الله عليه وسلم يحب بناته حبًا جمًا، فقد روي أن ابنته فاطمة كانت عندما تأتيه يقوم لها، ويأخذ بيدها ويقبلها ويجلسها في مكانه الذي كان يجلس فيه رواه أبو داود
وقال صلى الله عليه وسلم إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه رواه الشيخان
ثالثاً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالحيوانات
عن عائشة رضي الله عنها قالت كان صلى الله عليه وسلم يصفي للهرة الإناء فتشرب الحديث رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم والحاكم وصححه، والدار قطني وحسنه، لكن قال ابن حجر ضعيف، وقال ابن جماعة ضعيف لكن له طرق تقوية
وقال صلى الله عليه وسلم ما من مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له به صدقة رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرًا، فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له قالوا يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال في كل ذات كبد رطبة أجر رواه البخاري رابعاً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالضعفاء عمومًا
لقد حث صلى الله عليه وسلم على كفالة الأيتام لضعفهم وحاجتهم للرعاية، فقال أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وقال بإصبعيه السبابة والوسطى رواه البخاري
وحث صلى الله عليه وسلم على إعالة الأرامل والمساكين، فقال الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل رواه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة رواه أحمد بإسناد حسن
أحرج أي ألحق الحرج، وهو الإثم، بمن ضيع حقهما، وأحذر من ذلك وأزجر عنه بشدة
وقال صلى الله عليه وسلم ابغوني الضعفاء، فإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم رواه أبو داود، وأحمد وإسناده صحيح، وأخرج البخاري نحوه
ولقد شملت رحمته صلى الله عليه وسلم الخدم والأرقاء فقال صلى الله عليه وسلم من كانت له أمة فأدبها ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران رواه الشيخان وروى أبو ذر رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم رواه مسلم
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا صنع لأحدكم خادمه طعامه ثم جاء به، وقد ولى حره ودخانه، فليقعد معه فليأكل، فإن كان الطعام قليلاً فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين (أي لقمة أو لقمتين) رواه مسلم وروى أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال من أساء معاملة من هم تحت يديه فلن يدخل الجنة رواه الترمذي وابن ماجة وقال صلى الله عليه وسلم من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه رواه مسلم وقال صلى الله عليه وسلم لأبي مسعود، عندما رآه يضرب مملوكًا له اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام، فانتهى عن ضربه وأعتقه حتى لا يمسه الله بعذاب نتيجة هذا الفعل رواه مسلم وأمر صلى الله عليه وسلم بأن يعامل المماليك مثل معاملة الأبناء، وكان صلى الله عليه وسلم يوصي – وهو في فراش الموت- بحسن معاملة الأرقاء خامساً : رحمته صلى الله عليه وسلم بالأعداء في الحرب والسلم
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر مع المسلمين في الحديبية، فنزل سبعون أو ثمانون رجلاً من التنعيم يريدون الفتك بالمسلمين، فأخذوا، فأعتقهم رسول الله دون عوض عقاب من رواية البخاري
وقد قبل الفداء من أسرى بدر، وعفا عن قريش وأهل مكة يوم فتح مكة، وأطلق سراح أسرى حنين
وعفا عن غورث بن الحارث على الرغم من محاولته قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فجاء غورث إلى قومه بعد هذا فقال لهم جئتكم من عند خير الناس من رواية البخاري عن جابر رضي الله عنه مر بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا، فقلنا إنها جنازة يهودي
فقال صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم الجنازة فقوموا - رواه الشيخان، وزاد مسلم إن الموت فزع
وفي الصحيحين عن سهل بن حنيف فقال صلى الله عليه وسلم أليست نفسًا؟ ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان والأجير، ما داموا غير مشاركين في قتال المسلمين
و كان صلى الله عليه وسلم إذا بعث بعثًا أو جيشًا أوصاهم قائلاً لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا رواه مسلم
وكان صلى الله عليه وسلم له خادم يهودي، فكان إذا مرض عاده، فعاده مرة فعرض عليه الإسلام وأبوه حاضر، فقال له أطع أبا القاسم، فأسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي أنقذه من النار رواه البخاري سادساً : رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته
قال تعالى :
فرفع يديه وقال اللهم أمتي، وبكى
فقال الله عز وجل يا جبريل، اذهب إلى محمد وربك أعلم، فسله ما يبكيك؟
فأتاه جبريل عليه السلام، فسأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قاله وهو أعلم
فقال الله يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك رواه مسلم في كتابه الإيمان وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا رواه الشيخان والترمذي وأحمد وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال خيرت بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة، فاخترت الشفاعة لأنها أعم وأكفى، أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا، ولكنها للمذنبين المتلوثين الخاطئين رواه ابن ماجة ورواه أحمد عن ابن عمر ورواه عنه أيضًا الطبراني، قال الهيثمي رجاله الصحيح غير النعمان بن قراد وهو ثقة وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أعطيت سبعين ألفًا من أمتي يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني مع كل واحد سبعين ألفًا رواه أحمد وأبو يعلى وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أم أحدكم الناس فليخفف، فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض وذا الحاجة، وإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء رواه مالك والجماعة لابن ماجة لكنه رواه عن حديث عثمان بن أبي العاص، مع اختلاف في الألفاظ تيسير النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه
قال صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا، وسكنوا ولا تنفروا رواه البخاري
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيًا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه، وأهرقوا على بوله ذنوبًا من ماء، أو سجلاً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم في الرفق من يحرم الرفق يحرم الخير رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم وإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه رواه مسلم حياء النبي صلى الله عليه وسلم
قال تعالى :
وقال صلى الله عليه وسلم الحياء لا يأتي إلا بخير رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت رواه البخاري وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئًا عرفناه في وجهه رواه الشيخان وعن أنس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدًا بشيء يكرهه رواه أحمد وأبو داود والنسائي في اليوم والليلة والترمذي في الشمائل، قال العراقي وسنده ضعيف وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عنده رجل به أثر صفرة، وكان صلى الله عليه وسلم لا يكاد يواجه أحدًا بشيء يكرهه، فلما قام الرجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم للقوم لو قلتم له يدع هذه الصفرة أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وإسناده صحيح وذلك لأن الصفرة من أثر طيب النساء، ويكره للرجل أن يتطيب بما له لون، بل يتطيب بما له رائحة فقط وقالت عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغه عن رجل شيء لم يقل له قلت كذا وكذا، قال ما بال أقوام يقولون كذا وكذا رواه أبو داود، وأخرجه النسائي بمعناه، وهو صحيح أما الحق فلم يكن الرسول يستحي صلى الله عليه وسلم منه؛ لأن ذلك من التفقه في الدين وروت أم سلمة رضي الله عنها أن أم سليم جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ فقال : نعم، إذا رأت الماء - رواه البخاري الوصية بالجار
قال صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه رواه البخاري ومسلم
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه يا أبا ذر، إذا طبخت مرقة، فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك رواه مسلم
وفي رواية ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره - رواه البخاري
وفي رواية من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره - رواه ابن ماجة حثه صلى الله عليه وسلم على صلة الأرحام
لقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن من أحب الأعمال إلى الله تعالى بر الوالدين البخاري
قال رجل من الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟
قال : أمك
قال : ثم من؟
قال : أمك
قال : ثم من؟
قال : أمك
قال : ثم من؟
قال : أبوك - رواه البخاري ومسلم وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم أجاهد؟ قال ألك أبوان؟ قال نعم، قال ففيهما فجاهد رواه البخاري ومسلم
وجعل صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من أكبر الكبائر
قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالها ثلاثًا، فقال الصحابة بلى يا رسول الله، قال الإشراك بالله، وعقوق الوالدين - رواه البخاري وقال صلى الله عليه وسلم عن الله حرم عليكم عقوق الأمهات رواه البخاري
وحث صلى الله عليه وسلم على صلة الوالدين المشركين والأقارب المشركين، وجعل صلة الرحم من أسباب دخول الجنة والبسط في الرزق، وقطعها من أسباب دخول النار
قال صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة قاطع (أي قاطع رحم) رواه البخاري وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي
فقال : لئن كنت كما قلت، فإنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك - رواه مسلم
المل أي الرماد الحار
صفة النبي صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان كأن الشمس تجري في جبهته وما رأيت أحدًا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما الأرض تطوى له، إنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلي القمر، فلهو عندي أحسن من القمر وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر رضي الله عنهم قال: قلت للربيع بنت معوذ: صفي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت يا بني لو رأيته رأيت الشمس طالعة وصف جامع للرسول صلى الله عليه وسلم وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لابن أبي هالة : عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي_ وكان وصافًا_ عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئًا أتعلق به، فقال:كان صلى الله عليه وسلم فخمًا مفخمًا، يتلألأ وجهه كتلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن انفرقت عقيصته فرق، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذ هو وفره، أزهر اللون، واسع الجبين، أزج الحواجب، سوابغ من غير قرن، ينهما عرق يدره الغضب، أقنى العرنين، له نور ويعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، أدعج سهل الخدين ضليع الفم أشنب، مفلج الأسنان، دقيق المسربة، كأن عنقه كجيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادن متماسك سواء، موصول البطن والصدر، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر، خمصان الإخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال تقلعًا، ويخطو تكفأ، ويمشي هونًا سريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وإذا التفت التفت معًا، خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره لملاحظة، يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام قلت: صف لي منطقه
قال : كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم، فضلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دمثًا، ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم النعمة، وإن دقت لا يذم ذواقًا ولا يمدحه، ولا تغضبه الدنيا، ولا ما كان لها، فإذا تعرض للحق لم يعرف أحدًا، ولم يقم لغضبه شيء، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كله، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب بباطن راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب وأعرض أشاح، وإذا ضحك غض طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانًا ثم حدثته، فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومجلسه ومخرجه وشكله، فلم يدع منه شيئًا قال الحسين: لقد سألت أبي عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كان دخوله لنفسه مأذونًا له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه ثلاثة أجزاء: جزء لله وجزء لأهله وجزء لنفسه، ثم جزأ نفسه بينه وبين الناس، فيرد ذلك العامة بالخاصة، فلا يدخر عنهم شيئًا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل بأذنه، وقسمتهم على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم فيما يصلحهم ويلائمهم ويخبرهم بالذي ينبغي لهم ويقول: ليبلغ الشاهد الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياي؛ فإنه من أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك، ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روادًا ولا يتفرقون إلا عن ذواق ويخرجون أدلة، يعني على الخير قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟
فقال : كان صلى الله عليه وسلم يخزن لسانه إلا ما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم، أو قال: ولا ينفرهم، فيكرم كريم كل قوم، ويوليه عليهم، ويحذر الناس، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس، ويحسن الحسن ويصوبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة فسألته عن مجلسه فقال : كان صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، ويعطي كل جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدًا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبًا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثى فلتاته، متعادلين متواصين فيه بالتقوى، متواضعين، يوقرون فيه الكبير ويرحمون الصغير، ويؤثرون ذوي الحاجة، ويحفظون الغريب قال: قلت: كيف كانت سيرته في جلسائه؟
قال : كان صلى الله عليه وسلم دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فاحش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يوئس منه ولا يخيب فيه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء (الجدال) والإكثار (أي الإكثار من الكلام أو المال) وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدًا ولا يعيبه، ولا يطلب عورته (أي لا يكشف عورة أحد أو لا يظهر ما يريد الشخص ستره ويخفيه عن الناس) ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة (أي الجفاء والغلظة) في منطقه ومسألته، حتى إذا كان أصحابه ليستجلبونهم ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة فأرشدوه، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ (أي مقتصد في المدح غير متجاوز اللائق به)، ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز (أي يجاوز الحق ويتعداه ) فيقطعه بنهي أو قيام قال: قلت: كيف كان سكوته؟
قال : كان سكوته صلى الله عليه وسلم على أربع: على الحلم والحذر والتقدير والتفكر. فأما تقديره: ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تذكره أو قال تفكره: ففيما يبقى ويفنى وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاد الرأي فيما أصلح أمته، والقيام لهم بما جمع لهم في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي في الشمائل، والطبراني في الكبير صفة لون رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان ربعة من القوم لا بالطويل ولا بالقصير، أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق ولا آدم، ليس بجعد قط ولا سبط رجل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض مشربًا بياضه بحمرة وقال ابن أبي خيثمة رحمه الله في صفته صلى الله عليه وسلم: كان أزهر اللون، والأزهر الأبيض الناصع البياض الذي لا تشوبه حمرة ولا صفرة ولا شئ من الألوان وقد نعته بعض من نعته بأنه كان مشرب حمرة، وقد صدق من نعته بذلك ولكن إنما كان المشرب منه حمرة ما ضحا للشمس والرياح؛ فقد كان بياضه من ذلك قد أشرب حمرة، وما تحت الثياب فهو الأبيض الأزهر لا يشك فيه أحد ممن وصفه بأنه أبيض أزهر صفة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعضائه
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا، فكان وجهه كالقمر والشمس مستديرًا
وكان صلوات الله وسلامه عليه عظيم العينين أهدب الأشفار، مشرب العينين حمرة، أشكل أسود الحدقة، أدعج، أكحل العينين، دقيق الحاجبين، سابغهما، أزج، أقرن، أبلج واسع الجبين، أغر، أجلي كأنه يتلألأ، وكان العرق في وجهه كاللؤلؤ، وكان أسيل الخدين سهلهما، أقني الأنف، ضليع الفم، حسن الثغر، براق الثنايا، إذا ضحك كاد يتلألأ وفيما يلي باقة عطرة من وصف الواصفين لرسول الهدي صلى الله عليه وسلم ممن حضره وشاهده تدلل على ما ذكرناه
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهًا وأحسنهم خلقًا ليس بالطويل الذاهب ولا بالقصير
وعن أبي إسحاق قال: سئل البراء: أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا، بل كان مثل الشمس والقمر وكان مستديرًا
وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه في نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "... كان أسود الحدقة أهدب الأشفار
وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشربا حمرة أدعج العين، سهل الخد
وعن سماك بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم"ضليع الفم أشكل العين منهوس العقبين
قال: قلت لسماك: ما ضليع الفم؟
قال: عظيم الفم
قال: قلت: ما أشكل العين؟
قال: طويل شق العين
قال: قلت: ما منهوس العقب؟
قال: قليل لحم العقب وعن أبي هريرة رضي الله عنه، في وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الثغر صفة رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفة لحيته صلى الله عليه وسلم
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير، ضخم الرأس وعنه رضي الله عنه في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عظيم اللحية وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير شعر اللحية وعن أبي هريرة رضي الله عنه في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسود اللحية صفة شعر رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد سواد الشعر
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أنصاف أذنيه
وعنه رضي الله عنه قال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرًا رجلاً، ليس بالجعد ولا البسط، بين أذنيه وعاتقه
عن ابن العباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الكتاب يسدلون أشعارهم، وكان المشركون يفرقون رؤوسهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر به، فسدل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصيته ثم فرق بعد ذكر شيب النبي صلى الله عليه وسلم وخضابه
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء، قال ربيعه: فرأيت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا هو أحمر فسألت فقيل: من الطيب وعن ثابت رضي الله عنه قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت
وقال: لم يختضب، وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم، واختضب عمر بالحناء بحتا عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شمط مقدم رأسه ولحيته، وكان إذا دهن ومشط لم يتبين وإذا شعت رأسه تبين عن إياد بن أبي رمثة رضي الله عنهما قال: انطلقت مع أبي نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأيته قال لي: هل تدري من هذا؟
قلت: لا
قال: إن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاقشعررت حين قال ذلك، وكنت أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لا يشبه الناس، فإذا هو بشر ذو وفرة بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس النعال السبتية ويصفر لحيته بالورس والزعفران، وكان ابن عمر يفعل ذلك عن عبد الله بن عقيل قال: قدم أنس بن مالك المدينة وعمر بن عبد العزيز وال عليها، فبعث إليه عمر
وقال للرسول: سله هل خضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإني رأيت شعرا من شعره قد لون
قال أنس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد متع بالسواد، ولو عددت ما أقبل عليه من شيبة في رأسه ولحيته ما كنت أزيدهن على إحدى عشرة شيبة، وإنما هذا الذي لون من الطيب الذي كان يطيب به شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الذي غير لونه فائدة
يلحظ مما تقدم من الأحاديث ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب، مثل حديث أبي رمثة وحديث ابن عمر رضي الله عنهم، ومنها ما ينفي ذلك مثل حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ومن الأحاديث أيضا ما حدد عدد شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث أنس الآنف الذكر؛ فإنه حدد الشيب بإحدى عشرة شيبة، بينما وردت أحاديث أخر دلت على أن الشيب أزيد من هذا العدد، مثل حديث ابن عمر وقد جمع العلماء رحمهم الله بين هذه الأحاديث ورجحوا ما يأتي
أولاً : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خضب
قال ابن كثير، رحمه الله: ونفي أنس للخضاب معارض بما تقدم عن غيره من إثباته، والقاعدة المقررة أن الإثبات مقدم على النفي، لأن المثبت معه زيادة علم ليست مع النافي ثانياً : أن إثبات غير أنس من الصحابة لأزيد مما ذكر من الشيب مقدم لا سيما ما جاء عن ابن عمر الذي يظن أنه تلقى ذلك عن أخته أم المؤمنين حفصة؛ ذلك أن اطلاعها أتم من اطلاع أنس؛ لأنها ربما فلت رأسه الكريم عليه الصلاة والسلام
صفات أخري لرسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً : خاتم النبوة
عن عاصم عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأكلت معه خبزا ولحما، أو قال ثريداً قال: فقلت استغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ولك ثم تلا هذه الآية:
- سورة محمد آية 19
قال: ثم درت خلفه فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، عند ناغض كتفيه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثاليل عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: ".. كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر مستديرا، ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده ثانياً : المنكبان
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيد ما بين المنكبين ثالثاً : الذراعان
عن أبي هريرة رضي الله عنه في نعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان شبح الذراعين رابعاً : الكفان
عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم اليدين، حسن الوجه، لم أر بعده ولا قبله مثله وكان بسط الكفين
عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم شثن الكفين والكراديس، طويل المسربة
عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون كان عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ ولا مسست ديباجة ولا حريرة ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت مسكة ولا عنبرة أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم خامساً : الساقان
عن سراقة بن مالك رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنوت منه وهو على ناقته جعلت أنظر إلي ساقه كأنها جمارة
عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: دفعت إلي النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح في قبة كان بالهاجرة، فخرج بلال فنادى بالصلاة، ثم دخل فأخرج فضل وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع الناس عليه يأخذون منه، ثم دخل فأخرج العنزة، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأني أنظر إلي وبيص ساقيه، فركز العنزة ثم صلى الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، يمر بين يديه الحمار والمرآة عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسما وكان في ساقيه حموشة سادساً : القدمان
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ضخم القدمين
وعنه رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم شثن القدمين
عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منهوس العقبين وعن أبي هريرة رضي الله عنه، في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان يطأ بقدميه جميعا ليس له أخمص سابعاً : ريقه الشريف صلى الله عليه وسلم
عن سهل بن سعد: أن علي بن أبي طالب اشتكى عينيه يوم خيبر، فبصق فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع
ومج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر ففاح منها رائحة المسك، وبزق في بئر في دار أنس فلم يكن بالمدينة بئر أعذب منها
ومسح بيديه الشريفة صلى الله عليه وسلم، بعد أن نفث فيها من ريقه على ظهر عينيه وبطنه وكان به شري، فما كان يشم أطيب منه رائحة ثامناً : فصاحة لسانة صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أفصح العرب، وإن أهل الجنة يتكلمون بلغة محمد صلى الله عليه وسلم
وقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لقد طفت في العرب، وسمعت فصحاءهم، فما سمعت أفصح منك
قال: أدبني ربي، ونشأت في بني سعد بن بكر تاسعاً : صفة صوته الشريف صلى الله عليه وسلم
كان صوته صلى الله عليه وسلم يبلغ حيث لا يبلغه صوت غيره
فعن البراء قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العوائق في خدورهن
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر فقال للناس اجلسوا، فسمعه عبد الله بن رواحه وهو في بني غم فجلس مكانه عاشراً : صفة يده الشريفة صلى الله عليه وسلم
قال يزيد بن الأسود: ناولني رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك
وعن أنس رضي الله عنه: مامسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن بطال: كانت كفه صلى الله عليه وسلم ممتلئة لحما، غير أنها مع ضخامتها كانت لينة
وعن أبي زيد الأنصاري قال: مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأسي ولحيتي ثم قال: اللهم جمله
قال الراوي عنه: فبلغ بضعا ومائة سنة وما في لحيته بياض، ولقد كان منبسط الوجه ولم ينقبض وجهة حتى مات - رواه البيهقي وغيره حادي عشر : بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم
عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء حتى رأيت بياض إبطيه ثاني عشر : صفة صدره وبطنه وظهره صلى الله عليه وسلم
وصفه علي رضي الله عنه فقال: ذو مسربة وفسر بخيط الشعر بين الصدر والسرة
وصفت بطنه أم هانئ فقالت: ما رأيت بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ذكرت القراطيس المثني بعضها على بعض
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم أبيض كأنما صبغ من فضة، رجل الشعر، فضاض البطن، عظيم مشاش المنكبين مفاض البطن واسعه
المشاش: رؤوس العظام
وعن محرش الكعبي قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة ليلا، فنظرت إلي ظهره كأنه سبيكة فضة
وروى البخاري: كان صلى الله عليه وسلم بعيد ما بين المنكبين
وعن أبي هريرة: رحب الصدر
ثالث عشر :صفة قلبه الشريف صلى الله عليه وسلم
قد صح أن جبريل عليه السلام شقه، واستخرج منه علقة، فقال له هذا حظ الشيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ثم لأمه فأعاده في مكانه قال أنس: فلقد كنت أرى أثر المخيط في صدره - رواه مسلم رابع عشر : صفة قدمه الشريف صلى الله عليه وسلم
وعن ميمونة بنت كردم قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نسيت طول إصبع قدمه السبابة على سائر أصابعه - رواه الإمام أحمد وغيره
وقال أبن أبي هالة: خمصان الأخمصين مسيح القدمين
والأخمص من القدم: الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء
والخمصان: البالغ منه
ومسيح القدمين: أي ملساوتان لينتان ليس فيهما تكسر ولا شقاق وعن عبد الله بن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس قدما خامس عشر : صفة طول الشريف صلى الله عليه وسلم
قال علي رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا قصير ولا طويل وهو على الطول أقرب - رواه البيهقي
وقال أبن أبي هالة: أطول من المربوع وأقصر من المشذب
والمشذب: البائن الطول في نحافة، وهو مثل قوله في الحديث الآخر: لم يكن بالطول المغط، أي المتناهي في الطول وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد، وكان ينسب إلي الربعة إذا مشي وحده، ولم يكن يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طالة صلى الله عليه و سلم، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فارقاه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي الربعة - رواه البيهقي وعلي وزاد ابن سبع في (الخصائص): أنه كان إذا جلس يكون كتفه أعلى من جميع الجالسين صلى الله عليه وسلم
ووصفه ابن أبي هالة: بأنه معتدل الخلق بادن متماسك سادس عشر : صفه شعره الشريف صلى الله عليه وسلم
عن قتادة رضي الله عنه قال: سألت أنس عن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شعرا بين شعرين، لا رجل سبط ولا جعد قطط، وكان بين أذنيه وعاتقه
وفي رواية: كان رجلا ليس بالسبط ولا الجعد بين أذنيه وعاتقه
وفي أخري: كان شعر رسول الله صلى الله عليه و سلم إلي أنصاف أذنيه
وفي حديث البراء: يضرب إلي منكبيه، وفي حديث أنس: كان إلي أذنيه وعن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فوق الوفرة ودن الجمة
والجمة: هي مجتمع الشعر الذي نزل إلي المنكبين
والوفرة: ما نزل إلي شحمة الأذن
واللمة: التي ألمت بالمنكبين قال القاضي عياض: والجمع بين هذه الروايات أن ما يلي الأذن هو الذي يبلغ شحمة أذنيه، والذي يلي أذنيه وعاتقيه وما خلفه هو الذي يضرب منكبيه، قال: وقيل بل لاختلاف الأوقات فإذا غفل عن تقصير شعره بلغ المنكب، وإذا قصره كان إلي أنصاف الأذنين فكان يطول ويقصر بحسب ذلك وعن أبن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رءوسهم وكان أهل الكتاب يسدلون شعورهم وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤم فيه بشئ ثم فرق صلى الله عليه و سلم رأسه - رواه الترمذي وفي صحيح مسلم نحوه
وسدل الشعر: إرساله، والمراد هنا إرساله على الجبين، واتخاذه كالقصة، وأما الفرق: فهو فرق الشعر بعضه عن بعض قال العلماء: والفرق سن لأنه هو الذي رجع إليه صلى الله عليه وسلم
والصحيح جواز الفرق والسدل، يكون الفرق أفضل - والقصة: شعر الناصية يقص حول الجبهة وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وله أربع غدائر - رواه الترمذي
الغدائر: هي الذوائد، والمفرد: غديرة وعن أنس رضي الله عنه: كان في لحيته صلى الله عليه وسلم شعرات بيض - رواه مسلم
وعنه رضي الله عنه: ما كان في رأسه صلى الله عليه وسلم ولا لحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة شعرة بيضاء وعن ابن عمر: نحو عشرين
وفي الصحيحين: أن ابن عمر رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة قال الثوري: المختار أنه صبغ في وقت وتركه في أوقات كثيرة، فأخبر كل بما رأى، وهو صادق وعن أنس رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته، ولم يرو أنه صلى الله عليه وسلم حلق شعره الشريف في غير نسك حج أو عمرة فتكون تبقية الشعر في الرأس سنة، ومن لم يستطع التبقية يباح له إزالته
وأما العانة: ففي حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتنور، وكان إذا كثر شعره حلقه طيب ريحه وعرقه وفضلاته صلى الله عليه وسلم
قال أنس رضي الله عنه: ما شممت ريحا قط ولا مسكا ولا عنبر أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه أحمد
وعنه رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب، وقالوا: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الطريق - رواه أبو ليلي وغيره وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال حجم النبي صلى الله عليه وسلم غلام لبعض قريش، فلما فرغ من حجامته أخذ الدم فذهب من وراء الحائط فنظر يمنيا وشمالا فلم ير أحدا فحسي دمه (أي شربه) حتى فرغ ثم أقبل، فنظر في وجهه فقال: ويحك ما صنعت بالدم؟ قال: قلت: غيبته من وراء الحائط
قال: أين غيبته؟
قلت: يا رسول الله عز علي دمك أن أهرقه في الأرض فهو في بطني
فقال: اذهب، فقد أحرزت نفسك من النار وعن أم أيمن قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل إلي **** في جانب البيت فبال فيها، فقمت من الليل وأنا عطشانة فشربت ما فيها وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أم أيمن قومي فأهرقي ما في تلك الفخارة
فقلت: قد والله شربت ما فيها
قالت: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: أما والله لا توجعن بطنك أبدا كلمات في وصفه صلى الله عليه و سلم
قال سيدنا عمر رضي الله عنه: بأبي وأمي لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه و سلم
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه وأكمل منك لم تلد النساء وأجمل منك لم تر قط عيني كأنك قد خلقت كما تشاء خلقت مبرءا من كل عيب
وقال حسان أيضا ولا في جنان الخلد مثلك أخر فما ولدت حواء من صلب آدم
وقال أخر ينكس الحسن رأسه خجلا أن جاء الحسن كي يقاس به وقال القرطبي: لم يظهر لنا تمام حسنه صلى الله عليه و سلم لأنه لو ظهر لنا تمام حسنه لما أطاقت أعيننا رؤيته صلى الله عليه و سلم الكلام على صفة خاتم النبوة
عن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إن ابن أخي وقع، فمسح رأسي ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلي خاتم النبوة بين كتفيه، مثل زر الحجلة - رواه البخاري ووقع في رواية ابن حبان من طريق سماك بن حرب: كبيضة النعامة. ونبه على أنها غلط
وعند ابن حبان من حديث ابن عمر: مثل النائتة من اللحم
وعند الترمذي: كبضعة ناشزة من اللحم وأما ورد من أنها كانت كأثر المحجم، أو كالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوب عليها: محمد رسول الله، أو سر فإنك المنصور، أو نحو ذلك فلم يثبت منها شئ وقال القرطبي: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه صلى الله عليه وسلم الأيسر، إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر قدر جمع اليد، والله أعلم السر في خاتم النبوة كان عند كتفه الأيسر
وقال: وقع في حديث عبد الله بن سرجس عند مسل أن خاتم النبوة كان بين كتفيه عن نغض كتفه اليسري
ثم قال العلماء: السر في ذلك أن القلب في تلك الجهة، وقد ورد في خبر مقطوع أن رجلا سأل ربه أنه يريه موضع الشيطان، فرأي الشيطان في صورة ضفدع عند نغض كتفه الأيسر حذاء قلبه، له خرطوم كالبعوضة - أخرجه أبن عبد البر يسند قوي إلي ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز فذكره، وذكره أيضا صاحب (الفائق) في مصنفه وله شاهد مرفوع عن أنس عند أبي يعلي وأبن عدي ولفظه: أن الشيطان واضع خطمه على قلب أبن آدم: الحديث
وأورد أبن أبي دواد في كتاب (الشريعة) من طريق عروة بن رويم أن عيسي عليه السلام سأل ربه أن يريه موضع الشيطان من أبن آدم، وقال فإذا برأسه مثل الحية، وأضع رأسه على تمرة القلب، فإذا ذكر العبد ربه خنس، وإذا غفل وسوس وقال السهيلي: موضع خاتم النبوة عند نغض كتفه صلى الله عليه وسلم الأيسر لأنه معصوم من وسوسة الشيطان، وذلك الموضع يدخل منه الشيطان ليوسوس لأبن آدم خاتم النبوة ليس أثراً الشق الصدر
قال الحافظ في (الفتح): وداعي عياض هنا أن الخاتم هو أثر شق الملكين لما بين كتفيه وتعقبه النووي قال: هذا باطل لأن الشق إنما كان في صدره وبطنه، وقال القرطبي: أثره إنما كان خطا واضحا من صدره إلي مراق بطنه كما في الصحيح، ولم يثبت قط أنه بلغ الشق حتى نفذ من وراء ظهره ولو ثبت مسربته إلي مراق بطنه قال: بهذه غفلة من هذه الإمام، ولعله ذلك وقع من بعض نساخ كتابه، فإنه لم يسمع عليه فيما عملت، كذا قال وقد وقفت على مستند القاضي وهو حديث عتبة بن عبد السلمي الذي أخرجه أحمد والطبراني وغيرهما عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم: كيف كان بدأ أمرك؟ فذكر القصة في ارتضاعه في بني سعد، وفيه أن الملكين لما شقا صدره صلى الله عليه و سلم قال أحدهما للأخر: "خطة فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة" انتهي فلما ثبت أن خاتم النبوة كان بين كتفيه حمل ذلك عياض على أن الشق لما وقع في صدره ثم خيط حتى التأم كما كان وقع الختم بين كتفيه كان ذلك أثر الشق وفهم النووي وغيره أن قوله: (بين كتفيه) متعلق بالشق وليس كذلك بل هو متعلق بأثر الختم، ويؤيده ما في حديث شداد بن أوس عند أبي يعلي في (الدلائل) لأبي نعيم أن الملك لما أخرج قلبه وغسله ثم أعاده ختم عليه بخاتم في يده من نور فامتلأ نورا وذلك نور النبوة، فيحتمل أن يكون ظهر من وراء ظهره عند كتفه الأيسر لأن القلب في تلك الجهة وفي حديث عائشة عند أبي دواد الطيالسي وأبن أبي أسامة في (الدلائل) لأبي نعيم أيضا: أن جبريل وميكائيل لما تراءيا له عند المبعث (هبط جبريل فسلق لحلاوة القفا ثم شق عن قلبي فاستخرجه ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم ألقاني، وخيم في ظهري حتى وجدت برد الخاتم في قلبي، وقال: أقرا) الحديث هذا مستند القاضي فيما ذكره وليس بباطل. الخاتم لم يكن موجودا حين ولد صلى الله عليه وسلم
ثم قال الحافظ: ومقتضي هذه الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجودا حين ولادته صلى الله عليه وسلم، ففيه تعقيب على من ذهب وزعم أنه ولد به، وهو قول نقله أبو الفتح اليعمري بلفظ: قيل ولد به وقيل حين وضع، نقله مغلطاي عن يحي بن عائذ، والذي تقدم أثبت احتمال أن الخاتم وقع في موضعين من جسده
ثم قال: ووقع مثله في حديث أبي ذر عند أحمد والبيهقي في (الدلائل) وفيه: وجعل خاتم النبوة بين كتفيه كما هو الآن
وفي حديث شداد بن أوس في المغازي لابن عائذ في قصة شق صدره وهو في بلاد بني سعد بن بكر: وأقبل وفي يده الخاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه" الحديث. وهذا قد يؤخذ منه أن الخاتم وقع في موضعين من جسده، والعلم عند الله هل كان للنبي صلى الله عليه وسلم ظل؟
قال ابن سبع: كان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان نورا، وكان إذا مشي في الشمس أو القمر لا يظهر له ظل والله أعلم بالحقيقة قال القاري: وسمي الله النبي صلى الله عليه وسلم نورا فقال:
قيل المراد بالنور محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال فيه:
وَسِرَاجاً مُّنِيراً
أي شمسا مضيئا، سمي بذلك لوضوح أمره، وتنوير قلوب المؤمنين والعارفين بما جاء به ، وما ظهر من الأنوار والأسرار بسببه قال الحلبي: ولعل ابن سبع استنبط من هذا ومن الحديث الذي سأل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ربه أنه يجعل في جميع أعضائه وجهاته نورا، وقوله: واجعلني نورا، ما قاله من أنه صلى الله عليه وسلم كان من خصائصه أنه كان نوراً وقال العلامة على بن محمد القاري: وفي حديث أبن عباس: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظل، ولم يقم مع الشمس قط إلا غلب ضوؤه ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوؤه ضوء السراج ذكره ابن الجوزي وذكره المناوي في (شرح الشمائل) وقال: ذكره في الوفاء بأسانيده
الكمالات و الخصائص التي انفرد بها رسول الله أولا : الكمالات
ذكر الماوردي –رحمه الله- في ذكر خصائص الرسول صلى الله عليه و سلم وفضائله وشرف أخلاقه وشمائله المؤيدة لنبوته والمبرهنة علي عموم رسالته: فالكمال المعتبر في البشر يكون من أربع أوجه : كمال الخلق وكمال الخلق وفضائل الأقوال وفضائل الأعمال الوجه الأول : كمال الخلق
كمال خلقه صلى الله عليه و سلم بعد اعتدال صورته يكون بأربع أوصاف الوصف الأول
السكينة الباعثة علي الهيبة والتعظيم الداعية إلى التقديم والتسليم
وكان أعظم مهيب في النفوس حتى ارتاعت رسل كسري من هيبته حين أتوه مع اعتيادهم لصولة الأكاسرة ومكاثرة الملوك الجبابرة فكان صلى الله عليه و سلم في نفوسهم أهيب وفي أعينهم أعظم , وإن لم يتعاظم بأبهة ولم يتطاول بسطوة , بل كان بالتواضع موصوفا وبالوطأة-أي السهولة – معروفاً الوصف الثاني
في الطلاقة الموجبة للإخلاص والمحبة الباعثة علي المصافاة والمودة
وقد كان صلوات الله عليه محبوباً استحكمت محبة طلاقته في النفوس حتى لم يقله (أي لم يبغضه أو يجافه) مصاحب ولم يتباعد منه مقارب وكان أحب إلي أصحابه من الآباء والأبناء وشرب الماء البارد علي الظمأ الوصف الثالث
حسن القبول الجالب لممايلة القلوب حتى تسرع إلي طاعته وتذعن بموافقته , وقد كان قبول منظره صلى الله عليه و سلم مستوليا على القلوب ولذلك استحكمت مصاحبته في النفوس حتى لم ينفر منه معاند ولا استوحش منه مباعد , إلا من ساقه الحسد إلي شقوته وقاده الحرمان إلي مخالفته الوصف الرابع
ميل النفوس إلي متابعته وانقيادها لوافقته وثباته علي شدائده ومصابرته , فما شذ عنه معها من أخلص ولا ند عنها فيها إلا من حرم الخير كله وهذه الأربعة من دواعي السعادة وقوانين الرسالة قد تكاملت فيه فكمل لما يوازيها واستحق ما يقتضيها الوجه الثاني : كمال الخلق أما كمال أخلاقه صلى الله عليه و سلم فيكون بست خصال الخصلة الأولي
رجاحة عقله وصدق فراسته , وقد دل علي وفور ذلك فيه صحة رأيه وصواب تدبيره وحسن تألفه علي الناس وأنه ما استغفل في مكيدة ولا استعجز في شديدة بل كان يلحظ الإعجاز في المبادئ فيكشف عيوبها ويحل خطوبها وهذا لا ينتظم إلا بأصدق حدس وأوضح رؤية الخصلة الثانية
ثباته في الشدائد وهو مطلوب , وصبره علي البأساء و الضراء , وهو مكروب ومحروب (المحروب من فقد ماله ) ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة لا يخور في شديدة ولا يستكين لعظيمة وقد لقي بمكة من قريش ما يشيب النواصي ويهد الصياصي وهو مع الضعف يصابر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي أي الممسك بمقاليد الأمور المسيطر عليها الخصلة الثالثة
زهده في الدنيا وإعراضه عنها وقناعته منها فلم يمل إلي غضارتها ولم يله لحلاوتها وقد ملك من أقصي الحجاز إلي عذار العراق ومن أقصي اليمن إلي شحر عمان وهو أزهد الناس فيها يقتني ويدخر وأعرضهم عما يستفاد ويحتكر , لم يخلف عينا ولا دينا ولا حفر نهرا ولا شيد قصرا ولم يورث ولده وأهله متاعا ولا مالا ليصرفهم عن الرغبة في الدنيا كما صرف نفسه عنها فيكونوا علي مثل حاله في الزهد فيها وحقيق بمن كان في الدنيا بهذه الزهادة أن لا يتهم بطلبها أو يكذب علي الله تعالي في ادعاء الآخرة ويقنع في العاجل وقد سلب الآجل بالميسور النزر ويرضي بالعيش الكدر الخصلة الرابعة
تواضعه للناس وهم اتباع , وخفض جناحه لهم وهو مطاع يمشي في الأسواق ويجلس علي التراب ويمتزج بأصحابه وجلسائه فلا يتميز عنهم إلا بإطراقه وحيائه , فصار بالتواضع متميزا , وبالتذلل متعززاً ولقد دخل عليه بعض الأعراب فارتاع من هيبته فقال خفض عليك فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة وهذا من شرف أخلاقه وكريم شيمه فهي غريزة فطر عليها وجبلة طبع بها لم تندر فتعد , ولم تحصر فتحد الخصلة الخامسة
حلمه ووقاره عن طيش يهزه أو خرق يستفزه فقد كان أحلم في النفار من كل حليم وأسلم في الخصام من كل سليم وقد مني بجفوة الأعراب فلم يوجد منه نادرة ولم يحفط عليه بادرة , ولا حليم غيره إلا ذو عثرة ولا وقور سواه إلا ذو هفوة , فإن الله تعالي عصمه من نزع الهوى وطيش القدرة (النفار أو المنافرة ) ليكون بأمته رؤوفا وعلي الخلق عطوفا لقد تناولته قريش بكل كبيرة وقصدته بكل جريرة وهو صبور عليهم ومعرض عنهم وما تفرد بذلك سفهاؤهم عن حلمائهم ولا أراذلهم دون عظمائهم , بل تمالأ عليه الجلة و الدون , فكلما كانوا عليه ألح , كان عنهم أعرض و أصفح , حتى قدر فعفا , وأمكنه الله منهم فغفر وقال لهم حين ظفر بهم عام الفتح وقد اجتمعوا إليه : ما ظنكم بي قالوا ابن عم كريم , فإن تعف فذلك الظن بك وإن تنتقم فقد أسأنا فقال : بل أقول كما قال يوسف
لأخوته
- سورة يوسف آية 92 وقال : اللهم قد أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرهم نوالا وأتته هند بنت عتبة , وقد بقرت بكن عمه حمزة , ولاكت كبده فصفح عنها وأعطاها يده , لبيعتها
فإن قيل : فقد ضرب رقاب بني قريظة صبرا في يوم واحد وهم نمو سبعمائة , فأين موضع العفو والصفح قيل : إنما فعل ذلك في حقوق الله تعالى وقد كانت بني قريظة رضوا بتحكيم سعد بن معاذ عليهم فحكم أن من جرت عليه الموسي أي بلغ مبلغ الرجال فحلق ذقنه -قتل ومن لم تجر عليه استرق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة (يعني من فوق سبع سنوات) فلم يجز أن يعفو عن حق وجب لله تعالي عليهم وإنما يختص عفوه بحق نفسه الخصلة السادسة
حفظه للعهد ووفاؤه بالوعد فإنه ما نقض لمحافظ عهدا , ولا اخلف لمراقب وعدا , يري الغدر من كبائر الذنوب , والأخلاق من مساوئ الشيم فيلتزم فيهما الأغلظ ويرتكب فيهما الأصعب حفظا لعهده ووفاء بوعده حتى يبتدئ معاهدوه بنقضه فيجعل الله تعالي له مخرجا كفعل اليهود من بني قريظة وبني النضير وكفعل قريش بصلح الحديبية إذ جعل الله تعالي له في نكثهم الخيرة فهذه ست خصال تكاملت في خلقه , فضله الله تعالي علي جميع خلقه الوجه الثالث : فضائل الأقوال في فضائل أقواله صلى الله عليه و سلم خصال عديدة , منها الخصلة الأولي
ما أوتي من الحكمة البالغة , وأعطي من العلوم من الجمة الباهرة , وهو أمي من أمة أمية لم يقرأ كتابا ولا درس علما ولا صحب عالماً ولا معلماً فأتي بما بهر العقول وأذهل الفطن من إتقان ما أبان وإحكام ما أظهر ولم يتعثر فيه بزلل في قول أو عمل وقد شرع من تقدم من علماء الفلاسفة سننا حملوا الناس على التدين بها حين علموا انه لا صلاح للعالم إلا بدين ينقادون له ويعملون به فما راق لها أثر ولا فاق لها خبر الخصلة الثانية
حفظه لما أطلعه الله تعالي عليه من قصص الأنبياء مع الأمم وأخبار العالم في الزمن الأقدم حتى لم يعرب عنه منها صغير ولا كبير ولا شذ عنه منها قليل ولا كثير وهو لا يضبطها بكتاب يدرسه ولا يحفظها بعين تحرسه , وما ذاك إلا من ذهن صحيح وصدر فسيح و قلب شريح , وهذه الثلاثة آله ما استودع من الرسالة وحمل من أعباء النبوة فجدير أن يكون بها مبعوثا وعلي القيام بها محثوثاً الخصلة الثالثة
إحكامه لما شرع بأظهر دليل وبيانه بأوضح تعليل حتى لم يخرج منه ما يوجبه معقول ولا دخل فيه ما تدفعه العقول
ولذلك قال صلى الله عليه و سلم : أوتيت جوامع الكلم واختصرت لي الحكمة اختصارا , لأنه نبه بالقليل على الكثير فكف عن الإطالة وكشف عن الجهالة وما تيسر ذلك إلا وهو عليه معان وإليه مقاد الخصلة الرابعة
ما أمر به من محاسن الأخلاق ودعا إليه من مستحسن الآداب وحث عليه من صله الأرحام وندب إليه من التعاطف على الفقراء و الأيتام ثم ما نهي عنه من التباغض و التحاسد وكف عنه من التقاطع والتباعد لتكون الفضائل فيهم اكثر ومحاسن الأخلاق بينهم أنشر , ومستحسن الآداب عليهم اظهر وتكون إلي الخير أسرع ومن الشر امنع فيتحقق فيه قول الله تعالي :
فلزموا أمره واتقوا زواجره فتكامل بهم صلاح دينهم ودنياهم حتى عز بهم الإسلام بعد ضعفه وذل بهم الشرك بعد عزه فصاروا أئمة أبرارا وقادة أخيارا الخصلة الخامسة
وضوح جوابه إذا سئل وظهور حجاجه إذا جادل لا يحصره عي و ولا يقطعه عجز ولا يعارضه خصم في جدال إلا كان جوابه أوضح وحجاجه أرجح الخصلة السادسة
انه محفوظ اللسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلي الكذب منسوبا وللصدق مجانبا , فأنه لم يزل مشهورا بالصدق في خبره كان فاشيا وكثيرا حتى صار بالصدق مرقوما , وبالأمانة موسوماً وكانت قريش بأسرها تتيقن صدقه قبل الإسلام فجهروا بتكذيبه في استدعاءهم إليه فمنهم من كذبه حسدا ومنهم من كذبه عنادا من كذبه استبعادا أن يكون نبيا أو رسولاً ولو حفظوا عليه كذبه نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرسالة , ومن لزم الصدق في صغره كان له في الكبر الزم ومن عصم منه في حق نفسه كان في حقوق الله تعالي أعصم وحسبك بهذا دفعا لجاحد وردا لمعاند الخصلة السابعة
تحرير كلامه في التوخي به إبان حاجته و الاقتصار منه على قدر كفايته فلا يسترسل فيه هذرا ولا يحجم عنه حصرا وهو فيما عدا حالتي الحاجة و الكفاية اجمل الناس صمتا وأحسنهم سمتا ولذلك حفظ كلامه حتى لم يختل و ظهر رونقه حتى لم يعتل واستعذبته الأفواه حتى بقي محفوظا في القلوب مدونا في الكتاب فلن يسلم الإكثار من الزلل ولا الهذر من الملل الخصلة الثامنة
أنه أفصح الناس لسانا وأوضحهم بيانا وأوجزهم كلاما وأجزلهم ألفاظا وأصحهم معاني لا يظهر فيه هجنة التكلف ولا يتخلله فيهقة التعسف وقد دون كثير من جوامع كلمه ومن كلامه الذي لا يشاكل في فصاحته وبلاغته ومع ذلك فلا يأتي عليه إحصاء ولا يبلغه استقصاء ولو مزج كلامه بغيره لتميز بأسلوبه ولظهر فيه آثار التنافر فلم يلتبس حقه من باطله ولبان صدقه من كذبه هذا ولم يكن متعاطياً للبلاغة ولا مخالطا لأهلها من خطباء أو شعراء أو فصحاء وإنما هو من غرائز طبعه وبداية جبلته وما ذاك إلا لغاية تراد وحادثة تشاد الوجه الرابع : فضائل الأعمال في فضائل أفعاله صلى الله عليه و سلم فمختبر بثماني خصال الخصلة الأولي
حسن سيرته , وصحة سياسته في دين نقل به مألوف , وصرفهم به عن معروف إلي غير معروف فأذعنت به النفوس طوعا , وانقادت خوفا وطمعاً الخصلة الثانية
أن جمع بين رغبة من استمال ورهبة من استطاع حتى اجتمع الفريقان علي نصرته وقاموا بحقوق دعوته رغبا في عاجل وآجل , ورهبا من زائل ونازل , لاختلاف الشيم والطباع في الانقياد الذي لا ينتظم بأحدهما , ولا يستديم إلا بهما , فلذلك صار الدين بهما مستقراً , والصلاح بهما مستمراً الخصلة الثالثة
أنه عدل فيما شرعه من الدين عن اللغو و التقصير إلي التوسط , وخير الأمور أوسطها , وليس لما جاوز العدل حظ من رشد , ولا نصيب من سداد الخصلة الرابعة
أنه لم يمل بأصحابه إلي الدنيا ولا إلي رفضها , وأمدهم فيها بالاعتدال , وقال : (خيركم من لم يترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه , ولكن خيركم من أخذ من هذه و هذه) وهذا صحيح , لأن الانقطاع إلي أحدهما اختلال , والجمع بينهما اعتدال وقال صلى الله عليه و سلم : (نعم المطية الدنيا فارتحلوها تبلغكم الآخرة) , وإنما كان كذلك لآن من يتزود لآخرته , ويستكثر فيها من طاعته وأنه لا يخلو تاركها من أن يكون محروما مضاعا أو مرحوما مراعي وهو في الأول كل وفي الثاني مستذل الخصلة الخامسة
تصديه لمعالم الدين ونوازل الأحكام حتى أوضح للأمة ما كلفوه من العبادات , وبين لهم ما يحل وما يحرم من مباحات و محظورات , وفصل لهم ما يجوز ويمتنع من عقود ومناكح ومعاملات حتى احتاج أهل الكتاب في كثي من معاملتهم ومواريثهم لشرعه ولم يحتج شرعه إلي شرع غيره ثم مهد لشرعه أصولا تدل على الحوادث المغفلة ويستنبط لها الأحكام المعللة فأغنى عن نص بعد ارتفاعه وعن التباس بعد إغفاله ثم أمر الشاهد أن يبلغ الغائب ليعلم بإنذاره ويحتج بإظهاره فقال صلى الله عليه و سلم : بلغوا عني ولا تكذبوا علي فرب مبلغ أوعى من سامع ورب حامل فقه ألي من هو أفقه منه الخصلة السادسة
انتصابه لجهاد الأعداء وقد أحاطوا بجهاته وأحدقوا بجنباته وهو في قطب مهجور , وعدد محقور فزاد به من قل وعز به من ذل وصار بإثخانه في الأعداء محذورا وبالرعب منه منصورا فجمع بين التصدي لشرع الدين حتى ظهر وانتشر وبين الانتصاب لجهاد العدو حتى قهر وانتصر الخصلة السابعة
ما خص به من الشجاعة في حروبه والنجدة في مثابرة عدوه فإنه لم يشهد حرباً في فزاع إلا صابر حتى انجلت عن ظفر أو دفاع وهو في موقفه لم يزل عنه هرباً ولا حاز فيه رغباً بل ثبت بقلب آمن وجأش ساكن قد ولى عنه أصحابه يوم حنين حتى بقى بإزاء جمع كثير وجم غفير في تسعة من أهل بيته وأصحابه على بغلة مسبوقة إن طلبت غير مستعدة لهرب ولا طلب وهو ينادي أصحابه ويظهر نفسه ويقول إلي عباد الله (أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب) فعادوا أشذاذاً وأرسالاً وهو ازن تراه وتحجم عنه فما هاب حرب من كاثره ولا انكفأ عن مصاولة من صابره الخصلة الثامنة
ما منح من السخاء والجود حتى جاد بكل موجود وآثر بكل مطلوب ومحبوب ومات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع من شعير لطعام أهله وقد ملك جزيرة العرب وكان فيها ملوك وأقيال لهم خزائن وأموال يقتنوها ذخراً ويتباهون بها فخراً ويستمتعون بها أشراً وبطراً وقد حاز ملك جميعهم فما اقتنى دينارا ولا درهماً , لا يأكل إلا الخشن ولا يلبس إلا الخشن , وكان يقول : أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك ديناً أو ضياعا فعلي ومن ترك مالاً فلورثته فهل مثل هذا الكرم والجود كرم وجود ؟ أم هل لمثل هذا الأعراض والزهادة إعراض وزهد ؟ هيهات أنا لم نرى ولم نسمع لأحد قط كصبره ولا كحلمه ولا كوفائه ولا كزهده ولا كجوده ولا كنجدته ولا كصدق لهجته ولا ككرم عشرته ولا كتواضعه ولا كحفظه ولا كصمته إذا صمت ولا كقوله إذا قال ولا كعجيب منشئه ولا كعفوه ولا كدوام طريقته وقله امتنانه
ثانيا : الخصائص القسم الأول : خصائص اختص بها رسول الله صلى الله عليه و سلم دون غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام القسم الثاني : ما اختص به صلى الله عليه و سلم من الخصائص والأحكام دون أمته وقد يشاركه في بعضها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام القسم الأول : وقد قسم العلماء رحمهم الله الخصائص التي انفرد بها رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بقية الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام إلى عدة أنواع النوع الأول : ما اختص به في ذاته في الدنيا النوع الثاني : ما اختص به في ذاته في الآخرة النوع الثالث : ما اختص به في أمته في الدنيا النوع الرابع : ما اختص به في أمته في الآخرة
النوع الأول : ما اختص به في ذاته في الدنيا اختص الله تبارك وتعالي نبيه محمداً صلى الله عليه و سلم دون غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام بخصائص في الدنيا لذاته منها ما يلي أولاً : عهد وميثاق
أخذ الله عز وجل العهد والميثاق علي جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلي عيسى عليهما السلام لما آتى الله أحدهم من كتاب وحكمه وبلغ أي مبلغ ثم بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم ليؤمن به ولينصرنه ولا يمنعه ما هو فيه من العلم والنبوة من اتباعه ونصرته , كما أمرهم أن يأخذوا هذا الميثاق على أممهم لئن بعث محمد صلى الله عليه و سلم وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرونه قال الله تعالى :
-سورة آل عمران إية 81 قال على بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم : ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه ميثاق لئن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه , وأمره أن يأخذ الميثاق علي أمته لئن بعث الله محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه ثانياً : رسالة عامة
كان الأنبياء والرسل السابقين عليهم الصلاة والسلام يرسلون إلي أقوامهم خاصة كما قال الله تعالى :
إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ
- سورة نوح آية 1
و قال الله تعالى :
وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً
- سورة الأعراف آية 65
و قال الله تعالى :
وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً
- سورة الأعراف آية 73 وأما نبينا صلى الله عليه و سلم , فرسالته عامة لجميع الناس عربهم وعجمهم وإنسهم وجنهم , وهذا من خصائصه صلى الله عليه و سلم
قال العز بن عبد السلام رحمه الله : ومن خصائصه : أن الله تعالى أرسل كل نبي إلي قومه خاصة , وأرسل نبينا محمداً صلى الله عليه و سلم إلي الجن والأنس , ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلي أمته ولنبينا صلى الله عليه و سلم ثواب التبليغ إلي كل من أرسل إليه تارة لمباشرة البلاغ وتارة بالنسبة إليه ولذلك تمنن عليه بقوله تعالى
سورة الفرقان آية 51 ووجه التمنن : انه لو بعث في كل قرية نذيراً لما حصل لرسول الله صلى الله عليه و سلم إلا أجر إنذاره لأهل قريته وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تشير إلي هذه الخصوصية قال الله تعالي :
- سورة الأنبياء إية 106 ثالثاً : نبوة خاتمة
من رحمه الله تعالى بعباده إرسال محمد صلى الله عليه و سلم إليهم , ومن تشريفه له ختم الأنبياء والمرسلين به وإكمال الدين الحنيف له وقد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه و سلم في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده ليعلم العباد أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال قال الله تعالى
- سورة الأحزاب آية 40 ومما يدل على هذه الخصوصية من السنة ما يأتي
عن أبي هريرة رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا ً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون : هلا وضعت هذه اللبنة ؟ فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين -عن أبي هريرة رضى الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : فضلت على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم , ونصرت بالرعب , وأحلت لي الغنائم , وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً , وأرسلت إلي الخلف كافة , وختم بي النبيون -وعن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن لي أسماء : أنا محمد , وأنا أحمد , وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر , وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي , وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد -رابعاً : رحمة مهداه
أرسل الله تبارك وتعالي رسوله محمداً صلى الله عليه و سلم رحمة للخلاءئق عامة مؤمنهم وكافرهم وإنسهم وجنهم , وجعله رؤوفا رحيماً بالمؤمنين خاصة فمن قبل الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والآخرة ومن ردها وجحدها خسر الدنيا والآخرة ويؤيد هذه الخصوصية
عن أبي هريرة رضى الله عنه : قيل : يا رسول الله صلى الله عليه و سلم ادع الله علي المشركين قال : إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة -وعنه رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداه -وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ....أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنما بعثتي رحمة للعالمين فأجعلها عليهم صلاةً يوم القيامة -خامساً : أمنة لأصحابه
أكرم الله تبارك وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه و سلم فجعل وجوده بين أصحابه أمنة لهم من العذاب , بخلاف ما حصل لبعض الأمم السابقة حيث عذبوا في حياة أنبيائهم , وكان صلى الله عليه و سلم أمنة لأصحابه كذلك من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً ووقع بعد وفاته قال العز بن عبد السلام رحمه الله : ومن خصائصه صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى أرسله (رحمة للعالمين) فأمهل عصاه أمته ولم يعالجهم إبقاء عليهم بخلاف من تقدمه من الأنبياء فإنهم لما كذبوا عوجل مكذبهم وقد جاء النص على هذه الخصوصية من القرآن الكريم والسنة المطهرة وآثار السلف الصالح , فمن ذلك ما روى البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال أبو جهل : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم فنزلت
- سورة الأنفال إيات 33 و 34 وعن أبي موسى رضى الله عنه : قال : صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قلنا , لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء
قال : فجلسنا فخرج علينا فقال : ما زلتم هاهنا ؟
قلنا : يا رسول الله صلينا معك المغرب , ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء
قال : أحسنتهم أو أصبتم
قال فرفع رأسه إلي السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلي السماء فقال : النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون , وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتي أمتي ما يوعدون سادساً : القسم بحياته
أقسم الله تبارك وتعالي بأشياء كثيرة من مخلوقاته الدالة على كماله وعظمته ليؤكد المعنى في نفوس المخاطبين , فأقسم تعالي بالشمس والقمر والسماء وغير ذلك .بينما نجده سبحانه وتعالى لم يقسم بأحد من البشر إلا بالرسول الكريم صلى الله عليه و سلم حيث يقول جل شأنه
والأقسام بحياة المقسم يدل على شرف حياته وعزتها عند المقسم بها , وان حياته صلى الله عليه و سلم لجديرة أن يقسم بها لما فيها من البركة العامة والخاصة , ولم يثبت هذا لغيره صلى الله عليه و سلم سابعاً : نداؤه بوصف النبوة والرسالة
خاطب الله عز وجل رسوله صلى الله عليه و سلم في القرآن الكريم بالنبوة والرسالة ولم يناده باسمه زيادة في التكريم والتشريف أما سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام فخوطبوا بأسمائهم قال الله تعالى
سورة هود آية 48 قال العز بن عبد السلام رحمه الله : ولا يخفي علي أحد أن السيد إذا دعي أحد عبيده بأفضل ما وجد فيهم من الأوصاف العلية والأخلاق السنية , ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام لا يشعر بوصف من الأوصاف ولا بخلق من الأخلاق , أن منزلة من دعاه بأفضل الأسماء والأوصاف أعز عليه وأقرب إليه ممن دعاه باسمه العلم .وهذا معلوم بالعرف أن من دعي بأفضل أوصافه وأخلاقه كان ذلك مبالغة في تعظيمه واحترامه ثامناً : نهي المؤمنين عن مناداته باسمه
أدب الله عز وجل عباده المؤمنين في مخاطبة نبيه صلى الله عليه و سلم والكلام معه تشريفا وتعظيما وتقديرا له , فأمرهم أن لا يخاطبونه باسمه بل يخاطبوه : يا رسول الله , يا نبي الله وإذا كان الله تبارك وتعالى خاطبه في كتابه العزيز بالنبوة والرسالة ولم يناده باسمه زيادة في التكريم والتشريف كما مر ذكره .فمن باب أولى وأحرى أهل الإيمان .واختص رسول الله صلى الله عليه و سلم بذلك بخلاف سائر الأنبياء والمرسلين فإن أممهم كانت تخاطبهم بأسمائهم قال الله جل ذكره
سورة الأعراف آية 138 تاسعاً : كلم جامع
فضل الله عز وجل نبيه صلى الله عليه و سلم على غيره من الأنبياء عليهم السلام بأن أعطاه جوامع الكلم , فكان صلى الله عليه و سلم يتكلم بالقول الموجز القليل اللفظ الكثير المعاني أعطاه ****** الكلام وهو ما يسره له من البلاغة و الفصاحة , والوصول إلى غوامض المعاني وبدائع الحكم ومحاسن العبارات و الألفاظ التي أغلقت على غيره وتعذرت عليه قال العز بن عبد السلام رحمه الله : ومن خصائصه أنه بعث بجوامع الكلم , واختصر له الحديث اختصارا , وفاق العرب في فصاحته عاشراً : نصر بالرعب
اختص نبينا صلى الله عليه و سلم , بأن الله عز وجل نصره بالرعب , وهو الفزع والخوف , فكان سبحانه يلقيه في قلوب أعداء رسوله صلى الله عليه و سلم , فإذا كان بينه وبينهم مسيرة شهر أو شهرين هابوا وفزعوا منه , فلا يقدمون علي لقائه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وهذه الخصوصية حاصلة له على الإطلاق حتى لو كان وحده بغير عسكر
وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : فضلت على الأنبياء بخمس : بعثت إلي الناس كافة , وادخرت شفاعتي لأمتي , ونصرت بالرعب شهراً أمامي , وشهراً خلفي , وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً , وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد من قبلي حادي عشر : ****** خزائن الأرض بيده
أكرم الله عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه و سلم واختصه على غيره من الأنبياء بأن أعطاه ****** خزائن الأرض وهي ما سهل الله تعالي له ولأمته من بعده من افتتاح البلاد المتعذرات والحصول على كنوزها وذخائرها ومغانمها واستخراج الممتنعات من الأرض كمعادن الذهب والفضة وغيرها عن عقبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت , ثم انصرف على المنبر فقال :إني فرط لكم , وأنا شهيد عليكم , وإني والله لأنظر إلي حوضي الآن وإني أعطيت ****** خزائن الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي , ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ثاني عشر : ذنوب مغفورة
اختص الله تعالى عبده ورسوله محمداً r تشريفاً له وتكريماً بأن غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأخبره بهذه المغفرة وهو حي صحيح يمشي على الأرض
قال العز بن عبد السلام : من خصائصه أنه أخبره الله بالمغفرة ولم ينقل أنه أخبر أحداً من الأنبياء بذلك وقال تعالى :
- سورة الشرح آيات من 1 الى 4 وفي حديث أنس رضي الله عنه في الشفاعة وفيه : (......فيأتون عيسى فيقول ...... اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه و سلم , فيقولون : يا محمد , أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه
فقالت عائشة : لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟
قال : أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً فلما كثر لحمه صلى جالساً , فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع ثالث عشر : كتاب خالد محفوظ
أعطى الله تبارك وتعالى كل نبي من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الآيات والمعجزات الدالة على صدقه وصحة ما جاء به عن ربه فيه كفاية وحجة لقومه الذين بعث إليهم , وهذه المعجزات كانت وقتية انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها وأما نبينا صلى الله عليه و سلم فكانت معجزته العظمى التي أختص بها دون غيره هي القرآن العظيم الحجة المستمرة الدائمة القائمة في زمانه وبعده إلى يوم القيامة .كتاب خالد لا ينضب معينه ولا تنقضي عجائبه ولا تنتهي فوائده محفوظ بحفظ الله من التغيير والتبديل والتحريف قال العز بن عبد السلام : من خصائصه أن معجزة كل نبي تصرمت وانقرضت ومعجزة سيد الأولين والآخرين وهي القرآن العظيم باقية إلي يوم الدين وقال : ....ومنها حفظ كتابه , فلو اجتمع الأولون والآخرون على أن يزيدوا فيه كلمة أو ينقصوا منه لعجزوا عن ذلك , ولا يخفى ما وقع من التبديل في التوراة والإنجيل قال الله تعالى :
- سورة فصلت آيات 41 و 42 وعن يحيى بن أكثم قال : دخل يهودي على المأمون فتكلم فأحسن الكلام , فدعاه المأمون إلى الإسلام , فأبي فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً , فتكلم عن الفقه فأحسن الكلام , فقال له المأمون : ما كان سبب إسلامك ؟ قال : انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان فعمدت إلي التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة , فاشتريت مني , وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها البيعة , فاشتريت مني , وعمدت إلى القرآن فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الوارقين فتصفحوها , فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها , فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ , فكان هذا سبب إسلامي رابع عشر : إسراء ومعراج
ومما اختص به رسول الله صلى الله عليه و سلم عن غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معجزة الإسراء والمعراج فقد أسري به ببدنه وروحه يقظة من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس بإيلياء في جنح الليل , ثم عرج به إلى سدرة المنتهى ثم إلى حيث شاء الله عز وجل ورجع مكة من ليلته وأكرم صلى الله عليه و سلم في هذه الآية العظيمة بكرمات كثيرة , منها : تكليمه ربه عز وجل , وفرض الصلوات عليه , وما رأى من آيات ربه , وإمامته للأنبياء في بيت المقدس .فدل ذلك على أنه هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين وفد ثبت الإسراء بالقرآن , كما ثبت المعراج بالمتواتر من الحديث , وإليه أشار القرآن قال الله تعالى
النوع الثاني : ما اختص به صلى الله عليه و سلم لذاته في الآخرة ما اختص به صلى الله عليه و سلم من الخصائص والأحكام دون أمته وقد يشاركه في بعضها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أولاً : وسيلة وفضيلة
الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا عبد واحد من عباد الله وهو رسولنا صلى الله عليه و سلم قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : (الوسيلة) علم على أعلي منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه و سلم وداره في الجنة , وهي أقرب أمكنة الجنة إلي العرش وعن عبد الله بن عمرو بن العاص –رضى الله عنهما – أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول : إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي , فإنه من صلى علي صلى الله عليه به عشراً , ثم سلوا الله لي الوسيلة , فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله , وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ثانياً : مقام محمود
لرسول الله صلى الله عليه و سلم يوم القيامة , تشريفات وتكريمات لا يشركه ولا يساويه فيها أحد الأنبياء فمن دونهم ومن ذلك المقام المحمود , الذي يقومه صلى الله عليه و سلم فيحمده الخالق عز وجل والخلائق من بعد قال تعالي
- سورة الإسراء آية 79 قال ابن جرير الطبري رحمه الله : قال أكثر أهل العلم ذلك هو المقام الذي يقومه صلى الله عليه و سلم يوم القيامة للشفاعة للناس ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما -: المقام المحمود : مقام الشفاعة ثالثاً : شفاعة عظمى وشفاعات
يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد , وتدنو منهم الشمس وقد تضاعف حرها وتبدلت عما كانت عليه من خفة أمرها ويعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين باعاً ويلجمهم ويبلغ آذانهم في يوم مقداره خمسين ألف سنة , قياماً على أقدامهم شاخصة أبصارهم منفطرة قلوبهم لا يكلمون ولا ينظر في أمورهم .فإذا بلغ الكرب والجهد منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضاً في طلب من يكرم على مولاه ليشفع في حقهم , فلم يتعلقوا بنبي إلا دفعهم , قال : نفسي نفسي , اذهبوا إلى غيري حتى ينتهوا إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فينطلق فيشفع حتى يقضي الله تبارك وتعالى بين الخلق وبعد هذه الشفاعة يكون له ولغيره شفاعات أخرى .فهذه هي الشفاعة العظمى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتي رسول الله صلى الله عليه و سلم بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ثم قال : أنا سيد الناس يوم القيامة , وهل تدرون مم ذلك ؟ يجمع الناس الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي , وينفذهم البصر , وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون
فيقول الناس : ألا ترون ما قد بلغكم ؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم ؟
فيقول بعض الناس لبعض : عليكم بآدم
فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له أنت ابو البشر , خلقك الله بيده , ونفخ فيك من روحه , وأمر الملائكة فسجدوا لك ,اشفع لنا إلى
ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول أدم : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , إنه نهاني عن الشجرة فعصيته , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى نوح فيأتون نوحاً فيقولون : يا نوح أنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض , وقد سماك الله عبداً شكوراً , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , إنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم فيقولون : يا إبراهيم أنك نبي الله وخليله من أهل الأرض , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , وأني قد كنت كذبت ثلاث كذبات , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى موسى فيأتون موسى فيقولون : يا موسى , أنت رسول الله , فضلك الله برسالته وبكلامه على الناس اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى عيسى فيأتون عيسى فبقولون : يا عيسى أنت رسول الله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه , وكلمت الناس في النهد صبياً , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فيقول : إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله , ولن يغضب بعده مثله , ولم يذكر ذنباً , نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري , اذهبوا إلى محمد فيأتون محمد صلى الله عليه و سلم فيقولون : يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء , وقد غفر اله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر , اشفع لنا إلى ربك , ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى إلى ما قد بلغنا ؟
فأنطلق , فآتى تحت العرش فأقع ساجداً لربي عز وجل , ثم يفتح الله على من محامده ومحاسنه وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي ثم يقال : يا محمد , أرفع رأسك سل تعطه , واشفع تشفع
فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب , أمتي يا رب , فيقال : يا محمد , أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة , وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب .ثم قال : والذي نفسي بيدي إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير , أو كما بين مكة وبصرى هذا , ولرسول الله صلى الله عليه و سلم شفاعات أخرى غير الشفاعة العظمى , منها ما اختص بها وحده , ومنها ما شاركه فيها غيره ممن أذن الله تعالى له من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وغيرهم فنسرد شفاعته صلى الله عليه و سلم ثم نقتصر في ذكر الأدلة على ما اختص به منها دون غيره
الشفاعة في استفتاح باب الجنة -الشفاعة في تقديم من لا حساب عليهم في دخول الجنة -الشفاعة فيمن استحق النار من الموحدين أن لا يدخلها-الشفاعة في إخراج عصاة الموحدين من النار-الشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة-الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب-أولاً : الشفاعة في استفتاح باب الجنة
ينتقل الناس في عرصات القيامة من كرب إلى كرب فأهوال قبل فصل القضاء فشفاعة عظمى ثم يحاسب الناس , وعند ذلك ينصب الميزان , وتطاير الصحف ويكون التميز بين المؤمنين والمنافقين ثم يؤذن في نصب الصراط والمرور عليه ويوقف بعض من نجا عند القنطرة للمقاصصة بينهم , فإذا انتهى ذلك كله يقوم المؤمنون وتقرب لهم الجنة فيطلبون من يكرم على مولاه ليشفع لهم في استفتاح باب الجنة , فيأتون آدم فإبراهيم فموسى فعيسى عليهم السلام وكل منهم يعتذر عن ذلك المقام العظيم , فيأتون رسول الله صلى الله عليه و سلم فيشفع لهم الله تعالى فعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يجمع الله تبارك وتعالى الناس فيقوم المؤمنون حتى تزلف(تقرب) لهم الجنة , فيأتون آدم , فيقولون : يا أبانا استفتح لنا الجنة
فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم لست بصاحب ذلك اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله
قال : فيقول إبراهيم : لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلاً من وراء وراء , اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليماً
فيأتون موسى فيقول : لست بصاحب ذلك , اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه
فيقول عيسى : لست بصاحب ذلك , فيأتون محمداً صلى الله عليه و سلم , فيقوم فيؤذن له وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً فيمر أولكم كالبرق ؟
قال قلت بأبي أنت وأمي أي شيء كمر البرق ؟
قال : (ألم تروا إلى البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح , ثم كمر الطير وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ونبيكم قائم على الصراط يقول : رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفاً قال وفى حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به , فمخدوش ناج ومكدوس في النار) والذى نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفاً وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : آتي باب الجنة يوم القيامة , فأستفتح فيقول الخازن : من أنت ؟
فأقول : محمد
فيقول : بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك ثانياً : شفاعته في تقديم من لا حساب عليهم في دخول الجنة
ومما اختص به رسولنا صلى الله عليه و سلم من الشفاعات أنه يشفع في تعجيل دخول الجنة لمن لا حساب عليهم من أمته وهذا من عظيم قدره صلى الله عليه و سلم ورفعة منزلته عند ربه تبارك وتعالى ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه الطويل في الشفاعة (......يا محمد أرفع رأسك سل تعطه , واشفع تشفع , فأرفع رأسي فأقول : أمتي يا رب , أمتي يا رب , فيقول : يا محمد , أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة , وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : سألت ربي عز وجل فوعدني أن يدخل أمتي سبعين ألفاً على صورة القمر ليلة البدر , فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا, فقلت أي رب , إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي قال : إذن أكملهم لك من الأعراب ثالثاً : شفاعته في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب
كان أبو طالب يحوط ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه و سلم , وينصره ويقوم في صفه ويبالغ في إكرامه والذب عنه , ويحبه حباً شديداً طبعياً لا شرعياً , فلما حضرته الوفاة وحان أجله دعاه رسول الله r إلى الأيمان والدخول في الإسلام , فسبق القدر فيه فاستمر على ما كان عليه من الكفر ولله الحكمة البالغة .ونظراً لما قام به أعمال جليلة مع رسول الله r جوزي على ذلك بتخفيف العذاب خصوصية له من عموم الكفار الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين .وذلك إكراماً وتطيباً لقلب رسول الله صلى الله عليه و سلم فعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله , هل نفعت أبا طالب بشيء , فأنه كان يحوطك ويغضب لك ؟
قال : نعم , هو في ضحضاح من نار , ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار
ضحضاح بمعنى : ما رق من الماء على وجه الأرض
في عيشه صلى الله عليه وسلم في المأكل والمشرب و الحياة
ضيق عيشه صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام تباعًا حتى قبض وفي رواية: والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعًا من خبز حنطة حتى فارق الدنيا - رواه الشيخان وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويًا هو وأهله، لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز شعير - رواه أحمد والترمذي وابن ماجة وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه الشيخان وفي رواية لمسلم: قالت: لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين وفي رواية للترمذي عن عائشة: والله ما شبع من خبز ولحم مرتين في اليوم وفي رواية للبيهقي قالت: ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية ولو شئنا لشبعنا ولكنه كان يؤثر على نفسه. وعن أنس رضي الله عنه قال: إن فاطمة رضي الله عنها ناولت النبي صلى الله عليه وسلم كسرة من خبز شعير
فقال لها: هذا أول طعام أكله أبوك منذ ثلاثة أيام - رواه أحمد والطبراني، وزاد: فقال: ما هذه؟
فقالت: قرص خبزته فلم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة - ورواتها ثقات وعنه قال: قال صلى الله عليه وسلم : ولقد أتت علي ثلاثون من يوم وليلة، وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال - رواه أحمد الترمذي وابن حبان، وقال الترمذي: حسن صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام سخن فأكل، فلما فرغ قال: الحمد لله، ما دخل بطني طعام سخن منذ كذا وكذا - رواه ابن ماجة بإسناد حسن، والبيهقي بإسناد صحيح وعن أنس رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبز ولحم إلا على ضفف - أخرجه الترمذي في الشمائل
ومعنى على ضفف: أي عندما ينزل عليه الضيوف، فيشبع حينئذ لضرورة الإيناس والمجاملة وعن النعمان بن بشير قال: ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي، ما يجد من الدقل ما يملأ بطنه - رواه مسلم
الدقل: التمر الرديء وعن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: والله يا ابن أخي، إنا كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار
قلت يا خالة: فما كان عيشكم؟
قالت: الأسودان، التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران وكانت لهم منائح، فكانوا يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقيناه وعن أبي طلحة قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع ورفعنا ثيابنا عن حجر على بطوننا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين - رواه الترمذي ضيق عيشه صلى الله عليه وسلم كان باختياره
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا، وفي رواية: كفافًا - رواه الشيخان والترمذي وابن ماجة
الكفاف: ما لا يفضل عن الشيء ويكون بقدر الحاجة
القوت: ما يسد به الريق سمي قوتًا لحصول القوة به وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرض علي ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا، فقلت: لا يا رب، ولكني أشبع يومًا وأجوع يومًا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك - رواه أحمد والترمذي بسند ضعيف وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل عليه السلام على الصفا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل، والذي بعثك بالحق ما أمسى لآل محمد سفة من دقيق ولا كف من سويق، فلك يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدة من السماء أفزعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمر الله القيامة أن تقوم؟
قال: لا، ولكن أمر إسرافيل فنزل إليك حين سمع كلامك
فأتاه إسرافيل فقال: إن الله سمع ما ذكرت فبعثني إليك ب****** خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض عليك أن أسير معك جبال تهامة زمردًا وياقوتًا وذهبًا وفضة، فإن شئت نبيًا ملكًا، وإن شئت نبيًا عبدًا
فأومأ إليه جبريل أن تواضع، فقال: بل نبيًا عبدًا . . ثلاثًا - رواه الطبراني بإسناد حسن والبيهقي وغيرهما عدم ذكره عيب الطعام واستحباب مدحه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعامًا قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه - رواه البخاري وعن جابر رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله إدامًا، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به، فجعل يأكل ويقول: نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل - رواه مسلم
صفة مأكله ومشربه صلى الله عليه وسلم كان صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاثة ثم يلعقها
روى الترمذي: أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل بأصابعه الثلاث، وكان يلعق أصابعه إذا فرغ ثلاثًا روى مسلم: أنه كان يلعقها قبل أن يمسحها
وقال كعب بن عجرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بأصابعه الثلاث، بالإبهام والتي تليها والوسطى، وأكل صلى الله عليه وسلم أيضًا بخمسة
كان صلى الله عليه وسلم لا يأكل متكئًا
روى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا آكل متكئًا
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: إني آكل كما يأكل العبد، وأشرب كما يشرب العبد - رواه ابن عدي والديلمي وابن أبي شيبة بإسناد ضعيف
كان صلى الله عليه وسلم يشرب ثلاثًا
روى السبعة: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس ثلاثًا، ويقول: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فيه سمى الله تعالى، فإذا أخره حمد الله، يفعل ذلك ثلاثًا - رواه الطبراني
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب تنفس مرتين - رواه الترمذي وابن ماجة بسند ضعيف
قال المناوي: أي تنفس في أثناء الشرب مرتين، فيكون قد شرب ثلاث مرات، وسكت عن التنفس الأخير لكونه من ضرورة الواقع، فلا تعارض بينه وبين ما قبله من الثلاث كان صلى الله عليه وسلم يشرب قاعدًا
روى مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم كان يشرب قاعدًا، وكان ذلك عادته صلى الله عليه وسلم
وروى مسلم أيضًا: أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشرب قائمًا
وعن علي رضي الله عنه: أنه شرب قائمًا، وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كما رأيتموني فعلت - رواه البخاري وأبو داود والنسائي
فشربه صلى الله عليه وسلم كان لبيان الجواز
لباس النبي صلى الله عليه وسلم كان صلى الله عليه وسلم يلبس من الثياب ما وجد من إزار أو رداء أو قميص أو جبة أو غيرها
عن عائشة رضي الله عنها: أنها أخرجت إزارًا مما يصنع باليمن وكساء من هذه اللبدة، فقالت: في هذا قبض النبي صلى الله عليه وسلم - أخرجه الشيخان
وعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية - أخرجه الشيخان
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصًا قصير اليدين والطول - أخرجه ابن ماجة بسند ضعيف
وعنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس قميصًا فوق الكعبين مستوي الكمين بأطراف أصابعه - أخرجه ابن ماجة وابن عساكر والحاكم وابن حبان وصححاه
وقال دحية الكلبي: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من الشام - أخرجه أبو الشيخ وابن حبان
وقال المغيرة بن شعبة: لبس النبي صلى الله عليه وسلم جبة رومية ضيقة الكمين - أخرجه الشيخان
وقال عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أخرجت إلينا أسماء جبة طيالسة كسروانية، لها لينة ديباج، وفرجاها مكفوفان بالديباج، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قبضت فلما قبضت قبضتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبسها فنحن نغسلها للمرضى نستشفي بها - أخرجه مسلم والنسائي وابن سعد
وعن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة - أخرجه أبو داود والطيالسي
وقال أنس رضي الله عنه: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقة من سندس فلبسها
قال أنس: فكأني أنظر إلى يديه تذبذان من طولهما، فجعل القوم يقولون: يا رسول الله أنزلت عليك من السماء؟
فقال: وما تعجبون منها؟! والذي نفسي بيده إن منديلاً من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها
ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب فلبسها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أعطكها لتلبسها
قال: فما أصنع بها؟
قال: ابعث بها إلى أخيك النجاشي - أخرجه ابن سعد وأحمد وأبو داود مختصرًا
وعن ابن داود: أن قيصرًا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من سندس، فاستشار أبا بكر وعمر، فقالا: يا رسول الله، نرى أن تلبسها، يكبت الله بها عدوك ويسر المسلمون، فلبسها وصعد المنبر فخطب، وكان جميلاً يتلألأ وجهه فيها، ثم نزل فخلعها، فلما قدم عليه جعفر وهبها له - أخرجه قانع بن قانع
وإنما لبس النبي صلى الله عليه وسلم المستقة أو الجبة من سندس قبل تحريم الحرير، ثم نزعها بعد التحريم
وفي رواية لمسلم والنسائي أن النبي قال حين نزعه: نهاني عنه جبريل
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم جعفر بإهداء المستقة لملك الحبشة لينتفع بها بطريق حلال بأن يكسوها النساء
ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس المستقة بعد تحريم الحرير؛ لكونها مكفوفة بالسندس، وليس جميعها حريرًا خالصًا لأن نفس الفروة لا تكون سندسًا، ومع ذلك ترك لبسها بعد ورعًا
ولبس النبي صلى الله عليه وسلم الحبرة، وهي كعنبه نوع من البرود اليمنية، وكانت من أحب الثياب إليه، ولبس القباء والفروج، وهو القباء الذي شق من خلفه
وقال الواقدي: كان رداؤه وبرده طول ستة أذرع في ثلاثة وشبر، وإزاره من نسج عمان طول أربعة أذرع وشبر في عرض ذراعين وشبر، ولبس حلة حمراء. والحلة: إزار ورداء، ولا تكون الحلة إلا اسمًا للثوبين معًا
وغلط من ظن أنها كانت حمراء بحتة لا يخالطها غيرها؛ إنما الحلة الحمراء بردان يمنيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود كسائر البرود اليمنية، وهي معروفة بهذا الاسم باعتبار ما فيها من الخطوط الحمر، فالأحمر البحت منهي عنه أشد النهي
ولبس صلى الله عليه وسلم الخميصة المعلمة والساذجة، ولبس ثوبًا أسود، ولبس الفروة المكفوفة بالسندس
وكان صلى الله عليه وسلم يلبس العمامة وتحتها قلنسوة، وكان يلبسها بلا قلنسوة، وكان إذا اعتم أرخى عمامته بين كتفيه، وكان يتلحى بالعمامة تحت الحنك
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي كان إذا استجد ثوبًا سماه باسمه عمامة أو قميصًا أو رداء ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له - أخرجه أحمد والحاكم والثلاثة وحسنه الترمذي، وصححه النووي
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبًا أو غيره بدأ بيمناه، وإذا لبس شيئًا من الثياب بدأ بالأيمن، وإذا نزع بدأ بالأيسر
وقال أنس رضي الله عنه: كان صلى الله عليه وسلم إذا ارتدى أو ترجل أو انتعل بدأ بيمينه وإذا خلع بدأ بيساره - أخرجه أبو الشيخ وابن حبان وسنده ضعيف
فراش النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم على حصير قد أثر في جنبه فبكيت
فقال: ما يبكيك؟
قلت: كسرى وقيصر على الخز والديباج، وأنت نائم على هذا الحصير
فقال صلى الله عليه وسلم: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا ****ب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها - رواه أحمد، وابن ماجة بإسناد صحيح عن عمر بن الخطاب بلفظ آخر والترمذي وقال: حسن صحيح، والحاكم والطبراني، وقال الحاكم على شرط البخاري وأقره الذهبي، وقال الهيثمي: ورجال أحمد رجال صحيح غير هلال بن حيان وهو ثقة
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينام عليه أدمًا حشوه ليف
وفي رواية: كان وساد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يتكئ عليه من أدم حشوه ليف - رواه أحمد والشيخان وأبو داود والترمذي وابن ماجة
وعن حفصة رضي الله عنها قالت: كان فراشه صلى الله عليه وسلم مسحًا يثنيه ثنيتين فينام عليه، فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته أربع ثنيات لكلن أوطأ، فثنيناه بأربع ثنيات فلما أصبح قال: ما فرشتموه الليلة؟
قلنا: هو فراشك إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات، قلنا هو أوطأ لك
قال: ردوه لحاله الأولى؛ فإنه منعني وطاؤه صلاتي الليلة - رواه الترمذي
عظمة النبي صلى الله عليه وسلم في القلوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ملأت عيني منه قط حياء منه وتعظيمًا له، ولو قيل لي صفه لما قدرت - رواه مسلم
ولما رأته صلى الله عليه وسلم قيلة بنت مخرمة في المسجد وهو قاعد القرفصاء أرعدت من الفرق، أي الخوف - رواه أبو داود
وجاء رجل إليه صلى الله عليه وسلم فقام بين يديه، فأخذته رعدة شديدة ومهابة فقال له: هون عليك فإني لست بملك ولا جبار، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة، فنطق الرجل بحاجته
خوف النبي صلى الله عليه وسلم روى البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية
وروى أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا
وعن عبد الله بن الشخير قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء - رواه أحمد وأبو داود واللفظ له، والنسائي بسند حسن، والترمذي وصححه، وابن حبان وابن خزيمة
اكتحال النبي صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان صلى الله عليه وسلم له مكحلة يكتحل منها كل ليلة ثلاثة في هذه وثلاثة في هذه - رواه الترمذي وابن ماجة وحسنه الترمذي وروى أحمد نحوه، وقال المناوي: فيه عباد بن منصور ضعفه الذهبي
جماع النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم يطوف على جميع نسائه في ليلة بغسل واحد - رواه السبعة
وزاد في رواية: وله يومئذ تسع، وقال البخاري: وهم إحدى عشرة قال المناوي: ولا منافاة، لأنه ضم مارية وريحانة إليهن، وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبًا
قال الراوي: قلت لأنس: أو كان يطيقه؟
قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين - هذا لفظ البخاري وعن معاذ: قوة أربعين، وعن مجاهد: كل رجل من رجال أهل الجنة وعن انس مرفوعًا: يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في الجماع
قلت: يا رسول الله، أو يطيق ذلك؟
قال: يعطى قوة مائة
نوم النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر؟ قال: تنام عيني ولا ينام قلبي - رواه الشيخان
قال المناوي: وذلك لأن النفوس الكاملة القدسية لا يضعف إدراكها بنوم العين واستراحة البدن، ومن ثم كان سائر الأنبياء مثله لتعلق أرواحهم بالملأ الأعلى، ومن ثم كان إذا نام لم يوقظ لأنه يدري ما هو فيه، ولا ينافيه نومه بالوادي عن الصبح لأن رؤيتها وظيفة بصرية
ضحك النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قط ضاحكًا حتى أرى منه لهواته وإنما كان يبتسم - رواه البخاري
اللهوات: جمع لهاة، وهي اللحمة التي بأعلى الحنجرة من أقصى الفم
وعن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة المواقع أهله في رمضان فضحك رسول الله حنى بدت نواجذه - رواه البخاري
النواجذ: الأضراس
وقال ابن أبي هالة في حديثه: جل ضحكه التبسم
وعن جابر بن سمرة قال: كان صلى الله عليه وسلم لا يضحك إلا تبسمًا - رواه أحمد والترمذي والحاكم
وعنه قال: كان صلى الله عليه وسلم طويل الصمت قليل الضحك. رواه أحمد، قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شريك وهو ثقة
وعن عبد الله بن الحارث قال: ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم - رواه الترمذي
قال الحافظ بن حجر: والذي يظهر من مجموع الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان في معظم أحواله لا يزيد على التبسم، وربما زاد على ذلك فضحك
سرور النبي صلى الله عليه وسلم عن كعب بن مالك قال: كان صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه كأنه قطعة قمر - رواه الشيخان
مزاح النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني لأمزح ولا أقول إلا حقًا - رواه الطبراني، قال الهيثمي: إسناده حسن
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رجلاً كان مخبلاً، قال: يا رسول الله، احملني
فقال: أحملك على ابن الناقة
فقال: يا رسول الله، ما عسى أن يغني عني ابن الناقة
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك، وهل يلد الجمل إلا الناقة! رواه الترمذي
وعن الحسن رضي الله عنه قال: أتته صلى الله عليه وسلم عجوز، فقالت: يا رسول الله، ادع الله لي أن يدخلني الجنة
فقال: يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز
قال: فولت تبكي
فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول :
بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان بكاؤه صلى الله عليه وسلم من جنس ضحكه، لم يكن بشهيق ورفع صوت كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن تدمع عيناه حتى تهملا، ويسمع لصدره أزيز حين يبكي رحمة لميت، وخوفًا على أمته، وشفقة من خشية الله عند سماع القرآن، وأحيانًا في صلاة الليل بكاؤه صلى الله عليه وسلم عند المريض
عندما اشتكى سعد بن عبادة ذات مرة، عاده فوجده في غشاية أهله، فقال: قد قضى؟
قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رأى القوم بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا
فقال: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا _وأشار إلى لسانه_ أو يرحم - رواه البخاري
كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم - رواه الشيخان والترمذي
وعنها قالت: كان النبي يحدث حديثًا لو عده العاد لأحصاه - رواه الشيخان وأبو داود والترمذي
وعنها قالت: كان كلامه كلامًا فصلاً يفهمه كل من سمعه - رواه أبو داود والنسائي بلفظ: يحفظه كل من سمعه، قال العراقي: إسناده حسن
وعن جابر رضي الله عنه قال: كان في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ترتيل وترسيل - رواه أبو داود
وعن أنس رضي الله عنه قال: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعيد الكلمة ثلاثًا لتعقل منه - رواه أحمد والبخاري والترمذي
شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت، فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم راجعًا، وقد سبقهم إلى الصوت، وهو على فرس لأبي طلحة، في عنقه السيف وهو يقول: لم تراعوا لم تراعوا، وقال عن الفرس: وجدناه بحرًا، أو إنه لبحر - رواه الشيخان والترمذي وابن ماجة
وقال علي رضي الله عنه: لما حضر البأس يوم بدر اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من أشد الناس ما كان، ولم يكن أحد أقرب إلى المشركين منه
وعنه من طريق ثان قال: رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو وكان من أسد الناس بأسًا - رواه أحمد
وعن البراء: أن رجلاً من قيس سأله: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟
فقال: لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفر، كان هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلنا بالسهام، وفرت الأعراب ومن تعلم من الناس، ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول
أنا ابـن عبــد المطلب أنا النبي لا كـــــذب وفي حديث: كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال ابن عمر: ما رأيت أشجع ولا أنجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوة النبي صلى الله عليه وسلممصارعته صلى الله عليه وسلم ليزيد بن ركانة وغبره
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن يزيد بن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم ، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كل مرة على مائة من الغنم، فلما كان في الثالثة
قال: يا محمد ما وضع ظهري إلى الأرض أحد قبلك، وما كان أحد أبغض إلي منك، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله
فقام عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد عليه غنمه - رواه أبو بكر الشافعي بإسناد جيد، ورواه أبو داود والترمذي عن محمد بن ركانة بلفظ آخر، وقال الترمذي غريب
وقد صارع صلى الله عليه وسلم جماعة غير ركانة منهم: أبو الأسود الجمحي، كما قاله السهيلي ورواه البيهقي، وكان شديدًا بلغ من شدته أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذب أطرافه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتفرى الجلد ولم يتزحزح عنه
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصارعة وقال: إن صرعتني آمنت بك، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن
مشية النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدًا أسرع في مشيه منه صلى الله عليه وسلم لكأنما الأرض تطوى له كنا إذا مشينا معه نجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث - رواه الترمذي وقال: حسن غريب
وعن علي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤًا كأنما ينحط من صبب - رواه الترمذي وغيره مشي الملائكة من ورائه صلى الله عليه وسلم
عن جابر رضي الله عنه قال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمشون أمامه إذا خرج ويدعون ظهره للملائكة - رواه أحمد وابن ماجة والحاكم تبرك الصحابة بآثاره صلى الله عليه وسلم
عن أنس رضي الله عنه: أن أم سليم كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نطعًا فيقيل عندها على ذلك النطع، فإذا قام أخذت من عرقه وشعره فجمعته في قارورة ثم جعلته في سك، فلما حضر أنسًا الوفاة أوصى أن يجعل في حنوطه من ذلك المسك فجعل في حنوطه - رواه الشيخان والنسائي
وعنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وأطاف به أصحابه فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل - رواه مسلم
وعن أبي جحيفة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فخرج بلال بوضوئه، فرأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء، فمن أصابه منه شيء تمسح به، ومن لم يصب أخذ من بلل يد صاحبه وخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم، فأخذت يده فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب من المسك - رواه الشيخان
الحذر من الغضب قال الله تعالى:
وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ
وقال صلى الله عليه وسلم: ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب - رواه البخاري ومسلم
وعندما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني، قال: لا تغضب ورددها مرارًا - رواه البخاري
وكلها نعوت ليست أعلاما محضة لمجرد التعريف بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به توجب له المدح والكمال . فمنها محمد وهو أشهرها وبه سمي في التوراة صريحا كما بيناه بالبرهان الواضح في كتاب جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام وهو كتاب فرد في معناه لم يسبق إلى مثله في كثرة فوائده وغزارتها بينا فيه الأحاديث الواردة في الصلاة والسلام عليه وصحيحها من حسنها ومعلولها وبينا ما في معلولها من العلل بيانا شافيا ثم أسرار هذا الدعاء وشرفه وما اشتمل عليه من الحكم والفوائد ثم مواطن الصلاة عليها ومحالها ثم الكلام في مقدار الواجب منها واختلاف أهل العلم فيه وترجيح الراجح وتزييف المزيف ومخبر الكتاب فوق وصفه . والمقصود أن اسمه محمد في التوراة صريحا بما يوافق عليه كل عالم من مؤمني أهل الكتاب .
ومنها أحمد وهو الاسم الذي سماه به المسيح لسر ذكرناه في ذلك الكتاب .
ومنها المتوكل ومنها الماحي والحاشر والعاقب والمقفي ونبي التوبة ونبي الرحمة ونبي الملحمة والفاتح والأمين . ويلحق بهذه الأسماء الشاهد والمبشر والبشير والنذير والقاسم والضحوك والقتال وعبد الله والسراج المنير وسيد ولد آدم وصاحب لواء الحمد وصاحب المقام المحمود وغير ذلك من الأسماء لأن أسماءه إذا كانت أوصاف مدح فله من كل وصف اسم لكن ينبغي أن يفرق بين الوصف المختص به أو الغالب عليه ويشتق له منه اسم وبين الوصف المشترك فلا يكون له منه اسم يخصه . وقال جبير بن مطعم : سمى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه أسماء فقال : أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي والعاقب الذي ليس بعده نبي وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان أحدهما : خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل كمحمد وأحمد والعاقب والحاشر والمقفي ونبي الملحمة . والثاني : ما يشاركه في معناه غيره من الرسل ولكن له منه كماله فهو مختص بكماله دون أصله كرسول الله ونبيه وعبده والشاهد والمبشر والنذير ونبي الرحمة ونبي التوبة . وأما إن جعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين كالصادق والمصدوق والرءوف الرحيم إلى أمثال ذلك .
وفي هذا قال من قال من الناس إن لله ألف اسم وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم قاله أبو الخطاب بن دحية ومقصوده الأوصاف .
شرح معاني أسمائه صلى الله عليه وسلم محمد صلى الله عليه و سلم
أما محمد فهو اسم مفعول من حمد فهو محمد إذا كان كثير الخصال التي يحمد عليها ولذلك كان أبلغ من محمود فإن محمودا من الثلاثي المجرد ومحمد من المضاعف للمبالغة فهو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره من البشر ولهذا - والله أعلم - سمي به في التوراة لكثرة الخصال المحمودة التي وصف بها هو ودينه وأمته في التوراة حتى تمنى موسى عليه الصلاة والسلام أن يكون منهم وقد أتينا على هذا المعنى بشواهده هناك وبينا غلط أبي القاسم السهيلي حيث جعل الأمر بالعكس وأن اسمه في التوراة أحمد. أحمد صلى الله عليه و سلم
وأما أحمد فهو اسم على زنة أفعل التفضيل مشتق أيضا من الحمد .
وقد اختلف الناس فيه هل هو بمعنى فاعل أو مفعول ؟
فقالت طائفة هو بمعنى الفاعل أي حمده لله أكثر من حمد غيره له فمعناه أحمد الحامدين لربه ورجحوا هذا القول بأن قياس أفعل التفضيل أن يصاغ من فعل الفاعل لا من الفعل الواقع على المفعول قالوا : ولهذا لا يقال ما أضرب زيدا ولا زيد أضرب من عمرو باعتبار الضرب الواقع عليه ولا : ما أشربه للماء وآكله للخبز ونحوه
قالوا : لأن أفعل التفضيل وفعل التعجب إنما يصاغان من الفعل اللازم ولهذا يقدر نقله من فعل و فعل المفتوح العين ومكسورها إلى فعل المضموم العين
قالوا : ولهذا يعدى بالهمزة إلى المفعول فهمزته للتعدية كقولك : ما أظرف زيدا وأكرم عمرا وأصلهما : من ظرف وكرم .
قالوا : لأن المتعجب منه فاعل في الأصل فوجب أن يكون فعله غير متعد
قالوا : وأما نحو ما أضرب زيدا لعمرو فهو منقول من فعل المفتوح العين إلى فعل المضموم العين ثم عدي والحالة هذه بالهمزة
قالوا : والدليل على ذلك مجيئهم باللام فيقولون ما أضرب زيدا لعمرو ولو كان باقيا على تعديه لقيل ما أضرب زيدا عمرا لأنه متعد إلى واحد بنفسه وإلى الآخر بهمزة التعدية فلما أن عدوه إلى المفعول بهمزة التعدية عدوه إلى الآخر باللام فهذا هو الذي أوجب لهم أن قالوا : إنهما لا يصاغان إلا من فعل الفاعل لا من الفعل الواقع على المفعول . ونازعهم في ذلك آخرون وقالوا : يجوز صوغهما من فعل الفاعل ومن الواقع على المفعول وكثرة السماع به من أبين الأدلة على جوازه تقول العرب : ما أشغله بالشيء وهو من شغل فهو مشغول وكذلك يقولون ما أولعه بكذا وهو من أولع بالشيء فهو مولع به مبني للمفعول ليس إلا وكذلك قولهم ما أعجبه بكذا فهو من أعجب به ويقولون ما أحبه إلي فهو تعجب من فعل المفعول وكونه محبوبا لك وكذا : ما أبغضه إلي وأمقته إلي . وهاهنا مسألة مشهورة ذكرها سيبويه وهي أنك تقول ما أبغضني له وما أحبني له وما أمقتني له إذا كنت أنت المبغض الكاره والمحب الماقت فتكون متعجبا من فعل الفاعل وتقول ما أبغضني إليه وما أمقتني إليه وما أحبني إليه إذا كنت أنت البغيض الممقوت أو المحبوب فتكون متعجبا من الفعل الواقع على المفعول فما كان باللام فهو للفاعل وما كان ب إلى فهو للمفعول . وأكثر النحاة لا يعللون بهذا . والذي يقال في علته والله أعلم إن اللام تكون للفاعل في المعنى نحو قولك : لمن هذا ؟ فيقال لزيد فيؤتى باللام . وأما إلى فتكون للمفعول في المعنى فتقول إلى من يصل هذا الكتاب ؟ فتقول إلى عبد الله وسر ذلك أن اللام في الأصل للملك والاختصاص والاستحقاق إنما يكون للفاعل الذي يملك ويستحق و إلى لانتهاء الغاية والغاية منتهى ما يقتضيه الفعل فهي بالمفعول أليق لأنها تمام مقتضى الفعل ومن التعجب من فعل المفعول قول كعب بن زهير في النبي صلى الله عليه وسلم
وقيل إنك محبوس ومقتولفلهو أخوف عندي إذ أكلمهببطن عثر غيل دونه غيلمن خادر من ليوث الأسد مسكنه فأخوف هاهنا من خيف فهو مخوف لا من خاف وكذلك قولهم ما أجن زيدا من جن فهو مجنون هذا مذهب الكوفيين ومن وافقهم . قال البصريون : كل هذا شاذ لا يعول عليه فلا نشوش به القواعد ويجب الاقتصار منه على المسموع
قال الكوفيون : كثرة هذا في كلامهم نثرا ونظما يمنع حمله على الشذوذ لأن الشاذ ما خالف استعمالهم ومطرد كلامهم وهذا غير مخالف لذلك قالوا : وأما تقديركم لزوم الفعل ونقله إلى فعل فتحكم لا دليل عليه وما تمسكتم به من التعدية بالهمزة إلى آخره فليس الأمر فيها كما ذهبتم إليه والهمزة في هذا البناء ليست للتعدية وإنما هي للدلالة على معنى التعجب والتفضيل فقط كألف فاعل وميم مفعول وواوه وتاء الافتعال والمطاوعة ونحوها من الزوائد التي تلحق الفعل الثلاثي لبيان ما لحقه من الزيادة على مجرده فهذا هو السبب الجالب لهذه الهمزة لا تعدية الفعل . قالوا : والذي يدل على هذا أن الفعل الذي يعدى بالهمزة يجوز أن يعدى بحرف الجر وبالتضعيف نحو جلست به وأجلسته وقمت به وأقمته ونظائره وهنا لا يقوم مقام الهمزة غيرها فعلم أنها ليست للتعدية المجردة أيضا فإنها تجامع باء التعدية نحو أكرم به وأحسن به ولا يجمع على الفعل بين تعديتين . وأيضا فإنهم يقولون ما أعطاه للدراهم وأكساه للثياب وهذا من أعطى وكسا المتعدي ولا يصح تقدير نقله إلى عطو : إذا تناول ثم أدخلت عليه همزة التعدية لفساد المعنى فإن التعجب إنما وقع من إعطائه لا من عطوه وهو تناوله والهمزة التي فيه همزة التعجب والتفضيل وحذفت همزته التي في فعله فلا يصح أن يقال هي للتعدية . قالوا : وأما قولكم إنه عدي باللام في نحو ما أضربه لزيد . . . إلى آخره فالإتيان باللام هاهنا ليس لما ذكرتم من لزوم الفعل وإنما أتي بها تقوية له لما ضعف بمنعه من التصرف وألزم طريقة واحدة خرج بها عن سنن الأفعال فضعف عن اقتضائه وعمله فقوي باللام كما يقوى بها عند تقدم معموله عليه وعند فرعيته وهذا المذهب هو الراجح كما تراه . فلنرجع إلى المقصود فنقول تقدير أحمد على قول الأولين أحمد الناس لربه وعلى قول هؤلاء أحق الناس وأولاهم بأن يحمد فيكون كمحمد في المعنى إلا أن الفرق بينهما أن محمدا هو كثير الخصال التي يحمد عليها وأحمد هو الذي يحمد أفضل مما يحمد غيره فمحمد في الكثرة والكمية وأحمد في الصفة والكيفية فيستحق من الحمد أكثر مما يستحق غيره وأفضل مما يستحق غيره فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حمده البشر . فالاسمان واقعان على المفعول وهذا أبلغ في مدحه وأكمل معنى . ولو أريد معنى الفاعل لسمي الحماد أي كثير الحمد فإنه صلى الله عليه وسلم كان أكثر الخلق حمدا لربه فلو كان اسمه أحمد باعتبار حمده لربه لكان الأولى به الحماد كما سميت بذلك أمته . وأيضا : فإن هذين الاسمين إنما اشتقا من أخلاقه وخصائصه المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى محمدا صلى الله عليه وسلم وأحمد وهو الذي يحمده أهل السماء وأهل الأرض وأهل الدنيا وأهل الآخرة لكثرة خصائله المحمودة التي تفوق عد العادين وإحصاء المحصين وقد أشبعنا هذا المعنى في كتاب الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وإنما ذكرنا هاهنا كلمات يسيرة اقتضتها حال المسافر وتشتت قلبه وتفرق همته وبالله المستعان وعليه التكلان . تفسير معنى المتوكل
وأما اسمه المتوكل ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو قال قرأت في التوراة صفة النبي صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله عبدي ورسولي سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا : لا إله إلا الله
وهو صلى الله عليه وسلم أحق الناس بهذا الاسم لأنه توكل على الله في إقامة الدين توكلا لم يشركه فيه غيره . تفسير الماحي
وأما الماحي والحاشر والمقفي والعاقب فقد فسرت في حديث جبير بن مطعم فالماحي : هو الذي محا الله به الكفر ولم يمح الكفر بأحد من الخلق ما محي بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه بعث وأهل الأرض كلهم كفار إلا بقايا من أهل الكتاب وهم ما بين عباد أوثان ويهود مغضوب عليهم ونصارى ضالين وصابئة دهرية لا يعرفون ربا ولا معادا وبين عباد الكواكب وعباد النار وفلاسفة لا يعرفون شرائع الأنبياء ولا يقرون بها فمحا الله سبحانه برسوله ذلك حتى ظهر دين الله على كل دين وبلغ دينه ما بلغ الليل والنهار وسارت دعوته مسير الشمس في الأقطار . تفسير الحاشر
وأما الحاشر فالحشر هو الضم والجمع فهو الذي يحشر الناس على قدمه فكأنه بعث ليحشر الناس . تفسير العاقب
والعاقب الذي جاء عقب الأنبياء فليس بعده نبي فإن العاقب هو الآخر فهو بمنزلة الخاتم ولهذا سمي العاقب على الإطلاق أي عقب الأنبياء جاء بعقبهم . تفسير المقفي
وأما المقفي فكذلك وهو الذي قفى على آثار من تقدمه فقفى الله به على آثار من سبقه من الرسل وهذه اللفظة مشتقة من القفو يقال قفاه يقفوه إذا تأخر عنه ومنه قافية الرأس وقافية البيت فالمقفي : الذي قفى من قبله من الرسل فكان خاتمهم وآخرهم . نبي التوبة
وأما نبي التوبة فهو الذي فتح الله به باب التوبة على أهل الأرض فتاب الله عليهم توبة لم يحصل مثلها لأهل الأرض قبله . وكان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس استغفارا وتوبة حتى كانوا يعدون له في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور وكان يقول : (( يا أيها الناس توبوا إلى الله ربكم فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة )) وكذلك توبة أمته أكمل من توبة سائر الأمم وأسرع قبولا وأسهل تناولا وكانت توبة من قبلهم من أصعب الأشياء حتى كان من توبة بني إسرائيل من عبادة العجل قتل أنفسهم وأما هذه الأمة فلكرامتها على الله تعالى جعل توبتها الندم والإقلاع . نبي الملحمة
وأما نبي الملحمة فهو الذي بعث بجهاد أعداء الله فلم يجاهد نبي وأمته قط ما جاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته والملاحم الكبار التي وقعت وتقع بين أمته وبين الكفار لم يعهد مثلها قبله فإن أمته يقتلون الكفار في أقطار الأرض على تعاقب الأعصار وقد أوقعوا بهم من الملاحم ما لم تفعله أمة سواهم . نبي الرحمة
وأما نبي الرحمة فهو الذي أرسله الله رحمة للعالمين فرحم به أهل الأرض كلهم مؤمنهم وكافرهم أما المؤمنون فنالوا النصيب الأوفر من الرحمة وأما الكفار فأهل الكتاب منهم عاشوا في ظله وتحت حبله وعهده وأما من قتله منهم هو وأمته فإنهم عجلوا به إلى النار وأراحوه من الحياة الطويلة التي لا يزداد بها إلا شدة العذاب في الآخرة . الفاتح
وأما الفاتح فهو الذي فتح الله به باب الهدى بعد أن كان مرتجا وفتح به الأعين العمي والآذان الصم والقلوب الغلف وفتح الله به أمصار الكفار وفتح به أبواب الجنة وفتح به طرق العلم النافع والعمل الصالح ففتح به الدنيا والآخرة والقلوب والأسماع والأبصار والأمصار . الأمين
وأما الأمين فهو أحق العالمين بهذا الاسم فهو أمين الله على وحيه ودينه وهو أمين من في السماء وأمين من في الأرض ولهذا كانوا يسمونه قبل النبوة الأمين . الضحوك القتال
وأما الضحوك القتال فاسمان مزدوجان لا يفرد أحدهما عن الآخر فإنه ضحوك في وجوه المؤمنين غير عابس ولا مقطب ولا غضوب ولا فظ قتال لأعداء الله لا تأخذه فيهم لومة لائم . البشير
وأما البشير فهو المبشر لمن أطاعه بالثواب والنذير المنذر لمن عصاه بالعقاب وقد سماه الله عبده في مواضع من كتابه منها
قوله :
- سورة البقرة آية 23
وثبت عنه في الصحيح أنه قال أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر وسماه الله سراجا منيرا وسمى الشمس سراجا وهاجا . المنير
والمنير هو الذي ينير من غير إحراق بخلاف الوهاج فإن فيه نوع إحراق وتوهج .
المراجع من كتاب زاد المعاد في هـدي خـير العـباد
المؤلف : شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب
بن سعد بن حريز الزرعي الدمشقي المشهور بـ ابن قيم الجوزية
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه في الجنة
أحمد حامد محمود أحيد وحيد ماح حاشر عاقب
طه يس طاهر مطهر طيب ناصر سيد رسول
نبي رسول الرحمة قليم جامع مقتف مقفى رسول الملاحم رسول المرحمة
كامل إكليل مدثر مزمل عبد الله حبيب الله صفى الله نجى الله
كليم الله خاتم الأنبياء خاتم الرسل محي منجى ناصر منصور
نبي الرحمة نبي التوبة حريص عليكم معلوم شهير شاهد شهيد مشهود
بشير مبشر نذير منذر نور سراج مصباح هدى
مهدى منير داع مدعو مجيب مجاب حفي عفو
ولي حق قوى أمين مأمون كريم مكرم مكين
متين مبين مؤمل وصول ذو قوة ذو حرمة ذو مكانة ذو عز
ذو فضل مطاع مطيع قدم صدق رحمة بشرى غوث غيث
غياث نعمة الله هدية الله عروة وثقي صراط الله صراط مستقيم ذكر الله سيف الله
حزب الله النجم الثاقب مصطفى مجتبى منتقى أمي مختار أجير
جبار أبو القاسم أبو الطاهر أبو الطيب أبو إبراهيم مشفع شفيع صالح
مصلح مهيمن صادق مصدق صدق سيد المرسلين إمام المتقين قائد الغر المحجلين
خليل الرحمن بر مبر وجيه نصيح ناصح وكيل متوكل
كفيل شفيق مقيم السنة مقدس روح الحق روح القسط كاف مكتف
بالغ مبلغ شاف واصل موصول سابق سائق هاد
مهد مقدم عزيز فاضل مفضل فاتح مفتاح الرحمة مفتاح الجنة
علم الإيمان علم اليقين دليل الخيرات مصحح الحسنات مقبل العثرات صفوح عن الزلات صاحب الشفاعة صاحب المقام
صاحب القدم مخصوص بالعز مخصوص بالمجد مخصوص بالشرف صاحب الوسيلة صاحب السيف صاحب الفضيلة صاحب الإزار
صاحب الحجة صاحب السلطان صاحب الرداء صاحب الدرجة الرفيعة صاحب التاج صاحب المغفر صاحب اللوا ء صاحب المعراج
صاحب البراق صاحب الخاتم صاحب العلامة صاحب البرهان صاحب البيان فصيح اللسان مطهر الجنان رءوف رحيم
أذن خير صحيح الإسلام سيد الكونين عين النعيم عين الغر سعد الله سعد الخلق خطيب الأمم
علم الهدى كاشف الكرب رافع الرتب عز العرب صاحب الفرج
إن الإسلام دين واقعى لا يحلق فى أجواء الخيال والمثالية الواهمة، ولكنه يقف مع الإنسان على أرض الحقيقة والواقع .. ولا يعامل الناس كأنهم ملائكة، ولكنه يعاملهم كبشر يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق. لذلك لم يفرض الإسلام على الناس أن يكون كل كلامهم ذكراً، وكل سماعهم قراناً، وكل فراغهم فى المسجد، وإنما اعترف بهم وبفطرتهم وغرائزهم التى خلقهم الله عليها، وقد خلقهم – سبحانه – يفرحون ويمرحون ويضحكون ويلعبون، ولقد كانت حياة النبى صلى الله عليه وسلم مثالاً رائعاً للحياة الإنسانية المتكاملة، فهو فى خلوته يصلى ويطيل الخشوع والبكاء، ويقوم حتى تتورم قدماه، وهو فى الحق لا يبالى بأحد فى جنب الله، ولكنه مع الحياة والناس بشر سوى، يحب الطيبات ويبش ويبتسم ويداعب ويمزح ولا يقول إلا حقاً ولذا فلا عجب أنه صلى الله عليه وسلم كان يتفكه حيناً ويطرف للفكاهة والمزاح – الذى لا يحمل إثماً – أحياناً، فلم يكن النبى صلى الله عليه وسلم فى حياته جافاً ولا قاسياً ولا فظاً ولا غليظاً، وإننا عند استعراض سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم نجدها قد تخللها نوع من الدعابة والمزاح. وهذا ما سوف نذكره – إن شاء الله – فى هذا الفصل.
كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول فى مزاحه إلا الحق، ووردت لنا أحاديث كثيرة فى ذلك منها:
1- ما جاء عن أبى هريرة – رضى الله عنه – قال: قالوا (أى الصحابة): "يا رسول الله إنك تداعبنا ! قال صلى الله عليه وسلم: لا أقول إلا حقاً"، وفى رواية: "إنى وإن داعبتكم فلا أقول إلا حقاً". وفى رواية ابن عمر – رضى الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنى لأمزح ولا أقول إلا حقاً". ويطيب لنا أن نذكر بعض آراء علماء المسلمين فى هذه المسألة: فنجد أن الإمام الغزالى – رحمة الله – قد تكلم فى هذه المسألة، وهى صفة مزاحه صلى الله عليه وسلم ويشرحها بقوله: "فإن قلت: قد نقل المزاح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فكيف ينهى عنه؟ فأقول: إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقاً، ولا تؤذى قلباً، ولا تفرط فيه، وتقتصر أحياناً على الندور فلا حرج عليك، ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة يواظب عليه ويفرط فيه، ثم يتمسك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينبغى أن يغفل عن هذا ...". وقال الإمام ابن حجر الهيثمى: "إن المداعبة لا تنافى الكمال؛ بل هى من توابعه ومتمماته إذا كانت جارية على القانون الشرعى، بأن تكون على وفق الصدق والحق، ويقصد – بها – تأليف قلوب الضعفاء وجبرهم، وإدخال السرور عليهم والرفق بهم، ومزاحه صلى الله عليه وسلم سالم من جميع هذه الأمور، يقع على جهة الندرة لمصلحة تامة، من مؤانسة بعض أصحابه، فهو بهذا القصد سنة، وما قيل: إن الأظهر أنه مباح لا غير فضعيف، إذ الأصل من أفعاله صلى الله عليه وسلم وجوب أو ندب للتأسى به فيها إلا لدليل يمنع من ذلك ولا دليل هنا يمنع منه، فتعين الندب كما هو مقتضى كلام الفقهاء والأصوليين". وكان صلى الله عليه وسلم يعرف بذلك ويقر به ويبيح المزاح بحضرته صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك أنه كان عائشة – رضى الله عنها – تمزح، والنبى صلى الله عليه وسلم جالس ولا ينكر ما تقوله، بل كان يوافقها. فعن ابن أبى مليكة قال: "مزحت عائشة – رضى الله عنها – عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أمها: يا رسول الله! بعض دعابات هذا الحى من كنانة"، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: بل بعض مزاحنا هذا الحى".
صور من مزاح النبى صلى الله عليه وسلم1- مزاحه صلى الله عليه وسلم بالأفعال:
كان النبى صلى الله عليه وسلم يمازح صحابته بأفعاله وأقواله، فمن نماذج مزاحه بأفعاله:
مزاح النبى صلى الله عليه وسلم وزاهر بن حرام – رضى الله عنه -:
تحكى كتب السنة لنا ما دار بين النبى صلى الله عليه وسلم وزاهر بن حرام، وكان من الصحابة الذين يبعثون الهدايا للنبى صلى الله عليه وسلم، ولندع أنساً – رضى الله عنه – يروى لنا هذه الدعابة: عن أنس – رضى الله عنه - : "أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهر بن حرام وكان يهدى للنبى صلى الله عليه وسلم الهدية من البادية، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يحبه وكان دميماً فأتاه النبى صلى الله عليه وسلم يوماً وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: أرسلنى من هذا؟ فالتفت، فعرف النبى صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألزق ظهره بصدر النبى صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل النبى صلى الله عليه وسلم يقول: من يشترى العبد؟ فقال: يا رسول الله إذاً والله تجدنى كاسداً، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لكن عند الله لست بكاسد أنت غال، وفى رواية: أنت عند الله رابح". مع عائشة – رضى الله عنها - :
كان صلى الله عليه وسلم يقطع ملل الحياة الزوجية ببعض المزاح لترفيه عن أهله، فقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق بعض زوجاته: فعن عائشة – رضى الله عنها - : "أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر، وهى جارية، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالى أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلى، فلما كان بعد، خرجت معه فى سفر، فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالى أسابقك، ونسيت الذى كان وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله، وأنا على هذه الحال؟ فقال: لتفعلن، فسابقته فسبقنى، فقال: هذه بتلك السبقة". مع الأطفال:
حتى الأطفال كان صلى الله عليه وسلم يمازحهم ويشاركهم لعبهم: فروى عن عبد الله بن الحارث قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبدالله وعبيد الله وكثير بن العباس ثم يقول: "من سبق إلى فله كذا وكذا، قال: فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلتزمهم". مع رجل من الأنصار:
كان الأنصار – رضى الله عنهم – يتمازحون ويتضاحكون، ويحكى لنا أسيد بن حضير ما حدث بين النبى صلى الله عليه وسلم ورجل منهم: يقول أسيد: "بينما رجل من الأنصار يحدث القوم وكان فيه مزاح بيننا يضحكهم، فطعنه النبى صلى الله عليه وسلم فى خاصرته بعود، فقال: أصبرنى، فقال: أصطبر، قال: إن عليك قميصاً وليس على قميص، فرفع النبى صلى الله عليه وسلم عن قميصه فاحتضنه وجعل الرجل يقبل كشحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله". 2- مزاحه صلى الله عليه وسلم بحيلة لغوية:
كان صلى الله عليه وسلم يستخدم الحيل اللغوية فى دعابته، وذلك بأن يأتى بالكلام الذى يحتمل معنيين: معنى قريب متبادر إلى الذهن، ومعنى بعيد لا يفهمه إلا الخواص، ويقصد المعنى البعيد، وهو ما يسمى فى البلاغة بالتورية، وحدث ذلك منه صلى الله عليه وسلم فى أكثر من موقف منها: مع عجوز من الأنصار:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواضعاً منبسطاً مع عامة المسلمين على اختلاف منازلهم، فتحكى السيدة عائشة – رضى الله عنها – ممازحته لعجوز من الأنصار فتقول: "أتت عجوز إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلنى الجنة، فقال لها: يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز، قال: فولت – المرأة – تبكى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروها أنها لا تدخلها وهى عجوز، إن الله يقول: "إنا أنشاناهن إنشاء، فجعلناهن أبكاراً، عربا أتراباً" (الواقعة: 35-37). مع الأعرابى الذى سأله جملاً:
يحكى لنا أنس – رضى الله عنه – مداعبة النبى صلى الله عليه وسلم للأعرابى الذى طلب منه ناقة يحمل عليه متاعه فى سفره: يقول أنس – رضى الله عنه - : استحمل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: "إنى حاملك على ولد ناقة، فقال الرجل: يا رسول الله، وما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النوق ..". 3- دعابته صلى الله عليه وسلم بحيلة لغوية ورد الصحابى عليه بالمثل:
قد يكون من يكلمه صلى الله عليه وسلم متنبهاً فلا يقع فى خطأ، ولكن يستطيع أن يرد عليه متخلصاً من سؤاله أو كلامه، وهذا ما حدث مع صهيب وهو ما يسمى بالتشتيت اللغوى، إذ كان الصحابى الجليل صهيب – رضى الله عنه – مريض وكان النبى صلى الله عليه وسلم يمازحه ويخفف عنه، وهذا ما جاء فى هذه الرواية وإليك نصها: عن صهيب – رضى الله عنه – قال : "أنه كان يأكل التمر وبه رمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أتأكل وأنت أرمد؟"، فقال: أنا آكل بالشق الآخر، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفى رواية أخرى قال صهيب: "قدمت على النبى صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: ادن فكل، فأخذت آكل من التمر، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: تأكل تمراً وبك رمد؟ قال: فقلت: إنى أمضغ من ناحية أخرى، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم". 4- نوادر ادعاء الغفلة معه صلي الله عليه وسلم
كان بعض الصحابة يمازح النبي صلي الله عليه وسلم بتغافله بأن يقول قولاً لايصدر إلا من غافل ساه لكنه غير ذلك، ومن ذلك: عوف بن مالك معه صلي الله عليه وسلم:
كان صلي الله عليه وسلم يداعب عوف بن مالك عندما يدخل عليه صلي الله عليه وسلم وهو ما توضحه هذه الرواية : عن عوف الأشجعي قال : "أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزوة تبوك و هو في قبة من أدم، فسلمت فرد وقال : أدخل، فقلت : أكلي يارسول الله؟ قال: كلك، فدخلت". قال عثمان بن أبي العاتكة : " إنما قال : أدخل كلي من صغر القبة". وقد يكون مزاحاً بين الصحابي والرسول صلي الله عليه وسلم، إذ كيف يدخل بعض الإنسان أو يستأذن لبعضه، فلو أستأذن لرأس لكان إذناً له كله. 5 – تعريضه صلي الله عليه وسلم في الكلام:
وقد يعرض النبي صلي الله عليه وسلم في تعليقه على موقف رآه فيعرض فيه بالشبه و غيره بما قد يفهم غير مراده : مع سفينة مولى رسول الله صاى الله عليه و سلم
قال : ثقل علي القوم متاعهم ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أبسط كساءك" ، فجعلوا فيه متاعهم، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أحمل فإنما أنت سفينة، قال : فلو حملت من يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو ثلاثة، حتي بلغ سبعة ما ثقل علي ". مع بريده – رضي الله عنه -:
عن أبي طيبة عبد الله بن مسلم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: " كنت مع النبي صلي الله عليه وسلم في سفر فثقل علي القوم بعض متاعهم، فجعلوا يطرحونه علي، فمر بي النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: انت زاملة". قوله صلي الله عليه وسلم لرجل: أنت أبو الورد:
روي ان النبي صلي الله عليه وسلم رأي رجلاً ذو بشرة مشوبة بحمرة فداعبه مداعبة لطيفة وهذا كما توضحه هذه الرواية: عن حميد الطويل، عن ابن أبي الورد، عن أبيه قال: " رآني النبي صلي الله عليه وسلم، فرآني رجلاً أحمر، فقال : أنت أبو الورد، فقال جبارة: يعني يمازحه". 6 – تعريض خاص به صلي الله عليه وسلم:
وذلك بأن يقول كلاماً يفهم منه شئ وهو يريد شيئاً لايعرفة إلا هو وهو خاص به وحده، ومنه مما روي عن ابن حبان في صحيحه أن النبي صلي الله عليه وسلم رأي جارية يتيمة في بيت أم سليم فمازحها النبي صلي الله عليه وسلم: وفي ذلك يقول أنس بن مالك- رضي الله عنه- : " رأي نبي الله صلي الله عليه وسلم جارية يتيمة عند أم سليم، وهي أم أنس بن مالك، فقال لها النبي يا رسول الله علي يتيمتي أن لا يشب الله قرنها، فو الله لا يشب أبداً، فقال النبي: يا أم سليم، أو ما علمت أني اتخذت عند ربي عهداً، أيما أحد من أمتي دعوت عليه ليس من أهلها أن يجعلها له طهور أو قربة يقربه بها يوم القيامة. أي ان هذا الذى ورد خاص به صلي الله عليه وسلم، ولايجوز أن يدعوا إنسان علي غيره في أهلة أو ماله، إذا كان غير مستحق ان يدعي عليه بحجة فعله صلي الله عليه وسلم، فهذا شئ خاص به. 7 – ذكره صلي الله عليه وسلم حقيقة واقعة: مع أنس بن مالك – رضي الله عنه :
وكان صلي الله عليه وسلم يلاطف أنساً ويداعبة، وفي ذلك يقول عاصم الأحول : حدثني أنس – رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : "يا ذا الأذنين، قال أبو أسامة : يعني مازحه ". 8 – تذكيره صلي الله عليه وسلم بحوادث طريفة سابقة:
وكان من كريم اخلاقة صلي الله عليه وسلم ورحمته بالأطفال انه كان يمازحهم ويداعبهم، وفي ذلك يقول انس بن مالك رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أحسن الناس خلقاً و كان لي أخ يقال له : أبو عمير فكان اذا جاء النبي صلى الله عليه و سلم فرآه قال : يا أبا عمير ما فعل النغير ؟ و في رواية : " دخل علي أبي طلحة رضي الله عنه فرأي ابنا له يكني ابا عمير حزيناً، قال أنس: وكان النبي صلي الله عليه وسلم إذا راه مازحه". فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " مالي أري أبا عمير حزيناً؟ قالوا : يارسول الله ، مات نغره الذى كان يلعب به ". قال انس : فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول :" يا أبا عمير ما فعل النغير".
المراجع من كتاب صفة ضحك و بكاء النبي صلى الله عليه و سلم و مزاحه مع أصحابه
المؤلف : أحمد مصطفى قاسم طهطاوي
مراجعة : أحمد عبد التواب عوض
جزاهما الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقهما صحبة نبيه في الجنة
صيام النبي صلى الله عليه و سلم تعريف الصيام وبيان علاقته بالأخلاق الصيام لغة: الإمساك عن الشئ والترك له، ومنه قيل للصمت: صوم؛ لأنه إمساك عن الكلام، قال الله تعالى (إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً) [مريم: 26]. قال أبو عبيده(1): كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم"(2). أما شرعاً فهو: عبارة عن إمساك مخصوص، وهو الإمساك عن الأكل والشرف والجماع من الصبح إلى المغرب مع النية(3). ويقال أيضاً: الإمساك عن المفطرات الحسية والمعنوية جميع النهار بنية.
علاقة الصيام بالأخلاق الصوم من شرائع الإسلام العظيمة التى شرعها الله تعالى للأمة الإسلامية كما شرعة على من قبلها، وهو من الشرائع الرامية إلى تزكية النفس ورياضيتها على مكارم الأخلاق من القناعة والزهد والأمانة، والبعد عن رذائلها من الجشع والخيانة والسباب والفواح التى تنافى الصوم. قال العلامة جمال الدين القاسمى(4): "إعلم ان مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة، والفطر المستقيمة شرعه الله لعباده رحمة لهم، وإحساناً إليهم وحمية وجنة، قال: فإن مقصود الصيام حبس النفس عن الشهوات، وفطمها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية لتسعد بطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، وتضييق مجارى الشيطان من العبد، بتضييق مجارى الطعام والشراب، وحبس قوى الأعضاء من استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها فى معاشها ومعادها، ويسكن كل عضو منها، وكل قوة عن جماحها، وتلجم بلجامه فهو لجام المتعين، وجنة المجاهدين، ورياضة الأبرار المقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئاً، إنما ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وملذوذاتها إيثاراً لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه سواه"(5). قلت: وهذا ما يدل عليه قول الله تعالى:
- [البقرة: 183] إذ دلت الآية على أن الصوم يورث التقوى، كما يفيده تعليل فريضة الصوم به، والمعنى: ليحصل لكم التقوى بالصوم فإنه يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة، وانقماع الهوى، فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورياستها، ويكسر شهوة البطن والفرج، وذلك جامع لأسباب التقوى، قال الفخر الرازى: " فيكون معنى الآية: فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم فى كتابى"(6). "ولعل فى مقام الله جل جلاله تفيد الوجوب، لأنها وإن كانت للترجى والإطماع فى أصل وضعها، إلا أنه إطماع من كريم فيجرى مجرى وعده المحتوم وفاؤه"(7). والتقوى التى يثمرها الصوم قد علق الله تعالى عليها خيرات عظيمة، وسعادات جسيمة فى كتابه العزيز، منها: معيته التى تعنى الحفظ واللطف كما قال تعالى:
- [الطلاق: 5]. إلى غير ذلك من الخيرات الجسيمة المترتبة على التقوى التى أشار إليها القرآن الكريم(8) والتى جعل الصيام من أسباب حصولها، لكونه موجباً لاتقاء المعاصى؛ لأنه يعدل القوى الطبيعية التى هى داعية الفساد، فيرتقى المسلم به عن حضيض الانغماس فى المادة إلى أوج العام الروحانى، فهو وسيلة للارتياض بالصفات الملكية، والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية(9).
عناية القرآن الكريم بالصيام ولأجل ذلك الأثر العظيم الذى يثمره الصوم فى ذكاء الأخلاق، كانت عناية القرآن الكريم به كبيرة إيجاباً له فى رمضان وفى غيره، وحثاً عليه، وتنويهاً بأهله فى آيات كثيرة. إيجاب الصيام فى القرآن الكريم:
أما إيجاب الصيام فإنه لما كان على ذلك النحو من عظمة الأثر فى تزكية الأخلاق، وترويض النفس على مكارمها، وكان شاقاً على النفس لما فيه من كبح لجماحها، واسترسالها فى اللذات والشهوات، أو لما يشغلها عنه من واجبات الحياة، المقتضية لإشباع البطن بما تحتاجه من الأكل ونحوه، فكانت الدواعى إلى تركه قائمة وكبيرة، مع عظيم أهميته وبالغ أثره وكبير ثمرته. لما كان الأمر كذلك، جعل الله تعالى الصيام فريضة إلزامية، وركناً رابعاً من أركان الإسلام فقال تعالى:
- [البقرة: 183-185]. ففى هذه الآيات يبين الله تعالى لعبادة أنه افترض عليهم الصيام فى أيام معدودات قلائل، هى شهر رمضان، الذى اختصه من بين الشهور بإنزال القرآن فيه، وبليلة القدر التى هى خير من ألف شهر. وقد بين افتراضه عليهم أولاً بأسلوب الخبر، وثانياً: بصيغة الأمر، وذلك للدلالة على أهمية ذلك المفترض وحتميته، ولذلك لم يكن لأحد عذر فى ترك صيام هذا الشهر إلا إلى بدل من صيام أيام أخر، أو فدية إطعام بعدد الأيام عند العجز عن الصيام كلية، لكبر أو مرض مزمن لا يرجى برؤه، وفى تكرار التنصيص على (عدة من أيام أخر) عند العجز عن صيام أيام رمضان كلها أو بعضها، دلالة على تأكيد طلب الشارع له، وعدم تنازله عن مطالبة المسلمين به إلا فى حالة العجز المستمر من كبر أو مرض أو حمل أو إرضاع، كما دلت عليه السنة، فعندئذ أجاز الانتقال إلى الفدية، وذلك لما فى الصوم من عظيم الفائدة فى إصلاح النفس البشرية واستقامة أحوال الأمة الإسلامية. حثه عليه:
ولذلك لم يفتأ يذكرهم بهذه الفائدة حيث يقوم فى علية الصوم (لعلكم تتقون) (لعلكم تشكرون)، ويرشد أهل الأعذار بترك الصيام بقوله: (وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون)، أى عظيم الأجر وجليل ثمرة الصوم فى استقامة الأحوال وكرم الأخلاق. ويقول لهم: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) للدلالة على أنه ما حمله على الترخيص بالإفطار عند الأعذار، إلا إرادة اليسر بهم تمشياً مع أصل منهجه فى تيسير الشريعة، وإلا لم يكن ليعدل عن طلبه بالذات حتى عند العجز عنه، لما يعلمه فيه من عظيم الأجر والأثر فى الدنيا والآخرة والله أعلم.
إيجابه فى غير رمضان ليكون كفارة عن الإساءات ولما كان الصيام بهذه المثابة من عظيم الفائدة وجزيل العائدة، اختاره الشارع لأن يكون كفارة وجبراً لبعض الإساءات المخلة بالدين، التى قد يرتكبها المرء فى حياته فى عباداته أو معاملاته أو سلوكه، وذلك ليهذب النفوس ويربيها على عدم العودة إلى مثل تلك الإساءات، لما فى الصوم من كبح لزمام النفس الأمارة بالسوء، وإعادة لها إلى الطهارة والنقاء والتزكية، إن كان مستوفياً لشروطه وآدابه الآتى بيانها فى التطبيق إن شاء الله تعالى. ففى ما يتعلق بالإساءة فى العبادات، وذلك فى الحج، أوجبه فى موضعين:
الموضوع الأول: فى الإساءة فى الحج بارتكاب محظور من محظورات الإحرام كالحلق ونحوه، أو قتل صيد الحرم، أو أى صيد برى وهو محرم. الموضع الثانى: عند الترفه فى الحج بالتمتع أو القران(10) حيث يعجز عن الهدى. أما الموضع الأول، وهو الإساءة فى الحج بفعل محرم من محرماته التى هى من باب الإزالة أو الترفه كالحلق والطيب ونحوهما(11)، فقد أوجب الله تعالى جبر ذلك بواحد من ثلاثة أشياء على التخيير: الصيام أو الإطعام أو الذبح، وذلك بقوله سبحانه:
- [البقرة: 196]. فجعل الصيام أولها؛ لأنه أعظم الثلاثة أثراً فى استقامة السلوك فى المستقبل، إضافة إلى عظم أجره، وهذا فيما إذا كانت الإساءة بفعل شئ يتعلق بجسده. أما إذا كانت الإساءة بفعل محرم من محرمات الإحرام المتعلقة بغيره، مما يؤذن انتهاكها بعدم تعظيمه لشعيرة الحرم أو الإحرام، وذلك كقتل صيد البر وهو محرم، أو قتل صيد الحرم مطلقاً، فقد أوجب الله تعالى واحداً من ثلاثة أمور مرتبة: هدياً بالغ الكعبة إن كان الصيد مما له مثل فى بهيمة الأنعام، فإن لم يكن له مثل فيقوم الصيد اثنان ذوا عدل، ويخرج القيمة فيشترى بها طعاماً يصرفه على مساكين الحرم، لكل مسكين مد. فإن عجز عن ذلك عدل إلى الصيام فيصوم بعدد الإمداد التى تبلغها القيمة المقدرة للصيد مهما بلغت كثرة، كما دل على ذلك قول الله تعالى:
- [المائدة: 95]. فجعل الصيام واحداً مما يفدى به عن تلك الإساءة، وجعله منوطاً بعدد الإمداد التى كان يمكن للقيمة المقدرة لو وجدت أن تشتريها، ومعلوم أنه قد يكون الطعام رخيصاً كما فى هذه الأيام، فكم تبلغ الإمداد لو كانت القيمة مائة أو مائتين أو أكثر؟ لاسيما مع ارتفاع أسعار مثل هذه الحيوانات البرية من صيد ونحوه كما هو معلوم وملموس. لذلك كان هذا الجزاء وبالاً على صاحبه، أى ثقيلاً وشديداً عليه، ولكنه يتلاءم مع سوء الصنيع الذى اقترفه من هتك حرمة الحرم أو الإحرام. وإنما اختار الله هذا الجزاء الثقيل ليكون ثوابه جابراً لما انتهك من حرمة، وليقوم سلوك المرء مستقبلاً، ولذلك إذا لم يستقيم سلوكه بعد هذا الجزاء المؤلم الثقيل فعاد إلى انتهاك حرمة الإحرام، فإن الله تعالى قد آذنه بعقوبة لا طاقة له بها، وهى الانتقام (ومن عاد فينتقم الله منه) لأنه بعدئذ يكون معوج السلوك، لا يصلح إلا بالجزاءات الرادعة المربية، وصدق الله إذ يقول:
- [المائدة: 50]. أما الموضع الثانى، وهو ما إذا عجز عن هدى التمتع ومثله القرآن، فإن الله تعالى قد جعل له بدلاً عن ذلك، وهو صيام ثلاثة أيام فى الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده كما قال سبحانه:
- [البقرة: 196]. فجعل الصيام بدلاً عن الهدى عند فقده أو العجز عنه، لما فى الصيام من الكفاية والسداد لما يؤديه الهدى من الجبران، ولذلك قال: (كاملة) "أى: كاملة فى الثواب لسدها مسد الهدى فى المعنى الذى جعلت بدلاً عنه"(12). فانظر كيف جعل الصيام جابراً لما يقع فى النسك من تقصير أو إساءة، وذلك لما فى الصوم من الوفاء بذلك النقص لعظيم أجره، ولما فيه من تعديل للخلق وتقويم له، فيحمل صاحبه إلى عدم العودة إلى مثل تلك الإساءة أو التقصير، لما يورث فى صاحبه من التقوى. إيجاب الصيام عقوبة على الإساءة فى المعاملات الاجتماعية:
وكما أوجب الله تعالى الصيام على الإساءة فى بعض العبادات وهى الحجج، فكذلك أوجبه على الإساءة فى بعض ما يجرى بين المسلمين من المعاملات وذلك كالإساءة بالقتل، أو الظهار، أو الحنث باليمين. فإن الله تعالى أوجب على الإساءة فى هذه الأشياء كفارة لتكون جابرة لعظم تلك الذنوب ومقومة لأخلاق المسلم وسلوكه وجعلها موازية فى الشدة لعظم الجرم الذى اقترفه لتكون كفيلة بتقويم خلقه، وجابرة لعظم ذنبه. 1- فالقتل جريمة كبيرة يقترفها المرء فى حق أخيهن توجب له المقت والغضب، أو التخليد فى النار، لذلك أوجب الله تعالى فيه القصاص إن كان عمداً عدواناً، أو الدية إن رضى أولياء المقتول بها، وبالإضافة على الدية أوجب الله تعالى الكفارة العظمى، وهى عتق رقبة مؤمنة، فإن عجز عنها وجب الانتقال إلى صيام شهرين متتابعين، لا يقطعهما بفطر يوم واحد، فإن قطعهما بفطر يوم انقطع التتابع، ووجب الاستئناف، ما لم يكن هناك عذر شرعى مبيح للفطر كالحيض والنفاس مثلاً، وسواء فى هذه الكفارة القتل العمد والخطأ، وقتل المسلم أو الذمى، فيجب فى كل بالإضافة إلى الدية إن لم يكن قصاص، تلك الكفارة لقوله تعالى:
- [النساء: 92]. فانظر كيف انتقل القرآن الكريم بالكفارة من العتق عند العجز عنه لتعذر الحصول عليه أو على قيمته إلى الصيام، وأى صيام؟ إنه صيام شهرين كاملين متتابعين، أى لا يفصل بينهما فطر، وذلك لتستل منه النزعة الوحشية، وتزكو أخلاقه، ولا ريب فإن صيام ستين يوماً متتابعة صياماً كاملاً محافظاً فيه على الآداب، كفيل بإعادة المرء إلى سلوك الإسلام وأخلاقه الحميدة، فإنه يحصل مثله بشهر، فكيف إذا كان الصيام شهرين متتابعين؟ 2 - والظهار – وهو قول الرجل لامرأته: أنت على كظهر أمى، أو نحوه، جريمة كبيرة(13) سماه الله تعالى (منكراً من القول وزوراً) لأنه إحالة حكم الله وتبديله بدون إذنه، لذلك كانت كفارته إذا لم يتبعه فوراً بالطلاق، كفارة عظمى وهى تحرير رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، كما بين الله تعالى ذلك بقوله:
- [المجادلة: 3-4]. فأوجب الله عز وجل عند العجز عن تحرير الرقبة لفقدها أو فقد ثمنها، أو ارتفاعه عن حده، الانتقال إلى صيام شهرين متتابعين، وذلك لما فى هذا الصيام من الوفاء بحبر تلك الإساءة لعظم أجره، ولما فيه من تقويم للسلوك، وتهذيب للأخلاق، ولذلك اشترط فيه التتابع حتى يؤتى ثماره فى التزكية. ولما كان الظهار قد يقع من الكبار الذين قد يعجزون عن القيام بصيام شهرين متتابعين، جعل الله تعالى لهم مندوحة فى الانتقال إلى إطعام ستين مسكيناً. بخلافه فى القتل الذى غالباً ما يكون من الأقوياء، فإن الله لم ينص فيه على بدل عن الصيام، لما يريده لهم من الزكية فى الأخلاق، لأن تجرأهم على القتل يدل على انحطاط أخلاقه، وإن كان خطأ، فإنه يدل على التهاون فى الحذر والاحتياط لحماية النفس والله أعلم. 3- واليمين – وهو الحلف بالله او باسم من أسمائه أو صفة من صفاته الأخرى – حقه أن يحفظ، لما فى حفظه من إشعار بتعظيم الله تعالى وتبجيله، وكثرة الحلف تؤذن بأن القلب غير عامر بتعظيم الله وإجلاله كما ينبغى. وقد أمر الله تعالى المؤمنين بأن يحفظوا إيمانهم فقال:
وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ
[المائدة: 89]، وحفظها هو أن يضن بها ولا يبذلها فى كل أمر، أو بأن يبر فيها ما استطاع إذا لم يفت بها خير، أو أن يكفر عند الحنث(14)، ونهاهم عن كثرة الحلف فقال:
- [النحل: 94]. فإذا لم تفد هذه التوجيهات الإلهية من أوامر ونواه، فحقه أن يزجر، وذلك إذا لم يف بيمينه، وحنث فيها، بأن يكفر عن يمينه بما ذكره الله تعالى بقوله:
- [المائدة:89]. فجعل الصيام كفارة لليمين عند العجز عن الطعام أو العتق، وذلك لما فى الصيام من فضل يجبر الإساءة التى حصلت فى عدم الوفاء باليمين، وهو يهذب النفس ويزكى أخلاقها فى تعظيم الله تعالى وإجلاله كما يجب أن يكون على المؤمنين، على ما مر تقريره. فترى أن الله تعالى أوجب الصيام فى مثل هذه الإساءات التى قد تحصل من المرء مما يكون فى عباداته أو معاملاته أو سلوكه، وجعله قرين المال الذى يكون إخراجه فى مثل هذه الأحوال على هيئة عتق أو إطعام، زاجراً للنفس عن العود إلى مثل تلك الإساءة لما جبلت عليه النفس من الشح فى المال، فله أبلغ الأثر فى استقامة الأخلاق والسلوك، وجعل الصوم بدلاً عنه؛ لأنه يؤدى ما تؤديه الكفارة بالمال من تقويم الأخلاق "فإنه يعدل القوى الطبيعية التى هى داعية الفساد، فيرتقى المسلم به عن حضيض الانغماس فى المادة، إلى أوج العالم الروحانى، فهو وسيلة للارتياض بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية"(16). تنويه القرآن العظيم بالصائمين والصائمات:
ولما له من ذلك الأثر العظيم، والأجر الجسيم، كان تنويه القرآن الكريم بالمؤدين له، فى أوقات وجوبه، والمكثرين منه فيما سوى ذلك، تنويهاً عظيماً حيث كان يذكرهم على سبيل المدح والثناء والإشادة، وذلك كما فى قول الله تعالى:
- [الأحزاب:35]. فذكر الصائمين والصائمات ضمن أولئك الذين زكت أخلاقهم من المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، وامتازوا بالنبوغ فى الأخلاق العظيمة التى سرد ذكرها على سبيل المدح والثناء والامتنان. وإنما ذكر الصائمين والصائمات فى سياق تعداده لأهل تلك المكارم الأخلاقية من قنوت وصدق وصبر وخشوع وكرم وعفاف وذكر لله، لأن الصيام الكامل يورث كل ذلك؛ لأن مثل تلك المكارم الأخلاقية العظيمة، إنما هى من ثمار التقوى التى يورثها الصوم، فلذلك سيق فى عدادها كأنه واحد منها، والله أعلم. ولما كان الصيام بتلك المثابة، اختصه الله تعالى بالإضافة إليه كما جاء فى الحديث القدسى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به ..."(17).
تطبيق النبى صلى الله عليه وسلم للصيام ولما كان الصيام له تلك المكانة عند الله تعالى، وله ذلك الأثر فى التزكية، كان أحرص الخلق عليه، أكثرهم تقى، وأعظمهم خلقاً، وهو سيدنا ومولانا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يصوم صياماً يعجز عنه غيره بلا ريب، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة تدل على إكثاره منه، وحثه عليه، وتبيينه لآدابه وأحكامه، بحيث ينوء بها الحصر هنا. إكثاره صلى الله عليه وسلم من الصيام:
فعن كثيرة صيامه تحدثنا عائشة – رضى الله عنها – وتقول:
1- "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، قالت: وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته فى شهر أكثر صياماً منه فى شعبان"(18). 2- وقال أنس –رضى الله عنه-: "ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائماً إلا رأيته، ولا مفطراً إلا رأيتهن ولا من الليل قائماً إلا رأيته، قال: ولا مسست خزة ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكة ولا عبيرة أطيب رائحة من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم(19). 3- وكذا قال ابن عباس – رضى الله عنهما: "ما صام النبى صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر حتى يقوم القائل: لا والله لا يصوم"(20). فهؤلاء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يصورون لنا صيام النبى صلى الله عليه وسلم، وأنه كان من الكثرة بحيث يقول الناظر له، والمتأمل لحاله: إن الصيام دأب له وعادة أو الإفطار كذلك لكثرة ما يصوم وكثرة ما يفطر. (وذلك لأنه كان يصوم تارة من أول الشهر، وتارة من وسطه، وتارة من آخره، فكان من أراد أن يراه فى وقت من أوقات الشهر صائماً فراقبه المرة بعد المرة فلابد أن يصادفه صائماً، على وفق ما أراد أن يراه)(21). صيامه صلى الله عليه وسلم أياماً بعينها: الاثنين والخميس:
وكان مع ذلك يصوم أياماً بعينها من الأسبوع أو الشهر أو السنة.
1- "فكان عليه الصلاة والسلام يتحرى صيام يوم الاثنين والخميس"(22).
2- ويقول كما فى رواية أخرى: "تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملى وأنا صائم"(23). ثلاثة أيام من الشهر:
3- وسئلت عائشة – رضى الله عنهما -: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؟
قالت: نعم،
قيل لها: من أى أيام الشهر كان يصوم؟
قالت: لم يكن يبالى من أى أيام الشهر يصوم"(24). 4- وقالت عائشة – رضى الله عنها -: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر: السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر: الثلاثاء والأربعاء والخميس"(25). 5- وقال عبدالله بن مسعود – رضى الله عنه -: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام"(26). 6- وقال عبدالله بن عباس – رضى الله عنهما-: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفطر أيام البيض فى حضر ولا سفر"(27). وأيام البيض: هى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر القمرى. وكان يوصى بذلك أصحابه كما قال أبو هريرة – رضى الله عنه-:
7- أوصانى خليلى صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتى الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام"(28). إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على مواظبته صلى الله عليه وسلم على صيام أيام بعينها من كل شهر، وهى تدل على حرصه صلى الله عليه وسلم على الصيام ومواظبته عليه، ومحبته له. 8- ولقد دل على ذلك أيضاً قول أبى الدرداء(29) – رضى الله عنه-: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فى يوم حار، حتى يضع الرجل يده على رأسه من شده الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله وعبد الله بن رواحة"(30). فكونه صلى الله عليه وسلم يحرص على الصيام فى السفر، وهم فى تلك الحالة من الحر، وقد أباح الله تعالى الإفطار فيه بقوله سبحانه:
- [البقرة: 184]، فكونه يصوم والحال ما ذكر يدل دلالة واضحة على عظيم رغبته فى الصوم، كما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ نفسه بعزائم الأمور، مالم يغلب جانب بيان الشرع، فإنه حينئذ يأخذ بالرخص وما فيه رفق بالمسلمين كما فعل فى غزوة الفتح، وكانت فى رمضان من العام الثامن، حيث صام حتى بلغ الكديد(31)، ثم أفطر وافطر الناس معه(32). مواصلته صلى الله عليه وسلم للصوم:
ولتلك الرغبة الكاملة والمحبة العظيمة من النبى صلى الله عليه وسلم للصوم، كان يواصل الصوم الأيام بالليالى "ليوفر ساعات ليله ونهاره للعبادة"(33)، والأدلة على ذلك كثيرة: 1- فعن أبى هريرة – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والوصال، إياكم والوصال، قالوا: فإنك تواصل يا رسوم الله، قال: إنى أبيت يطعمنى ربى ويسقينى، فاكلفوا(34) من العمل ما تطيقون"(35). 2- وعن أنس – رضى الله عنه – قال: واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر شهر رمضان، فواصل ناس من المسلمين، فبلغه ذلك فقال: "لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم(36)، إنكم لستم مثلى، أو قال: لست مثلكم، إنى أظل يطعمنى ربى ويسقينى"(37). 3- دخل على النبى صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: هل عندكم من شئ؟
فقلنا: لا
قال: فإنى إذا صائم،
ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسوم الله أهدى لنا حيس،
فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل"(38). 4- وفى رواية قالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم يأتينى فيقول: أعندك غداء؟
فأقول: لا، فيقول: إنى صائم،
قالت: فأتانى يوماً فقلت: يا رسول الله إنه قد أهديت لنا هدية،
قال: وما هى؟
قلت: حيس،
قال: أما إنى قد أصبحت صائماً ثم أكل"(39). فهكذا كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت رغبته فيه. وما ذلك إلا لما يعلمه فى الصوم من عظيم الفضل، وكبير الأجر، وبليغ الأثر فى تهذيب النفس، وتزكية الخلق، وهو ما كان يعبر عنه صلى الله عليه وسلم بلسانه الشريف ليحثهم عليه ويرغبهم فيه. من أقواله صلى الله عليه وسلم الدالة على فضل الصوم والمرغبة فيه:
وأقواله فى ذلك كثيرة جداً، ومن ذلك فى بيان فضله: قوله علية الصلاة والسلام:
1- "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(40). ومعنى إيماناً: تصديقاً واعتقاداً بأحقية فرضية صومه، ومعنى احتساباً: طلب الثواب من الله(41). 2- وقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يصوم يوماً فى سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً"(42)، أى: مدة سير سبعين عاماً. 3- وقوله فيما يرويه عن ربه عز وجل: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: "إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به يدع شهوته وطعامه من أجلى، للصائم فرحتان؛ فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف(43) فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"(44). حثه صلى الله عليه وسلم على فضل صيام أيام بعينها:
وكان عليه الصلاة والسلام يبين فضل صيام أيام بعينها كيوم عرفة، ويوم عاشوراء، وست أيام من شوال، وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: 1- "ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله، والسنة التى بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التى قبله"(45). 2- وقوله صلى الله عليه وسلم فى صيام ست من شوال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال فذلك صيام الدهر"(46). أى: أجره كأجر صيام سنة كاملة لأن الحسنة بعشرة أمثالها. إلى غير ذلك من حثه صلى الله علية وسلم على صيام أيام بعينها مما هو مبين فى مظانه. بيانه صلى الله عليه وسلم لما فى الصوم من تزكية للأخلاق:
وقد كان عليه الصلاة والسلام يبين لأمته ما يفعله الصوم من تزكية للأخلاق، ويحثهم على ما يعين على ذلك فيقول:
1- "الصيام جنة"(47)، ومعنى كونه جنة: أى وقاية تقى صاحبها ما يؤذيه من الشهوات(48). وذلك لأنه إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات، فإذا كف المرء نفسه عن الشهوات فى الدنيا كان ذلك ساتراً له عن النار فى الآخرة(49). ولذلك كان عليه الصلاة والسلام ينهى أمته عن أن تهتك أستاره وتفعل ما يفسد هذه الوقاية من المحرمات فيقول: 2- ".. فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث(50) يومئذ ولا يسخب(51) فإن سابه أحد أو قاتلة فليقل: إنى أمرؤ صائم .."(52). 3- ويقول: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه"(53). وذلك لأن المقصود من شرعية الصوم "ليس هو نفس الجوع والعطش، بل ما يتبعه من كسر الشهوات وتطويع النفس الأمارة بالسوء، فإذا لم يحصل ذلك لا ينظر الله إليه نظرة قبول"(54)، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام. 4- "رب صائم ليس له من صيامه إلى الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر"(55). 5- وفى حديث آخر قال: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر"(56). والمعنى: أن من الناس من لم يستفد من صومه، فلم يؤثر فيه تهذيباً للنفس، وتزكية للأخلاق، وذلك من لم يصن صومه عن مفسداته الحسية أو المعنوية، فراح يرفث ويفسق، وكان عليه إذا أراد أن ينال ثمرة الصوم وأجره أن يصونه عن اللغو والرفث والفسوق والعصيان كما قال صلى الله عليه وسلم: 6- "ليس الصيام من الأكل والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل: إنى صائم، إنى صائم"(57). والمعنى: أن الصوم لا يكون بالإمساك عن الأكل والشرب فقط، بل لابد أن يصحبه أيضاً إمساك عما ذكر من اللغو والرفث؛ لأن ذلك من غايات الصيام المهمة، والله الموفق والهادى لأحسن الأخلاق لا يهدى لأحسنها إلا هو.
(1) هو معمر بن المثنى التميمى اللغوى البصرى، كان من أئمة العلم بالأدب والغة، وتوفى سنة 209هـ. انظر: بغية الوعاة فى طبقات اللغويين والنحاة ص395، والأعلام 7/272.
(2) الصحاح 5/1970 مادة (صوم)، وانظر التفسير الكبير 5/68.
(3) التعريفات ص 136.
(4) صاحب محاسن التأويل فى التفسير، وقواعد التحديث وغيرهما، كان إمام الشام فى عصره توفى سنة 1332هـ انظر الأعلام 2/135.
(5) محاسن التأويل 3/74، وانظر من حكم الشريعة وأسرارها لحامد محمد العابدى ص104-108.
(6) التفسير الكبير 5/70.
(7) تفسير النسفى 1/29.
(8) انظر بعضاً من تفصيل ذلك فى النصائح الدينية مثلاً للقطب الجد عبدالله بن علوى الحداد ص6-8.
(9) انظر التحرير والتنوير 1/158.
(10) التمتع: هو الإحرام بالعمرة فى أشهر الحج ثم الحج فى ذلك العام، والقرآن: أن يحرم بالحج والعمرة معاً.
(11) من لبس ودهن وحلق وقلم الأظفار، وموضع بحث هذه المسألة معروف فى كتب الفقه والمناسك. وانظر الإيضاح فى مناسك الحج للإمام النووى ص 529-538.
(12) تفسير البحر المحيط لأبى حيان 2/80، وانظر التفسير الكبير للفخر الرازى 5/158.
(13) ممن عدها كبيرة ابن حجر الهيتمى فى الزواجر 2/53، والألوسى فى تفسيره روح لمعانى 10/28/5، بل قال: إنه أخطر من كثير من الكبائر، إذ قضيته الكفر، لولا خلو الاعتقاد عن ذلك، واحتمال التشبيه لذلك وغيره اهـ.
(14) أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوى ص161.
(15) أى: فساداً أو خديعة.
(16) انظر التحرير والتنوير 1/158.
(17) أخرجه البخارى فى الصوم، باب فضل الصوم 3/31، ومسلم فى الصيام، باب حفظ اللسان برقم 1151، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(18) أخرجه البخارى فى الصوم، باب صوم شعبان 3/51، ومسلم فى الصيام، باب صيام النبى صلى الله عليه وسلم فى غير رمضان برم 1156.
(19) أخرجه البخارى فى الصوم، باب ما يذكر من صوم النبى صلى الله عليه وسلم 3/50، ومسلم فى الصيام، باب صيام النبى صلى الله عليه وسلم فى غير رمضان برم 1158 واللفظ للبخارى.
(20) أخرجه البخارى فى الصوم، الباب السابق، ومسلم فيه كذلك برقم 1157.
(21) أنظر فتح البارى 9/47.
(22) أخرجه الترمذى فى الصوم، باب ما جاء فى صوم الاثنين والخميس برقم 745 من حديث عائشة رضى الله عنها، والنسائى فى الصوم، باب صوم النبى صلى الله عليه وسلم 4/202، 203، وابن ماجه فى الصيام باب صيام الاثنين والخميس برقم 1739، وقال عنه الترمذى: حسن غريب من هذا الوجه.
(23) أخرجها الترمذى فى الباب السابق برقم 747 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، وفى إسناده محمد بن رفاعة، وهو مقبول كما فى التقريب برقم 5879، ولكن للحديث شواهد ترقيه إلى مرتبة الحسن بل الصحة انظر إرواء الغليل 4/102-104.
(24) أخرجه مسلم فى الصيام، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر برقم 1160، وأبو داود فى الصوم، باب من قال: لا يبالى من أى الشهر برقم 2453.
(25) أخرجه الترمذى فى الصيام، باب ماجاء فى صوم الأثنين والخميس برقم 2746، وقال عنه:حديث حسن.
(26) أخرجه أو داود فى الصوم، باب فى صوم الثلاث من كل شهر برقم 2450، والترمذى فيه، باب ماجاء فى صوم الجمعة برقم 742، والنسائى فى الصوم، باب صوم النبى صلى الله عليه وسلم 4/204، وقال عنه الترمذى: حسن غريب.
(27) أخرجه النسائى فى الصوم، باب صوم النبى صلى الله عليه وسلم 4/198،199، وإسناده حسن.
(28) أخرجه البخارى فىالصوم، باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة أربع عشرة وخمس عشرة 3/53، ومسلم فى صلاة المسافرين، باب استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان برقم 721، 722.
(29) هو عويمر بن زيد بن قيس الأنصارى، صحابى جليل، أسلم يوم بدر، وشهد أحداً وأبلى فيها بلاء حسناًَ، وكان عابداً ، مات فى أواخر خلافه عثمان بن عفان رضى الله عنه. أنظر: الاستيعاب 5/185، والإصابة 3/45.
(30) أخرجه البخارى فى الصوم، باب إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر 3/44، ومسلم فى الصيام، باب التخيير فى الصوم والفطر فى السفر برقم1122.
(31) جاء تفسيره فى الرواية نفسها عند البخارى بأنه: ماء بين عسفان وقديد، وفى مراصد الإطلاع 3/1152: على اثنين وأربعين ميلاً من مكة.
(32) كما جاء فى رواية البخارى فى الصوم، باب إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر 3/43، ومسلم فى الصيام، باب التخيير فى الصوم والفطر فى السفر برقم 1113، من حديث ابن عباس رضى الله عنهما.
(33) قال ابن القيم فى زاد المعاد 2/32.
(34) يقال: كلفت بهذا الأمر أكلفه، إذا ولعت به وأحببته. 1هـ، النهاية 4/196.
(35) أخرجه البخارى فى الصيام، باب التنكيل لمن أكثر الوصال 3/46، ومسلم فى الصيام، باب النهى عن الوصال فى الصوم برقم 1105.
(36) المتعمق: المبالغ فى الأمر المتشدد فيه الذى يطلب أقصى غايته، النهاية 3/299.
(37) أخرجه البخارى فى الصوم، باب الوصال 3/41، ومسلم فى الصوم، باب النهى عن الوصال فى الصوم برقم 1104.
(38) أخرجه مسلم فى الصيام، باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال برقم 1154، وأبو داود فى الصوم، باب الرخصة فى النية فى الصيام برقم 2455، والترمذى فى الصوم باب صوم التطوع بغير تبييت برقم 732،733، والنسائى فى الصوم، باب النية فى الصيام 4/193.
(39) هذه رواية الترمذى فى الباب السابق برقم 734.
(40) أخرجه البخارى فى الصوم، باب فضل الصوم 3/33، ومسلم فى صلاة المسافرين، باب الترغيب فى قيام رمضان وهو التراويح برقم 760، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(41) فتح البارى 8/250.
(42) أخرجه البخارى فى الجهاد، باب فضل الصوم فى سبيل الله 4/32، ومسلم فى الصوم، باب فضل الصيام فى سبيل الله لمن يطيقه برقم 1153 من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه.
(43) هو تغير ريحة من ترك الأكل والشرب.
(44) أخرجه البخارى فى الصوم، باب فضل الصوم 3/31، ومسلم فى الصيام، باب حفظ اللسان برقم 1151 رقم حديث الكتاب 164، واللفظ له من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(45) أخرجه مسلم فى الصيام، باب استحباب صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم يوم عرفه وعاشوراء والأثنين والخميس برقم 1162، من حديث أبى قتادة، والترمذى فى الصوم، باب ما جاء فى فضل صوم عرفة برقم 749، وفى الحث على صوم عاشوراء برقم 752.
(46) أخرجه مسلم فى الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال اتباعاً لرمضان برقم 1164، من حديث أبى ايوب الأنصارى رضى الله عنه، والترمذى فى الصوم، باب ما جاء فى صيام ستة أيام من شوال برقم 759.
(47) أخرجه البخارى فى الصوم، باب فضل الصوم 3/31، ومسلم فى الصيام، باب فضل الصيام برقم عام 1151، وخاص 162 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(48) النهاية فى غريب الحديث لابن الأثير 1/308.
(49) انظر فتح البارى 8/236.
(50) المراد بالرفث هنا: الكلام الفاحش، وهو ما يطلق على هذا، وعلى الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقاً، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها، الفتح 8/237.
(51) أى: لا يصيح.
(52) هو تتمة للحديث السابق عند البخارى، وإحدى رواياته عند مسلم برقم خاص 163.
(53) أخرجه البخارى فى الصيام، باب من لم يدع قول الزور والعمل به فى الصوم 3/33 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(54) فتح البارى 8/253.
(55) أخرجه ابن ماجه فى الصيام 1/539 برقم 1690 من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، وابن خزيمة فى الصيام 3/242 برقم 1997، والحاكم فى المستدرك 1/431، وقال: صحيح على شرط البخارى، وأقره الذهبى وصححه البوصيرى فى مصباح الزجاجة 1/301.
(56) حديث صحيح تقدم تخريجه ص 260.
(57) أخرجه ابن خزيمة فى صحيحه 3/242، من حديث أبى هريرة رضى الله عنه، وابن حبان فى آداب الصوم 4/198 برقم 3470 الإحسان، والحاكم فى الصيام 1/410، وقال صحيح على شرط مسلم، وسكت عنه الذهبى.
المراجع من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
الجزء الأول - باب أخلاق القرآن التعبدية و التطبيقات النبوية لها - المبحث الثالث - الصيام
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم الرضا أولاً : المعنى اللغوي
هو طيب النفس بما يصيبه و يفوته مع عدم التغير أنواع الرضا
حدد القرآن الكريم نوعين للرضا أولاً : رضا الرب
رضا الله سبحانه و تعالى أكبر من أن يتصوره العقل البشري كما قال سبحانه و تعالى : ( وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) – التوبة 72 و قد بين الله تعالى صفات من ينال ذلك الرضا و هم:
1- في قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) – التوبة 100
و قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) – الفتح 18. 2- التابعون للصحابة بإحسان و هم الذين كانوا مقتفين لآثار الصحابة في الهداية و السداد 3- من سار على نهج الصحابة و التابعين في الايمان و العمل الصالح قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) – سورة البينة 7-8 4- أهل التضحية و الجهاد في سبيله سبحانه و تعالى من الصحابة و من بعدهم كما قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ) – سورة التوبة 20-21 5- أهل المودة للمؤمنين دون الكافرين و لو كانوا أقرب الاقربين كما قال الله تعالى : (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) – سورة المجادلة آية 22 6- أهل الصدق مع الله و مع النفس و مع الناس كما قال الله سبحانه و تعالى : (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) – سورة المائدة آية 119 أهل التقوى لله عز و جل كما قال سبحانه و تعالى : (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) – سورة آل عمران آية 15 فهذه بعض صفات من رضي الله تعالى عنهم التي دل عليها في كتابه العزيز و هي ليست حصرا لأسباب رضى الله تعالى لان أسباب رضى الله تعالى غير محصورة و إنما يطلع الله سبحانه و تعالى على القلوب و أحوالها و لو في أشياء يسيرة لكنها تكون عند الله تعالى عظيمة محبوبة كما دل على ذلك حديث أنس بن مالك – رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه و سلم قاب : " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها و يشرب الشربة فيحمده عليها" (أخرجه مسلم) و في حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها في الجنة و إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم" (أخرجه البخاري) منزلة المرضي عنهم
أما عن مكانة هؤلاء الذين بادلهم الله تعالى رضوانه فرضي عنهم فقد أعد الله تعالى لها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر كما قال تعالى (وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) – التوبة 100 و في الحديث عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك فيقول الله هل رضيتم ؟ فيقولون ولماذا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعطي أحد من خلقك فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ قالوا : فيقولون يا رب أي شيء أفضل من ذلك فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ثانياً: رضا العبد
رضا العبد ينقسم إلى شقين :
أولاً : الرضا بالله سبحانه و تعالى رباً
و يتضمن الرضا بمحمد صلى الله عليه و سلم نبيا و رسولا و يراد بهذا القسم : أن لا يتخذ غير الله رباً يسكن إلى تدبيره و ينزل به حوائجه و لا يتحقق إيمان العبد إلا بهذا القسم
ثانياً : الرضا عن الله سبحانه و تعالى
و معناه أن لا يكره العبد ما يجري به قضاء الله تعالى و أعلاه سرور القلب و سكينة النفس إلى قضاء الله و قدره خيره و شره حلوه و مره بل ان بعض العلماء عرف الرضا بحسن الخلق مع الله تعالى قال : "لانه يوجب ترك الاعتراض عليه في ملكه و حذف فضول الكلام الذي يقدح في حسن خلقه فلا يسمي شيئاً قط قضاه الله تعالى و قدره باسم مذموم إذا لم يذمه الله تعالى لأنه ينافي الرضا
تمثل خلق الرضا في رسول الله صلى الله عليه و سلمأولاً: أقواله صلى الله عليه و سلم في الرضا
أ- أقواله صلى الله عليه و سلم في الرضا عن الله تعالى أثناء دعوته مع ما كان يواجهه به المشركون من الصد و الإعراض و شدة الإيذاء و من أمثلة ذلك :
لما أوذي في الطائف و أغروا به سفهاءهم و صبيانهم فرموه حتى أدموا عقبه الشريف فلم يزد على أن قال : " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي و هواني على الناس أنت ارحم الراحمين و رب المستضعفين و أنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك" (أخرجه ابن إسحاق) و عندئذ بعث الله تعالى ملك الجبال و قال له: "قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت ؟ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (هما جبلا مكة المعروفان بأبي قبيس و فعيقعان المعروف الآن بجبل هندي وهما يكتنفان أصل مكة من الجنوب و الشمال) فقال له النبي الكريم صلى الله عليه و سلم : "بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"
ولما اشتد الإيذاء على أصحابه الكرام من كفار قريش ليفتنوهم عن دينهم جاءه خباب بن الأرت رضي الله عنه فقال له : “يا رسول الله، ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟” فقال: "قد كان قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون”.(أخرجه البخاري) هكذا كان صلى الله عليه و سلم راضيا عن الله تعالى رغم ما يعانيه من شدائد في الدعوة إلى سبيله إجلالا لله تعالى و توقيرا و تعظيما له لأنه يعلم أن تلك هي سنته تعالى في الداعين إليه ليمحصهم و يرفع درجاتهم و قد أنزل الله تعالى عليه قوله جل شأنه : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) – سورة البقرة آية 214
ب - أقواله صلى الله عليه و سلم في الرضا عن الله تعالى فيما يجري به القدر في شؤون الحياة عامة و أمثله هذا النوع من الرضا كثيرة و منها:
1- رضاه صلى الله عليه و سلم فيما يبتليه به في الحياة من متاعب في النفس و المال و البنين و الأقارب فكان صلى الله عليه و سلم راضيا رضاء كاملاً رغم ما ناله من إيذاء الذي بلغ محاولة قتله
2- رضاه صلى الله عليه و سلم بما كان عليه من قلة المال حيث بلغ رضاه حد ان جعل يدعو الله تعالى و يقول "اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً" (أخرجه البخاري)
3- تحمل صلى الله عليه و سلم وفاة أعز أهله فزوجته خديجة رضي الله عنها ثم عمه أبو طالب و ابنتيه رقيه و أم كلثوم عليهما سلام و أولاده الذكور من قبل عليهم السلم ثم وفاة ابنه إبراهيم عليه سلام و الذي رزق به على كبر و إذ به يعلن رضاه بذلك فيقول فيما رواه عنه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه : "إن العين تدمع و القلب يحزن و لا نقول إلا ما يرضي ربنا و إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" (أخرجه البخاري)
4- صبر النبي صلى الله عليه و سلم على قتل أقاربه دفاعا عن دين الله فلم يتبرم حتى عندما قتل عمه أسد الله و رسوله حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه الذي استشهد بأحد و مثل به أيما تمثيل فلم ينل هذا من رضاه صلى الله عليه و سلم
ثانياً: دعاؤه صلى الله عليه و سلم أن يرزقه الله تعالى الرضا
و مع ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم من كمال الرضا عن الله تعالى فقد كان صلى الله عليه و سلم دائم الدعاء أن يرزقه الله تعالى الرضا و الثبات فكان من دعائه صلى الله عليه و سلم : "... وأسألك الرضا بعد القضاء وأسألك بَرْدَ العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك، وأسألك الشوق إلى لقائك، من غير ضراء مُضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زَيِّنا بزينة الإيمان. واجعلنا هداة مهتدين" ثالثاً: تنويهه صلى الله عليه و سلم بخلق الرضا و حث الأمة عليه :
كان النبي صلى الله عليه و سلم حريصاً كل الحرص على توضيح و تأكيد ما للرضا من جزاء عظيم ليحض أمته عليه و من أمثلة ذلك :
1- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : "من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا غفر له ذنبه"
2- و قوله صلى الله عليه و سلم :"ذاق طعم الإيمان من رضي الله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا"
3- و قوله صلى الله عليه و سلم :"من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وجبت له الجنة " رابعاً: فضل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه و سلم بغاية الرضوان
و إذا كان النبي صلى الله عليه و سلم على هذا النحو من الرضا عن الله تعالى في أقواله و أفعاله فلا ريب انه سيد الراضين عن ربه جل و علا و سيجازيه الله تعالى برضوان أكبر من رضوانه عنه و أكبر من رضوانه عن أي بشر من خلقه الراضين عنه لعظم رضاه عنه و منزلته عنده و قد جاءت الإشارة إلى ذلك في الكتاب العزيز فقال سبحانه و تعالى : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) – سورة الضحى آيه 5 قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية : " أي في الدار الآخرة يعطيه حتى يرضيه في أمته و فيما اعد له من الكرامة و من جملته نهر الكوثر الذي حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف و طينه مسك أذفر" ثم روي عن ابن عباس عن أبيه – رضي الله عنهما – قوله : "عرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم ما هو مفتوح على أمته من بعده كنزا كنزا فسر بذلك فأنزل الله تعالى " (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) فأعطاه في الجنة ألف ألف قصر في كل قصر ما ينبغي له من الأزواج و الخدم ثم عزا ذلك إلى ابن جرير و ابن أبى حاتم و قال : "وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس و مثل هذا ما يقال إلا عن توقيف" (تفسير القرآن العظيم 4/522) و ذلك رضوانه سبحانه و تعالى عليه صلى الله عليه و سلم في الجنة و هي دار رضوانه عن عباده أما في الدنيا فقد جعل الله تعالى رضاه عن خلقه مقترنا برضا رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهم حيث أتبع رضا نبيه لرضاه سبحانه و تعالى مباشرة كما دل عليه قوله تعالى : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) – سورة النساء آية 80 و قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) – سورة التوبة أية 61 فقد وحد الله تعالى الضمير في يرضوه مع أن الظاهر بعد العطف بالواو التثنيه لأن إرضاء الرسول صلى الله عليه و سلم لا ينفك عن إرضاء الله تعالى فتلازمهما جعلا كشيء واحد فعاد إليهما الضمير المفرد و إرضاء الرسول صلى الله عليه و سلم يكون بطاعته و موافقة أوامره و إيفاء حقوقه عليه الصلاة و السلام في باب الإجلال و الإعظام حضورا و غيبة و إذا كان الله تعالى قد جعل إرضاء رسوله صلى الله عليه و سلم إرضاء له و طاعته طاعة له فذلك دليل على كمال رضاه عنه في الدنيا قبل الآخرة و لذلك ينص المولى جل جلاله على أن إرضاء أحد من أنبيائه و رسله هو إرضاء له تعالى و إن كان إرضاء له في الحقيقة بمقتضى تبليغهم عنه و اصطفائهم برسالاته و ذلك لتكون هذه مزية خاصة بعبده و نبيه المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم و على سائر الأنبياء و المرسلين
المراجع من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم الأمانة أولاً : المعنى اللغوي
هي مأخوذة من الأمن الذي هو ضد الخوف لأن الأمانة لا يخاف عليها لأنها توضع عند أمين ولأمين ثقة لا يخون أما في الاصطلاح فتعرف بأنها : ضد الخيانة و يقال بأنها صيانة الإنسان كل ما ينبغي صيانته من حقوق أو فروض أو واجبات أو حدود أو أشياء مادية أو معنوية سواء كانت لله تعالى أم للناس ثانياً : الأمانة و الخيانة في القرآن الكريم
كان تنويه القرآن الكريم عن الأمانة تنويه عظيم دل على عظم منزلة الأمانة عند الله تعالى و ذلك في آيات كثيرة من الذكر الحكيم منها قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) – سورة الأحزاب آية 72 و الأمانة في الآية الكريمة هي كل ما يؤتمن عليه المرء من أمر و نهي و شأن دين و دنيا و الشرع كله أمانة كما قال الحسن البصري و غيره من السلف رحمهم الله تعالى و العديد من الآيات الكريمة أمرت بأداء الأمانة و منها : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ) – سورة البقرة آية 283
و في قوله تعالى : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) – سورة النساء آية 58
و قد كان تحذير القرآن الكريم من الخيانة شديداً في آيات كثيرة منها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) – سورة الأنفال آية 27
و قد بين القرآن الكريم ما للخيانة من أثر في الدنيا و الآخرة في آيات كثيرة منها : (إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) – سورة الأنفال آية 58
و قد قرن الله تعالى هذه الصفة بالكافرين و النافقين فقال : (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) – سورة الحج آية 38
و قال تعالى : (وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) – سورة النساء آية 107
و قوله تعالى : (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) – سورة الأنفال آية 71 فالآية الأولى و الثالثة تثبت الخيانة للكافرين و الثانية للمنافقين و مما يترتب على الخيانة أن الله تعالى يحبط أعمال الخائنين و تدابيرهم كما قال جل و علا : ( وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) – سورة يوسف آية 52 ثالثاً : التنويه بأهل الأمانة في القرآن الكريم
نال القائمون بالأمانة على وجهها عظيم الثناء من الله سبحانه و تعالى و جزيل إكرامه. أما الملائكة فكلهم قائم بأدائها على وجهها الكامل لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون و قد خص الله سبحانه و تعالى جبريل عليه السلام بالثناء عليه بها لما هو منوط به من مهمة و هي السفارة بين الله تعالى و رسله عليهم الصلاة و السلام فقد قال تعالى : "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ" – سورة الشعراء آيتي 193 - 194
و قال تعالى : "إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ" – سورة التكوير 19-21 أما الأنبياء و الرسل فهم أمناء الله في أرضه على شرائعه و دينه لذلك كانت الأمانة واجبة لهم كما قال هود عليه السلام : "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ" – سورة العراف –68 و كما قال يوسف عليه السلام : "إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ" و كما قالت ابنة شعيب عليه السلام في وصف موسى عليه السلام حيث قالت : "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ" – سورة القصص آية 26 أما المؤمنون فقد بين الله تعالى ما نالوه جزاء الأمانة و غيرها من الأخلاق الكريمة فقد قال تعالى : "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " – سورة المؤمنون آيات من 9-11
تمثل خلق الأمانة في النبي صلى الله عليه و سلم
عرف النبي صلى الله عليه و سلم بالأمانة و الصدق حتى لقب بالصادق الأمين و كانوا إذا ذهب أو جاء يقولون جاء الأمين و ذهب الأمين و يدل على ذلك قصة الحجر الأسود عند بناء الكعبة المشرفة بعدما تنازعهم في استحقاق شرف رفعه ووضعه في محله حتى كادوا يقتتلون لولا اتفاقهم على تحكيم أول من يدخل المسجد الحرام فكان الداخل هو محمد صلى الله عليه و سلم فلما رأوه قالوا : "هذا الأمين رضينا هذا محمد" فلما أخبروه الخبر قال صلى الله عليه و سلم : "هلم إلي ثوباً" فأتى به فأخذ الركن فوضعه بيده الطاهرة ثم قال : " لنأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده الشريفة ثم بني عليه قال ابن هشام : "وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن ينزل الوحي : الأمين"
كانت ثقة أهل قريش بالنبي صلى الله عليه و سلم كبيرة فكانوا ينقلون إلى بيته أموالهم و نفائسهم وديعة عنده و لم يزل ذلك دأبهم حتى بعد معاداته بسبب دعوته لهم إلى الإيمان بالله تعالى و ترك عبادة الأوثان كما دل على ذلك تركه صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مكة بعد هجرته صلى الله عليه و سلم ليرد ودائع الناس التي كانت عنده صلى الله عليه و سلم فأقام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه و أرضاه بمكة ثلاث ليال و أيامها حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم الودائع التي كانت عنده للناس حتى إذا فرغ منها لحق برسول الله صلى الله عليه و سلم
شهد بأمانة الرسول صلى الله عليه و سلم أعدائه قبل أصدقائه و صحابته فها هو أبو سفيان زعيم مكة قبل إسلامه يقف أمام هرقل ملك الروم و يعجز عن نفي صفة الأمانة عن النبي صلى الله عليه و سلم رغم حرصه عندئذ أن يطعن فيه و لكن ما أن سأله هرقل عن ما يدعو إليه النبي صلى الله عليه و سلم فأجاب أبو سفيان : "يأمر بالصلاة و الصدق و العفاف و الوفاء بالعهد و أداء الأمانة"
أما أصدقائه و صحابته فلم يختلف أحد على أمانته صلى الله عليه و سلم و من أمثلة ذلك ما قالته عنه خديجة رضي الله عنها عند بداية نزول الوحي عليه صلى الله عليه و سلم : "...فوالله إنك لتؤدي الأمانة و تصل الرحم و تصدق الحديث.." و ما قاله جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة رضي الله تعالى عنه حين سأله عن الدين الذي اعتنقوه فأجاب : "حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه و صدقه و أمانته و عفته.." و لا غرو أن النبي صلى الله عليه و سلم كان مثالاً للأمانة و كيف لا و قد ائتمنه الله تعالى على رسالته الخاتمة فكان خير من أدى هذه الأمانة إلى حد الكمال فقد قال تعالى : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا" – سورة المائدة آية 3 من أقوال النبي صلى الله عليه و سلم في الأمانة
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه - قال: حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثين قد رأيت أحدهما، وأنا أنتظر الآخر، حدثنا "أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن، فعلموا من القرآن، وعلموا من السنة " ثم حدثنا عن رفع الأمانة، قال: "ينام الرجل النومة، فيقبض الأمانة من قلبه، فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة، فيظل أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك، فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شيء، ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، فيصبح الناس يتبايعون، لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، حتى يقال للرجل: ما أجلده! وما أظرفه! وما أعقله! وما في قلبه حبة من خردل من إيمان" و معنى (الوكت) : الأثر اليسير و (المجل) هو الانتفاخ، الذي يكون في الكف، من أثر العمل، إذا اشتغل الإنسان بشيء، يقبض عليه في يده، مثل الفأس
عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: "ما خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له" – أخرجه الإمام أحمد
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت و هو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة
وقوله لأبي ذر" يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها" (مسلم)
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة من صفات المنافقين فقال "آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا أؤتمن خان" متفق عليه
قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة: "فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" رواه البخاري
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من اعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها" و في رواية "ثم ينشر أحدهما سر صاحبه" أخرجه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم في الأمر بردها : " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك" أخرجه أبو داود
المراجع من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم الصبر أولاً : المعنى اللغوي
الصبر في اللغة : الحبس و في الاصطلاح هو : حبس النفس على ما يقتضيه العقل و الشرع أو ما يقتضيان حبسها عنه أو هو حبس النفس على ما تكره ابتغاء مرضاة الله كما قال تعالى : " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ " – الكهف 28 ثانياً: الحث عليه
حث الله تعالى عباده على الصبر و رغب فيه كقوله تعالى بعد أن أباح للمؤمنين أن يعاقبوا من أساء إليهم بمثل ما جرى لهم:" وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ" – النحل آية 126 أي أن الصبر على الانتقام خير منه ثم أعقب ذلك بقوله تعالى " وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ" النحل-127 ثالثاً: الترغيب فيه
و قد رغب الله تعالى المؤمنين في هذا الخلق الكريم بطرق كثيرة منها :
التنويه بالصبر و اقترانه بأخلاق عظيمة
نوه الله تعالى في القرآن العظيم بالصبر و الصابرين لما في ذلك من تحفيز لهم للتحلي بهذا الخلق العظيم و قد قرن تعالى بين الصبر و الكثير من الأخلاق الإيمانية العظيمة للتدليل على أن منزلته كمنزلتها كقوله تعالى " وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" السجدة آية 24 حيث قرن تعالى بين اليقين و الصبر
و في آية أخرى قرنه بالشكر " إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ " إبراهيم -5
و بالتوكل في قوله تعالى " الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" النحل – 42
و بالصلاة في قوله تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" البقرة – 153
و بعمل الصالحات في قوله تعالى" إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" هود-11والرحمة في قوله تعالى " ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ " البلد-17
إقرار الصبر كصفة عظيمة لأنبياء الله عليهم السلام
أما تنويه الله تعالى بالصابرين فهو عظيم لأنه تعالى اقره لكثير من أنبيائه و رسله على سبيل الإشادة بهم كقوله تعالى " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ" الأنبياء-الآيات من 83 إلى 86 و قوله في أيوب عليه السلام : " إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" سورة ص آية 44 و قوله تعالى في أيوب عليه السلام على لسانه: " فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ" سورة يوسف آية 18 و قوله في يوسف عليه السلام " قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" سورة يوسف آيه 90
الثناء على الصابرين
أثنى الله تعالى على الصابرين أعظم الثناء في القرآن الكريم كقوله تعالى " وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " سورة الحج آيتا 34 و 35 و حيث أثنى عليهم في معرض تعداده لأهل البر الذين منهم "الصابرين في البأساء و الضراء و حيت البأس" و الذين شهد الله لهم بأنهم أهل الصدق و التقوى في قوله تعالى " إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" الأحزاب آية 35 كما أثنى تعالى عليهم بأنهم من أهل العزائم في قوله تعالى " وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ" سورة آل عمران آية 186
الترغيب بالصبر
و قد وعد الله تعالى الصابرين بعظيم الجزاء ترغيباً لهم للتحلي بهذا الخلق العظيم فقد قال تعالى " إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" سورة الزمر آية 10
و قوله تعالى " وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" سورة النحل آية 96
و قوله تعالى " وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" سورة البقرة آيات 155 إلى 157
و قوله تعالى " إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" سورة آل عمران آيه 120
صبر النبي صلى الله عليه و سلم كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أكثر رسل الله تعالى جهاداً و صبراً على الابتلاء و الإيذاء و قد لاقى من المشركين و اليهود و المنافقين عداءاً شديداً فما زاده ذلك إلا إصراراً و ثباتاً و من امثلة صبره صلى الله عليه و سلم :
صبره صلى الله عليه و سلم على رميه بالسحر و الكذب و الكهانة و الجنون و هو الذي كانوا يدعونه قبل بعثته بالصادق الأمين ثم بدؤوا في إيذاؤه جسديا فاخذ بتلابيبه حتى سقط على ركبتيه ووضع على ظهره سلى جزور (روث الجمل) و هو ساجد و رمي بالحجارة حتى دميت قدمه الشريفة و دبروا المكيدة تلو الأخرى لقتله صلى الله عليه و سلم فعن انس رضي الله تعالى عنه قال : لقد ضربوا رسول الله صلى الله عليه و سلم مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر رضي الله عنه فجعل ينادي : "ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله فقالوا : من هذا؟ فقالوا : أبو بكر المجنون فتركوه و أقبلوا على أبي بكر"
يوم الطائف وهو من أشد الأيام قسوة على النبي صلى الله عليه و سلم حين رفض سادة ثقيف و أشرافهم و هم أخوة ثلاثة و هم : ياليل بن عمرو بن عمير و أخواه مسعود و حبيب حيث قال له أحدهم : هو يمرط (يمزق) ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك و قال الآخر: أما وجد الله أحداً برسله غيرك و قال الثالث : و الله لا أكلمك أبدا لئن كنت رسولاً من الله كما تقول لانت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام و لئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك فقام الرسول صلى الله عليه و سلم و قد يئس من خير ثقيف ثم طلب منهم النبي صلى الله عليه و سلم أن لا يبلغوا قريشاً حتى لا يجرئهم ذلك عليه فلم يفعلوا و أغروا به سفهاءهم و عبيدهم يسبونه و يضربونه بالحجارة
بعد الهجرة إلى المدينة واجه النبي صلى الله عليه و سلم عداء جديد متمثل في المنافقين و لطالما كان المسلمون يكتشفون رائحة النفاق من أحدهم فيستأذنوا النبي صلى الله عليه و سلم في قتله فيقول صلى الله عليه و سلم: "...لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه"
صبر النبي صلى الله عليه و سلم على اليهود صبراً شديداً إذ انهم أهل خديعة و مكر و حقد دفين فهم لم يكتفوا بكتم صفاته التي هي موجودة و مفصلة عندهم في التوراة و هم يعرفونه كما يعرفون أبنائهم و لو انهم أظهروها و لم يكذبوا على الله لما تردد أحد في دخول الإسلام لأن الكل كان يعترف بهم كأهل كتاب إلا أنهم كتموا الحق و أنكروه و أغروا به المشركين حسداً و حقداً و رغم ذلك صبر النبي صلى الله عليه و سلم عليهم رغم نقضهم العهود و نصرتهم للمشركين إلا أن الله تعالى نصره عليهم فأجلى من جلى منهم من بني قينقاع و بني فريظة ثم فتحت خيبر فأبقى صلى الله عليه و سلم أهلها إلى حين
أما صبره صلى الله عليه و سلم على المشركين فقد تغير من العهد المدني عن العصر المكي ففي العهد المكي صبر النبي على الإيذاء و تحمله و في العهد المدني كان الصبر في ميادين القتال فخاض المعارك المتتالية دون أن ينفذ صبره أو يضعف عزمه و قد نال في ذلك أذى كثيراً حيث كسرت رباعيته و شج وجهه الشريف في غزوة أحد و هو صابر محتسب وقال صلى الله عليه و سلم "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم و كسروا رباعيته و هو يدعوهم إلى الله" فانزل الله تعالى عليه " لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ" سورة آل عمران آية 128
صبر صلى الله عليه و سلم على ما لاقى من شدة الحياة فعن أنس رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "لقد أُخفت في الله و ما يخاف أحد و قد أوذيت في الله و ما يؤذى أحد و لقد أتت علي ثلاثون ما بين يوم و ليلة و ما لي طعام يأكله ذو كبد إلا شئ يواريه إبط بلال" فقد صبر صلى الله عليه و سلم على مقاطعة قريش الاقتصادية له صلى الله عليه و سلم و لبني عمومته ثلاث سنوات و صبر على تعذيب المسلمين من سادة قريش و موت أصحابه و أبنائه و لعل هذا هو سر تكرار أوامر الله تعالى له صلى الله عليه و سلم بالصبر كقوله تعالى " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ" سورة الأحقاف آية 35 و قوله تعالى " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا" سورة الطور آية 48
من أقوال النبي صلى الله عليه و سلم في الأمانة قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل" – أخرجة الترمذي
و قال صلى الله عليه و سلم " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء" ومن أدلة الصبر في الحرب من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم حديث عَبْد ُاللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَضِي اللَّه عَنْهمَا ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ ، ف َإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ، ثُمَّ قَالَ : " اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ " [ أخرجه البخاري ومسلم ] . وعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ ، وَنَحْنُ سِتَّةُ نَفَرٍ ، بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ ، فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا ـ تشققت من المشي ـ وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ ، وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي ، وَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ ، فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا " [ متفق عليه ] . ومن أدلة الصبر على المرض عن عطاء بن أبي رباح يقول : قال لي ابن عباس : أتحب أن أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : نعم ، قال : تلك المرأة السوداء – مقاييس الدنيا ومقاييس الجنة مختلفة- أتت النبي صلي الله عليه وسلم فقالت له يا رسول الله إني أصرع -أي تصاب بالصرع- وإني أتكشف فأدعو الله لي أن يعافيني ، فقال لها النبي : إن شئت دعوت لك وإن شئت صبرت ولك الجنة فقالت : أصبر يا رسول الله ولكني يا رسول الله أتكشف فأدعو الله ألا أتكشف ، فدعا لها النبي فكانت تصرع ولا تتكشف. وهي من أهل الجنة . يقول النبي صلي الله عليه وسلم " إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (وهما العينان ، وسموا كذلك لأنهم أحب أعضاء جسده إليه) فصبر ، لم يكن له عندي جزاء إلا الجنة " يقول النبي صلي الله عليه وسلم: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة نادي منادي ليقم أهل الفضل ، فيقومون وهم قليل ، فيسيرون سراعا إلى الجنة ،فتستوقفهم الملائكة وتقول : من أنتم ؟ فيقولن نحن أهل الفضل ، فيقولون لهم وما فضلكم ، فيقولون كنا إذا ظلمنا صبرنا ، وإذا أسيئ إلينا غفرنا ، وإذا جهل علينا حلمنا فتقول لهم الملائكة : أدخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ومن أدلة الصبر على الظلم قال رجل من المسلمين: اللهم ليس عندي صدقة أتصدق بها فأيما رجل أصاب من عرضي شيئاً فهو عليه صدقة فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم إني قد غفرت له وقال صلى الله عليه وسلم " أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم " قالوا: وما أبو ضمضم قال " رجل ممن كان قبلكم كان إذا أصبح يقول: اللهم إني تصدقت اليوم بعرضي على من ظلمني. ومن صور الصبر على الطاعة ، الصوم في اليوم شديد الحر ، لما في ذلك من عظيم الأجر ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " [ أخرجه مسلم ] . وهكذا نرى أن الصبر من الصفات العظيمة التي اتصف بها أولوا العزم من الرسل و يتقدمهم النبي صلى الله عليه و سلم فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين الذين يوفيهم الله تعالى أجرهم بغير حساب
المراجع من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم معاملة ذوي القربى و الأرحام ذوو القربى: هم الأقارب الذين تجمعهم رحم واحدة سواء كانوا من جهة الأب او الأم و يسمون بالأرحام كما ان الأقارب و الأرحام بمعنى واحد عناية القرآن الكريم بالإحسان إلى الأقارب و الأرحام
حث الله تعالى على الإحسان إلى الأقارب و الأرحام في كثير من الآيات مثل قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ" (البقرة-83) و الآية و إن كانت تتحدث عن بني إسرائيل فإنها تشمل المؤمنين بالأولى كما خاطب الله تعالى المؤمنين بآيات عدة بأسلوب الأمر الصريح او الترهيب الشديد ففي قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا"(النساء-1) و في قوله تعالى: "وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا" (النساء-36) و قوله تعالى: "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا" (الإسراء-26) و قد سمى الله تعالى ما أمر به (حقاً) بمعنى أنهم يعطونه على سبيل الاستحقاق لا على سبيل التفضل و الامتنان و قد نص الله تعالى بعض صور الإحسان إليهم كقوله تعالى: "وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا" (النساء-8) و فيها حث من الله تعالى عند قسمة المواريث ان يصلوا أرحامهم و يتاماهم و مساكينهم من الوصية فان لم تكن وصية وصل لهم من الميراث شيئاً يرون به و يكسب في قلوبهم الود و المحبة (جامع أحكام القرآن للقرطبي) و قد أثنى الله تعالى على الواصلين أرحامهم و جزاهم عنها خير الجزاء فقد قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ" (الرعد-21 إلى 24) ذم قاطعي أرحامهم يعتبر كل من أضاع حقوق أقاربه و ضن عليهم بما يحتاجونه من متاع الحياة الدنيا قاطعاً لرحمه و معرضاً لغضب الله تعالى و سخطه فقد قال تعالى: "وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (الرعد-25) و قد تكرر الوعيد بصورة أشد قسوة في قوله تعالى: "فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ" (محمد-22 و 23) تمثل خلق الإحسان إلى الأقارب في النبي صلى الله عليه و سلم
كان الإحسان إلى الأرحام من شيم النبي صلى الله عليه و سلم كما قالت له أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها عند بدء الوحي حيث قالت له: "إنك لتصل الرحم..." و من أمثلة إحسانه صلى الله عليه و سلم لرحمه ما يلي:
1- هدايتهم إلى دين الله تعالى مع ما بذله من جهد جهيد لتحقيق ذلك و ليس أدل على ذلك من محاولاته المضنية مع عمه أبو طالب 2- ما جاء من حديث أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال:"لما نزل قوله تعالى: " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ" (الشعراء-214) دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم قريشاً فاجتمعوا فعم و خص و قال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا املك لكم شيئاً من الله غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها (أخرجه البخاري و مسلم) و البلال: هو الماء و المعنى سأصلها فقد شبه قطيعتها بالحرارة تطفأ بالماء و هذه تبرد بالصلة 3- و رغم خذلانهم و معاداتهم له إلا انه دعا الله تعالى أن يرفع عنهم القحط و الجدب عندما أصابهم القحط فقد قيل له: يا رسول الله استسق لمضر فإنها قد هلكت فاستسقى لهم صلى الله عليه وسلم فسقوا 4- و ليس أدل على إحسانه مما فعل يوم فتح مكة فلم ينتقم كما يفعل الملوك و إنما دخل صلى الله عليه و سلم يقول: "اليوم يوم الرحمة" و قد أخذ صلى الله عليه و سلم الراية من سعد بن عبادة أثناء دخول الجيش مكة لأنه قال:"اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة" فما كان من النبي الكريم إلا أن قال: " بل هذا يوم تعظم فيه الكعبة " و عندما دخل قال لأهل مكة الذين حاربوه و قتلوا من أصحابه: "اذهبوا فانتم التلقاء" إحسانه صلى الله عليه و سلم لمن آمن به من أقربائه
من أمثلة إحسانه صلى الله عليه وسلم لأقربائه:
1- بره بعمه العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في مواقف كثيرة: ففي بدر قال لأصحابه رضي الله تعالى عنهم: "من لقي منكم العباس فليكف عنه فإنه مكره" فأسره رجل من الأنصار و في الليل سهر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أصحابه: ما يسهرك يا نبي الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: انين العباس فقام رجل من القوم فأرخى من وثاقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لي لا أسمع أنين العباس؟ فقال رجل من القوم: إني أرخيت من وثاقه شيئاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فافعل ذلك بالأسرى كلهم و بعد إسلام العباس رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه و يعظمه فقد حدث يوماً أن أوذي العباس رضي الله عنه في أبيه فصعد النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر ثم قال: "و الذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله عز و جل و لرسوله صلى الله عليه وسلم" ثم قال: "يا أيها الناس من آذى العباس فقد أذاني إنما عم الرجل صنو أبيه" و معنى (إن عم الرجل صنو أبيه): أي مثله يعني أصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه وإيذاؤه كإيذائه 2- و من بره بأقاربه صلى الله عليه و سلم ما كان لعمه حمزة رضي الله تعالى عنه فإن أول لواء عقده حين قدم المدينة اعطاه له ليتجه إلى ساحل البحر في ثلاثين راكباً ليلقى أبا جهل في ثلاثمائة راكب من أهل مكة و لكن لم يتم بينهما قتال قال ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني، يلتمس حمزة بن عبد المطلب، فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فجدع أنفه وأذناه. فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رأى ما رأى: لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته، حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم. فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعل بعمه ما فعل قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثله لم يمثلها أحد من العرب. قال ابن هشام: ولما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة قال لن أصاب بمثلك أبدا ما وقفت موقفا قط أغيظ إلي من هذا ثم قال جاءني جبريل فأخبرني أن حمزة بن عبد المطلب مكتوب في أهل السماوات السبع حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمزة وأبو سلمة بن عبد الأسد، إخوة من الرضاعة أرضعتهم مولاة لأبي لهب. (سيرة ابن هشام- الجزء الثاني) من أمثلة إحسانه صلى الله عليه وسلم لبني عمومته
من إحسانه و بره بني عمومته ما يلي:
1- احتضن النبي صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب و رباه فلما شب زوجه من ابنته فاطمة الزهراء أحب الناس إليه. وقال عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم:"من كنت وليه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه" (متواتر عن اثنين و عشرون صحابياً منهم أبو هريرة و عمار و ابن عباس و آخرين) و قال له: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي" (متواتر عن نيف و عشرون صحابيا) كما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بإبقائه بابه مفتوحاً إلى المسجد مع أمره صلى الله عليه و سلم بسد باقي الأبواب و لا ننسى يوم خيبر عندما قال النبي صلى الله عليه و سلم لأعطين الراية رجلاً يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله و يفتح الله على يديه" و كان هذا الفارس هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه 2- أحب النبي صلى الله عليه و سلم ابن عمه جعفر بن أبي طالب و له مواقف كثيرة مع النبي صلى الله عليه و سلم و منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحتفل مع المسلمين بفتح خيبر حين طلع عليهم قادما من الحبشة جعفر بن أبي طالب ومعه من كانوا لا يزالون في الحبشة من المهاجرين.. وأفعم قلب الرسول عليه الصلاة والسلام بمقدمة غبطة، وسعادة وبشرا..وعانقه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " لا أدري بأيهما أنا أسرّ بفتح خيبر.. أم بقدوم جعفر..". و نذكر هنا موقف استشهاد جعفر رضي الله تعالى عنه في يوم مؤتة و كان النبي صلى الله عليه و سلم في المدينة يشرح المعركة و كان يقول: "إن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء" (ابن هشام) و بعد وفاته قام النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيت ابن عمّه، ودعا بأطفاله وبنيه، فقبّلهم، وذرفت عيناه.. حث النبي صلى الله عليه و سلم لمن آمن به على الإحسان إلى أهله
حث النبي صلى الله عليه و سلم حثاً مباشراً على الإحسان إلى قرابته عليه السلام و جعل ذلك مبعثاً لرضاه صلى الله عليه و سلم و من ذلك حدثنا أبو النضر حدثنا محمد يعني ابن طلحة عن الأعمش عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم: " إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروني بم تخلفوني فيهما " (مسند أحمد) و عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:أحبوا الله لما يغذوكم به و أحبوني لحب الله و أحبوا أهل بيتي لحبي" (أخرجه الترمذي) كما حمل بعض المفسرين قوله تعالى: " قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى " (سورة الشورى-23) على قرابته صلى الله عليه و سلم و قالوا أن المعنى: لا أسألكم عليه أجراً الا ان تودوا قرابتي و أهل بيتي حرص الصحابة رضوان الله عليهم على الإحسان إلى قرابة النبي صلى الله عليه و سلم
قال أبو بكر رضي الله عنه: "أرقبوا محمداً صلى الله عليه و سلم في أهل بيته" كما قال لعلي رضي الله عنه: "والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه و سلم أحب إلي أن أصل من قرابتي" (أخرجه البخاري) و قال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله عنهما: "و الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله من إسلام الخطاب"
المراجع من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد
جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في المعاملات المادية أولا: البيع و الشراء مقدمة:
المعاملات المادية من اجل المصالح الدنيوية يضطر كل إنسان إلى تلك المعاملات و نظرا لأهميتها و شيوعها اهتمت الشريعة الإسلامية بوضع و توضيح أسس هذه المعاملات المادية. والمعاملات المادية متعددة الأنواع منها البيع و الشراء و القرض و القضاء..الخ و سوف نجمل في هذا البحث بعض هذه الأنواع و أكثرها شيوعا بين الناس. في اللغة
البيع في اللغة هو مقابلة شيء بشيء و منه المبايعة و التبايع التي تجري مع السلطان و المسمى بالبيعة و هي عبارة عن المعاقدة و المعاهدة التي تجري بينهما المتضمنة لبذل الطاعة له بما رضخ له في القرآن
اهتم القرآن الكريم يتوضيح أسس البيع و الشراء لكثرة الحاجة إليه بين العباد حيث لا يمكن الاستغناء عنه و قد احل الله تعالى لعباده البيع كما جاء في القرآن و السنة و إجماع الأئمة وحرم الله تعالى ما يضر بمصالح العباد المادية من الربا و الغش و الخداع و غصب و سرقة و خيانة و احتكار و نحو ذلك. و من نصوص القرآن الكريم في ذلك قوله تعالى:" الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" (البقرة-275) و قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ " (النساء-29) . ففي الآية الأولى أباح الله تعالى كل بيع معهود لدى من خوطبوا بالتنزيل إلا من خصه دليل آخر بالتحريم كالربا و في الآية الثانية استثنت الآية من عموم النهي عن أكل الأموال بالباطل –الذي هو اسم جامع لكل ما لا يحل في الشرع كالربا و العصب و السرقة و الخيانة و كل محرم ورد الشرع به- و استثنت الأكل عن طريق التجارة التي تعني المعاوضة و ذلك هو البيع و الشراء و المعنى: (لكم أكلها بتجارة عن تراض منكم و التعبير بالأكل مجاز عن الانتفاع بالشيء انتفاعاً تاماً) في السنة النبوية المطهرة أولا: قبل البعثة
تعامل النبي صلى الله عليه و سلم بالبيع و الشراء منذ حداثة سنه فكانت متاجرته اكبر دليل على عظيم خلقه و كريم معاملته فعندما تاجر صلى الله عليه و سلم للسيدة خديجة رضي الله عنها قبل النبوة حيث سافر الى الشام مع غلام لها اسمه "ميسره" فربح اضعاف ما ربح الناس فلما رجع من الشام اخبرها رضي الله عنها بصدقه و امانته و روى ابو داوود عن السائب بن ابي السائب رضي الله تعالى عنه ( و قد كان شريكا للنبي صلى الله عليه و سلم ) قال: اتيت النبي صلى الله عليه و سلم فجعلوا يثنون علي و يذكروني فقال صلى الله عليه و سلم : "أنا أعلمكم" (أي اكثركم علما به) فقال السائب: قد صدقت بأبي انت و أمي كنت شريكي فنعم الشريك كنت : لا تداري(أي لا يرائي) ولا تماري ( أي يخاصم صاحبه) ثانيا: بعد البعثة
بعد البعثة لم يزاول النبي صلى الله عليه و سلم التجارة نظراً لانشغاله بالدعوة و الجهاد غير ان ضرورات الحياة كانت تحوجه احياناً الى بعض المعاملات الخاصة في البيع و الشراء او الاقتراض او الرهن...الخ و قد كانت هذه المعاملات اعظم دليل على عظيم خلقه في معاملات الناس بأموالهم و حسن تصرفه صلى الله عليه و سلم و منها:
ما اخرجه البخاري من مكاتبة النبي صلى الله عليه و سلم للعداء بن خالد جاء فيها: "هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بن خالد بيع المسلم المسلم لا داء و لا خبيثة و لا غائلة" (الخبيثة:الحرام , الغائلة:السرقة)
ما رواه انس رضي الله تعالى عنه ان رجلاً من الانصار اتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال" أما في بيتك شيء"
قال: بلى حلس نلبس بعضه و نبسط بعضه، وقعب نشرب فيه الماء. ( الحلس : كساء يوضع على ظهر البعير أو يفرش في البيت تحت حر الثياب)
قال: "إئتني بهما" ... فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال: " من يشتري هذين"
قال رجل: أنا آخذهما بدرهم.
قال: "من يزيد على درهم"؟_مرتين أو ثلاثاً،
قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين. فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، و أعطاهما الأنصاري، و قال: أشتر بأحدهما طعاماً و انبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوماً فأتني به... فشد فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم عوداً بيده ثم قال له "أذهب فاحتطب وبع..ولا أرينك خمسة عشر يوماً".
فذهب الرجل يحتطب و يبيع، فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم!! فاشترى ببعضها ثوباً، و ببعضها طعاماً.. فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكته في وجهك يوم القيامة؟ إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع" (اخرجه ابو داوود في الزكاة)
ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ان رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر (أي علق عتقه الى بعد موته) فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه و سلم فقال: من يشتري مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا و كذا فدفعه اليه (اخرجه البخاري في البيوع) فهذا الرجل قد احتاج الى ثمن العبد (فإنه كان قد افلس كما في بعض الروايات) فلم يرض النبي صلى الله عليه و سلم ليقره الى الاحسان و هو في امس الحاجة الى شىء من المال ليفك رقبته من الدين الواجب عليه اداؤه في الدنيا و الا ظل مرتهنا به في الآخرة حتى يقضي ثمنه او يأخذ من حسناته فيعطى صاحب الحق فلم يرض له النبي ذلك و اراد تخليصه من الدين
وذكر الواقدي عن يزيد بن رومان قال بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في المسجد معه رجال من أصحابه أقبل رجل من بني زبيد يقول يا معشر قريش كيف تدخل عليكم المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر بساحتكم وأنتم تظلمون من دخل عليكم في حرمكم يقف على الحلق حلقة حلقة حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ظلمك
فذكر أنه قدم بثلاثة أجمال كانت خيرة إبله فسامه بها أبو جهل ثلث أثمانها ثم لم يسمه به لأجله سائم قال فأكسد علي سلعتي وظلمني
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأين أجمالك
قال هي هذه بالحزورة (اسم موضع بمكة)
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم معه وقام أصحابه فنظر إلى الجمل فرأى جمالاً فرهاً (أي نشيطة حادة قوية) فساوم الزبيدي حتى ألحقه برضاه فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع جملين منها بالثمن وأفضل بعيراً باعه وأعطى أرامل بني عبد المطلب ثمنه وأبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم
ثم أقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى مني ما تكره فجعل يقول لا أعود يا محمد لا أعود يا محمد فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأقبل عليه أمية بن خلف ومن حضر من القوم فقالوا ذللت في يدي محمد فإما أن تكون تريد أن تتبعه وإما رعب دخلك منه قال لا أتبعه أبداً إن الذي رأيتم مني لما رأيت معه لقد رأيت رجالاً عن يمينه وشماله معهم رماح يشرعونها إلي لو خالفته لكانت إياها أي لأتوا على نفسي.
عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزاً (أي قماشاً و ثياباً) من هجر، قال: فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فساومنا (أي بايعنا ليشتري منا) سراويل، فبعنا منه فوزن ثمنه و قال للذي يزن: زن وأرجح. (اخرجه ابو داوود)
عن جابر بن عبد الله، قال بعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا في سفر فلما أتينا المدينة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ائت المسجد فصل ركعتين ثم وزن لي فأرجح فما زال عندي منها شيء حتى أصابها أهل الشام يوم الحرة. (اخرجه البخاري)
المراجع
من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في المعاملات المادية ثانياً: القرض و القضاء مقدمة
القرض في اللغة القطع و اطلق على ما يعطيه الانسان من ماله ليُقضاه كأنه قد قُطع من ماله و منه القراض في التجارة و هو توكيل مالك بجعل ماله بيد آخر ليتجر فيه و الربح مشترك بينهما. اما المعنى الشرعي للقرض هو "تمليك الشىء برد بدله" فلم يرد إلا بمرادفه و هو الدين الذي وردت فيه أكبر آيات القرآن الكريم و هي آية المداينة في البقرة. القرض في القرآن الكريم
استخدم في القرآن بأحد معانيه و هو قرض الله عز و جل و ذلك لغرض حث العباد و ترغيبهم على أن يعاملوه في القرض و ذلك منه سبحانه و تعالى على سبيل التلطف و الإحسان بهم حيث ندبهم إلى الإنفاق في سبيله بما يعهدونه من القرض الواجب قضاؤه لتركن أنفسهم إلى القضاء و ترغب في عظيم الأجر و الجزاء فتبادر إلى بذل المال في مرضاة الله و خلع الشح المسيطر على النفوس في حب المال و عدم بذله إلا إذا علمت الربح الوفير. و إقراض الله تعالى يثيب عليه و الآخرة و ان كان يعود له في الدنيا مثل ما بذله لما في ذلك من التيسير على عباد الله و تفريج كربتهم فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: "من نَفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة و من يَسًر على مُعسر يَسًر الله عليه في الدنيا و الآخرة و من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (اخرجه مسلم في الذكر و الدعاء) معنى إقراض الله سبحانه و تعالى
قال تعالى: " مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"- (سورة البقرة آية 245) قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: "و استدعاء القرض في هذه الآية إنما هو تأنيس و تقريب للناس بما يفهمونه و الله هو الغني الحميد لكنه تعالى شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به الثواب في الآخرة بالقرض كما شبه عطاء النفوس و الأموال في اخذ الجنة بالبيع و الشراء" و قيل المراد بالآية: الحث على الصدقة و إنفاق المال على الفقراء و المحتاجين و التوسعة عليهم و في سبيل الله بنصرة الدين و كني الله سبحانه عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة كما كني عن المريض و الجائع و العطشان بنفسه المقدسة عن النقائص و الآلام ففي صحيح الحديث إخبارا عن الله تعالى: "يا ابن ادم مرضت فلم تعدني قال: يا رب كيف أعودك و أنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما أنك لو عدته لوجدتني عنده يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال: يا رب و كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت انك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا بن آدم استسقيتك فلم تسقيني قال: يا رب و كيف أسقيك و أنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي" (أخرجه مسلم في البر و الصلة) حث القرآن الكريم على إقراض الله تعالى
لضمان التكافل الاجتماعي في المجتمع توالت آيات القرآن الكريم في الحديث عنه بأساليب مختلفة من الأمر و الحض منها: 1- أما الأمر به فهو ما جاء في قوله تعالى:" وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا " (سورة المزمل-آية 20) وقد قرن الله تعالى الاقراض بالصلاة و الزكاة مما يدل على عظم اهميته و يوحي بوجوبه و قد قال الامام الحسن البصري رضي الله تعالى عنهكل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع) و لكن طلب الله تعالى له بصيغة الامر و قرنه بفريضتي الصلاة و الزكاة يدل على طلب الله تعالى له طلب حثيث. و يلاحظ أن القرض هنا هو القرض الحسن و هو الذي يجمع أمورا ثلاثة:
أ- أن يكون حلالا خالصا لا يختلط به حرام
ب- أن لا يتبعه بمن أو أذى
ج- أن يفعله على نية التقرب لله تعالى 2- حضٌ الله تعالى عباده عليه و ترغيبهم فيه فهو ما جاء بقوله تعالى: " مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا" (سورة البقرة آية 245, سورة الحديد آية 11) هو اسلوب للحض على الانصاف بالخير كأن المستقهم لا يدري من هو الأهل لهذا الخير و الجدير به 3- اتبع الله تعالى الحض بالترغيب في الإقراض بالأجر المضاعف أضعافا كثيرة فقال سبحانه: "فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ"- (سورة البقرة آية 245) و قد كرر الله تعالى الوعد للعباد في غالب آيات الحث عليه و الترغيب به كما في قوله تعالى:"إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ" (سورة الحديد آية 18) و مثل: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (سورة البقرة آية 261) و غيرها من الآيات 4- و قد رغب الله تعالى ليس فقط في الاقراض بل فيما ترتب عليه من خيرات كالمغفرة و تكفير السيئات كما قال سبحانه و تعالى: " إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْوَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ" (سورة التغابن آية 17) و كما قال تعالى:" وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ" (سورة المائدة آية 12) حديث القرآن الكريم عن الدين
أما ما جاء بمعناه و هر الدين فذلك في اكبر آية من آيات كتاب الله تعالى و هي الآية المعروفة بآية الدين او المداينة حيث قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلْ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " ( سورة البقرة آية 282) و هي اطول آية في القرآن و اكثرها تفصيلا و ايضاحا و هذه الآية العظيمة هي لبيان احكام المداينة بين العباد و قد استنبط منها اهل العلم ثلاثين حكما و عقد لها الامام القرطبي اثنين و خمسين مسألة و من ابرز الآداب التي وردت في الآية العظيمة ما يلي: 1- الأمر بكتابة الدين أيا كان نوعه 2- ارشد الله تعالى عباده إلى كيفية المداينة و هي أن تكون إلى أجل مسمى أي وقت محدد فقد وصفه الله تعالى بالـ"مسمى" دليل على ان الجهالة لا تجوز 3- أمر الله تعالى أن تكون الكتابة بالعدل أي بالحق بحيث لا يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله و لا أقل و لا يكون في قلب الكاتب و لا قلمه تحيز لطرف دون الآخر 4- نهى الله تعالى عن رفض الكتابة فعلى الكاتب ان يحسن كما أحسن الله تعالى إليه و هناك خلاف بين أهل العلم في هل هذا النهي للتحريم أم لا و ظاهر الآية تفيد الوجوب و لذلك وجه الله تعالى الأمر إلى الكاتب مرتين ووسط بينهما النهي عن أن يأبى ذلك و في ذلك من التأكيد للكاتب على الكتابة 5- على المملى عليه و هو المدين إذا ما تهيأ الكاتب للكتابة أن يملي عليه بالحق 6- أمر الله تعالى المتداينين إلى كتابة الحقير و الجليل من غير ملل لما في ذلك من قطع الخصومة بين المسلمين و حفظ أموالهم 7- لما كانت الكتابة وحدها لا تكفي في إثبات الحقوق أمر الله تعالى أن تقترن بشهادة شاهدين ممن ترتضى شهادتهما من الرجال أو رجل و امرأتان فيشهدان بإقرار المدين و صحة كتابة الكاتب فيثبت بذلك الدين عند المقاضاة 8- أحاط الله تعالى كل أحكام و آداب هذه الآية الجليلة بتقوى الله تعالى و مراقبته في تنفيذ هذه الأحكام و قد روى عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال :"يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين" (أخرجه مسلم) تمثل أخلاق القرض و القضاء في النبي صلى الله عليه و سلم
عرف النبي صلى الله عليه و سلم بمساعدة من يلوذ به من أهل أو ضيف أو سائل و إن كان ذلك عن طريق الاستدانة لما جُبل عليه صلى الله عليه و سلم من مكارم الأخلاق فكان يستدين لذلك فإذا ما وجد ما يؤدي به بادر إلى القضاء. و قد دل على ذلك قول السيدة خديجة رضي الله تعالى عنها: "..كلا و الله ما يخزيك الله ابدا, إنك لتصل الرحم و تحمل الكل..." و الكل بالفتح يعني الأشياء الثقيلة التي تكون على القبيلة؛ يعني غرامة أو دية أو دين أو نحو ذلك، يكون هو ممن يتحملها، إذا حصل عليهم شيء يثقل كواهلهم ويعجزون عن أن يقوم به واحد فإنه يحمله، إما أن ينفرد بحمله وأدائه، وإما أنه يشارك فيه. و من امثلة ذلك: عن أبي حميد الساعدي رضي الله تعالى عنه قال:" استسلف النبي صلى الله عليه وسلم من رجل تمر لون (نوع من النخل) فلما جاءه يتقاضاه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس عندنا اليوم من شيء فلو تأخرت عنا حتى يأتينا شيء فنقضيك". فقال الرجل: واغدراه. فتذمر له عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه يا عمر فإن لصاحب الحق مقالاً. انطلق إلى خولة بنت حكيم الأنصارية فالتمسوا عندها تمراً". فانطلقوا فقالت: يا رسول الله ما عندي إلا تمر ذخيرة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خذوا فاقضوا". فلما قضوه أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أستوفيت؟" قال: نعم قد أوفيت وأطبت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن خيار عباد الله من هذه الأمة المطيبون". رواه الطبراني في الكبير والصغير ورجاله رجال الصحيح، وروى البزار بعضه وقال في آخره فذكر الحديث. وقد كان النبي صلى الله عليه و سلم أحسن الناس قضاء و من ذلك:
1- روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطوه). فقالوا: ما نجد إلا سنا أفضل من سنه،
فقال الرجل: أوفيتني أوفاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أعطوه، فإن من خيار الناس أحسنهم قضاء (أخرجه البخاري) 2- عن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قال: "استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا، فجاءه مال فدفعه إلي، وقال: إنما جزاء السلف الحمد والاداء ". أخرجه النسائي (2 / 533) وابن ماجه (2424) وأحمد (4 / 36) 3- عن العرباض بن سارية قال: "بعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : أجل ، لا أقضيكها إلا نجيبة ، فقضاني أحسن قضاء ، وجاء أعرابي يتقاضاه سنه (أي ناقة ذات سن معين) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطوه سنا ، فأعطوه يومئذ جملا ، فقال : هذا خير من سني ، فقال : خيركم خيركم قضاء ". أخرجه النسائي(2 / 236) وابن ماجه (2286) و من أقواله صلى الله عليه و سلم في القرض و الإقراض
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمنا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما، سهل الله له به طريقا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله، لم يسرع به نسبه ) رواه مسلم ) و أي كربة يصاب بها المسلم أعظم من الاحتياج إلى المال 2-عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: من أقرض الله مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به.(أخرجه ابن حبان) 3- عن أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دخل رجل الجنة فرأى مكتوبا على بابها الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر (عزاه الهيثمي في المجمع إلى الطبراني في الكبير) و من أقواله صلى الله عليه و سلم في القضاء و المبادرة به
كان صلى الله عليه و سلم يحث على القضاء و إحسانه بقوله و سلوكه فقد كان صلى الله عليه و سلم شديد الحرص على المبادرة بالقضاء كما حث صلى الله عليه و سلم على ذلك بقوله و من أمثلة ذلك: 1- عن ابي ذر رضي الله تعالى عنه قال: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما أبصر أحدا قال: ما أحب أنه يحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث، إلا دينارا أرصده لدين " (أخرجه البخاري) فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم إمام الزاهدين الذي لا يطيق أن يبيت و عنده بضع دراهم حتى ينفقها إلا إنه سوغ لنفسه أن يدخر المال لقضاء الدين 2- كان النبي صلى الله عليه و سلم يدعو الله و يقول: "اللهم إني أعوذ بك من المأثم المغرم" فقال له قائل:
"ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم"
قال: "إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف" (أخرجه البخاري) 3- قال صلى الله عليه و سلم:"من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه, و من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله" (أخرجه البخاري) 4- و قد قضى النبي صلى الله عليه و سلم بما رواه عنه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " مطل الغني ظلم" (أخرجه البخاري) و معلوم أن "الظلم ظلمات يوم القيامة" (أخرجه مسلم) 5- قال صلى الله عليه و سلم: "ليُ الواجد يحل عرضه و عقوبته" (أخرجه أبو داوود)
و(ليُ): أي مطله
و (الواجد): القادر المليء و المعنى أن فعله ذلك يحل عرضه بالإغلاظ عليه و عقوبته بالحبس حتى يقضي زجره صلى الله عليه و سلم عن ترك الدين بغير قضاء
1- عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يؤتى بالرجل المتوفي عليه دين فيسأل: هل ترك لدينه قضاء؟ فإن حٌدث أنه ترك وفاء صلى عليه و إلا قال للمسلمين: "صلوا على صاحبكم" قال: فلما فتح الله عليه الفتوح قال: أنا أولى بالمؤمنين من انفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دينا فعليَ قضاؤه و من ترك مالا فلورثته" (أخرجه البخاري) 2- و عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم و أتى برجل يصلي عليه فقال: هل على صاحبكم دين؟ قالوا: نعم قال: فما ينفعكم أن أصلي على رجل روحه مرتهن في قبره لا تصعد روحه إلى السماء؟ فلو ضمن لي رجل دينه قمت فصليت عليه فإن صلاته تنفعه" (عزاه الهيثمي في المجمع إلى الطبراني في الكبير) حرصه صلى الله عليه و سلم على مساعدة المدينين في تسهيل القضاء عليهم
و لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يسره أن لا يصلي على أحد من امته فقد كان يود أن يصلي حتى على المنافقين لو أنها تنفعهم لكمال رحمته صلى الله عليه و سلم و لكن لا يملك لهم نفعا يقدر عليه و لكنه صلى الله عليه و سلم لم يكن يدخر جهدا إن استطاع فقد كان يتوسط إلى الدائنين في تسهيل قضاء مدينيهم بالوضع عنهم أو تيسير تقاضيهم و من أمثلة ذلك: 1- فقد سمع ذات يوم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهم و إذا أحدهما يستوضع الآخر (أي يطلب منه أن يحط شيئا من دينه) و يسترفقه في شيء فيقول: و الله لا أفعل, فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: "أين المتألي علي الله لايفعل المعروف؟ فقال: أنا يا رسول الله فله أي ذلك أحب" (متفق عليه)
و(له): أي لخصمي ما رغب من الحط أو الرفق
و(َيَسْتَرْفِقُهُ فِي شَيْءٍ): يطلب أن يحط عنه شيئا من الدين،
و(الْمُتَأَلِّي على الله): الحالف المبالغ في اليمين 2- عن عبد الله بن كعب بن مالك أخبره عن أبيه: "أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته ونادى كعب بن مالك فقال يا كعب فقال لبيك يا رسول الله فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دينك قال كعب قد فعلت يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم فاقضه" (أخرجه البخاري) 3- َعنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "أُصِيبَ عَبْدُ اللَّهِ وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا فَطَلَبْتُ إِلَى أَصْحَابِ الدَّيْنِ أَنْ يَضَعُوا بَعْضًا مِنْ دَيْنِهِ فَأَبَوْا فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشْفَعْتُ بِهِ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا فَقَالَ صَنِّفْ تَمْرَكَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ عَلَى حِدَتِهِ عِذْقَ ابْنِ زَيْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَاللِّينَ عَلَى حِدَةٍ وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ أَحْضِرْهُمْ حَتَّى آتِيَكَ فَفَعَلْتُ ثُمَّ جَاءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ عَلَيْهِ وَكَالَ لِكُلِّ رَجُلٍ حَتَّى اسْتَوْفَى وَبَقِيَ التَّمْرُ كَمَا هُوَ كَأَنَّهُ لَمْ يُمَسَّ" (أخرجه البخاري) حثه صلى الله عليه و سلم على تيسير قضاء مديونيهم أو إعفائهم
و إضافة لما كان يبذله النبي صلى الله عليه و سلم من الوساطة أو الوفاء بنفسه في تيسير القضاء و الوفاء فقد كان صلى الله عليه و سلم يرغب الدائنين بالتخفيف عن مدينيهم و ذلك ببيان ما ينالونه من الأجر و الثواب عند الله تعالى ليشجعهم في التيسير على مدينيهم بالوضع أو الإنظار إلى ميسره:
1- كما في قوله صلى الله عليه و سلم: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه" (أخرجه مسلم)
2- و قوله صلى الله عليه و سلم: "كان فيمن كان قبلكم تاجر يداين الناس فإن رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزا عنه لعل الله يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه" (متفق عليه)
3- وقوله صلى الله عليه و سلم: "من انظر معسرا أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله" (أخرجه الترمذي)
4- عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"رحم الله رجلا سمحا إذ باع سمحا إذا اشترى سمحا إذا اقتضى" (أخرجه البخاري)
المراجع
من كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم في القرآن و السنة
المؤلف : الدكتور أحمد بن عبد العزيز بن قاسم الحداد جزاه الله و علماء المسلمين جميعا خيرا و رزقه صحبة نبيه صلى الله عليه و سلم في الجنة
على حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم أفضل الصلاة و التسليم
جزاك الله خير أختى الفاضلة سوسن الجزائرية و بارك الله فيك
ى تفوت الفرصة لمعرفة نبيك صلى الله عليه و سلم