سلام عليكم يا غالين صحا مولدكم وكل عام وانتم بخير
التاريخ لن يرحم من قتل اليتيمة!!
»اليتيمة»، تسمية أطلقت على القناة الوطنية في وسائل الإعلام وفي الأوساط الشعبية والرسمية منذ زمن وكأن اليتم عيب وعار يثير الاستهتار والاستهزاء عوض العطف والشفقة، وبدل أن نرعى «يتيمتنا» ونأخذ بيدها وندعمها ونتبناها باعتبارها تستحق الاحتضان، ولأنها أحد رموز السيادة الوطنية التي ضحى من أجلها الرجال ودفعت الجزائر أرواح خيرة أبنائها فداءًا لها.. رحنا نتأهب بتواطؤ مُرِيبٍ من الجميع للقضاء على آخر آمالها في الرعاية والعناية وتحضيرها للمنافسة من خلال الإهمال الممنهج والتراجع الرهيب الذي تتخبط فيه في زمن الترخيص لإنشاء قنوات خاصة جديدة بعد تحطيم »اليتيمة« وإضعافها والتنكر لأفضالها وتهجير كفاءاتها وإسناد مهام الإشراف عليها لمن لا حول ولا قوة ولا قدرة لهم..
إطلاق القنوات الخاصة في الجزائر ولو من خارج الحدود كان مطلبا وحلما لنا جميعا، حلم ضروري لبلد من حجم الجزائر يتميز بكل هذا التنوع والثراء الثقافي والفكري والحضاري، ولكنه سيكون بمثابة بداية النهاية لقناة عاشت يتيمة، إلا أنها أنجبت الرجال والنساء الأكفاء والأوفياء، ووقفت في المقدمة صامدة تصنع الرأي وتحافظ على مقومات الأمة ومؤسساتها على مدار خمسين عاما من الزمن، وبقيت واقفة عندما كانت أركان الدولة مهددة بالانهيار، وكانت مؤسسات وطنية أخرى تنهار بالفعل ..
اللاوعي والجهل والاستهتار واللامبالاة التي تميز بها بعض المسؤولون عندنا على كل المستويات، إضافة إلى تواطؤ المشرفين على القناة الوطنية وفشلهم في الحفاظ على مكتسباتها، هي عوامل ستؤدي إلى نهاية أليمة لقناة ساهمت في استعادة السيادة الوطنية، وساهمت في كل مراحل بناء الوطن، وساهمت في حمايته من الزوال والانحلال، ورافقت عمليات التنمية والتوعية، ووقفت مع شعبها ومع مؤسسات وطنها في الأقراح والأفراح، وقناة أنجبت خيرة الإعلاميين والفنيين والتقنيين والموظفين الذين يصنعون أمجاد قنوات أخرى، ويتأهبون لتأسيس قنوات خاصة..
على مدار خمسين عاما من الاستقلال حققنا عديد الانجازات ورفعنا تحديات كثيرة في كل المجالات، وصمدنا أمام كل الهزات بفضل عديد المؤسسات ومن بينها التلفزيون الجزائري، ولكن بفعل الجاحدين والجاهلين والحاقدين سنقضي على آخر رموز الإعلام العمومي المسؤول من خلال فتح المجال السمعي البصري بهذه الكيفية، دون تحضير ودون تقوية القناة العمومية وإعادة تأهيلها وتدعيمها حفاظا على ديمومة الخدمة العمومية والتنافس المتكافئ بين القنوات.
التأخر في التوقيت، والتسرع في التنفيذ فيما خَصَّ فتح المجال السمعي البصري دون تدعيم القناة الوطنية وتعزيزها سيقضي عليها لا محالة، وسيؤدي إلى هجرة المزيد من مهنييها وجمهورها إلى قنوات جزائرية أخرى أو أجنبية، ويؤدي أيضا إلى تضييع كل المكتسبات التي حققناها بالعرق والدماء والدموع، ويؤدي إلى انهيار الكثير من القيم والمعايير والمبادئ، ولن يجد بالضرورة الشيخ والطفل والمرأة والأسرة والرياضي والفلاح والمثقف والجاهل مكانا لهم في الخريطة التلفزيونية الجديدة التي لن تكون ملزمة بواجب تقديم الخدمة العمومية..
التاريخ لن يرحم كل مسؤول يساهم في اقتراف جريمة أخرى في حق الوطن، ويساهم في إضافة «اليتيمة» إلى قائمة المؤسسات التي قتلناها عمدا أو جهلا، وعوض أن نرعاها ونعوضها فقدان الأهل فإننا سنقتلها مثلما قتلنا مؤسسات عديدة، وستأكل الجزائر مرة أخرى مؤسساتها وأبناءها مثلما أكلت نساء ورجال الوطن من الساسة والمثقفين والإعلاميين والمبدعين والمهنيين والبسطاء والأغنياء وكل الشخصيات الوطنية التي كانت تحرج من سلطهم القدر على رقابنا في مواقع مختلفة، يتصرفون في شؤون الوطن وكأنها ملكية خاصة دون علم ولا وعي بأن الأمر يتعلق بمكتسبات الوطن ومستقبل الأمة، ودون الاستفادة من تجاربنا السابقة وتجارب من سبقونا في حقل الإعلام أو مجالات أخرى.
اليتيمة ستُرزَقُ بأسرة جديدة وإخوة وأخوات جدد قريبا، ولكنها ستزداد يتما وحرمانا وظلما بفعل من قتلوا الصحافة العمومية المكتوبة، وقتلوا المؤسسات العمومية والخدمة العمومية وقتلوا فينا الأمل والطموح في التغيير والإصلاح بأنانيتهم ونرجسيتهم، وقتلوا كل النيات الصادقة والمخلصة للوطن، وبفعل كل من تواطؤا معهم ولو بالصمت والسكوت عن تحطيم كل ما حققه نساء ورجال «اليتيمة» التي تشرفنا بالانتماء إليها وخدمتها في أصعب الظروف، ونتشرف اليوم بضم صوتنا إلى أصوات من يستغيثون من داخل المؤسسة..
تحياتي وونتظر اراكم