السلام عليكم ورحمة الله
امبراطورية السلت
المعلق:
كان السلت الشعب الأوروبي الأول القادم من شمال الألب الذي يبرز من المجهول.
أطلق اسم هالستات على المرحلة الأولى من تاريخهم على اسم قرية نمساوية تقع قرب بحيرة. أما المرحلة الثانية فقد استمدت اسمها من قرية بجانب بحيرة في سويسرا.
كانت حضارة السلت مهمة إلا أنهم لم يبنوا إمبراطورية، حضارة كادت أن تقضي عليها إمبراطورية.
انتشر تأثير السلت في جبال الألب منذ أيام أوروبا الوسطى الأولى.
تظهر معارض نقوش الصخر في فال كامونيكا شمالي إيطاليا، كثيرًا من المشاهد المنزلية.
لكن يبدو أن سبب وجودها يعود إلى بعض الطقوس أيضًا.
هناك مشاهد صيد غريبة، ومحاربين لبعضهم أحجام مبالغ فيها، وحتى مشاهد لحيوانات.
العربة ذات العجلات الأربع موجودة هنا، وهي تحمل نعش جنازة أمراء هالستات.
كما ثمة نقوش طقسية، أو كما يظن البعض إنها نقوش لأمهات في المخاض.
لا نعرف المعنى الحقيقي لهذه النقوش، لكن لا بد أنها كانت تحمل أهمية كبيرة للذين نقشوها؛ لأن هذا الجزء من لومباردي يحوي ما لا يقل عن ثلاثة عشر معرضًا لنقوش الصخر تم اكتشافها وهي تعود إلى الحقبة السلتية، إلا أنه عمل فني أولي خام.
هنا في سويسرا المعاصرة، تبوح بحيرة نيوشاتيل بأسرارها.
كان صيف عام 1857 للميلاد جافًا بشكل غير اعتيادي؛ انخفض منسوب المياه وفي موقع يسمى "لاتِن" طفت أكوام غريبة من الخشب على سطح الماء، وقد أثارت اهتمام فريديريك شواب وهو عالم آثار ، أدرك أنها قد تكون مهمة.
تلت ذلك أعمال الحفر والتجفيف ومزيد من الحفر، حتى تم اكتشاف أخشاب تعود إلى جسر قديم.
تمت مكافأة تفانيهم في أعمال الحفر لفترة تزيد عن ربع قرن بعد أن وجدوا آلاف المقتنيات بما فيها مائة وستون سيفًا حديديًّا، ورؤوس رماح بعضها مشوه عن قصد.
كان موقع "لاتٍن" موقعًا دينيًا والموجودات عبارة عن هدايا للآلهة الوثنية الباطلة، لم يكن عدد المكتشفات هو ما آثار اهتمام العلماء، بل أشكالها وتصاميمها الجديدة التي تتبع أسلوبًا فنيًا فريدًا.
مع حلول القرن العشرين للميلاد كان موقع "لاتٍن" قد أعطى اسمه للمرحلة الثانية لتطور حضارة السلتيين.
بقي البناء المجتمعي على حاله شمال جبال الألب، حصون على التلال وزعماء محاربون.
دفن الزعماء مع عائلاتهم في مقابر ملكية، هذه المقابر الموجودة في "راينهايم" قرب "ساربروكن" جنوب غرب ألمانيا كانت على وشك أن تبوح عن كنوز مختلفة.
جواهر مصنوعة بمهارة عالية، كما أظهرت الأعمال الحديدية أسلوبا فنيا متطورا، جميلا ومعقدا.
تم تسميته بالفن السلتي، إلا أنه لم يكن شبيها بفنون الجنوب. كان متأثرا بالإغريق والايتروسكانيين إلا أن حيويته وأصالته كانت خاصة به وحده، انتشر في رقعة واسعة من أوروبا وكان يتميز بالأنماط الرائعة والموضوع، وغالبا ما كانت أنماطه شبيهة بالنبات.
ومن ضمن الأنماط الأخرى أشكال ووجوه، مخلوقات غريبة، نصفها حيوان ونصفها إنسان.
كانت الأعمال الفنية خيالية غالبًا فيما يشبه عالم الأحلام وأحيانًا الكوابيس.
إنه فن النخبة، فهو يعبر عن السلطة، يتم استلهام الفن غالبًا من فرد أو من مدرسة.
هل كان ثمة فرد أو مركز كهذا في عالم السلتيين؟
مؤرخ:
من المؤكد أنه كان في الزمن السلتي أشخاص اعتبرتهم مجموعتُهم موهوبين خاصة في مجال النقش ، وفي فنهم الحديدي الذي لطالما أطلق عليه اسم فن الأقلية ، لأنه يحتاج إلى قدرات تقنية عالية، وفي الوقت عينه إحساس ممتاز بالخط.
بقي هؤلاء الفنانون مجهولين تمامًا، فنحن حتى الساعة لا نعرف أسماءهم إلا أنهم كانوا موجودين.
المعلق:
اختلفت طرق دفن المحاربين أيضا، فما من عربة هنا بل معجّلة ذات عجلتين.
يبدو في بعض الأوقات ثمة تركيز أكبر على الحرب. لم تعد الرماح والسيوف موجودة للعرض فقط.
هناك أمور أخرى مشابهة كالطعام والشراب مثلا، والجواهر والزينة.
وربما يدفن فرد ومعه عبده.
لقد دخلوا عالما آخر، وكذلك فعل المجتمع السلتي.
حصل انهيار في ذلك المجتمع منذ القرن الخامس قبل الميلاد، تم التخلي عن حصن لاسواز وعن الكثير غيره، وقد تأثر حصن هينيبيرغ الذي يطل على وادي الدانوب.
وجد علماء الآثار الذين يعملون هنا علامات تروي قصصًا، تظهر الطبقات المليئة بالفحم أنه تم حرق الحصن كله في عدة مناسبات.
كانت هذه معايير شديدة التطرف، ونعلم أيضا من العلماء القدماء أن مئات الآلاف من السلتيين كانوا يصبون في جنوب أوروبا الوسطى، فلماذا؟
مؤرخ:
نعلم من مصادر علم الآثار القديمة عن ذلك النزوح الهائل للناس من شمال جبال الألب عام أربعمائة قبل الميلاد تقريبًا بزيادة أو نقصان نحو خمسين عامًا.
من الصعب معرفة سبب هذا، قد يعطيك الكُتَّاب التقليديون إحدى إجابتين إذا سألتهم عن السبب.
الأولى: أن السبب يعود إلى التزايد الكبير في عدد السكان، فلم تعد الأرض تتسع للناس لذلك تَعَيَّن على الأبناء الأصغر الذهاب والبحث عن أرض لهم في مكان آخر.
الإجابة الأخرى التي يعطيها الكُتَّاب التقليديون هي: أن هؤلاء السلتيين الذين كانوا يعيشون في شمال جبال الألب اعتادوا على الرفاهية القادمة من البحر المتوسط فأرادوا أن يذهبوا إليها بأنفسهم.
قد تكون الإجابتان صحيحتين جزئيا، إلا أن أدلة علم الآثار تفترض أن الناس يبنون ويبنون وهذا ما نعرفه عن ذلك المجتمع. كانت الحروب متجذرة وبما أنه مجتمع استهلاكي حافظ على مستوى بتدمير الثروات. فكان لا بد من دفن النخبة مع كميات من الذهب وأمور رفاهية أخرى استهلكت الموارد الطبيعية. لذا نصل إلى خلاصة مفادها أن المتطلبات الاجتماعية أدت إلى انهيار المجتمع. فلم يتمكن المجتمع من تأمين كل ذلك الذهب للمحافظة على النظام المتبع فيه فانهار النظام الاجتماعي، ربما كل هذه الأشياء مجتمعة عملت على تشجيع الشباب على جمع تابعيهم وحشد المزيد منهم للمغادرة والبحث عن حظوظهم في أمكنة أخرى.
المعلق:
كانت أعداد المهاجرين ضخمة جدا، وتمت مهاجمة مدينة كلوزيوم الايتروسكانية بشكل وحشي.
طلب السكان النجدة من الدولة التي تتبرعم جنوبا، روما التي أرسلت المساعدة العسكرية اللازمة خوفًا من امتداد الهجوم السلتي نحو أراضيها.
لا تزال الدفاعات التي بنيت في وجه السلتيين قائمة، إلا أنها كانت ضعيفة وعديمة الجدوى في صد الجحافل السلتية.
التجأ السكان قسرا إلى أسوار المدينة للاحتماء.
تراجعت الجيوش الايتروسكانية والرومانية، وتابع السلتيون مسيرتهم نحو روما.
تم تدمير قوات الدولة في معركة "آليا"، وأمست العاصمة تحت سيطرة السلتيين الذين لم يظهروا أيًا منها.
بعد مرور قرن، تعرض "ديلفي" أكثر المواقع قدسية لدى الإغريق بحسب معتقداتهم الوثنية للهجوم من قبل قبيلة سلتية أخرى.
تقدم جيش قوامه ثلاثون ألفًا لنهب الثروة الوطنية. تصف الكتابات الإغريقية الهجوم بوضوح، وتحكي عن العقوبات الرادعة للسلتيين أيضًا.
فقد تعرضت معسكرات السلتيين للزلازل والعواصف الرعدية والانهيارات من جبل بارناسوس.
تشتت السلتيون في نهاية الأمر ويقول الإغريق إنهم بدؤوا بالقتال وراح بعضهم يذبح بعضًا.
وبعد أن أُجْبِرُوا على الانسحاب تركوا وراءهم ستة وعشرين ألفا من رجالهم أموات أو يحتضرون في موقع المعركة.
شبه الجزيرة الأيبيرية، منطقة مثيرة للجدل بالنسبة للعلماء السلتيين.
قبل ألفين وخمسمائة عام على الأقل سكنت القبائل السلتية هذه المنطقة، تُظهر البيوت الدائرية المصنوعة من الحجر والتي تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد حضارة شبه مدنية.
ويطلق هؤلاء الناس على أنفسهم اسم السلتيين. ولكن كيف وصلوا إلى هنا؟
لم تسجل أية أحماض نووية عائدة إلى أسبانيا والبرتغال. لا شك في أنها في حال وجودها كانت ستظهر وجود العرق الموري الإفريقي. وليس من المؤكد أن تعكس وجود شعب من وسط أوروبا.
ومع ذلك كان السلتيون هنا، وقاموا ببناء حصونهم على التلال، ولكن ما من أدلة على هجرة جماعية.
التفسير الأقرب إلى الواقع أن المجتمع السلتي الموجود هنا عبارة عن ظاهرة محلية تشكلت بفعل عوامل التواصل والتجارة مع العالم السلتي شمال جبال البيرينيه.
نعلم أنهم كانوا يتكلمون اللغة السلتية. وهذا الاكتشاف المدهش هو من بين أوائل السجلات المكتوبة بالسلتية، تم اكتشافه، إلا أنه لم يكن سوى عقد لملكية أرض.
لا يُظْهِرُ هذا العقد شيئا عن التاريخ ولا المعتقدات السلتية، إنما يقدم دليلا على مساحة اللغات السلتية.
مؤرخ:
قد يكون أكبر انتشار شهدته الشعوب السلتية قرابة العام 200 قبل الميلاد. حين انتشروا حتى وسط تركيا شرقا حول أنقرة.
لقد كانت اللغات السلتية محكية بكثافة في أسبانيا، وبريطانيا وأيرلندا وكل ما يعرف اليوم باسم فرنسا، ومعظم ألمانيا، وشمال إيطاليا، ووسط أوروبا وهكذا دواليك.
إذا أردت أن تطبق ذلك على خريطة أستراليا فإن استخدام اللغات السلتية سيغطيها من الساحل إلى الساحل.
المعلق:
كان هذا يعرف بالعالم السلتي الأوروبي، وقد سيطر على القارة الأوروبية، لم يشكلوا إمبراطورية، بل يقول البعض إنهم تخطوا ذلك.
يعيش عند الحدود الغربية للصين أناس لا يشبهون غيرهم، يطلق عليهم اسم الأورومشيين.
لا يحملون أيًّا من الصفات المنغولية التي يتحلى بها مَنْ يحيطهم مِنَ الصينيين. إنهم فريدون في ذلك القسم من العالم، حتى تصاميم الثياب سلتية جدًا.
هل من المعقول أن الحضارة السلتية انتشرت؟ هل هو لغز سلتي آخر؟
السلتيون في الصين-مجرد تخمين!
السلتيون في بريطانيا - حقيقة.
على الرغم من عدم وجود دليل على هجرة القبائل من القارة الأوروبية، تشير الأدلة على استمرارية من الماضي.
يعود الكثير من حصون التلال السلتية إلى مواقع من العصر البرونزي. وقد تحدث أولئك الذين عاشوا هناك لغات سلتية أقدم. نَسُبٌ بقي لوقت طويل من أسرار التاريخ البريطاني.
تحدث قاطنو قلعة العذراء في "هاردي بويسيكس" لغة سلتية وكانوا جزءا من المجتمع السلتي.
هذا المجتمع طور أساليب حضارته الخاصة حتى في بناء الحصون، كانت الدفاعات ضرورية في فترات النزاعات وكذلك للاستعراض.
كانت الأبنية التي تَظْهَر تُميز الأسلوب في اسكتلندا والجزر الأخرى.
البروكات الضخمة، أبنية هائلة. أنيقة ومستدقة الرأس. ثمة أكثر من خمسمائة منها، من الواضح أنها كانت مراكز للقبائل وبيوت للزعماء المحاربين، كانت الحرب جزءًا أساسيًّا من الحياة السلتية. وكذلك كانت كل الأدوات المرتبطة بها.
"جون كيني" أستاذ في استخدام الآلات السلتية، الكارنيكس آلة كان السلتيون يستخدمونها في الحرب، كانت مجموعة منها تسبب جلبة مزعجة فهي مصممة لزرع الخوف في قلوب الأعداء.
كما وتتطابق والطقوس السلتية الحربية حيث يتم تطبيق قواعد حازمة.
ولكن كان للحياة السلتية جانب آخر.
مؤرخ:
يعتقد البعض أن السلتيين كانوا يعانون قبل وجود المَزارع، فهم لم يعرفوا الزراعة والبناء وقد كانت هذه هدية الرومان.
في الثلاثين عامًا الماضية والتي كنا نجري أبحاثنا خلالها، لم نوافق على وجهة النظر هذه، كان السلتيون ذوي نفوذ ومجتمعًا منظمًا قادرًا على تصدير الحبوب والجلد إلى القارة الأوروبية الأوربية، وبناء المنازل الضخمة.
كانوا مجتمعًا ناجحًا فعلا احتل البلاد بشكل كامل.
المعلق:
في مركز أبحاث "باستر" القديم في "هامشاير"، كانت حياة السلتيين اليومية مرتبة بشكل دقيق جدًا، بناءً على الأبحاث المفصلة لعلماء الآثار تمكنوا من إعادة بناء مستوطنة سلتية صغيرة وما زالوا.
كانت البيوت في القارة الأوروبية مربعة أو مستطيلة. وفي بريطانيا كانت في معظمها دائرية، وأحيانًا مع رواق كبير إضافي.
كانت التدفئة في الشتاء مصدرها نار مفتوحة. بعد أن اكتشفوا مدى فعاليتها وبما أنها لا تحوي كوة في السقف، فلا خوف من انتشار النار، كان الدخان يخرج من سقف القش.
كانت هذه الأبنية قادرة على تحمل جميع الأحوال الجوية، لا بد لهم من ذلك.
كانت السطوح المنحدرة مغطاة بالقش، وهي طريقة فعالة استمر استخدامها أكثر من ألفي عام وحتى يومنا هذا.
كانت الجدران الدائرية مصنوعة من القضبان والطين. وهي أيضًا طريقة فعالة تضفي جوًا طبيعيًّا.
نوع وحجم هذه المستوطنة يعكسان الحياة اليومية للسلتيين في بريطانيا. إنها أمر طبيعي، والحرب حالة خاصة. والمحاربون كانوا طبقة من النخبة.
كما اختبروا في مركز "باتسر" الزراعة السلتية وتربية الحيوانات.
باحث:
ما لا نقوم به هو الاختبارات على الحيوانات فهي لن تحقق شيئا. ما نقوم به فعلا هو الحفاظ على قصص الحيوانات ما قبل التاريخ. نبدأ بخروف الموفلون أقدم أنواع الخراف في أوروبا. وخروف السواي وهو خروف أليف تعود تربيته إلى العصر البرونزي وبدايات العصر الحديدي. المانكس لوفتان والهيبريدي خراف استأنست في العصر الحديدي . و مع نهاية العصر الحديدي نجد تربية خراف الشيتلاند، وهو النوع الذي وجده الرومان عند قدومهم، إضافة إلى مزيج مما تبقى من أنواع الخراف الأخرى.
ما يثير الاهتمام أن أسماء أنواع الخراف الأليفة في حد ذاتها ما عدا الموفلون، بقيت كلها كمجموعات حذرة على الساحل الغربي لانجلترا واسكوتلندا. هناك جزيرة مان، وجزيرة شيتلاند، وجزر سواي، سواي تعني في الواقع جزيرة الخراف.
المعلق:
تمت زراعة وحصاد الحبوب بشكل فعال وأظهرت نتائج الأبحاث في باتسر حقائق مثيرة للاهتمام.
باحث:
كانت البذور التي زرعوها مبهرة، أبرزها قمح يعرف بقمح "إِمِر" الذي بدأت زراعته قبل سبعة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد. وقد كان ذلك فعلا أساسا لازدهار كل الحضارات الحديثة. فيما يتعلق بالعالم السلتي، كان هذا النوع من القمح .
والأجمل في نتائج البحث أننا أثبتنا أن معدل إنتاجها بلغ طنًا في الفدان الواحد.
كان عامل الإنتاج القومي للمملكة المتحدة عام 51 للميلاد يبلغ طنًا في الفدان الواحد. فالافتراض يقول ببساطة إنهم في العصر الحديدي كانوا يزرعون الحبوب كما كانوا يفعلون بعد الحرب العالمية الثانية.
إذا ما فكرت في منطق الأمر لا تجد أي سبب يمنعهم عن ذلك. وقد يكون تعليق القيصر منطقيًّا فعلًا - إنهم ينتجون ما هو فائض عن حاجتهم للتصدير ربما لكل القارة الأوروبية الأوربية.
المعلق:
هذه المرآة منقوشة بدقة بأسلوب سلتي يحمل كثيرًا من الانحناءات والأنماط.
الأطواق المصنوعة من الذهب دليل على السلطة.
تعكس التصاميم تلك الأساليب السلتية ، إلا أنها بريطانية أيضًا.
الدرع البرونزي المذهل الذي وجد في مصب نهر التايمز، تحمل أنماطا قد تبدو مكررة إلا أنها مختلفة.
ابتكرتها مخيلة عميقة وخصبة، ولم تكن مجرد أداة للحرب، كان الفن السلتي أهم من ذلك.
مؤرخ:
يحمل ذلك معنى عميقا. لم يكن فنا لأجل الفن. عندما نجد أن المجتمعات البريطانية تقوم باستيراد بعض هذه الأشياء وتبدأ بتصنيعها لاستهلاكها الخاص، فهذا يخبرنا أنها كانت تستورد معتقدات القارة الأوروبية.
المعلق:
تستوردها وتتبناها. إنها معقدة بقدر ما هو الفن المرتبط بها.
لم تكن الأمور السلتية في أيرلندا دائما كما تبدو عليه.
"دون أنغوس" على "إينيشمور" بدفاعاته المتراكزة يعتبر حصنًا مميزا إن كان يعتبر حصنًا.
كان حصن "نايان هيل" في مقاطعة "أرماغ" جزءا لا يتجزأ من الملاحم الايرلندية.
يحمل كل خصائص حصن التلة كالمتاريس الأرضية التي أحاطت به.
هذه بوابة حصن تلة نموذجية، لكن ليس كل ما يلمع ذهبًا.
مؤرخ:
إذا ما نظرنا عن كثب نجد انه رغم وجود دفاعات أرضية هائلة حول التلة، هناك حالة خاصة الخندق محفور في الجهة الداخلية عوضا عن الجهة الخارجية وهو موجَّه صعودا بدلا لا نزولا. وهذه أمور غير منطقية من وجهة النظر الأمنية؛ لذا فالجو العام بناء على الدفاعات وموقع الخندق يدل على أنها مواقع طقسية أو أنها مواقع ذات أهمية دينية وليست أمنية -على ما اعتقد.
المعلق:
يطل حصن نايان على بحيرة "لوفانسهايد" مما يضيف للموقع طابعا خاصًا.
تم انتشال بوق من مياه البحيرة، وقد باحت مواقع دينية أخرى بأسرارها، كانت عمليات التقاط الجياد دقيقة جدًا.
وقد تم إيجاد درع من الجلد عند الجهة المقابلة من البحيرة، وأطواق بديعة من الذهب.
قد تبدو كلها كما لو أنها مقدمة كأضاحي للآلهة الوثنية بحسب طقوس معتقداتهم الباطلة. وكلها تحمل الأسلوب السلتي إلا أنها أيرلندية تمامًا أيضًا.
كان العالم السلتي ذا تنوع غني في كل الأشياء. ظهرت الازدواجية في فنه. لكن كيف وصل الأسلوب الفني والتقنيات الفنية السلتية إلى أيرلندا؟
مؤرخ:
لقد فكرت في هذا السؤال مرات عديدة ويبدو لي أن ثمة عدد من التفسيرات المحتملة. أحدها: أن المحترفين الأيرلنديين قد تعلموا التقنيات والأساليب الفنية التي انتشرت في الخارج وأعادوا معهم الأفكار. الاحتمال الآخر: أن عددًا من رجال الاحتراف جاءوا من الخارج واحضروا معهم التقنية الجديدة وأشكال الفن الجديد، وثبَّتوا أنفسهم وقاموا بتعليم الحرفيين الأيرلنديين.
أعتقد أن الاحتمال الثاني هو فعلًا أقرب إلى الواقع، وإن كنا سنسلم بذلك فهذا يفترض أن عدد الناس الوافدين ضئيل جدًا.
المعلق:
بحلول القرن الثاني قبل الميلاد. كان سلتيِّو القارة الأوروبية يطورون المراكز المدنية.
كانت "نومانتيا" في أسبانيا أحدها. وقد كانت تغطي أكثر من خمسين فدانًا؛ وطرقاتها مخططة بتأنٍ على شكل شبكة، كانت أساسات البيوت الحجرية مصنوعة من الطين المجفف.
لكن إمبراطورية جديدة كانت تهدد السلتيين. وتمكن سكان "نومانتيا" من الصمود في وجهها لمدة عشرين عاما. ثم جاعوا حتى استسلموا، وتم تدمير جيشها وتسوية البلدة بالأرض، كما تم بيع الناجين عبيدًا.
كان عدوهم روما، الدولة اليافعة التي ارتكب السلتيون المجازر بحق جيشها ونهبوا عاصمتها أصبحت اليوم قوة كبيرة.
قادتها كانوا ينوون السيطرة على العالم ويتهيؤون لتحقيق ذلك، لقد حاربوا قبائل سلتية متتالية وخرجوا خاسرين على مدى قرنين، والآن بدأت الكفة تميل إلى صالحهم.
كان السلتيون قد أسسوا في بلاد الغال دولا قبلية ضخمة يحكمها الملوك والزعماء الكبار.
كان عدد السكان يزداد مدعومًا بنمو في الإنتاج الزراعي.
ظهرت مستوطنات جديدة - اسماها الرومان "أوبيدا"، عاش داخل أسوارها ارستقراطيون أغنياء ينظمون تجارة تزدهر وكانوا قادرين على دعم نقابة للحرفيين المختصين. كان ثمة مؤسسات حكومية وخاصة.
سيطرت المراكز على جيرانهم القبليين، لكن لم تكن القوى السلتية متلاحمة كما في روما.
كما تمسكوا بمعتقداتهم الدينية القديمة وبنوا لهذا الغرض الهياكل السلتية في "الأوبيدا". لم يخشوا روما ولا الرومان.
مؤرخ:
كانت مشكلة الرومان تواجههم طوال الوقت فقد كان السلتيون أضخم منهم ، حيث يبلغ طول الروماني خمسة أقدام وستة إنشات، بينما السلتيون أطول منهم بأربعة إنشات. كان على الرومان اختراع شيء بإمكانه أن يوقفهم. أطلق الرومان اسم بيللوم على هذا النوع من الأسلحة المؤلف من ساق حديدية مربوطة برمح خشبي. وقد كان باستطاعة الرومان أن يرموها عن بعد عشرين مترًا تقريبًا، ويمكنكم تخيل عشرين ألفا منها تتطاير في الجو نحو جيش العدو لتخترق الدروع السلتية وتصيب من وراءها. كان هذا هدفهم الأسمى. وقد سبب هذا ارتباكًا كبيرًا لدى الجيوش السلتية، فتوقفوا عن الهجوم ليحموا أنفسهم ، وما هو إلا وقت قصير حتى هاجمهم الرومان بسيوفهم القوية لتمزيقهم إربًا إربًا.
لقد نجحوا في ذلك في حين أن السلتيين لم يغيروا تكتيكهم الحربي طوال فترة هجومهم تلك.
المعلق:
فتحت الطبيعة التوسعية للإمبراطورية الرومانية شهية الرومان لغزو بلاد الغال المجاورة.
قاد الغزوَ "يوليوس قيصر". لم يكن يحمل إذنًا من المجلس الأعلى بالهجوم وقد هزمت قواته من قبل السلتيين في أكثر من واقعة.
مؤرخ:
كان السلتيون يعتمدون حرفيا على الهجوم نحو العدو والتغلغل بين جنودهم لقطع رؤوسهم، وهي طريقة مزعجة بالطبع للطرف الآخر.
لكن الرومان في المقابل كانوا أكثر انضباطًا وكانوا يعلمون أن عليهم وقف هجمات السلت، وقد تم تسليحهم خصيصًا لهذا الغرض. فقد كان بإمكان أسلحتهم القوية الوصول إلى بطن العدو وقتله بينما هو يحاول قطع رأس الجندي الروماني. تم تطوير تقنياتهم الحربية ضد السلت طوال مائتين وخمسين عامًا. لقد كانوا يعرفون تمامًا من يحاربون.. بينما لم يعرف السلتيون من يحاربون، فقد كانت هزيمتهم أمرا لا مفر منه.
المعلق:
أدرك السلتيون أن عليهم الاتحاد لمواجهة تقدم "يوليوس قيصر"، لا بد أن حصن "إليسيا" أهم مواقع القتال بالنسبة للعدوين، وقد وجد السلتيون القائد القادر على قيادتهم وهو "فرسينجيتوريكس".
كان يملك الشخصية أو الكاريزما اللازمة لاكتساب احترام القبائل وهي موهبة فذة لشخص في العشرينات من عمره، كان قد قاد عدة حملات ناجحة ضد قيصر وجيوشه.
وبحلول عام 52 قبل الميلاد. كان قد حشد جيشًا سلتيًا متحدا قوامه مائتا ألف جندي قوي. لا بد من أنه تغلب على القيصر وجيشه ذي العدد الصغير عند حصن إليسيا الضخم بسهولة.
مؤرخ:
قام بعد ذلك بأكثر أفعاله غباءً، فأرسل الخيالة إلى الوطن لكي يرسلوا مكانهم جيشًا مرتاحًا.
كان الرومان محصورين في التلال ولا يمكنهم التحصن إلا في المنحدرات حيث يسلمون من هجمات الخيالة، ومع ابتعاد الخيالة استطاع "يوليوس قيصر" فعل ما يشاء.
المعلق:
اخطأ فيرسينجيتوريكس خطأ قاتلا وقام قيصر باستغلال الفرصة بسرعة، خلال أقل من شهر كانت قواته قد حاصرت حصن التلة.
وقد وضعت نمطًا معقدًا من الفخاخ المعطِّلَة للعربات السلتية، ثم خنادق، فدفاعات من الطين والخشب إضافة إلى أبراج حماية إستراتيجية.
كان "فيرسينجيتوريكس" وجيشه محتجزين في الحصن إلا أنهما استطاعا الصمود حتى اقترف خطأه الأخير.
مؤرخ:
هنا ظهرت عدم قدرتهم على القيادة. كان عليه أن يضحي بكل رجل لديه ليصمد على تلك التلة لكنه لم يفعل، فانتهى الأمر منذ تلك اللحظة.
المعلق:
لم تكن فرقة إنقاذ مؤلفة من ربع مليون جندي قادرة على خرق دفاعات "يوليوس قيصر". فسقطت بلاد الغال.
كانت البطولة العسكرية مهمة جدًا في العالم القديم.
لم يكن "يوليوس قيصر" رحيما، فقد دار الرومان بـ "فيرسيجيتوريكس" في طرقات روما ثم طبقوا عليه طقوس الإعدام البشعة.
كانت حملات "يوليوس قيصر" على بريطانيا صغيرة وأشبه بالمقدمات، وقلعة العذراء نموذج لما حصل بعد ذلك.
عام ثلاثة وأربعين للميلاد وبناء على أوامر الإمبراطور "كلاوديوس"، عبرت قوة هائلة القناة، كان السلتيون مخطئين، فلم تكن دفاعاتهم لتصمد في وجه قوات الإمبراطورية الرومانية.
عند بوابة قلعة العذراء تم اكتشاف الدليل على عدد الذين ماتوا بعنف بينما كانوا يحاولون دون جدوى الدفاع عن الموقع.
كان النمط مماثلا عبر جنوب بريطانيا. إلا أنههم واجهوا مقاومة، تعرض المرفأ الروماني "لوندينيوم" للهجوم بقيادة الأميرة المقاتلة "بوديكا".
رفضت إرثها بعد موت زوجها واغتصاب بناتها وتعرضها للجلد. فثارت قبيلتها لأجلها وخاضت قتالا حتى الموت.
وقد كان الحلفاء متوفرين.
كولشيستسر يومنا الحاضر كانت مستعمرة رومانية جديدة تسمى كوميولودونوم، لا تزال بقاياها موجودة إلا أن قواتها ساعدت القبائل السلتية ودعمت "بوديكا" طوعًا.
أصبحت القوات المواجهة للرومانيين هائلة. إلا أنها غير منظمة كالعادة، في بدء المعركة قتل ثمانون ألف سلتي. وبقيت "بوديكا" وبناتها شاهدًا على الهزيمة.
ورغم ذلك بقيت أجزاء أخرى غير واقعة في أيدي الرومان. وقد كانت محاولة احتلال بريطانيا السلتية من قبل الرومان أكثر محدودية مما يعتقد الكثيرون.
نقلا عن قناة المجد الوثائقية
امبراطورية السلت
المعلق:
كان السلت الشعب الأوروبي الأول القادم من شمال الألب الذي يبرز من المجهول.
أطلق اسم هالستات على المرحلة الأولى من تاريخهم على اسم قرية نمساوية تقع قرب بحيرة. أما المرحلة الثانية فقد استمدت اسمها من قرية بجانب بحيرة في سويسرا.
كانت حضارة السلت مهمة إلا أنهم لم يبنوا إمبراطورية، حضارة كادت أن تقضي عليها إمبراطورية.
انتشر تأثير السلت في جبال الألب منذ أيام أوروبا الوسطى الأولى.
تظهر معارض نقوش الصخر في فال كامونيكا شمالي إيطاليا، كثيرًا من المشاهد المنزلية.
لكن يبدو أن سبب وجودها يعود إلى بعض الطقوس أيضًا.
هناك مشاهد صيد غريبة، ومحاربين لبعضهم أحجام مبالغ فيها، وحتى مشاهد لحيوانات.
العربة ذات العجلات الأربع موجودة هنا، وهي تحمل نعش جنازة أمراء هالستات.
كما ثمة نقوش طقسية، أو كما يظن البعض إنها نقوش لأمهات في المخاض.
لا نعرف المعنى الحقيقي لهذه النقوش، لكن لا بد أنها كانت تحمل أهمية كبيرة للذين نقشوها؛ لأن هذا الجزء من لومباردي يحوي ما لا يقل عن ثلاثة عشر معرضًا لنقوش الصخر تم اكتشافها وهي تعود إلى الحقبة السلتية، إلا أنه عمل فني أولي خام.
هنا في سويسرا المعاصرة، تبوح بحيرة نيوشاتيل بأسرارها.
كان صيف عام 1857 للميلاد جافًا بشكل غير اعتيادي؛ انخفض منسوب المياه وفي موقع يسمى "لاتِن" طفت أكوام غريبة من الخشب على سطح الماء، وقد أثارت اهتمام فريديريك شواب وهو عالم آثار ، أدرك أنها قد تكون مهمة.
تلت ذلك أعمال الحفر والتجفيف ومزيد من الحفر، حتى تم اكتشاف أخشاب تعود إلى جسر قديم.
تمت مكافأة تفانيهم في أعمال الحفر لفترة تزيد عن ربع قرن بعد أن وجدوا آلاف المقتنيات بما فيها مائة وستون سيفًا حديديًّا، ورؤوس رماح بعضها مشوه عن قصد.
كان موقع "لاتٍن" موقعًا دينيًا والموجودات عبارة عن هدايا للآلهة الوثنية الباطلة، لم يكن عدد المكتشفات هو ما آثار اهتمام العلماء، بل أشكالها وتصاميمها الجديدة التي تتبع أسلوبًا فنيًا فريدًا.
مع حلول القرن العشرين للميلاد كان موقع "لاتٍن" قد أعطى اسمه للمرحلة الثانية لتطور حضارة السلتيين.
بقي البناء المجتمعي على حاله شمال جبال الألب، حصون على التلال وزعماء محاربون.
دفن الزعماء مع عائلاتهم في مقابر ملكية، هذه المقابر الموجودة في "راينهايم" قرب "ساربروكن" جنوب غرب ألمانيا كانت على وشك أن تبوح عن كنوز مختلفة.
جواهر مصنوعة بمهارة عالية، كما أظهرت الأعمال الحديدية أسلوبا فنيا متطورا، جميلا ومعقدا.
تم تسميته بالفن السلتي، إلا أنه لم يكن شبيها بفنون الجنوب. كان متأثرا بالإغريق والايتروسكانيين إلا أن حيويته وأصالته كانت خاصة به وحده، انتشر في رقعة واسعة من أوروبا وكان يتميز بالأنماط الرائعة والموضوع، وغالبا ما كانت أنماطه شبيهة بالنبات.
ومن ضمن الأنماط الأخرى أشكال ووجوه، مخلوقات غريبة، نصفها حيوان ونصفها إنسان.
كانت الأعمال الفنية خيالية غالبًا فيما يشبه عالم الأحلام وأحيانًا الكوابيس.
إنه فن النخبة، فهو يعبر عن السلطة، يتم استلهام الفن غالبًا من فرد أو من مدرسة.
هل كان ثمة فرد أو مركز كهذا في عالم السلتيين؟
مؤرخ:
من المؤكد أنه كان في الزمن السلتي أشخاص اعتبرتهم مجموعتُهم موهوبين خاصة في مجال النقش ، وفي فنهم الحديدي الذي لطالما أطلق عليه اسم فن الأقلية ، لأنه يحتاج إلى قدرات تقنية عالية، وفي الوقت عينه إحساس ممتاز بالخط.
بقي هؤلاء الفنانون مجهولين تمامًا، فنحن حتى الساعة لا نعرف أسماءهم إلا أنهم كانوا موجودين.
المعلق:
اختلفت طرق دفن المحاربين أيضا، فما من عربة هنا بل معجّلة ذات عجلتين.
يبدو في بعض الأوقات ثمة تركيز أكبر على الحرب. لم تعد الرماح والسيوف موجودة للعرض فقط.
هناك أمور أخرى مشابهة كالطعام والشراب مثلا، والجواهر والزينة.
وربما يدفن فرد ومعه عبده.
لقد دخلوا عالما آخر، وكذلك فعل المجتمع السلتي.
حصل انهيار في ذلك المجتمع منذ القرن الخامس قبل الميلاد، تم التخلي عن حصن لاسواز وعن الكثير غيره، وقد تأثر حصن هينيبيرغ الذي يطل على وادي الدانوب.
وجد علماء الآثار الذين يعملون هنا علامات تروي قصصًا، تظهر الطبقات المليئة بالفحم أنه تم حرق الحصن كله في عدة مناسبات.
كانت هذه معايير شديدة التطرف، ونعلم أيضا من العلماء القدماء أن مئات الآلاف من السلتيين كانوا يصبون في جنوب أوروبا الوسطى، فلماذا؟
مؤرخ:
نعلم من مصادر علم الآثار القديمة عن ذلك النزوح الهائل للناس من شمال جبال الألب عام أربعمائة قبل الميلاد تقريبًا بزيادة أو نقصان نحو خمسين عامًا.
من الصعب معرفة سبب هذا، قد يعطيك الكُتَّاب التقليديون إحدى إجابتين إذا سألتهم عن السبب.
الأولى: أن السبب يعود إلى التزايد الكبير في عدد السكان، فلم تعد الأرض تتسع للناس لذلك تَعَيَّن على الأبناء الأصغر الذهاب والبحث عن أرض لهم في مكان آخر.
الإجابة الأخرى التي يعطيها الكُتَّاب التقليديون هي: أن هؤلاء السلتيين الذين كانوا يعيشون في شمال جبال الألب اعتادوا على الرفاهية القادمة من البحر المتوسط فأرادوا أن يذهبوا إليها بأنفسهم.
قد تكون الإجابتان صحيحتين جزئيا، إلا أن أدلة علم الآثار تفترض أن الناس يبنون ويبنون وهذا ما نعرفه عن ذلك المجتمع. كانت الحروب متجذرة وبما أنه مجتمع استهلاكي حافظ على مستوى بتدمير الثروات. فكان لا بد من دفن النخبة مع كميات من الذهب وأمور رفاهية أخرى استهلكت الموارد الطبيعية. لذا نصل إلى خلاصة مفادها أن المتطلبات الاجتماعية أدت إلى انهيار المجتمع. فلم يتمكن المجتمع من تأمين كل ذلك الذهب للمحافظة على النظام المتبع فيه فانهار النظام الاجتماعي، ربما كل هذه الأشياء مجتمعة عملت على تشجيع الشباب على جمع تابعيهم وحشد المزيد منهم للمغادرة والبحث عن حظوظهم في أمكنة أخرى.
كانت أعداد المهاجرين ضخمة جدا، وتمت مهاجمة مدينة كلوزيوم الايتروسكانية بشكل وحشي.
طلب السكان النجدة من الدولة التي تتبرعم جنوبا، روما التي أرسلت المساعدة العسكرية اللازمة خوفًا من امتداد الهجوم السلتي نحو أراضيها.
لا تزال الدفاعات التي بنيت في وجه السلتيين قائمة، إلا أنها كانت ضعيفة وعديمة الجدوى في صد الجحافل السلتية.
التجأ السكان قسرا إلى أسوار المدينة للاحتماء.
تراجعت الجيوش الايتروسكانية والرومانية، وتابع السلتيون مسيرتهم نحو روما.
تم تدمير قوات الدولة في معركة "آليا"، وأمست العاصمة تحت سيطرة السلتيين الذين لم يظهروا أيًا منها.
بعد مرور قرن، تعرض "ديلفي" أكثر المواقع قدسية لدى الإغريق بحسب معتقداتهم الوثنية للهجوم من قبل قبيلة سلتية أخرى.
تقدم جيش قوامه ثلاثون ألفًا لنهب الثروة الوطنية. تصف الكتابات الإغريقية الهجوم بوضوح، وتحكي عن العقوبات الرادعة للسلتيين أيضًا.
فقد تعرضت معسكرات السلتيين للزلازل والعواصف الرعدية والانهيارات من جبل بارناسوس.
تشتت السلتيون في نهاية الأمر ويقول الإغريق إنهم بدؤوا بالقتال وراح بعضهم يذبح بعضًا.
وبعد أن أُجْبِرُوا على الانسحاب تركوا وراءهم ستة وعشرين ألفا من رجالهم أموات أو يحتضرون في موقع المعركة.
شبه الجزيرة الأيبيرية، منطقة مثيرة للجدل بالنسبة للعلماء السلتيين.
قبل ألفين وخمسمائة عام على الأقل سكنت القبائل السلتية هذه المنطقة، تُظهر البيوت الدائرية المصنوعة من الحجر والتي تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد حضارة شبه مدنية.
ويطلق هؤلاء الناس على أنفسهم اسم السلتيين. ولكن كيف وصلوا إلى هنا؟
لم تسجل أية أحماض نووية عائدة إلى أسبانيا والبرتغال. لا شك في أنها في حال وجودها كانت ستظهر وجود العرق الموري الإفريقي. وليس من المؤكد أن تعكس وجود شعب من وسط أوروبا.
ومع ذلك كان السلتيون هنا، وقاموا ببناء حصونهم على التلال، ولكن ما من أدلة على هجرة جماعية.
التفسير الأقرب إلى الواقع أن المجتمع السلتي الموجود هنا عبارة عن ظاهرة محلية تشكلت بفعل عوامل التواصل والتجارة مع العالم السلتي شمال جبال البيرينيه.
نعلم أنهم كانوا يتكلمون اللغة السلتية. وهذا الاكتشاف المدهش هو من بين أوائل السجلات المكتوبة بالسلتية، تم اكتشافه، إلا أنه لم يكن سوى عقد لملكية أرض.
لا يُظْهِرُ هذا العقد شيئا عن التاريخ ولا المعتقدات السلتية، إنما يقدم دليلا على مساحة اللغات السلتية.
مؤرخ:
قد يكون أكبر انتشار شهدته الشعوب السلتية قرابة العام 200 قبل الميلاد. حين انتشروا حتى وسط تركيا شرقا حول أنقرة.
لقد كانت اللغات السلتية محكية بكثافة في أسبانيا، وبريطانيا وأيرلندا وكل ما يعرف اليوم باسم فرنسا، ومعظم ألمانيا، وشمال إيطاليا، ووسط أوروبا وهكذا دواليك.
إذا أردت أن تطبق ذلك على خريطة أستراليا فإن استخدام اللغات السلتية سيغطيها من الساحل إلى الساحل.
المعلق:
كان هذا يعرف بالعالم السلتي الأوروبي، وقد سيطر على القارة الأوروبية، لم يشكلوا إمبراطورية، بل يقول البعض إنهم تخطوا ذلك.
يعيش عند الحدود الغربية للصين أناس لا يشبهون غيرهم، يطلق عليهم اسم الأورومشيين.
لا يحملون أيًّا من الصفات المنغولية التي يتحلى بها مَنْ يحيطهم مِنَ الصينيين. إنهم فريدون في ذلك القسم من العالم، حتى تصاميم الثياب سلتية جدًا.
هل من المعقول أن الحضارة السلتية انتشرت؟ هل هو لغز سلتي آخر؟
السلتيون في الصين-مجرد تخمين!
السلتيون في بريطانيا - حقيقة.
على الرغم من عدم وجود دليل على هجرة القبائل من القارة الأوروبية، تشير الأدلة على استمرارية من الماضي.
يعود الكثير من حصون التلال السلتية إلى مواقع من العصر البرونزي. وقد تحدث أولئك الذين عاشوا هناك لغات سلتية أقدم. نَسُبٌ بقي لوقت طويل من أسرار التاريخ البريطاني.
تحدث قاطنو قلعة العذراء في "هاردي بويسيكس" لغة سلتية وكانوا جزءا من المجتمع السلتي.
هذا المجتمع طور أساليب حضارته الخاصة حتى في بناء الحصون، كانت الدفاعات ضرورية في فترات النزاعات وكذلك للاستعراض.
كانت الأبنية التي تَظْهَر تُميز الأسلوب في اسكتلندا والجزر الأخرى.
البروكات الضخمة، أبنية هائلة. أنيقة ومستدقة الرأس. ثمة أكثر من خمسمائة منها، من الواضح أنها كانت مراكز للقبائل وبيوت للزعماء المحاربين، كانت الحرب جزءًا أساسيًّا من الحياة السلتية. وكذلك كانت كل الأدوات المرتبطة بها.
"جون كيني" أستاذ في استخدام الآلات السلتية، الكارنيكس آلة كان السلتيون يستخدمونها في الحرب، كانت مجموعة منها تسبب جلبة مزعجة فهي مصممة لزرع الخوف في قلوب الأعداء.
كما وتتطابق والطقوس السلتية الحربية حيث يتم تطبيق قواعد حازمة.
ولكن كان للحياة السلتية جانب آخر.
مؤرخ:
يعتقد البعض أن السلتيين كانوا يعانون قبل وجود المَزارع، فهم لم يعرفوا الزراعة والبناء وقد كانت هذه هدية الرومان.
في الثلاثين عامًا الماضية والتي كنا نجري أبحاثنا خلالها، لم نوافق على وجهة النظر هذه، كان السلتيون ذوي نفوذ ومجتمعًا منظمًا قادرًا على تصدير الحبوب والجلد إلى القارة الأوروبية الأوربية، وبناء المنازل الضخمة.
كانوا مجتمعًا ناجحًا فعلا احتل البلاد بشكل كامل.
المعلق:
في مركز أبحاث "باستر" القديم في "هامشاير"، كانت حياة السلتيين اليومية مرتبة بشكل دقيق جدًا، بناءً على الأبحاث المفصلة لعلماء الآثار تمكنوا من إعادة بناء مستوطنة سلتية صغيرة وما زالوا.
كانت البيوت في القارة الأوروبية مربعة أو مستطيلة. وفي بريطانيا كانت في معظمها دائرية، وأحيانًا مع رواق كبير إضافي.
كانت التدفئة في الشتاء مصدرها نار مفتوحة. بعد أن اكتشفوا مدى فعاليتها وبما أنها لا تحوي كوة في السقف، فلا خوف من انتشار النار، كان الدخان يخرج من سقف القش.
كانت هذه الأبنية قادرة على تحمل جميع الأحوال الجوية، لا بد لهم من ذلك.
كانت السطوح المنحدرة مغطاة بالقش، وهي طريقة فعالة استمر استخدامها أكثر من ألفي عام وحتى يومنا هذا.
كانت الجدران الدائرية مصنوعة من القضبان والطين. وهي أيضًا طريقة فعالة تضفي جوًا طبيعيًّا.
نوع وحجم هذه المستوطنة يعكسان الحياة اليومية للسلتيين في بريطانيا. إنها أمر طبيعي، والحرب حالة خاصة. والمحاربون كانوا طبقة من النخبة.
كما اختبروا في مركز "باتسر" الزراعة السلتية وتربية الحيوانات.
باحث:
ما لا نقوم به هو الاختبارات على الحيوانات فهي لن تحقق شيئا. ما نقوم به فعلا هو الحفاظ على قصص الحيوانات ما قبل التاريخ. نبدأ بخروف الموفلون أقدم أنواع الخراف في أوروبا. وخروف السواي وهو خروف أليف تعود تربيته إلى العصر البرونزي وبدايات العصر الحديدي. المانكس لوفتان والهيبريدي خراف استأنست في العصر الحديدي . و مع نهاية العصر الحديدي نجد تربية خراف الشيتلاند، وهو النوع الذي وجده الرومان عند قدومهم، إضافة إلى مزيج مما تبقى من أنواع الخراف الأخرى.
ما يثير الاهتمام أن أسماء أنواع الخراف الأليفة في حد ذاتها ما عدا الموفلون، بقيت كلها كمجموعات حذرة على الساحل الغربي لانجلترا واسكوتلندا. هناك جزيرة مان، وجزيرة شيتلاند، وجزر سواي، سواي تعني في الواقع جزيرة الخراف.
المعلق:
تمت زراعة وحصاد الحبوب بشكل فعال وأظهرت نتائج الأبحاث في باتسر حقائق مثيرة للاهتمام.
باحث:
كانت البذور التي زرعوها مبهرة، أبرزها قمح يعرف بقمح "إِمِر" الذي بدأت زراعته قبل سبعة آلاف وخمسمائة عام قبل الميلاد. وقد كان ذلك فعلا أساسا لازدهار كل الحضارات الحديثة. فيما يتعلق بالعالم السلتي، كان هذا النوع من القمح .
والأجمل في نتائج البحث أننا أثبتنا أن معدل إنتاجها بلغ طنًا في الفدان الواحد.
كان عامل الإنتاج القومي للمملكة المتحدة عام 51 للميلاد يبلغ طنًا في الفدان الواحد. فالافتراض يقول ببساطة إنهم في العصر الحديدي كانوا يزرعون الحبوب كما كانوا يفعلون بعد الحرب العالمية الثانية.
إذا ما فكرت في منطق الأمر لا تجد أي سبب يمنعهم عن ذلك. وقد يكون تعليق القيصر منطقيًّا فعلًا - إنهم ينتجون ما هو فائض عن حاجتهم للتصدير ربما لكل القارة الأوروبية الأوربية.
المعلق:
هذه المرآة منقوشة بدقة بأسلوب سلتي يحمل كثيرًا من الانحناءات والأنماط.
الأطواق المصنوعة من الذهب دليل على السلطة.
تعكس التصاميم تلك الأساليب السلتية ، إلا أنها بريطانية أيضًا.
الدرع البرونزي المذهل الذي وجد في مصب نهر التايمز، تحمل أنماطا قد تبدو مكررة إلا أنها مختلفة.
ابتكرتها مخيلة عميقة وخصبة، ولم تكن مجرد أداة للحرب، كان الفن السلتي أهم من ذلك.
يحمل ذلك معنى عميقا. لم يكن فنا لأجل الفن. عندما نجد أن المجتمعات البريطانية تقوم باستيراد بعض هذه الأشياء وتبدأ بتصنيعها لاستهلاكها الخاص، فهذا يخبرنا أنها كانت تستورد معتقدات القارة الأوروبية.
المعلق:
تستوردها وتتبناها. إنها معقدة بقدر ما هو الفن المرتبط بها.
لم تكن الأمور السلتية في أيرلندا دائما كما تبدو عليه.
"دون أنغوس" على "إينيشمور" بدفاعاته المتراكزة يعتبر حصنًا مميزا إن كان يعتبر حصنًا.
كان حصن "نايان هيل" في مقاطعة "أرماغ" جزءا لا يتجزأ من الملاحم الايرلندية.
يحمل كل خصائص حصن التلة كالمتاريس الأرضية التي أحاطت به.
هذه بوابة حصن تلة نموذجية، لكن ليس كل ما يلمع ذهبًا.
مؤرخ:
إذا ما نظرنا عن كثب نجد انه رغم وجود دفاعات أرضية هائلة حول التلة، هناك حالة خاصة الخندق محفور في الجهة الداخلية عوضا عن الجهة الخارجية وهو موجَّه صعودا بدلا لا نزولا. وهذه أمور غير منطقية من وجهة النظر الأمنية؛ لذا فالجو العام بناء على الدفاعات وموقع الخندق يدل على أنها مواقع طقسية أو أنها مواقع ذات أهمية دينية وليست أمنية -على ما اعتقد.
المعلق:
يطل حصن نايان على بحيرة "لوفانسهايد" مما يضيف للموقع طابعا خاصًا.
تم انتشال بوق من مياه البحيرة، وقد باحت مواقع دينية أخرى بأسرارها، كانت عمليات التقاط الجياد دقيقة جدًا.
وقد تم إيجاد درع من الجلد عند الجهة المقابلة من البحيرة، وأطواق بديعة من الذهب.
قد تبدو كلها كما لو أنها مقدمة كأضاحي للآلهة الوثنية بحسب طقوس معتقداتهم الباطلة. وكلها تحمل الأسلوب السلتي إلا أنها أيرلندية تمامًا أيضًا.
كان العالم السلتي ذا تنوع غني في كل الأشياء. ظهرت الازدواجية في فنه. لكن كيف وصل الأسلوب الفني والتقنيات الفنية السلتية إلى أيرلندا؟
مؤرخ:
لقد فكرت في هذا السؤال مرات عديدة ويبدو لي أن ثمة عدد من التفسيرات المحتملة. أحدها: أن المحترفين الأيرلنديين قد تعلموا التقنيات والأساليب الفنية التي انتشرت في الخارج وأعادوا معهم الأفكار. الاحتمال الآخر: أن عددًا من رجال الاحتراف جاءوا من الخارج واحضروا معهم التقنية الجديدة وأشكال الفن الجديد، وثبَّتوا أنفسهم وقاموا بتعليم الحرفيين الأيرلنديين.
أعتقد أن الاحتمال الثاني هو فعلًا أقرب إلى الواقع، وإن كنا سنسلم بذلك فهذا يفترض أن عدد الناس الوافدين ضئيل جدًا.
المعلق:
بحلول القرن الثاني قبل الميلاد. كان سلتيِّو القارة الأوروبية يطورون المراكز المدنية.
كانت "نومانتيا" في أسبانيا أحدها. وقد كانت تغطي أكثر من خمسين فدانًا؛ وطرقاتها مخططة بتأنٍ على شكل شبكة، كانت أساسات البيوت الحجرية مصنوعة من الطين المجفف.
لكن إمبراطورية جديدة كانت تهدد السلتيين. وتمكن سكان "نومانتيا" من الصمود في وجهها لمدة عشرين عاما. ثم جاعوا حتى استسلموا، وتم تدمير جيشها وتسوية البلدة بالأرض، كما تم بيع الناجين عبيدًا.
كان عدوهم روما، الدولة اليافعة التي ارتكب السلتيون المجازر بحق جيشها ونهبوا عاصمتها أصبحت اليوم قوة كبيرة.
قادتها كانوا ينوون السيطرة على العالم ويتهيؤون لتحقيق ذلك، لقد حاربوا قبائل سلتية متتالية وخرجوا خاسرين على مدى قرنين، والآن بدأت الكفة تميل إلى صالحهم.
كان السلتيون قد أسسوا في بلاد الغال دولا قبلية ضخمة يحكمها الملوك والزعماء الكبار.
كان عدد السكان يزداد مدعومًا بنمو في الإنتاج الزراعي.
ظهرت مستوطنات جديدة - اسماها الرومان "أوبيدا"، عاش داخل أسوارها ارستقراطيون أغنياء ينظمون تجارة تزدهر وكانوا قادرين على دعم نقابة للحرفيين المختصين. كان ثمة مؤسسات حكومية وخاصة.
سيطرت المراكز على جيرانهم القبليين، لكن لم تكن القوى السلتية متلاحمة كما في روما.
كما تمسكوا بمعتقداتهم الدينية القديمة وبنوا لهذا الغرض الهياكل السلتية في "الأوبيدا". لم يخشوا روما ولا الرومان.
مؤرخ:
كانت مشكلة الرومان تواجههم طوال الوقت فقد كان السلتيون أضخم منهم ، حيث يبلغ طول الروماني خمسة أقدام وستة إنشات، بينما السلتيون أطول منهم بأربعة إنشات. كان على الرومان اختراع شيء بإمكانه أن يوقفهم. أطلق الرومان اسم بيللوم على هذا النوع من الأسلحة المؤلف من ساق حديدية مربوطة برمح خشبي. وقد كان باستطاعة الرومان أن يرموها عن بعد عشرين مترًا تقريبًا، ويمكنكم تخيل عشرين ألفا منها تتطاير في الجو نحو جيش العدو لتخترق الدروع السلتية وتصيب من وراءها. كان هذا هدفهم الأسمى. وقد سبب هذا ارتباكًا كبيرًا لدى الجيوش السلتية، فتوقفوا عن الهجوم ليحموا أنفسهم ، وما هو إلا وقت قصير حتى هاجمهم الرومان بسيوفهم القوية لتمزيقهم إربًا إربًا.
لقد نجحوا في ذلك في حين أن السلتيين لم يغيروا تكتيكهم الحربي طوال فترة هجومهم تلك.
المعلق:
فتحت الطبيعة التوسعية للإمبراطورية الرومانية شهية الرومان لغزو بلاد الغال المجاورة.
قاد الغزوَ "يوليوس قيصر". لم يكن يحمل إذنًا من المجلس الأعلى بالهجوم وقد هزمت قواته من قبل السلتيين في أكثر من واقعة.
مؤرخ:
كان السلتيون يعتمدون حرفيا على الهجوم نحو العدو والتغلغل بين جنودهم لقطع رؤوسهم، وهي طريقة مزعجة بالطبع للطرف الآخر.
لكن الرومان في المقابل كانوا أكثر انضباطًا وكانوا يعلمون أن عليهم وقف هجمات السلت، وقد تم تسليحهم خصيصًا لهذا الغرض. فقد كان بإمكان أسلحتهم القوية الوصول إلى بطن العدو وقتله بينما هو يحاول قطع رأس الجندي الروماني. تم تطوير تقنياتهم الحربية ضد السلت طوال مائتين وخمسين عامًا. لقد كانوا يعرفون تمامًا من يحاربون.. بينما لم يعرف السلتيون من يحاربون، فقد كانت هزيمتهم أمرا لا مفر منه.
المعلق:
أدرك السلتيون أن عليهم الاتحاد لمواجهة تقدم "يوليوس قيصر"، لا بد أن حصن "إليسيا" أهم مواقع القتال بالنسبة للعدوين، وقد وجد السلتيون القائد القادر على قيادتهم وهو "فرسينجيتوريكس".
كان يملك الشخصية أو الكاريزما اللازمة لاكتساب احترام القبائل وهي موهبة فذة لشخص في العشرينات من عمره، كان قد قاد عدة حملات ناجحة ضد قيصر وجيوشه.
وبحلول عام 52 قبل الميلاد. كان قد حشد جيشًا سلتيًا متحدا قوامه مائتا ألف جندي قوي. لا بد من أنه تغلب على القيصر وجيشه ذي العدد الصغير عند حصن إليسيا الضخم بسهولة.
مؤرخ:
قام بعد ذلك بأكثر أفعاله غباءً، فأرسل الخيالة إلى الوطن لكي يرسلوا مكانهم جيشًا مرتاحًا.
كان الرومان محصورين في التلال ولا يمكنهم التحصن إلا في المنحدرات حيث يسلمون من هجمات الخيالة، ومع ابتعاد الخيالة استطاع "يوليوس قيصر" فعل ما يشاء.
المعلق:
اخطأ فيرسينجيتوريكس خطأ قاتلا وقام قيصر باستغلال الفرصة بسرعة، خلال أقل من شهر كانت قواته قد حاصرت حصن التلة.
وقد وضعت نمطًا معقدًا من الفخاخ المعطِّلَة للعربات السلتية، ثم خنادق، فدفاعات من الطين والخشب إضافة إلى أبراج حماية إستراتيجية.
كان "فيرسينجيتوريكس" وجيشه محتجزين في الحصن إلا أنهما استطاعا الصمود حتى اقترف خطأه الأخير.
مؤرخ:
هنا ظهرت عدم قدرتهم على القيادة. كان عليه أن يضحي بكل رجل لديه ليصمد على تلك التلة لكنه لم يفعل، فانتهى الأمر منذ تلك اللحظة.
المعلق:
لم تكن فرقة إنقاذ مؤلفة من ربع مليون جندي قادرة على خرق دفاعات "يوليوس قيصر". فسقطت بلاد الغال.
كانت البطولة العسكرية مهمة جدًا في العالم القديم.
لم يكن "يوليوس قيصر" رحيما، فقد دار الرومان بـ "فيرسيجيتوريكس" في طرقات روما ثم طبقوا عليه طقوس الإعدام البشعة.
كانت حملات "يوليوس قيصر" على بريطانيا صغيرة وأشبه بالمقدمات، وقلعة العذراء نموذج لما حصل بعد ذلك.
عام ثلاثة وأربعين للميلاد وبناء على أوامر الإمبراطور "كلاوديوس"، عبرت قوة هائلة القناة، كان السلتيون مخطئين، فلم تكن دفاعاتهم لتصمد في وجه قوات الإمبراطورية الرومانية.
عند بوابة قلعة العذراء تم اكتشاف الدليل على عدد الذين ماتوا بعنف بينما كانوا يحاولون دون جدوى الدفاع عن الموقع.
كان النمط مماثلا عبر جنوب بريطانيا. إلا أنههم واجهوا مقاومة، تعرض المرفأ الروماني "لوندينيوم" للهجوم بقيادة الأميرة المقاتلة "بوديكا".
رفضت إرثها بعد موت زوجها واغتصاب بناتها وتعرضها للجلد. فثارت قبيلتها لأجلها وخاضت قتالا حتى الموت.
وقد كان الحلفاء متوفرين.
كولشيستسر يومنا الحاضر كانت مستعمرة رومانية جديدة تسمى كوميولودونوم، لا تزال بقاياها موجودة إلا أن قواتها ساعدت القبائل السلتية ودعمت "بوديكا" طوعًا.
أصبحت القوات المواجهة للرومانيين هائلة. إلا أنها غير منظمة كالعادة، في بدء المعركة قتل ثمانون ألف سلتي. وبقيت "بوديكا" وبناتها شاهدًا على الهزيمة.
ورغم ذلك بقيت أجزاء أخرى غير واقعة في أيدي الرومان. وقد كانت محاولة احتلال بريطانيا السلتية من قبل الرومان أكثر محدودية مما يعتقد الكثيرون.
نقلا عن قناة المجد الوثائقية