أبو البراء التلمساني
:: عضو منتسِب ::
- إنضم
- 17 جوان 2011
- المشاركات
- 52
- نقاط التفاعل
- 4
- النقاط
- 3
( همّة السّلف في طلب العلم )
للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
______________
بسم الله الرحمن الرحيم
للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
-حفظه الله تعالى-
______________
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل العلماء مرفوعين منزلة، وسهّل لطالب العلم طريقا إلى الجنة كلما سلك طريقا إلى العلم، فله الحمد كثيرا كما انعم كثيرا.
وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن صلحت له الأقوال والأعمال، صلُح له قول اللسان وقول القلب، واستقام له عمل القلب وعمل الجوارح، كما أسأله سبحانه أن يقينا العثار في القول والعمل، وأن يجعلنا مباركين معلّمين للخير مفتحين أسبابه أينما كنّا، إنه سبحانه جواد كريم.
وهذه المحاضرة تأتي افتتاحا لهذه الدروس العلمية الصيفية التاسعة في جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في حي سلطانة بمدينة الرياض، وهذه الدورات ولا شك انتفع بها عدد كبير من طلاب العلم ومن محصليه ومن المقبلين عليه، فإنها سبيل نجاة وسبيل هداية، كما أنها سبيل لرفع الأمّة من الواقع الذي تعيش فيه؛ لأن رفع الأمة مما تعيش فيه يحتاج إلى أسباب كثيرة تبذل وتيسّر السبل لها، ومن ذلك أن يكثر طلبة العلم لشدة الحاجة اليوم إلى ورثة الأنبياء، فإن هذه الأمة لم يكن فيها نبي بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل خُتمت الرسالات والنبوات بمحمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ولكن بقي ورثة محمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وهم أهل العلم وحملة العلم وطلبة العلم، فإنهم أهل الوِراثة الحقيقة.
وصحّ عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أنه قال «العلماء ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فإنه من أخذه أخذ بحظ وافر» لهذا كانت الحاجة ماسة إلى التربية العلمية لكي تقوى الأمة ويبقى فيها العلم النافع المستقى من الكتاب والسنة على نهج سلف الأمة، هذا العلم النافع قوّة وفيه إرغام للأعداء كما قال ابن الوردي في لاميته:
وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن صلحت له الأقوال والأعمال، صلُح له قول اللسان وقول القلب، واستقام له عمل القلب وعمل الجوارح، كما أسأله سبحانه أن يقينا العثار في القول والعمل، وأن يجعلنا مباركين معلّمين للخير مفتحين أسبابه أينما كنّا، إنه سبحانه جواد كريم.
وهذه المحاضرة تأتي افتتاحا لهذه الدروس العلمية الصيفية التاسعة في جامع شيخ الإسلام ابن تيمية في حي سلطانة بمدينة الرياض، وهذه الدورات ولا شك انتفع بها عدد كبير من طلاب العلم ومن محصليه ومن المقبلين عليه، فإنها سبيل نجاة وسبيل هداية، كما أنها سبيل لرفع الأمّة من الواقع الذي تعيش فيه؛ لأن رفع الأمة مما تعيش فيه يحتاج إلى أسباب كثيرة تبذل وتيسّر السبل لها، ومن ذلك أن يكثر طلبة العلم لشدة الحاجة اليوم إلى ورثة الأنبياء، فإن هذه الأمة لم يكن فيها نبي بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل خُتمت الرسالات والنبوات بمحمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، ولكن بقي ورثة محمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وهم أهل العلم وحملة العلم وطلبة العلم، فإنهم أهل الوِراثة الحقيقة.
وصحّ عنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ أنه قال «العلماء ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فإنه من أخذه أخذ بحظ وافر» لهذا كانت الحاجة ماسة إلى التربية العلمية لكي تقوى الأمة ويبقى فيها العلم النافع المستقى من الكتاب والسنة على نهج سلف الأمة، هذا العلم النافع قوّة وفيه إرغام للأعداء كما قال ابن الوردي في لاميته:
في ازدياد العلم إرغام العداء وجمال العلم إصلاح العمل
في ازدياد العلم وبث العلم ونشر أسبابه من الدورات العملية والمحاضرات والدروس وما شابه ذلك فيه دعوة إلى الخير على بصيرة؛ لأن الدعوة إنما تكون بالعلم، فإذا صح العلم صحت الدعوة وكانت على بصيرة، قال جل وعلا (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108]، والبصيرة هي العلم النافع؛ لأنّ البصيرة للقلب هي ما يبصر به القلب الصواب في المعلومات والمدركات، والصواب في المعلومات والمدركات يكون بالبصيرة بالعلم النافع، بالعلم المتلقى من مصدر التلقي المأمون الصحيح، وهو كتاب الله جل وعلا القرآن العظيم وسنة محمد بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ وما تفرّع عنهما من علوم مختلفة.
لهذا تجد يا طالب العلم أنّ الله جل وعلا رفع شأن العلم والعلماء في القرآن الكريم، ورفع شأنهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول الله جل وعلا لنبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]، ويقول الله جل وعلا (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة:11]، فأهل العلم والذين أوتوا العلم مرفوعون درجات بوعد الله جل وعلا الصادق لهم.
وكذلك بين جل وعلا في القرآن العظيم أن الأنبياء حملوا العلم فبلّغوه كما أمرهم الله جل وعلا بذلك، وكل رسول أُمر الناس أن يطاع وإنما أتى الرسل بالعلم من الله جل وعلا فيما أوحي إليه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) [النساء:64].
والعلم النافع أثنى عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح «مثل ما بعثني الله ما يبعثني به الله من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا» وهذا العلم النافع مُثِّل بالماء في هذا الحديث، ومُثِّل الوحي في القرآن بأكثر من آية بالماء، والوحي علم، والعلم وحي من جهة أنه يؤخذ من الوحي.
فعظم شأن العلم ينظر إليه بالنظر إلى عظم شأن النبوة وعظم شأن الرسالة، فازدياد العلم هو بقاء لأنوار الرسالة.
ومن فوائد قصة موسى عليه السلام مع السّحرة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: إن السحر والسحرة يكثرون إذا قلت أنوار العلم والنبوة، ويضمحلون إذا ازدادت أنوار العلم والنبوة. وهذا صحيح، ظاهر من قصة موسى (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الشعراء:45] فكل ما أفكوه فالعلم والسنة يلقفه ويبتلعه ويأخذه ويصيح به من كل جانب.
لهذا تجد يا طالب العلم أنّ الله جل وعلا رفع شأن العلم والعلماء في القرآن الكريم، ورفع شأنهم النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول الله جل وعلا لنبيه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) [طه:114]، ويقول الله جل وعلا (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[المجادلة:11]، فأهل العلم والذين أوتوا العلم مرفوعون درجات بوعد الله جل وعلا الصادق لهم.
وكذلك بين جل وعلا في القرآن العظيم أن الأنبياء حملوا العلم فبلّغوه كما أمرهم الله جل وعلا بذلك، وكل رسول أُمر الناس أن يطاع وإنما أتى الرسل بالعلم من الله جل وعلا فيما أوحي إليه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) [النساء:64].
والعلم النافع أثنى عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح «مثل ما بعثني الله ما يبعثني به الله من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا» وهذا العلم النافع مُثِّل بالماء في هذا الحديث، ومُثِّل الوحي في القرآن بأكثر من آية بالماء، والوحي علم، والعلم وحي من جهة أنه يؤخذ من الوحي.
فعظم شأن العلم ينظر إليه بالنظر إلى عظم شأن النبوة وعظم شأن الرسالة، فازدياد العلم هو بقاء لأنوار الرسالة.
ومن فوائد قصة موسى عليه السلام مع السّحرة ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: إن السحر والسحرة يكثرون إذا قلت أنوار العلم والنبوة، ويضمحلون إذا ازدادت أنوار العلم والنبوة. وهذا صحيح، ظاهر من قصة موسى (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ) [الشعراء:45] فكل ما أفكوه فالعلم والسنة يلقفه ويبتلعه ويأخذه ويصيح به من كل جانب.
العلم لابد فيه لتحصيله من أمور:
[النية الصالحة في طلب العلم]
أولها النية الصالحة؛ لأن طلب العلم عبادة، ومدارسة العلم خشية كما قال السلف، فطلب العلم عبادة وكما جاء في صحيح مسلم أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال «ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضح لطالب العلم رضى بما يصنع» العلم هو طلب عبادة فيحتاج إلى عزيمة وصبر -كما سيأتي- ويحتاج أولا إلى تصحيح النية.
وطالب العلم قد يأتي للعلم ويأتي مدارسته ويحضر بدون نية؛ لكن إذا طلب العلم جاءت النية؛ لأنه حينئذ يحاسب نفسه.
قال ابن المبارك وغيره من أئمة السلف: طلبنا العلم وليس لنا فيه نية، فجاءت النية بعد. لأن النية الصالحة في العلم ربما غفل عنها طالب العلم إما لصغره أو لأنه لم يستحضر هذا الأمر؛ لكن أول ما يتعلم بالعلم حديث «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» والأعمال جمع عمل، وهو العمل الذي يراد به وجه الله جل وعلا، ومن ذلك العلم وطلب العلم، فكل طلب للعلم هو بالنية، فمن أراد به ووجه الله جل وعلا فهو بحسب نيته، ومن أراد به الدنيا وأن يزداد منها، أو أن يلتفت الناس إليه، أو أن يشيروا إليه أو أن يكون مِطولا يتحدث ويحسن الكلم فإنه حينئذ فاسد النية.
قال السلف الصالح من أئمة أهل الحديث: النية في العلم أن تنوي به وجه الله جل وعلا.
قال الإمام أحمد: النية في العلم أن تنوي به رفع الجهل عن نفسك. أن تنوي به رفع الجهل عن نفسك.
وبه تلحظ أن رفع الجهل متوجه إليك، فإذا طلبت العلم فاعلم أنك تتعلم لترفع الجهل عن نفسك، الجهل بأي شيء؟ الجهل بأعظم ثلاثة أمور يسأل عنها العبد في قبره ألا وهي الجهل بالله والجهل بالدين والجهل بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن المرء يسأل في قبره؛ بل إن المسلم والمسلمة في قبره عن ثلاث من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ولها كان العلم النافع متوجها إلى رفع الجهل –جهل المرء أو المرأة – بهذه الثلاث، فيتعلم ما يستحقه الله جل وعلا من الربوبية والعبادة وحده دونما سواه ومن الأسماء وصفاته ونعوت الجمال والجلال والكمال، ويتعلم دين الإسلام بالأدلة، ويتعلم أن حق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسمه وسيرته وما دلت عليه ودلائل نبوته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يتعلم ذلك ليكون مسلما رافعا الجهل عن نفسه في هذه المسائل العظام.
وإذا كان آنس من نفسه رشدا وقوة في العلم وحفظا، فإنه يضيف إلى هذه النية أن ينفع المسلمين، ينوي وهو يتعلم أن ينفع المسلمين، وأحب عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده، فإذا نوى بعلمه أن ينفع العباد، أن ينفع عباد الله في المسجد وفي بيته وأن ينفعهم في الإجابة في أسئلتهم أو في إرشادهم أو في تعليم الجاهل، تعليم الصلاة، تعليم التوحيد، تعليم الصلاة، تعليم شروط الصلاة، هكذا، أينما كانت الحاجة ويوطن على ذلك فهو على نية صالحة.
وطالب العلم قد يأتي للعلم ويأتي مدارسته ويحضر بدون نية؛ لكن إذا طلب العلم جاءت النية؛ لأنه حينئذ يحاسب نفسه.
قال ابن المبارك وغيره من أئمة السلف: طلبنا العلم وليس لنا فيه نية، فجاءت النية بعد. لأن النية الصالحة في العلم ربما غفل عنها طالب العلم إما لصغره أو لأنه لم يستحضر هذا الأمر؛ لكن أول ما يتعلم بالعلم حديث «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» والأعمال جمع عمل، وهو العمل الذي يراد به وجه الله جل وعلا، ومن ذلك العلم وطلب العلم، فكل طلب للعلم هو بالنية، فمن أراد به ووجه الله جل وعلا فهو بحسب نيته، ومن أراد به الدنيا وأن يزداد منها، أو أن يلتفت الناس إليه، أو أن يشيروا إليه أو أن يكون مِطولا يتحدث ويحسن الكلم فإنه حينئذ فاسد النية.
قال السلف الصالح من أئمة أهل الحديث: النية في العلم أن تنوي به وجه الله جل وعلا.
قال الإمام أحمد: النية في العلم أن تنوي به رفع الجهل عن نفسك. أن تنوي به رفع الجهل عن نفسك.
وبه تلحظ أن رفع الجهل متوجه إليك، فإذا طلبت العلم فاعلم أنك تتعلم لترفع الجهل عن نفسك، الجهل بأي شيء؟ الجهل بأعظم ثلاثة أمور يسأل عنها العبد في قبره ألا وهي الجهل بالله والجهل بالدين والجهل بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن المرء يسأل في قبره؛ بل إن المسلم والمسلمة في قبره عن ثلاث من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ولها كان العلم النافع متوجها إلى رفع الجهل –جهل المرء أو المرأة – بهذه الثلاث، فيتعلم ما يستحقه الله جل وعلا من الربوبية والعبادة وحده دونما سواه ومن الأسماء وصفاته ونعوت الجمال والجلال والكمال، ويتعلم دين الإسلام بالأدلة، ويتعلم أن حق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسمه وسيرته وما دلت عليه ودلائل نبوته عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يتعلم ذلك ليكون مسلما رافعا الجهل عن نفسه في هذه المسائل العظام.
وإذا كان آنس من نفسه رشدا وقوة في العلم وحفظا، فإنه يضيف إلى هذه النية أن ينفع المسلمين، ينوي وهو يتعلم أن ينفع المسلمين، وأحب عباد الله إلى الله أنفعهم لعباده، فإذا نوى بعلمه أن ينفع العباد، أن ينفع عباد الله في المسجد وفي بيته وأن ينفعهم في الإجابة في أسئلتهم أو في إرشادهم أو في تعليم الجاهل، تعليم الصلاة، تعليم التوحيد، تعليم الصلاة، تعليم شروط الصلاة، هكذا، أينما كانت الحاجة ويوطن على ذلك فهو على نية صالحة.
[الصبر على طلب العلم]
يحتاج طالب العلم إلى أمر ثاني بعد النية ألا وهو أن يعلم أن طريق العلم ليس بالقصير، طريق العلم طويل جدا بل هو مع الإنسان منذ أن يبدأ في العلم إلى أن يقضي الله أمر كان مفعولا بوفاته.
وإذا كان كذلك فإنّ توطين النفس على الصبر مطلوب.
والصبر هنا من جهتين:
الجهة الأولى: أن العلم عبادة، وكل عابدة تحتاج إلى صبر.
والأمر الثاني: الصبر على الثبات على سلوك طلب العلم، فإن طلب العلم يحتاج إلى صبر كثير، هل هو صبر في حضور الدروس فقط؟ لا!، صبر في ملازمة المشايخ؟ لا!، هل هو صبر في استماع العلم؟ لا!، ليس هذا فقط؛ بل صبر على أن لا يشغله عن العلم ما هو دونه، وهذا أعظم ما وجد أنه يعيق العلم، وهو أنه خاصة في الشباب -وأكثركم من الشباب- خاصة في هذا السن فإنه قد يشغلك عن العلم الأصحاب أو النُّزه، أو يشغلك عن العلم أمور كثيرة مما تلذ لها النفس، تأخذ من هذه حظا لكن بحيث لا تشغلك عن العلم.
ولقد قال بعض العلماء وهو ابن عطاء الله قال: من كانت بداياته مُحرقة كانت نهاياته مشرقة. من كانت بداياته محرقة قوية كانت نهاياته مشرقة.
ونحوه قول ابن المبارك أيضا قال: إذا رأيت موعظة، أو إذا مررت بجدار فرأيت مكتوبا عليه موعظة، فقف عندها لتتعظ؛ ولكن الفقه في الدين إنما يكون بالمشافهة والسماع.
وهذا يبين لك أن الإنسان في المواعظ خاصة الشباب قد يجدها مع صحبه في أي مكان يكون فيه، مما يرقق قلبه أو مما يقوي همته في الاستقامة ونحو ذلك.
لكن العلم يحتاج إلى المشافهة والسماع، فقد يكون في ذلك انقطاع عما تلذ له النفس، لذلك ينبغي الصبر.
وكما قال ذاك من كان بداياته محرقة في العلم، إذا كانت في شبابك كانت البدايات قوية محرقة أحرقت شبابك وأحرقت قوتك، وسخرت ما أعطاك الله من الشباب والقوة وقوة الذهن والنشاط، سخرته للعلم، كانت النهايات مشرقة؛ أشرقت عليك فقها وعلما واستقامة بإذن الله، وأشرقت على غيرك أيضا.
وأما من كانت في البدايات ضعيفا فإنه سيظل ضعيفا دون استفادة.
لهذا ينبغي أن توطّن نفسك على أن طريق العلم يحتاج إلى صبر.
وخذ مثلا لذلك قصة موسى عليه السلام مع الخضر كيف أنه لم يصبر فلم يستفد من الخضر إلا ثلاث مسائل فقط؛ لأنه لم يصبر وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الصحيح «وددنا لو أن موسى صبر» يعني فتعلمنا وأخذنا وعلمنا ما عند عبد الله الخضر.
الصبر في العلم يحتاج منك إلى قوة؛ قوة نفسية صارمة في أن تحفظ وأن تفهم وأن تستمع، وأن يكون العلم هو الشغل الشاغل.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ربما أتتني المسألة في العلم وأنا مع أهلي -يعني في حالة أن يكون مع أهله-، وربما انقدح لي في العلم تحريرا أو كما قال وأنا مع أهلي، وهذا من باب أولى أنه إذا كان مع غيرهم في حالٍ يكون فيه الأنس أقل أن يكون تعلقه بالعلم أكبر وأعظم.
ابن رجب رحمه الله تعالى الحافظ العلامة زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ رحمه الله تعالى كان في العلم ليلَه ونهاره، ولذلك صنف هذه التصانيف الشائقة البديعة التي يحتاج إليها، أكثرها ليس فيه تكرير، ليس تكرار لمؤلفات من قبله.
ابن رجب كانت همته في العلم عالية جدا، حتى إنه قرأ ما قرأ من العلم في شبابه على مشايخه وتأخّر زواجه، فلما تزوّج أتته امرأته متعطّرة ومتطيبة، ووقفت على رأسه وهو منكب على أوراقه وكتبه، فرفع رأسه إليها وقال: نظرت إليه وفإذا هي كذا وكذا وصفها من جهة استعدادها له وتزينها وتطيبها وتجملها، قال: ثم أطرقت برأسي على أوراقي وأكملت فغضبت امرأتي فذهبت؛ لأنه لم يلتفت إليها كثيرا الواجب أن يعطى كل ذي حق حقه وإن لأهلك عليك حقا؛ ولكن أحيانا تزيد الهمة ويزيد الرغب فيصبر المرء في علمه عما هو بحاجة إليه، فيختار ما يقوى به تعلق النفس وهو العلم والكتابة والبحث والتحرير.
بعض أهل العلم كان إذا نام لا ينام إلا بجانبه بعض الكتب والمراجع الأساسية لماذا؟ لأنه قد يحتاج، يفكر في مسألة تكون بجانبه.
وإذا كان كذلك فإنّ توطين النفس على الصبر مطلوب.
والصبر هنا من جهتين:
الجهة الأولى: أن العلم عبادة، وكل عابدة تحتاج إلى صبر.
والأمر الثاني: الصبر على الثبات على سلوك طلب العلم، فإن طلب العلم يحتاج إلى صبر كثير، هل هو صبر في حضور الدروس فقط؟ لا!، صبر في ملازمة المشايخ؟ لا!، هل هو صبر في استماع العلم؟ لا!، ليس هذا فقط؛ بل صبر على أن لا يشغله عن العلم ما هو دونه، وهذا أعظم ما وجد أنه يعيق العلم، وهو أنه خاصة في الشباب -وأكثركم من الشباب- خاصة في هذا السن فإنه قد يشغلك عن العلم الأصحاب أو النُّزه، أو يشغلك عن العلم أمور كثيرة مما تلذ لها النفس، تأخذ من هذه حظا لكن بحيث لا تشغلك عن العلم.
ولقد قال بعض العلماء وهو ابن عطاء الله قال: من كانت بداياته مُحرقة كانت نهاياته مشرقة. من كانت بداياته محرقة قوية كانت نهاياته مشرقة.
ونحوه قول ابن المبارك أيضا قال: إذا رأيت موعظة، أو إذا مررت بجدار فرأيت مكتوبا عليه موعظة، فقف عندها لتتعظ؛ ولكن الفقه في الدين إنما يكون بالمشافهة والسماع.
وهذا يبين لك أن الإنسان في المواعظ خاصة الشباب قد يجدها مع صحبه في أي مكان يكون فيه، مما يرقق قلبه أو مما يقوي همته في الاستقامة ونحو ذلك.
لكن العلم يحتاج إلى المشافهة والسماع، فقد يكون في ذلك انقطاع عما تلذ له النفس، لذلك ينبغي الصبر.
وكما قال ذاك من كان بداياته محرقة في العلم، إذا كانت في شبابك كانت البدايات قوية محرقة أحرقت شبابك وأحرقت قوتك، وسخرت ما أعطاك الله من الشباب والقوة وقوة الذهن والنشاط، سخرته للعلم، كانت النهايات مشرقة؛ أشرقت عليك فقها وعلما واستقامة بإذن الله، وأشرقت على غيرك أيضا.
وأما من كانت في البدايات ضعيفا فإنه سيظل ضعيفا دون استفادة.
لهذا ينبغي أن توطّن نفسك على أن طريق العلم يحتاج إلى صبر.
وخذ مثلا لذلك قصة موسى عليه السلام مع الخضر كيف أنه لم يصبر فلم يستفد من الخضر إلا ثلاث مسائل فقط؛ لأنه لم يصبر وقد قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الصحيح «وددنا لو أن موسى صبر» يعني فتعلمنا وأخذنا وعلمنا ما عند عبد الله الخضر.
الصبر في العلم يحتاج منك إلى قوة؛ قوة نفسية صارمة في أن تحفظ وأن تفهم وأن تستمع، وأن يكون العلم هو الشغل الشاغل.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: ربما أتتني المسألة في العلم وأنا مع أهلي -يعني في حالة أن يكون مع أهله-، وربما انقدح لي في العلم تحريرا أو كما قال وأنا مع أهلي، وهذا من باب أولى أنه إذا كان مع غيرهم في حالٍ يكون فيه الأنس أقل أن يكون تعلقه بالعلم أكبر وأعظم.
ابن رجب رحمه الله تعالى الحافظ العلامة زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795هـ رحمه الله تعالى كان في العلم ليلَه ونهاره، ولذلك صنف هذه التصانيف الشائقة البديعة التي يحتاج إليها، أكثرها ليس فيه تكرير، ليس تكرار لمؤلفات من قبله.
ابن رجب كانت همته في العلم عالية جدا، حتى إنه قرأ ما قرأ من العلم في شبابه على مشايخه وتأخّر زواجه، فلما تزوّج أتته امرأته متعطّرة ومتطيبة، ووقفت على رأسه وهو منكب على أوراقه وكتبه، فرفع رأسه إليها وقال: نظرت إليه وفإذا هي كذا وكذا وصفها من جهة استعدادها له وتزينها وتطيبها وتجملها، قال: ثم أطرقت برأسي على أوراقي وأكملت فغضبت امرأتي فذهبت؛ لأنه لم يلتفت إليها كثيرا الواجب أن يعطى كل ذي حق حقه وإن لأهلك عليك حقا؛ ولكن أحيانا تزيد الهمة ويزيد الرغب فيصبر المرء في علمه عما هو بحاجة إليه، فيختار ما يقوى به تعلق النفس وهو العلم والكتابة والبحث والتحرير.
بعض أهل العلم كان إذا نام لا ينام إلا بجانبه بعض الكتب والمراجع الأساسية لماذا؟ لأنه قد يحتاج، يفكر في مسألة تكون بجانبه.
[التدرج في طلب العلم]
المسألة الثالثة أو الصفة الثالثة من صفات طالب العلم أو مما يحتاجه طالب العلم:
أن يتعلم في علمه أن الأمور لا تأتي شيئا واحدا، لا تأتي مرة واحدة، وإنما تأتي شيئا فشيئا فالعلم، لا يأتي جميعا، ومن أراد العلم جملة -كما قال ابن شهاب الزهري ذهب عنه جملة-، وإنما يطلب العلم على مر الأيام والليالي.
أن يتعلم في علمه أن الأمور لا تأتي شيئا واحدا، لا تأتي مرة واحدة، وإنما تأتي شيئا فشيئا فالعلم، لا يأتي جميعا، ومن أراد العلم جملة -كما قال ابن شهاب الزهري ذهب عنه جملة-، وإنما يطلب العلم على مر الأيام والليالي.
[الهمة العالية في طلب العلم]
السمة الرابعة وهي المقصودة بهذه المحاضرة أن تكون الهمة عالية.
والهمة وصف نفسي، وصف للنفس تُشغل صاحبها إلى المعالي، من الناس من تضعف همته فيرى العلم لا قيمة له، وكثير من الناس والشباب يعني إيش فائدة العلم؟
وكان بعض العلماء يحفظ القاموس المحيط الفيروز آبادي، القاموس ما معناه البحر، ولا يصلح أن يسمى المعجم قاموسا؛ لأن المعجم الكتاب الذي يُفك فيه الإعجام؛ يعني ما جهلته وما استعجم عليك، أما القاموس فمعناه البحر إذا كان معجم يسمى قاموسا فهو غلط، فهو ظن أن القاموس بمعنى المعجم لكن القاموس بمعنى البحر، فيروز آبادي سمّى كتابه القاموس المحيط والقاموس الوسيط لما تفرق من كلام العرب كما قيل يعني منتثرا جمع فيه لغة العرب، كان بعض العلماء يحفظ القاموس، فسئل عنه بعض العلماء الآخرين لكنه كان عصرانيا يعني يحب العلوم العصرية، وإن كان من العلماء ويميل إليها، فقيل إن فلانا يحفظ القاموس فقال ما شاء الله زادت في مصر نسخة من القاموس.
وهذا فيه توهين بشأن الحفظ، والحفظ هو أساس العلم، الحفظ هو أساس العلم الموروث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الله جل وعلا قال لنبيه(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)[القيامة:18-19].
الأول: الحفظ (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)، وقال في الآية الأخرى (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ)[الفرقان:32]، (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ)[الإسراء:106].
(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يعني يأتي البيان والفهم والإيضاح بعد الحفظ.
كذلك السنة، السنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى بحفظها فقال «نضر الله امرئا» وفي رواية «نضر الله وجه امرئ» نضر يعني جعل الله وجهه ناظرا نضرا في الدنيا والآخرة «نضر الله امرئ سمع مقالتي فحفظها -وفي رواية: فوعاها- فأداها كما سمعها فرُب مبلغ أوعى من سامع» الصحابة ألم يحفظوا السنة؟ حفظوها، كانوا فقهاء؟ ليس كل الصحابة فقهاء؛ لكن حفظوا السنة فبلغوها، فأتى من فهم السنة وواعاها وشرحها حفظا للدين في هذه الأمة.
أبو هريرة رضي الله عنه كان يراجع الحديث ليحفظه، فعلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشقته في ذلك فقاله له «يا أبا هر ابسط رداءك» فبسطه، قال «ضم رداءك» فضمه، قال: فما نسيت بعدها من العلم إذا سمعته شيئا.
أكثر من حفظ السنة من الصحابة أبو هريرة رضي الله عنه، وكان يصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ملء بطنه.
هذه الهمة، الشغف الذي في داخل الإنسان أساسه الحفظ؛ يعني يحرص على أن يحفظ؛ لأن الفهم عرض يطرأ ويزول، إالحظ من تخرج منكم مثلا من الثانوي، من تخرج من السنة الأولى من الجامعة، من تخرج من الجامعة كم بقي معه من المعلومات التي فهمها قليل؛ لكن إذا حفظ تبقى المحفوظات، وإذا ذهبت إذا راجعها رجعت، ثم إذا راجع شرحها أتى متى أراد ذلك بتوفيق الله.
لهذا يحرص طالب العلم على أن تكون همته قوية كما كانت همة السلف في الحفظ.
الهمة الثانية المحتاج إليها: الهمة في ملازمة المشايخ والرحلة وطلب العلم، نرى الآن في هذه الدورة ولله الحمد ممن رحلوا لطلب العلم، منهم من أتى من الكويت ومن الإمارات ومن عمان ومن البحرين ومن غيرها، ومن بلاد المملكة أيضا جاءوا من عدد من البلاد، هذه الرحلة من طلب العلم هي نوع من الهمة التي كان السلف يحرصون عليها.
خذ مثلا ما علقه البخاري في صحيحه ووصله في كتابه في كتابه الأدب المفرد، وهو قوله: ورحل جابر بن عبد الله -وكان في المدينة- إلى عبد الله بن أنيس -الصحابي وكان في الشام- من أجل حديث واحد.
وصله في الأدب المفرد في أن جابر بن عبد الله -الصحابي رضي الله عنهما يعني عنه وعن أبيه- رحل إلى عبد الله بن أنيس قال:
سمعت أن عبد الله بن أنيس لديه حديث لم أسمعه. فرحل من المدينة إلى الشام شهرا، فلما دخل إلى الشام سأل عن بيت عبد الله بن أنيس فدُل عليه، فلما طرق الباب خرج له الخادم فقال له: أين عبد الله بن أنيس. فقال من أنت؟ لا يعرفه ليس من أهل دمشق. فقال: أنا جابر بن عبد الله. الخادم قال: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: نعم. فذهب فأتاه عبد الله أنيس، فعانقه، ثم قال: أتيت إليك من المدينة سمعت أن عندك حديثا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أردت أن أسمعه منك. قال وأي حديث ذاك. فقال: قوله –يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلا بهما» فقال: نعم فقص عليه الحديث.
هذه المهمة تأثر بها صغار الصحابة، عبد الله بن عباس كان هو وله صديق من الأنصار، عبد الله بن عباس شباب في وقت عمر بن الخطاب كان في أوائل العشرينات من العمر، كان له صاحب من الأنصار فكان عبد الله بن العباس يغشى مجالس من الصحابة ويحرص على أن يستفيد منهم، فعاتبه صاحبه من الأنصار وقال: يا عبد الله أتظن أن الناس يحتاجون إلى علمك أو يحتاجون إليك، وهؤلاء صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موجودون؟ فابن العباس لم تثنه هذه الكلمة عن الهمة وملازمة الكبار لأن الناس فعلا احتاجوا إليه بعد أن قل الصحابة، فكان يلازم باب أحد الصحابة -باب أحد الأنصار- حتى تسفي عليه الريح التراب وهو عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصبر حتى يخرج إليه أو يخرج الصحابي ويصحبه إلى المسجد، يصحبه إلى مكان فيسأله عن العلم.
وهمة السلف في ذلك فيها أخبار كبيرة، ومن طالع كتب السير والتراجم وجد من ذلك شيئا كثيرا.
ونذكر بعض الأخبار في هذا لتُبين شدة همة السلف في هذا الأمر.
قال الشعبي رحمه الله تعالى عامر بن شراحيل الشعبي أحد أئمة التابعين، وهو يذكر بعض علومه يقول: لو شئتم أنشدتكم شهرا شعرا -يعني شهر كامل، لو شئتم أنشدكم شهرا شعرا- لا أعيد. يعني ما أكرر عليكم؛ لكن ما ينتسب العالم تكون همته دائما الشعر، وإنما الشعر يستفاد منه بحسب الحاجة إليه.
أبو حاتم الرازي والد عبد الرحمن كتاب الجرح والتعديل -أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الرازي- كان أحد أئمة الإسلام الجهابذة المعروفين وصاحب سنة وحجة، قص عن نفسه خبر طلبه للعلم وهو صغير قال: تركت الرّي لطلب العلم سنة 213هـ ورجعت إلى الري 221هـ يعني كم مكث؟ مكث سبع سنين وأشهر، ذهبت أو خرجت من الري في طلب الحديث وذكر قصته، كيف أنه يخرج من بلد إلى بلد ماشيا على الأقدام.
قال وهذا هو المهم لكم الآن قال: وقد أحصيت ما مشيت على قدمي في طلب العلم حتى بلغت ألف فرسخ، فلما بغت ألف فرسخ تركت الإحصاء، ألف فرسخ أحصاها هو، ويخبر عن نفس في كتابه ألف فرسخ يعني يرويها عنه ابنه، ألف فرسخ كم؟ الفرسخ خمس كيلوات، ألف فرسخ في خمسة: خمسة آلاف كليمومتر مشاها على قدميه في طلب العلم، الآن سيارات ولا طلب علم، فيه طيارات والعلم ضعيف ما يُحرص، يأتي العالم ويجتهد، وربما يزور البلد قليل من يحرص على الأخذ عنه والسماع منه وحضور درسه.
والسلف وأئمة الإسلام كيف كان أئمة بتوفيق الله جل وعلا لهم أولا وآخرا، ثم أعطاهم الله جل وعلا أسبابا فيها القوة وفيها الهمة.
وذكر عن نفسه أشياء من رحلته من بلد إلى بلد لتحصيل ربما حديث واحد حتى جمع العلم.
الإمام أحمد رحمه الله تعالى رحل رحلات كثيرة، وكان منها للحج خمس مرات، وكان ثلاث منها من الخمس لقصد لقاء أهل العلم في الحج، قال: أنفقت في رحلة -ما عنده مال المال قليل- أنفقت في رحلة ثلاثين درهما، الدرهم محدود ثلاثين درهم يعني ثلاثة دنانير؛ لأن الدينار من عشر إلى اثنا عشر درهم؛ يعني الدرهم فضة والدينا ذهب، قال: أنفقت مرة ثلاثين درهما يعني من كثرتها وهذا يدلك على شدة الصبر في المأكل وفيما يركب وربما ماشيا إلى آخره.
الإمام أحمد لما انتهى أمره إلى القوة والوقوف بالسنة ونصرة السنة، لما جاءت فتنة خلق القرآن مُنع من التحديث قال له ولي الأمر: لا تحدث فالتزم، وصار يذهب إلى المسجد ويرجع، ولا يلقي العلم.
قال بقي بن مخلد صاحب أكبر مسند من مسانيد الحديث لا يوجد، أكبر مسند من مسانيد الحديث مسند، مسند بقي بن مخلد، بقي بن مخلد أحد علماء الأندلس، رحل من الأندلس إلى بغداد وذهب يسأل ما يدري عن فتنة خلق القرآن، ولا منع الإمام أحمد بن حنبل، أين أحمد بن حنبل؟ أين أبو عبد الله؟ أخبروه بأنه لا يحدّث.
قال فطرقت عليه الباب في بيته وطلبته فأتاني وقلت له: أنا طالب علم أتيت من المغرب. قال له الإمام أحمد: من أفريقية؟ قال: لا أبعد إذا أردنا أفريقية قطعنا لها البحر، أنا من الأندلس. قال: مرحبا بك. قال: ما تريد؟ قال: والله ما أتيت إلا أن آخذ العلم عنك. فقال له الإمام أحمد: لعلك سمعت ما عليّ من أني لا أحدّث. قال: ولكني أريد الحديث وحدي أو أعطني من العلم. فقال له الإمام أحمد: بشرط. قال: اشترط ما بدا لك. قال: أن لا تجلس في حلقة من حلقات العلم والحديث.
حتى لا يُعرف أنه يجلس في حلق العلم، ويأتي الإمام أحمد معناه الإمام أحمد أصبح يعلم في بيته.
فقال: لك ما اشترطت. قال: إذن ايتني كل يوم على هيئة سائل. -وطالب العلم سائل يسأل العلم-، ثم اطرق الباب، فإذا خرجت أعطيتك وخبزا ومع الخبز حديثا أو أحاديث، فأخذ سنين يأتيه.
قال: فتلفعت بعمامة وصفها ولبست لباس السؤّال الفقراء، قال: كل يوم آتي وأطرق الباب على هيئة سائل وأقول لهم: الأجر رعاكم الله. قال بقي: وكانت صفة السؤّال في بغداد: الأجر رعاكم الله؛ يعني ابتغوا الأجر أو أطلبوا الأجر أو نحو ذلك.
يقول: فيأتي الإمام أحمد ويعطيني بعض الخبز ومعه حديث أو أحاديث.
قال: فأخذت كثيرا. قال: فلما مات الخليفة وجاء الذي بعده وكان صاحب سنة -يعني به المتوكل- صار الإمام أحمد يدرس في المسجد، قال: فكان يدنني ويخصني من بين الطلاب ويقول: هذا يصدق أنه طالب علم، كيف يصبر هذه السنين الطويلة في هيئة سائل، وكل يوم يأتي، فيها هضم للنفس، يأتي بهذه الصفة لأجل أن يأخذ من الإمام أحمد علم حديث أو حديثين كل يوم، قال: هذا يصدق عليه أنه طالب علم.
هذه همة ليست بالسهلة وازدراء للنفس ليس بالسهل، ورحلة من الأندلس إلى بغداد لأجل هذا الأمر، ليس بالسهل، وكلها تعطيك عظم هذه الهمة.
يقول: حتى مرضت ففقدني أبو عبد الله، فسأل عني، فقالوا: إنه مريض فزارني في الخان، كان يسكن في الخان؛ يعني فندق، وأنا كنت مستقليا سمعت جلبة ثم دخل عليّ الداخل من أهل الخان أنت تعرف أنا عبد الله؟ أنت من أصحاب عبد الله؟ فقلت: نعم. فقال: لِم لمَ تخبرنا من أول ما نزلت؟ أتى أبو عبد الله أحمد أتى لزيارتك، ففتح الباب، فدخل أحمد فقال له: فقدناك فزرناك، زادك الله ثوابا، أو قال: أرج الثواب من الله، يا بقيّ إن أيام الصحة لا سقم فيها، وإن أيام السقم لا صحة فيها، أعلاك الله إلى العافية، ومسح عنك بيمينه الشافية. قال: والطلاب حوله يكتبون ما يقول. أعلاك الله إلى العافية ومسح عنك بيمينه الشافية.
والقفة هنا في القصة أخذتم عبرتها؛ لكن خذ كلمة الإمام أحمد إن أيام الصحة لا سقم فيها، وإن أيام السقم لا صحة فيها.
يريد بذلك أنّ طالب العلم همّته تكون في أيام الصحة، فلما كانت أيام الصحة التي لا سقم فيها فعندك المجال والهمة قوية؛ لأنه ربما أن يعرض لك عارض، وهذا مأخوذ من قل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وخذ من صحتك لمرضك».
ابن الجوزي رحمه الله تعالى أحد العلماء الإسلام المعروفين وصفه الذهبي بي كتابه سير أعلام النبلاء بقوله: عبد الرحمن ان علي البكري -لأنه من ذرية أبي بكر الصديق- المعروف بابن الجوزي عالم العراق وواعظ الآفاق. وأخذ في سرد جملة من أخباره.
ابن الجوزي رحمه اله كان في صغره وفي كبره عنده الهمة والإلحاح في طلب العلم آخذا قول الإمام أحمد: أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. ماذا يقول؟ يقول: كنت إذا أراد أن يزورني أحد اشتغلت أثناء زيارته بتجهيز الأوراق للكتابة وببري الأقلام؛ يعني ما يضيع وقته معهم، يستأنس معهم بالكلام؛ لكن من جهة اليد والعمل يشتغل بما ينفعه لأن الوقت هذا ماشي والذهن معهم بالكلام؛ لكن العمل اليد يبري الأقلام ويجهز الأوراق.
وكان يقول عنه أحد تلامذته: إذا دخل الخلاء أوصى ابنته أو نحو من ذلك: أن تقرأ عليه من الخارج؛ يعني تقرأ عليه إما كتاب كذا مما يناسب أن يسمعه.
من همته وصفاء نيته أنه ألف أكثر من خمسمائة كتاب بعضها في رسالة وبعضها كبير في مجلدات كبيرة.
الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى صاحب فتح الباري شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري صاحب التصانيف البديعة المعروفة، ماذا يقول عن نفسه؟ ذكر الكتب التي قرأها على مشايخه، فذكر أنه قرأ الموطأ على أحد مشايخه في جلسة واحدة، جلسة واحدة كم؟ خمس ست ساعات، وقرأ صحيح مسلم في ثلاثة أيام على مشايخه وأجيز بذلك، وقرأ... وأخذ يذكر ما قرأه في أيام من الكتب على مشايخه وهو مدون في ترجمته في كتاب السخاوي الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر.
هذه الهمة تحتاج منك إلى تأمل، تحتاج إلى سعة وقوة في أن تتعرف لماذا نبغ السلف؟ لماذا كثر فيهم العلماء؟ كان يحضر في المجلس الواحد ليستمع للحديث أكثر من عشرة آلاف، حتى إنه ذُكر في بغداد مرة، أنه لما عطس الشيخ الذي يعلِّم أو الشيخ الذي يُقرئ، صار الناس يقولون رحمك الله رحمك الله حتى وصلت كلمة رحمك الله وهو في حديقة قصره قال: ما هذا؟ قال: يشمتون المحدث فلان؛ لأن الناس متواصلين ويستمعون الحديث وينقل بعضهم إلى بعض.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال -كما رواه البخاري في صحيحه:
كان لي جار من الأنصار وكنا نسكن في بني أمية بن زيد حي في العوالي المدينة، كانت الأحياء بأسماء القبائل أو بأسماء الناس، قال: كنا نتناوب على النزول إلى المدين أنزل يوما وينزل هو اليوم الذي يليه، فأخبره ما نزل من الوحي أو ما جاء من العلم، وإذا لم أنزل جاء فأخبرني.
إذا ما حصلت على العلم جميعا لا بأس أنك تجتهد مع أصحابك في أن يتناقل بعضكم العلم، كلموه بالتلفون يجلس ساعة أحوالك ورد اجعلها في العلم، اجعلها فيما ينفعك، ماذا سمعت، ماذا استفدت، حضرت اليوم عند من؟ ما هي الفوائد؟ وإذا حضرت عند معلم اكتب الفوائد، ومن زكاة هذه الفوائد أنك جلست مع أصحابك، والله حضرت عند فلان من العلماء أو من طلبة العلم أو المشايخ فاستفدت ذكر كذا وكذا فائدة إما فائدة في العقيدة أو في الفقه أو التفسير إلى آخره أو العلوم المساعدة وهكذا.
إذن نحتاج إلى عزيمة صادقة وأن نطالع كيف طلب السلف العلم، أئمة الحديث وصلوا إلى هذا المستوى بالنوم؟ وصلوا به بالارتخاء؟ وصلوا إليه بالاشتغال يمنة ويسرة؟ لا، لكن تعبوا وأصلحوا النية فآتاهم الله جل وعلا ثواب ما علموا .
لهذا أوصي الجميع والوقت يضيق عن بسط الأمثلة، أوصي بأن تحرصوا على مجالسة العلماء الأحياء والأموات، جالسوا العلماء الأحياء والأموات، أما الأحياء فاستفيدوا منهم لفظا وسماعا، وأما الأموات فاقرؤوا كتبهم.
دخل جماعة إلى عبد الله ابن المبارك، والذهبي له رسالة في أخبار ابن المبارك اسمها قضِّ بنهارك مع ابن المبارك، دخل عليه جماعة فخرج عليهم فكأنه لم يستأنس لهم، فقال له بعضهم كأن عندك من يؤنسك، كأنه يشير أنك جالس مع أهلك أو جالس مع عيالك، قال: إي والله عندي من هو أفضل أنا مع سير صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع سير تابعيهم. يعني في العلم فإذا أنست بالعلم وأنست بأهله بعثت فيكم الهمة القوية.
ولهذا وصيتي لنفسي أولا ولكم أن تكثروا من مجالسة العلماء الأحياء والأموات، أما الأموات، فإنك ستحيي عند الهمة في أن تكون مثلهم، والسلف نبغوا وصاروا أئمة ونفعوا المسلمين، وبقي نفعهم إلى الآن إلى قيام الساعة، لم؟ صدق اللجأ إلى الله جل وعلا وإصلاح النية وأن العلم طلبوه على أصوله فنفع.
سابقا قبل 20 سنة و30 سنة زملاؤنا وأصحابنا ورفقاؤنا كنا طلاب علم يعني كنا لا نفهم شيئا في وقت من الأوقات، عندي دفاتر أسجل فيها الفوائد قبل مدة أفتش في بعضها التي كتبتها أول ما جلست في حلق العلم أو استمعت إلى العلم أو قرأت، فإذا فيها أشياء لا تساوي اليوم أن تكون فائدة؛ لكنها في أول الأمر كانت فائدة مهمة: إما في العقيدة أو في السنة أو في المصطلح أو في الفقه.
فالعلم يزداد بالهمة، ففي ذاك الزمان فوائد وحريصين، العلماء يتخرمون ويذهبون فيبقى من يبقى للأمة يبقى للمسلمين من يحمل هذه الأمانة من يحمل الكتاب والسنة؟ من يحمل الفقه؟ من يحفظ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه في أمته؟ أنتم.
إذا ما حفظه أهل العلم وجدوا في ذلك من يحفظه؟ لاشك أنه سيذهب، ولذلك نخشى من وقت يأتي فيه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إن لا يقبض هذا العلم انتزاعا من صدور العلماء لكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا» كيف قبض العلماء؟ يعني موتهم، ينقطع العلماء؛ إذن ينقطع طلبة العلم، فيتخذ الناس رؤوسا جهالا فيسألون فيفتون بغير العلم فيَضلون ويُضلون.
فهذه المسألة صعبة، صعبة جدا فكل واحد منكم يأنس من نفسه رشدا وقوة فأفضل شيء في سبيل الله اليوم هو العلم، أعظم أنواع العلم أعظم أنواع الجهاد الذي تحتاجه الأمة الجهاد العلمي، أن تتعلم وتحفظ وتفهم وتقوى في هذا الجانب، إذا كان عندك قوة وملكة في هذا حتى تنفع الأمة، الأمة بحاجة اليوم إلى من؟ إلى العلماء الربانيين الذي يقودون الأمة إلى الخير ويشرحون سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
في ختام هذه الكلمة أوصيكم بالاستفادة من هذه الدورة ومن جميع الدورات، وبالاستماع إلى كلام أهل العلم سواء بالمشافهة والمجالسة وبثني الركب أو بالاستماع إلى الأشرطة وما خلفوه من العلم فإنكم لا تدرون متى سيحتاج الناس إليكم، لا تدرون متى سيحتاج إليكم منكم من عمره خمس عشرة عشرين بعد خمسين سنة الكثير والأكثر من طلبة العلم اليوم والعلماء سيذهبون ويبقى الصغار بعد ثلاثين أربعين سنة سينفعون، لا تدرون، فاحفظوا علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمته، احفظوا فقه الإسلام في هذه الأمة.
ولا يكون على أيديكم ذهاب حمل العلم بل احرصوا وجدوا في ذلك نية صالحة وجهاد في سبيل الله.
ولذلك قال: جمع من أهل العلم أفض النوافل على الإطلاق طلب العلم، قالوا: الجهاد؟ قالوا: لا، طلب العلم أفضل من الجهاد. يعني جهاد النفل، لماذا؟ قال: لأن طالب العلم ينتفع منه الناس، نفْعه متعد، ينفع في حاضره وفي مستقبله فطلب العلم نفعه متعد، ولذلك فضله كثير من أهل العلم على الجهاد.
وهذه المسألة تبحث في أو لكتاب الجهاد من كتب الفقه ويقولون إن أفضل النوافل الجهاد والأكثر أفضل النوافل طلب العلم لمن كان عنده القدرة على ذلك.
أسأل الله الكريم أن يوفقكم إلى ما فيه من انشراح الصدر في سبيل العلم والتعلم، وأن يقويّ منكم العقل منكم العقل والقلب والفهم وأن يصحح منكم النية وأن يجعلني وإياكم ممن استقام لسانه واستقام فعله واستقام قلبه على ما يحب ويرضى.
كما اسأله سبحانه أن يجزي عنا مشايخنا ومن علَّمنا خيرا، وأن يجعلنا ممن حمل الرسالة وأدّى العلم إلى من بعدنا، كما أداه من قبلنا إلينا، إنه سبحانه جواد كريم.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، واجعلنا جميعا من المتعاونين على البر والتقوى، نسألك اللهم رضاك، نسألك اللهم رضاك، نسألك اللهم رضاك.
وصلى الله وسلم وبارك على بينا محمد.
والهمة وصف نفسي، وصف للنفس تُشغل صاحبها إلى المعالي، من الناس من تضعف همته فيرى العلم لا قيمة له، وكثير من الناس والشباب يعني إيش فائدة العلم؟
وكان بعض العلماء يحفظ القاموس المحيط الفيروز آبادي، القاموس ما معناه البحر، ولا يصلح أن يسمى المعجم قاموسا؛ لأن المعجم الكتاب الذي يُفك فيه الإعجام؛ يعني ما جهلته وما استعجم عليك، أما القاموس فمعناه البحر إذا كان معجم يسمى قاموسا فهو غلط، فهو ظن أن القاموس بمعنى المعجم لكن القاموس بمعنى البحر، فيروز آبادي سمّى كتابه القاموس المحيط والقاموس الوسيط لما تفرق من كلام العرب كما قيل يعني منتثرا جمع فيه لغة العرب، كان بعض العلماء يحفظ القاموس، فسئل عنه بعض العلماء الآخرين لكنه كان عصرانيا يعني يحب العلوم العصرية، وإن كان من العلماء ويميل إليها، فقيل إن فلانا يحفظ القاموس فقال ما شاء الله زادت في مصر نسخة من القاموس.
وهذا فيه توهين بشأن الحفظ، والحفظ هو أساس العلم، الحفظ هو أساس العلم الموروث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الله جل وعلا قال لنبيه(فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ*ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ)[القيامة:18-19].
الأول: الحفظ (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)، وقال في الآية الأخرى (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ)[الفرقان:32]، (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ)[الإسراء:106].
(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يعني يأتي البيان والفهم والإيضاح بعد الحفظ.
كذلك السنة، السنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوصى بحفظها فقال «نضر الله امرئا» وفي رواية «نضر الله وجه امرئ» نضر يعني جعل الله وجهه ناظرا نضرا في الدنيا والآخرة «نضر الله امرئ سمع مقالتي فحفظها -وفي رواية: فوعاها- فأداها كما سمعها فرُب مبلغ أوعى من سامع» الصحابة ألم يحفظوا السنة؟ حفظوها، كانوا فقهاء؟ ليس كل الصحابة فقهاء؛ لكن حفظوا السنة فبلغوها، فأتى من فهم السنة وواعاها وشرحها حفظا للدين في هذه الأمة.
أبو هريرة رضي الله عنه كان يراجع الحديث ليحفظه، فعلم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشقته في ذلك فقاله له «يا أبا هر ابسط رداءك» فبسطه، قال «ضم رداءك» فضمه، قال: فما نسيت بعدها من العلم إذا سمعته شيئا.
أكثر من حفظ السنة من الصحابة أبو هريرة رضي الله عنه، وكان يصحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ملء بطنه.
هذه الهمة، الشغف الذي في داخل الإنسان أساسه الحفظ؛ يعني يحرص على أن يحفظ؛ لأن الفهم عرض يطرأ ويزول، إالحظ من تخرج منكم مثلا من الثانوي، من تخرج من السنة الأولى من الجامعة، من تخرج من الجامعة كم بقي معه من المعلومات التي فهمها قليل؛ لكن إذا حفظ تبقى المحفوظات، وإذا ذهبت إذا راجعها رجعت، ثم إذا راجع شرحها أتى متى أراد ذلك بتوفيق الله.
لهذا يحرص طالب العلم على أن تكون همته قوية كما كانت همة السلف في الحفظ.
الهمة الثانية المحتاج إليها: الهمة في ملازمة المشايخ والرحلة وطلب العلم، نرى الآن في هذه الدورة ولله الحمد ممن رحلوا لطلب العلم، منهم من أتى من الكويت ومن الإمارات ومن عمان ومن البحرين ومن غيرها، ومن بلاد المملكة أيضا جاءوا من عدد من البلاد، هذه الرحلة من طلب العلم هي نوع من الهمة التي كان السلف يحرصون عليها.
خذ مثلا ما علقه البخاري في صحيحه ووصله في كتابه في كتابه الأدب المفرد، وهو قوله: ورحل جابر بن عبد الله -وكان في المدينة- إلى عبد الله بن أنيس -الصحابي وكان في الشام- من أجل حديث واحد.
وصله في الأدب المفرد في أن جابر بن عبد الله -الصحابي رضي الله عنهما يعني عنه وعن أبيه- رحل إلى عبد الله بن أنيس قال:
سمعت أن عبد الله بن أنيس لديه حديث لم أسمعه. فرحل من المدينة إلى الشام شهرا، فلما دخل إلى الشام سأل عن بيت عبد الله بن أنيس فدُل عليه، فلما طرق الباب خرج له الخادم فقال له: أين عبد الله بن أنيس. فقال من أنت؟ لا يعرفه ليس من أهل دمشق. فقال: أنا جابر بن عبد الله. الخادم قال: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قال: نعم. فذهب فأتاه عبد الله أنيس، فعانقه، ثم قال: أتيت إليك من المدينة سمعت أن عندك حديثا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أردت أن أسمعه منك. قال وأي حديث ذاك. فقال: قوله –يعني النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يحشر الناس يوم القيامة عراة غرلا بهما» فقال: نعم فقص عليه الحديث.
هذه المهمة تأثر بها صغار الصحابة، عبد الله بن عباس كان هو وله صديق من الأنصار، عبد الله بن عباس شباب في وقت عمر بن الخطاب كان في أوائل العشرينات من العمر، كان له صاحب من الأنصار فكان عبد الله بن العباس يغشى مجالس من الصحابة ويحرص على أن يستفيد منهم، فعاتبه صاحبه من الأنصار وقال: يا عبد الله أتظن أن الناس يحتاجون إلى علمك أو يحتاجون إليك، وهؤلاء صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ موجودون؟ فابن العباس لم تثنه هذه الكلمة عن الهمة وملازمة الكبار لأن الناس فعلا احتاجوا إليه بعد أن قل الصحابة، فكان يلازم باب أحد الصحابة -باب أحد الأنصار- حتى تسفي عليه الريح التراب وهو عبد الله بن عباس ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصبر حتى يخرج إليه أو يخرج الصحابي ويصحبه إلى المسجد، يصحبه إلى مكان فيسأله عن العلم.
وهمة السلف في ذلك فيها أخبار كبيرة، ومن طالع كتب السير والتراجم وجد من ذلك شيئا كثيرا.
ونذكر بعض الأخبار في هذا لتُبين شدة همة السلف في هذا الأمر.
قال الشعبي رحمه الله تعالى عامر بن شراحيل الشعبي أحد أئمة التابعين، وهو يذكر بعض علومه يقول: لو شئتم أنشدتكم شهرا شعرا -يعني شهر كامل، لو شئتم أنشدكم شهرا شعرا- لا أعيد. يعني ما أكرر عليكم؛ لكن ما ينتسب العالم تكون همته دائما الشعر، وإنما الشعر يستفاد منه بحسب الحاجة إليه.
أبو حاتم الرازي والد عبد الرحمن كتاب الجرح والتعديل -أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الرازي- كان أحد أئمة الإسلام الجهابذة المعروفين وصاحب سنة وحجة، قص عن نفسه خبر طلبه للعلم وهو صغير قال: تركت الرّي لطلب العلم سنة 213هـ ورجعت إلى الري 221هـ يعني كم مكث؟ مكث سبع سنين وأشهر، ذهبت أو خرجت من الري في طلب الحديث وذكر قصته، كيف أنه يخرج من بلد إلى بلد ماشيا على الأقدام.
قال وهذا هو المهم لكم الآن قال: وقد أحصيت ما مشيت على قدمي في طلب العلم حتى بلغت ألف فرسخ، فلما بغت ألف فرسخ تركت الإحصاء، ألف فرسخ أحصاها هو، ويخبر عن نفس في كتابه ألف فرسخ يعني يرويها عنه ابنه، ألف فرسخ كم؟ الفرسخ خمس كيلوات، ألف فرسخ في خمسة: خمسة آلاف كليمومتر مشاها على قدميه في طلب العلم، الآن سيارات ولا طلب علم، فيه طيارات والعلم ضعيف ما يُحرص، يأتي العالم ويجتهد، وربما يزور البلد قليل من يحرص على الأخذ عنه والسماع منه وحضور درسه.
والسلف وأئمة الإسلام كيف كان أئمة بتوفيق الله جل وعلا لهم أولا وآخرا، ثم أعطاهم الله جل وعلا أسبابا فيها القوة وفيها الهمة.
وذكر عن نفسه أشياء من رحلته من بلد إلى بلد لتحصيل ربما حديث واحد حتى جمع العلم.
الإمام أحمد رحمه الله تعالى رحل رحلات كثيرة، وكان منها للحج خمس مرات، وكان ثلاث منها من الخمس لقصد لقاء أهل العلم في الحج، قال: أنفقت في رحلة -ما عنده مال المال قليل- أنفقت في رحلة ثلاثين درهما، الدرهم محدود ثلاثين درهم يعني ثلاثة دنانير؛ لأن الدينار من عشر إلى اثنا عشر درهم؛ يعني الدرهم فضة والدينا ذهب، قال: أنفقت مرة ثلاثين درهما يعني من كثرتها وهذا يدلك على شدة الصبر في المأكل وفيما يركب وربما ماشيا إلى آخره.
الإمام أحمد لما انتهى أمره إلى القوة والوقوف بالسنة ونصرة السنة، لما جاءت فتنة خلق القرآن مُنع من التحديث قال له ولي الأمر: لا تحدث فالتزم، وصار يذهب إلى المسجد ويرجع، ولا يلقي العلم.
قال بقي بن مخلد صاحب أكبر مسند من مسانيد الحديث لا يوجد، أكبر مسند من مسانيد الحديث مسند، مسند بقي بن مخلد، بقي بن مخلد أحد علماء الأندلس، رحل من الأندلس إلى بغداد وذهب يسأل ما يدري عن فتنة خلق القرآن، ولا منع الإمام أحمد بن حنبل، أين أحمد بن حنبل؟ أين أبو عبد الله؟ أخبروه بأنه لا يحدّث.
قال فطرقت عليه الباب في بيته وطلبته فأتاني وقلت له: أنا طالب علم أتيت من المغرب. قال له الإمام أحمد: من أفريقية؟ قال: لا أبعد إذا أردنا أفريقية قطعنا لها البحر، أنا من الأندلس. قال: مرحبا بك. قال: ما تريد؟ قال: والله ما أتيت إلا أن آخذ العلم عنك. فقال له الإمام أحمد: لعلك سمعت ما عليّ من أني لا أحدّث. قال: ولكني أريد الحديث وحدي أو أعطني من العلم. فقال له الإمام أحمد: بشرط. قال: اشترط ما بدا لك. قال: أن لا تجلس في حلقة من حلقات العلم والحديث.
حتى لا يُعرف أنه يجلس في حلق العلم، ويأتي الإمام أحمد معناه الإمام أحمد أصبح يعلم في بيته.
فقال: لك ما اشترطت. قال: إذن ايتني كل يوم على هيئة سائل. -وطالب العلم سائل يسأل العلم-، ثم اطرق الباب، فإذا خرجت أعطيتك وخبزا ومع الخبز حديثا أو أحاديث، فأخذ سنين يأتيه.
قال: فتلفعت بعمامة وصفها ولبست لباس السؤّال الفقراء، قال: كل يوم آتي وأطرق الباب على هيئة سائل وأقول لهم: الأجر رعاكم الله. قال بقي: وكانت صفة السؤّال في بغداد: الأجر رعاكم الله؛ يعني ابتغوا الأجر أو أطلبوا الأجر أو نحو ذلك.
يقول: فيأتي الإمام أحمد ويعطيني بعض الخبز ومعه حديث أو أحاديث.
قال: فأخذت كثيرا. قال: فلما مات الخليفة وجاء الذي بعده وكان صاحب سنة -يعني به المتوكل- صار الإمام أحمد يدرس في المسجد، قال: فكان يدنني ويخصني من بين الطلاب ويقول: هذا يصدق أنه طالب علم، كيف يصبر هذه السنين الطويلة في هيئة سائل، وكل يوم يأتي، فيها هضم للنفس، يأتي بهذه الصفة لأجل أن يأخذ من الإمام أحمد علم حديث أو حديثين كل يوم، قال: هذا يصدق عليه أنه طالب علم.
هذه همة ليست بالسهلة وازدراء للنفس ليس بالسهل، ورحلة من الأندلس إلى بغداد لأجل هذا الأمر، ليس بالسهل، وكلها تعطيك عظم هذه الهمة.
يقول: حتى مرضت ففقدني أبو عبد الله، فسأل عني، فقالوا: إنه مريض فزارني في الخان، كان يسكن في الخان؛ يعني فندق، وأنا كنت مستقليا سمعت جلبة ثم دخل عليّ الداخل من أهل الخان أنت تعرف أنا عبد الله؟ أنت من أصحاب عبد الله؟ فقلت: نعم. فقال: لِم لمَ تخبرنا من أول ما نزلت؟ أتى أبو عبد الله أحمد أتى لزيارتك، ففتح الباب، فدخل أحمد فقال له: فقدناك فزرناك، زادك الله ثوابا، أو قال: أرج الثواب من الله، يا بقيّ إن أيام الصحة لا سقم فيها، وإن أيام السقم لا صحة فيها، أعلاك الله إلى العافية، ومسح عنك بيمينه الشافية. قال: والطلاب حوله يكتبون ما يقول. أعلاك الله إلى العافية ومسح عنك بيمينه الشافية.
والقفة هنا في القصة أخذتم عبرتها؛ لكن خذ كلمة الإمام أحمد إن أيام الصحة لا سقم فيها، وإن أيام السقم لا صحة فيها.
يريد بذلك أنّ طالب العلم همّته تكون في أيام الصحة، فلما كانت أيام الصحة التي لا سقم فيها فعندك المجال والهمة قوية؛ لأنه ربما أن يعرض لك عارض، وهذا مأخوذ من قل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وخذ من صحتك لمرضك».
ابن الجوزي رحمه الله تعالى أحد العلماء الإسلام المعروفين وصفه الذهبي بي كتابه سير أعلام النبلاء بقوله: عبد الرحمن ان علي البكري -لأنه من ذرية أبي بكر الصديق- المعروف بابن الجوزي عالم العراق وواعظ الآفاق. وأخذ في سرد جملة من أخباره.
ابن الجوزي رحمه اله كان في صغره وفي كبره عنده الهمة والإلحاح في طلب العلم آخذا قول الإمام أحمد: أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. ماذا يقول؟ يقول: كنت إذا أراد أن يزورني أحد اشتغلت أثناء زيارته بتجهيز الأوراق للكتابة وببري الأقلام؛ يعني ما يضيع وقته معهم، يستأنس معهم بالكلام؛ لكن من جهة اليد والعمل يشتغل بما ينفعه لأن الوقت هذا ماشي والذهن معهم بالكلام؛ لكن العمل اليد يبري الأقلام ويجهز الأوراق.
وكان يقول عنه أحد تلامذته: إذا دخل الخلاء أوصى ابنته أو نحو من ذلك: أن تقرأ عليه من الخارج؛ يعني تقرأ عليه إما كتاب كذا مما يناسب أن يسمعه.
من همته وصفاء نيته أنه ألف أكثر من خمسمائة كتاب بعضها في رسالة وبعضها كبير في مجلدات كبيرة.
الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى صاحب فتح الباري شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المصري صاحب التصانيف البديعة المعروفة، ماذا يقول عن نفسه؟ ذكر الكتب التي قرأها على مشايخه، فذكر أنه قرأ الموطأ على أحد مشايخه في جلسة واحدة، جلسة واحدة كم؟ خمس ست ساعات، وقرأ صحيح مسلم في ثلاثة أيام على مشايخه وأجيز بذلك، وقرأ... وأخذ يذكر ما قرأه في أيام من الكتب على مشايخه وهو مدون في ترجمته في كتاب السخاوي الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر.
هذه الهمة تحتاج منك إلى تأمل، تحتاج إلى سعة وقوة في أن تتعرف لماذا نبغ السلف؟ لماذا كثر فيهم العلماء؟ كان يحضر في المجلس الواحد ليستمع للحديث أكثر من عشرة آلاف، حتى إنه ذُكر في بغداد مرة، أنه لما عطس الشيخ الذي يعلِّم أو الشيخ الذي يُقرئ، صار الناس يقولون رحمك الله رحمك الله حتى وصلت كلمة رحمك الله وهو في حديقة قصره قال: ما هذا؟ قال: يشمتون المحدث فلان؛ لأن الناس متواصلين ويستمعون الحديث وينقل بعضهم إلى بعض.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال -كما رواه البخاري في صحيحه:
كان لي جار من الأنصار وكنا نسكن في بني أمية بن زيد حي في العوالي المدينة، كانت الأحياء بأسماء القبائل أو بأسماء الناس، قال: كنا نتناوب على النزول إلى المدين أنزل يوما وينزل هو اليوم الذي يليه، فأخبره ما نزل من الوحي أو ما جاء من العلم، وإذا لم أنزل جاء فأخبرني.
إذا ما حصلت على العلم جميعا لا بأس أنك تجتهد مع أصحابك في أن يتناقل بعضكم العلم، كلموه بالتلفون يجلس ساعة أحوالك ورد اجعلها في العلم، اجعلها فيما ينفعك، ماذا سمعت، ماذا استفدت، حضرت اليوم عند من؟ ما هي الفوائد؟ وإذا حضرت عند معلم اكتب الفوائد، ومن زكاة هذه الفوائد أنك جلست مع أصحابك، والله حضرت عند فلان من العلماء أو من طلبة العلم أو المشايخ فاستفدت ذكر كذا وكذا فائدة إما فائدة في العقيدة أو في الفقه أو التفسير إلى آخره أو العلوم المساعدة وهكذا.
إذن نحتاج إلى عزيمة صادقة وأن نطالع كيف طلب السلف العلم، أئمة الحديث وصلوا إلى هذا المستوى بالنوم؟ وصلوا به بالارتخاء؟ وصلوا إليه بالاشتغال يمنة ويسرة؟ لا، لكن تعبوا وأصلحوا النية فآتاهم الله جل وعلا ثواب ما علموا .
لهذا أوصي الجميع والوقت يضيق عن بسط الأمثلة، أوصي بأن تحرصوا على مجالسة العلماء الأحياء والأموات، جالسوا العلماء الأحياء والأموات، أما الأحياء فاستفيدوا منهم لفظا وسماعا، وأما الأموات فاقرؤوا كتبهم.
دخل جماعة إلى عبد الله ابن المبارك، والذهبي له رسالة في أخبار ابن المبارك اسمها قضِّ بنهارك مع ابن المبارك، دخل عليه جماعة فخرج عليهم فكأنه لم يستأنس لهم، فقال له بعضهم كأن عندك من يؤنسك، كأنه يشير أنك جالس مع أهلك أو جالس مع عيالك، قال: إي والله عندي من هو أفضل أنا مع سير صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومع سير تابعيهم. يعني في العلم فإذا أنست بالعلم وأنست بأهله بعثت فيكم الهمة القوية.
ولهذا وصيتي لنفسي أولا ولكم أن تكثروا من مجالسة العلماء الأحياء والأموات، أما الأموات، فإنك ستحيي عند الهمة في أن تكون مثلهم، والسلف نبغوا وصاروا أئمة ونفعوا المسلمين، وبقي نفعهم إلى الآن إلى قيام الساعة، لم؟ صدق اللجأ إلى الله جل وعلا وإصلاح النية وأن العلم طلبوه على أصوله فنفع.
سابقا قبل 20 سنة و30 سنة زملاؤنا وأصحابنا ورفقاؤنا كنا طلاب علم يعني كنا لا نفهم شيئا في وقت من الأوقات، عندي دفاتر أسجل فيها الفوائد قبل مدة أفتش في بعضها التي كتبتها أول ما جلست في حلق العلم أو استمعت إلى العلم أو قرأت، فإذا فيها أشياء لا تساوي اليوم أن تكون فائدة؛ لكنها في أول الأمر كانت فائدة مهمة: إما في العقيدة أو في السنة أو في المصطلح أو في الفقه.
فالعلم يزداد بالهمة، ففي ذاك الزمان فوائد وحريصين، العلماء يتخرمون ويذهبون فيبقى من يبقى للأمة يبقى للمسلمين من يحمل هذه الأمانة من يحمل الكتاب والسنة؟ من يحمل الفقه؟ من يحفظ للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمه في أمته؟ أنتم.
إذا ما حفظه أهل العلم وجدوا في ذلك من يحفظه؟ لاشك أنه سيذهب، ولذلك نخشى من وقت يأتي فيه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « إن لا يقبض هذا العلم انتزاعا من صدور العلماء لكن بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا» كيف قبض العلماء؟ يعني موتهم، ينقطع العلماء؛ إذن ينقطع طلبة العلم، فيتخذ الناس رؤوسا جهالا فيسألون فيفتون بغير العلم فيَضلون ويُضلون.
فهذه المسألة صعبة، صعبة جدا فكل واحد منكم يأنس من نفسه رشدا وقوة فأفضل شيء في سبيل الله اليوم هو العلم، أعظم أنواع العلم أعظم أنواع الجهاد الذي تحتاجه الأمة الجهاد العلمي، أن تتعلم وتحفظ وتفهم وتقوى في هذا الجانب، إذا كان عندك قوة وملكة في هذا حتى تنفع الأمة، الأمة بحاجة اليوم إلى من؟ إلى العلماء الربانيين الذي يقودون الأمة إلى الخير ويشرحون سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
في ختام هذه الكلمة أوصيكم بالاستفادة من هذه الدورة ومن جميع الدورات، وبالاستماع إلى كلام أهل العلم سواء بالمشافهة والمجالسة وبثني الركب أو بالاستماع إلى الأشرطة وما خلفوه من العلم فإنكم لا تدرون متى سيحتاج الناس إليكم، لا تدرون متى سيحتاج إليكم منكم من عمره خمس عشرة عشرين بعد خمسين سنة الكثير والأكثر من طلبة العلم اليوم والعلماء سيذهبون ويبقى الصغار بعد ثلاثين أربعين سنة سينفعون، لا تدرون، فاحفظوا علم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمته، احفظوا فقه الإسلام في هذه الأمة.
ولا يكون على أيديكم ذهاب حمل العلم بل احرصوا وجدوا في ذلك نية صالحة وجهاد في سبيل الله.
ولذلك قال: جمع من أهل العلم أفض النوافل على الإطلاق طلب العلم، قالوا: الجهاد؟ قالوا: لا، طلب العلم أفضل من الجهاد. يعني جهاد النفل، لماذا؟ قال: لأن طالب العلم ينتفع منه الناس، نفْعه متعد، ينفع في حاضره وفي مستقبله فطلب العلم نفعه متعد، ولذلك فضله كثير من أهل العلم على الجهاد.
وهذه المسألة تبحث في أو لكتاب الجهاد من كتب الفقه ويقولون إن أفضل النوافل الجهاد والأكثر أفضل النوافل طلب العلم لمن كان عنده القدرة على ذلك.
أسأل الله الكريم أن يوفقكم إلى ما فيه من انشراح الصدر في سبيل العلم والتعلم، وأن يقويّ منكم العقل منكم العقل والقلب والفهم وأن يصحح منكم النية وأن يجعلني وإياكم ممن استقام لسانه واستقام فعله واستقام قلبه على ما يحب ويرضى.
كما اسأله سبحانه أن يجزي عنا مشايخنا ومن علَّمنا خيرا، وأن يجعلنا ممن حمل الرسالة وأدّى العلم إلى من بعدنا، كما أداه من قبلنا إلينا، إنه سبحانه جواد كريم.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، واجعلنا جميعا من المتعاونين على البر والتقوى، نسألك اللهم رضاك، نسألك اللهم رضاك، نسألك اللهم رضاك.
وصلى الله وسلم وبارك على بينا محمد.
[الأسئلة]
المقدم: أحسن الله إليكم ورفع درجاتكم ونفعنا بعلمكم.
س1/ فضيلة الشيخ: أنا لي رغبة في طلبة العلم وإفادة غيري؛ ولكن مشكلتي أني إذا سمعت العلم أنساه ولا يبقى في ذاكرتي منه شيء، وبماذا تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرا.
ج/ الحمد لله وبعد:
الناس يتفاوتون في طلب العلم، ليس كل من طلب العلم صار حافظا لكل ما يسمع؛ لكن سيحفظ شيئا، والعلم يؤخذ شيئا فشيئا، فإذا كرر حفظ، وأنا أوصيه بأن يجتهد في حفظ القرآن؛ لأن الحفظ غريزة، وبالحفظ وتكرار الحفظ تزداد، وتقوى ومن جرب وجد أن حفظ القرآن به يبدأ الطريق في انفتاح الحافظة، السائل إذا كان أنه لم يحفظ القرآن، فليجتهد في حفظ القرآن.
لذلك كان جمع من أهل العلم يعني في الزمن القديم لما كان طالب العلم يأتي للمسجد ويلازم المشايخ في كل اليوم، إذا أتى يريد العلم وهو لم يحفظ القرآن قالوا لا احفظ القرآن أولا ثم إيتِ؛ لأن حفظ القرآن يفتق الحافظة.
لهذا من حفظ، جرب حفظ القرآن يجد مثلا أن أول عشرة أجزاء تجد يجلس في الثمن ساعة يحفظ فيه يحفظه، ثم يحتاج إلى تكرار؛ لكن بعد ذلك في العشرين جزء الثانية يسهل يسهل حتى ربما حفظ ثلاثة أثمان أربع نصف جزء في جلسة بين المغرب والعشاء أو بعد الفجر، وهذا واقع.
فإن الحافظة مع ممارستها واستعمالها تزيد، لذلك أصيه بحفظ القرآن والاجتهاد في اعلم فإن العلم يزداد بإذن اله تعالى، والحفظ يأتي إن شاء الله تعالى.
س2/ كيف يكون الحال من به شوق في مجالسة العلماء؛ ولكن هو بعيد عن العلماء كما هو حالنا في أوربا؟
ج/ الحمد لله اليوم وسائل سماع أهل العلم أصبحت ميسورة، الأشرطة موجودة، واليوم نقل على الانترنت، ووسائل السمعية والبصرية موجودة، فتحصيل العلم بسماع العلماء الحاضر منهم ومن توفاهم الله جل وعلا -رحمهم الله تعالى جميعا ورفعهم في جناته- سهلة ميسورة، فإذا لم تكن بالقرب من أهل العلم لتشافههم فاحرص على أشرطتهم وعلى سماع دروسهم وشروحهم.
س3/ بعض الشباب يعتمد على الأشرطة في تحصيلهم للعلم، حيث إن البعض منهم يتساهل في ملازمة الحلقات، بحجة أنه يوجد هذا الدرس مسجلا لشيخ من المشايخ، فما توجيهكم؟ وجزاكم الله خيرا.
ج/ المشافهة بحضور الدروس لها فوائد أخرى غير فوائد سماع العلم، لاشك أن سماع العلم الأشرطة غاية الفائدة، وكثير النفع؛ لأنك تسمع من كلام أهل العلم الراسخين فيه في ذلك، لكن هناك أمور الأخرى لا تحصل بسماع الشريط:
منها الجلوس مع طلبة العلم في الحلقة وفي المسجد؛ لأن هذا يحصل لطالب العلم به أمور نفسية وعبادية كثيرة مهمة.
العلماء كانوا أول ما يروون لطالب العلم أول ما يُرَوُّون لطالب العلم من الأحاديث حديث المسلسل بالأولية وهو حديث «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» الراحمون يرحمهم الرحمن، هذا الحديث أول ما يُسمعه الشيخ لطالبه إذا أراد أن يطلب العلم السابق هذا الحديث، ليبين أن مأخذ هذا العلم على الرحمة بالخلق، فإذا صار منعزلا يدرس في بيته ربما حصل له نوع استعلاء، ونوع عجب في نفسه، أو بعد عن مخالطة الناس، وكما تعلمون المخالطة والمصاحبة في الخير وملازمة الناس في اجتماعاتهم وعدم البعد عنهم هذا مقاصده شرعية كثيرة.
أيضا الاستفادة من هدي المعلم في لفظه ولحظه وتربيته وتأنيبه ومشيته وكيف يعالج الأمور وكيف تعرض له وكيف يجيب وكيف يتعامل مع من يغلظ عليه، مع من يسيء الأدب عليه، على من يزيد في إكرامه، هذه كلها آداب تستفاد من هدي العلماء بملازمتهم.
الثالث أيضا هناك أمور من العبادة والخشية، والعلماء إذا نظرت إليهم في هديهم وعباتهم وفكرهم وحرصهم على الخير تأثرت في أعظم مما تحتاج إليه وهو الاستقامة ولزوم عبادة الرب جل وعلا.
أما في السماع تستمع العلم لكن أمور النظر في هديه وفي صلاته ومبادرته للمسجد وحرصه على ختم القرآن وحفظه على قيامه في الليل هذه ما تستفيدها من الأشرطة إنما تستفيدها من الملازمة والسماع، كيف يعبّر، كيف يتأثر إذا عرض عليه شيء هذه إنما تعرض مع أو تأتي مع الحضور.
لهذا كان ابن الجوزي يقول: شيخنا فلان حضرنا عنده واستفدنا من بكائه أكثر مما استفدنا من علمه؛ يعني استفاد من علمه لكن استفاده من بكائه وورعه وخشيته أكثر.
فتؤثر في نفس الطالب طالب العلم تؤثر فيه شخصية المعلم، شخصية شيخه، سلوكه، كيف يتعامل، كيف يبكي من خشية الله، كيف يصلي، كثرة تلاوته للقرآن خشوعه، كيف يتعامل في أهله ونحو ذلك، الأشرطة ما تحصل على ذلك، الأشرطة مهمة؛ لكن لابد من ملازمة العلماء حتى لا تفقد جوانب من الخير أخرى.
س4/ ما حكم خروج المرأة لتحصيل العلم في المدارس أو للتدريس، وكذلك الذهاب إلى دار تحفيظ القرآن النسائية لحفظ القرآن؟ وجزاكم اله خيرا.
ج/ الأصل أن النساء شقائق الرجال، التكليف بالمواجبات وفيما يراد منهن شرعا فهن شقائق الرجال، مثل الرجال فيما يطلب منهن من حيث الواجبات، إلا ما اختصت المرأة من أحكام.
وطلب العلم المرأة مخاطبة بأن تطلب العلم، وأن تحرص على ذلك؛ لكن بشروطه الشرعية المعتبرة:
ومنها في هذا المقام أن يكون بإذن وليها، وأن لا يكون معه بعض ما لا يُحمد من الأمور، وأن لا تفرط في بيت زوجها أو في أولادها ونحو ذلك، فإذا حصل اجتماع هذه الشروط وانتفاع الموانع فالمرأة سعيها في العلم له فضل كبير، واليوم المرأة نحتاج إليها في التعليم وفي الدعوة لكثرة الواردات والحاجة إلى النساء في ذلك المجال وفقهن الله.
لذلك أنا أوصي النساء في طلب العلم؛ لأن يطلبوا العلم؛ لكن لا يكون طلب العلم النفل عندهن مقدما على أداء الواجبات؛ لأن بعض النساء قد تُهمل زوجها البتة، أو تهمل بيتها تهمل أولادها أو نحو ذلك، فيحصل من هذا أمور غير محمودة فتتوازن في ذلك وتحصل المصالح وتدرأ المفاسد ولها أجرها بحسب نيتها إن شاء الله.
س1/ فضيلة الشيخ: أنا لي رغبة في طلبة العلم وإفادة غيري؛ ولكن مشكلتي أني إذا سمعت العلم أنساه ولا يبقى في ذاكرتي منه شيء، وبماذا تنصحونني؟ وجزاكم الله خيرا.
ج/ الحمد لله وبعد:
الناس يتفاوتون في طلب العلم، ليس كل من طلب العلم صار حافظا لكل ما يسمع؛ لكن سيحفظ شيئا، والعلم يؤخذ شيئا فشيئا، فإذا كرر حفظ، وأنا أوصيه بأن يجتهد في حفظ القرآن؛ لأن الحفظ غريزة، وبالحفظ وتكرار الحفظ تزداد، وتقوى ومن جرب وجد أن حفظ القرآن به يبدأ الطريق في انفتاح الحافظة، السائل إذا كان أنه لم يحفظ القرآن، فليجتهد في حفظ القرآن.
لذلك كان جمع من أهل العلم يعني في الزمن القديم لما كان طالب العلم يأتي للمسجد ويلازم المشايخ في كل اليوم، إذا أتى يريد العلم وهو لم يحفظ القرآن قالوا لا احفظ القرآن أولا ثم إيتِ؛ لأن حفظ القرآن يفتق الحافظة.
لهذا من حفظ، جرب حفظ القرآن يجد مثلا أن أول عشرة أجزاء تجد يجلس في الثمن ساعة يحفظ فيه يحفظه، ثم يحتاج إلى تكرار؛ لكن بعد ذلك في العشرين جزء الثانية يسهل يسهل حتى ربما حفظ ثلاثة أثمان أربع نصف جزء في جلسة بين المغرب والعشاء أو بعد الفجر، وهذا واقع.
فإن الحافظة مع ممارستها واستعمالها تزيد، لذلك أصيه بحفظ القرآن والاجتهاد في اعلم فإن العلم يزداد بإذن اله تعالى، والحفظ يأتي إن شاء الله تعالى.
س2/ كيف يكون الحال من به شوق في مجالسة العلماء؛ ولكن هو بعيد عن العلماء كما هو حالنا في أوربا؟
ج/ الحمد لله اليوم وسائل سماع أهل العلم أصبحت ميسورة، الأشرطة موجودة، واليوم نقل على الانترنت، ووسائل السمعية والبصرية موجودة، فتحصيل العلم بسماع العلماء الحاضر منهم ومن توفاهم الله جل وعلا -رحمهم الله تعالى جميعا ورفعهم في جناته- سهلة ميسورة، فإذا لم تكن بالقرب من أهل العلم لتشافههم فاحرص على أشرطتهم وعلى سماع دروسهم وشروحهم.
س3/ بعض الشباب يعتمد على الأشرطة في تحصيلهم للعلم، حيث إن البعض منهم يتساهل في ملازمة الحلقات، بحجة أنه يوجد هذا الدرس مسجلا لشيخ من المشايخ، فما توجيهكم؟ وجزاكم الله خيرا.
ج/ المشافهة بحضور الدروس لها فوائد أخرى غير فوائد سماع العلم، لاشك أن سماع العلم الأشرطة غاية الفائدة، وكثير النفع؛ لأنك تسمع من كلام أهل العلم الراسخين فيه في ذلك، لكن هناك أمور الأخرى لا تحصل بسماع الشريط:
منها الجلوس مع طلبة العلم في الحلقة وفي المسجد؛ لأن هذا يحصل لطالب العلم به أمور نفسية وعبادية كثيرة مهمة.
العلماء كانوا أول ما يروون لطالب العلم أول ما يُرَوُّون لطالب العلم من الأحاديث حديث المسلسل بالأولية وهو حديث «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» الراحمون يرحمهم الرحمن، هذا الحديث أول ما يُسمعه الشيخ لطالبه إذا أراد أن يطلب العلم السابق هذا الحديث، ليبين أن مأخذ هذا العلم على الرحمة بالخلق، فإذا صار منعزلا يدرس في بيته ربما حصل له نوع استعلاء، ونوع عجب في نفسه، أو بعد عن مخالطة الناس، وكما تعلمون المخالطة والمصاحبة في الخير وملازمة الناس في اجتماعاتهم وعدم البعد عنهم هذا مقاصده شرعية كثيرة.
أيضا الاستفادة من هدي المعلم في لفظه ولحظه وتربيته وتأنيبه ومشيته وكيف يعالج الأمور وكيف تعرض له وكيف يجيب وكيف يتعامل مع من يغلظ عليه، مع من يسيء الأدب عليه، على من يزيد في إكرامه، هذه كلها آداب تستفاد من هدي العلماء بملازمتهم.
الثالث أيضا هناك أمور من العبادة والخشية، والعلماء إذا نظرت إليهم في هديهم وعباتهم وفكرهم وحرصهم على الخير تأثرت في أعظم مما تحتاج إليه وهو الاستقامة ولزوم عبادة الرب جل وعلا.
أما في السماع تستمع العلم لكن أمور النظر في هديه وفي صلاته ومبادرته للمسجد وحرصه على ختم القرآن وحفظه على قيامه في الليل هذه ما تستفيدها من الأشرطة إنما تستفيدها من الملازمة والسماع، كيف يعبّر، كيف يتأثر إذا عرض عليه شيء هذه إنما تعرض مع أو تأتي مع الحضور.
لهذا كان ابن الجوزي يقول: شيخنا فلان حضرنا عنده واستفدنا من بكائه أكثر مما استفدنا من علمه؛ يعني استفاد من علمه لكن استفاده من بكائه وورعه وخشيته أكثر.
فتؤثر في نفس الطالب طالب العلم تؤثر فيه شخصية المعلم، شخصية شيخه، سلوكه، كيف يتعامل، كيف يبكي من خشية الله، كيف يصلي، كثرة تلاوته للقرآن خشوعه، كيف يتعامل في أهله ونحو ذلك، الأشرطة ما تحصل على ذلك، الأشرطة مهمة؛ لكن لابد من ملازمة العلماء حتى لا تفقد جوانب من الخير أخرى.
س4/ ما حكم خروج المرأة لتحصيل العلم في المدارس أو للتدريس، وكذلك الذهاب إلى دار تحفيظ القرآن النسائية لحفظ القرآن؟ وجزاكم اله خيرا.
ج/ الأصل أن النساء شقائق الرجال، التكليف بالمواجبات وفيما يراد منهن شرعا فهن شقائق الرجال، مثل الرجال فيما يطلب منهن من حيث الواجبات، إلا ما اختصت المرأة من أحكام.
وطلب العلم المرأة مخاطبة بأن تطلب العلم، وأن تحرص على ذلك؛ لكن بشروطه الشرعية المعتبرة:
ومنها في هذا المقام أن يكون بإذن وليها، وأن لا يكون معه بعض ما لا يُحمد من الأمور، وأن لا تفرط في بيت زوجها أو في أولادها ونحو ذلك، فإذا حصل اجتماع هذه الشروط وانتفاع الموانع فالمرأة سعيها في العلم له فضل كبير، واليوم المرأة نحتاج إليها في التعليم وفي الدعوة لكثرة الواردات والحاجة إلى النساء في ذلك المجال وفقهن الله.
لذلك أنا أوصي النساء في طلب العلم؛ لأن يطلبوا العلم؛ لكن لا يكون طلب العلم النفل عندهن مقدما على أداء الواجبات؛ لأن بعض النساء قد تُهمل زوجها البتة، أو تهمل بيتها تهمل أولادها أو نحو ذلك، فيحصل من هذا أمور غير محمودة فتتوازن في ذلك وتحصل المصالح وتدرأ المفاسد ولها أجرها بحسب نيتها إن شاء الله.
أعدّ هذه المادة الأخ الفاضل / سالم الجزائري ، فجزاه الله خيراً
من موقع الآجري
من موقع الآجري