حمدا لمن بيده زمام الأمور،حمدا لمن هتك ظلمات الضلالة بالنبي العدناني،أنزل عليه القرآن ،بالهداية والبيان وأرسله بإيضاح البيان،فكشف مكنون المعاني ببديع بيانه وفصاحة لسانه إذا أراد أمرا فإنما يقول له: كن فيكون،فسبحانه تقدست أسماءه،وجلت صفاته.
وبعد:
قلوب بريئة تحتضر
الشخصيات الواردة في القصة:
حنين: زهرة ذبلت قبل أوانها نتيجة قسوة الوالدين ...
عبد الرؤوف: مهندس في الإعلام الآلي...
هدى: طبيبة أعصاب...
محسن: رب الأسرة
رحمة : زوجة السيد محسن ...
الأماكن الواردة في القصة:
*الجزائر: جبال الأوراس، مدينة خنشلة سنة 2011
* حديقة السعادة ولاية خنشلة
* فيلا السيد محسن
بعد أيام طويلة و شاقة من الدراسة والمراجعة، تخلصت روحي المنهكة من قبضة الامتحانات، بعد أن تعبت أجفاني الذبلة من النظر إلى أوجه الكتب و الكراسات، وسئمت نفسي المرهقة الإقامة في هذه الغرفة وحيدا منفردا.
قررت الخروج من وحدتي، فعلوت سيارة أبي قاصدا حديقة السعادة، طالبا النزهة والراحة بين أحضانها الجذابة ـ غارقا في جمالها، مسافرا عبر خرير سواقيها و حفيف أوراق أشجارها العالية التي تعانق السماء
ـ أخذت لنفسي مقعدا بجانب الورد والفل ، والياسمين التي كانت ترتعش وتتراقص بين قبضتي نسيم الربيع المنعش ـ
استلقيت بظهري على ذاك المقعد مستأنسا بروعة المكان،سلب انتباهي مشهد في غاية الحميمية الأسرية، زوج بصحبة زوجته، و ابنيهما يتسابقون وسط تلك الزهور و الابتسامة تفيض من عيونهم.
و فجأة وقع طرفي على زهرة لم ينبعث منها عبق ندي كباقي الزهور، فقد ذبلت قبل أوانها ، إنها فتاة في العاشرة من عمرها، محدقة بذلك المشهد والدمع تذرفهُ في الخد عيناها...
إنها زهرة نحيلة الجسم مكمدة اللون تنبعث من عينيها نظرات موجعة تتكلم بالسكينة عن قلب انسحق و تهدم و هو في ربيع عمره .
أجل لقد أسرت الأحزان و الكآبة الموجعة قلبها البرئ، وعبثت به دون رحمة .
دنوت منها رغبة في مواساتها سائلا إياها: ما بك يا أختي الصغيرة ؟
وما هي إلا لحظات حتى أسندت الفتاة رأسها على صدري وبدأت بالنواح بأعلى صوت …
و قالت لي بصوت مخنوق متوجع :كم اشتقت إلى هذه الكلمات الرقيقة والعذبة !
أصبت بالدهشة ثم قلت لها: هل لك أن تقصي على مسامعي سر هذه الكآبة و الأحزان، سر هذه الوردة الذبلة التي تقف أمامي ؟
انتصبت الفتاة و وقفت على قدميها مرتجفة كرداء في مهب الريح، لتستحضر أشباح الأحزان و المرارة القاتلة التي فتكت بروحها الطاهرة .
وقالت :ما أتعس و أشقى حالنا اسمي حنين.
أعيش في مدينة خنشلة في قصر منفرد، تحيط به حديقة مترامية الأطراف و مسبح كبير تتعانق حوله أغصان التين
والتوت، والصفصاف العالية، فكانت رائحة الفل والياسمين تعطر فضاء قصرنا الكبير.
لقد مَنَ الله علينا بمال كثير يشتغل أبي محسن بالتجارة ، أما أمي رحمة فكانت تشتغل شرطية .
أخي عبد الرؤوف مهندس في الإعلام الآلي و أختي هدى طبيبة أعصاب.
لقد غمرنا أبي بقسوته القاتلة، و حرمنا حبه وعطفه وما يقال عن أبي يقال عن أمي التي كانت أشد قسوة منه .
يمضي أبي و أمي إلى عملهما و يتركونني في المنزل وحيدة بين أحضان الخوف و الوحدة فالخادمة منشغلة دوما بالعمل و قليلا ما تهتم بي لأنها تخشى أن تطرد من العمل فالكل يخشى ذلك الوحشين…
لقد كان أبي وحشا بشريا بكل ما تحمله الكلمة من معاني القسوة، وسوء المعاملة التي نشأنا عليها وترعرعنا بين أحضانها، لقد كان ينهال علينا نحن الثلاثة بالضرب المبرح دون رحمة كلما دخل علينا، لازلت أتذكر جيدا كيف كنا نحني الجباه ونحن بين قبضتي شتائم وعنف أبي ، وأمي
فكم كنت أشتاق لأم حنون، أم تغمرني بشعلتي الحب والحنان، وتبحر بي في عالم الدفئ والمحبة عالم الأمومة العذبة .
اندهشت من كلام هذه الفراشة الحزينة، التعيسة، المتوجعة، القانطة، المكسورة الجناحين .
و قلت لها بلهجة حزينة مشفقة: لماذا تعامل هذه الأزهار البريئة هكذا؟
تنهدت حنين تنهيدة صارخة و الدموع تنهمر بغزارة من أجفانها الذبلة .
و قالت لي: لقد غادرت ذلك المستنقع النتن لقد تخلصت من مخالب ذلك الذئبين و ها أنا ذا هائمة في دار الأيتام والمشردين كأنني لقيطة دون مأوى.
فقلت لها مستغربا: كيف حصل ذلك؟ هل ألقوا بك هناك؟
حنين : اصغ إلـيّ جيدا لأنني ارتحت لك كثيرا وسأسرد على مسامعك آلامي التي لا تنتهي .
دخل أبي ذات يوم ليخبر أختي هدى أن العم فوزي يريدها زوجة له و أنه وافق على زواجهما
ثارت هدى على هذا الكلام الغريب وقالت : لن أتزوج من ذلك الشيخ اللعين .
قالت لها أمي بلهجة ساخرة : وماذا ينقص فوزي حتى ترفضينه، رجل غني، يمتلك الكثير من العقارات و الشركات.
لم يتحمل أخي عبد الرؤوف كلام أبي و أمي و قال لهما: لن أسمح بهذه المهزلة، فأختي فتاة جميلة و مثقفة في مقتبل العمر ولا يحق لكما تزويجها لذلك الشبح الهزيل.
و ما هي إلا لحظات حتى دوت صفعة من صفعات أبي التي ألفنا حوارها و لغتها على خد عبد الرؤوف .
و قال له: من استشارك أنت؟
بعد مرور أسبوعين
زُفتْ أختي هدى لذلك الشبح الهزيل و الدموع تنهمر على فستانها الأبيض كاللؤلؤ البراق …
أما أخي عبد الرؤوف فقد غادر المنزل ولم نعد نراه منذ تلك اللحظة، لقد زَجت به معاملة أبي وأمي القاسية في عالم المحذرات والإجرام وها هو الآن يتخبط في السجون …
أما أنا فقد قررت الهروب من هذا العالم الأناني باحثة عن الحب و الحنان حالمة بعبارات رقيقة تداعب مسامعي
و مشاعري المغتصبة، في دار الأيتام و المعوزين.
ثم التفتت حنين نحوي لتجدني غارقا في دموعي، و تنهيداتي القاتلة، لقد أسرت هذه الزهرة الذابلة روحي بعيدا عن عوالم السعادة وألقت بها في غياهب الشفقة والأحزان، غياهب الثورة على هذه القسوة، والخبث لقد ثارت ثائرتي على هذا الرعب الذي يقبض على هذه البراءة بمجرد سماعها لصوت أحد والديها …
و ما إن أكملت حنين قصتها الحزينة حتى تلبدت السماء بغيوم سوداء فتوارى النور الضئيل و غمرت الظلمة أرجاء الحديقة الساحرة و بدأت الأمطار تنهمر بغزارة، وصوت العواصف يهز سكون المكان.
كأن الطبيعة خرجت اليوم عن صمتها لترثي حال هذه الزهرة البريئة التي تجرعت من كؤوس القسوة والعنف، والإهمال، والكراهية حتى ارتوت .
خرجت من حديقة السعادة و شيعت تلك الزهرة اليائسة إلى دار الأيتام و عدت إلى منزلي والدموع تأبى مفارقتي لشدة تأثري بقصتها الموجعة .
فإذا بأبي يفتح الباب فارتميت بين أحضانه و أخذت أبكي بحرقة، سمعت أمي بكائي فجاءت مسرعة، فأخذت تقبلني و تسأل عن سبب دموعي
لكنني أخذت أقبلهما و أبكي دون أن أحدث لهما ذكراً بعد أن أصبت بالتآتآة جراء هذه القصة المؤلمة، ثم عدت بروحي إلى غرفتي وسلمتها إلى أشباح الوحدة و الإنفراد.
الخلاصة:
تذكر جيدا الأولاد نعمة ويجب علينا المحافظة على هذه النعمة الثمينة بالتربية الحسنة و حسن المعاملة لا بالضرب والقسوة والسب والإهمال و الإنشغال بهموم الدنيا ...
ومن قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : "أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّته..."
وهذا الحديث واضح لا غموض فيه ...
الأب عليه الإهتمام بأبناءه و زوجته و لا يحق له اهمالهم ...
وما يقال عن الأب يقال عن الأم عليها الإهتمام بشؤون زوجها وأبناءها و تربيتهم أحسن تربية...
العنف و القسوة و سوء المعاملة منبوذة في جميع الأديان فما بالك في دين الإسلام...
تعالج القصة التي بين أيديكم :
العنف ضد البراءة ، واستخدام القسوة في معاملتها ...
كما أنها تعالج مخاطر ونتائج استخدام القسوة والعنف ضد الأطفال العزل ، ضد الأبناء ...
تتحدث القصة عن البعض ......
كتبت بقلم: شفيق،ب بتاريخ : 13.02.2012 على الساعة 16:43
سلااااااااامي للجميع ...
و في الختاام تقبلوو تحياات
Chafik.Dz