بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لماذا تخلفت جمعية العلماء المسلمين وبقية الأحزاب عن مساندة ثورة الفاتح من نوفمبر 1954؟ - رياض الصيداوي
موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من ثورة الفاتح من نوفمبر عام 1954 لم يكن موقفا شجاعا في بدايته. كان متخاذلا ضد ثوار نوفمبر، مثله مثل موقف الحزب الشيوعي الجزائري، أو موقف عباس فرحات أو حتي مصالي الحاج الذي حارب الثورة منذ اندلاعها. وعلي الرغم من أن كتابة تاريخ الجزائر الثوري يعد إشكالا حيث يتداخل فيه العلم (التاريخ) مع الأيديولوجيا (السياسة) وحيث تتباين الرؤي بين تيارين ثوريين متصارعين داخل جبهة التحرير الوطني نفسها، أي التيار العربي الإسلامي والتيار الشيوعي اللائكي..فإن المواقف الأولي للقوي السياسية الجزائرية في مواجهة الثورة يمكن تحديدها وتوثيقها علميا دون انحياز أو مراوغة. هذا المقال يتناول موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبقية الأحزاب السياسية الجزائرية من الثورة في أيامها الأولي.
لقد نص بيان أول نوفمبر 1954 علي أن جبهة التحرير الوطني تتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية، وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية لتنضم إلي الكفاح التحريري من دون أي اعتبار آخر... ومن ثمة فقد فتح باب إمكانية انضمام الأحزاب الأخري التي تشكل الحركة الوطنية الجزائرية، إلي الجبهة وتدعيم صفوفها.
انطلق عبان رمضان من هذا المبدإ، ليقوم بسلسلة من المفاوضات مع كل من: الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، جمعية العلماء المسلمين، المركزيين، الحزب الشيوعي الجزائري، الحركة الوطنية الجزائرية (المصاليون). وذلك بهدف اندماجهم في الجبهة، فكانت النتيجة أن ظل موقف جمعية العلماء متحفظا إزاء جبهة التحرير، وتميز موقف أحد قادتها، الشيخ العربي التبسي، بمساندته للجبهة وفهمه بأن النضال في الاطار القانوني، يعد من الماضي، فتم اغتياله علي يد السلطات الفرنسية، وفي سنة 1956 انضم الكثير من مناضلي الجمعية إلي الجبهة كأفرادا، كبقية التنظيمات، مثل محمد شعباني، احمد طالب الابراهيمي، عامر ملاح، ومحمد صالح اليحياوي.
يقول علي كافي في مذكراته عن موقف جمعية العلماء من الثورة "مثل بقية الحركات الوطنية الأخري، لم تكن قيادة الجمعية في الصورة يوم الانطلاقة وهي أيضا كانت تعاني أزمة صراع. فرئيسها الشيخ البشير الإبراهيمي كان في القاهرة ومصداقية نائبه الأول الرسمي ــ الشيخ العربي التبسي ــ كانت في الميزان. والحقيقة الموضوعية تؤكد بأن الشيخ العربي التبسي كان بأفكاره وتوجهاته وقناعاته أقرب إلي هضم الثورة وضرورة الإسراع في تأييدها. وهي أيضا سبقها مناضلوها حيث التحق بعض منهم بالثورة قبل 1956.
لم تصفق للثورة
وهي أيضا لم تصفق للثورة، بل حاول بعض قادتها التحالف مع مصالي، عدوهم الألد، بغية تأسيس التجمع الشعبي الجزائري وكان الاتفاق بينهم علي أن تحل أحزابهم بما في ذلك البيان. وهكذا بقي الجميع خاصة المصاليون والمركزيون يتسابقون علي كسب الحياديين.
إن تاريخ جمعية العلماء مرتبط شديد الارتباط بالشيخ عبد الحميد بن باديس. لقد بدأ اتصالاته وتحركاته ودعوته إلي إنشاء أخوة ثقافية يكون هدفها العمل علي جعل جهودهم في مجال التعليم العربي منسجمة وتوحيد مذهبهم الديني. وفي نوفمبر 1925 وجه عبد الحميد نداءه علي صفحات مجلة الشهاب إلي المثقفين الإصلاحيين الذي يهدف في أعماقه إلي تأسيس جمعية العلماء وبالفعل انعقدت الجمعية القانونية (42) عضوا بمقر نادي الترقي بعاصمة الجزائر في 5 مايو 1931، وصادقت الجمعية علي القانون الأساس وكان هدف الجمعية الإصلاح الديني ونشر التعليم العربي وفتح مدارس حرة .
وجاء في المادة الثالثة لا يسوغ لهذه الجمعية بأي حال من الأحوال أن تخوض أو تتدخل في المسائل السياسية .
يعلق علي كافي علي مطالب الجمعية قائلا : وفي شهر ايلول (سبتمبر) 1935 عقدت الجمعية مؤتمرها، وكانت مطالبها متشابهة مع التنظيمات الأخري، حيث كانت تبحث عن عمل مشترك علي أساس برنامج الحد الأدني الضروري. ويرجع الفضل إلي الشيخ عبد الحميد بن باديس في التعبير عن هذه الطموحات التي طرحها في مقال نشرته جريدة "الدفاع"، اللسان المركزي للجمعية، وذلك بتاريخ 3/1/1936، فكان هو أول من دعا إلي عقد مؤتمر إسلامي جزائري لضبط ميثاق سياسي للمسلمين الجزائريين . كانت الجمعية تؤيد البحث عن حل سلمي ومخرج للقضية الوطنية من دون تطبيقه مع إطار التأسيس الشرعية الفرنسية . ولكن هذه المساعي عرقلها فرحات عباس بمقاله الافتتاحي الشهير في جريدة الوفاق الفرنسي ــ الإسلامي لسان حال اتحادية المنتخبين المسلمين لعمالة قسنطينة، أكد فيه موقفه السياسي الداعي إلي الاندماج، وكانت الافتتاحية بعنوان فرنسا هي أنا .
وكانت لهذه الافتتاحية ردود فعل عنيفة من طرف جمعية العلماء خاصة المقال الصريح الواضح الذي نشر في جريدة الشهاب في نيسان (أبريل) عام 1936، حيث عبر عن رفضه الصارم لمقال فرحات عباس، مدافعا بقوة من اجل الاعتراف بالشخصية الجزائرية.
وفي 14 كانون الثاني (يناير) عام 1938، نشرت جريدة البصائر فتوي للشيخ عبد الحميد بن باديس ضد التجنس وهي نفسها التي كان قد أعلنها في 10 آب (اغسطس) 1937.
واشتهر بقوله والله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إلاه إلا الله لما قلتها .
مطالب الجمعية
ومن مطالب الجمعية حرية الدين الإسلامي وحرية مساجده وحرية مؤسساته الخيرية وحرية تعليم اللغة العربية كلغة وطنية ولغة ممارسة الشعائر الدينية في الوقت نفسه وحرية القضاء الإسلامي . غير أن الحكومة لم تفتأ تتجاهل كل هذه المطالب لغاية 1947، وهو التاريخ الذي صادق فيه البرلمان الفرنسي علي القانون الأساس للجزائر (قانون 47 ــ 1953) المؤرخ في 20 أيلول (سبتمبر) 1947، الذي تمخض عنه ميلاد مجلسكم هذا. ... وإنه لمن المتعذر تفسير الدواعي التي حدت بالحكومة الفرنسية وهي حكومة علمانية ــ والعلمانية تمنع التدخل في شؤون الدين الإسلامي، وهو الدين الوحيد الذي تتدخل في شؤونه الإدارة الجزائرية .
وفي يوم 21 تموز (يوليو) عقدت جمعية العلماء مؤتمرها التاسع حيث تمت المصادقة علي قانون سياسي جديد والمصادقة علي لائحة تتعلق بالوظيفة الثقافية والدينية وأكد المؤتمر الطابع الخاص للجمعية بأنها لا تعتزم القيام بعمل سياسي تقليدي.
من الضروري التأكيد مجددا علي أن موقف الحذر والريبة الذي اتخذته الجمعية ضد الثورة لم تنفرد به. فقد أجمعت القوي السياسية المتواجدة علي الساحة علي عدم تزكية الثورة في بدايتها. بل ونقدها واعتبارها مغامرة عسكرية منعزلة وفاشلة. يشترك في هذا الموقف كل من فرحات عباس والحزب الشيوعي والمركزيون ومصالي الحاج.
فرحات عباس
كان فرحات عباس يعتبر الكفاح المسلح يأسا وفوضي ومغامرة ، وكان ينتظر الكثير من مانديس فرانس Mandڈs France، لكنه لم يكن يستطيع تجاهل وجود منظور آخر، بفضل جبهة التحـرير الوطـني، فتـوصل أخـيرا إلـي قنـاعة أنـه إذا استسـلمت الأوليغاركات المالية ، إذا تكشف عجزها، لن يبقي أمام الجزائريين غير الذهاب إلي السجن أو الالتحاق بالأدغال. أعلن فرحات عباس، زعيم الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري في القاهرة، في 22 نيسان (أبريل) 1956 انضمامه رسميا إلي جبهة التحرير الوطني ومعه بقية مناضلي حزبه. وعد ذلك تحولا جذريا في موافقه.
يعلق علي كافي علي مواقفه .. وهو أيضا فوجئ بالانطلاقة. وعلي الرغم من المبررات المستقبلية، فقد اتخذ فرحات عباس موقفا واضحا منذ البداية حيث كتب في صحيفة الجمهورية العدد 46 بتاريخ 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954،: ... إن موقفنا واضح ومن دون أي التباس. إننا سنبقي مقتنعين بأن العنف لا يساوي شيئا . لقد استمر علي موقفه ومبادئ حزبه وهو التعلق بالشرعية وإدانة العنف والمناورة للحصول علي تنازلات من فرنسا وكان مستعدا لقبول قانون 1947، وبقي في هذا الحلم إلي أن فشلت كل محاولاته فركب القطار في 1956، بعد أن حل الحزب والتحق رئيسه وكثير من إطاراته بجبهة التحرير الوطني.
وبقيت قيادة البيان تلعب علي حبلين بأمل أن تجهض الانطلاقة فتبدو أمام الطرف الفرنسي بأنها الجناح الأسلم والأجدر بالمفاوض الكفء لغاية سنة 1956، حيث التحقت بجبهة التحرير الوطني، مع العلم أن كثيرا من مناضلي البيان التحقوا بصفوف الثورة قبل ذلك التاريخ .
كما اعتبر المركزيون العمليات العسكرية في أول نوفمبر مغامرة وتنبأوا بانتكاسة للحركة الوطنية، لكن سرعان ما غيروا مواقفهم وانضموا إلي الجبهة ووصلوا إلي مواقع قيادية فيها، مثل بن يوسف بن خدة، سعد دحلب، تمام، عيسات يدير...
اعتراض الحزب الشيوعي
واعترض الحزب الشيوعي الجزائري علي ادعاء جبهة التحرير الوطني التحدث باسم الأمة جمعاء، وذلك باسم تمثيله الطبقة العاملة، وأسس في آذار (مارس) 1956 منظمة عسكرية خاصة به، سميت مقاتلو التحرير فشلت، فتـم دمـج مقاتليها أو ما تبقـي منهم في جيش التحرير الوطني في تموز (يوليو) 1956، كأفراد وليس كحزب.
يعتبر علي كافي الحزب الشيوعي الجزائري حزبا "مرتبطا بالحزب الشيوعي الفرنسي ويتكون من أوروبيين وجزائريين. وهو أيضا كان بعيدا عن المطامح الحقيقية للشعب (الاستقلال بواسطة السلاح). كانت مواقفه مذبذبة، وعلي الرغم من تصريحاته وبياناته ولوائح مؤتمراته، فقد كان أقرب إلي القوي البرجوازية منه إلي الجماهير الشعبية. ومن أخطائه الفادحة والتاريخية -التي لا تغتفر لحزب يريد أن يكون تقدميا ــ أنه أيد في 1936، مشروع بلوم فيولات الهادف إلي منح بعض الإصلاحات والمواطنة الفرنسية للنخبة فقط..أثناء حوادث 8 مايو 1945 دعا إلي قمع الانتفاضة الوطنية الشعبية. في النداء الذي وجهه تحت عنوان من أجل جبهة وطنية ديموقراطية جزائرية" جاء فيه علي الخصوص إن اتحاد الجزائريين مع الأمة الفرنسية الكبري هو الشرط الأساس لنيل المزيد من الحرية والديمقراطية . بقي هذا شعارا له حتي سنة 1954، ولم يغير موقفه من الكفاح المسلح إلا بعد أن راجع كل من المركزيين والاتحاد الديمقراطي موقفهما من الشرعية الاستعمارية . وكان ميالا إلي المطالبة بالإصلاحات والتنديد بالقمع ورفع مستوي المعيشة، دائما في إطار الشرعية والتواجد الاستعماري وإن كان بعض قادته يزعمون بأن الكفاح المسلح كان واردا في برنامجهم السياسي. كما كان الحزب الشيوعي الجزائري ينظر إلي أول نوفمبر 1954 علي أنه عملية استفزازية ليس بعيدا أن يكون مصيره ما حدث في 8 مايو 1945، وبالتالي كان يدعو إلي اليقظة المطلقة وبعبارة أخري الحذر من أول نوفمبر .
موقف المصاليين
وأعطي المصاليون في كانون الأول (ديسمبر) 1954 تسمية جديدة لمنظمتهم فحلت الحركة الوطنية الجزائرية محل حركة انتصار الحريات الديمقراطية وعلي عكس بقية التنظيمات التي اندمجت في جبهة التحرير الوطني، اختاروا الدخول في حرب دامية ضدها، سقط فيها عشرات الاف من القتلي من الجانبين، حتي استقلال الجزائر سنة 1962.
أدت هذه التطورات السياسية الي تغيير في حجم وتركيبة جبهة التحرير الوطني. فلم تعد منذ سنة 1956، حكرا علي مناضلي المنظمة الخاصة، ذوي التكوين العسكري، والمتشيعين للعمل الحربي علي حساب أي عمل آخر.
كيف يمكننا تفسير هذه المواقف السلبية من قبل جمعية العلماء المسلمين وبقية الأحزاب الجزائرية تجاه مفجري ثورة نوفمبر 1954؟
يعود السبب الأساسي في الواقع إلي طبيعة النواة الأولي لثوار أول نوفمبر. فقيادتهم تشكلت من قيادات الصف الثاني، أو حتي الثالث في الحركة الوطنية الجزائرية، المتميزين بعدم احترافهم السياسي، وبصغر سنهم، وانتمائهم إلي الطبقات الأكثر فقرا في المجتمع الجزائري، فهم لم يكونوا قيادات تقليدية وكانوا غير معروفين علي الساحة. كان ينظر إليهم كمغامرين عسكريين قليلي العدد منعزلين عن الأحزاب وبالتالي عن الجماهير.. وكان الاعتقاد أن السلطات الاستعمارية ستنهي مغامرتهم بسرعة. لكن المفاجأة تمثلت في صمودهم البطولي واستمرار حركتهم ووقوف القاهرة إلي جانبهم بكل ما تملك من قوة. والأكثر من ذلك تبني الريف الجزائري لهذه الثورة. وانتماء الفلاحين لها الذين شكلوا فرقها الصدامية الأولي. كان هناك عزم لا يلين علي الانتصار. وكان شعارها المركزي انتهي عهد السياسة والمفاوضات، فالحرية لا تعطي وإنما تنتزع بقوة السلاح. استمر هذا الحال حتي سنة 1956 حينما قررت جميع القوي السياسية الجزائرية بمن فيها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وباستثناء مصالي الحاج، الانضمام إلي الثورة وبالتالي الانضمام إلي جبهة التحرير الوطني التي ضمت جنبا إلي جنب الإسلاميين والشيوعيين، الليبيراليين والاشتراكيين، الفرنكفونيين والعروبيين. جمعت كل التناقضات من أجل استقلال الجزائر.
ومنذ ذلك الحين رصدنا توازنا جديدا، أصبح يحل محل هيمنة رجال جيش التحرير الوطني، ومعطيات جديدة بدأت تتفاعل داخل الجبهة. حيث اختلف الوضع بعد انضمام سياسيين محترفين، أكثر تجربة في القيادة، ومنحدرين من طبقات أكثر رفاهية إلي جبهة التحرير الوطني.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لماذا تخلفت جمعية العلماء المسلمين وبقية الأحزاب عن مساندة ثورة الفاتح من نوفمبر 1954؟ - رياض الصيداوي
موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من ثورة الفاتح من نوفمبر عام 1954 لم يكن موقفا شجاعا في بدايته. كان متخاذلا ضد ثوار نوفمبر، مثله مثل موقف الحزب الشيوعي الجزائري، أو موقف عباس فرحات أو حتي مصالي الحاج الذي حارب الثورة منذ اندلاعها. وعلي الرغم من أن كتابة تاريخ الجزائر الثوري يعد إشكالا حيث يتداخل فيه العلم (التاريخ) مع الأيديولوجيا (السياسة) وحيث تتباين الرؤي بين تيارين ثوريين متصارعين داخل جبهة التحرير الوطني نفسها، أي التيار العربي الإسلامي والتيار الشيوعي اللائكي..فإن المواقف الأولي للقوي السياسية الجزائرية في مواجهة الثورة يمكن تحديدها وتوثيقها علميا دون انحياز أو مراوغة. هذا المقال يتناول موقف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبقية الأحزاب السياسية الجزائرية من الثورة في أيامها الأولي.
لقد نص بيان أول نوفمبر 1954 علي أن جبهة التحرير الوطني تتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين من جميع الطبقات الاجتماعية، وجميع الأحزاب والحركات الجزائرية لتنضم إلي الكفاح التحريري من دون أي اعتبار آخر... ومن ثمة فقد فتح باب إمكانية انضمام الأحزاب الأخري التي تشكل الحركة الوطنية الجزائرية، إلي الجبهة وتدعيم صفوفها.
انطلق عبان رمضان من هذا المبدإ، ليقوم بسلسلة من المفاوضات مع كل من: الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري، جمعية العلماء المسلمين، المركزيين، الحزب الشيوعي الجزائري، الحركة الوطنية الجزائرية (المصاليون). وذلك بهدف اندماجهم في الجبهة، فكانت النتيجة أن ظل موقف جمعية العلماء متحفظا إزاء جبهة التحرير، وتميز موقف أحد قادتها، الشيخ العربي التبسي، بمساندته للجبهة وفهمه بأن النضال في الاطار القانوني، يعد من الماضي، فتم اغتياله علي يد السلطات الفرنسية، وفي سنة 1956 انضم الكثير من مناضلي الجمعية إلي الجبهة كأفرادا، كبقية التنظيمات، مثل محمد شعباني، احمد طالب الابراهيمي، عامر ملاح، ومحمد صالح اليحياوي.
يقول علي كافي في مذكراته عن موقف جمعية العلماء من الثورة "مثل بقية الحركات الوطنية الأخري، لم تكن قيادة الجمعية في الصورة يوم الانطلاقة وهي أيضا كانت تعاني أزمة صراع. فرئيسها الشيخ البشير الإبراهيمي كان في القاهرة ومصداقية نائبه الأول الرسمي ــ الشيخ العربي التبسي ــ كانت في الميزان. والحقيقة الموضوعية تؤكد بأن الشيخ العربي التبسي كان بأفكاره وتوجهاته وقناعاته أقرب إلي هضم الثورة وضرورة الإسراع في تأييدها. وهي أيضا سبقها مناضلوها حيث التحق بعض منهم بالثورة قبل 1956.
لم تصفق للثورة
وهي أيضا لم تصفق للثورة، بل حاول بعض قادتها التحالف مع مصالي، عدوهم الألد، بغية تأسيس التجمع الشعبي الجزائري وكان الاتفاق بينهم علي أن تحل أحزابهم بما في ذلك البيان. وهكذا بقي الجميع خاصة المصاليون والمركزيون يتسابقون علي كسب الحياديين.
إن تاريخ جمعية العلماء مرتبط شديد الارتباط بالشيخ عبد الحميد بن باديس. لقد بدأ اتصالاته وتحركاته ودعوته إلي إنشاء أخوة ثقافية يكون هدفها العمل علي جعل جهودهم في مجال التعليم العربي منسجمة وتوحيد مذهبهم الديني. وفي نوفمبر 1925 وجه عبد الحميد نداءه علي صفحات مجلة الشهاب إلي المثقفين الإصلاحيين الذي يهدف في أعماقه إلي تأسيس جمعية العلماء وبالفعل انعقدت الجمعية القانونية (42) عضوا بمقر نادي الترقي بعاصمة الجزائر في 5 مايو 1931، وصادقت الجمعية علي القانون الأساس وكان هدف الجمعية الإصلاح الديني ونشر التعليم العربي وفتح مدارس حرة .
وجاء في المادة الثالثة لا يسوغ لهذه الجمعية بأي حال من الأحوال أن تخوض أو تتدخل في المسائل السياسية .
يعلق علي كافي علي مطالب الجمعية قائلا : وفي شهر ايلول (سبتمبر) 1935 عقدت الجمعية مؤتمرها، وكانت مطالبها متشابهة مع التنظيمات الأخري، حيث كانت تبحث عن عمل مشترك علي أساس برنامج الحد الأدني الضروري. ويرجع الفضل إلي الشيخ عبد الحميد بن باديس في التعبير عن هذه الطموحات التي طرحها في مقال نشرته جريدة "الدفاع"، اللسان المركزي للجمعية، وذلك بتاريخ 3/1/1936، فكان هو أول من دعا إلي عقد مؤتمر إسلامي جزائري لضبط ميثاق سياسي للمسلمين الجزائريين . كانت الجمعية تؤيد البحث عن حل سلمي ومخرج للقضية الوطنية من دون تطبيقه مع إطار التأسيس الشرعية الفرنسية . ولكن هذه المساعي عرقلها فرحات عباس بمقاله الافتتاحي الشهير في جريدة الوفاق الفرنسي ــ الإسلامي لسان حال اتحادية المنتخبين المسلمين لعمالة قسنطينة، أكد فيه موقفه السياسي الداعي إلي الاندماج، وكانت الافتتاحية بعنوان فرنسا هي أنا .
وكانت لهذه الافتتاحية ردود فعل عنيفة من طرف جمعية العلماء خاصة المقال الصريح الواضح الذي نشر في جريدة الشهاب في نيسان (أبريل) عام 1936، حيث عبر عن رفضه الصارم لمقال فرحات عباس، مدافعا بقوة من اجل الاعتراف بالشخصية الجزائرية.
وفي 14 كانون الثاني (يناير) عام 1938، نشرت جريدة البصائر فتوي للشيخ عبد الحميد بن باديس ضد التجنس وهي نفسها التي كان قد أعلنها في 10 آب (اغسطس) 1937.
واشتهر بقوله والله لو طلبت مني فرنسا أن أقول لا إلاه إلا الله لما قلتها .
مطالب الجمعية
ومن مطالب الجمعية حرية الدين الإسلامي وحرية مساجده وحرية مؤسساته الخيرية وحرية تعليم اللغة العربية كلغة وطنية ولغة ممارسة الشعائر الدينية في الوقت نفسه وحرية القضاء الإسلامي . غير أن الحكومة لم تفتأ تتجاهل كل هذه المطالب لغاية 1947، وهو التاريخ الذي صادق فيه البرلمان الفرنسي علي القانون الأساس للجزائر (قانون 47 ــ 1953) المؤرخ في 20 أيلول (سبتمبر) 1947، الذي تمخض عنه ميلاد مجلسكم هذا. ... وإنه لمن المتعذر تفسير الدواعي التي حدت بالحكومة الفرنسية وهي حكومة علمانية ــ والعلمانية تمنع التدخل في شؤون الدين الإسلامي، وهو الدين الوحيد الذي تتدخل في شؤونه الإدارة الجزائرية .
وفي يوم 21 تموز (يوليو) عقدت جمعية العلماء مؤتمرها التاسع حيث تمت المصادقة علي قانون سياسي جديد والمصادقة علي لائحة تتعلق بالوظيفة الثقافية والدينية وأكد المؤتمر الطابع الخاص للجمعية بأنها لا تعتزم القيام بعمل سياسي تقليدي.
من الضروري التأكيد مجددا علي أن موقف الحذر والريبة الذي اتخذته الجمعية ضد الثورة لم تنفرد به. فقد أجمعت القوي السياسية المتواجدة علي الساحة علي عدم تزكية الثورة في بدايتها. بل ونقدها واعتبارها مغامرة عسكرية منعزلة وفاشلة. يشترك في هذا الموقف كل من فرحات عباس والحزب الشيوعي والمركزيون ومصالي الحاج.
فرحات عباس
كان فرحات عباس يعتبر الكفاح المسلح يأسا وفوضي ومغامرة ، وكان ينتظر الكثير من مانديس فرانس Mandڈs France، لكنه لم يكن يستطيع تجاهل وجود منظور آخر، بفضل جبهة التحـرير الوطـني، فتـوصل أخـيرا إلـي قنـاعة أنـه إذا استسـلمت الأوليغاركات المالية ، إذا تكشف عجزها، لن يبقي أمام الجزائريين غير الذهاب إلي السجن أو الالتحاق بالأدغال. أعلن فرحات عباس، زعيم الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري في القاهرة، في 22 نيسان (أبريل) 1956 انضمامه رسميا إلي جبهة التحرير الوطني ومعه بقية مناضلي حزبه. وعد ذلك تحولا جذريا في موافقه.
يعلق علي كافي علي مواقفه .. وهو أيضا فوجئ بالانطلاقة. وعلي الرغم من المبررات المستقبلية، فقد اتخذ فرحات عباس موقفا واضحا منذ البداية حيث كتب في صحيفة الجمهورية العدد 46 بتاريخ 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954،: ... إن موقفنا واضح ومن دون أي التباس. إننا سنبقي مقتنعين بأن العنف لا يساوي شيئا . لقد استمر علي موقفه ومبادئ حزبه وهو التعلق بالشرعية وإدانة العنف والمناورة للحصول علي تنازلات من فرنسا وكان مستعدا لقبول قانون 1947، وبقي في هذا الحلم إلي أن فشلت كل محاولاته فركب القطار في 1956، بعد أن حل الحزب والتحق رئيسه وكثير من إطاراته بجبهة التحرير الوطني.
وبقيت قيادة البيان تلعب علي حبلين بأمل أن تجهض الانطلاقة فتبدو أمام الطرف الفرنسي بأنها الجناح الأسلم والأجدر بالمفاوض الكفء لغاية سنة 1956، حيث التحقت بجبهة التحرير الوطني، مع العلم أن كثيرا من مناضلي البيان التحقوا بصفوف الثورة قبل ذلك التاريخ .
كما اعتبر المركزيون العمليات العسكرية في أول نوفمبر مغامرة وتنبأوا بانتكاسة للحركة الوطنية، لكن سرعان ما غيروا مواقفهم وانضموا إلي الجبهة ووصلوا إلي مواقع قيادية فيها، مثل بن يوسف بن خدة، سعد دحلب، تمام، عيسات يدير...
اعتراض الحزب الشيوعي
واعترض الحزب الشيوعي الجزائري علي ادعاء جبهة التحرير الوطني التحدث باسم الأمة جمعاء، وذلك باسم تمثيله الطبقة العاملة، وأسس في آذار (مارس) 1956 منظمة عسكرية خاصة به، سميت مقاتلو التحرير فشلت، فتـم دمـج مقاتليها أو ما تبقـي منهم في جيش التحرير الوطني في تموز (يوليو) 1956، كأفراد وليس كحزب.
يعتبر علي كافي الحزب الشيوعي الجزائري حزبا "مرتبطا بالحزب الشيوعي الفرنسي ويتكون من أوروبيين وجزائريين. وهو أيضا كان بعيدا عن المطامح الحقيقية للشعب (الاستقلال بواسطة السلاح). كانت مواقفه مذبذبة، وعلي الرغم من تصريحاته وبياناته ولوائح مؤتمراته، فقد كان أقرب إلي القوي البرجوازية منه إلي الجماهير الشعبية. ومن أخطائه الفادحة والتاريخية -التي لا تغتفر لحزب يريد أن يكون تقدميا ــ أنه أيد في 1936، مشروع بلوم فيولات الهادف إلي منح بعض الإصلاحات والمواطنة الفرنسية للنخبة فقط..أثناء حوادث 8 مايو 1945 دعا إلي قمع الانتفاضة الوطنية الشعبية. في النداء الذي وجهه تحت عنوان من أجل جبهة وطنية ديموقراطية جزائرية" جاء فيه علي الخصوص إن اتحاد الجزائريين مع الأمة الفرنسية الكبري هو الشرط الأساس لنيل المزيد من الحرية والديمقراطية . بقي هذا شعارا له حتي سنة 1954، ولم يغير موقفه من الكفاح المسلح إلا بعد أن راجع كل من المركزيين والاتحاد الديمقراطي موقفهما من الشرعية الاستعمارية . وكان ميالا إلي المطالبة بالإصلاحات والتنديد بالقمع ورفع مستوي المعيشة، دائما في إطار الشرعية والتواجد الاستعماري وإن كان بعض قادته يزعمون بأن الكفاح المسلح كان واردا في برنامجهم السياسي. كما كان الحزب الشيوعي الجزائري ينظر إلي أول نوفمبر 1954 علي أنه عملية استفزازية ليس بعيدا أن يكون مصيره ما حدث في 8 مايو 1945، وبالتالي كان يدعو إلي اليقظة المطلقة وبعبارة أخري الحذر من أول نوفمبر .
موقف المصاليين
وأعطي المصاليون في كانون الأول (ديسمبر) 1954 تسمية جديدة لمنظمتهم فحلت الحركة الوطنية الجزائرية محل حركة انتصار الحريات الديمقراطية وعلي عكس بقية التنظيمات التي اندمجت في جبهة التحرير الوطني، اختاروا الدخول في حرب دامية ضدها، سقط فيها عشرات الاف من القتلي من الجانبين، حتي استقلال الجزائر سنة 1962.
أدت هذه التطورات السياسية الي تغيير في حجم وتركيبة جبهة التحرير الوطني. فلم تعد منذ سنة 1956، حكرا علي مناضلي المنظمة الخاصة، ذوي التكوين العسكري، والمتشيعين للعمل الحربي علي حساب أي عمل آخر.
كيف يمكننا تفسير هذه المواقف السلبية من قبل جمعية العلماء المسلمين وبقية الأحزاب الجزائرية تجاه مفجري ثورة نوفمبر 1954؟
يعود السبب الأساسي في الواقع إلي طبيعة النواة الأولي لثوار أول نوفمبر. فقيادتهم تشكلت من قيادات الصف الثاني، أو حتي الثالث في الحركة الوطنية الجزائرية، المتميزين بعدم احترافهم السياسي، وبصغر سنهم، وانتمائهم إلي الطبقات الأكثر فقرا في المجتمع الجزائري، فهم لم يكونوا قيادات تقليدية وكانوا غير معروفين علي الساحة. كان ينظر إليهم كمغامرين عسكريين قليلي العدد منعزلين عن الأحزاب وبالتالي عن الجماهير.. وكان الاعتقاد أن السلطات الاستعمارية ستنهي مغامرتهم بسرعة. لكن المفاجأة تمثلت في صمودهم البطولي واستمرار حركتهم ووقوف القاهرة إلي جانبهم بكل ما تملك من قوة. والأكثر من ذلك تبني الريف الجزائري لهذه الثورة. وانتماء الفلاحين لها الذين شكلوا فرقها الصدامية الأولي. كان هناك عزم لا يلين علي الانتصار. وكان شعارها المركزي انتهي عهد السياسة والمفاوضات، فالحرية لا تعطي وإنما تنتزع بقوة السلاح. استمر هذا الحال حتي سنة 1956 حينما قررت جميع القوي السياسية الجزائرية بمن فيها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وباستثناء مصالي الحاج، الانضمام إلي الثورة وبالتالي الانضمام إلي جبهة التحرير الوطني التي ضمت جنبا إلي جنب الإسلاميين والشيوعيين، الليبيراليين والاشتراكيين، الفرنكفونيين والعروبيين. جمعت كل التناقضات من أجل استقلال الجزائر.
ومنذ ذلك الحين رصدنا توازنا جديدا، أصبح يحل محل هيمنة رجال جيش التحرير الوطني، ومعطيات جديدة بدأت تتفاعل داخل الجبهة. حيث اختلف الوضع بعد انضمام سياسيين محترفين، أكثر تجربة في القيادة، ومنحدرين من طبقات أكثر رفاهية إلي جبهة التحرير الوطني.