أخلاق أهل القرآن
أخلاق أهل القرآن
كثير من الحافظين أو الحافظات لكتاب الله - تعالى -يحسبون أنهم على خير وصلاح واستقامة، بل كثير منهم يأمنون من مكر الله - تعالى -ويغترون بما أنعم الله عليهم من حفظ لكتاب الله، فينسون آدابه ويضيعون حقوقه، فليس كل من حفظ كتاب الله أصبح من الطائعين أو العابدين الزاهدين، بل وكثير منهم لا يتدبرون في معانيه ولا يلتزمون بآدابه ويتناسون أن هذا الكتاب الذي بين أيدينا إما حجة لنا أو علينا ويغفل أو يتغافل الكثير عن العمل بهذا الكتاب العظيم وجعله نبراس حياته يستضيء به في طريقه وسيره، فالذي يحفظ كتاب الله ويتغافل عنه أو لا يستنير بضيائه هو على خطر عظيم لأن الحجة قد قامت عليه والمعرفة قد حصلت له والبينة قد اتضحت، فعليه أن يقف مع نفسه أولا ويحاسبها قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، ولهذا كانت لنا بعض الوقفات والنصائح لأهل القرآن لنذكر أنفسنا سويا بأخلاق أهل القرآن وآداب حملته.
قال الله - تعالى -: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا).
سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق ـ - رضي الله عنها - وعن أبيها ـ
عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: (كان خلقه القرآن).
وقال بشر بن الحارث: سمعت عيسى بن يونس يقول: "إذا ختمَ العبدُ قبّـل الملَك بين عينيه، فينبغي له أن يجعلَ القرآن ربيعاً لقلبه يَعْمُرُ ما خرِبَ من قلبِهِ، ويتأدبُ بآدابِ القرآن، ويتخلّقُ بأخلاقٍ شريفةٍ يتميّـز بـها عن سائرِ النّاس ممن لا يقرأ القرآن".
فأول ما ينبغي لحافظ القرآن هو: تقوى الله في السّرّ والعلانية:
باستعمال الورع في مطعمه ومشربه ومكسبه، وأن يكونَ بصيـراً بزمانه وفساد أهلـه، فهو يحذرهـم على دينه؛ مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح ما فسد من أمره، حافظاً للسانه، مميِّزاً لكلامه؛ إن تكلّم تكلّم بعلم إذا رأى الكلامَ صواباً، وإن سكت سكت بعلـم إذا كان السكوت صواباً، قليلَ الخوض فيما لا يعنيـه، يخاف من لسانه أشدّ مما يخاف من عدوّه، يحبس لسانه كحبسه لعدوّه، ليأمن شـرّه وسوءَ عاقبتِـه، يحذر من نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يُسخط مولاه، ولا يغتـابُ أحداً ولا يحقر أحداً، ولا يشمت بمصيبة، ولا يبغي على أحد ولا يحسده، ولا يسيءُ الظنّ، حافظاً لجميع جوارحـه عمّا نُهي عنه، يجتهد ليسلمَ النّـاسُ من لسانه ويده، لا يظلم وإن ظُلم عفا لا يبغي على أحد، وإن بُغي عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربّه، ويغيظَ عدوّه، متواضعاً في نفسه، إذا قيل له الحق قَبِله من صغيرٍ أو كبير، يطلب الرفعة من الله - تعالى -لا من المخلوقين.
ومن الأمور التي ينبغي على حافظ كتاب الله أن يتميز بها ويلزمها ويجعلها من فرائض حياته:
أن يُلزم نفسه بِرَّ والديه، فيخفضُ لهما جناحه، ويخفض لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، ويشكر لهما عند الكبر.
وعليه أيضا أن يصلَ الرحم ويكره القطيعة، مَن قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه مَن صحِبه نفعه، وهو رفيقٌ في أموره، صبورٌ على تعليم الخير، يـأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً.
ويجب على حافظ كتاب الله - تعالى -أن يعمل بكتاب الله في شانه كله حتى لا يقع في مغبة الذين يقرؤون القرآن ولا يعرفون عنه شيئاً إلا حروفه وسوره ولا يتمتعون بفهم معانيه ولا يتذوقون حلاوته ويرددونه وكأنه شعر أو نثر.
ولهذا كان عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - يقول: (كنّا صدرَ هذه الأمّة، وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما معه إلا السّـورة من القرآن أو شبه ذلك؛ وكان القرآن ثقيلاً عليهم، ورُزقوا العمل بـه، وإنّ آخر هذه الأمّة يُخفّف عليهم القرآن حتّى يقرأ الصّبـيّ والأعجمـيّ، فلا يعملون بـه).
وعن مجاهد - رحمه الله -، في قوله - تعالى -(يتلونه حقّ تلاوته) قال: (يعملون بـه حقَّ عمله).
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ( ينبغـي لحامل القرآن أن يُعرف بليلـه إذا النـاسُ نائمون، وبنهاره إذا الناسُ مُفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناسُ يختالون، وبحزنه إذا الناسُ يفرحون، وببكائه إذا الناسُ يضحكون، وبصمته إذا الناسُ يخوضون).
وعن الفضيل بن عياض - رحمه الله تعالى -:
" حامل القرآن حامل رايةِ الإسلام..لا ينبغي له أن يلغـو مع مـن يلغو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلهو مع مَن يلهو".
ولهذا كان السلف - رحمهم الله - تعالى -يجعلون القرآن جل حياتهم يتعايشون معه ويتخلقون بأخلاقه ويجعلونه أساس حياتهم ومصدر سعادتهم وقربهم من الله العلى القدير وكانوا يتواصون فيما بينهم بهذا الكتاب العظيم.
من وصايا السلف - رحمهم الله - تعالى -في شأن القرآن:
1- من أراد أن يعمر قلبه وبيته بالإيمان فعليه بالقرآن:
فكان قتادة - رحمه الله - يقول: "اعمروا به قلوبكم واعمروا به بيوتكم" يعني القرآن".
2- القرآن هو خير وصية:
قال أبو عبيد: أن رجلاً جاء إليه فقال أوصني. فقال: " إذا سمعت الله يقول (يا أيها الذين آمنوا) فارعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه".
3- ذم السلف من يشتغل بغير القرآن:
قال ابن مسعود: "إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره".
4- قلب لا يجد لذة القرآن قلب مريض:
عن معاذ بن جبل قال: "سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب فيتهافت، يقرؤونه لا يجدون له لذة يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا: سنبلغ وإن أساؤوا قالوا: سيُغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئاً".
5- نصيحة جامعة لكيفية تعلم القرآن:
قال أبو نصر الرملي: أتانا الفضيل بن عياض بمكة فسألناه أن يملي علينا فقال: " ضيعتم كتاب الله وطلبتم كلام فضيل وابن عيينة ولو تفرغتم لكتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون" قلنا: قد تعلمنا القرآن، قال: " إن في تعلم القرآن شغلاً لأعماركم وأعمار أولادكم وأولاد أولادكم، قلنا: كيف؟ قال: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ومحكمه ومتشابهه وحلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه، إذا عرفتم ذلك اشتغلتم عن كلام فضيل وغيره، ثم قال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين)" سورة يونس.
6-صنف من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر:
قال الحسن البصري: "قراء القرآن ثلاثة أصناف: صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به، وصنف أقاموا حروفه وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة - كثُر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله، وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في برانسهم واستشعروا الخوف فارتدوا الحزن فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم على الأعداء، والله لهؤلاء الضرب من حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر".
7- القرآن تجارةٌ الرابِح فيها من استزاد بمجالسته:
قال قتادة بن دعامة السدوسي، وهو من علماء تابعي البصرة: " ما جالس القرآن أحد إلا فارقه بزيادة أو نقصان"، ثم قرأ: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً).
فانصح نفسي وإياكم يا حفظة كتاب بألا تضيعوا الأوقات في القيل والقال وكثرة الجدال فيما يسخط رضا الرحمن وعلى حافظ كتاب الله أن يتعهد قلبه بطاعة الله وان يحصن أذنه بأطيب الذكر ولسانه بأحلى الكلام، فيكون دائم الاتصال بربه إن تكلم فعن الله، وإن سكت فمع الله.. وإن تحرك فبأمر الله، وإن نطق فبالله ومع الله، فعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته، يكون توفيق الله له وإعانته، جعلنا الله ممن يتمسكون بكتاب الله وممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
الكـاتب : انشراح العزازي