دين الأنبياء واحد وظهور أعدائه علامة لظهوره

أبو حذيفة الجزائري

:: عضو منتسِب ::
إنضم
31 أكتوبر 2010
المشاركات
74
نقاط التفاعل
0
النقاط
2

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
” فإن الله تبارك وتعالى جعل محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وأكمل له ولأمته الدين، وبعثه على حين فترة من الرسل وظهور الكفر، وانطماس السبل، فأحيا به ما درس من معالم الإيمان، وقمع به أهل الشرك من عباد الأوثان، والنيران، والصلبان، وأذل به كفار أهل الكتاب أهل الشك والارتياب، وأقام به منار دينه الذي ارتضاه، وشاد به ذكر من اجتباه من عباده واصطفاه، وأظهر به ما كان مخفيا عند أهل الكتاب، وأبان به ما عدلوا فيه عن منهج الصواب، وحقق به صدق التوراة، والزبور، والإنجيل، وأماط به عنها ما ليس بحقها من باطل التحريف، والتبديل.
وكان من سنة الله تبارك وتعالى مواترة الرسل، وتعميم الخلق بهم، بحيث يبعث في كل أمة رسولا ; ليقيم هداه، وحجته، كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36] .
وقال تعالى: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24] .
وقال تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترى} [المؤمنون: 44] .
وقال تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا – ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما – رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما} [النساء: 163 - 165] .
ولما أهبط آدم إلى الأرض، قال تعالى: {قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى – ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى – قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا – قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى – وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} [طه: 123 - 127] .
وقال تعالى عن أهل النار: {كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير – قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير – وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 8 - 10] .
وقال تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} [الإسراء: 15] .
وقال تعالى: {يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين – ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون} [الأنعام: 130 - 131] .

[فصل: دين الأنبياء واحد هو الإسلام الدين الذي ارتضاه الله لنفسه هو دين الإسلام]

وكان دينه الذي ارتضاه الله لنفسه هو دين الإسلام: الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل، ولا يقبل من أحد دينا غيره لا من الأولين ولا من الآخرين.
وهو دين الأنبياء وأتباعهم، كما أخبر الله تعالى بذلك عن نوح ومن بعده إلى الحواريين.
قال تعالى: {واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه ياقوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون – فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين} [يونس: 71 - 72] .
وقال تعالى عن إبراهيم: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين – إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين – ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [البقرة: 130 - 132] .وقال تعالى عن يوسف الصديق: {رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} [يوسف: 101] .
وقال تعالى عن موسى: {ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} [يونس: 84] .
وأخبر تعالى عن السحرة، أنهم قالوا لفرعون: {وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين} [الأعراف: 126] .وقال تعالى عن بلقيس ملكة اليمن: {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} [النمل: 44] .وقال تعالى عن أنبياء بني إسرائيل: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} [المائدة: 44] .
وقال تعالى عن المسيح: {فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون} [آل عمران: 52] .
وقال تعالى: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} [المائدة: 111] .
فهذا دين الأولين والآخرين من الأنبياء وأتباعهم هو دين الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وعبادته تعالى في كل زمان ومكان، بطاعة رسله عليهم السلام.
فلا يكون عابدا له من عبده بخلاف ما جاءت به رسله: كالذين قال فيهم: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] .
فلا يكون مؤمنا به إلا من عبده بطاعة رسله، ولا يكون مؤمنا به، ولا عابدا له إلا من آمن بجميع رسله، وأطاع من أرسل إليه، فيطاع كل رسول إلى أن يأتي الذي بعده، فتكون الطاعة للرسول الثاني. قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} [النساء: 64] .

[حكم من فرق بين الرسل]

ومن فرق بين رسله فآمن ببعض وكفر ببعض كان كافرا، كما قال تعالى: {إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا – أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا – والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما} [النساء: 150 - 152] .
فلما كان محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولم يكن بعده رسول، ولا من يجدد الدين لم يزل الله سبحانه وتعالى يقيم لتجديد الدين من الأسباب ما يكون مقتضيا لظهوره، كما وعد به في الكتاب، فيظهر به محاسن الإيمان ومحامده، ويعرف به مساوئ الكفر ومفاسده.

[من أسباب ظهور الإيمان ظهور المعارضين للحق]

ومن أعظم أسباب ظهور الإيمان والدين، وبيان حقيقة أنباء المرسلين ظهور المعارضين لهم من أهل الإفك المبين.
كما قال تعالى: {وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون – ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون – أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين – وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} [الأنعام: 112 - 115] .
وقال تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني اتخذت مع الرسول سبيلا – ياويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا – لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا – وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا – وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا} [الفرقان: 27 - 31] .
وذلك أن الحق إذا جحد وعورض بالشبهات أقام الله تعالى له مما يحق به الحق، ويبطل به الباطل من الآيات البينات بما يظهره من أدلة الحق وبراهينه الواضحة، وفساد ما عارضه من الحجج الداحضة.
فالقرآن لما كذب به المشركون، واجتهدوا على إبطاله بكل طريق مع أنه تحداهم بالإتيان بمثله، ثم بالإتيان بعشر سور، ثم بالإتيان بسورة واحدة، كان ذلك مما دل ذوي الألباب على عجزهم عن المعارضة، مع شدة الاجتهاد، وقوة الأسباب، ولو اتبعوه من غير معارضة وإصرار على التبطيل، لم يظهر عجزهم عن معارضته التي بها يتم الدليل.
وكذلك السحرة لما عارضوا موسى عليه السلام، وأبطل الله ما جاءوا به، كان ذلك مما بين الله تبارك وتعالى به صدق ما جاء به موسى عليه السلام، وهذا من الفروق بين آيات الأنبياء وبراهينهم التي تسمى بالمعجزات، وبين ما قد يشتبه بها من خوارق السحرة، وما للشيطان من التصرفات، فإن بين هذين فروقا متعددة، منها ما ذكره الله تعالى في قوله: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين – تنزل على كل أفاك أثيم} [الشعراء: 221 - 222] .
ومنها ما بينه في آيات التحدي، من أن آيات الأنبياء عليهم السلام لا يمكن أن تعارض بالمثل فضلا عن الأقوى، ولا يمكن أحدا إبطالها بخلاف خوارق السحرة والشياطين ; فإنه يمكن معارضتها بمثلها وأقوى منها ويمكن إبطالها.


[معارضة أعداء الحق بدعاويهم الكاذبة]

وكذلك سائر أعداء الأنبياء من المجرمين شياطين الإنس والجن، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا إذا أظهروا من حججهم ما يحتجون به على دينهم المخالف لدين الرسول، ويموهون في ذلك بما يلفقونه من منقول ومعقول – كان ذلك من أسباب ظهور الإيمان الذي وعد بظهوره على الدين كله بالبيان والحجة والبرهان ثم بالسيف واليد والسنان.
قال الله تعالى: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز} [الحديد: 25] .
وذلك بما يقيمه الله تبارك وتعالى من الآيات والدلائل التي يظهر بها الحق من الباطل، والخالي من العاطل، والهدى من الضلال، والصدق من المحال، والغي من الرشاد، والصلاح من الفساد، والخطأ من السداد، وهذا كالمحنة للرجال التي تميز بين الخبيث والطيب. قال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} [آل عمران: 179] .
وقال تعالى: {الم – أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون – ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين – أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون} [العنكبوت: 1 - 4] .
والفتنة هي الامتحان والاختبار، كما قال موسى عليه السلام: {إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء} [الأعراف: 155] .
أي امتحانك واختبارك تضل بها من خالف الرسل وتهدي بها من اتبعهم.
والفتنة للإنسان كفتنة الذهب إذا أدخل كير الامتحان، فإنها تميز جيده من رديئه، فالحق كالذهب الخالص، كلما امتحن ازداد جودة، والباطل كالمغشوش المضيء، إذا امتحن ظهر فساده.
فالدين الحق كلما نظر فيه الناظر، وناظر عنه المناظر، ظهرت له البراهين، وقوي به اليقين، وازداد به إيمان المؤمنين، وأشرق نوره في صدور العالمين.
والدين الباطل إذا جادل عنه المجادل، ورام أن يقيم عوده المائل، أقام الله تبارك وتعالى من يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وتبين أن صاحبه الأحمق كاذب مائق، وظهر فيه من القبح والفساد، والحلول، والاتحاد، والتناقض والإلحاد، والكفر، والضلال، والجهل والمحال، ما يظهر به لعموم الرجال أن أهله من أضل الضلال، حتى يظهر فيه من الفساد ما لم يكن يعرفه أكثر العباد، ويتنبه بذلك من سنة الرقاد من كان لا يميز الغي من الرشاد، ويحيا بالعلم والإيمان من كان ميت القلب لا يعرف معروف الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولا ينكر منكر المغضوب عليهم والضالين، فإن ما ذم الله به اليهود والنصارى في كتابه مثل تكذيب الحق المخالف للهوى، والاستكبار عن قبوله، وحسد أهله، والبغي عليهم، واتباع سبيل الغي، والبخل، والجبن، وقسوة القلوب، ووصف الله سبحانه وتعالى بمثل عيوب المخلوقين، ونقائصهم، وجحد ما وصف به نفسه من صفات الكمال المختصة به التي لا يماثله فيها مخلوق، وبمثل الغلو في الأنبياء والصالحين والإشراك في العبادة لرب العالمين، والقول بالحلول والاتحاد الذي يجعل العبد المخلوق هو رب العباد، والخروج في أعمال الدين عن شرائع الأنبياء والمرسلين، والعمل بمجرد هوى القلب وذوقه ووجده في الدين من غير اتباع العلم الذي أنزله الله في كتابه المبين، واتخاذ أكابر العلماء، والعباد أربابا يتبعون فيما يبتدعونه من الدين المخالف للأنبياء عليهم السلام كما قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} [التوبة: 31] .
ومخالفة صريح المعقول وصحيح المنقول، بما يظن أنه من التنزلات الإلهية، والفتوحات القدسية، مع كونه من وساوس اللعين، حتى يكون صاحبها ممن قال الله فيه: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [الملك: 10] .
وقال تعالى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل} [الأعراف: 179] .
إلى غير ذلك من أنواع البدع والضلالات، التي ذم الله بها أهل الكتابين، فإنها مما حذر الله منه هذه الأمة الأخيار، وجعل ما حل بها عبرة لأولي الأبصار.

[التحذير من اتباع بدع اليهود والنصارى]

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من وقوعها في بعض هذه الأمة، وإن كان قد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يزال في أمته أمة قائمة على الحق، لا يضرهم من خالفهم، ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة، وأن أمته لا تجتمع على ضلالة، ولا يغلبها من سواها من الأمم، بل لا تزال منصورة متبعة لنبيها المهدي المنصور.
لكن لا بد أن يكون فيها من يتتبع سنن اليهود والنصارى والروم والمجوس، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا في جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى، قال: فمن؟» .
وفي الصحيحين أيضا، عن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لتأخذ أمتي مأخذ الأمم قبلها شبرا بشبر، وذراعا بذراع، قالوا: يا رسول الله، فارس والروم، قال: فمن الناس إلا أولئك» .
وفي المظهرين للإسلام منافقون، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار تحت اليهود والنصارى ; فلهذا كان ما ذم الله به اليهود والنصارى قد يوجد في المنافقين المنتسبين للإسلام الذين يظهرون الإيمان بجميع ما جاء به الرسول، ويبطنون خلاف ذلك كالملاحدة الباطنية، فضلا عمن يظهر الإلحاد منهم.
ويوجد بعض ذلك في أهل البدع، ممن هو مقر بعموم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، باطنا وظاهرا، لكن اشتبه عليه بعض ما اشتبه على هؤلاء، فاتبع المتشابه، وترك المحكم كالخوارج وغيرهم من أهل الأهواء.
وللنصارى في صفات الله سبحانه وتعالى، واتحاده بالمخلوقات ضلال شاركهم فيه كثير من هؤلاء، بل من الملاحدة من هو أعظم ضلالا من النصارى.
والحلول والاتحاد نوعان: عام، وخاص.
فالعام: كالذين يقولون إن الله بذاته حال في كل مكان، أو إن وجوده عين وجود المخلوقات.
والخاص: كالذين يقولون بالحلول والاتحاد في بعض أهل البيت، كعلي، وغيره، مثل النصيرية، وأمثالهم، أو بعض من ينتسب إلى أهل البيت كالحاكم، وغيره، مثل الدرزية وأمثالهم، أو بعض من يعتقد فيه المشيخة، كالحلاجية، وأمثالهم.
فمن قال: إن الله سبحانه وتعالى حل، أو اتحد بأحد من الصحابة، أو القرابة، أو المشايخ، فهو من هذا الوجه أكفر من النصارى الذين قالوا بالاتحاد والحلول في المسيح، فإن المسيح عليه السلام أفضل من هؤلاء كلهم.
ومن قال بالحلول والاتحاد العام، فضلاله أعم من ضلال النصارى، وكذلك من قال بقدم أرواح بني آدم، أو أعمالهم، أو كلامهم، أو أصواتهم، أو مداد مصاحفهم، أو نحو ذلك، ففي قوله شعبة من قول النصارى.
فبمعرفة حقيقة دين النصارى وبطلانه يعرف به بطلان ما يشبه أقوالهم من أقوال أهل الإلحاد والبدع.
فإذا جاء نور الإيمان والقرآن أزهق الله به ما خالفه، كما قال تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء: 81] .
وأبان الله سبحانه وتعالى من فضائل الحق ومحاسنه ما كان به محقوقا “


المصدر : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح من 9 إلى 19
 
بارك الله فيك أخي الكريم على هذا الموضوع الهام
 
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top