السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ذكرى ميلاد مؤسس الجزائر الحديثة الشاعر الأمير عبد القادر
كالعادة ننسى في الجزائر رموزنا حتى وإن تعلق الأمر بواحد من مؤسسي الجزائر الحديثة أو على الأقل هكذا درسنا في الطور الابتدائي وكبرنا عليه ، غير أن الجانب الأخر للرجل لطالما ظل مخفيا وهو يدخل عامه 205 على ميلاده ، ميلاد يختلف في تاريخه الكبار والصغار وحتى مؤسسة الأمير وإن كان رجلا من فحول الشعر ورجال الفلسفة ، وواحد من رجال يظل التاريخ يخلد في أسمائهم، لتخط بحروف يزداد ضيائها على مر العصور، كل على قدر ما تركه من أثر، وكل على قدر قيمته وقدره، وعلى قدر اهتمام الناس بما خلفه وراءه، ومن بين أعلامنا العظام يأتي الأمير عبد القادر الجزائري الذي حلت ذكرى ميلاده في صمت كالعادة ، صمت غير مفهوم على الأقل ببلدية معسكر و بمؤسسة الأمير .
والأمير عبد القادر "مؤسس الدولة الجزائرية" شخصية جديرة بالاهتمام والدراسة على مر العصور، إذ يقدم لنا في شخصه تجربة إنسانية فريدة من نوعها، فقد استطاع ان يجمع بين متناقضات عده، فهو المحارب الشجاع، المقدام، الذي قاد شعبه ووقف في وجه الاستعمار من ناحية، وهو أيضا الشاعر والفيلسوف المتصوف الكبير، الذي أجمع عدد من المستشرقين على أنه الخليفة الحقيقي للمتصوف والأكبر ابن عربي وللأمير عبد القادر أثر شعري متميز، يجمع فيه بين روابط الحياة المختلفة، وهو القائل: وكم من شهيد مات بالشوق والفنا محب لذاك الحسن لو كان قدّرا وكم من شهيد للغرام مشاهد لبعض الذي شاهدت مات فأقبرا وذا قيس عامر تخيل نورنا في ليلى فمات والها متحيرا.
يختلف في يوم ميلاده فالعديد من المصادر تشير إلى السادس من سبتمبر، وتشير أخرى إلى أنه ولد في 26 من سبتمبر، وكذا يختلف في عام الميلاد بين 1808 أو 1807 ، تقول عنه عائشة بن ساعد في رسالة ماجستير حول"البعد الروحي لمقاومة الأمير عبد القادر الجزائري":"ولد في قرية القيطنة التي بناها جده، وقد حملت هذه التسمية إشارة إلى أنها ليست قرية مرتحلة بل قاطنة مستقرة تقع بالقرب من مزار يحمل اسم محمد بن الحنيفة بن علي بن أبي طالب."
يمتد نسبه الشريف إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(رضي الله عنهما)، حبي بنبوغ فكري هائل وإرادة قوية وشجاعة، وقد انتقل مع والده إلى وهران، وساهمت نشأته في أسرة من العلماء المتدينين إلى تكريس نشأته الدينية، فحفظ القرآن وتعلم مختلف العلوم الدينية واللغوية وتشير عائشة في الرسالة أن المطلعون على تاريخ الأمير عبد القادر الجزائري يجمعون على تصنيفه ضمن عظماء العالم الإسلامي وذلك لما أظهره من عبقرية حربية نادرة لاتقل كذلك على عبقريته السياسية، وكذلك عن طريق استعماله، لكل أنواع المواجة المشروعة، مع العدو حتى الاقتصادية منها، وكذلك في فلسفته الخاصة، في توجيه الدخل، وتأمين القوات".
وللأمير عبد القادر إنتاج ديني فكري وأدبي وشعري وإضافة إلى رسائله، وكان لاهتمامه بالإبداع والثقافة دور هام في حياته، وقد ألف الفرنسي "برونو إتيان" كتاب الأمير عبد القادر الجزائري، نقله للعربية "ميشيل خوري" في طبعة نشرتها دار عطية للنشر في بيروت عام 1997، فيقول عنه في مقدمه الطبعة العربية :"لا يتطرق الشك أبدا في نشاط الأمير الثقافي فقد اكتشف أعداءه ومناهضوه في مرحلة المقاومة في الجزائر (1832- 1847) أهمية ثقافة عبد القادر الفلسفية، والدينية من حرصه المستمر على أن يحمل معه أيا كانت الظروف مكتبة، نهبها وبعثر محتوياتها المعسكر الاستعماري، وقد صمم عاصمته المتنقلة "زمالة" وفق مخطط معماري مثمن الشكل، استمده من القاعدة المثمنة التي يقوم عليها مسجد الصخرة في القدس، وكانت هذه العاصمة، رغم ككونها مؤلفة من خيام متنقلة بدوية، مجهزة بمكتبته يزيدها الأمير غنى باكتشافاته ومشترياته من الكتب بحيث تضمنت كل المؤلفات الكلاسيكية والدينية والفقهية والفلسفية" وحتى توراة محفوظة اليوم في متحف بورج غير أن إنتاجه الديني أقل شهرة وانتشارا بالرغم من أن مؤلفه "كتاب المواقف" قد نشر عدة مرات باللغة العربية، كما قام ميشيل شود كويتز بإصدار ترجمة مميزة له إلى الفرنسية، وإنما هي مع الأسف جزئية جدا في رأيي".
ومن بين إنتاجه المطبوع يأتي:" ذكر ىالعاقل، وقد طبع بالجزائر وعرف وقتها باسم"رسالة إلى الفرنسيين، المقرض الحاد، ويدين فيه المتهجمين على الإسلام، السيرة الذاتية، وتضم مذكراته ويعتبرها الباحثين عمل أدبي يحتاج إلى مزيد من الدراسة والاهتمام،المواقف وطبع في عدة طبعات بين دمشق والجزائر، إضافة إلى طبعة مصرية حيث صدر في مجلدين العام 2011 عن سلسلة الذخائر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، هذا إضافة إلى العديد من الرسائل التي لم تجمع حتى الآن". وعندما تولى الإمارة كانت الأوضاع غير مستقرة خاصة وأن هناك كثير من الرافضين فكتب رسالة لمختلف القبائل التي لم تبايعه تستحق الاهتمام الكبير، وكانت له مطامح كبيرة في تكوين الدولة وتأسيس جيش قوي، واختار "نصر من الله وفتح قريب" لتكون الأساس للدولة وقد خاض الأمير معارك ضد الاحتلال الفرنسي للدفاع عن الوطن وبعدها نفي إلى دمشق، وظل بها حتى وفاته، في 26 مايو 1883، ويذكر أنه بعد استقلال الجزائر، تم نقل جثمان الأمير، من دمشق إلى الجزائر عام 1966.
وقد استقر الأمير في دمشق ما يقارب الـ27 عام حيث وصلها في 1856، وظل بها حتى حضرته الوفاة، وهناك كانت له مكانته الكبيرة كزعيم سياسي وأديب وشاعر كبير، عمل بالتدريس في الجامع الأموي، وكان له دور هام في إخماد نار فتنة طائفية وقعت في الشام عام 1860، وهي لا تزال تذكر له حتى اليوم في الشام، فقد ساهم في حماية ما يزيد على 15 ألف من المسيحيين، واستضافهم في منازله، وقد دفن العالم الأمير بالقرب من "ابن عربي" في جبل قاسيون، وظل بها حتى نقلت رفاته إلى الوطن بعد 82 عام من وفاته. وللدرجة التي وصل لها الأمير عبد القادر عالميا، نظرا لكونه مناضل عمل طويلا على حماية بلده ضد الاستعمار، وظل طويلا يعمل على ذلك وعانى في غياهب السجن لهذا الهدف فنجد اهتماما عالميا دفع أهالي مدينة أمريكية بولاية "أيوا" أن تحمل مدينتهم اسم الأمير عبد القادر منذ ما يزيد على القرن وقد اختار الأمريكيون اسم "القادر" لمدينتهم تيمنا بهذا الأمير المحارب، ويأتي تقديرا منهم لتاريخه الثوري من أجل استقلال وطنه "الجزائر".
ذكرى ميلاد الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية الحديثةذكرى ميلاد مؤسس الجزائر الحديثة الشاعر الأمير عبد القادر
كالعادة ننسى في الجزائر رموزنا حتى وإن تعلق الأمر بواحد من مؤسسي الجزائر الحديثة أو على الأقل هكذا درسنا في الطور الابتدائي وكبرنا عليه ، غير أن الجانب الأخر للرجل لطالما ظل مخفيا وهو يدخل عامه 205 على ميلاده ، ميلاد يختلف في تاريخه الكبار والصغار وحتى مؤسسة الأمير وإن كان رجلا من فحول الشعر ورجال الفلسفة ، وواحد من رجال يظل التاريخ يخلد في أسمائهم، لتخط بحروف يزداد ضيائها على مر العصور، كل على قدر ما تركه من أثر، وكل على قدر قيمته وقدره، وعلى قدر اهتمام الناس بما خلفه وراءه، ومن بين أعلامنا العظام يأتي الأمير عبد القادر الجزائري الذي حلت ذكرى ميلاده في صمت كالعادة ، صمت غير مفهوم على الأقل ببلدية معسكر و بمؤسسة الأمير .
والأمير عبد القادر "مؤسس الدولة الجزائرية" شخصية جديرة بالاهتمام والدراسة على مر العصور، إذ يقدم لنا في شخصه تجربة إنسانية فريدة من نوعها، فقد استطاع ان يجمع بين متناقضات عده، فهو المحارب الشجاع، المقدام، الذي قاد شعبه ووقف في وجه الاستعمار من ناحية، وهو أيضا الشاعر والفيلسوف المتصوف الكبير، الذي أجمع عدد من المستشرقين على أنه الخليفة الحقيقي للمتصوف والأكبر ابن عربي وللأمير عبد القادر أثر شعري متميز، يجمع فيه بين روابط الحياة المختلفة، وهو القائل: وكم من شهيد مات بالشوق والفنا محب لذاك الحسن لو كان قدّرا وكم من شهيد للغرام مشاهد لبعض الذي شاهدت مات فأقبرا وذا قيس عامر تخيل نورنا في ليلى فمات والها متحيرا.
يختلف في يوم ميلاده فالعديد من المصادر تشير إلى السادس من سبتمبر، وتشير أخرى إلى أنه ولد في 26 من سبتمبر، وكذا يختلف في عام الميلاد بين 1808 أو 1807 ، تقول عنه عائشة بن ساعد في رسالة ماجستير حول"البعد الروحي لمقاومة الأمير عبد القادر الجزائري":"ولد في قرية القيطنة التي بناها جده، وقد حملت هذه التسمية إشارة إلى أنها ليست قرية مرتحلة بل قاطنة مستقرة تقع بالقرب من مزار يحمل اسم محمد بن الحنيفة بن علي بن أبي طالب."
يمتد نسبه الشريف إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب(رضي الله عنهما)، حبي بنبوغ فكري هائل وإرادة قوية وشجاعة، وقد انتقل مع والده إلى وهران، وساهمت نشأته في أسرة من العلماء المتدينين إلى تكريس نشأته الدينية، فحفظ القرآن وتعلم مختلف العلوم الدينية واللغوية وتشير عائشة في الرسالة أن المطلعون على تاريخ الأمير عبد القادر الجزائري يجمعون على تصنيفه ضمن عظماء العالم الإسلامي وذلك لما أظهره من عبقرية حربية نادرة لاتقل كذلك على عبقريته السياسية، وكذلك عن طريق استعماله، لكل أنواع المواجة المشروعة، مع العدو حتى الاقتصادية منها، وكذلك في فلسفته الخاصة، في توجيه الدخل، وتأمين القوات".
وللأمير عبد القادر إنتاج ديني فكري وأدبي وشعري وإضافة إلى رسائله، وكان لاهتمامه بالإبداع والثقافة دور هام في حياته، وقد ألف الفرنسي "برونو إتيان" كتاب الأمير عبد القادر الجزائري، نقله للعربية "ميشيل خوري" في طبعة نشرتها دار عطية للنشر في بيروت عام 1997، فيقول عنه في مقدمه الطبعة العربية :"لا يتطرق الشك أبدا في نشاط الأمير الثقافي فقد اكتشف أعداءه ومناهضوه في مرحلة المقاومة في الجزائر (1832- 1847) أهمية ثقافة عبد القادر الفلسفية، والدينية من حرصه المستمر على أن يحمل معه أيا كانت الظروف مكتبة، نهبها وبعثر محتوياتها المعسكر الاستعماري، وقد صمم عاصمته المتنقلة "زمالة" وفق مخطط معماري مثمن الشكل، استمده من القاعدة المثمنة التي يقوم عليها مسجد الصخرة في القدس، وكانت هذه العاصمة، رغم ككونها مؤلفة من خيام متنقلة بدوية، مجهزة بمكتبته يزيدها الأمير غنى باكتشافاته ومشترياته من الكتب بحيث تضمنت كل المؤلفات الكلاسيكية والدينية والفقهية والفلسفية" وحتى توراة محفوظة اليوم في متحف بورج غير أن إنتاجه الديني أقل شهرة وانتشارا بالرغم من أن مؤلفه "كتاب المواقف" قد نشر عدة مرات باللغة العربية، كما قام ميشيل شود كويتز بإصدار ترجمة مميزة له إلى الفرنسية، وإنما هي مع الأسف جزئية جدا في رأيي".
ومن بين إنتاجه المطبوع يأتي:" ذكر ىالعاقل، وقد طبع بالجزائر وعرف وقتها باسم"رسالة إلى الفرنسيين، المقرض الحاد، ويدين فيه المتهجمين على الإسلام، السيرة الذاتية، وتضم مذكراته ويعتبرها الباحثين عمل أدبي يحتاج إلى مزيد من الدراسة والاهتمام،المواقف وطبع في عدة طبعات بين دمشق والجزائر، إضافة إلى طبعة مصرية حيث صدر في مجلدين العام 2011 عن سلسلة الذخائر بالهيئة العامة لقصور الثقافة، هذا إضافة إلى العديد من الرسائل التي لم تجمع حتى الآن". وعندما تولى الإمارة كانت الأوضاع غير مستقرة خاصة وأن هناك كثير من الرافضين فكتب رسالة لمختلف القبائل التي لم تبايعه تستحق الاهتمام الكبير، وكانت له مطامح كبيرة في تكوين الدولة وتأسيس جيش قوي، واختار "نصر من الله وفتح قريب" لتكون الأساس للدولة وقد خاض الأمير معارك ضد الاحتلال الفرنسي للدفاع عن الوطن وبعدها نفي إلى دمشق، وظل بها حتى وفاته، في 26 مايو 1883، ويذكر أنه بعد استقلال الجزائر، تم نقل جثمان الأمير، من دمشق إلى الجزائر عام 1966.
وقد استقر الأمير في دمشق ما يقارب الـ27 عام حيث وصلها في 1856، وظل بها حتى حضرته الوفاة، وهناك كانت له مكانته الكبيرة كزعيم سياسي وأديب وشاعر كبير، عمل بالتدريس في الجامع الأموي، وكان له دور هام في إخماد نار فتنة طائفية وقعت في الشام عام 1860، وهي لا تزال تذكر له حتى اليوم في الشام، فقد ساهم في حماية ما يزيد على 15 ألف من المسيحيين، واستضافهم في منازله، وقد دفن العالم الأمير بالقرب من "ابن عربي" في جبل قاسيون، وظل بها حتى نقلت رفاته إلى الوطن بعد 82 عام من وفاته. وللدرجة التي وصل لها الأمير عبد القادر عالميا، نظرا لكونه مناضل عمل طويلا على حماية بلده ضد الاستعمار، وظل طويلا يعمل على ذلك وعانى في غياهب السجن لهذا الهدف فنجد اهتماما عالميا دفع أهالي مدينة أمريكية بولاية "أيوا" أن تحمل مدينتهم اسم الأمير عبد القادر منذ ما يزيد على القرن وقد اختار الأمريكيون اسم "القادر" لمدينتهم تيمنا بهذا الأمير المحارب، ويأتي تقديرا منهم لتاريخه الثوري من أجل استقلال وطنه "الجزائر".
ولد الأمير في قرية القيطنة بمدينة (معسكر) غرب الجزائر يوم 26 سبتمبر سنة 1807م وتوفي بدمشق سنة 1883م .
رحم الله الامير وطيب ثراه وحشره مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا