- إنضم
- 24 ماي 2008
- المشاركات
- 2,605
- نقاط التفاعل
- 939
- النقاط
- 91
- الجنس
- أنثى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
فــإن مــن أهــم الواجبات الإسلامية التــي يترتب
عليها صلاح المجتمع وسلامته ونجاته في الدنيا
والآخرة الأمـر بالمعروف والنهـي عــن المنكـر ،
وذلك هـو سفينة النجاة كمــا ثبــت فــي صحيــح
البخـاري عــن النعمان بن بشير رضي الله عنــه
قــال : سمعـت رسول الله صـلى الله عليه وسلــم
يقـول « مثل القائم على حدود الله والواقع فيهــا
كمثــل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم
أعــلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها
إذا استقـوا مــن المـاء مــروا على مــن فوقهــم
فقالوا : لو أنا خرقنا من نصيبنا خرقا ولــم نؤذ
من فوقنا" قال النبي صلى الله عليه وسلم" فإن
يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، وإن أخذوا
على أيديهم نجوا ونجوا جميعا »
فتأمل أيهـا المسلم هذا المثل العظيم مـن سيد ولد
آدم ورسـول رب العالمين وأعلـم الخلق بأحــوال
المجتمع وأسبـاب صلاحه وفساده تجــده واضــح
الدلالة على عظم شأن الأمر بالمعروف والنهـــي
عـن المنكــر ، وأنــه سبيل النجاة وطريق صلاح
المجتمع ، ويتضح من ذلك أيضا أنه واجب علـى
المسلمين وفرض عليهم القيام بـــه ; لأنــه هو
الوسيلة إلى سلامتهم من أسباب الهلاك .
وقد أكثر الله سبحانه في كتــابـه الكريم مــن ذكر
الأمـر بالمعروف والنهي عـن المنكر ، وذكــر أن
أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمـم ؛
بسبب صفاتها الحميدة التـي مــن أهمــها قيامها
بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكــر كــما قــال
عز وجل ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )
وتأمل أيهـا المسلــم الــذي يهمــه دينـــه وصلاح
مجتمعه كيف بدأ الله سبحانه في هذه الآية بذكــر
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل الإيمان ,
مع كـون الإيمان شرطا لصحــة جميــع العبادات
يتبين لك عظم شأن هذا الواجب , وأنه سبحـانه
إنما قدم ذكره لما يترتب عليه من الصلاح العام.
وقـال عـز وجل ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاء بَعْــضٍ يَأْمُــرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَــنِ
الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ
اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَـزِيزٌ
حَكِيمٌ ) فانظر يا أخي كيف بدأ في هذه الآية بذكر
الأمـر بالمعروف والنهي عن المنكر قبــل الصلاة
والزكاة , وما ذاك إلا لمــا تقدم بيانه مــن عظــم
شأنه وعموم منفعته وتأثيره في المجتمع , وتدل
الآيـة أيضا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر مــن أخــص أخـلاق المؤمنين والمؤمنات
وصفاتهم الواجبة التي لا يجوز لهم التخلي عنها
أو التساهل بها والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وقد ذم الله سبحانه من ترك هذا الواجب من كفار
بني إسرائيل ولعنهم على ذلك فقــال سبحانـه في
كتابه المبين من سورة المائدة ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
مِـن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْــنِ
مَـــرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ، كَـــانُــواْ
لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُـــوهُ لَبِئْــسَ مَا كَــانُـــواْ
يَفْعَلُونَ ) وفي هــذه الآية إرشاد من الله سبحانه
لأمـة محمد صلى الله عليه وسلــم إلــى أن سبب
لعن كفــار بنــي إســرائيل وذمهم هـو عصيانهم
واعتداؤهـم , وأن مــن ذلك عــدم تناهيهم عـــن
المنكر فيـمـا بينهـم لتحــذر هــذه الأمــة سبيلهم
الوخيم ويبتعدوا عن هذا الخلق الذميم ,ويتضح
مــن ذلك أن هذه الأمة متى تخلقت بأخلاق كفار
بنــي إسرائيل المذمومة استحقت مـــا استحقـه
أولئك مـن الذم واللعن; لأنه لا صلة بين العـباد
وبيــن ربهــم إلا صلة العبادة والطاعة , فمــن
استقام عـلى عبادة الله وحــده وامتثال أوامــره
وتــرك نواهيه استحق مـن الله الكرامة فضــلا
منـه وإحسانا وفاز بالثناء الحسـن والعــاقبــة
الحميدة , ومن حاد عن سبيل الحق استحــق
الذم واللعن وباء بالخيبة والخسران .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
« من رأى منكـم منكــرا فليغيــره بيــده فــإن لــم
يستطـع فبـلسانه فـإن لـم يستطع فبقلبه وذلك
أضعف الإيمان » رواه مسلم
وروى مسلم أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم«ما من
نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له مــن أمتـــه
حواريون وأصحـاب يأخــذون بسنتــه ويقـتــدون
بأمره ثم إنها تخلف من بعـدهم خلوف يقــولــون
مــا لا يفعلون ويفعلــون ما لا يؤمرون ، فــمــن
جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانــه
فهو مؤمن ، ومــن جاهدهم بقلبه فهو مؤمــن،
وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل » .
فاتق الله أيها المسلـم فــي نفســك وجاهــدها لله
واستقم على أمـره وجاهد مــن تحــت يديك مــن
الأهـل والذرية وغيرهم , وأمر بالمعروف وانــه
عن المنكر حسب طاقتك فــي كــل مكـان وزمان
عمـلا بهذه الأدلة الشرعية التي ذكرتها لك آنفا,
وتخلـق بأخــلاق المؤمنيـن واحــذر مــن أخلاق
الكافــرين والمجرمين , واحـرص جهــدك علــى
نجاتك ونجـــاة أهــلك وإخوانك المسلمين , كما
قــال عــز وجــل ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ
عَلَيْهَا ) وقال سبحانه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا
أَنفُسَكُـمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَـــا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِــدَادٌ لَا يَعْصُـــونَ اللَّهَ
مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) ...
والمعــروف يا أخـي هــو : كــل مـا أمــر الله بــه
ورسوله ، والمنكر هــو : كل ما نهــى الله عــنـه
ورسـولــه فيدخل فــي المعروف جميــع الطاعات
القولية والفعلية ، ويــدخــــل فــي المنكر جميــع
المعاصي القولية والفعلية ، ثـم اعلم يا أخـي أن
كــل مسلم راع على من تحت يده ومسئول عــن
رعيته كما ثبـت في صحيح البخاري رحمــه الله
عــن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى
الله عـليــه وسلــم أنــه قــال « كلكم راع وكلكم
مسئول عــن رعيته ، فالإمام راع ومسئول عن
رعيته والــرجل راع في أهل بيته ومسئول عن
رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة
عن رعيتها والعبد راع في مال سيده ومسئول
عن رعيته ، ثـم قال صلى الله علــيه وسلــم :
ألا فكلكم راع ومسئول عن رعيته » .
فاتــق الله يا عبد الله وأعد جوابا لهذا السؤال قبل
أن ينزل بك من أمر الله ما لا قبــل لك بــه ، والله
المسئــول أن يهدينــا جميعــا صراطه المستقيم ،
وأن يوفقنا وسائر المسلمين للقيام بأمره والثبات
على دينه والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر
والتواصي بالحق والصبر عليه بصدق وإخلاص
إنــه ولــي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم
على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه،
ومن اهتدى بهداه.
كتاب مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله