موعدٌ مع "عائشة"
* وقعت في الفخ
بدافع الفضول، أو بدافع مشاركة الآخرين، أو الأحرى بسبب الغفلة، أو حتى بلا مبرر مقنع ألتمسه لنفسي، وجدتني أتابع إحدى المسلسلات التركية وأتفاعل مع القصة والأحداث وأتطلع لمعرفة النهاية!
كانت مرة تابعت فيها احدى حلقات مسلسل تركي مع أقاربي تلتها مرات ومرات..ووأوشكت أن تصبح إدمانا..نسأل الله العافية!
كان سهلاً عندما غزتنا المسلسلات التركية أن نكتب عن بعد بعض ملاحظات استنكارية تظهر البون الشاسع بين مبادئنا وأخلاقنا وبين ما تعرضه هذه المسلسلات التي وجدنا أثرها أنكى فينا من كلم السنان بسبب التقارب في البيئة والدين والعادات والتقاليد بيننا وبين الشعب التركي، ولكن هل من الضروي أن نجرب ونشاهد حتى نصدر حكما بالرفض والابتعاد أما يكفي أن نعرف الخطوط العريضة وكون هذه المتابعة مضيعة للوقت وربما الدين فيما لا طائل منه، وما قد لا يعتبر من التسلية المباحة؟
من يكون أكثر منعة وقناعة: من يجرب ويحكم؟ أم من يجنب نفسه الشبهات؟ أليس التائب يعرف قيمة التوبة لأنه جرب ألم الذنب؟ أم أن المحصن الذي لم يقارب الذنب أعظم درجة عند الله؟
ولكن هناك ملاحظة غريبة بالرغم من التحذيرات الأخلاقية والاجتماعية التي رافقت ظهور المسلسلات التركية، التي نجدها أمامنا أينما دار بنا جهاز التحكم عن بعد ولا تكاد قناة تخلو منها باستثناء القنوات الدينية، فإن تعلق الجماهير العربية بها لم يقل بل ازدادت رقعته وامتدت إلى ما بعد العرض الفعلي للمسلسل لتشمل إطلاق مواقع إلكترونية تفاعلية وصفحات للمعجبين لمتابعة النقاش حول المسلسلات والجمع بين جماهيرها ومتابعة أخبار نجومها حتى أصبحت هذه المتابعة ليست ساعة وتنتهي وإنما جدولاً قد يملأ ساعات الفارغين والعاطلين أو حتى العاملين في المكاتب أمام شاشات الكمبيوتر!
الملاحظة الأخطر أن المسلسلات التركية غزت بيوت الطيبين والمصلين وبعض المتدينين، وقد لا نخاف على الكبار بقدر ما نخاف على جيل الشباب الذي لم يعش قيم الفضيلة المطلقة، يوم كانت البنات لا يحادثن الشباب إطلاقا ناهيك أن يكون بينهم علاقات شريفة أو غير شريفة!
هذا غير الكبائر والخيانات الزوجية والدين الأعوج الذي يقتصر على صلاة كبار السن حتى لو كانوا يشربون الخمر، وهذه كلها لا يصدر عن المسلسل أو الشخصيات إدانة لها تنبه الغافلين في الحبكة أن هذه أمور مستنكرة، ومرة بعد مرة يضيع الازدراء من النفس ونفرة القلب من المنكر. ولكننا ما زلنا لم نفهم سبب هذا التعلق الذي أصبح مرضيا في بعض الدول العربية وتسبب بهدم الكثير من الأسر حتى نستطيع معالجة أسبابه ليس بالمنع فقط، فالممنوع مرغوب وله منافذه التي يعرفها الشباب تمام المعرفة.
إن هذه المسلسلات، الرومانسية منها بالذات، تعرض ما نفقده في واقع حياتنا الأسرية من مشاعر حب ليس بين الأزواج فقط بل بين الآباء والأبناء والأسرة الممتدة! كلنا يحتاج إلى العاطفة بأشكالها المختلفة، كلنا يرغب أن يكون محبوباً ومقدراً، وهذا ما أثبته علم النفس والتربية حتى يكون الإنسان متوازناً لا يبحث خارج الأطر الشرعية لسد حاجته وعوزه.
إننا نعيش الفقد والشح العاطفي والخرس والمؤاخاة الزوجية، ونقبل بانطفاء جذوة الحب في قلوبنا بحجة الواقعية ومشاغل الحياة وأننا كبرنا، أو هرمنا، على الحب بذلا وممارسة حتى أصبحت الأسرة فعلاً مقبرة للحب!
وأصبح بيت الأسرة كالفندق أفراده نزلاء كل في غرفته وعالمه، وبعض الآباء والأمهات لا يعرفون عن أولادهم شيئا إلا عندما ينتهي المصروف، بل أصبح الآباء والأمهات يشعرون بالثقل من أولادهم وينتظرون ساعة نوم الظالم، وتحققت في الكثيرين قصة الصحابي الذي قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم أن له أولاداً كثيرين لم يقبلهم أو يعطف عليهم، فأنّبه الرسول قائلا: "وما أفعل لك إن نزع الله الرحمة من قلبك؟!"
لا يجب أن نستهين بهذه المسلسلات التي لا تسد هذا النقص فقط، بل تنقل المشاهد إلى عوالم خيالية من قصص الحب غير الصادق وغير الممكن، فأي رجل يمضي كل وقته في التغزل بعيون حبيبته، ويوقف حياته لتلبية رغاباتها؟! ولكن ما بين الخيال المجنح في المسلسلات والواقع الأليم في الحياة وغياب الوازع الديني يظل الهروب إلى المسلسلات والعيش في قصصها والتفاعل العاطفي معها علاجاً ممكناً لخيبات القلب والنفس فيزيد الإقبال! مع الأسف..
* نحن نهدم الإسلام بأيدينا
ليس من الحكمة ولا من الحق أن نلقي باللوم على الإعلام و نبرئ أنفسنا من المسؤولية، فنحن لدينا الدواء الحلال الشافي ولكننا نأبى إلا أن نبحث عنه في السوق السوداء! إننا لو طبقنا مبادىء الإسلام لما غلبتنا على أنفسنا طبائع الغرب، وما من عقاب ينزل من السماء إلا وقد ارتفع خير من الأرض.
قنواتنا الإسلامية تتكاثر ولم تستطع حتى الآن توفير بديل درامي نظيف ومتميز يحكي سير الإسلام ليعرف الشباب كم هو عظيم وطاهر وعفيف ومحلق الحب في الإسلام. إن كل الحجج التي نسوقها لتبرير تقصيرنا حجج باطلة داحضة فلم يكن هناك أعظم قدراً ولا أتقى قلبا ولا أكثر انشغالاً وهماً من سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو لم يكن رجلاً تشغله لقمة العيش والأقساط فحسب كمعظم الرجال، لقد كان نبي أمة وقائد دولة، ومع ذلك كان يخصص الوقت ليكون أرق الأزواج وأحن الآباء وأوصل الأخوة. يخرج ليتمشى مع أمنا عائشة فلا يحدثها بالهموم والغموم، ولكن يسابقها ويلعب معها، ويقول لها حبك في قلبي كالعقدة التي لا تنفك أبدا، ويزور فاطمة ويرقد عندها، ويطيل في سجوده ليلعب أحفاده على ظهره، ويفرد بردته لتجلس عليها أخته الشيماء، صلى عليك الله يا حبيبنا كم رفعت طموحاتنا وكم هو الواقع مخذول ويخذلنا!
ديمة طارق طهبوب
![319863_418463944838192_364578805_n.jpg](/forum/proxy.php?image=http%3A%2F%2Fsphotos-d.ak.fbcdn.net%2Fhphotos-ak-ash4%2F319863_418463944838192_364578805_n.jpg&hash=3bb49f602c986ca8c4f6303fb02102bf)
* وقعت في الفخ
بدافع الفضول، أو بدافع مشاركة الآخرين، أو الأحرى بسبب الغفلة، أو حتى بلا مبرر مقنع ألتمسه لنفسي، وجدتني أتابع إحدى المسلسلات التركية وأتفاعل مع القصة والأحداث وأتطلع لمعرفة النهاية!
كانت مرة تابعت فيها احدى حلقات مسلسل تركي مع أقاربي تلتها مرات ومرات..ووأوشكت أن تصبح إدمانا..نسأل الله العافية!
كان سهلاً عندما غزتنا المسلسلات التركية أن نكتب عن بعد بعض ملاحظات استنكارية تظهر البون الشاسع بين مبادئنا وأخلاقنا وبين ما تعرضه هذه المسلسلات التي وجدنا أثرها أنكى فينا من كلم السنان بسبب التقارب في البيئة والدين والعادات والتقاليد بيننا وبين الشعب التركي، ولكن هل من الضروي أن نجرب ونشاهد حتى نصدر حكما بالرفض والابتعاد أما يكفي أن نعرف الخطوط العريضة وكون هذه المتابعة مضيعة للوقت وربما الدين فيما لا طائل منه، وما قد لا يعتبر من التسلية المباحة؟
من يكون أكثر منعة وقناعة: من يجرب ويحكم؟ أم من يجنب نفسه الشبهات؟ أليس التائب يعرف قيمة التوبة لأنه جرب ألم الذنب؟ أم أن المحصن الذي لم يقارب الذنب أعظم درجة عند الله؟
ولكن هناك ملاحظة غريبة بالرغم من التحذيرات الأخلاقية والاجتماعية التي رافقت ظهور المسلسلات التركية، التي نجدها أمامنا أينما دار بنا جهاز التحكم عن بعد ولا تكاد قناة تخلو منها باستثناء القنوات الدينية، فإن تعلق الجماهير العربية بها لم يقل بل ازدادت رقعته وامتدت إلى ما بعد العرض الفعلي للمسلسل لتشمل إطلاق مواقع إلكترونية تفاعلية وصفحات للمعجبين لمتابعة النقاش حول المسلسلات والجمع بين جماهيرها ومتابعة أخبار نجومها حتى أصبحت هذه المتابعة ليست ساعة وتنتهي وإنما جدولاً قد يملأ ساعات الفارغين والعاطلين أو حتى العاملين في المكاتب أمام شاشات الكمبيوتر!
الملاحظة الأخطر أن المسلسلات التركية غزت بيوت الطيبين والمصلين وبعض المتدينين، وقد لا نخاف على الكبار بقدر ما نخاف على جيل الشباب الذي لم يعش قيم الفضيلة المطلقة، يوم كانت البنات لا يحادثن الشباب إطلاقا ناهيك أن يكون بينهم علاقات شريفة أو غير شريفة!
هذا غير الكبائر والخيانات الزوجية والدين الأعوج الذي يقتصر على صلاة كبار السن حتى لو كانوا يشربون الخمر، وهذه كلها لا يصدر عن المسلسل أو الشخصيات إدانة لها تنبه الغافلين في الحبكة أن هذه أمور مستنكرة، ومرة بعد مرة يضيع الازدراء من النفس ونفرة القلب من المنكر. ولكننا ما زلنا لم نفهم سبب هذا التعلق الذي أصبح مرضيا في بعض الدول العربية وتسبب بهدم الكثير من الأسر حتى نستطيع معالجة أسبابه ليس بالمنع فقط، فالممنوع مرغوب وله منافذه التي يعرفها الشباب تمام المعرفة.
إن هذه المسلسلات، الرومانسية منها بالذات، تعرض ما نفقده في واقع حياتنا الأسرية من مشاعر حب ليس بين الأزواج فقط بل بين الآباء والأبناء والأسرة الممتدة! كلنا يحتاج إلى العاطفة بأشكالها المختلفة، كلنا يرغب أن يكون محبوباً ومقدراً، وهذا ما أثبته علم النفس والتربية حتى يكون الإنسان متوازناً لا يبحث خارج الأطر الشرعية لسد حاجته وعوزه.
إننا نعيش الفقد والشح العاطفي والخرس والمؤاخاة الزوجية، ونقبل بانطفاء جذوة الحب في قلوبنا بحجة الواقعية ومشاغل الحياة وأننا كبرنا، أو هرمنا، على الحب بذلا وممارسة حتى أصبحت الأسرة فعلاً مقبرة للحب!
وأصبح بيت الأسرة كالفندق أفراده نزلاء كل في غرفته وعالمه، وبعض الآباء والأمهات لا يعرفون عن أولادهم شيئا إلا عندما ينتهي المصروف، بل أصبح الآباء والأمهات يشعرون بالثقل من أولادهم وينتظرون ساعة نوم الظالم، وتحققت في الكثيرين قصة الصحابي الذي قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم أن له أولاداً كثيرين لم يقبلهم أو يعطف عليهم، فأنّبه الرسول قائلا: "وما أفعل لك إن نزع الله الرحمة من قلبك؟!"
لا يجب أن نستهين بهذه المسلسلات التي لا تسد هذا النقص فقط، بل تنقل المشاهد إلى عوالم خيالية من قصص الحب غير الصادق وغير الممكن، فأي رجل يمضي كل وقته في التغزل بعيون حبيبته، ويوقف حياته لتلبية رغاباتها؟! ولكن ما بين الخيال المجنح في المسلسلات والواقع الأليم في الحياة وغياب الوازع الديني يظل الهروب إلى المسلسلات والعيش في قصصها والتفاعل العاطفي معها علاجاً ممكناً لخيبات القلب والنفس فيزيد الإقبال! مع الأسف..
* نحن نهدم الإسلام بأيدينا
ليس من الحكمة ولا من الحق أن نلقي باللوم على الإعلام و نبرئ أنفسنا من المسؤولية، فنحن لدينا الدواء الحلال الشافي ولكننا نأبى إلا أن نبحث عنه في السوق السوداء! إننا لو طبقنا مبادىء الإسلام لما غلبتنا على أنفسنا طبائع الغرب، وما من عقاب ينزل من السماء إلا وقد ارتفع خير من الأرض.
قنواتنا الإسلامية تتكاثر ولم تستطع حتى الآن توفير بديل درامي نظيف ومتميز يحكي سير الإسلام ليعرف الشباب كم هو عظيم وطاهر وعفيف ومحلق الحب في الإسلام. إن كل الحجج التي نسوقها لتبرير تقصيرنا حجج باطلة داحضة فلم يكن هناك أعظم قدراً ولا أتقى قلبا ولا أكثر انشغالاً وهماً من سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فهو لم يكن رجلاً تشغله لقمة العيش والأقساط فحسب كمعظم الرجال، لقد كان نبي أمة وقائد دولة، ومع ذلك كان يخصص الوقت ليكون أرق الأزواج وأحن الآباء وأوصل الأخوة. يخرج ليتمشى مع أمنا عائشة فلا يحدثها بالهموم والغموم، ولكن يسابقها ويلعب معها، ويقول لها حبك في قلبي كالعقدة التي لا تنفك أبدا، ويزور فاطمة ويرقد عندها، ويطيل في سجوده ليلعب أحفاده على ظهره، ويفرد بردته لتجلس عليها أخته الشيماء، صلى عليك الله يا حبيبنا كم رفعت طموحاتنا وكم هو الواقع مخذول ويخذلنا!
ديمة طارق طهبوب