لنتأمل لحظات (2)

الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.

سعد العكيدي

:: عضو مُشارك ::
إنضم
21 جانفي 2008
المشاركات
398
نقاط التفاعل
0
النقاط
6
العمر
59
الجزء الثاني من التأملات

هل تأمَّلت قيام النائم من فراشه، وتجوله في الدار، ثم عودته إلى الفراش، وهو ما يزال في نومه؟! يذكر صاحب كتاب النوم والأرق: أن شخصًا نهض من فراشه نائمًا، وخرج من النافذة، ومشى على كورنيش العمارة من الخارج، وتجمع الناس في الشارع يحبسون أنفاسهم خشية وقوعه، وظل يمشى على الكورنيش مغمض العينين حتى دار حول العمارة، ثم عاد إلى النافذة ودخل منها ليعود إلى سريره، فيواصل نومه، ولما استيقظ لم يذكر شيئًا مما حدث له. لقد كان يتحرك وهو نائم بل يمشى على ارتفاعات شاهقة مُغمَض العينين لو كان في صحوة ما استطاع ذلك ثم يعود إلى فراشه. من الذي قاد خطاه؟! إن في هذا لدلالة قاطعة على وحدانية الله الواحد القهار؛ فإنما نفوس العباد بيده في الحياة والموت والنوم والانتباه هو الإله المتصرف فيهم جميعًا؛ فلا يسوغ لهم أن يتجهوا إلى غيره بأي حال من أحوالهم (أَإِلَهٌ مَّعَ اللهِ قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ) (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ) آيات باهرات لا حدَّ لها ولا عدّ، كلها حق وصدق، تستحق الذكر والشكر باللسان والجنان والأركان، وقليل من العباد الشكور.
لو كنت أعرف فوق الشكر منزلة *** أعلى من الشكر عند الله في الثمن
إذًا منحتكها ربي مهذبة *** شكرًا على صنع ما أوليت من حسن
(تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) نظر أحد علماء الفلك الكفار إلى السماء من خلال منظار بَنَاه بنفسه، فرأى ما أذهله في هذا الكون، فقال: إن الإنسانية لن تنتهي من سَبْر أغوار الكون، ولن تعرف من الكون إلا مقدار ما نعرفه من نقطة ماء في محيط عظيم. فهل آمن مع ذلك وصدَّق؟ لا، وصدق الله (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) وقال آخر أيضًا: إن وضع الأجرام السماوية ليس مجرد مصادفة وعشوائية، بل هي موضوعة في الفضاء بدقَّة وإتقان؛ إذ أن القمر لو اقترب من الأرض بمقدار ربع المسافة التي تفصلنا عنه لأغرق مدّ البحر الأرض كلها، وما علاقة القمر بالبحر؟! الله يعلمها الذي قال وصدق: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآَفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) ولا يزال علماء الفلك يكتشفون من خلال تجاربهم ومراصدهم ومناظيرهم كل يوم ما يشْدَهُ ويدهش العقول في هذا الكون الفسيح، حتى قال مكتشف الجاذبية معبرًا عن اكتشافه وضآلة ما اكتشفه بجانب ذلك الخلق العظيم، يقول: لست أدري كيف أبدو في نظر العالم، ولكني في نظر نفسي، وأنا أبحث في هذا الكون أبدو كما لو كنت غلامًا يلعب على شاطئ البحر، ويلهو بين حين وآخر بالعثور على حَجَر أملس، أو محارة بالغة الجمال، في الوقت الذي يمتد فيه محيط الحقيقة أمامي دون أن يسبر أحد غوره، نعم (وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلا) لقد رأى البروج الصغيرة وهي تتألف من عشرة ملايين نجم قد عُرِف منها ما عُرِف، ورأى العملاقة وقد وصل عدد نجومها المعروفة لنا إلى عشرة آلاف مليار نجم يرتبط بعضها ببعض في غاية دقة وإحكام.
الله أحكم خلق ذلك كله *** صنعًا وأتقن أيما إتقان
نعم، لقد رأى مجموعة النظام الشمسي، وقد تألَّفت من مائة مليار نجم، قد عُرِف وعرف منها الشمس، وتبدو هذه المجموعة كقرص قطره تسعون ألف سنة ضوئية، وسمكه خمسة آلاف سنة ضوئية، ومع هذا البعد الشاسع فإن ضوء الشمس يصلنا في لحظات، وكذلك نور القمر. بل قد رأى هناك مجموعات تكبرها بعشرات المرات، أحصى منها مائة مليار مجموعة تجري، كلها في نظام دقيق بسرعة هائلة، كل في مساره الخاص دون اصطدام، كل يجري لأجل (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) هذا الذي رآه، وما لم يره أكثر، فقد قال الله -عز وجل-: (فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ)
ويقول أحد كبار علماء الفلك – وهو يهودي –: أريد أن أعرف كيف خلق الله الكون، أريد أن أعرف أفكاره. الله بارع حاذق ليس بشرِّير، الله لا يلعب بالنرد مع الكون، تعالى الله، وجلَّ الله (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللهِ تُنكِرُونَ) كيف لو اطَّلع على ما جاء في القرآن، لربما كان من المؤمنين حقًا. نعم، الله لا يلعب مع الكون، عز وجل، وتبارك وتعالى وتقدس هو القائل: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) أحبتي في الله؛ ما الأرض بالنسبة للكون إلا كحبة رمل في صحراء الربع الخالي تسير في مسار حول الشمس دون أن يصطدم بها ملايين النجوم، والكواكب المنتشرة في الكون. أما إننا لو علمنا ذلك يقينًا لاعترانا رهبة وخشوع يقود إلى امتثال لأمر الله في غاية حب وذل، وعندها نزكو ونفلح، يوم يفلح مَن نفسَه زكَّاها. إن السماء وتناثر الكواكب فيها أجمل مشهد تقع عليه العين، ولا تمل طول النظر إليه أبدًا، ولهذا أخي المسلم فإني أدعوك إلى أن تطلع على شيء من علم الفلك، ثم اخلُ بنفسك بضع دقائق في ليل صفا أَدِيمه، وغاب قمره، ثم تأمل عالم النجوم ، واعلم أن ما تراه ما هو إلا جزء يسير من مائة مليار مجموعة قد عرفت، وكثير منها لم يعرف، كل منها في مسارها يسير، لا يختلط بغيره. وأنت تتأمل انقل تفكيرك إلى ما بثَّه الله في السماوات من ملائكة لا يحصيهم إلا هو، فما من موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم لله؛ راكع أو ساجد، يطوف منهم بالبيت المعمور في السماء السابعة كل يوم سبعون ألفًا لا يعودون إليه إلى قيام الساعة. "أطَّت السماء وحقَّ لها أن تئط" كما جاء في الصحيح. ثم انقل نفسك أخرى وتجاوز تفكيرك إلى بصيرة يسير قلبك بها إلى عرش الرحمن، وقد علمت بالنقل سعته وعظمته ورفعته، عندها تعلم أن السماوات بملائكتها، ونجومها، ومجرَّاتها، ومجموعاتها، والأرضين بجبالها، وبحارها، وما بينهما بالنسبة للعرش كحلقة مُلْقاة بأرض فلاة. فلا إله إلا الله! وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير 0
تأمل هذه الأرض بينما هي هادئة ساكنة وادعة؛ مهاد وفراش، قرار وذلول، خاشعة، إذا بها تهتز، تتحرك، تثور، تتفجر، تدمّر، تبتلع، تتصدع، زلازل، خَسْف، براكين، تجدها آية من آيات الله، وكم لله من آية يخوف الله بها عباده لعلَّهم يرجعون!، وهي مع ذلك جزاء لمن حقَّ عليه القول. وهي –أيضًا- تذكير بأهوال الفزع الأكبر، يوم يُبعثون ويُحشرون، وعندها لا ينفع مال ولا بنون. يذكر صاحب علوم الأرض القرآنية أنه قبل حوالي خمسة قرون ضرب زلزال شمال الصين عشر ثوان فقط، هلك بسببه أربعمائة ألف وثلاثون ألف ألف شخص، وقبل ثلاثة قرون ضرب زلزال مدينة <لشبونة> في <البرتغال> لعدة ثوان، هلك فيه ستمائة ألف، وشعر الناس برعب وهَلَع وجزع إثر ارتجاج الأرض تحت أقدامهم على مساحة ملايين الأميال، فنعوذ بالله أن نُغْتَال من تحتنا.
وانفجرت جزيرة <كاراكات> في المحيط الهندي قبل قرن، فسُمِع الانفجار إلى مسافة خمسة آلاف كيلو متر، وسجلته آلات الرصد في العالم، وتحولت معه في ثوان جزيرة حجمها عشرون كيلو مترًا مربعًا إلى قطع نثرها الانفجار على مساحة مليون كيلو متر مربع، وارتفعت أعمدة الدخان والرَّماد إلى خمسة وثلاثين كيلو متر في الفضاء، وأظلمت السماء على مساحة مئات الكيلو مترات حاجبة نور الشمس لمدة سنتين، وارتفعت أمواج البحر إلى علوّ ثلاثين مترًا، فأغرقت ستة وثلاثين ألف نسمة من سكان (جاوا) و (سومطرا) (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُو) (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ)
(قتل الإنسان ما أكفره) يسمع ويرى آيات الله من زلازل وبراكين وأعاصير وأوبئة تحصد الآلاف في ثوانٍ فلا يتأمل ولا يتدبر ولا يرعوي ولا يقدر الله حق قدره بل يعيد ذلك أحياناً إلى الطبيعة في بلادة وبلاهة لا مثيل لها (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) لا يملك المسلم إزاء هذه البلاهة والبلادة إلا أن يقول بقول الله (ولا يظلم ربك أحدا)( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكذبون ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) فإلى أولي الألباب(أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصباً فستعلمون كيف نذير) تأمل الهواء تجده آية من آيات الله الباهرة وقد حبسه الله بين السماء والأرض يدرك ولا يرى ، جعله الله ملكاً للجميع ولو أمكن الإنسان التسلط عليه لباعه واشتراه وتقاتل مع غيره عليه كما فعل في أكثر الأشياء التي سخرها المولى له وجعلها أمانة بين يديه ، والله بحكمته جعل الهواء يجري بين السماء والأرض ، الطير فيه محلقة سابحة كما تسبح حيوانات البحر في مائه ، ويضطرب عند هيجانه كما تضطرب أمواج البحر عند هيجانها يحركه الله بأمره فيجعله رياحاً رخاءً وبشرى بين يدي رحمته فبين مبشرات ولواقح وذاريات ومرسلات ويحركه فيجعله عذابا عاصفاً قاصفاً في البحر وعقيماً صرصراً في البر (وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون) تتوزع على سطح الأرض تحت نظام محكم فتلقح الأزهار والسحاب فتبارك من جعلها سائقة للسحاب تذروه إلى حيث الله شاء فهل تأملت يوماً من الأيام سحاباً مظلماً قد اجتمع في جوٍ صافٍ لا كدر فيه وهو لينٌ رخو حامل للماء الثقيل بين السماء والأرض حتى إذا أذن له خالقه أرسل الريح تلقحه وتسوقه فينزل قطرة قطرة ، لا تختلط قطرة بأخرى ، ولا تدرك قطرة صاحبتها فتمتزج بها ، بل كل واحدة في طريق مرسوم لها حتى تصيب الأرض التي عينت لها لا تتعداها إلى غيرها ، لا قطرة إلا وينزل نحوها ملك إلى الآكام والقيعان ، هل تأملت ذلك؟ أحسب أنك تقول نعم ومعها لا إله إلا الله ، أإله مع الله؟ تعالى الله عما يشركون ، تأمل معي البحر بأمواجه وأحيائه تجده آية من آيات الله وعجائب مصنوعاته وكم لله من آية ثم أضف إلى علمك أن الماء في الأرض يملأ ثلاثة أرباع سطح الأرض فما الأرض بجبالها ومدنها وسهولها وأوديتها بالنسبة إلى الماء إلا كجزيرة صغيرة في بحر عظيم يعلوها الماء من كل جانب وطبعها العلو ولولا إمساك الرب ، سبحانه وبحمده له بقدرته ومشيئته لطفح على الأرض فأغرقها ودمرها وجعل عاليها سافلها ، فتبارك الله لا إله إلا هو رب العالمين ، ثم تأمل معي أخرى عجائب البحر وما فيه من الحيوانات على اختلاف أجناسها وأشكالها ومنافعها ومضارها وألوانها تجد عجباً وقدرة قادر جل وعلا ، في البحار حيوانات كالجبال لا يقوم لها شيء ، وفيه من الحيوانات ما يرى من ظهورها فيظن من عظمها أنها جزيرة فينزل عليها الركاب ويشعلوا نارهم فتحس بالنار إذا أوقدت فتتحرك فَيُعْلَم أنه حيوان كما ذكر [ابن القيم] ذلك في مفتاح دار السعادة ثم قال بعد ذلك ابن القيم: وما من صنف من أصناف حيوان البر إلا وفي البحر أمثاله بل فيه أجناس لا يعهد لها نظير أصلا ، مع ما فيه أيضاً من اللآلئ والجواهر و المرجان فسبحان الخالق الرحيم الرحمن ، ثم انظر إلى السفن وسيرها في البحر تشقه وتمخر عبابه ، بلا قائد يقودها ولا سائق يسوقها ، وإنما قائدها وسائقها الريح الذي سخره الله لإجرائها ، فإذا حبست عنها الريح ظلت راكدة على وجه الماء ، فذاك قول الله ( ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) نعم ، سخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره ، لا بأمر غيره سبحانه وبحمده ، سخرها بأمره تجري ليست وفق رغبات النفوس الأمارة بالسوء ، ولا رغبات الجشعين من الأفراد والهيئات التي استعملت أساطيلها منذ أقدم العصور إلى يومك هذا لقهر الإنسان ونهب خيراته واحتقار آدميته ، فلك الحمد ربنا ، ولك الأمر من قبل ومن بعد ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، صنع الإنجليز باخرة عظيمة ، كانت كما يقولون فخر صناعاتهم ، ثم انطلقت في رحلة ترفيهية حاملة على متنها علية القوم ونخبة المجتمع كما يصفون أنفسهم ، وقد بلغ الفخر والاعتزاز ببناة السفينة درجة كبيرة من الصلف والغرور فسموها الباخرة التي لا تقهر ، بل سمع أحد أفراد طاقمها يتشدق فخراً أمام بعض كبار ركابها بما ترجمته : حتى الله نفسه لا يستطيع أن يغرق هذا المركب ، جل الله وتعالى وتقدس لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ،يحيي ويميت ، فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون وفي اليوم الثالث من سيرها في المحيط الأطلسي وفي خضم كبرياء صناعها وركابها تصطدم بجبل جليدي عائم فيفتح فيها فجوة بطول تسعين متراً ، وبعد ساعتين وربع تستقر الباخرة التي لا تقهر ـ كما زعموا ـ في قعر المحيط ومعها ألف وخمسمائة وأربع ركاب وحمولة بلغت ستة وأربعين ألف طن ، (فكلاً أخذنا بذنبه ، فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ، ومنهم من أخذته الصيحة ، ومنهم من خسفنا به الأرض ، ومنهم من أغرقنا) (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) ، تأمل معي أخرى كيف مد الله البحار ، وخلطها ، وجعل مع ذلك بينه حاجزاً ومكاناً محفوظاً ، فلا تبغي محتويات بحرٍ على بحر ، ولا خصائص بحرٍ على آخر عندما يلتقيان ، (إن في ذلك لآياتٍ لأولي النهى) في <إيران> أنهار عندما تلتقي بمياه البحر ترجع مياهها عائدة إلى مجاريها التي جاءت منها ، ونهر<الأمازون> يجعل مياه المحيط الأطلسي عذبة لمئات الكيلو مترات من مصبه فيه فلا يختلط بمياه المحيط الأطلسي ، وتلتقي مياه المحيط الأطلسي بمياه البحر الأبيض فتبقى مياه البحر الأبيض أسفل لثقلها ولكثرة ملحها وتعلو مياه المحيط لخفتها ، وكل بمقدرة ، وكذلك لا تختلط مياه البحر الأسود بمياه البحر الأبيض عندما تلتقي بل تشكل مجريين متلاصقين فوق بعضهما البعض ، فمياه الأسود تجري في الأعلى نحو مياه البحر الأبيض لأنها أخف ، ومياه البحر الأبيض تجري في الأسفل لأنها أثقل فتجري نحو البحر الأسود ، فتبارك الذي (مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجورا لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون ) ، عجائب البحر أعظم من أن يحصيها أحد إلا الله ، كشف علماء البحار من النصف الثاني من القرن العشرين أن في البحار أمواجاً عاتية دهماء مظلمة حالكة ، إذا أخرج المرء يده لم يكد يراها فعلى عمق ستين متراً عن سطح البحر يصبح كل شيء مظلماً في البحار ، بمعنى أننا لا نستطيع رؤية الأشياء في أعماق تبعد ستين متراً عن سطح البحر ، ولذلك زود الله الأحياء البحرية التي تعيش في أعماق البحار اللجية بنور تولده لنفسها ومن لم يجعل الله له نوراً في تلك الظلمات فما له من نور ، نسي هؤلاء المكتشفون أن الله ذكر تلك الظلمات في قوله قبل أن يخلقوا وآباؤهم وأجدادهم (أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) ، تُرْجِمَ معنى هذه الآية لعالم من علماء البحار أفنى عمره في ذلك وظن أنه على شيء وأنه اكتشف شيئا وجاء بشيء فيه إبداع فقال في دهشة بعد ترجمة الآية : إن هذا ليس من عند محمد الذي عاش حياته في الصحراء ، ولم يعاين البحر ولججه وظلماته وأمواجه وشعبه ، إن هذا من عند عليم خبير ثم شهد شهادة الحق ودخل في دين الله ، نعم لا يملك إلا ذلك ، من واصف الظلمات في قعر البحار سوى الله العليم الباري ، سبحانه ملكاً على العرش استوى وحوى جميع المُلْكِ والسلطان ، لا إله إلا الله كيف تعمى العيون وتعمى القلوب عن آيات الله ، أإله مع الله ، تعالى الله سأل رجل أحد السلف عن الله ، قال له :ألم تركب البحر؟ ، قال : بلى ، قال فهل حدث لك مرة أن هاجت بكم الريح عاصفة قال نعم ، قال وانقطع أملك من الملاحين ووسائل النجاة ، قال نعم ، قال فهل خطر ببالك وانقدح في نفسك بأن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء ، قال نعم ، قال فذاك هو الله لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً ، (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرينا بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموت من كل مكان وظنوا أنه أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون) ومن عجائب البحر التي تدل على إدراكه وعبوديته لله جل وعلا أنه يعظم عليه أن يرى ابن آدم يعصي الله عز وجل مع حلم الله عليه فيتألم البحر لذلك ويتمنى هلاك عصاة بني آدم بل ويستأذن ربه في ذلك ، جاء في مسند الإمام أحمد فيما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس من ليلة إلا والبحر يشرق فيها ثلاث مرات يستأذن الله أن ينتضح عليهم ـ أي على العصاة ـ فيكفه الله بمنه وكرمه "، فلا إله إلا الله ، البحر يتمعر ، ويتمنى إغراق العصاة ، ويستطيع لكنه مأمور ، ومنا من لا تحرك فيه المعصية ساكنا ، تُنْتَهَك حرمات الله ، وتُتَجَاوز حدوده ، وتُضَيَّع فرائضه ، ويعادى أولياؤه ، ثم لا تتمعر الوجوه ، فأين الإيمان يا أهل الإيمان؟ إن في ذلك لآية وكم لله من آية ، فتأملوا يا أولي الألباب ، تأمل تلك النملة الضعيفة ، وما أعطيت من فطنة وحيلة في جمع القوت وادخاره ، وحفظه ودفع الآفة عنه ، ترى عبراً وآيات باهرات تنطق بقدرة رب الأرض والسماوات وتقول : (أإله مع الله قليلاً ما تذكرون) ، انظر إليها تخرج من أسرابها طالبة أقواتها ، فإذا ظفرت بها شرعت في نقلها على فرقتين اثنتين ، فرقة تحملها إلى بيوتها ذاهبة ، وأخرى خارجة من بيوتها إلى القوت ، لا تخالط فرقة أخرى كخيطين أو جماعتين من الناس ، الذاهبون في طريق والراجعون في أخرى في تناسق عجيب ، ثم إذا ثقل عليها حمل شيء ، استغاثت بأخواتها فتعاونت معها على حملها ، ثم خلوا بينها وبينه ، وبلا أجرة ، تنقل الحب إلى مساكنها ثم تكسره اثنتين أو أربعة ، لئلا ينبت إذا أصابه بلل ، وإذا خافت عليه العفن ، أخرجته إلى الشمس حتى يجف ، ثم ترده إلى بيوتها ، ولعلك قد مررت يوماً عليها ، وعلى أبواب مساكنها حب مكسر ، ثم تعود من قريب فلا ترى منه حبة واحدة ، والنمل مع ذلك يعتني بالزراعة وفلاحة الأرض ، فقد شاهد أحد العلماء في إحدى الغابات قطعة من الأرض قد نما فيها أرز قصير من نوع بري مساحة القطعة خمسة أقدام في ثلاثة ، ويترائى للناظر إلى هذه البقعة من الأرض أن أحداً لا بد أن يعتني بها ، الطينة مشققة ، والأعشاب مستأصلة والغريب أنه ليس هناك مناطق أرز حول ذلك المكان ، ولاحظ ذلك العالم أن طوائفاً من النمل تأتي إلى هذه المزرعة الصغيرة وتذهب ، فانبطح على الأرض ذات يوم ليراقب ماذا يصنع النمل ، فإذا به يفاجأ أن النمل هو صاحب المزرعة ، وإنه اتخذ الزراعة مهنة تشغل كل وقته فبعضه يشق الأرض ويحرث ، والبعض يزيل الأعشاب الضارة وينظف ، وطال الأرز واستوى ونضج ، وبدأ موسم الحصاد ، وهذا لا زال بمناظيره يراقب ، فانظر ، يشاهد صفاً من النمل وهو في وقت الحصاد وهو متسلقاً شجر الأرز ، إلى أن يصل إلى الحبوب فتنزع كل نملة حبة من تلك الحبوب ، ثم تهبط سريعاً إلى الأرض ، ثم تذهب بها إلى مخازن تحت الأرض لتخزنها ثم تعود ، وطائفة أخرى اعجب من ذلك تتسلق مجموعة كبيرة منها أعواد الأرز ، فتلقط الحب وتلقي به فبينما هي كذلك ، إذ بمجموعة أخرى تحتها تتلقى هذا الحب وتذهب به إلى المخازن ويعيش النمل هناك عيشة مدنية في بيوت بل في شقق وأدوار أجزاء منها تحت الأرض وأجزاء أخرى فوقها ، له حراس وخدم وعبيد وهناك ممرضات تعنى بالمرضى ليلاً ونهاراً ، وقسم آخر يرفع جثث الموتى ويشيعها ليدفنها ، كل هذا يتم بغريزة أودعها الله في هذا القلب ، فتبارك الله (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) ، عالم النمل عالم عجيب ، من تأمله ازداد إيماناً ويقيناً بأن وراء ذلك التنظيم المحكم حكيما خبيرا ، بإفراد العبادة له جدير ، لا شريك له ، إنها تعرف ربها ، وتعرف أنه فوق سماواته مستوٍ على عرشه ، بيده كل شيء يوم ضل من ضل ، روى الإمام أحمد في الزهد من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ يرفعه قال : "خرج نبي من الأنبياء بالناس يستسقون ، فإذا هم بنملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تدعو ربها ، فقال ارجعوا فقد سقيتم بغيركم "، للنمل مدافن جماعية يدفن فيها موتاه كالإنسان ، والنمل ذكي ، جد ذكي ، ويصطاد بطريقة ذكية ، يأتي إلى شجرة فينقسم إلى قسمين ، قسم يرابط تحت الشجرة قرب جذعها ، وآخر يتسلق جذعها لمهاجمة الحشرات التي تكون عليها ، وبذلك يحكم الطوق على كل حشرة لا تطير ، فتسقط التي تنجو من النمل المتسلق فتقع في شباك النمل المتربص بها عند قاعدتها ، من هداها؟ ، من هيأ لها رزقها؟ إنه القائل ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ألا له الخلق والأمر لا إله إلا هو وحده لا شريك له) ، وقفة ولعلها استراحة مع عجائب الأحياء ، يذكر صاحب من الثوابت العلمية في القرآن من بعض التصرفات الذكية الألمعية عند الحيوان ، ما يلقي الضوء على معنى قول الله (ربنا الذي أعطى كل شيء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) ، يُذْكَرُ أن طبيباً وجد في طريقه كلباً كسرت إحدى قوائمه ، فأخذه إلى عيادته واهتم بها وقومها وجبرها واعتنى به حتى شفي تماماً ، ثم أطلق سراحه ، وبعد ذلك بزمن سمع الطبيب قرعاً لطيفاً على باب عيادته فوجد الكلب نفسه مصطحباً معه كلباً آخر مكسور الرجل ، جاء به إلى المعاينة والعلاج ، فسبحان الله ولا إله إلا الله ، هذه عجائب طالما أخذت بها عيناك وانفتحت بها *** ، والأعجب من ذلك قصة هرٍ اعتاد أن يجد طعامه اليومي أمام بيت أحد المهتمين به فيأكله وفي أحد الأيام لاحظ رب البيت أن الهر لم يعد يكتفي بالقليل مما كان يقدم له من قبل ، أصبح يسرق غير ذلك فقام رب البيت يرصده ويراقبه فوجده يذهب بالطعام إلى هرٍ أعمى فيضع الطعام أمامه ، فتبارك الله (ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم) ، ويذكر أيضاً صاحب عجائب الأحياء أن فرساً صغيراً ماتت أمه عنه ، فقام صاحبها الأعرابي واسمه [الزعتري]الذي يسكن مصر برعاية الفرس اليتيم رعاية بلغت حد التدليل ، فكان يقدم له الشعير مخلوطاً بالسكر ، وإذا مرض استدعى له الطبيب البيطري لفحصه إذا أصابه ما أصابه ، ولا غرابة في ذلك الاهتمام أيها الأحبة ، إذا علمتم ما ثبت في صحيح الجامع عن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس من فرس عربي إلا ويؤذن له مع كل فجر فيدعو بدعوة فيقول اللهم إنك خولتني من خولتني من بني آدم فاجعلني من أحب أهله وماله إليه " فالفرس العربي يتجه بالدعاء إلى من يستحق الدعاء ، والله عز وجل يجيبه فيجعله من أحب أهل ومال الإنسان إليه والواقع يشهد بذلك ، ولا عجب فإن جذع النخلة وهو جماد بكى وأن وتألم وحزن وخار وتصدع لفراق الذكر حتى مسحه صلى الله عليه وسلم ، فسكن أحسن ما يكون السكون ، حن جذع إليه وهو جماد فعجيب أن تجمد الأحياء ، ويمرض الأعرابي الزعتري فيفقد الفرس شهيته ويترك حظيرته ليرابط أمام خيمة صاحبه وظل كذلك أياماً ثم مات الزعتري وحمل المشيعون جنازته فسار الفرس خلفهم حزيناً منكس الرأس حتى دُفِنَ صاحبه العزيز عليه في التراب ، ولما هم المشيعون بالرجوع انطلق الفرس المفجوع كالبرق وظل منطلقا حتى وصل إلى تلٍ عالٍ فصعده ثم ألقى بنفسه من قمته ليلقى حتفه وسط دهشة الجميع ، فسبحان من رزقه تلك الأحاسيس والمشاعر ومن سلبها كثيراً ممن كرمه الله من بني آدم ، ومن عجيب أمر القردة ما ذكره البخاري في صحيحه عن [عمرو بن ميمون] ، قال : رأيت في الجاهلية قرداً وقردةً زنيا فاجتمع عليهم القرود فرجموهما حتى ماتا ، عجباً لها من قرود ، تقيم الحدود حين عطلها بعض بني آدم ، إن هدايتها فوق هداية أكثر الناس (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) ومن عجيب أمر الفأر ما ذكره صاحب العقيدة في الله أنها إذا شربت من الزيت الذي في أعلى الجرة ينقص ويعز عليها الوصول إليه في أسفل الجرة فتذهب وتحمل في أفواهها الماء ثم تصبه في الجرة حتى يرتفع الزيت ويقترب منها ثم تشربه ، من علمها ذلك ، إنه الله أحق مَن عُبِدَ وصُلِّيَ لَهُ وسُجِد ، سبحان من يجري الأمور بحكمة في الخلق بالإرزاق والحرمان ، من علم الذئب إذا نام أن يناوب بين عينيه فينام بإحداهما حتى إذا نعست الأخرى نام وفتح بها الثانية ،
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي *** بأخرى المنايا فهو يقظان نائم
من علم الطاووس أن يلقي ريشه في الخريف إذا ألقى الشجر ورقه ، فإذا اكتسى الشجر اكتسى أيضاً ، بإذن من؟ ، بإذن من؟ ، من علم العصفورة إذا سقط فرخها أن تستغيث؟ فلا يسمعها عصفور حولها حتى يجيء فيطير الجميع حول الفرخ ويحركونه ويحدثون له همة وقوة وحركة حتى يطير معهم ، ذاكم هو الله القائل (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) واستطراداً فما أجمل قول [سفيان بن عيينة] رحمه الله حول قول الله (إلا أمم أمثالكم) يوم قال : فما في الأرض من آدمي إلا وفيه شبه من البهائم فمنهم من **** الأسد ، ومنهم من يعدو عدو الذئب ، ومنهم من ينبح نباح الكلب ، ومنهم من يختال كالطاووس ، ومنهم من يشبه الخنازير التي إذا ألقي إليها أطيب الطعام عافته ، فإذا قام الرجل عن غائطه ولغت فيه ، فلذلك تجد من الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها ـ رحم الله سفيان ـ نَعَم ، وإن أخطأ أخوه حفظ ذلك الخطأ وشنع عليه بلا هدى تحت طيش الهوى وحب الغلبة ورغبة الاستعلاء ، وإرادة *** الغير ، تحريش غامض ، وتصنيف ساقط بلا برهان ولا بينة ، كفى أخي ثم كفى ، إذا لم تجد قولاً سديداً تقوله فطمتك على غير السداد سداد ، أحبتي في الله إن فيما أودع الله في مخلوقاته ما يستنطق الأفواه بالتسبيح ويملأ القلوب إجلالاً من معرفة حكمته وقدرته وما به يعلم العاقل أنه لم يخلق عبثاً ولم يترك سُدى ، فلله في كل مخلوق حكمة باهرة وآية ظاهرة وبرهان قاطع يدل على أنه المنفرد بكل كمال وأنه على كل شيء قدير وبكل شيء عليم ، قد خلق الخلق ليعبدوه ، وبالإله *** ، هل تأملت النحل وأحواله وأعماله وما فيها من العبر والآيات الباهرات ، ألم ترى أقراص شمعها السداسية في دقتها الحسابية وإتقان بنائها وإحكام صنعها ، الذي أدهش وما زال يدهش علماء النحل والحساب ، ماهي آلات الحساب والمقاييس التي سمحت لهذا المخلوق بالوصول إلى هذا العمل الهندسي الدقيق ، هل هذا بواسطة قرنين استشعار والفكين الذين يدعي علماء الأحياء أن الطبيعة زودتها بهما ، سبحان الله ، وتبارك الله ، عجيب وغريب منطق هؤلاء ، يتسترون وراء كلمات جوفاء كالطبيعة والتطور والصدفة ، كلما وقفوا أمام بديع صنع الله وإعجازه في الخلق فأنى يؤفكون وجحدوا بها واستيقنتها
أفتستر الشمس المضيئة بالسها *** أم هل يقاس البحر بالخلجان
سبحان الله ، لله في كل شيءٍ آية ، وتعمى عنها عيون أو تتعامى ،
فقل للعيون الرمد إياكي أن تري *** سنا الشمس واستغشي ظلام اللياليا
خفافيش أغشاها النهار بضو *** ئه ولائمها قِطْعٌ من الليل باديا
فجالت وصالت فيه حتى إذا *** النهار بدا استخفت وأعطت تواريا
فيا محنة الحسناء تُهْدى *** إلى امرئٍ ضريرٍ وعِنِّين من الورد خاليا
في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما تستقل الشمس ، فيبقى شيء من خلق الله إلا سبح الله بحمده ، إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم ،وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غباء وأي غباء أن يسخر الله لك كل ما حولك بمنه وكرمه ، ثم يسبحه كل مسخر لك وأنت غافل غبي أخرس أحمق
سل الواحة الخضراء والماء جاريا *** وهذه الصحاري والجبال الرواسي
سل الروض مزداناً سل الزهر والندى *** سل الليل والإصباح والطير شاديا
وسل هذه الأنسام والأرض والسما *** وسل كل شيءٍ تسمع الحمد ساريا
فلو جم هذا الليل وامتد سرمداً *** فمن غير ربي يرجع الصبح ثانيا
سبحان الله وبحمده ، وسبحان الله العظيم ، ليس شيءٍ إلا وهو أضرع لله من بني آدم ، الكون كله بكائناته يسجد لله ويخضع ويذل وتبقى فئة من الناس صادةٌ نادةٌ نشازٌ في هذا الكون لا تستحق الحياة ، فانظر إلى تلك الحشود كما يقول [سَيِّدْ] رحمه الله :حشد من الخلائق مما يدرك الإنسان ومما لا يدرك ، وحشد من الأفلاك مما يعلم الإنسان ومما لا يعلم ، حشد من الملائكة ، حشد من الجبال والشجر والدواب ، حشد من خلق الله كلها في موكب خاشع ذليل تسجد لله وتتجه إليه لا إلى سواه في تناسق ونظام عجيب إلا هذا الإنسان يتفرق فجزء منه يتنكب الموكب نشاز لا يستحق الحياة ، ألم ترى أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس ، وكثير حق عليه العذاب (ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء) ، فانظر إلى قهره وانظر إلى ذل خلقه ، كل ما في الكون يأتي خاضعاً ذليلاً ساجداً لله يدين له النجم في أفقه ، يدين له الفلك الدائر ، يدين له الفرخ في عشه ، ونسر السما الجارح الكاسر ، تدين البحار وحيتانها وماء سحاباتها القاطر، تدين له الأُسْدُ في غابها وظبي الفلا الشارد النافر ، يدين له *** في سعيه ، يدين له الزاحف والناشر ، تدين النجاد ، تدين الوهاد ، يدين له البَرُّ والفاجر ، يدين الجلي ، يدين الخفي ، يدين له الجهر والخاطر ، تدين الحياة ، يدين الوجود ، يدين المقدر والحاضر ، وكل العباد إليه رجوع وفوق العباد هو القاهر ، الشجر والحجر والمدر ، يلبي ويوحد الله مع الحاج الملبي ، ثبت في الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ما من ملبٍ يلبي إلا لبى مع عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر ، حتى تنقطع الأرض منها هنا ومنها هنا ، تفاعل الكون كله مع توحيد الله عز وجل، كل كنى عن شوقه بلغاته ، ولربما أبكى الفصيح الأعجم ، بل إن الشجر ليشهد ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى الدارمي بإسنادٍ صحيح كما قال صاحب المشكاة ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فأقبل أعرابيٌ فلما دنا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، قال ومن يشهد على ما تقول ، قال هذه السلمة ـ حِجرة السلمة ـ فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي في شاطئ الوادي فأقبلت تهز الأرض حتى قامت بين يديه ، فاستشهدها صلى الله عليه وسلم فشهدت ثلاثاً ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، ثم رجعت إلى منبتها ، إن في ذلك لآية ، وروى الترمذي أيضاً كما في الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :" جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد بما أعرف أنك نبي ، بما أعرف أنك نبي ، قال صلى الله عليه وسلم إن دعوت هذا العذق شهد أني رسول الله ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينزل العذق من النخلة حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم شهد ثم قال صلى الله عليه وسلم له ارجع ، فرجع إلى مكانه ، فقال الأعرابي وأنا أشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله ، ودخل في دين الله "، ألم يمر بذهنك وأنت تعلم عبودية الشجر لله ما روى البخاري عن[ سهل بن سعد] ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها ، فاشتاقت نفسك لظل هذه الشجرة فأحسنت التعامل مع الله لتكون من أهلها بإذن الله ، وأرجو الله أن نكون جميعاً من أهلها ، الجبال والحجارة تخشى الله ، فأين الخشية والخوف من الله ، وإن منها لما يهبط من خشية الله (لو أنزلنا هذا القرآن على جبلٍ لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ) ، يا عجباً من مضغة لحمٍ أقسى من هذه الجبال ، تسمع آيات الله تتلى فلا تلين ولا تخشع ، من حكمة الله أن جعل لها ناراً إذا لم تلن بذكره ومواعظه فبها تلين ، فمن لم يلن قلبه في هذه الدار ولم يتب إلى الله ويخشه فليتمتع قليلاً ، فإن المرد إلى عالم الغيب والشهادة ، فنشكو إلى الله القلوب التي قست وران عليها كسب تلك المآثمِ ، من خشية المولى هوى الجبل الذي في الطور ، لانت قسوة الأحجار ، أو لم يئن وقت الخشوع فلا تغرن الحياة سوى مغرار ، الطير تصلي صلاةً لا ركوع فيها ولا سجود ، الله يعلمها ونحن لا نعلمها (والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ، ما ميزان الصلاة عند الإنسان ، إنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ختم بها حياته ، ومع ذلك فرط فيها من فرط ، وضاع فيها من ضاع ، وذل بتركها من ذل بعد العز ، فاسمع إلى ما يقول صاحب وحي الواقع ، بعد مجزرة الأقصى في رمضان المشهود التي راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى ، تقابل مسلم ويهودي ، فقال المسلم: مهما طال بكم الزمن يا أحفاد القردة والخنازير لنخرجنكم منها أذلة وأنتم صاغرون ، وسيكون معنا الشجر والحجر في حربكم ، قال اليهودي نعم وهذا صحيح نقرأه في كتبنا ويعلمه عالمنا وجاهلنا ولكن لستم أنتم ، قال المسلم فمن هم قال هم الذين يكون عدد مصليهم في الفجر بقرد عدد المصلين في صلاة الظهر ، وصدق فإنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة وضيعها ، إن الصلاة لتدعو الله لحافظها حفظك الله كما حفظتني ، وعلى مضيعها ضيعك الله كما ضيعتني ، فلا إله إلا الله كم من ضائع ساقط لا قيمة له في تضييع الصلاة ودعاءها عليه ، إن الديك ليوقظ للصلاة ويدعو لها ويؤذن ، بل أمرنا إذا سمعنا صوته أن نسأل الله من فضله لأنه رأى ملكا ، فلا إله إلا الله ، كم من ديك هو خير من إنسان عند الله ، وهو يأكله ، فكم من مأكول هو خير من آكله ، وأنت تعلم هذا ، أقبل ببصيرتك لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم كما ثبت في صحيح الجامع يوم قال : إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض وعنقه مثنية تحت العرش وهو يقول : سبحانك ما أعظمك ، سبحانك ما أعظمك ، فهل عظمت الله وقدرته حق قدره فانقدت واستسلمت وأخلصت وأنبت وانسجمت مع هذا الكون صغير وكبيره فكان حالك ومقالك : سبحانك ما أعظمك ، سبحان من لو سجدنا بالعيون له على شبا الشوك والمحمى من الإبر ، لم نبلغ العشر من معشار نعمته ولا العشير ولا عشراً من العشر ، أحبتي في الله ، الأدلة على وحدانية الله ،وأنه المستحق للعبادة لا شريك له كثيرة لا تعد ولا تحصى ولعل فيما تقدم ما يكفي لأولي الأحلام والنهى ، حمداً لك اللهم أقولها في البؤس والإيسار والإعسار، وعلى الرسول الهاشمي وآله ليلي أصلي دائباً ونهاري ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلامٌ على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك 0

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
رد: لنتأمل لحظات (2)

بارك الله فيك يعطيك الصحه
 
رد: لنتأمل لحظات (2)

شكرررررررررررررررررررررررررررررررررررررررا
 
رد: لنتأمل لحظات (2)

يعطيك الصحة اخي بارك الله فيك
 
الحالة
مغلق ولا يسمح بالمزيد من الردود.
لإعلاناتكم وإشهاراتكم عبر صفحات منتدى اللمة الجزائرية، ولمزيد من التفاصيل ... تواصلوا معنا
العودة
Top