معاني الوحي والوجه والولي في القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
الوحي: كلّ شيء دللت به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة.بسم الله الرحمن الرحيم
وذكر أهل التفسير أن الوحي في القرآن على ستة أوجه :
أحدها : الإرسال . الوحي الذي كان ينزل به جبرائيل عليه السلام من الله تعالى على الأنبياء. ومنه قوله تعالى في النساء : "إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ " وفي الأنعام : "وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ " أي: أرسل به إليَّ.
والثاني : الإشارة. ومنه قوله تعالى في مريم : " فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا " أي أشار إليهم و أومأ .
والثالث : الإلهام . ومنه قوله تعالى في المائدة : " وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي " ، وفي النحل : " وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ " . وفي القصص : " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ " .
والرابع : الأمر . ومنه قوله تعالى في فصلت " فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا " وفي الزلزلة : " بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا " .
والخامس : إعلام في المنام . ومنه قوله تعالى في عسق :" وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ".
والسادس : إعلام بالوسوسة . ومنه قوله تعالى في الأنعام: " وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ " ، وفيها : " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا "
الوجه في القرآن
: معروف ، وسمي وجها لأن المواجهة تقع به في غالب الحال ، ومُسْتَقْبَلُ
كلِّ شيءٍ وجهه ، والوُجْه الجانِبُ والناحِيَةُ ، ثم يستعار ذلك في كل ما
يراد تقديمه على ما سواه ، فيقال : هذا وجه القوم ، وهذا وجه الرأي ،
والوجه من الكَلامِ : المَقْصُودُ ، ووجه النهار أوله . وأنشد الزجاج في
ذلك :
من كان مسرورا بمقتل مالك *** فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء حواسرا يندبنه *** قد قمن قبل تبلج الأسحارالوجه الحادي عشر: الولي، يعني: المولى الذي تعتقه. فذلك قوله في الأحزاب: "ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ"
أحدها : الوجه بعينه ، الوجه المعروف. ومنه قوله تعالى في البقرة : " فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ " ، وفي آل عمران : " يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ" ، وفي سورة النساء : " مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا " ، وفي المائدة: " فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ".
والثاني : الدين . ومنه قوله تعالى في النساء : " وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ " ، " أي : أخلص دينه ، وفي لقمان " : " وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ " .
والثالث : الله عز وجل ورضاه، ومنه قوله تعالى في الأنعام : " وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" ، وفي الكهف: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ " ، وفي الروم : " ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ " ، وفي هل أتى: " إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ".
والرابع : الأول . ومنه قوله تعالى في آل عمران : " آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ " .
والخامس : الحقيقة . ومنه قوله تعالى في المائدة : " ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ " ، أي على حقيقتها .
الولي في القرآن
هذه الكلمة القرب، ومنه ولي الشيء يليه إذا قرب منه، ويستعار ذلك للقرب
من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة
والاعتقاد، والولاية النصرة ، الولي خلاف العدو
وذكر بعض المفسرين أن الولي في القرآن على أحد عشر وجها:
الوجه الأول: الولي، يعني: الولد. فذلك قوله في مريم: " وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ". يعني: الولد.
الوجه الثاني: الولي، يعني: الصاحب من غير قرابة. فذلك قوله في بني إسرائيل: " وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ". يقول: ولم يكن له صاحب ينتصر به من ذل أصابه. نظيرها فيها، حيث يقول: "وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ " يعني: أصحابا "من دونه" يرشدونه، كقوله في الكهف: "مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا "، يعني: صاحبا، "مرشدا".
الوجه الثالث: الولي، يعني: القريب. فذلك قوله في الدخان: "يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ". يقول: لا ينفع قريب قريبا من الكفار شيئا من المنفعة، وكقوله في الشورى: "وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ "، يعني: أقرباء يمنعونهم "من دون الله" يعني: الكفار، وقال في العنكبوت: "وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ". يعني: قريبا ينفعكم، يعني: الكفار.
الوجه الرابع: الولي، يعني: العصبة. كقوله في النساء " وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ "، وكقوله في مريم: "وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي ". يعني: العصبة.
الوجه الخامس: الولي، يعني: الولي في العون. المعين الناصر فذلك قوله في سورة محمد: "ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ "، يعني: وليهم في العون لهم، وكقوله في التحريم: "فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ "، يعني أعوانا.
الوجه السادس: الولي، يعني: الآلهة. الوثن فذلك قوله في العنكبوت: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ ". يعني: آلهة. وكقوله في الجاثية: "مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ". وكقوله في الزمر: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ". يعني الآلهة. وكقوله في الشورى: "وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ "، يعني: آلهة.
الوجه السابع: الولي، يعني: ربا. فذلك قوله في الأنعام: "قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ "، يعني: ربا. وكقوله في الأعراف: "وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ". يعني: أربابا. نظيرها في الشورى: "أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "، ، "فالله هو الولي". يعني: هو الرب عز وجل. وقال في الأعراف: " إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ". يعني: أربابا. فأطاعوهم. وقال في الأنعام: " ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ". يعني: ربهم الحق. نظيرها في يونس.
الوجه الثامن: الولاية في الدين وفي بيان الكفر. فذلك قوله في المجادلة: "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ". يعني: المنافقين تولوا اليهود في الدين. وقال في المائدة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ".
الوجه التاسع: الولاية في دين الإسلام. فذلك قوله في المائدة: " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ". وقال في سورة البقرة : "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ "، يعني: في الدين.
الوجه العاشر: أولياء، يعني: المناصحة. فذلك قوله في الممتحنة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ". يعني: المناصحة: وكقوله في النساء: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ". يعني: في النصيحة. وقال في آل عمران: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء".