كتب عبد الباري عطوان
صواريخ غزة وضعت الجميع، في المنطقة وخارجها، في مأزق كبير لم يتصوره أحد، فحتى باراك اوباما الذي ادار ظهره للعرب وقضاياهم، الجديد منها والمزمن، وجد نفسه في عين العاصفة، يجلس بالقرب من الهاتف، متصلا ومتوسلا لوقف اطلاق النار، فتارة يهاتف رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا، وتارة اخرى يهاتف الرئيس المصري محمد مرسي، وثالثة بنيامين نتنياهو.
نحن الآن امام سباق متسارع على مسارين متوازيين، الاول للتوصل الى هدنة توقف الغارات الدموية الاسرائيلية، مقابل عودة الصواريخ الى مخائبها، والثاني الغزو الاسرائيلي الأرضي لقطاع غزة المتوقع في اي لحظة.
نتنياهو بات الخاسر الاكبر، ايا كانت نتيجة التصعيد الحالي، لانه اخطأ الحساب تماما مثلما فعل سلفه ايهود اولمرت عندما ارسل دباباته الى جنوب لبنان عام 2006 ،وبعد ذلك الى غزة شتاء عام 2008، وهو الآن مثل المقامر الذي يحاول تعويض خسائره بزيادة حجم الأموال على مائدة القمار، فيخسر كل شيء، ولذلك من غير المستبعد ان يوسع نطاق الحرب من خلال اللجوء الى الحرب البرية، وربما احتلال القطاع.
حالة الهلع الحالية لم تعد مقصورة على المستوطنين الاسرائيليين في شمالي قطاع غزة وتل ابيب، وانما تسود حاليا قلوب جميع الحكام العرب دون استثناء، خاصة في الدول التي تعتقد انها محصنة من الثورات والاحتجاجات، سواء بسبب علاقاتها الوثيقة مع الغرب، او امتلاء خزائنها بالمليارات.
من تابع اجتماعات وزراء الخارجية العرب تحت قبة الجامعة في القاهرة يوم السبت، لا يصدق اذنيه، فقد كانوا يتحدثون لغة ثورية لم ينطق بها الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل في اقصى اليمين، ولا الحكيم ،الراحل ايضا، جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اقصى اليسار.
فجأة تذكروا الوحشية الاسرائيلية، وسفك الدماء في غزة، وطالبوا بالعقاب، وكأنها المرة الاولى التي تقصف فيها الطائرات الاسرائيلية هذا القطاع المحاصر، وتقتل العشرات من الاطفال والنساء والمدنيين.
ولعل افضل تجسيد لهذا الهلع ذهاب وفد من الوزراء برئاسة الدكتور نبيل العربي الى القطاع في مظاهرة تضامنية غدا الثلاثاء، هذا اذا لم نفق من النوم على وقع قرقعة جنازير الدبابات الاسرائيلية وهي تقتحم القطاع الجريح، مما يؤدي الى وأد هذه المبادرة الاستعراضية المكشوفة.
' ' '
اسرائيل ترتعد خوفا، لأن القرار بقصفها بالصواريخ الفلسطينية والايرانية والروسية الصنع ليس قرارا عربيا، بمعنى انه غير موعز به من اي من الدول العربية، وانما هو قرار فلسطيني مقاوم متحرر من الوصاية الرسمية العربية، ولهذا قلب كل المعادلات واربك الجميع في العواصم العربية والغربية على حد سواء.
الوسطاء العرب الذين يستمتعون بحالة الاهتمام الامريكي المفاجئة بهم، يجب ان ينحازوا الى المصلحة العربية العليا، وليس الى المصلحتين الامريكية والاسرائيلية، بمعنى ان لا يحاولوا تحقيق مكاسب مالية او سياسية على حساب ارواح الشهداء في قطاع غزة، واذا حاولوا، فإن على فصائل المقاومة ان تتعاطى معهم بالطريقة التي يستحقونها من ازدراء واهمال، ويعفّ اللسان عن ذكر كلمات اقوى من ذلك.
اي وقف لاطلاق النار يجب ان يكون مشروطا برفع الحصار فورا عن القطاع، ووقف كل اعمال الاستيطان في الاراضي المحتلة، والافراج عن آلاف الاسرى كخطوة اولى، فنتنياهو في موقف ضعيف، وكذلك حكومته، والضغط يجب ان يمارس عليه، وليس على حركات المقاومة الفلسطينية.
لا يضيرنا ان نكشف سرا عندما نقول ان قياديا كبيرا في حركة الجهاد الاسلامي كشف لنا ان دولا عربية كبرى طالبت حركته بعدم اطلاق صواريخ الى تل ابيب، واقتصارها فقط على عسقلان واسدود وسيدروت وغيرها من المستوطنات الاسرائيلية، لتجنب احراج نتنياهو وحكومته، وتسهيل جهود التفاوض للتوصل الى اتفاق وقف اطلاق النار بالتالي.
أمر معيب ان يضغط حكام عرب على المقاومة وليس على اسرائيل وامريكا، وأمر معيب اكثر ان لا نسمع كلمة واحدة من هؤلاء الذين اجتمعوا في القاهرة، وبعضهم انفق عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات لشراء صفقات اسلحة امريكية متطورة لمحاربة ايران، لم نسمع كلمة واحدة منهم عن تسليح حركات المقاومة الفلسطينية لان الهدف سيكون الاسرائيليين.
الرئيس المصري محمد مرسي، اول رئيس منتخب في تاريخ مصر، القديم منه والحديث، يجب ان يوجه انذارا شديد اللهجة لاسرائيل، وفي اسرع وقت ممكن، بعزمه على الغاء اتفاقات كامب ديفيد اذا لم يتوقف القصف لقطاع غزة، او اذا تطور الى غزو بري واحتلال بالتالي، او في الحالين معا.
الشيء نفسه نوجهه الى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، ونستغرب ان حكومته لم تطرد السفير الاسرائيلي وتغلق سفارته حتى الآن، ويكفي تذكيره والرئيس مرسي في الوقت نفسه، بأن والده الراحل الملك حسين هدد اسرائيل بإلغاء معاهدة وادي عربة اذا لم تحضر الترياق الذي يبطل مفعول السمّ الذي حُقن به السيد خالد مشعل اثناء محاولة خلية من الموساد اغتياله في قلب العاصمة الاردنية، وبأوامر مباشرة من نتنياهو الذي كان رئيسا للوزراء في حينها.
' ' '
استشهاد سبعين فلسطينيا، واصابة سبعمئة آخرين في العدوان الاسرائيلي حتى الآن، اكثر خطورة من اغتيال السيد مشعل، مع احترامنا له ولمكانته وتاريخه، ودماء هؤلاء الزكية الطاهرة تستحق الغاء معاهدات العار هذه التي فرضت من موقع القوة والغطرسة والإذلال على البلدين، ولا ننسى ايضا اتفاقات اوسلو، ولكننا لا نثق بأن رئيس السلطة محمود عباس سيلغيها، ولهذا لم نطالبه بفعل ذلك، ليأسنا منه، ومعرفتنا بقدراته ونواياه.
الرئيس اوباما الذي يؤكد على حق اسرائيل في الدفاع عن النفس يستحق ردا على هذه الاهانة للعرب والمسلمين من الزعماء الذين يطلب توسطهم لضبط النفس ووقف اطلاق الصواريخ، فأي دفاع عن النفس هذا الذي يتحدث عنه وهو يعلم جيدا ان الشعب الفلسطيني الاعزل، الذي يتعرض للقتل والشهادة بصواريخ طائراته الامريكية الصنع، هو الذي يجب ان يتمتع بهذا الحق وليس اصدقاءه الاسرائيليين الذين يحاصرونه ويجوّعونه حتى الموت.
وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني الذي يمثل الدولة الاستعمارية التي قدمت فلسطين على طبق من ذهب لليهود، استخدم التعبير نفسه، اي حق اسرائيل في الدفاع عن النفس، ولكنه عندما ادرك مخاطر المجازر الاسرائيلية على الغرب ومصالحه، بل واستقرار العالم بأسره، بدأ يتراجع ويحذر من خطورة اي غزو بري لمخاطره على اسرائيل نفسها.
مرة اخرى نقول انها صواريخ الإيمان، المعمّدة بالكرامة والعزّة والشهادة، التي غيّرت وتغيّر معادلات القوة، وتنهي مسلسل الإذلال والهوان الذي الحقته اسرائيل وامريكا بالعرب والمسلمين طوال العقود الستة الماضية.
نعم.. نحن امام فجر جديد، بفضل الصمود الاسطوري للمرابطين على ارض فلسطين، وعلى كل المتخاذلين ان يتحسسوا رؤوسهم وبسرعة وقبل فوات الأوان.
صواريخ غزة وضعت الجميع، في المنطقة وخارجها، في مأزق كبير لم يتصوره أحد، فحتى باراك اوباما الذي ادار ظهره للعرب وقضاياهم، الجديد منها والمزمن، وجد نفسه في عين العاصفة، يجلس بالقرب من الهاتف، متصلا ومتوسلا لوقف اطلاق النار، فتارة يهاتف رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا، وتارة اخرى يهاتف الرئيس المصري محمد مرسي، وثالثة بنيامين نتنياهو.
نحن الآن امام سباق متسارع على مسارين متوازيين، الاول للتوصل الى هدنة توقف الغارات الدموية الاسرائيلية، مقابل عودة الصواريخ الى مخائبها، والثاني الغزو الاسرائيلي الأرضي لقطاع غزة المتوقع في اي لحظة.
نتنياهو بات الخاسر الاكبر، ايا كانت نتيجة التصعيد الحالي، لانه اخطأ الحساب تماما مثلما فعل سلفه ايهود اولمرت عندما ارسل دباباته الى جنوب لبنان عام 2006 ،وبعد ذلك الى غزة شتاء عام 2008، وهو الآن مثل المقامر الذي يحاول تعويض خسائره بزيادة حجم الأموال على مائدة القمار، فيخسر كل شيء، ولذلك من غير المستبعد ان يوسع نطاق الحرب من خلال اللجوء الى الحرب البرية، وربما احتلال القطاع.
حالة الهلع الحالية لم تعد مقصورة على المستوطنين الاسرائيليين في شمالي قطاع غزة وتل ابيب، وانما تسود حاليا قلوب جميع الحكام العرب دون استثناء، خاصة في الدول التي تعتقد انها محصنة من الثورات والاحتجاجات، سواء بسبب علاقاتها الوثيقة مع الغرب، او امتلاء خزائنها بالمليارات.
من تابع اجتماعات وزراء الخارجية العرب تحت قبة الجامعة في القاهرة يوم السبت، لا يصدق اذنيه، فقد كانوا يتحدثون لغة ثورية لم ينطق بها الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل في اقصى اليمين، ولا الحكيم ،الراحل ايضا، جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في اقصى اليسار.
فجأة تذكروا الوحشية الاسرائيلية، وسفك الدماء في غزة، وطالبوا بالعقاب، وكأنها المرة الاولى التي تقصف فيها الطائرات الاسرائيلية هذا القطاع المحاصر، وتقتل العشرات من الاطفال والنساء والمدنيين.
ولعل افضل تجسيد لهذا الهلع ذهاب وفد من الوزراء برئاسة الدكتور نبيل العربي الى القطاع في مظاهرة تضامنية غدا الثلاثاء، هذا اذا لم نفق من النوم على وقع قرقعة جنازير الدبابات الاسرائيلية وهي تقتحم القطاع الجريح، مما يؤدي الى وأد هذه المبادرة الاستعراضية المكشوفة.
' ' '
اسرائيل ترتعد خوفا، لأن القرار بقصفها بالصواريخ الفلسطينية والايرانية والروسية الصنع ليس قرارا عربيا، بمعنى انه غير موعز به من اي من الدول العربية، وانما هو قرار فلسطيني مقاوم متحرر من الوصاية الرسمية العربية، ولهذا قلب كل المعادلات واربك الجميع في العواصم العربية والغربية على حد سواء.
الوسطاء العرب الذين يستمتعون بحالة الاهتمام الامريكي المفاجئة بهم، يجب ان ينحازوا الى المصلحة العربية العليا، وليس الى المصلحتين الامريكية والاسرائيلية، بمعنى ان لا يحاولوا تحقيق مكاسب مالية او سياسية على حساب ارواح الشهداء في قطاع غزة، واذا حاولوا، فإن على فصائل المقاومة ان تتعاطى معهم بالطريقة التي يستحقونها من ازدراء واهمال، ويعفّ اللسان عن ذكر كلمات اقوى من ذلك.
اي وقف لاطلاق النار يجب ان يكون مشروطا برفع الحصار فورا عن القطاع، ووقف كل اعمال الاستيطان في الاراضي المحتلة، والافراج عن آلاف الاسرى كخطوة اولى، فنتنياهو في موقف ضعيف، وكذلك حكومته، والضغط يجب ان يمارس عليه، وليس على حركات المقاومة الفلسطينية.
لا يضيرنا ان نكشف سرا عندما نقول ان قياديا كبيرا في حركة الجهاد الاسلامي كشف لنا ان دولا عربية كبرى طالبت حركته بعدم اطلاق صواريخ الى تل ابيب، واقتصارها فقط على عسقلان واسدود وسيدروت وغيرها من المستوطنات الاسرائيلية، لتجنب احراج نتنياهو وحكومته، وتسهيل جهود التفاوض للتوصل الى اتفاق وقف اطلاق النار بالتالي.
أمر معيب ان يضغط حكام عرب على المقاومة وليس على اسرائيل وامريكا، وأمر معيب اكثر ان لا نسمع كلمة واحدة من هؤلاء الذين اجتمعوا في القاهرة، وبعضهم انفق عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات لشراء صفقات اسلحة امريكية متطورة لمحاربة ايران، لم نسمع كلمة واحدة منهم عن تسليح حركات المقاومة الفلسطينية لان الهدف سيكون الاسرائيليين.
الرئيس المصري محمد مرسي، اول رئيس منتخب في تاريخ مصر، القديم منه والحديث، يجب ان يوجه انذارا شديد اللهجة لاسرائيل، وفي اسرع وقت ممكن، بعزمه على الغاء اتفاقات كامب ديفيد اذا لم يتوقف القصف لقطاع غزة، او اذا تطور الى غزو بري واحتلال بالتالي، او في الحالين معا.
الشيء نفسه نوجهه الى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، ونستغرب ان حكومته لم تطرد السفير الاسرائيلي وتغلق سفارته حتى الآن، ويكفي تذكيره والرئيس مرسي في الوقت نفسه، بأن والده الراحل الملك حسين هدد اسرائيل بإلغاء معاهدة وادي عربة اذا لم تحضر الترياق الذي يبطل مفعول السمّ الذي حُقن به السيد خالد مشعل اثناء محاولة خلية من الموساد اغتياله في قلب العاصمة الاردنية، وبأوامر مباشرة من نتنياهو الذي كان رئيسا للوزراء في حينها.
' ' '
استشهاد سبعين فلسطينيا، واصابة سبعمئة آخرين في العدوان الاسرائيلي حتى الآن، اكثر خطورة من اغتيال السيد مشعل، مع احترامنا له ولمكانته وتاريخه، ودماء هؤلاء الزكية الطاهرة تستحق الغاء معاهدات العار هذه التي فرضت من موقع القوة والغطرسة والإذلال على البلدين، ولا ننسى ايضا اتفاقات اوسلو، ولكننا لا نثق بأن رئيس السلطة محمود عباس سيلغيها، ولهذا لم نطالبه بفعل ذلك، ليأسنا منه، ومعرفتنا بقدراته ونواياه.
الرئيس اوباما الذي يؤكد على حق اسرائيل في الدفاع عن النفس يستحق ردا على هذه الاهانة للعرب والمسلمين من الزعماء الذين يطلب توسطهم لضبط النفس ووقف اطلاق الصواريخ، فأي دفاع عن النفس هذا الذي يتحدث عنه وهو يعلم جيدا ان الشعب الفلسطيني الاعزل، الذي يتعرض للقتل والشهادة بصواريخ طائراته الامريكية الصنع، هو الذي يجب ان يتمتع بهذا الحق وليس اصدقاءه الاسرائيليين الذين يحاصرونه ويجوّعونه حتى الموت.
وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني الذي يمثل الدولة الاستعمارية التي قدمت فلسطين على طبق من ذهب لليهود، استخدم التعبير نفسه، اي حق اسرائيل في الدفاع عن النفس، ولكنه عندما ادرك مخاطر المجازر الاسرائيلية على الغرب ومصالحه، بل واستقرار العالم بأسره، بدأ يتراجع ويحذر من خطورة اي غزو بري لمخاطره على اسرائيل نفسها.
مرة اخرى نقول انها صواريخ الإيمان، المعمّدة بالكرامة والعزّة والشهادة، التي غيّرت وتغيّر معادلات القوة، وتنهي مسلسل الإذلال والهوان الذي الحقته اسرائيل وامريكا بالعرب والمسلمين طوال العقود الستة الماضية.
نعم.. نحن امام فجر جديد، بفضل الصمود الاسطوري للمرابطين على ارض فلسطين، وعلى كل المتخاذلين ان يتحسسوا رؤوسهم وبسرعة وقبل فوات الأوان.