يا جعبري قل لي بالله كيف طعم الجنة؟ بقلم/ د. ديمة طهبوب
___________________________________________
___________________________________________
يحق لخليل الرحمن أن تفخر بابنها، ويحق لغزة أن تفخر بقائدها وشهيدها، الى الخليل تنتسب البطولة، وفي مدرسة غزة تكتمل الشهادة، في الخليل نبي كان بأمة، وفي غزة بنوه وأتباعه بشر أصفياء ومجتبون ما زالوا يقيمون في الأمة شهادة أبيهم إبراهيم ورسولهم محمد صلى الله عليه وسلم بالجهاد في سبيل الله حق الجهاد.
وما هو الجهاد الحق الذي وصفه الله في قوله: (وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس) أهو جهاد ذلك الصحابي الذي اختار موتته فقال لسيدنا محمد: «اتبعتك على أن أرمى إلى ههنا -وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت فأدخل الجنة»، فقال: «إن تصدق الله يصدقك»، فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟ قالوا: نعم، قال: «صدق الله فصدقه»، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا وأنا شهيد على ذلك.
أهو جهاد الياسين شهيد الفجر المقعد الذي حرك أمة، فأراد أن يكون كرسيه المتحرك سبيله الى الجنة كعمرو بن الجموح الذي أصر على أن يطأ بعرجته الجنة؟
أهو جهاد الاستاذ الفذ والقائد الجهبذ أسد فلسطين الرنتيسي، الذي اختار الأباتشي لتكون سببا في شهادته، فأمضى له الله خياره كما أراد؟
أهو جهاد أحمد الجعبري الذي حج وكأننا به يلبي: «لبيك اللهم بحجة وشهادة»، فما انقضت أيام الا وقد قبل الله دعاءه وحقق أمنيته؟
يا جعبري قل لي بالله كيف يدخل الجنة من خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ثم جمع الى ذلك شهادة؟ وكيف لاقيت الله: أحاجاً أم مجاهداً أم شهيداً؟
يا جعبري قل لي بالله كيف استقبلوك مقاتلا أم ملبيا أم مضرجا بلون الدم ورائحة المسك؟
يا جعبري قل لي بالله أكلمت الله كفاحا كما يكلمه الشهداء، أم روحك ترفرف في حواصل طير خضر، أم أنت ساجد بقرب عرش الرحمن تسمع شهادة ملائكية «أيتها الروح الطيبة اخرجي الى روح وريحان ورب غير غضبان»؟ أأخذت بيمينك شهادة الحج المبرور الذي ليس له جزاء الا الجنة؟
يا جعبري قل بالله كيف هي بلاد الأفراح، ولماذا نرى الشهداء يبتسمون عند أول ولوجهم عالمها وبمجرد خروجهم من دنيانا؟ أعاينت وعاينوا في الجنة ما بشركم به الحبيب: «هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ رَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَنَورٌ يَتَلأْلأُ، وَنَهَرٌ يَطَّرِدُ، وَزَوْجَةٌ لا تَمُوتُ، فِي حَبُورٍ وَنَعِيمٍ، وَمَقَامٍ أَبَدًا».
يا جعبري سيبكيك الأسرى الأحرار الذين حافظت على مهر حريتهم بروحك سنوات حتى رؤوا النور، فلما أنجزت المهمة وأديت الأمانة اخترت كنبيك صلى الله عليه وسلم الرفيق الأعلى، يا ابن بلدي ظنوا أنهم اغتالوك، وحققوا نصرا، وما علموا أن الله اختارك لتموت ميتة عظيمة، وتخلد بلسان صدق في الآخرين الى يوم الدين.
يا جعبري عائلتك شهداء، وذاك هو النسب والنسبة يوم لا تغني الأنساب عن بعضها الا من أتى الله بقلب سليم، استشهد اسماعيلك محمد ابنك البكر صابرا يقول لك يا ابت افعل ما تؤمر في رفع قواعد الدين، ثم قضى الله أن تلحق به، فقد كان حب ابراهيم لإسماعيل عظيما، وكان لهما دائما اجتماع بعد فرقة، هذه تركة وورثة الخليل إبراهيم عليه السلام في كل من ينتسبون لأرض، احتضنت حياتة وجسده الطاهر، ثم انتقلت لترثها أرض العزة غزة لتكون المحطة التي تعيد الوديعة الى خالقها بأفضل ما يحب من صور الشهادة.
يا جعبري نتقرب الى الله بحبك، لعلنا ان لم تجمعنا الأنساب والبلدان والأزمان نفوز بأقلها أن نحشر مع من أحببنا.
يا جعبري دمت حميدا محمودا أحمدا في أصلك وفرعك وحياتك ومماتك، عسى الله أن يقيض لدينه وأمته خلفاً يمشي على آثار أمة الخليل إبراهيم والمصطفى محمد صلى الله عليهم وسلم، وصدق الشاعر إسلام أبو عون إذ قال:
قُل لغزّة أبشري واستبشري.. إنْ مضى للموتِ شهمٌ فغداً.. يولدُ تحت القصفِ ألفا جعبري