مرافعة عن المرافعة
كتبهاالأستاذ هرادة عبد الكريم maitre herrada a.elkarim ، في 9 ديسمبر 2007 الساعة: 14:09 م
هذه المقالة نشرت لي في نشرة المحامي الصادرة عن المنظمةالجهوية للمحامين بسطيف في شهر سبتمبر 2006 المقــــال:
المرافعة هي عمل المحامي بل علمه الذي يكتسبه ويطوره، فهو إذ يرمي منها إلى تحقيق العدالة فإنه يضيف بمضامينها إلى الفكر القانوني والإنساني -من حيث يدري أولايدري- فتجده يضمنها فكره ويعبر بها عن آرائه وعواطفه ويسجل من منبرها مواقفه من النصوص التشريعية والآراء الفقهية والحياة الاجتماعية، مضيفا إلى العلوم الإنسانية - وحتى الطبيعية - بالنقد البناء والتنوير الموضوعي.
وكيف لا وهو الدارس للقانون ( ودراسة القانون تعلم المرأ طريقة خاصة في التفكير وتزود صاحبها بما يشبه "الترموستات" أو منظم درجات الحرارة . يقرأ الإنسان في الآداب ويحلق وراء الفنون،ويجوب آفاق الفلسفة . وهذه الأشياء ربما كانت جوهر الفكر ،ولكن من درس القانون - فيما يخيل لي - يجوب هذا كله وقد ربطه التفكير القانوني إلى ارض واقعية معينة ،فهوينظم تفكيره ويضع في صدره ميزانا دائما يزن به كل ما يعرض له من أفكار ،ويخلصه منتيارات (الفن للفن) و( الفكر للفكر) في حين يربطه بأن الفن للحياة والفكرللحياة،والسياسة للحياة،وكل شيء بدؤه ومنتهاه الحياة والناس. وأن الرؤية المتأثرة بالقانون هي الفرق بين أحلام اليقضة وأحلام التطبيق وبين تمويهات الخيال ورؤى الحقيقة)-1-.
وهذا الرأي المحايد في دارس القانون بصفة عامة الصادر من مفكر درس القانون على يد السنهوري ثم نبذه واحترف الصحافة ،اذ اسوقه في مقدمه هذا المقال فإنه لكي لا يقول قائل: هذه مرافعة عن المرافعة تصدر عن محام يمتهنها ،فهو اما يمجد نفسه او يتملق غيره ، ولا يمدح العروس مثلما يلفظه فمها او ما يصدر فيها من مناقب على لسان امها كما يقول مثلنا الشعبي، غير ان هذا ليس بالرأي المحايد الوحيد الذي يمكن الإستئناس به ، فالمديح الذي ورد في الآداب العالمية منذ كاتون القديم إلى لابرويار، إلى هرنيون دي بانسيه ،إلى داغيسو وسواهم- 2 - خير دليل على حياد طرحنا .
فالمرافعات التي طالما هزت عبر العصور اعواد منابر القضاء فساهمت في تحقيق العدالة بتجريم مجرمين يقضين وارسلتهم خلف القضبان حيث ينتمون ، وبرأت ساحات متهمين أحاطت بهم ادلة زائفة فكادت حبال المشانق ان تطبق على أعناقهم ، وانصفت بالحجة والبرهان حقوقا مهدورة هي نفسها المرافعات التي اسقطت انظمة سياسية واقامت أخرى،هي نفسها المرافعات التي نظرت لقيم اجتماعية وثقافية ومن ثم قانونية لمجتمعنا المعاصر،الذي بات الآن يقدس حقوق الإنسان التي دفع من أجلها كثير من العظماء ارواحهم قربانا في محراب العدالة.
فلولا الشموع التي أنارها مترافعون - عرفناهم ام جهلناهم - في ظلمات دهاليز المعابد والكنائس حين كان الإعتراف يؤخذ قسرا ، والحق يسترد غصبا ،لما تطورت مفاهيم حقوق الإنسان ،وما تطورت نظريا نظم الإثبات كما هي اليوم، ولكانت الحقوق المدنية والسياسية وغيرها ماتزال الى اليوم ترزح تحت سلطة الطبقات الأرثودوكسية ،وسلطات محاكم التفتيش ،ومغاوير الجند والعسس.
غير انه والحق يقال فإن للمرافعة محاسن ومساوئ ،ومحاسنها نابعة منها في حد ذاتها،ومن المحامين الذين أحسنوا ممارستها . واما سيئاتها فإنه بالجزم لا تكون ناتجة إلا ممن يسيء إليها والى من يمارسونها ،والأسف كل الأسف أن المسيئين لها كثر ،منهم محامون قاصرون عنها وفاشلون في إغراء القضاة والمحلفين بزينتها ،وقضاة يرمون بها وبمن يمارسها ولا يستطيعون الإلتفات الى فتنتها وجمالها.
فإذا اردنا ان نصيب كبد المقال وجب تبيان عيوب المترافع ثم عيوب القاضي متلقي المرافعة.
أولا عيوب في المترافع:
ثمة هنالك حكمة قديمة في البرلمان الانجليزي تقول (ان كل شيء يعتمد على الأسلوب الذي يتحدث به الإنسان وليس على الموضوع في حد ذاته) ولذلك قال احدهم هنالك ثلاثة اشياء مهمة في الخطاب من يلقيه؟ وكيف يلقيه؟ وما الذي يقوله؟ والشيء الأقل اهمية بين هذه الصفات الثلاث هي الأخيرة-3-.
لست اريد الدخول في تفصيلات ما يجب أن يكون عليه المترافع وما عليه ان يوفره من مزايا عديدة ولكني اريد أن انقد نقدا بناء الممارسات التي اساءت ومازالت تسيء إلى المرافعة فاقول:
أنه إذا كان الثوب لا يصنع الراهب فإنه ليس كل من يرتدي لباس المحامي هو مترافع بالضرورة .فالمرافعة بريئة من كثير من المحامين الذين يجعلون من مرافعاته ( المملة او المشوشة ،او المنطوية على تهجم لامسوغ له ،او الخروج عن الموضوع لا فائدة منه،تسبب التبرم والإنزعاج وإن يكن القاضي واسع الصدر)-4- ، والمرافعة بريئة (من كثيرين ممن يحسبون انفسهم خطباء قضائيين موهوبين وليسوا في الحقيقة سوى ثرثارين لا يكادون يسكتون، قوم يحبون السلاطة والهذر،والتكلف والمباهاة والإسهاب والإكثار،والمنافسة في الغلو والتشادق )-5-، المرافعة بريئة من كثيرين يرافعون للجمهور مهاجمين قضاة النيابة وقضاة الحكم ،واطراف الدعوى،ولا يسلم من تجريحهم حتى زملائهم المحامين ،لاهم لهم سوى لفت انظار القاعة المليئة بالجهال والأميين ،وحتى السذج من المتعلمين الذين يعتقدون ان تلك هي المرافعة الحقيقية وان صاحبها قدير ومحام فلطح كبير، مما يجعل من القاضي يخرج عن صبره ولايضبط اعصابه (فتنطلق منه كلمة استهجان ،او اشارة استهزاء ،او نظرة استعطاف،او تعليق أثقلته مرارة .كأن يقول في نفيه ( وهل انا غريمك) او يقول انت لا تشتهي ان تسكت وانا لا اشتهي أن اسمع)-6-.
المرافعة بريئة من المترافعين اللذين يلوكون الكلام يكررنونه يطيلون في مرافعتهم من دون طائل وهي يمكن ان تختزل في كلمات،فليس عجبا ان تختزل قضية كبيرة كخلق الكون بين الكاف والنون ،كذلك قضيتهم . وقد تنطبق عليهم قصة السماك الذي قال لجاريته
كيف وجدت كلامي؟) قالت ما احسنه لولا انك تكثرترداده) قال: ( اردده حتى يفهمه من لم يفهمه) قالت الى ان يفهمه من لم يفهمه قدم له من فهمه)-7-
ثانيا عيوب في المتلقي :
كما وجدنا العيب في المترافع وجدنا عيوبا في المتلقي، فإنه وان كان قلما نجد قضاة يحبون المرافعات ويرحبون بها ،فإننا وجدنا كثير منهم يرفضونها علنا وخفية،وتعود العلة لعدة اسباب يمكن اختزالها في ما شرحناه سابقا من عيوب المترافعين الكثيرين الذين يعطون صورة نمطية عن المرافعة ،ومن عيوب تلحق المرافعة من ظروف القاضي واخرى من شخصيته هو نفسه.
فللقاضي الذي يحكم على المرافعة من ناحية عدم كفاءة الكثيرين ممن يسمعونه لغو الحديث او يصبون في رأسه الكلمات المتقاطعة نقول كما انه لا يحق لك ان تصدر حكما مسبقا في الدعوى وإلا تكون قد خالفت القانون وظلمت المتقاضي ،فانه ليس من حقك ايضا ان تصدر حكما مسبقا في محامين لم تتح لهم الفرصة لكي ينيروا لكم درب العدالة بالكلمة الموضوعية الصادقة ،وبالمهنية والإحترافية المطلوبة. وللقاضي الذي يرفض المرافعة لكثرة مشاغله وتراكم ملفاته نقول: ( نحن نعرف ان مشاغلكم كثيرة ودعاويكم متراكمة ،ولكن ايحق ان تعطوا امرءا من حق امرىء آخر أومن وقته؟ وهل ترضون أن تكرسوا انصاف الحقوق)-7-، وللقاضي الذي يرفض المرافعة بناء على مبدأشخصي ،او ضيق في الصدر ،اوغيرها نقول ما قاله داغيسو
طوبى للقاضي الذي وهبته السماء عطية نادرة مكنته من انتباه ضروري جدا )-8- ، وللقاضي الذي يرفض المرافعة لهوى شخصي نقول ان المرافعة ليست مسرحية ،او حصة تلفزيونية ،يمكنك أن تمزق التذكرة وتخرج ،او تضغط على زر الريموت كنترول لتغيير القناة ان لم تعجبك ، ولكن مفروض عليك ان تسمع حتى ولو لم تهوى ان تستمع ،فربما وجدت في كلمة قد تلفظ حتى عرضا مايقودك الى تحقيق العدل ورضا الضمير.
وفي الختام نقول ان المسؤولية المنوطة بالمحامين وقضاة النيابة على اعتبار ان المرافعة من نوافلهما هي حماية المرافعة مما يتهددها من أخطار ،وما يلحقها من أذى على يد اهلها قبل غيرهم ، ونحن نراها تنحسريوما بعد يوم كجزر بلا مد ،في النصوص التشريعية التي تكمم المحامي امام الجهات المدنية وحتى امام جهات التحقيق والنيابة ،لا يتكلمون إلا من أذن له وقال صوابا . وفي الواقع العملي من تثبيط المترافعين الجيدين والثناء على المرافعات المكتوبة -من القضاة والمحامين انفسمهم- خاصة اذا تعلق الأمر بمعارضة اوستئناف في الدعاوى المدنية …وغيرها.
في زمن مضى قرأت في لوح اعلانات منظمة محامي باتنة عن مسابقة لأحسن مرافعة بالتنسيق مع مجلسها القضائي يترشح لها من زعم لنفسه الكفاءة ،ثمنت بيني وبيني الفكرة ،وتمنيت ان تعم كل المنظمات والمجالس القضائية ،وان تدوم هذه الفكرة العبقرية ،وحلمت بأن يأتي يوم تنشىء فيه نوادي للمرافعة تؤرخ لها ولروادها في الجزائر ، وتؤسس للون ابداعي جديد ،وتنشر تلك المرافعات في المجلات والنشريات والمواقع الاليكترونية المهتمة بالدراسات القانونية والعلوم الإنسانية ذلك أن (الكلمة المكتوبة أصبحت اوسع من اعظم كلمة تقال في قاعات المحاكم) -9 كماان حظ الكلمة المسجلة او الموثقة الخلود وحظ الكلمة الشفهية ربما الموت بين شفتي قائلها قبل ان تصل اسماع قاض شرود.
المراجع:
1-9 شرعية السلطة في العالم العربي-أحمد بهاء الدين - دار الشروق
3- فن الخطابة -اكتساب الثقة- ديل كارنجي -دار السلام
2-4-5-6-7-8 الخطابة القضائية … الدكتور دياب يونس -دار العلم للملايين
الأستاذ هرادة عبد الكريم محام بمنظمة المحامين سطيف - الجزائر-
كاريكاتير -عماد حجاج -الأردن
كتبهاالأستاذ هرادة عبد الكريم maitre herrada a.elkarim ، في 9 ديسمبر 2007 الساعة: 14:09 م
المرافعة هي عمل المحامي بل علمه الذي يكتسبه ويطوره، فهو إذ يرمي منها إلى تحقيق العدالة فإنه يضيف بمضامينها إلى الفكر القانوني والإنساني -من حيث يدري أولايدري- فتجده يضمنها فكره ويعبر بها عن آرائه وعواطفه ويسجل من منبرها مواقفه من النصوص التشريعية والآراء الفقهية والحياة الاجتماعية، مضيفا إلى العلوم الإنسانية - وحتى الطبيعية - بالنقد البناء والتنوير الموضوعي.
وكيف لا وهو الدارس للقانون ( ودراسة القانون تعلم المرأ طريقة خاصة في التفكير وتزود صاحبها بما يشبه "الترموستات" أو منظم درجات الحرارة . يقرأ الإنسان في الآداب ويحلق وراء الفنون،ويجوب آفاق الفلسفة . وهذه الأشياء ربما كانت جوهر الفكر ،ولكن من درس القانون - فيما يخيل لي - يجوب هذا كله وقد ربطه التفكير القانوني إلى ارض واقعية معينة ،فهوينظم تفكيره ويضع في صدره ميزانا دائما يزن به كل ما يعرض له من أفكار ،ويخلصه منتيارات (الفن للفن) و( الفكر للفكر) في حين يربطه بأن الفن للحياة والفكرللحياة،والسياسة للحياة،وكل شيء بدؤه ومنتهاه الحياة والناس. وأن الرؤية المتأثرة بالقانون هي الفرق بين أحلام اليقضة وأحلام التطبيق وبين تمويهات الخيال ورؤى الحقيقة)-1-.
وهذا الرأي المحايد في دارس القانون بصفة عامة الصادر من مفكر درس القانون على يد السنهوري ثم نبذه واحترف الصحافة ،اذ اسوقه في مقدمه هذا المقال فإنه لكي لا يقول قائل: هذه مرافعة عن المرافعة تصدر عن محام يمتهنها ،فهو اما يمجد نفسه او يتملق غيره ، ولا يمدح العروس مثلما يلفظه فمها او ما يصدر فيها من مناقب على لسان امها كما يقول مثلنا الشعبي، غير ان هذا ليس بالرأي المحايد الوحيد الذي يمكن الإستئناس به ، فالمديح الذي ورد في الآداب العالمية منذ كاتون القديم إلى لابرويار، إلى هرنيون دي بانسيه ،إلى داغيسو وسواهم- 2 - خير دليل على حياد طرحنا .
فالمرافعات التي طالما هزت عبر العصور اعواد منابر القضاء فساهمت في تحقيق العدالة بتجريم مجرمين يقضين وارسلتهم خلف القضبان حيث ينتمون ، وبرأت ساحات متهمين أحاطت بهم ادلة زائفة فكادت حبال المشانق ان تطبق على أعناقهم ، وانصفت بالحجة والبرهان حقوقا مهدورة هي نفسها المرافعات التي اسقطت انظمة سياسية واقامت أخرى،هي نفسها المرافعات التي نظرت لقيم اجتماعية وثقافية ومن ثم قانونية لمجتمعنا المعاصر،الذي بات الآن يقدس حقوق الإنسان التي دفع من أجلها كثير من العظماء ارواحهم قربانا في محراب العدالة.
فلولا الشموع التي أنارها مترافعون - عرفناهم ام جهلناهم - في ظلمات دهاليز المعابد والكنائس حين كان الإعتراف يؤخذ قسرا ، والحق يسترد غصبا ،لما تطورت مفاهيم حقوق الإنسان ،وما تطورت نظريا نظم الإثبات كما هي اليوم، ولكانت الحقوق المدنية والسياسية وغيرها ماتزال الى اليوم ترزح تحت سلطة الطبقات الأرثودوكسية ،وسلطات محاكم التفتيش ،ومغاوير الجند والعسس.
غير انه والحق يقال فإن للمرافعة محاسن ومساوئ ،ومحاسنها نابعة منها في حد ذاتها،ومن المحامين الذين أحسنوا ممارستها . واما سيئاتها فإنه بالجزم لا تكون ناتجة إلا ممن يسيء إليها والى من يمارسونها ،والأسف كل الأسف أن المسيئين لها كثر ،منهم محامون قاصرون عنها وفاشلون في إغراء القضاة والمحلفين بزينتها ،وقضاة يرمون بها وبمن يمارسها ولا يستطيعون الإلتفات الى فتنتها وجمالها.
فإذا اردنا ان نصيب كبد المقال وجب تبيان عيوب المترافع ثم عيوب القاضي متلقي المرافعة.
أولا عيوب في المترافع:
ثمة هنالك حكمة قديمة في البرلمان الانجليزي تقول (ان كل شيء يعتمد على الأسلوب الذي يتحدث به الإنسان وليس على الموضوع في حد ذاته) ولذلك قال احدهم هنالك ثلاثة اشياء مهمة في الخطاب من يلقيه؟ وكيف يلقيه؟ وما الذي يقوله؟ والشيء الأقل اهمية بين هذه الصفات الثلاث هي الأخيرة-3-.
لست اريد الدخول في تفصيلات ما يجب أن يكون عليه المترافع وما عليه ان يوفره من مزايا عديدة ولكني اريد أن انقد نقدا بناء الممارسات التي اساءت ومازالت تسيء إلى المرافعة فاقول:
أنه إذا كان الثوب لا يصنع الراهب فإنه ليس كل من يرتدي لباس المحامي هو مترافع بالضرورة .فالمرافعة بريئة من كثير من المحامين الذين يجعلون من مرافعاته ( المملة او المشوشة ،او المنطوية على تهجم لامسوغ له ،او الخروج عن الموضوع لا فائدة منه،تسبب التبرم والإنزعاج وإن يكن القاضي واسع الصدر)-4- ، والمرافعة بريئة (من كثيرين ممن يحسبون انفسهم خطباء قضائيين موهوبين وليسوا في الحقيقة سوى ثرثارين لا يكادون يسكتون، قوم يحبون السلاطة والهذر،والتكلف والمباهاة والإسهاب والإكثار،والمنافسة في الغلو والتشادق )-5-، المرافعة بريئة من كثيرين يرافعون للجمهور مهاجمين قضاة النيابة وقضاة الحكم ،واطراف الدعوى،ولا يسلم من تجريحهم حتى زملائهم المحامين ،لاهم لهم سوى لفت انظار القاعة المليئة بالجهال والأميين ،وحتى السذج من المتعلمين الذين يعتقدون ان تلك هي المرافعة الحقيقية وان صاحبها قدير ومحام فلطح كبير، مما يجعل من القاضي يخرج عن صبره ولايضبط اعصابه (فتنطلق منه كلمة استهجان ،او اشارة استهزاء ،او نظرة استعطاف،او تعليق أثقلته مرارة .كأن يقول في نفيه ( وهل انا غريمك) او يقول انت لا تشتهي ان تسكت وانا لا اشتهي أن اسمع)-6-.
المرافعة بريئة من المترافعين اللذين يلوكون الكلام يكررنونه يطيلون في مرافعتهم من دون طائل وهي يمكن ان تختزل في كلمات،فليس عجبا ان تختزل قضية كبيرة كخلق الكون بين الكاف والنون ،كذلك قضيتهم . وقد تنطبق عليهم قصة السماك الذي قال لجاريته
ثانيا عيوب في المتلقي :
كما وجدنا العيب في المترافع وجدنا عيوبا في المتلقي، فإنه وان كان قلما نجد قضاة يحبون المرافعات ويرحبون بها ،فإننا وجدنا كثير منهم يرفضونها علنا وخفية،وتعود العلة لعدة اسباب يمكن اختزالها في ما شرحناه سابقا من عيوب المترافعين الكثيرين الذين يعطون صورة نمطية عن المرافعة ،ومن عيوب تلحق المرافعة من ظروف القاضي واخرى من شخصيته هو نفسه.
فللقاضي الذي يحكم على المرافعة من ناحية عدم كفاءة الكثيرين ممن يسمعونه لغو الحديث او يصبون في رأسه الكلمات المتقاطعة نقول كما انه لا يحق لك ان تصدر حكما مسبقا في الدعوى وإلا تكون قد خالفت القانون وظلمت المتقاضي ،فانه ليس من حقك ايضا ان تصدر حكما مسبقا في محامين لم تتح لهم الفرصة لكي ينيروا لكم درب العدالة بالكلمة الموضوعية الصادقة ،وبالمهنية والإحترافية المطلوبة. وللقاضي الذي يرفض المرافعة لكثرة مشاغله وتراكم ملفاته نقول: ( نحن نعرف ان مشاغلكم كثيرة ودعاويكم متراكمة ،ولكن ايحق ان تعطوا امرءا من حق امرىء آخر أومن وقته؟ وهل ترضون أن تكرسوا انصاف الحقوق)-7-، وللقاضي الذي يرفض المرافعة بناء على مبدأشخصي ،او ضيق في الصدر ،اوغيرها نقول ما قاله داغيسو
وفي الختام نقول ان المسؤولية المنوطة بالمحامين وقضاة النيابة على اعتبار ان المرافعة من نوافلهما هي حماية المرافعة مما يتهددها من أخطار ،وما يلحقها من أذى على يد اهلها قبل غيرهم ، ونحن نراها تنحسريوما بعد يوم كجزر بلا مد ،في النصوص التشريعية التي تكمم المحامي امام الجهات المدنية وحتى امام جهات التحقيق والنيابة ،لا يتكلمون إلا من أذن له وقال صوابا . وفي الواقع العملي من تثبيط المترافعين الجيدين والثناء على المرافعات المكتوبة -من القضاة والمحامين انفسمهم- خاصة اذا تعلق الأمر بمعارضة اوستئناف في الدعاوى المدنية …وغيرها.
في زمن مضى قرأت في لوح اعلانات منظمة محامي باتنة عن مسابقة لأحسن مرافعة بالتنسيق مع مجلسها القضائي يترشح لها من زعم لنفسه الكفاءة ،ثمنت بيني وبيني الفكرة ،وتمنيت ان تعم كل المنظمات والمجالس القضائية ،وان تدوم هذه الفكرة العبقرية ،وحلمت بأن يأتي يوم تنشىء فيه نوادي للمرافعة تؤرخ لها ولروادها في الجزائر ، وتؤسس للون ابداعي جديد ،وتنشر تلك المرافعات في المجلات والنشريات والمواقع الاليكترونية المهتمة بالدراسات القانونية والعلوم الإنسانية ذلك أن (الكلمة المكتوبة أصبحت اوسع من اعظم كلمة تقال في قاعات المحاكم) -9 كماان حظ الكلمة المسجلة او الموثقة الخلود وحظ الكلمة الشفهية ربما الموت بين شفتي قائلها قبل ان تصل اسماع قاض شرود.
المراجع:
1-9 شرعية السلطة في العالم العربي-أحمد بهاء الدين - دار الشروق
3- فن الخطابة -اكتساب الثقة- ديل كارنجي -دار السلام
2-4-5-6-7-8 الخطابة القضائية … الدكتور دياب يونس -دار العلم للملايين
الأستاذ هرادة عبد الكريم محام بمنظمة المحامين سطيف - الجزائر-
كاريكاتير -عماد حجاج -الأردن
آخر تعديل: