بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى رقم: 167
في حكم التجارة بالملابس المحرمة والأكل من مالها
السؤال: أبتدئ بكمال الشكر والحمد لله أن منّ الله علينا في هذا البلد بأعظم نعمة بعد ما أصبح العلم غريبا، وهو شيخنا(أبو عبد المعز) ننهل من علمه الغزير، ونأخذ من خلقه الكريم، ونعمل بنصائحه الغالية، ونسير على وفق ما سار عليه شيخنا والصالحون من قبله من الاقتداء بقدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم تسليما مزيدا.
ثمّ أستأنف هذا، بطرح مسألة قد بدأت نيران الفتنة العائلية تتأجج منها-نسأل الله السلامة والعفو والعافية- تتمثل في أنّه لي قريب في العائلة مصدر ماله وعيشه وقوته مع أولاده وأسرته هو بيع لباس التبرج للنّساء الذي يدعو إلى الرذيلة والوقوع في الفاحشة عياذا بالله، فغالب ما يستورده من بلاد الكفر هو ما ترون النّساء الآن في الشارع يلبسنه من الضيّق والمكشوف والله المستعان. أضف إلى ذلك أنّه يعطي رشوة للجمارك مقابل تمكنّه من إمرار كمّية كبيرة من هذا اللباس وقد عادت إليه التجارة-الخاسرة مع الله- بالربح الكبير والأموال العظيمة.
فما هو حكم هذه الأموال التي مصدرها بهذه التجارة ؟
وما حكم إجابة دعوته للطعام والشراب في بيته ؟
تكملة: إضافة إلى هذا كلّه فهو يقوم باستيراد الذهب من بلاد الكفر ويبيعه للناس بالتقسيط
فنرجو منكم الإجابة عن هذا كله جزاكم الله خير الجزاء، وبارك الله فيكم وفي علمكم وأمدّ في عمركم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فمن المعلوم أنّ الاتجار في المحرّمات محرّم شرعا، "وكلّ ما حرّم لذاته حرّم على المسلم المتاجرة به وبيعه"، وقد "نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن"(1) والحديث دلّ على تحريم ما تأخذه الزانية مقابل زناها وهو مال حرام يحرم أخذه لحرمة وسيلة كسبه، ويلحق به المال المتحصل عليه من الغناء والرقص والمجون، والمتاجرة بالأعراض والأجساد، ويلحق بذلك التجارة في السلع التي تدعو إلى الفاحشة وإثارة الشهوات وهي تنافي الشرع والأخلاق، فإنّ طريق الكسب محرّم والتعاون فيه إثم وخطيئة لقوله تعالى: ?وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِّرِّ وَالتَقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتََّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ? [المائدة:2] ولقوله تعالى:?إِنَّ الذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ?[النور:19]، والمال المأخوذ من هذه الأعمال محرّم لشبهه بما يُؤخذ من مهر البغي الذي يدخل في حكم النهي الذي تضمنه الحديث، قال ابن تيمية-رحمه الله-:" والمال المأخوذ على هذا [أي تعطيل الحد بمال يؤخذ] يشبه ما يؤخذ من مهر البغي وحلوان الكاهن وثمن الكلب، وأجرة المتوسط في الحرام: الذي يسمى القواد...ليجمع بين اثنين على الفاحشة، وكان حاله شبيها بحال عجوز السوء امرأة لوط، التي كانت تدل الفجار على ضيفه، التي قال الله فيها:?فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغَابِرِينَ?[الأعراف:83]، وقال تعالى:?فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدُ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ?[هود:81]. فعذّب الله عجوز السوء القوادة بمثل ما عذّب قوم السوء الذين كانوا يعملون الخبائث، وهذا لأنّ هذا جميعه أخذ مال للإعانة على الإثم والعدوان"(2)
هذا، وقد اتفق العلماء على تحريم كسب المال بطريق محظور شرعا ويكون محرّما على المسلم تملّكه، ولا تجوز معاملته فيما عنده من مال محصل عليه بهذا الطريق، ويحرم إجابة دعوته إلى الطعام، وكذلك يحرم قبول هديته، لأنّ العوض المدفوع ثمنا لهذا الطعام ولهذه الهدية مال خبيث جاء عن طريق كسب محرّم.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في:07 شوال 1422هـ
الموافق لـ:11 ديسمبر 2002م
__________
1- أخرجه البخاري في البيوع(2237)، ومسلم في المساقاة(4092)، وأبو داود في الإجارة(3430)، وأحمد(17553)، والدارمي (2623)، من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه. وصححه الألباني في إرواء الغليل(1291).
2- مجموع الفتاوى لابن تيمية28/305-306).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفتوى رقم: 167
في حكم التجارة بالملابس المحرمة والأكل من مالها
السؤال: أبتدئ بكمال الشكر والحمد لله أن منّ الله علينا في هذا البلد بأعظم نعمة بعد ما أصبح العلم غريبا، وهو شيخنا(أبو عبد المعز) ننهل من علمه الغزير، ونأخذ من خلقه الكريم، ونعمل بنصائحه الغالية، ونسير على وفق ما سار عليه شيخنا والصالحون من قبله من الاقتداء بقدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم تسليما مزيدا.
ثمّ أستأنف هذا، بطرح مسألة قد بدأت نيران الفتنة العائلية تتأجج منها-نسأل الله السلامة والعفو والعافية- تتمثل في أنّه لي قريب في العائلة مصدر ماله وعيشه وقوته مع أولاده وأسرته هو بيع لباس التبرج للنّساء الذي يدعو إلى الرذيلة والوقوع في الفاحشة عياذا بالله، فغالب ما يستورده من بلاد الكفر هو ما ترون النّساء الآن في الشارع يلبسنه من الضيّق والمكشوف والله المستعان. أضف إلى ذلك أنّه يعطي رشوة للجمارك مقابل تمكنّه من إمرار كمّية كبيرة من هذا اللباس وقد عادت إليه التجارة-الخاسرة مع الله- بالربح الكبير والأموال العظيمة.
فما هو حكم هذه الأموال التي مصدرها بهذه التجارة ؟
وما حكم إجابة دعوته للطعام والشراب في بيته ؟
تكملة: إضافة إلى هذا كلّه فهو يقوم باستيراد الذهب من بلاد الكفر ويبيعه للناس بالتقسيط
فنرجو منكم الإجابة عن هذا كله جزاكم الله خير الجزاء، وبارك الله فيكم وفي علمكم وأمدّ في عمركم.
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فمن المعلوم أنّ الاتجار في المحرّمات محرّم شرعا، "وكلّ ما حرّم لذاته حرّم على المسلم المتاجرة به وبيعه"، وقد "نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن"(1) والحديث دلّ على تحريم ما تأخذه الزانية مقابل زناها وهو مال حرام يحرم أخذه لحرمة وسيلة كسبه، ويلحق به المال المتحصل عليه من الغناء والرقص والمجون، والمتاجرة بالأعراض والأجساد، ويلحق بذلك التجارة في السلع التي تدعو إلى الفاحشة وإثارة الشهوات وهي تنافي الشرع والأخلاق، فإنّ طريق الكسب محرّم والتعاون فيه إثم وخطيئة لقوله تعالى: ?وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِّرِّ وَالتَقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتََّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ? [المائدة:2] ولقوله تعالى:?إِنَّ الذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ?[النور:19]، والمال المأخوذ من هذه الأعمال محرّم لشبهه بما يُؤخذ من مهر البغي الذي يدخل في حكم النهي الذي تضمنه الحديث، قال ابن تيمية-رحمه الله-:" والمال المأخوذ على هذا [أي تعطيل الحد بمال يؤخذ] يشبه ما يؤخذ من مهر البغي وحلوان الكاهن وثمن الكلب، وأجرة المتوسط في الحرام: الذي يسمى القواد...ليجمع بين اثنين على الفاحشة، وكان حاله شبيها بحال عجوز السوء امرأة لوط، التي كانت تدل الفجار على ضيفه، التي قال الله فيها:?فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الغَابِرِينَ?[الأعراف:83]، وقال تعالى:?فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدُ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ?[هود:81]. فعذّب الله عجوز السوء القوادة بمثل ما عذّب قوم السوء الذين كانوا يعملون الخبائث، وهذا لأنّ هذا جميعه أخذ مال للإعانة على الإثم والعدوان"(2)
هذا، وقد اتفق العلماء على تحريم كسب المال بطريق محظور شرعا ويكون محرّما على المسلم تملّكه، ولا تجوز معاملته فيما عنده من مال محصل عليه بهذا الطريق، ويحرم إجابة دعوته إلى الطعام، وكذلك يحرم قبول هديته، لأنّ العوض المدفوع ثمنا لهذا الطعام ولهذه الهدية مال خبيث جاء عن طريق كسب محرّم.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
الجزائر في:07 شوال 1422هـ
الموافق لـ:11 ديسمبر 2002م
__________
1- أخرجه البخاري في البيوع(2237)، ومسلم في المساقاة(4092)، وأبو داود في الإجارة(3430)، وأحمد(17553)، والدارمي (2623)، من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه. وصححه الألباني في إرواء الغليل(1291).
2- مجموع الفتاوى لابن تيمية28/305-306).