إذا توضأ فترك المضمضة أو الاستنشاق لم يصح وضوؤه

ابو ليث

:: عضو بارز ::
أحباب اللمة
إنضم
8 جانفي 2010
المشاركات
10,466
نقاط التفاعل
10,287
النقاط
356
محل الإقامة
الجزائر
إذا توضأ فترك المضمضة أو الاستنشاق لم يصح وضوؤه
السؤال : قد سألني أحد الزملاء من فترة سؤال وهو هل يصح الأستغناء عن المضمضة والأستنشاق في الوضوء حيث أن الأية القرانية لم تفصل في الأمر وإنما كانت على العموم وهو غسل الوجه ؟ فهل يصح وضوئي ناسيا أو متعمدا أن أكتفي بغسل الوجه فقط دون التمضمض والأستنشاق وهل لي أن أستحممت اليوم ونويت الوضوء غير أني لم أتمضمض أو أستنشق هل يصح ذلك كوضوء ؟ جزاكم الله خيرا

الجواب :
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل ، والصحيح من أقوالهما أنهما واجبتان ، لا يصح الوضوء ولا الغسل إلا بهما ، لأنهما داخلان في غسل الوجه المأمور به في الآية الكريمة .
قال الحجاوي في "الزاد" في "باب فروض الوضوء وصفته" (ص 29) :
" فروضه ستة : غسل الوجه - والفم والأنف منه - وغسل اليدين ومسح الرأس - ومنه الأذنان - وغسل الرجلين ( وأرجلكم إلى الكعبين ) والترتيب والموالاة - وهي أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله – " انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه :
" قوله: « والفم والأنف منه » ، أي : من الوجه ؛ لوجودهما فيه فيدخلان في حده ، وعلى هذا فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوضوء ، لكنهما غير مستقلين ، فهما يشبهان قوله صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ، على الجبهة ، وأشار بيده على أنفه ) ، وإن كانت المشابهة ليست من كل وجه " انتهى .
"الشرح الممتع" (1 /119) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" ثبتت المضمضة والاستنشاق في الوضوء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله ، وهما داخلان في غسل الوجه ، فلا يصح وضوء من تركهما أو ترك واحدا منهما " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /78) .
وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" من غسل وجهه وترك المضمضة والاستنشاق أو أحدهما لم يصح وضوؤه ؛ لأن الفم والأنف من الوجه ، والله تعالى يقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فأمر بغسل الوجه كله ، فمن ترك شيئا منه لم يكن ممتثلاً أمر الله تعالى ، والنبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق " انتهى .
"الملخص الفقهي" (1 /41) .
وكون الآية لم تفصل بذكر المضمضة والاستنشاق لا يعني عدم الوجوب ؛ لأن السنة مبينة للقرآن ، وقد جاءت السنة بالمضمضة والاستنشاق ، ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخلّ بهما أو أحدهما في وضوء ، فكان هذا بيانا للأمر الوارد في القرآن بغسل الوجه في الطهارة .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/83) :
" كُلَّ مَنْ وَصَفَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْصِيًا ذَكَرَ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ , وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا ; لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا لِلْوُضُوءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ " انتهى .

فمن ترك المضمضة أو الاستنشاق في طهارة لم تصح طهارته ، سواء كان عامدا أو ناسيا .
قال المرداوي في "الإنصاف" (1/153) :
" قَوْلُهُ ( وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الطَّهَارَتَيْنِ ) يَعْنِي الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ . وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا . وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ , ... وَهَلْ يَسْقُطَانِ سَهْوًا أَمْ لَا ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ... وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ : حَيْثُ قِيلَ بِالْوُجُوبِ , فَتَرْكُهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا , وَلَوْ سَهْوًا : لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ . قَالَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى : وَلَا يَسْقُطَانِ سَهْوًا عَلَى الْأَشْهَرِ , وَقَدَّمَهُ فِي الصُّغْرَى " انتهى .
وقال علماء اللجنة للإفتاء :
" إذا نسي الإنسان غسل عضو من أعضاء الوضوء أو جزء منه ولو صغيرا : فإن كان في أثناء الوضوء أو بعده مباشرة ولا زالت آثار الماء على أعضائه لم تجف من الماء - فإنه يغسل ما نسيه من أعضائه وما بعده فقط ، أما إن ذكر أنه نسي غسل عضو من أعضاء الوضوء أو جزء منه بعد أن جفت أعضاؤه من الماء ، أو في أثناء الصلاة أو بعد أداء الصلاة - فإنه يستأنف الوضوء من جديد ، كما شرع الله ويعيد الصلاة كاملة لانتفاء الموالاة في هذه الحالة وطول الفصل ، والله سبحانه أوجب غسل جميع أعضاء الوضوء ، فمن ترك جزءا ولو يسيرا من أعضاء الوضوء فكأنما ترك غسله كله ، ويدل لذلك ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا توضأ فترك موضع الظفر على قدمه ، فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة . قال : فرجع فصلى) أخرجه مسلم (243) وابن ماجه (666) " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (4 /92) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الترتيب في الوضوء واجب ، لذلك إذا توضأ ثم بعد أن خرج من المتوضأ رأى أن مرفقه لم يصله الماء ، فيرجع فيغسله ثم يمسح رأسه ويغسل رجليه ، أما إذا وجد أن رجليه لم تصبها الماء ، فيغسل رجليه فقط ؛ لأن الرجلين آخر الأعضاء في الوضوء .
إذا نسي المضمضة والاستنشاق فيفعلهما ثم يغسل يديه إلى المرافق ويمسح رأسه ويغسل رجليه . إذاً : فهو يعيد العضو الذي حدث فيه الخلل وما بعده ، إلا إذا طال الوقت فيعيد الوضوء كاملاً " انتهى من "الشرح المختصر على بلوغ المرام" (2/73) – مفرغ ، وراجع هذا الرابط :
www.islam-universe.com/audio/94.htm
وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (149908) .
والله أعلم .



الإسلام سؤال وجواب
 
اهلا
بارك الله فيك
وجزاك الف الف الف خير

 
قيد عنوان موضوعك ب " عند بعض العلماء"
فليست المسألة إجماعية ...
 
قيد عنوان موضوعك ب " عند بعض العلماء"
فليست المسألة إجماعية ...
أهلا و سهلا بالأخ ما كانش، ما شاء الله أطللت علينا و عدت الينا بعد غياب افتقدناك فيه.
ثم أيها الأخ الفاضل من الذي قال أن المسألة اجماعية، ألا ترى أن الفتوى صُدرت و أبانت في أول ما طرحت أن
حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل مسألة خلافية، هذا أولا.
ثانيا: الذي ينقل الى الناس العلم، لا ينبغي له أن يشتت ذهنهم بعناوين مثل التي تقترحها، خاصتا و أن المسألة خدمت بالدليل، وأن الانسان ينقل الذي يعتقده فعلما يلزمه أن يقرر التقرير الذي أسلفته، و السؤال هنا واضح و الجواب أوضح، فلست بملبس و لا مضلل و لا موهم للقارئ الكريم في الذي أنقله، مما قد يجهل حكمه كثيرا من الخلق، و معظم ما أنقله أستفيد منه أنا ابتداء، ثم أنظر أنه من باب نشر الخير أن أضعه هنا على المنتدى.

ثالثا: ما وضعته عنوان للموضوع لم يكن من اجتهادي، ما كان مني الا أن وضعت عنوان الموضوع موافقا لعنوان الفتوى كما وجدته على موقع الاسلام سؤال و جواب، و دونك رابط الفتوى لتتأكد، و هذا من باب الأمانة العلمية، فالأن السؤال المطروح، من المخطئ يا ترى؟ الذي نقل بأمانة تامة الفتوى وعنوانها؟ أم الذي أجاب عنها ووضع عنوانها كما هو مثبت في الأصل؟ إن كانت الأولى فما كان مني الا النقل، و ان كانت الثانية انبغى لك أن تحاور الفقهاء في الموقع عن طريق مراسلتهم و تخطيئهم على نحو تخطيئتي.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

 

ثم أيها الأخ الفاضل من الذي قال أن المسألة اجماعية، ألا ترى أن الفتوى صُدرت و أبانت في أول ما طرحت أن
حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل مسألة خلافية، هذا أولا.

انا أقصد عنوان الموضوع لا نص الفتوى هذا اولا

ثانيا: الذي ينقل الى الناس العلم، لا ينبغي له أن يشتت ذهنهم بعناوين مثل التي تقترحها،

ولا ينبغي له أن يخفي العلم عنهم هذا من جهة
ومن جهة اخرى يكفي لرفع تشتيت الذهن عنهم -بعد نقل الخلاف أو تقييد الفتوى ببعض أهل العلم- قوله " وهو الراجح " مثلا
أما الكتم والبت والفصل والقطع فإخفاء وتدليس على المسلمين

خاصتا و أن المسألة خدمت بالدليل، وأن الانسان ينقل الذي يعتقده فعلما يلزمه أن يقرر التقرير الذي أسلفته،

والذي يخالف خالف بدليل بل أدلة هذا من جهة
ومن جهة أخرى فيجب عليك ان تبين ان هذا إعتقادك او إعتقاد المفتي الذي أفتى، لا ان تنقله لعوام الناس تدليسا عليهم من عنوانها ان المسالة مبتوت فيها



ثالثا: ما وضعته عنوان للموضوع لم يكن من اجتهادي، ما كان مني الا أن وضعت عنوان الموضوع موافقا لعنوان الفتوى كما وجدته على موقع الاسلام سؤال و جواب، و دونك رابط الفتوى لتتأكد، و هذا من باب الأمانة العلمية، فالأن السؤال المطروح، من المخطئ يا ترى؟ الذي نقل بأمانة تامة الفتوى وعنوانها؟ أم الذي أجاب عنها ووضع عنوانها كما هو مثبت في الأصل؟ إن كانت الأولى فما كان مني الا النقل، و ان كانت الثانية انبغى لك أن تحاور الفقهاء في الموقع عن طريق مراسلتهم و تخطيئهم على نحو تخطيئتي.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.


وهو خطأ منهم وتدليس أيضا
وهو خطا ولو صدر من كائن من كان



وفي الأخير لست أناقش ولا أناقش ولست عائد للموضوع
والسلام


قال الشافعي: "ولَم أعلم المضمضة والاستنشاق على المتوضِّئ، ولَم أعلم اختلافًا في أنَّ المتوضِّئ لو ترَكها عامدًا وناسيًا وصلَّى، لَم يُعِد"
الأم، 1/ 24.



هذا كلام الشافعي والشافعي هو الشافعي

وقال الحافظ ابن حجر عن كلام الشافعي: "وهذا دليل قوي، فإنه لا يُحْفَظ ذلك عن أحدٍ من الصحابة ولا التابعين، إلاَّ عن عطاء، وثبَت عنه أنه رجَع عن إيجاب الإعادة".
فتح الباري، 1/ 315.
وقال ابن جرير الطبري: "...أنْ لا خبرَ عن واحدٍ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوجَب على تارك إيصال الماء في وضوئه إلى أصول شعر لِحيته وعارِضَيه، وتارِك المضمضة والاستنشاق - إعادة صلاته إذا صلَّى بطُهره ذلك، ففي ذلك أوضحُ الدليل على صحة ما قلنا من أن فِعْلَهم ما فعلوا من ذلك - أي فِعْل السلف للمضمضة والاستنشاق - كان إيثارًا منهم لأفضل الفِعْلَين من الترْك والغسل"



جامع البيان، 6/ 79.

 
وجدت هذا البحث و هو مقطتع من أحد المواقع فأحببت جعله هنا لتتمة الفائدة.
حُكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء
:
اختلف الفقهاء في حكم المضمضة والاستنشاق على ثلاثة أقوال هي :
القول الأول : أن المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن أحمد وهو قول الحسن البصري وابن شهاب الزُّهري والحَكم بن عُتَيبة ويحيى بن سعيد وقتادة والأوزاعي والليث بن سعد ومحمد بن جرير الطبري .
القول الثاني : أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وبه قال أحمد في المشهور عنه وعبدالله بن المبارك وابن أبي ليلى وحمَّاد بن أبي سليمان وإسحاق بن راهويه .
القول الثالث : أن الاستنشاق واجب وحْدَه دون المضمضة وهو مذهب الظاهرية ورواية عن أحمد وبه قال أبوعبيد وأبو ثور وابن المنذر .
أدلة القول الأول :
الدليل الأول :
قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ .
ووجْه الدَّلالة من الآية : أنَّ الله تعالى ذكَر أركان الوضوء في هذه الآية ولَم يذكر منها المضمضة والاستنشاق فلو كان واجبًا لذكَره .
الدليل الثاني :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( عَشْرٌ من الفطرة : قصُّ الشارب وإعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسْل البَرَاجِم ونَتْف الإبط وحلْق العانة وانتقاص الماء ) رواه مسلم قال زكرياء : قال مصعب : ونسيتُ العاشرة إلاَّ أن تكون المضمضة
زاد قتيبة قال وكيع : انتقاص الماء يعني الاستنجاء.
ووجْه الاستدلال : أنهم قالوا : إن معنى الفطرة في الحديث هي السُّنة واستدلوا على ذلك بأنه قد رُوي هذا الحديث بلفظ : ( عَشْرٌ من السُّنة ... ) ورُوي أيضاً عن ابن عمر عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال : « من السنة قص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار » رواه البيهقي .
الدليل الثالث :
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : ( المضمضة والاستنشاق سُنَّة ) رواه الدارقطنى .
الدليل الرابع :
عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال له : ( إذا قمت فتوضَّأ كما أمرَك الله ) رواه أبوداود والترمذي والنسائي والطبراني وفي لفظ لهم : ( إنها لا تتم صلاة أحدِكم حتى يُسبغ الوضوء كما أمرَه الله فيغسل وجْهه ويديه إلى المِرْفَقَيْن ويَمسح برأسه ورِجْليه إلى الكعبين ) .
ووجْه الاستدلال من الحديث : أنَّ قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( كما أمرَك الله ) أي في الآية التي في سورة المائدة وقد تقدَّمت في الدليل الأول وليس فيها ذِكْر المضمضة والاستنشاق وإنما فيها ذِكرُ الوجْه والوجْه عندهم لا يدخل فيه الفم والأنف ويدل عليه ما صرَّح به في الرواية الأخرى التي ذكرناها : ( فيغْسل وجْهه ويديه إلى المِرْفَقين ويمسح برأْسه ورِجليه إلى الكعبين ) وليس فيها ذكرُ المضمضة والاستنشاق .
الدليل الخامس :
حكاية الإمام الشافعي والإمام ابن جرير الطبري الإجماع على أن المتوضِّئ لو ترَك المضمضة والاستنشاق عامدًا أو ناسيًا لَم يُعِد .
الدليل السادس :
وهو متعلِّق بما قبله وهو حكاية الآثار عن جماعة من التابعين الذين قالوا بعدم إعادة وضوء مَن ترَك المضمضة والاستنشاق فقد ذكَر الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة أحد عشر أثرًا عن التابعين كلها لا تأمر بالإعادة اثنان منها فقط يأْمُران بإعادة الوضوء وهما :
الأول : قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون حدَّثنا حمَّاد بن سَلَمة عن قيس بن سعد عن عطاء فيمَن نَسِي المضمضة في الوضوء والاستنشاق قال : "يُمضمض ويستنشق، ويُعيد الصلاة" .
لكنَّه رجَع عن هذا القوْل في رواية أخرى قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا ابن مبارك عن مُثَنَّى عن عطاء فيمَن نَسِي المضمضة والاستنشاق حتى صلَّى قال : "ليس عليه إعادةٌ" .
وهذا الرجوع ثابتٌ كما قال الحافظ ابن حجر في الفتْح .
الثاني : قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدَّثنا عبَّاد بن العوَّام عن عمر بن عامر عن حمَّاد عن إبراهيم قال : "يعيد الرجل الصلاة من نسيان المضمضة والاستنشاق" .
لكنه رجَع عن هذا القول أيضًا في رواية أخرى قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدَّثنا حسين بن علي عن زائدة عن منصور قال : قلت لإبراهيم : الرجل ينسى الاستنشاق فيذكر في الصلاة أنه نَسِي قال إبراهيم : يمضي في صلاته قال : وقال منصور : والمضمضة مثل ذلك .
أدلة القول الثاني :
الدليل الأول :
قال الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... ﴾ .
وجْه الدَّلالة : أن الآية أمرَت بغسْل الوجْه وغسْل الوجْه يدخل فيه خارِجُه وداخله لأنه من تمام غسل الوجْه فالأمر بغسْله أمرٌ بالمضمضة والاستنشاق ثم إنه لا موجِب لتخصُّصه بظاهره دون باطنه فإنَّ الجميع في لغة العرب يسمَّى وجْهًا .
ولأن الفم والأنف من الوجه ولهما حكم الظاهر بدليل أن الصائم لا يفطر بوصول شيء إليهما ويفطر بعود القيء بعد وصوله إليهما ولأن الحد لا يجب بوضع الخمر فيهما ولا تنشر حرمة الرضاع بوصول اللبن إليهما ويجب غسلهما من النجاسة وهذه أحكام الظاهر ولو كانا باطنين لانعكست هذه الأحكام
الدليل الثاني :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( مَن توضَّأ فليستنثر ومن استجْمَر فليوتِر ) رواه البخاري ومسلم .
وجْه الدَّلالة : أنَّ الحديث جاء بصيغة الأمر والأمر يدلُّ على الوجوب إذا خلا عن القرائن الصارفة كما هو مقرَّر في الأصول .
الدليل الثالث :
عن عاصم بن لَقِيط بن صَبِرة عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال : ( أسبغِ الوضوء وخَلِّل بين الأصابع وبالِغ في الاستنشاق إلاَّ أن تكون صائمًا ) رواه أبو داود والترمذي وصححه الشيخ الألباني رحمه الله .
وفي رواية : ( إذا توضَّأتَ فمَضْمِضْ ) وهذه الرواية صحَّحها الحافظ في الفتح .
ووجْه الدلالة : أنَّ الحديث جاء بصيغة الأمر والأمر يدل على الوجوب كما تقدَّم في الدليل قبله .
الدليل الرابع :
عن عُروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( مَن توضَّأ فليَتَمَضْمَضْ وليَسْتَنْشِقْ ) رواه الدارقطني .
الدليل الخامس :
ما رواه علي بن هاشم : حدَّثنا إسماعيل بن مسلم عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( إذا توضَّأ أحدكم فليَتَمَضْمَضْ وليَسْتَنْثِر والأُذنان من الرأْس ) .
الدليل السادس :
مداومة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على المضمَضة والاستنشاق حيث إنه لَم يُحْفَظ عنه أنه ترَكهما .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : "ولَم يَحِك أحدٌ ممن وصَف وضوءَه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنَّه ترَك الاستنشاق بل ولا المضمضة وهو يردُّ على مَن لَم يُوجِب المضمضة أيضًا وقد ثبَت الأمر بها" .
فمداومته عليهما تدل على وجوبهما لأن فعله يصلح أن يكون بيانا وتفصيلا للوضوء المأمور به في كتاب الله .
الدليل السابع :
ما رواه أبو بِشْر الدُّولابي فيما جمَعه من حديث الثوري عن عاصم بن لقيط عن أبيه : ( إذا توضَّأتَ فأبلغْ في المضمضة والاستنشاق ما لَم تكن صائمًا ) .
أدلة القول الثالث :
الدليل الأول :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : ( مَن توضَّأ فليستنثِرْ ومَن استجمَر فليُوتِر ) رواه البخاري ومسلم .
وجْه الدلالة : أنَّ الحديث فيه الأمر بالاستنثار وحْدَه وهو لا يكون إلا بعد الاستنشاق دون المضمضة فيدل على وجوبه دونها .
الدليل الثاني :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : ( استنثروا مرَّتين بالغتين أو ثلاثًا ) رواه أبو داود وابن ماجة
وأحمد وابن شيبة والحاكم وصححه الشيخ الألباني رحمه الله وهذا فيه الأمر بالاستنثار فقط دون المضمضة .
الدليل الثالث :
أن الأنف لا يزال مفتوحًا وليس له غِطاء يستره بخلاف الفم فلذلك أمرَ بغسْله .
الدليل الرابع :
أن المضمضة لَم يصحَّ فيها شيء عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من حيث الأمر بها وإنما ثبَت ذلك من فِعْله وأفعاله ليستْ فرْضًا وإنما فيها التأسِّي به .
الترجيح :
رجح الشوكاني رحمه الله وجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء ورجحه : الشيخ ابن باز وابن عثيمين وصالح الفوزان وأعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء وغيرهم من العلماء المحققين .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( فروض الوضوء كما يلي : غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين كما أمر الله بذلك في قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) ومن الوجه : المضمضة والإستنشاق ومن الرأس : الأذان فلابد في الوضوء من غسل هذه الأعضاء الأربعة غسل في ثلاثة ومسح في واحد ) .
وقال أيضاً رحمه الله : ( المضمضة والاستنشاق داخلان في قوله : { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } لأن الوجه عند العرب ما حصلت به المواجهة والأنف والفم عضوان في الوجه فيجب تطهيرهما كما يجب تطهير الجبهة والخد واللحية وعليه فيبدأ أولاً بالمضمضة ثم الاستنشاق ثم يغسل جميع الوجه ) .
وقال أعضاء اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : " ثبتت المضمضة والاستنشاق في الوضوء من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله وهما داخلان في غسل الوجه فلا يصح وضوء من تركهما أو ترك واحدا منهما "
وقال الشيخ صالح الفوزان : " من غسل وجهه وترك المضمضة والاستنشاق أو أحدهما لم يصح وضوؤه لأن الفم والأنف من الوجه والله تعالى يقول : ( فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) فأمر بغسل الوجه كله فمن ترك شيئا منه لم يكن ممتثلاً أمر الله تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق " .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن عبدالله العجلان : ( المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارة من الحدث الأكبر والحدث الأصغر فإن غسل الوجه واجب في الطهارتين وهما من الوجه وهذا مذهب الإمام أحمد رحمه الله وبه قال جمع من العلماء رحمهم الله ) .

http://www.egyig.com/muntada/showthread.php?t=6609
 
و هنا حتى يذكر المرء الذي له و الذي عليه، بحث أخر، يكون كتتمة للبحث السابق، ان لم يكن هو أصله.
البحث:
مقدمة:
الحمد لله الذي خلَق السماوات والأرض، وجعَل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربِّهم يعدِلون، والحمد لله الذي لا يؤدَّى شكْرُ نعمةٍ من نعمه إلاَّ بنعمة منه، توجِب على مؤدِّي ماضي نعمه بأدائها نعمةً حادثة يجب عليه شكرُه بها، ولا يبلغ الواصفون كُنهَ عَظَمته الذي هو كما وصَف نفسه، وفوق ما يصفه به خلْقُه.

أحمده حمدًا كما ينبغي لكرم وجْهه وعزِّ جلاله، وأستعينه استعانةَ مَن لا حول له ولا قوة إلا به، وأستهْديه بهداه الذي لا يضلُّ مَن أنعَم به عليه، وأستغفره لِمَا أزْلَفْت وأخَّرتُ، استغفارَ من يقرُّ بعبوديَّته، ويعلم أنه لا يغفر ذنبَه ولا يُنجيه منه إلاَّ هو، وأشهد أنْ لا إله إلا الله، وحْده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله[1].

أمَّا بعدُ:
فهذا بحث في مسألة "حكم المضمضة والاستنشاق في الوضوء"، أذكر فيه مذاهب العلماء وأدلَّتهم، والترجيح.

وقد قسمت البحث إلى المباحث الآتية:
المبحث الأول: معنى المضمضة والاستنشاق.
المبحث الثاني: أقوال الفقهاء في المسألة.
المبحث الثالث: أدلَّة المذاهب، ومناقشتها ثبوتًا ودَلالةً.
المبحث الرابع: الترجيح.

وقد جريتُ في البحث على توثيق أقوال المذاهب من كُتبهم المعتبَرة، وفي تخريج الأحاديث اكتفيتُ بالعزو إلى الصحيحين - أو أحدهما - إذا كان الحديث فيهما، وإن لَم يكنْ، فيخرج من مصادره مع ذِكْر درجته من الصحة والضَّعف، وفي العزو إلى الكُتب ذَكَرْتُ اسمَ الشهرة أو الاسم المختصر، وأرْجأْت معلومات النشر إلى فهرس خاص في آخر البحث، وختمتُه بفهرس للمراجع والموضوعات.

المبحث الأول: معنى المضمضة والاستنشاق:
تعريف المضمضة:
قال ابن عرفة: هي إدخال الماء فاه، فيُخَضْخضه ويمجُّه ثلاثًا.

ولفظ "الإدخال" يقتضي أنه لا بد من سببٍ في إدخاله، فإن دخَل الماء بغير سببٍ فاعل فلا يعدُّ مَضمضةً، وكذلك الخضخضة والمجُّ، وإن عُدِم واحدٌ، فلم تتقرَّر السُّنة في المضمضة[2].

وقال ابن دقيق العيد: أصل هذه اللفظة مُشعر بالتحريك، ومنه: مضْمَض النعاس في عينيه، واستُعْمِلت في هذه السُّنة - أعني المضمضة في الوضوء - لتحريك الماء في الفم، وقال بعض الفقهاء: المضمضة أن يجعلَ الماء في فِيه، ثم يَمجَّه - هذا أو معناه - فأَدْخَل المجَّ في حقيقة المضمضة، فعلى هذا لو ابتلعَه لَم يكن مؤدِّيًا للسُّنة، وهذا الذي يَكْثر في أفعال المتوضِّئين - أعني الجعْل والمجَّ - ويُمكن أن يكون ذِكْرُ ذلك بناءً على أنه الأغلب والعادة، لا أنه يتوقف تأدِّي السُّنة على مجِّه[3].

قال النووي: قال أصحابنا: كمالها أن يجعلَ الماء في فمه، ثم يديره فيه، ثم يمجَّه، وأمَّا أقلُّها، فأن يجعل الماء في فيه، ولا يشترط إدارته على المشهور، وعند الجمهور وعند جماعة من أصحاب الشافعي وغيرهم: أنَّ الإدارة شرْطٌ، والمعوَّل عليه في مثل هذا الرجوع إلى مفهوم المضمضة لغةً، وعلى ذلك تنبني معرفة الحق[4].

تعريف الاستنشاق:
يقال: نَشِقْت منه رائحةً أنشَقُ نشْقًا، واستنشقْتُ الريح: شممْتُها، واستنشقتُ الماء، وهو جعْلُه في الأنف وجذْبُه بالنَّفَس؛ لينزلَ ما في الأنف، فكأنَّ الماء مجعولٌ للاشتمام مجازًا، والفقهاء يقولون: "استنشقت" بالماء، بزيادة الباء[5].

تعريف الاستنثار:
قال أهل اللغة: هو مأخوذ من النثرة، وهي طرَف الأنف، وقال الخطَّابي وغيره: هي الأنف، والمشهور الأوَّل، قال الأزهري: روى سَلَمة عن الفرَّاء أنه يُقال: نثَر الرجل، وانتثَر واستنثَر، إذا حرَّك النثرة في الطَّهارة[6].

قال النووي: قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون: الاستنثار هو: إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق[7]، وفي "القاموس"[8]: استنثَر: استنشَق الماء، ثم استخرَج ذلك بنَفَس الأنف كانتَثر.

وقال ابن الأعرابي وابن قتيبة: الاستنثار هو الاستنشاق، وقال بعض أهل العلم: إن الاستنثار غير الاستنشاق، فإنَّ الاستنشاق هو إدخال الماء في الأنف، والاستنثار هو استخراج ما في الأنف من أذًى أو مُخاط، ويدلُّ لذلك الحديث: "أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يستنشق ثلاثًا في كلِّ مرَّة يستنثر"، فجعَل الاستنثار غير الاستنشاق، ويقرب من ذلك قولُ مَن فسَّره باستخراج نثير الماء بنَفَس الأنف[9].

قال ابن عبدالبر: وأمَّا الاستنثار، فهو دفْع الماء من الأنف، والاستنشاق أخْذُه بريح الأنف، وهما كلمتان مرويَّتان في الآثار المرفوعة وغيرها، متداخلتان في المعنى، وأهل العلم يعبرون بالواحدة عن الأخرى[10].

المبحث الثاني: أقوال الفقهاء في المسألة:
مذهب الحنفيَّة:
أنَّ المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء[11].

مذهب المالكية:
أنَّ المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء[12].

مذهب الشافعية:
أنَّ المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء[13].

مذهب الحنابلة:
للحنابلة عِدَّة روايات في حُكمهما، ذكَر المرداوي في "الإنصاف"[14] ثمانيَ منها، وسنذكر أشهر الروايات، وهي ثلاث، وهي التي ذكَرها الإمام موفق الدين ابن قُدامة في "المغني"[15].

الرواية الأولى: أنهما واجبان، وهو مشهور المذهب؛ قال المرداوي: وهذا المذهب مطلقًا، وعليه الأصحاب، ونصروه، وهو مِن مُفردات المذهب.

الرواية الثانية: الاستنشاق وحْدَه واجب.

الرواية الثالثة: أنهما مسنونان، وهذه الرواية موافقة للجمهور المتقدِّمة - حكايةً - أقوالُهم.

مذهب الظاهرية:
أنَّ الاستنشاق واجبٌ وحْدَه دون المضمضة[16].

وقد ذكَر ابن عبدالبر عن الظاهرية خلافًا في حُكم المضمضة والاستنشاق[17].

فيتلخَّص لنا مما سبَق ثلاثة مذاهب مشهورة للعلماء، وهي:
1- أن المضمضة والاستنشاق سُنَّتان في الوضوء، وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، ورواية عن أحمد، وهو قول الحسن البصري، وابن شهاب الزُّهري، والحَكم بن عُتَيبة، ويحيى بن سعيد، وقتادة، والأوزاعي، والليث بن سعد، ومحمد بن جرير الطبري.

2- أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء، وبه قال أحمد في المشهور عنه، وعبدالله بن المبارك، وابن أبي ليلى، وحمَّاد بن أبي سليمان، وإسحاق بن راهويه[18].

3- أن الاستنشاق واجب وحْدَه دون المضمضة، وهو مذهب الظاهرية، ورواية عن أحمد، وبه قال أبو عبيد، وأبو ثور، وابن المنذر[19].

المبحث الثالث: أدلة المذاهب الثلاثة ومناقشتها:
أدلة المذهب الأول:
الدليل الأول: قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ﴾ [المائدة: 6].
ووجْه الدَّلالة من الآية: أنَّ الله - تعالى - ذكَر أركان الوضوء في هذه الآية، ولَم يذكر منها المضمضة والاستنشاق، فلو كان واجبًا لذكَره.

فإن قيل: إنه داخِلٌ في مسمَّى الوجْه وقد ذُكِر في الآية، فيُجاب بأنَّ الوجه في اللغة ما تحصل به المواجهة، أمَّا داخِل الأنف والفم فلا تحصل بهما المواجهة المقتضية للوجوب، فهما عضوان باطِنان لا يجب غسلُهما قياسًا على العين وباطن اللحية[20].

وأُجيب أيضًا بأنَّ الإجمال في الآية بيَّنه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - مِن فعْله؛ حيث داوَم على المضمضة والاستنشاق، فدلَّ ذلك على الوجوب، وفِعْل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا كان بيانًا لمجْملٍ دلَّ على الوجوب؛ كما هو مقرَّر في الأصول، وكذلك قد صحَّ الأمر بهما في غير ما حديث - كما سيأتي.

قال الشوكاني: ويشدُّ من عَضُد دعْوى الدخول في الوجْه أنه لا موجِب لتخصُّصه بظاهره دون باطنه، فإن الجميع في لغة العرب يسمَّى وجْهًا.

فإن قيل: قد أُطْلِقَ على خَرْق الفم والأنف اسمٌ خاص، فليسا في لغة العرب وجْهًا، قلنا: وكذلك أُطْلِق على الخَدَّين والجبهة، وظاهر الأنف والحاجِبَين، وسائر أجزاء الوجْه أسماء خاصَّة، فلا تسمَّى وجْهًا، وهذا في غاية السُّقوط؛ لاستلزامه عدمَ وجوب غَسْل الوجْه.

فإن قيل: يلزَم على هذا وجوب غَسْل باطن العين، قلنا: يلزم لولا اقتصار الشارع في البيان على غَسْل ما عداه، وقد بيَّن لنا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما نزَل إلينا، فداوَم على المضمضة والاستنشاق، ولَم يُحْفَظ أنه أخلَّ بهما مرَّة واحدة؛ كما ذكرَه ابن القَيِّم في "الهدي"[21]، ولَم يُنْقَل عنه أنه غسَل باطن العين مرَّة واحدة، على أنه قد ذهَب إلى وجوب غسْل باطن العين ابن عمر، والمؤيد بالله من أهل البيت؛ انتهى كلامه[22].

الدليل الثاني: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عَشْرٌ من الفطرة: قصُّ الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسْل البَرَاجِم، ونَتْف الإبط، وحلْق العانة، وانتقاص الماء))[23]، قال زكرياء: قال مصعب: ونسيتُ العاشرة، إلاَّ أن تكون المضمضة.

وقد روي من حديث عمار[24] وابن عمر[25] وأبي هريرة[26].

ووجْه الاستدلال: أنهم قالوا: إن معنى الفطرة في الحديث هي السُّنة[27]، واستدلوا على ذلك بأنه قد رُوي هذا الحديث بلفظ: ((عَشْرٌ من السُّنة...))[28]، ورُوي أيضًا عن ابن عمر عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((من السُّنة قَصُّ الشارب ونتْف الإبط...))[29].

وأُجيب عن ذلك بأن كونهما من الفطرة لا ينفي وجوبَهما؛ لاشتمال الفطرة على الواجب والمندوب، ولذلك ذكَر فيها الختان وهو واجبٌ[30] .

وكذلك فإنَّ معنى الفطرة مختلف فيه على عدَّة أقوال، فقيل: إنها الخِلْقة، أو البُداءَة، أو الإسلام، أو الميثاق والعهْد.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"[31]: وأما شرْح الفطرة، فقال الخطابي: ذهَب أكثر العلماء إلى أنَّ المراد بالفطرة هنا السُّنة، وكذا قاله غيره، قالوا: والمعنى أنها من سُنن الأنبياء، وقالت طائفة: المعنى بالفطرة الدِّين، وبه جزَم أبو نُعيم في "المستخرج"، وقال النووي في "شرْح المهذب": جزَم الماوردي والشيخ أبو إسحاق بأنَّ المراد بالفِطرة في هذا الحديث الدِّين، واستشكلَ ابن الصلاح ما ذكَره الخطَّابي، وقال: معنى الفطرة بعيد من معنى السُّنة، لكن لعلَّ المراد أنه على حذْف مضاف؛ أي: سُنة الفطرة، وتعقَّبه النووي بأن الذي نقلَه الخطَّابي هو الصواب؛ فإن في صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من السُّنة قصُّ الشارب، ونَتْف الإبط، وتقليم الأظفار))، قال: وأصحُّ ما فُسِّر به غريب الحديث تفسيره بما جاء في رواية أخرى؛ ولا سيَّما في صحيح البخاري؛ ا .هـ.

وقد تَبِعه شيخنا ابن الملقِّن على هذا، ولَم أرَ الذي قاله في شيء من نُسَخ البخاري، بل الذي فيه من حديث ابن عمر بلفظ الفطرة، وكذا من حديث أبي هريرة، نعم وقَع التعبير بالسُّنة موضع الفِطرة في حديث عائشة عند أبي عوانة في رواية، وفي أخرى بلفظ الفطرة؛ كما في رواية مسلم والنسائي وغيرهما، والمراد بالفطرة في حديث الباب: أنَّ هذه الأشياء إذا فُعِلت اتَّصف فاعلها بالفطرة التي فطَر الله العباد عليها، وحثَّهم عليها واستحبَّها لهم؛ ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورةً، وقد ردَّ القاضي البيضاوي الفطرة في حديث الباب إلى مجموع ما ورَد في معناها، وهو الاختراع والجِبلَّة، والدِّين والسُّنة، فقال: هي السُّنة القديمة التي اختارَها الأنبياء واتَّفقت عليها الشرائع، وكأنها أمرٌ جِبلِّي، فُطِروا عليه؛ انتهى.

وكذلك لو صحَّ أنَّ معنى الفطرة هي السُّنة، لَم يقم ذلك دليلاً على أنَّ المضمضة والاستنشاق سُنَّتان؛ لأن المراد بالسُّنة الطريقة لا المعنى الاصطلاحي الأصولي[32].

أمَّا ما استدلُّوا به من الأحاديث، فحديث عائشة برواية: ((عَشْرٌ من السُّنة))، والصحيح فيه أنه موقوف على طلْق بن حبيب الراوي عن ابن الزبير، ورفعه شاذ، كما أنَّ المحفوظ أنه بلفظ: ((عشرٌ من الفِطرة)).

أمَّا حديث ابن عمر ((من السُّنة قصُّ...))، فهو في "صحيح البخاري" وغيره لكن بلفظ: ((من الفطرة))، وهو المحفوظ، وهذه اللفظة تفرَّد بها حامد ابن أبي حامد المقري عن إسحاق بن سليمان، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن نافع، عن ابن عمر، وقد خالَف حامد بن أبي حامد في الرواية عن إسحاق بن سليمان جماعة من الحُفَّاظ.

الدليل الثالث: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المضمضة والاستنشاق سُنَّة))[33].

الدليل الرابع: ما رواه رفاعة بن رافع - في المسيء صلاته - قال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا قمت فتوضَّأ كما أمرَك الله))[34]، وفي لفظ لهم: ((إنها لا تتم صلاة أحدِكم حتى يُسبغ الوضوء - كما أمرَه الله - فيغسل وجْهه ويديه إلى المِرْفَقَيْن، ويَمسح برأسه ورِجْليه إلى الكعبين)).

ووجْه الاستدلال من الحديث: أنَّ قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كما أمرَك الله))؛ أي في الآية التي في سورة المائدة - وقد تقدَّمت في الدليل الأول - وليس فيها ذِكْر المضمضة والاستنشاق، وإنما فيها ذِكرُ الوجْه، والوجْه عندهم لا يدخل فيه الفم والأنف، ويدل عليه ما صرَّح به في الرواية الأخرى التي ذكرناها: ((فيغْسل وجْهه ويديه إلى المِرْفَقين، ويمسح برأْسه ورِجليه إلى الكعبين))، وليس فيها ذكرُ المضمضة والاستنشاق.

قال الشوكاني: "فيقتصر في الجواب على أنه قد صحَّ أمرُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بها، والواجب الأخْذ بما صحَّ عنه، ولا يكون الاقتصار على البعض في مبادئ التعاليم ونحوها موجِبًا لصرْف ما ورَد بعده، وإخراجه عن الوجوب، وإلاَّ لزِم قصْرُ واجبات الشريعة بأَسْرها على الخَمْس المذكورة في حديث ضِمَام بن ثَعْلبة مثلاً؛ لاقتصاره على ذلك المقدار في تعليمه، وهذا خرْقٌ للإجماع، وإطْراح لأكثر الأحكام الشرعية"[35].

الدليل الخامس: حكاية الإمام الشافعي، والإمام ابن جرير الطبري الإجماع على أن المتوضِّئ لو ترَك المضمضة والاستنشاق عامدًا أو ناسيًا، لَم يُعِد.

قال الشافعي: "ولَم أعلم المضمضة والاستنشاق على المتوضِّئ، ولَم أعلم اختلافًا في أنَّ المتوضِّئ لو ترَكها عامدًا وناسيًا وصلَّى، لَم يُعِد"[36].

قال ابن المنذر: "واعتلَّ الشافعي في وقوفه عن إيجاب الاستنشاق أنه ذكَر بأنه لا يعلم خلافًا في أنْ لا إعادة على تاركهما، ولو عَلِم في ذلك اختلافًا، لرجَع إلى أصوله أنَّ الأمرَ من رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الفرض، ألا تراه إنما اعتلَّ في تخلُّفه عن إيجاب السواك بأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لَم يأمرْ به؛ قال الشافعي[37]: "فلو كان السواك واجبًا، أمرَهم به؛ شقَّ عليهم أو لَم يَشق"[38]؛ ا. هـ.

وقال الحافظ ابن حجر عن كلام الشافعي: "وهذا دليل قوي، فإنه لا يُحْفَظ ذلك عن أحدٍ من الصحابة ولا التابعين، إلاَّ عن عطاء[39]، وثبَت عنه أنه رجَع عن إيجاب الإعادة"[40].

وقال ابن جرير الطبري: "...أنْ لا خبرَ عن واحدٍ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوجَب على تارك إيصال الماء في وضوئه إلى أصول شعر لِحيته وعارِضَيه، وتارِك المضمضة والاستنشاق - إعادة صلاته إذا صلَّى بطُهره ذلك، ففي ذلك أوضحُ الدليل على صحة ما قلنا من أن فِعْلَهم ما فعلوا من ذلك - أي فِعْل السلف للمضمضة والاستنشاق - كان إيثارًا منهم لأفضل الفِعْلَين من الترْك والغسل"[41].

الدليل السادس: وهو متعلِّق بما قبله، وهو حكاية الآثار عن جماعة من التابعين الذين قالوا بعدم إعادة وضوء مَن ترَك المضمضة والاستنشاق، فقد ذكَر الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة أحد عشر أثرًا عن التابعين[42] كلها لا تأمر بالإعادة، اثنان منها فقط يأْمُران بإعادة الوضوء، وهما:
الأول: قال أبو بكر بن أبي شيبة[43]: حدثنا يزيد بن هارون، حدَّثنا حمَّاد بن سَلَمة، عن قيس بن سعد، عن عطاء فيمَن نَسِي المضمضة في الوضوء والاستنشاق، قال: "يُمضمض ويستنشق، ويُعيد الصلاة".

لكنَّه رجَع عن هذا القوْل في رواية أخرى؛ قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن مبارك، عن مُثَنَّى، عن عطاء فيمَن نَسِي المضمضة والاستنشاق حتى صلَّى، قال: "ليس عليه إعادةٌ".

وهذا الرجوع ثابتٌ؛ كما قال الحافظ ابن حجر في الفتْح[44].

الثاني: قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدَّثنا عبَّاد بن العوَّام، عن عمر بن عامر، عن حمَّاد، عن إبراهيم، قال: "يعيد الرجل الصلاة من نسيان المضمضة والاستنشاق[45]".

لكنه رجَع عن هذا القول أيضًا في رواية أخرى؛ قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدَّثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن منصور، قال: قلت لإبراهيم: الرجل ينسى الاستنشاق، فيذكر في الصلاة أنه نَسِي، قال إبراهيم: يمضي في صلاته، قال: وقال منصور: والمضمضة مثل ذلك.

أدلة المذهب الثاني:
الدليل الأول: قال الله - تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... ﴾ [المائدة: 6]، وجْه الدَّلالة: أن الآية أمرَت بغسْل الوجْه، وغسْل الوجْه يدخل فيه خارِجُه وداخله؛ لأنه من تمام غسل الوجْه، فالأمر بغسْله أمرٌ بالمضمضة والاستنشاق، ثم إنه لا موجِب لتخصُّصه بظاهره دون باطنه؛ فإنَّ الجميع في لغة العرب يسمَّى وجْهًا[46].

واعترَض على هذا الاستدلال بأنه لا يسمَّى وجهًا إلاَّ ما واجَه، وحصَلت به المواجهة، أمَّا ما بطنَ ولَم يُواجه، فلا يسمَّى وجهًا بإجماع أهل اللغة؛ كما نقَله الإمام الشافعي، وهو من أهل اللسان.

الدليل الثاني: عن أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن توضَّأ، فليستنثر، ومن استجْمَر، فليوتِر))[47].

وجْه الدَّلالة: أنَّ الحديث جاء بصيغة الأمر، والأمر يدلُّ على الوجوب إذا خلا عن القرائن الصارفة، كما هو مقرَّر في الأصول.

ويُجاب عن ذلك بما قاله ابن جرير الطبري، قال: "فإن ظنَّ ظانٌّ أن في الأخبار التي رُوِيَت عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((إذا توضَّأ أحدُكم، فليستنثرْ))؛ دليلاً على وجوب الاستنثار، فإن في إجماع الحُجَّة - على أن ذلك غيرُ فرْضٍ واجب، يجب على مَن ترَكه إعادةُ الصلاة التي صلاها قبل غسْله - ما يغني عن إكثار القول فيه"[48].

الدليل الثالث: حديث عاصم بن لَقِيط بن صَبِرة عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني عن الوضوء، قال: ((أسبغِ الوضوء، وخَلِّل بين الأصابع، وبالِغ في الاستنشاق، إلاَّ أن تكون صائمًا))[49].

وفي رواية: ((إذا توضَّأتَ، فمَضْمِضْ))[50]، وهذه الرواية صحَّحها الحافظ في الفتح[51].

ووجْه الدلالة: أنَّ الحديث جاء بصيغة الأمر، والأمر يدل على الوجوب؛ كما تقدَّم في الدليل قبله.

وأُجيب عن ذلك بأنَّ الأمر هنا للندبِ، بدليل الإجماع الذي نقلَه الشافعي، وابن جرير.

الدليل الرابع: ما رواهمحمد بن الأزهر الجُوزَجَاني، حدَّثنا الفضل بن موسى السِّينَاني، عن ابن جُريج، عن سليمان بن موسى، عن الزُّهْري، عن عُروة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن توضَّأ، فليَتَمَضْمَضْ، وليَسْتَنْشِقْ))[52].

قال الدارقطني عَقِبه: محمد بن الأزهر ضعيف، وهذا خطأ، والذي قبله المرسل أصحُّ.

وعَنَى بالمرسل الذي قبله ما رواه سفيان بن عُيينة، وإسماعيل بن عيَّاش ووكيع، كلهم عن ابن جُريج، عن سليمان بن موسى، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ... الحديث مُرسلاً؛ فمحمد بن الأزهر خالَف هؤلاء الثِّقات في الرواية عن ابن جُريج، فرفَع الحديث إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والصواب المرْسل.

الدليل الخامس: ما رواه علي بن هاشم: حدَّثنا إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن أبي هريرة أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا توضَّأ أحدكم، فليَتَمَضْمَضْ، وليَسْتَنْثِر، والأُذنان من الرأْس))[53].

الدليل السادس: مداومة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - على المضمَضة والاستنشاق، حيث إنه لَم يُحْفَظ عنه أنه ترَكهما؛ قال الحافظ ابن حجر: "ولَم يَحِك أحدٌ ممن وصَف وضوءَه - عليه الصلاة والسلام - على الاستقصاء، أنَّه ترَك الاستنشاق، بل ولا المضمضة، وهو يردُّ على مَن لَم يُوجِب المضمضة أيضًا، وقد ثبَت الأمر بها"[54].

وأُجيب بأنَّ المداومة لا تدلُّ على الوجوب[55].

الدليل السابع: ما رواه أبو بِشْر الدُّولابي فيما جمَعه من حديث الثوري عن عاصم: ((إذا توضَّأتَ، فأبلغْ في المضمضة والاستنشاق، ما لَم تكن صائمًا))[56].

أدلة المذهب الثالث:
الدليل الأول: حديث أبي هريرة أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن توضَّأ، فليستنثِرْ، ومَن استجمَر فليُوتِر))[57].

وجْه الدلالة: أنَّ الحديث فيه الأمر بالاستنثار وحْدَه - وهو لا يكون إلا بعد الاستنشاق - دون المضمضة، فيدل على وجوبه دونها.

الدليل الثاني: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((استنثروا مرَّتين بالغتين أو ثلاثًا))[58].

وهذا فيه الأمر بالاستنثار فقط دون المضمضة.

وقد أجاب أصحاب القول الأول عن هذين الدليلين بأنَّ الأمر هنا للندب لا للوجوب، وقرينة صرْفِه عنه الإجماع الذي نقلَه الشافعي، وابن جرير.

الدليل الثالث: أنَّ الأنف لا يزال مفتوحًا، وليس له غِطاء يستره، بخلاف الفم[59]، فلذلك أمرَ بغسْله.

الدليل الرابع: أنَّ المضمضة لَم يصحَّ فيها شيء عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حيث الأمر بها، وإنما ثبَت ذلك من فِعْله، وأفعاله ليستْ فرْضًا، وإنما فيها التأسِّي به[60].

وأُجيب عن هذيْن الدليليْن بأنه قد صحَّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الأمر بالمضمضة - كما تقدَّم ذكرُها في أدلة القول الثاني - فلا معنى لتخصيص الوجوب بالاستنشاق، بدعوى عدم صحة الأمر بالمضمضة وقد صحَّ.

المبحث الرابع: الترجيح:
بعد استعراض الأدلة لكلِّ فريقٍ، وما قيل في الجواب عنها ومناقشتها، يتَّضح لنا أنَّ القولين: الأول - القائل بسُنِّيتهما - والثاني - القائل بوجوبهما - هما الأقوى في الدليل من غيرهما، وتكاد أدلَّتهما تتكافَأ في نظر المرجِّح، فلا يكاد يجزم بصواب أحدهما، وذلك الذي حدَا بالعلاَّمة الأمير الصنعاني ت 1179 أنْ يتوقَّف في هذه المسألة، ولا يَجزم فيها بشيءٍ؛ قال: "والأرجح فِعْلهما، وأمَّا اعتقادُ الوجوب، فمحلُّ وقْفٍ"[61].

ومع هذا كلِّه، فالأقرب إلى الصواب القول بسُنِّيتهما؛ لأجل ذلك الإجماع المنقول قريبًا، والذي لَم يُجَب عنه حتى الآن، فإنْ أُجيب عنه، قُلنا بالوجوب.

والله الموفِّق والهادي وحْده لا شريك له، وصلِّ الله وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحْبه وسلِّم.

فهرس المراجع:
الإحسان في تقريب صحيح ابن حِبَّان؛ لابن بلبان؛ تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط الأولى 1407هـ.
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمَّنه الموطَّأ من معاني الرأي والآثار، وشرْح ذلك كلِّه بالإيجاز والاختصار؛ لأبي عمر يوسف بن عبدالبر القرطبي؛ علَّق عليه سالم عطا، ومحمد معوض، دار الكتب العلمية، ط الأولى 1421هـ.
الأم؛ لمحمد بن إدريس الشافعي؛ تحقيق/ محمد زهري النجار، دار المعرفة.
أنيس الفقهاء؛ لصدر الدين القونوي؛ تحقيق د/ يحيى حسن مراد.
الأوسط في السُّنن والإجماع والاختلاف؛ لأبي بكر محمد بن المنذر النيسابوري؛ تحقيق د. أبو حماد صغير أحمد، دار طيبة، ط الأولى 1405 هـ.
بدائع الصنائع؛ للكاساني، دار الكتب العلمية.
بيان الوهم والإيهام الواقعَيْن في كتاب الأحكام؛ لابن القطَّان الفاسي؛ تحقيق د. حسين آيت سعيد، دار طيبة، ط الأولى 1418هـ.
تاج العروس في شرْح القاموس؛ للزَّبيدي؛ ت: علي شيري، دار الفكر.
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني، دار الحديث.
تمام المنة في التعليق على فقه السُّنة؛ لمحمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، ط الأولى 1414هـ.
تهذيب الأسماء واللغات؛ لمحيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار الكتب العلمية.
الجامع؛ لأبي عيسى الترمذي؛ ت: أحمد شاكر، ومحمد فؤاد عبدالباقي، دار الكتب العلمية 1413 هـ.
جامع البيان في تفسير آي القرآن؛ لمحمد بن جرير الطبري؛ تحقيق د. عبدالله التركي بالتعاون مع دار هجَر، ط الأولى 1423هـ.
الدَّراري المضية شرْح الدُّرر البهيَّة؛ لصديق القنوجي؛ تحقيق صبحي حلاق، مكتبة الكوثر، ط الرابعة 1416هـ.
الذخيرة؛ لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي؛ تحقيق د محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط الأولى 1994م.
الرسالة؛ للإمام الشافعي؛ ت: أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية.
زاد المعاد في هدْي خير العباد؛ لابن قَيِّم الجوزيَّة، مؤسسة الرسالة، ط السادسة 1406هـ.
السعاية في كشْف ما في شرْح الوقاية؛ لأبي الحسنات اللكنوي.
سُنن ابن ماجه؛ ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، دار الريان.
سُنن أبي داود؛ ت: عزت عبيد الدعاس، دار الحديث.
سُنن الدارقطني؛ نشْر عبدالله هاشم يماني، بهامشه التعليق المغني للعظيم آبادي.
السُّنن الصغرى؛ للنسائي، دار الريان للتراث بحاشية السيوطي، والسِّندي.
السُّنن الكبرى؛ للبيهقي، دائرة المعارف العثمانية، تصوير دار المعرفة.
السنن الكبرى؛ للنسائي؛ تحقيق حسن عبدالمنعم شلبي، مؤسسة الرسالة، ط الأولى 1422هـ.
السيل الجرَّار المتدفِّق على حدائق الأزهار؛ لمحمد بن علي الشوكاني؛ تحقيق إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية، ط الأولى 1405هـ.
شرح صحيح مسلم؛ لمحيي الدين النووي، المطبعة المصرية بالأزهر 1347هـ.
صحيح البخاري؛ ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي.
صحيح ابن خزيمة؛ تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، مراجعة الشيخ الألباني، المكتب الإسلامي، ط الأولى 1404هـ.
صحيح مسلم؛ ترقيم محمد فؤاد عبدالباقي، دار إحياء التراث.
العُدَّة شرح العُمدة؛ من تأليف عبدالرحمن بن إبراهيم بن أحمد، أبو محمد بهاء الدين المقدسي، المتوفى: 624هـ.
عقد الجواهر الثمينة الجواهر الثمينة من أدلة عالم المدينة؛ لابن شاس؛ تحقيق د. محمد أبو الأجفان ورفيقه، منشورات مجمع الفقه الإسلامي بجده، دار الغرب الإسلامي، ط الأولى 1416هـ.
فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني، دار الريان للتراث.
فتح القدير؛ كمال الدين ابن الهُمام الحنفي، دار الفكر.
القاموس المحيط؛ لمجد الدين الفيروز آبادي، مؤسسة الرسالة، ط الثانية 1407هـ.
لسان العرب؛ لابن منظور الإفريقي، دار صادر.
المجموع شرْح المهذب؛ ليحيى بن شرف النووي، دار الفكر.
المحرر في الحديث؛ لمحمد بن عبدالهادي؛ تحقيق د. يوسف المرعشلي ورفيقه، دار المعرفة، ط الأولى 1408هـ.
المحلى شرْح المجلى؛ لأبي محمد بن حزم؛ تحقيق أحمد شاكر، مكتبة دار التراث.
المستدرك؛ للحاكم النيسابوري، دائرة المعارف العثمانية.
مسند أحمد بن حنبل؛ تحقيق شعيب الأرنؤوط ورفاقه، مؤسسة الرسالة.
مسند أبي داود الطيالسي؛ تحقيق د. محمد التركي، دار هجَر، ط الأولى 1420هـ.
مسند أبي عوانة، دار المعرفة، ط الأولى 1416هـ.
مسند أبي يعلى؛ تحقيق إرشاد الحق الأثري، مؤسسة علوم القرآن.
المصباح المنير؛ للفيومي، مكتبة لبنان.
المصنف؛ لابن أبي شيبة، دار التاج، توزيع دار الزمان.
المعجم الأوسط؛ لسليمان بن أحمد الطبراني؛ تحقيق د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، ط الأولى 1406هـ.
المغني شرْح الخرقي؛ لأبي عبدالله بن قدامة المقدسي؛ تحقيق عبدالله التركي وعبدالفتاح الحلو، دار عالم الكتب، ط الثالثة 1417هـ.
مغني المحتاج شرح المنهاج؛ للخطيب الشربيني، تصوير المكتبة الفيصلية بمكة.
المنتقى في شرح الموطَّأ؛ لأبي الوليد الباجي، دار الكتب العلمية.
منح الجليل شرح مختصر خليل؛ لمحمد بن أحمد عليش، دار الفكر.
نيل الأوطار شرْح منتقى الأخبار؛ لمحمد بن علي الشوكاني، مكتبة عيسى البابي الحلبي.
الهداية شرح بداية المبتدي؛ لبرهان الدين المرغيناني؛ تحقيق محمد محمد تامر، وحافظ عاشور، دار السلام، ط الأولى 1420هـ.

[1] اقتباس من مقدمة الرسالة، 8 - 9؛ للشافعي.

[2] انظر: الحدود، 1/.

[3] انظر: إحكام الأحكام - مع العدة، 1/ 169 - 171.

[4] انظر: شرح مسلم، 3/ 105.

[5] انظر: المصباح المنير، 231، وأنيس الفقهاء، 54، والمغني، 1/ 169.

[6] انظر: اللسان، 5/ 191 - 192.

[7] انظر: تهذيب الأسماء واللغات، 2/ 159 - 160.

[8] ص: 616

[9] انظر: تاج العروس، 7/ 505 - 506.

[10] انظر: الاستذكار، 1/ 122.

[11] انظر الهداية:1/ 27، وفتح القدير: 1/ 25، وبدائع الصنائع: 1/ 21، والسعاية في كشْف ما في شرح الوقاية: 1/120 للكنوي.

[12] انظر: عقد الجواهر الثمينة، 1/ 41 - 42؛ لابن شاس، والذخيرة، 1/ 275؛ للقرافي، ومختصرخليل - مع منح الجليل، 1/ 52، والمنتقى في شرْح الموطَّأ، 1/ 35؛ للباجي.

[13] انظر الأم: 1/ 24؛ للشافعي، والمهذَّب - مع شرْحه المجموع، 1/ 362؛ للشيرازي، والمنهاج - مع مغني المحتاج، 1/ 57؛ للنووي.

[14] 1/ 152 - 153.

[15] 1 / 166 - 167.

[16] انظر: المحلى شرْح المجلى، 2/ 48 -50؛ لابن حزم.

[17] انظر: الاستذكار، 1/ 124.

[18] وقال به من المتأخِّرين الإمام الشوكاني؛ كما في نيْل الأوطار، 1/ 167، والسيل الجرَّار، 1/ 81، وصديق حسن خان القنوجي في الدراري المضية، 1/ 121 - 124، وقال به من المعاصرين: الشيخ الألباني؛ كما في تمام المنَّة : ص 92.

[19] انظر: الأوسط، 1/ 377 -380، والاستذكار، 1/ 123 - 124.

[20] انظر: المغني، 1/ 168.

[21] زاد المعاد، 1/ 194.

[22] نيل الأوطار، 1/ 166- 167.

[23] أخرجه مسلم رقْم 261، وأحمد في المسند، 41/ 508، رقْم25060، وأبو داود رقْم 53، والترمذي رقْم 2757، وابن ماجه رقْم 293، وابن خزيمة في صحيحة رقْم 88، والدارقطني، 1/ 94 - 95، والبيهقي، 1/ 36.

[24] أخرجه أبو داود رقْم 54، والبيهقي، 1/ 52، قال الحافظ في التلخيص 1/ 88: صحَّحه ابن السَّكن، وهو معلول.

[25] أشار إليه الترمذي بعد ذكْر حديث عائشة.

[26] أخرجَه البخاري رقْم 5550، ومسلم رقْم 257 بلفظ: ((خمس من الفطرة....)).

[27] انظر المجموع، 1/ 338، ونيل الأوطار، 1/ 166.

[28] أخرجه أبو عوانة في مسنده، 1/ 190 - 191.

[29] أخرجه البيهقي، 1/ 149.

[30] انظر: المغني، 1/ 168.

[31] 10/ 339.

[32] انظر التلخيص الحبير، 1/ 88 - 89.

[33] أخرجه الدارقطني: 1/ 85، وقال: فيه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف، وقال الحافظ في التلخيص: 1/ 89، رواه الدارقطني، وهو حديث ضعيف.

[34] أخرَجه الطيالسي رقْم 1469، وأبوداود رقْم 864، والترمذي رقْم 302، والنسائي، 1 /90، وابن ماجه رقْم 1396، وابن خزيمة رقْم 545، والحاكم، 1/ 243، والببيهقي، 2/ 380.
قال الترمذي: حديث حسن، وذكَر ابن القطَّان أن يحيى بن علي بن خلاَّد لا يُعْرَف له حال، وأبوه علي ثقةٌ، وجَدُّه يحيى بن خلاَّد أخرَج له البخاري.

[35] نيل الأوطار، 1/ 166.

[36] الأم، 1/ 24.

[37] المصدر نفسه، 1/ 23.

[38] الأوسط، 1/ 380؛ لابن المنذر.

[39] سيأتي ذكر أثره وتخريجه.

[40] فتح الباري، 1/ 315.

[41] جامع البيان، 6/ 79.

[42] المصنف، 1/ 179 -180 .

[43] المصنف، 1/ 179، وكذلك ما بعده من الآثار.

[44] 1/ 315.

[45] وفي إسناد هذا الأثر عمر بن عامر، وحماد بن أبي سليمان، متكلَّم فيهما.

[46] انظر: نيل الأوطار، 1/ 165 - 166.

[47] أخرجه البخاري رقْم 160، ومسلم رقْم 237.

[48] جامع البيان، 6/ 79.

[49] أخرجه أبو داود رقْم 142، والترمذي رقْم 788، والنسائي: 1/ 66، وابن ماجه رقْم 87، وابن خزيمة رقْم 150، وابن حِبَّان، الإحسان، رقْم 1054، والحاكم، 1/ 147 - 148، وغيرهم.
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصحَّحه ابن خزيمة، وابن حِبَّان، والبغوي، وابن القطَّان؛ انظر: التلخيص الحبير، 1/ 92.

[50] أخرجَه أبو داود رقْم 144، ومن طريقه البيهقي، 1/ 52.

[51] 1/ 315.

[52] أخرجه الدارقطني، 1/ 84.

[53] أخرجَه أبو يعلى رقْم 6370، والطبراني في الأوسط رقْم 538، والدارقطني، 1/ 101، قال الطبراني عَقِبه: لَم يروِ هذا الحديث عن عطاء إلاَّ إسماعيل، تفرَّد به علي بن هاشم.

[54] فتح الباري، 1/ 315.

[55] انظر المحلى، 2/ 49.

[56] ساق سندَه ابن القطَّان في بيان الوهم والإيهام، 5/ 592 - 593، وصحَّحه.

[57] تقدَّم تخريجه.

[58] أخرجه الطيالسي رقم 2848، وأحمد: 3 /460 رقْم2011، وابن أبي شيبة، 1/33، وأبو داود رقم 141، والنسائي في الكبرى رقم 97، وابن ماجه رقم 408، والحاكم، 1/ 148، والبيهقي، 1/49، والحديث صححه ابن القطان في بيان الوهم والإيهام، 5/ 315 - 317، وقال الحافظ في الفتح، 1/ 315: إسناده حسن.

[59] انظر المغني، 1/ 167.

[60] انظر المحلى، 2/ 49.

[61] حاشية الصنعاني على شرْح العمدة، 1/ 180.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Web/alemran/10883/31038/#ixzz2JXhDRrRP

 
العودة
Top