الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
ففي اللقاء السابق تحدثنا عن فضل العلم، وأهميته في حياة المسلمين، وما جاء من النصوص في فضل العلماء، وشدة الحاجة إليهم، وأنه لا يستغني عنهم إلا من استغنى عن الدين، لا يستغني عن العلماء إلا من استغنى عن الدين.
فكما أنه لا يستغني عن المُزارع إلا من استغنى عن الدنيا، فكذلك لا يستغني عن العلماء إلا من استغنى عن الدين.
وبيان ذلك أننا لو افترضنا بلداً لا عالم فيه يفتي الناس، ويعلمهم ما يجب إليه عليهم، ويبين لهم ما نزل إليهم ولا يقضي بينهم، ويحل مشاكلهم وخصوماتهم، لما وجد الفرق بين المجتمع المسلم وغيره.
والعلماء مثلوا بالمصابيح، وأبو بكر الآجري في أخلاق العلماء صور ذلك تصويراً دقيقاً بليغاً، بحيث لو وجد جمع من الناس يسيرون في ليلة شديدة الظلام في وادٍ مسبع، فيه سباع وهوام، والظلام شديد، فلا يدري الإنسان من أين يؤتى؟ أيؤتى من تحته أم من بين يديه؟ أم من خلفه؟ فهذه حية تنهشه، وهذا سبع يقضمه، ثم جاءهم من معه مصباح أضاء لهم الطريق حتى أخرجهم من هذا الوادي، وهذا مثل العالم الذي يبين للناس كيف يسيرون إلى الله -جل وعلا-؟.
كل طريق يمكن قطعه بدون دليل وإن احتفت به المخاطر إلا هذا الطريق الموصل إلى الله -جل وعلا-، فلا يمكن قطعه إلا بواسطة أهل العلم.
فالذي يزهد في أهل العلم لا سيما من رسخ قدمه، وعرف بالعلم والعمل لا شك أنه يزهد في الدين، ونرى مع الأسف في بعض المنتديات، وبعض المجالس، وفي بعض المحافل، من أخذ راحته في أعراض أهل العلم، وهذا لا شك أنه يقلل من قيمته ومن شأنه، فإذا كان العلم بهذه المثابة، وإذا كان العلماء بهذا الثقل، فلا بد لهم من وراث وهم طلبة العلم الذي يحملون عنهم العلم، وهم أنتم وأمثالكم، والحمد لله الأمور تبشر بخير، رغم ما يوجد من ظلام حالك في على وجه الأرض، لكن يوجد -ولله الحمد- مراكز توجه الناس وترشدهم على الجادة، ويوجد أيضاً فيمن يحمل هذا العلم عن هؤلاء العلماء الجلة، وفيهم كثرة ولله الحمد وعلى الجادة، كان الأمر قبل سنين في الغالب مجرد عواطف، إن وجد محاضرة عامة عاطفية تهيج المشاعر اجتمع الناس لها، وإذا وجد العلم الصحيح الأصيل قال الله وقال رسوله على الجادة المعروفة عند أهل العلم لا تجد إلا النزر اليسير، والآن -ولله الحمد- العكس يوجد طلاب في حلقات التعليم بالمئات بل بالألوف في بعض الأحيان، وهذا يبشر بخير، وهذه رجعة إلى المسار الصحيح للتحصيل.
ولست بحاجة إلى أن أبين لكم ما ورد من النصوص في فضل العلم، من ذلك ما سمعناه في قراءة إمامنا جزاه الله خير، {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [(122) سورة التوبة] وهذه الجامعة العريقة تمثل تطبيق هذه الآية، فمن كل بلد من بلدان المسلمين نفرت طائفة قلوا أو كثروا، وطائفة تطلق على الجماعة كما تطلق على الواحد، فهذا فيه امتثال لهذا التوجيه الإلهي، ولم يؤمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاستزادة من شيء إلا من العلم، كما قرأ إمامنا في الركعة الثانية قول الله -جل وعلا-: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طـه] وجاء في الحديث الصحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ونحتاج من هذا أن نوضح المراد بالفقه في الدين لا كما يفهمه بعض الناس الذين صبت عنايتهم إلى معرفة الأحكام من الحلال والحرام، وهذا في غاية الأهمية في حياة طالب العلم؛ لكنه باب من أبواب الدين، وأهم منه ما عرف عند علماء الأمة بالفقه الأكبر.
المراد بالفقه في الدين هنا، الفقه في الدين من جميع أبوابه، ولذا لما سأل جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان في النهاية في آخر الحديث قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فالفقه في الدين هو العلم بالدين بجميع أبوابه.
فإذا كان بعض أبواب الدين مهملاً بين بعض المتعلمين فعليهم أن يلتفتوا إليه، إذا كانت الأبواب التي كانت في غاية الأهمية من سلف هذه الأمة التي تدعو طالب العلم إلى العمل بعلمه، كانت محل عناية أهل العلم من المتقدمين أمثال الرقاق والحكم والاعتصام، وغيرها من أبواب الدين التي تدعو طالب العلم وتحثه على العمل بعلمه فهي كالسياط تسوقه سوقاً إلى العمل بما تحمله من علم الحلال والحرام.
في اللقاء السابق ذكرنا بعض المعالم والمنارات التي قد يستضيء بها طالب العلم، وفي مناسبات كثيرة ذكرنا بعض العوائق التي تعوق عن التحصيل، ذكرنا أيضاً مفاتيح تفتح الآفاق أمام طالب العلم، وفي نقل عن سفيان بن عيينة بمناسبة المفاتيح وقفت عليه بالأمس، يقول سفيان: "أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر".
أول العلم الاستماع: لا بد أن يصغي طالب العلم إلى شيخه، مع الأسف يوجد من طلاب العلم وهذا يظهر جلياً في التعليم النظامي، تجد طالب حاضر عندك وأنت تشرح في كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- وهو ينظر في كتاب آخر، طيب مالك يا فلان منصرف؟ والله عندنا امتحان في المحاضرة التي تلي هذه، هل هذا عذر؟ بأن ينصرف طالب العلم عن العلم الشرعي، هذا ليس بمبرر، وقد تجد أسوأ من ذلك بعض الطلاب يحضر كتب لا علاقة لها بالعلم، وأحياناً تجد وإن كان على ندرة وقلة في الكليات الشرعية تجد جرائد، هذا لا شك أنه يبعث على الأسى في صفوف المتعلمين؛ لكن لا نجد مثل هذا في دروس المساجد وفي حلق العلم الذين جاءوا برغبة خالصة للتحصيل، قد يوجد من ينشغل بجوال مثلاً، وهذا ليس من الأدب في حلق التعليم، ينشغل بجوال، كل شوي النغمات، والرنات، هذا أيضاً ينبغي أن يجتنبه طالب العلم، عليه أن يستمع لشيخه، ويهتم بما هو بصدده من تحصيل هذا العلم الذي جاء من أجله، وتفرغ وتكلف العناء من أجله، يستمع، فأول العلم الاستماع، وفرق بين الاستماع والسماع، الاستماع مع قصد، الاستماع والفهم لما يلقى من أجل أن يثبت في الذهن ويرسخ، وأما مجرد مرور الكلام على السمع من غير قصد للاستماع هذا لا يجدي شيئاً، ولذا يقول أهل العلم في سجدة التلاوة: يسجد المستمع دون السامع" ولذا لو مررت وأنت في طريقك، ومر بجوارك سيارة ثانية، وصاحب السيارة شغل الأغاني ورفع عليها، فسمعت هذه الأغاني، أنت لا تلام، تلام إذا استمعت، أما إذا مجرد السماع مروره على أذنك من غير رضاً به، لا تلام على ذلك، إنما عليك أن تنكر؛ لكن كونك تؤاخذ بأنك سمعت الغناء فلا تؤاخذ، فأول العلم الاستماع.
وعلى طالب العلم أن يصغي لشيخه وما يلقيه، ثم الفهم، إذا استمع للشيخ وذكر الشيخ جملة من الجمل، هذا الطالب بحاجة إليها؛ لأنه من العلم الذي تفرغ من أجله، هل فهم هذه الجملة؟ الشيخ مطالب بأن يكرر هذا الكلام حتى يحفظ، حتى يفهم، كان -عليه الصلاة والسلام- إذا تكلم تكلم ثلاثاً حتى يفهم عنه، فالشيخ يكرر، هذا واجبه، بأسلوب، فإذا لم يفهم بأسلوب آخر، ليتمكن الطالب من الفهم بأسلوب ثالث، لئلا يمل الطالب من تكراره عليه بحروف واحدة؛ لكن واجب الطالب الفهم، وظيفة الطالب الفهم عن الشيخ إذا فهم من أول مرة الحمد لله، ما فهم المرة الثانية، الثالثة، ما فهم بعد ذلك يطلب يستزيد من الشيخ أن يفهمه ويوضح له، وكثيراًَ ما يستثبت طلاب العلم في حلقات العلماء السابقين مع كثرتهم، يستثبت بعضهم من بعض، فاته كذا، خفي عليه كذا، غفل عن الجملة كذا، حتى يفهمها، إن لم يفهمها من الشيخ فهمها من زميله.
ثم الفهم يقول، ثم الحفظ، إذا راجعت بعد أن استمعت وبعد أن فهمت احفظ؛ لأن الاستماع ثم الفهم يعين على الحفظ، يعين على الحفظ، ولذا يوصي بعض العلماء أن يحفظ القرآن مع التفسير، القرآن يحفظ مع التفسير، من أجل أنك إذا فهمت سهل عليك الحفظ، فيصعب على الإنسان أن يحفظ كلام لا يفهمه.
دعونا من مرحلة الصبا، لا نحن تجاوزنا مرحلة الصبا، في مرحلة الشباب، في مرحلة الفهم الآن، فإذا فهم الطالب المقطع الذي يريد حفظه سهل عليه حفظه، ومع ذلك يستعين بيمينه، إذا لم يستطع أن يحفظ من أول مرة، بعد أن يفهم مرتين، ثلاث، بعض الناس يتفاوتون في الفهم، بعضهم بطيء الحفظ أيضاً، فإذا كان من النوع بطيء الحفظ بعد أن يفهم عليه أن يستعين بيمينه، يكتب هذا المقطع مرة، مرتين، ثلاث، من أجل إيش؟ أن يحفظ الكتابة عن قراءة القطعة عشر مرات، وهذا مجرب، فإذا فهم ونفرض في التفسير مثلاً عنده خمس آيات، راجع تفسير هذه الآيات الخمس في تفسير موثوق به، في تفسير ابن كثير، تفسير ابن كثير أحياناً يتشعب بك بسبب كثرة الروايات، وكثرة الطرق فتتشوش، أنت تتشوش من الكثرة، اختصر، اختصر الكلام فأنت مع فهمك للقرآن يسهل عليك حفظه، ثم بعد ذلك إذا اختصرت ما يتعلق بهذه الآيات الخمس من تفسير ابن كثير، أو من غيره من التفاسير، إذا كنت لا تحسن الاختصار عليك بالمختصرات، أمثال تفسير الشيخ فيصل بن مبارك (توفيق الرحمن لدروس القرآن) خلاصة ولب للتفاسير الأثرية الثلاثة: لابن جرير والبغوي وابن كثير، هذا خلاصتها، يستفيد منه طالب العلم في فهم القرآن، وإن كان لا يستغنى بها غيره.
بعضهم يرى أن قراءة كتب التفسير تعوق عن مواصلة الحفظ، لكن لا بد من الفهم، نعم الصحابة كيف تعلمون القرآن؟ لا يتجاوزون العشر الآيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، حتى تفهم وتحفظ، يسأل عما يشكل منها فيتعلمون العلم والعمل جميعاً.
فطالب العلم إذا عني بهذا المقطع خمس آيات عشر آيات، حسب قوة حافظته وضعفها بعد ذلك يحفظ، يحفظ هذا القدر ويسهل عليه حفظه، إن استطاع حفظه بالتكرار، وإلا بعض الناس مع التكرار يشرد ذهنه، مثل هذا يقيد، يستعين بيمنيه، ويكتب، يكتب مرة، مرتين، ثلاث، والجهد لم يضيع.
بعد ذلك، بعد الحفظ العمل، والعمل من أعظم وسائل تثبيت العلم والعلم بدون عمل لا قيمة له؛ لأن القرآن ما أنزل إلا للعمل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بين ما نزل إليه في سنته من أجل أن يعمل به؛ لأن البيان يكون للمجمل، والمجمل لا يمكن أن يعامل به {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [(43) سورة البقرة] وبعدين؟ كيف نقيم الصلاة؟ ببيانه -عليه الصلاة والسلام- بقوله وفعله، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) حصل البيان، وعرفنا هذا البيان، ثم لم نعمل به إيش الفائدة؟ علم بدون عمل كشجر بلا ثمر، نخلة فحل لا تنبت بمفردها للزينة ما الفائدة منها؟ أو من الشجر الذي يجعل كالمنظر في الشوارع وفي بيوت بعض العلية من القوم، هذه لا قيمة لها، مثل العلم بلا عمل، إن كان يتخذ العلم لا للعمل بل للزينة كما تتخذ هذه الأشجار، هذه حقيقة مرة، هذه حجة على من تحمل هذا العلم، فعلى طالب العلم أن يعمل بما يعلم، ويذكر هنا من باب أنه من أعظم ما يعين على تثبيت العلم وترسيخه في الذهن.
ثم النشر، إذا تعلم استمر فهم، حفظ، عمل بنفسه، نشر علمه، نشر علمه للآخرين؛ لكي يستفاد منه، و ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) وتصور أن بعض الناس تجرى لهم الأجور مئات السنين، كيف تجرى لهم مئات السنين؟ ((أو علم ينتفع به)) ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...... أو علم ينتفع به)) طيب انتفع هذا الجيل وانقرضوا؛ لأن بعض الناس يقول: العلم الذي ينتفع به خاص بالتصنيف، هو الذي يستمر، أما بالنسبة للتعليم ينقطع بانقطاع الجيل الذي علمته، بعد ذلك ينتهي، لا يا أخي ما ينتهي، فضل الله واسع، أنت علمت زيد، ومعه مائة من الطلاب، زيد هذا علم مائة، وهؤلاء أجورهم مثبتة لزيد، وأجورهم وأجور زيد مع أجورهم تثبت في أجرك أنت، فالأمر عظيم جداً، وفضل الله -جل وعلا- لا يحد؛ لكن نحتاج إلى أن نطلب العلم بنية خالصة، ونتعلم وننشر ونعلم ونؤلف بنية خالصة صالحة؛ لأن العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة، التي لا تقبل التشريك، فإما أن يكون مع السفرة الكرام البررة، مع النبيين والصديقين، وإما أن يكون من أول من تسعر بهم النار، نسأل الله السلامة والعافية.
فعلينا أن نعنى بهذا الشأن، ونخاف منه أشد الخوف، فالنشر لا شك أنه يوسع دائرة الأجر، فلك أجرك ولك عملك، ولك أجر من دللته على الخير والدال على الخير كفاعله، والنشر يكون بالتعليم والتعليم من أقوى وأعظم وسائل التحصيل، المعلم أول ما يبدأ بالتعليم، يعني علومه محدودة بقدر ما حفظه وفهمه عن شيوخه، ومن مفحوظاته؛ لكن إذا علم الناس لا شك أن علومه تنمو وتزداد، وبركة آثار العلم تظهر عليه مع النية الصالحة الخالصة، وإلا إذا لم يعلم غيره لا يلبث أن ينسى ما تعلمه، ولنا عبرة بمن تعلم وتسلم المناصب العليا، وكان يشار إليه بالبنان، يشار إليهم، علماء كبار، ثم بعد ذلك تركوا التعليم وانصرفوا عنه، نعم هم على خير، وعلى ثغور في مصالح العامة؛ لكن مع ذلك تركوا التعليم، فانحسر علمهم، أخذ يتراجع، والنسيان آفة من آفات تحصيل العلم، النسيان معروف ما سمي الإنسان إلا لنسيانه.
وكثير من الطلاب الذين مروا علينا أثناء التدريس في الجامعة نوابغ، وتجدهم مع الأوائل، وتسأل في القاعة وفي الفصل تجدهم ما شاء الله مبرزين في تحصيلهم، وقد فاقوا أقرانهم؛ لكن يتوظف بعد التخرج بوظيفة إدارية شأنه الكتابة، نعم الكتابة ما ينسى الكتابة؛ لأنه يزاول الكتابة؛ لكن العلم إذا مضى عليه سنة نسي قدر من علمه، سنتين ينسى أكثر، ثلاث سنوات ينسى، خمس سنوات عشر سنوات يعود عامي أو في حكم العامي، فعلينا أن نتابع التحصيل والنشر، التعلم والتعليم.
فالتعلم لا حد له، "تفقهوا قبل أن تَسُودُوا"، أو "تُسوّدوا"، قال أبو عبد الله البخاري: "وبعد أن تسودوا" لأنكم إذا سودتم ووقفتم على الحد نسيتم ذلك.
يقول: "فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بنية صادقة على ما يحبه الله"، يعني على الجادة المعروفة المأثورة عن سلف هذه الأمة، المبنية على الدليل على ما يحبه الله، ألهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نوراً، فهو ينظر بنور الله.
هناك أمور ولا أريد أن أكرر ما ذكرته في اللقاء السابق، ولا ما ذكرته في مناسبات وسجلت وتداولها الإخوان من كلام؛ لكن عندنا فيما يتعلق في ظرفنا الذي نعيشه:
- واجب طالب العلم في أوقات الفتن.
- وعندنا أيضاً: مسئولية حمل العلم وتبليغه.
- وأيضاً: فقه تطبيق العلم.
هذه مسائل لا بد أن نكون على بصيرة منها.
واجب طالب العلم في أوقات الفتن:
عليه أن يعتصم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والعصمة من هذه الفتن بالاعتصام بالكتاب والسنة، ويقلل بقدر الإمكان إلا بقدر الحاجة، إلا بقدر ما يُحتاج إليه من الأمور التي يخوض فيها الناس، يقلل منها، ويقتصر منها على قدر الحاجة، بعض الناس في أوقات الفتن، والفتن مذهلة، والإنسان متشوق إلى أن يعرف ماذا حصل؟ وماذا قيل؟ وماذا قالوا؟ تجده يقضي من وقته أكثر من نصف الوقت في الجرائد والمجلات والمواقع والقنوات، ماذا قال فلان؟ وماذا قيل عن فلان؟ على أمور هي لا شيء إن لم تضر لم تنفع، نعم ينبغي أن يعرف الإنسان ما يدور حوله بقدر الحاجة، وأن يكون ديدنه كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، وأن يُعنى بالعبادات الخاصة، يُعنى بالعبادات الخاصة مثل الذكر، سواءً كان المطلق أو المقيد في أوقات خاصة أو على العموم في جميع الأوقات، ومثل تلاوة القرآن على الوجه المأمور به.
وأيضاً الصلاة، يكون له نصيب من الصلاة، وأيضاً الصيام، وغير ذلك من العبادات المتنوعة التي جاءت النصوص بفضلها، ((والعبادة في الهرج كهجرة إلي)) كما في الحديث الصحيح، فعلينا أن نهتم بهذا الأمر ونعنى به، ونلتف على أنفسنا، ونصلح ما فيها من خلل، ونعنى بأمراض القلوب كي نعالجها من كل ما جاءنا في شرعنا، ولا نحتاج إلى غيره، لا نحتاج إلى أن فلان العالم النفساني الأمريكي قال كذا، أو البريطاني قال كذا، لسنا بحاجة، عندنا العلاج لكل داء، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] شفاء لإيش؟ لأدواء القلوب وأمراضها، ولأدواء الأبدان أيضاً، وأمراضها، فعندنا الشفاء، وفي كلام أهل العلم ما يعين على ذلك، وللإمام المحقق شمس الدين ابن القيم من ذلك القدح المعلى، وكتبه مملوءة من هذا الشيء، فيعنى بها أيضاً؛ لأنها تعين على فهم الكتاب والسنة، فعلى الإنسان أن يهتم بأمر العمل، وإذا صدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- أعانه على كل ما يريد من علم وعمل.
مسئولية حمل العلم وتبليغه:
سمعنا في الآية: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ} لماذا؟ إذا أنذروهم إيش يترتب على هذا؟ {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [(122) سورة التوبة] يحذرون مما يُخاف، أمام الإنسان مخاوف، أمامه مخاوف في دنياه، فتن الدنيا، وأمامه أيضاً فتنة القبر، أمامه فتنة في المحيا، أمامه فتنة في الممات، أمامه أيضاً إما نعيم دائم لا ينقطع، أو عذاب سرمدي لا ينتهي، فيحمل هذا العلم بإخلاص وصدق، ويبلغه قومه إذا رجع إليهم، والنتيجة {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وبعض الإخوان كما بلغنا قام بهذا على خير وجهه في بلده فرجع، وبعضهم انشغل بأمور الدنيا وأمور المعاش وعاد كغيره، ولا أثر له في المجتمع، وسمعنا مسألة تبليغ العلم ونشر العلم، وما يترتب عليه من عظائم الأجور.
فالعلم مسئولية عظيمة، لا بد من تبليغها، ((بلغوا عني ولو آية)) ((نظر الله امرأً سمع مني حديثاً فوعاه، ثم ألقاه كما سمعه)) فلا بد من تبليغ ما سئل، أبو هريرة لما انتقد في كثرة التحديث قال: "لولا آية في كتاب الله ما حدثت، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ} [(159) سورة البقرة] فالكتمان أمره عظيم، إيش معنى أني أحفظ القرآن وأنام عنه؟! إيش معنى أنني أحمل العلم ولا أبلغه للناس؟! هذا وبال على صاحبه.
فقه تطبيق العلم:
عرفنا أنه لا بد من تطبيق العلم، وأن العلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، عندنا مسألة نحتاج إليها، كثير من الإخوان يحرص على التعلم، و ما وجدت هذه الجموع إلا من أجل هذا، والحرص دليل على إرادة الله -جل وعلا- للإنسان الخير، ومع ذلك يحرص على التطبيق، تطبيق العلم، وهو الثمرة المرجوة من العلم؛ لكن قد يخفى على بعض طلاب العلم فقه التطبيق.
إيش معنى فقه التطبيق؟ حمل حديثاً يتضمن سنة، فعلم هذا الحديث، حرص على تطبيقه وطبقه بالفعل؛ لكنه لم يفقه ما يحتج بهذا الحديث من معارض مثلاً، فعلى سبيل المثال: طالب علم عرف ما جاء في التراص في الصفوف في الصلاة، وأن الصحابة كانوا يلصقون أقدامهم بأقدام من جاورهم في الصلاة، التراص في الصف أمر جاء الحث عليه، ((لا تدعوا فرجات للشيطان)) لكن مع ذلك هل نفقه أن نطبق هذا، بعض الناس يظن أن التطبيق لا يحصل إلا بالجفاء، حتى أنه وجد من -من حرصه على تطبيق السنة- لكن مع عدم الفقه لتطبيقها من يكون بعض أصابع جاره تحت قدمه، موجود هذا، ووجدت ردود أفعال ممن حصل معهم بعض هذه القضايا؛ لأن ربى بعض الأظافر لمثل هذا، هذه كارثة، هل هذا تطبيق لسنة؟ هذا حريص على تطبيق السنة، ويلصق القدم بالقدم؛ لكن ليس معنى هذا أنك تؤذي جارك، وتطأ على رجله، وإلا.....، هذا شيء، بعض الناس ما يتحمل، تصير قدمه عندها شيء من الحساسية، يعني إذا وجد طالب علم مشهود له قطع صلاته من أجل إيش؟ خيط رفيع جداً ينزل من ثوبه على قدمه، وهو حساس شديد الحساسية، خرج قطع الصلاة، ظنه حشرة أو شيء، فكيف من يجعل بعض الأصابع تحت قدمه؟ وإذا سجد جافى بين عضديه حتى يضر بالآخرين، يا أخي ما هكذا تطبيق السنة، أنت مطالب ألا تدع فرجة للشيطان؛ لكن بقدرها، والمحاذاة ليست بالأقدام فقط، ولذا بعض الناس يظن أن الحل في عدم ترك الفرج بأن يفحج بين رجليه، يجعل بدل ما حجمه....... في الأصل، يجعل بين رجليه أكثر من متر، هل هذا تطبيق للسنة؟ أين المحاذاة بالمناكب؟ هذا ليس هو تطبيق السنة، إنما يحرص الإنسان أن يحاذي بالمناكب والأقدام، ودين الله -جل وعلا- بين الغالي والجافي.
بعض الناس يحرص على تطبيق السنة، أولاً: لا يفقه السنة، فتجده يتورك في كل جلسة، وفي بدنه ثقل، وفي جيبه مفاتيح، ومحافظ وجوال، وما أدري إيش؟ ثم يرمي بنفسه على جاره، هل هذا يفقه تطبيق السنة؟ لا بد من فقه التطبيق، يعني إذا كانت هذه السنة معارضة، مثل المجابهة، المجابهة سنة؛ لكن بجوارك آخر تؤذيه، ((والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يؤذِ، ما لم يحدث)) وأي أذىً في أن تجعل مرفقيك في أضلاع أخيك؟ فننتبه في هذا، ولا شك أن الذي يحرص على السنة يؤجر على قدر حرصه؛ لكن لتمام أجره لا بد أن يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ لا بد أن يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ وليس معنى هذا التقليل من شأن التراص في الصفوف، وإلصاق الأقدام؛ لكن أيضاً إذا رأيت جاري من النوع الحساس أترك له فرصة، بعض الناس من يكبس في صلاته إلى أن يسلم وقلبه كالمرجل من خشية الله؟ ومن تأمل ما يقرأ؟ لا، على صاحبه، يغلو كالمرجل على صاحبه وجاره، على أخيه المسلم، لماذا؟ لأنه ضايقه، وهذا حساس ما يتحمل، والناس في طباعهم في بعضهم شدة، ما يتحمل مثل هذه الأمور، ووجدت تصرفات أثناء الصلاة، تجعل طالب العلم متسماً في جميع أفعاله بالرفق واللين، وليكن داعية خير بفعله قبل قوله ليقبل، فعلينا أن نهتم بهذه الأمور، ولا نريد أن نكرر ما ذكرته سابقاً، فهذه مسائل ثلاث رأيت أهميتها في مثل هذا الوقت.
وطلب الكثير من الأخوة يقولون: الإجابة على الأسئلة هي التي تحل بعض الإشكالات عند بعض الإخوان وقد يكون في الكلام المرسل المكرر شيء من التكرار، فالإجابة على الأسئلة لا شك أنها حاجة قائمة للإخوان، فنقتصر على هذا، ونبدأ في الأسئلة، ولعله يرد فيها ما ينفع -إن شاء الله-.
هذا يقول: ما رأيكم فيمن يستغني بالمذكرات الجامعية، في التعليم عن كتب السلف، وخصوصاً في بعض علوم الآلة، وهل هذا من التيسير على طلاب العلم الجامعيين؟
أقول: مثل هذا مع احترامي وتقدير لزملائي من المعلمين في الجامعات الذين اجتهدوا وسهروا وحرروا وضبطوا المسائل، ورتبوها ونظموها؛ لكن هذه الطريقة لا تبني طالب علم، طالب العلم لا بد أن يبنى على الجادة المطروقة عند أهل العلم، فيربى على المتون المقررة من قبل أهل العلم، لا بد من هذا.
فهذه المذكرات مثل مؤلفات المعاصرين التي صيغت بأساليبهم، بل هي منها، هل هذه تربي طالب علم على أساليب العلماء المتقدمين؟ افترضنا طالب تخرج في كلية الشريعة أو أصول الدين أو كلية الحديث أو غيره على هذه المذكرات، ثم بعد أن تخرج عُين في بنك، وعرض عليه مشاكل ومسائل واحتاج أن يراجع الكتب، هل يستطيع أن يفهم كتب المتقدمين من خلال فهمه لهذه المذكرات؟ هذه المذكرات هي عبارة عن مؤلفات صيغت بأسلوب يفهمه الشخص بدون معلم، لكننا في مرحلة التعليم لا بد أن نقرر كتب لا يفهمها الطالب بمفرده، بحيث إذا وجد في معنى واستقل بعد تخرجه في بلد لا عالم عنده نعم، يستطيع أن يستقل بنفسه، ويفهم كلام العلماء، ولا يحتاج إلى أن يرجع أن يتعلم مرة ثانية ليفهم هذه الأساليب التي انفرد بها وخلى بها، فكتب هذه المذكرات لا شك أنها من أعظم العوائق عن التحصيل مهما اعتذرنا عن أصحابها بحسن النية والقصد، ونحن لا نطعن في قصد أحد، وأرادوا التسهيل والتيسير؛ لكن طالب العلم لا بد أن يبنى على الحزم والعزم، ولذلك ليس من العبث أن يؤلف العلماء هذه الكتب بأساليب صعبة، بإمكانهم أن يبسطوا، يعني اختيار الزاد في هذه البلاد (زاد المستقنع) أو (المنتهى) أو (مختصر خليل) أو غيره في بلدان أخرى، يعني هذا ........ وهي أشبه ما تكون بالألغاز، متعبة لطلاب العلم؛ لكن طالب العلم إذا فهم هذا الكتاب سهل عليه فهم ما دونه، يعني طالب العلم الذي يتربى على (التدمرية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، إذا تخرج وسكن بمفرده في بلد لا يوجد طالب علم غيره، يبي يشكل عليه (شرح الطحاوية)، ويشكل عليه (شرح الواسطية)، ويشكل عليه (الحموية) أو غيرها من كتب العقيدة؟ إذا تربى على الأصعب وفهمه بين يدي أهل العلم الذين هم الآن متوافرون، يمكن في وقت من الأوقات تطلبهم لا تجدهم، ولا تتصور أن الآلات التي تخدم الآن وتقرب المسافات وتيسر الاتصال بالآفاق، وأنت جالس تستمر، لا، اعتبر نفسك ما عندك إلا هذه الكتب، وعندك مشكلة لا بد من حلها، كيف تتعامل مع هذه الكتب؟ لا بد أن توطن نفسك على هذا الأمر.
يقول: ما هو خير كتاب أو متن فقهي غير متقيد بمذهب معين يصلح لتدريسه لعوام الناس؟
يصلح لتدريسه لعوام الناس، عامة الناس بالإمكان تدريسهم مثل (منهاج السالكين) للشيخ ابن سعدي، أو الإرشاد له، أو ينتقى لهم من فتاوى أهل العلم، العوام الذين ليس لهم أرضية للتحصيل، يمكن أن ينتقى لهم من فتاوى ابن باز، أو فتاوى اللجنة الدائمة، أو من فتاوى الشيخ ابن عثيمين، يأخذ لهم مسائل من هذه وتقرأ عليهم، أما متن فقهي غير متقيد بمذهب، إيش معنى غير متقيد بمذهب؟ معناه هو متقيد باجتهاد مؤلفه، ما رحنا بعيد، وكثير من الناس يقول: لماذا لا تقرر الدرر البهية للشوكاني؟ نقول: يا أخي أنت فررت من اجتهاد الحنابلة إلى اجتهاد الشوكاني، نعم، فهي كلها مذاهب، أو مثلاً تقول: نعمل بفقه الشيخ الإمام المجد الإمام الألباني -رحمه الله- مثلاً، واختياراته وهو صاحب حديث، وصاحب سنة، طيب هذا اجتهاده، والشيخ ابن باز أيضاً هذا اجتهاده، وكلهم أئمة وعلى العين والرأس؛ لكن أنت تتأهل، أنت إن كان قصدك العوام تقرأ عليهم من اختيارات هؤلاء الأئمة ما لم يعرف بمسألة شذ فيها عالم، يُرجّع العوام إلى قول الأكثر، لكن يبقى أن تربية طلاب العلم على هذه الكتب غير متقيدة بالمذهب نقول: هذه كتب المتون المعتمدة في المذاهب لا بد من تمرين طلاب العلم عليها والتفقه عليها، إيش معنى هذا؟ ليس معنى هذا أن هذا دساتير لا يحاد عنها، أبداً، أو أنها كتب معصومة ليس فيها أخطاء.
من صغار الكتب التي تدرس الآن (زاد المستقنع)، وفيه أكثر من ثلاثين مسألة خالف فيه المؤلف المذهب نفسه، وخالف فيها القول الراجح الذي عليه الدليل في مسائل كثيرة؛ لكن ليس معنى هذا أن كل ما قاله صاحب الزاد أنه مثل القرآن، لا، يربى طالب العلم ليفهم هذه المسائل، يتصور هذه المسائل بعد أن تصور له من قبل المشايخ، إذا تصورها تصور دقيق استدل لها، فإن كان الدليل يسندها عمل بها، وإن كان الدليل على خلافها ضرب بها عرض الحائط وعمل بالدليل، وبهذه الطريقة نستطيع أن نخرج طالب علم متميز.
يقول: عندي سؤال مهم بالنسبة لدي وتحيرت فيه، وهو كيفية الاستفادة من الكتب الستة، هل تقرأ كتاباً كتاباً مع شرحها، أو تقرأ المتون مع أسانيدها، وأخشى أني لا أصل إلى النسائي إلا وقد نسيت ما في البخاري، فأرجو من فضيلتكم الطريقة السديدة للاستفادة من كتب السنة؟
وهذا أيضاً مما شرحناه مراراً، وهو أن طالب العلم حينما يطلب العلم على الجادة ويقرأ المتون، ويحفظ متون الطبقة الأولى، الأصول الثلاثة والقواعد الأربع وكشف الشبهات والأربعين النووية، والنخبة، والآجرومية، إذا حفظ هذه المتون، وتحفة الأطفال في التجويد، وغيرها من المتون التي ألفت للمبتدئين، ثم بعد ذلك قرأ كتب المتوسطين، وحفظ ما أمكنه حفظه منها، مع حفظ أكبر قدر من كتاب الله -جل وعلا-، بحيث لا ينتهي من المران من كتب الطبقات الثلاث إلا وقد أتقن القرآن، نعم يوزع القرآن على هذا، فمع كتب الطبقة الأولى يحفظ المفصل، ومع كتب الطبقة الثانية يحفظ بقية النصف الأخير، مع كتب الطبقة الثالثة يحفظ النصف الأول يكون بهذا انتهى من حفظ القرآن وضمنه مع حفظ هذه الكتب، إذا انتهى من هذه الكتب التي ألفت في طبقات المتعلمين يطلع إلى كتب السنة، المسندة، الأصول، وعرفنا كيف يتعامل معها؟
بعضهم يقول: يقتصر على المختصرات؛ لأننا لسنا بحاجة إلى التكرار في صحيح البخاري، أو إلى الأسانيد في صحيح البخاري، لسنا بحاجة إلى هذا؛ لأنه يهمنا المتون المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: لا يا أخي، تريد أن تتعلم على الجادة، ويكفيك في تقرير خمس سنوات لإتقان الكتب الستة، وتحضر الكتب الستة في آن واحد، والكتب -ولله الحمد- مخدومة، بالترقيم والإحالات، وكل شيء موجود، فيأتي إلى صحيح البخاري الحديث الأول في صحيح البخاري، حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) كم أورده البخاري من موضع في صحيحه؟ في سبعة موضع، نستحضر هذه المواضع، نستحضر هذه السبعة المواضع، وما ترجم عليه البخاري على هذا الحديث في المواضع السبعة، وهي فقه البخاري، وما أردفه في الترجمة من أقوال سلف الأمة لشرح هذه الترجمة، نعم، انتهينا من المواضع السبعة في صحيح البخاري، نجد أيضاً وافقه على تخريجه مسلم، نذهب إلى مسلم ونضيف ما رواه مسلم من زيادات في المتون والأسانيد إلى ما صفيناه من صحيح البخاري من بين المواضع السبعة اقتصرنا على أوفى هذه المواضع، وذكرنا فروق الأسانيد والتراجم على الحديث، ثم أضفنا إليه مسلم إن كان فيه زيادة، وأشرنا على صحيح مسلم أن هذا الحديث دُرس مع صحيح البخاري، هذا الحديث يرويه أبو داود أيضاً، نرجع إلى سنن أبي داود ونضيف على ما استخلصناه من الصحيحين ما يزيده أبو داود من لفظ زائد أو لفظ مغاير، أو زيادة راوٍ، أو فائدة في صيغة أداء، أو طريق لا يوجد في الصحيحين نضيفه إلى مذكرتنا الذي نجمع فيها الجمع بين الكتب الستة، ثم نرجع إلى الكتاب الرابع والخامس والسادس وهكذا، إذا انتهينا من الحديث الأول نرجع إلى الثاني في صحيح البخاري ونفعل به كما فعلنا بالأول.
الآن مررنا على المائة الحديث الأولى، جاءنا حديث هذا الحديث درسناه مع الحديث الأول، انتهينا منه، وقد أشرنا عليه ومررنا، لا نحتاج إلى دراسته، مر علينا حديث درسناه مع الحديث العاشر، فلا نحتاج إلى دراسته، مر علينا الحديث الخامس بعد المائة درسناه، وهكذا، وبهذا نكون إذا انتهينا من صحيح البخاري على هذه الطريقة نكون انتهينا من نصف صحيح مسلم، نعم، ونأخذ ربع ما في سنن أبي داود، وربع ما في سنن الترمذي، وابن ماجه وهكذا، نعم، ثم بعد ذلك نأتي إلى زوائد مسلم، الأحاديث التي في مسلم ولم ندرسها مع البخاري نأتي إليها نفعل ونصنع فيها كما صنعنا في صحيح البخاري، نجعل مسلم، في الأول جعلنا البخاري محور الدراسة، في المرحلة الثانية إذا انتهى البخاري نجعل زوائد مسلم محور الدراسة، ونراجع على هذه الزوائد كتب السنن، ثم انتهينا من صحيح مسلم نبدأ بسنن أبي داود فنجد نصف سنن أبي داود انتهى، زوائد أبي داود على الصحيحين تصبح محور البحث، ننظر فيها بالطريقة التي نظرنا فيها إلى الأحاديث في الصحيحين، ثم انتهينا من سنن أبي داود، ونربع بالترمذي، ثم نخمس بالنسائي، ونختم بابن ماجه.
هذه الطريقة يعني مع الجد لا أتصور أنها تأخذ على طالب العلم خمس سنوات، خمس سنوات يفهم كل ما في كتب الستة بعجرها وبجرها، بصحيحها وضعيفها، بمتونها وأسانيدها، بمرفوعاتها وموقوفاتها، ومقطوعاتها، بفقه هؤلاء الأئمة، هذا مع طريقة التخبط التي نعيشها نحتاج إلى مائة سنة، ويمكن نموت وما مررنا على أحاديث في الصحيحين؛ لكن إذا اعتمدنا هذه الطريقة ومشينا عليها بحزم وجد أتصور خمس سنوات كافية.
طيب إذا اعتمدنا على ما لخص واختصر لنا من البخاري، وأضفنا إليه زوائد مسلم باختصار فقط المتون، وأضفنا إليه زوائد السنن، كم فاتنا من علم بهذه الطريقة، يعني لسنا بحاجة إلى التراجم التي ترجم بها أئمة السنة على هذه الأحاديث وهي خلاصة فقههم؟ ألسنا بحاجة إلى ما يدعم به المؤلف فقهه من أقوال الصحابة والتابعين؟ إحنا في أمس الحاجة إلى مثل هذا، ولكن مع ذلك بعض الناس يتطاول مثل هذه الطريقة وهي سهلة ميسرة، والأمور كله -ولله الحمد- متيسرة، وكل شيء متوفر، بعض الناس يقول: لماذا لا نكتفي بالحاسوب وهو يطلع لنا الخلاصة بيوم واحد، نضغط طلب ويطلع لنا ما في الكتب الستة بغير تكرار، وخلال أيام و...... قرأتها؛ لكن العلم ما يأتي بسهولة، لا يستطاع العلم براحة الجسم، العلم يحتاج إلى حفر في الذهن، يحتاج إلى تعب ومعاناة لكي يثبت، فأتصور أن هذه الطريقة نافعة ومجدية.
نعم مسألة الحفظ الذي يريد أن يحفظ في أقصر مدة، ويحفظ على الطريقة التي يسلكها الإخوان الآن، مع اعتماده وعنايته بالطريقة التي شرحتها، فإذا حفظ المتون المجردة على طريقة الإخوان، وعمل بدراسة الأحاديث على الطريقة التي شرحناها، أتصور أنه سيتخرج محدث، متقن بارع، إن حالفه توفيق الله -جل وعلا- الذي سببه الصدق مع الله -جل وعلا-.
يقول: ما هي الكتب التي توصون بقراءتها لطالب العلم المبتدئ وخصوصاً الطلاب الذين أتوا من مدارس الثانوية لم يسبق لهم دراسة العلوم الشرعية؟
مثل ما ذكرنا يحفظ كتب الطبقة الأولى، والآن كل شيء متيسر، هذه الكتب تشرح الآن في المساجد، وسجل عليها شروح كثيرة، كون الطالب -ولله الحمد- يحفظ هذه المتون، ويسمع ما سجل عليها، ويحضر الدروس يصير له أمر كبير، ويهتم بكتب الطبقة الأولى التي هي الأساس، التي هي باصطلاح أهل المقاولات يسمونها ميدة، الأساس الذي يبنى عليه غيره، هي الأصل ثم بعد ذلك يرتقي إلى كتب الطبقة الثانية، ومع الأسف أنه يوجد من يقول: لماذا لا تجرد كتب الطبقة الثانية، فيذكر زوائدها على كتب الطبقة الأولى؟ نحن اعتمدنا في الطبقة الأولى مثلاً العمدة، يعني نمشي على ترتيب الموفق، عمدة الفقه مثلاً نعم، لماذا ندرس المقنع في الطبقة الثانية وتسعين أو سبعين بالمائة من مسائل المقنع مرت بالعمدة فلماذا نكرر؟ نقول: يا أخي لا بد من التكرار، التكرار أمر لا بد منه، كون المسألة تمر عليك مرة واحدة في عمرك، هل يكفي لفهمها وثبوتها في ذهنك، تنساها؛ لكن إذا مرت عليك بأسلوب آخر بأبسط بوجوه باستدلال، كما في الكافي مع ذكر المذاهب والأدلة، كما في المغني، لا شك أن هذه المسائل ترسخ في ذهن طالب العلم.
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))... إلى آخره، فهل يفهم من هذا الحديث التعديل المطلق لطلبة العلم والعلماء؟
هذا الحديث أولاً: مختلف في ثبوته وصحته، وصححه بعض العلماء، والإمام أحمد يميل إلى ثبوته، فيما نقله عنه الخطيب في شرف أصحاب الحديث وغيرهم، نقل عن الإمام أحمد تصحيحه، وفهم منه ابن عبد البر أن هذا تعديل لكل من يحمل العلم، كل من حمل العلم فهو عدل لقول المصطفى.
لكن خولفا، الواقع يشهد بأنه يوجد من يحمل العلم، وأنا عندي تحفظ على إطلاق كلمة علم على ما يحمله من لم يعمل بعلمه، يوجد في الواقع من يحمل مسائل علمية بأدلتها يتصورها تصوراً صحيحاً دقيقاً بأدلتها بعجرها وبجرها وعنده شيء من المخالفات، فهل نستطيع أن نعدل من خلال هذا الحديث من حمل العلم وهو يرتكب محرمات، ألا يوجد ممن يرتكب محرم وهو يقال له: عالم ويحمل شهادات عليا، ويعلم التعليم الشرعي، لا يمكن أن نعدله، فإما أن نقول: أن الحديث جاء لحث أهل العدالة على حمل العلم، كما جاءت الرواية: ((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) حث للعدول أن يحملوا العلم، ولا يتركوا المجال لغيرهم أن يحملوا هذا العلم، أو نقول: أن ما يحمله الفساق ليس بعلم، ما يحمله الفساق ليس بعلم، وهذا هو المتوجه عندي، وإن سماه الناس علماً، وهو في الحقيقة ليس بعلم، يعني علم ما ينفع، إيش الفائدة؟ ومن أوضح الأدلة على ذلك قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] عمل السوء، ارتكب مخالفة جاهل وإن كان من أعلم الناس، يعرف أن الزنا حرام، هل نقول: أنه عالم عنده الأدلة أن الزنا حرام، ويزني، هل نقول له: عالم؟ لو قلنا: عالم لقلنا: أن توبته لا تقبل، والنص القطعي في الثبوت والدلالة يدل على أن توبته مقبولة، يعمل السوء بجهالة، هل معنى هذا أنه لا يعلم الحكم؟ يعلم الحكم، ولذا يقرر أهل العلم أن كل من عصى الله فهو جاهل.
يقول: ما الفرق بين النسخة السلطانية واليونينية لصحيح البخاري؟
النسخة السلطانية الذي طبعها السلطان سنة (1311هـ) وشكل لها سبعة عشر من علماء مصر لمراجعتها وإتقانها وأثبتوا عليها الفروق التي أثبتها الحافظ شرف الدين اليونيني بعد عنايته بالصحيح، عناية فائقة، وذكر الفروق بين الروايات هذه النسخة هي السلطانية، وعن فروق هذه النسخة مأخوذة عن ما أثبته الحافظ اليونيني في مقارنته بين روايات الصحيح، فهي نسخة متقنة، هذه النسخة طبعت في بولاق تسعة أجزاء، سنة (1311هـ) ووجد فيها ما يقرب من مائة خطأ مطبعي، صحح في الطبعة الثانية (1313هـ) وكانت هذه النسخة إلى وقت قريب مفقودة من الأسواق، ثم صورت -ولله الحمد- واستفيد منها الطلاب، فالسلطانية هذه الفروق التي على هامشها مأخوذة من عمل اليونيني.
على أني وقفت من الفروق للحافظ ابن رجب في شرحه على البخاري ما فات اليونيني مما لم يذكر في هذه النسخة، فالمقصود أنه لا يتصور أن اليونيني مع اهتمامه بصحيح البخاري وعنايته برواياته، لا يتصور أنه أشار إلى كل شيء، لا، على كل حال بعض الطلاب يخلط بين هذه النسخة وبين النسخة التركية المطبوعة باسطنبول دار الخلافة العامر -على ما يقولون- بعد ذلك، في ثمانية أجزاء، وليس فيها فروق، عليها بعض التعليقات؛ لكن ليس فيها فروق الروايات، بعض الناس يسميها السلطانية، لماذا؟ كيف حصل الوهم؟ حصل لأنها أولاً: مطبوعة بتركيا، وتركيا معروفة أنها محل السلطان.
الأمر الثاني: أنه يأتي من هذه النسخ نسخ جميلة مذهبة بتجليد فاخر اشتهر بين الكُتْبِيين أن هذه النسخ نسخ سلطانية، بمعنى أنها تليق بالسلاطين لنفاستها، فيحصل اللبس من هذه الحيثية.
يقول: ما رأيكم بملتقى أهل الحديث في الإنترنت، وهل يستفاد منه؟
نعم يستفاد منه، هو فيه بعض طلاب العلم من الأخيار يكتبون فيه، وفيه نفع -إن شاء الله تعالى-، وهناك أيضاً وجهات نظر يكتبوها في ملتقاهم، وإن كنت أختلف معهم في بعضها؛ لكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا خولف باجتهاده ينسف كل الجهد.
يقول: ما رأيك بالطرق الجديدة في طلب العلم مثل الأشرطة لكبار العلماء والدروس العلمية في القنوات، مثل قناة المجد والحاسب الآلي؟
أولاً: طلب العلم من الأشرطة لكبار العلماء هذه من أنفع ما يتعلم عليه إذا لم يتمكن الطالب من المثول بين يدي هؤلاء العلماء، نحن لا نتصور أن الأمر ميسر أن الإنسان سهل عليه أن يركب سيارته ويذهب إلى فلان أو علان ليطلب عليه العلم من الكبار، لا يتيسر لكثير من الناس، بعض الناس يشغله البعد في الآفاق، وبعض الناس يشغله العمل، وطلب المعيشة، وبعض الناس يشغله الارتباط بالوظيفة، أو على أمر من أمور المسلمين، المقصود أن مثل هذه الأشرطة تحل كثير من الإشكال.
وأيضاً: الدروس من خلال الإنترنت وأنا حقيقة مثل هذه المحدثات على حذر كبير منها، أنا لا أوصي بها بالإطلاق؛ لأن فيها الغث والسمين، والغث كثير، وجد -ولله الحمد- من يستفيد منها، لكن أيضاً وجد باسم الاستفادة من بعض من ينسب إلى طلب العلم أيضاً من تيسر له النظر في أمور لا يجوز النظر إليها، ففيها الغث والسمين، فإن اقتصر على الأشرطة فهو الأفضل، إذا لم يتمكن ولم يتحصل على هذه الأشرطة، إذا لم يكن إلا هذا مع أخذ الحيطة والحذر الشديد؛ لأنه يسهل لك الاتصال بأمور ما كانت ميسرة في السابق، فهذه مزلة قدم، ولا يقول الإنسان: أنا متحصن بالعلم، لا، قد زل أناس وضاعوا بسببها، ضاع بسببها أناس كثير.
يقول: الدروس العلمية في القنوات، مثل قناة المجد والحاسب الآلي؟
قناة المجد لا غرو عليها، وذكرت مراراً رأيي فيها، وقلت: السلامة لا يعدلها شيء، السلامة الذي يستطيع ويرتكب العزيمة في هذا الباب فالسلامة لا يعدلها شيء.
أما الإنسان الذي لا يستطيع أو يبتلى بآلات أخرى فهي من أفضل الموجود الآن.
هذا يقول: طلاب العلم ينتظرون طبعة فتح المغيث؟
قد حققت نصفه، وهو الآن كامل، والآن تم صفه وكتاب فتح المغيث للسخاوي في شرح ألفية الحديث، والآن تم صفه، ويأتي -إن شاء الله- قريباً، وكذلك الألفية المتن، تم تحقيقها وطبعها ومراجعتها، وتأتي -إن شاء الله- قريباً.
يقول: ما هي أحسن طبعة لشرح العلل لابن رجب؟
شرح العلل -علل الترمذي- للحافظ ابن رجب تنال عنايتي منذ أن ظهر الكتاب بتحقيق نور الدين عتر، ومنذ أن خرج وأنا عنايتي به من خلال هذه الطبعة، وكون الإنسان يرجع إلى أكثر من طبعة هذا عندما يعترضه ما يقتضي ذلك من استغلاق العبارة، أو يغلب على ظنه أنه خطأ الكلام لا يستقيم، يرجع إلى الطبعات الأخرى، واقتناء الطبعات كلها في كل ما يحتاج إليه طالب العلم هو مهم جداً؛ لكن دونه خرط القتاد، فأنا ممن يُعنى بجمع الطبعات في الكتب القديمة بطبعاتها القديمة لكنها مرهقة تحتاج إلى جهد كبير لتحصيلها، وتحتاج مع ذلك متابعة في البحث، وتحتاج إلى مكان واسع، وتحتاج إلى دعم مادي قوي؛ وإلا لو وجد من هذه الطبعة تصحيح جملة تكفي خلاص قيمة هذا الكتاب وصلت، لو صححت جملة واحدة يستقيم بها الكلام المطلوب خلاص.
فكون طالب العلم يقتني الطبعات لا سيما من بعض الكتب الذي هو بأمس الحاجة إليها ما يضره أن يجمع في شرح علل الترمذي عشرة مجلدات مثلاً تحوي جميع طبعات الكتاب، ثم ماذا؟ لكن فتح الباري مثلاً طبع عشر مرات يجمع كم؟ مائتين مجلد صعب، وقل مثل هذا في كتب التفسير الكثيرة، أو كتب الشروح، الذي يصعب على طالب العلم أن يجمعها؛ لكن الكتب الذي حجمها صغير بإمكانه أن يجمع هذه الطبعات من أجل أن يراجع الطبعات الأخرى إذا وقف على خطأ في الطبعة التي بين يديه والتي يعتني بها.
يقول: ما رأيكم في منهج التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في التعليم في علوم الحديث عموماً؟
أولاً: لا يشك أحد ولا يجادل ولا ينازع في أن المتأخرين عالة على المتقدمين، وأنه لا علم عند المتأخرين وصل إليهم إلا عن طريق الأئمة الكبار الذين هم عمدة هذا الشأن؛ لكن من يخاطب بمثل هذا الكلام، يخاطب به المنتهي، أما طالب العلم المبتدئ يخاطب بمثل هذا الكلام هذا تضييع له، لا بد أن يتعلم على طريقة المتأخرين، وعلى جادتهم، ثم بعد ذلك إذا تأهل بعد أن يتقن هذه القواعد على الطريقة المشروحة بدأً بالنخبة ثم اختصار علوم الحديث لابن كثير، ثم الألفية وشروحها، ويكثر مع ذلك من التخريج والدراسة للأسانيد, ويعرض أعماله على أهل الاختصاص، فإذا صوبوا عمله، وقارن أحكامه بأحكام الأئمة من المتقدمين والمتأخرين، بعد ذلك تحصل لديه ملكة، يستطيع بواسطتها أن يحاكي المتقدمين، أما إذا قيل له: اعتني بكتب المتقدمين، فإذا اعتمدنا شرح علل الترمذي لابن رجب إيش فيه من القواعد التي يحتاجها طالب العلم المبتدئ؟ هل فيه كل شيء مما يحتاج إليه؟ لا، لا بد أن يطلب العلم على الطريقة والجادة المعروفة، ثم بعد ذك إذا تأهل وعرف القرائن التي بها يرجح قول إمام على قول إمام آخر، حينئذ، وصار في مصف المتقدمين مع أن دون ذلك خرط القتاد، يوجد الآن من طلاب العلم من تبنى هذا الرأي من سنين طويلة؛ لكن هل نستطيع أن نقول: هذا الشخص بعد عشرين، خمسين سنة من الآن يبي يحاكي أحمد أو ابن معين أو الحاكم والرازي، من المستحيل، يعني شخص ما يحفظ، عمدته على العمل والنظر في الأسانيد المرسلة من خلال أقوال العلماء، أحياناً من خلال أقوال المتأخرين، يعني أنه إذا تسنى له الاجتهاد في التصحيح والتضعيف في نوع من المتون، كيف يتسنى له أن يجتهد في كل راوٍ راو من رواة هذه الأحاديث الذين بلغوا مئات الألوف، الرواة بلغوا ألوف مألفة، وكل راوٍ من هؤلاء الرواة تجد فيه من الأقوال المتعارضة المتناقضة الشيء الكثير تجد أحياناً بعض الرواة عشرين قول، فتريد أن تجتهد لتحاكي المتقدمين في تصحيح كل حديث حديث بنفسك، على شان تتأهل تتقوى لديك القرآن التي تحكم بها تحاكي بها المتقدمين، وحكمك على هذه الأحاديث مبني على النظر في كل راو راو من رواة هذه الأحاديث، بالنظر إلى جميع ما قاله أهل العلم في هذا الراوي، لا شك هذا دونه خرط القتاد، لا نستطيع أن نحاكي أئمة يحفظ الواحد منهم سبعمائة ألف حديث، عجزت البرامج أن تحفظ هذه الأعداد، ولا نصف هذه الأعداد.
على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، يتعلم على الجادة، ويأخذ العلم بالتدريج، وإذا تأهل أن يقارن ويوازن بين حكم الإمام أحمد، وحكم أبي حاتم إن استطاع أن يرجح له ذلك، ولا أحد يمنعه، وقل مثل هذا في الاجتهاد في المسائل الفرعية، يعني مناداة طلبة مبتدئين لا يحسنون شيئاً من العلم، وما عرفوا مبادئ العلوم يقال لهم: اجتهدوا تفقهوا من الكتاب والسنة، هذا تضييع، هذا تضييع له؛ لكن إذا تأهل طالب العلم ففرضه الاجتهاد، والذي يتعين عليه أن يدين الله -جل وعلا- بما يوصله إليه اجتهاده بعد النظر في أدلة المسائل من الكتاب والسنة، وبعد النظر في أقوال فقهاء الأمصار لئلا يشذ ويأتي بشذوذات لا يوافق عليها، وقد يخرق الإجماع وهو لا يدري، المقصود أن مثل هذا الطلب يعني توجهه إلى المنتهين أنا عندي أنه له وجه.
أما توجيه هذا الكلام إلى الطلبة المبتدئين أتصور أنه تضييع لهم، إذا تأهل طالب العلم فهذا فرضه، أما إذا لم يتأهل ففرضه ما جاء في قول الله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(7) سورة الأنبياء].
هذا يقول: أهل المدينة بانتظار درس شهري في المدينة، وطلاب الجامعة يتمنون أن تستقروا في المدينة، ولا يخفاكم أجر السكنى فيها؟
لا يخفى ما جاء من قوله: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)) نصوص كثيرة بفضل المدينة؛ لكن ليستحضر الطالب الذي يستحضر هذه النصوص تفرق الصحابة في الأمصار بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل الصحابة يخفاهم مثل هذه النصوص؟ أو تفرقوا لينفعوا في بقية الأمصار؟ يعني لو أن العلماء كلهم خوطبوا بمثل هذا، وكلهم اجتمعوا في المدينة وتركت الأمصار، لا شك أن الفائدة والنفع يعني تفرق علماء الأمة في أقطارها لينفع الله بهم وينتشر النفع، والسكنى إلى الآن ما بعد استقر الأمر على شيء، نسأل الله -جل وعلا- أن يعيننا وإياكم على ما ينفعنا في ديننا ودنيانا.
يقول: لماذا أهل العلم يحثون الطلاب للعناية بالإخلاص في طلب العلم خاصة، دون غيره من العبادات؟
لا يا أخي، يمكن أن يتكلم عن الصلاة والزكاة ولا يحتاج إلى الإخلاص؟ الذين يتكلمون عن العلم، الذي يتكلم عن العلم وطلب العلم هل يمكن أن يقول: أن الصلاة لا تقبل إلا بالإخلاص؟ هو يتكلم عما هو بصدده من طلب العلم، فيحث على الإخلاص في طلب العلم، الأمر الثاني: أن الإخلاص في طلب العلم على وجه الخصوص ما ينازعه أكثر مما ينازع الإخلاص في أبواب العبادات الأخرى، يعني يتصور شخص أن يتوضأ في بيته كما أمر، ويحضر إلى الصلاة بسكينة وخشوع، ويؤدي الصلاة على الوجه المأمور مع الإخلاص التام، أو المخدوش خدشاً يسيراً، ما يتصور إلا إذا كان منافق ليس في قلبه شيء من الإخلاص يريد أن يحضر إلى المسجد ليقول الناس: هذا يصلي مع الجماعة، لا سيما مع الفرائض، المسلمون يؤدون الفرائض، ولذا يستشكل بعض طلاب العلم ما يجده في نفسه من ثقل في العبادة، مع قول الله -جل وعلا- عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [(142) سورة النساء] يقول: أنا أقوم كسلان، هل أنا منافق؟ هل أنا منافق لأني أقوم كسلان؟ نقول: يا أخي أنت الفرق بينك وبين المنافق، أنك أنت مصلي مصلي، تبي تصلي رآك أحد وإلا ما رآك أحد، هذه الصلاة لا بد أن تؤديها، وهذا في قرارة ذهنك أنك لن تترك الصلاة إذا لم يراك أحد، بخلاف المنافق، المنافق إذا ما رآه أحد ما صلى، وهذا الفرق بين من يستثقل الصلاة ممن حكم بإسلامه، ولم يحكم بنفاقه، وكثير من المسلمين حتى نسأل الله -جل وعلا- أن يعاملنا بالعفو، قد توجد أحياناً من طلاب العلم استثقال لشيء من العبادات؛ لكن هل يعني هذا أنهم وافقوا المنافقين في كونهم {قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [(142) سورة النساء]؟ نقول: نعم، من هذه الحيثية لكن يبقى أن الفارق الكبير أن المسلم الذي لم يتصف بالنفاق ولو ثقل عليه الأمر لا بد أن يصلي، ولا يدور في باله أنه يترك الصلاة إذا لم يجد أحد بخلاف المنافق، بل لنزداد اطمئناناً بعد من أهل العلم من يرجح من يؤدي الصلاة على ثقل يقول: أجرها أعظم من أجر من يأتي الصلاة وغيرها من العبادات منشرح النفس، منبسط القلب، مرتاح البال، مع أن القول المرجح خلافه، هذا المرجح لهذا القول يقول: أدى العبادة وجاهد نفسه، وعليه شيء من الثقل كل هذه يؤجر عليها، الذي جاء منشرح هذا يؤجر على عبادته؛ لكن لا يؤجر على المجاهدة، نقول: لا، هذا أفضل وهو الموافق لما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) ويأتي إليها وهو متشوق إليها، متشوف لها، مشتاق إليها، نعم فأجره أعظم، ولنعلم جميعاً أننا لن نصل إلى هذه المرحلة أرحنا بالصلاة حتى نتجاوز المرحلة الأولى التي هي مرحلة امتحان، وقل مثل هذا في الصيام، صيام النوافل مثلاً، قيام الليل كابد السلف سنين طويلة من مشقة قيام الليل ثم تلذذوا به، فهم ما وصلوا إلى هذه المرحلة حتى تجاوزوا المرحلة التي قبلها.
يقول: نريد إقامة دورة علمية قبل نهاية الفصل الدراسي، وذلك حتى يشهد الطلاب قبل السفر إلى بلادهم حتى ينالوا....؟
المقصود أنه يريد دورة في نهاية الفصل، يعني قبل أن يتفرق الطلاب، ويتوزعوا إلى بلدانهم، وأظن التخطيط جار على هذا، وقد فعلنا ذلك في السنة الماضية.
وهذا يسأل عن فتح المغيث هل طبع أم لا؟
تم صفه، والآن هو في المراجعة النهائية -إن شاء الله تعالى-.
يقول: كيف يمكن للطالب أن يوازن بين دروس الجامعة والدروس الخارجية مع ما لا يخفاكم من التزاحم والتراكم، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
التوفيق سهل، إذا عرفت الهدف الذي من أجله خلقت، وهو تحقيق العبودية، وهذه العبودية لا تتم على الوجه المطلوب إلا بمعرفة ما يصححها وما يفسدها، فإذا عرفت أنك خلقت لهذا تجاوزت هذه العقبات، وأقبلت لحلق العلم، وأنت منشرح الصدر، فيمكنك أن توازن ولا سيما أن الدروس العلمية ليست في وقت الدراسة النظامية، فبالإمكان أن يدرس الإنسان في أول النهار دراسته النظامية، وبعد أن يستريح ويسترخي، الظهر والعصر، ويأخذ حظه من الراحة، ويراجع ما يحتاج إلى مراجعته، أن يحضر الدروس في المغرب مثلاً أو بعد العشاء، ولا تزاحم.
يقول: ألا ترون أن تكون الدراسة الأكاديمية مركزة أكثر مما هي عليه الآن على المداخل للعلوم مثل مقدمة التفسير لابن تيمية، ودراسة كتب الأحاديث الستة وكيفية التعامل معها، ومناهج المفسرين وغيرها من الأصول في التعريف بالمفاتيح؟
معرفة المفاتيح أمر مهم، وعلوم الآلة يوليها أهل العلم عناية فائقة؛ لأنها تيسر عليهم فهم المقاصد والغايات، لا بد من أن يوجد مقررات تعرف طلاب العلم بما يريدون قراءته من كتب التفسير من معرفة مناهج المفسرين، ومعرفة ما تشتمل عليه هذه الكتب الكبيرة من المحاسن والمآخذ، وقل مثل هذا في شروح كتب السنة، وقل مثل هذا في كتب الفقه، وترتيبها في الأولويات، يحتاج طالب العلم كثير من هذا.
يقول: عندما أقرأ في كتب الفقه أتجاوز الكثير من الفروع، فما رأيكم بهذه الطريقة؟
هذه الطريقة لا تجدي؛ لأن الفروع بعضها مبني على بعض، وكتب الفقهاء ألفت بعناية ودقة، ورتبت فيها العلوم، فتأخذ كما ألفت، وتدرس على الطريقة التي شرحناها.
يقول: بعض طلبة العلم هدانا الله وإياهم يتكلمون على المشايخ؟
حصل الكلام حتى وجد في بعض وسائل الإعلام الكلام على المشايخ، ولا شك أن هذه يؤدي إلى التقليل من شأنهم، ويليه عدم الأخذ منهم، ثم بعد ذلك تضيع الأمة؛ لأن الأمة إذا حيل بينها وبين علمائها بهذه الطريقة لا شك أن الناس سيبحثون عن بدائل، ولا بديل عن شيوخنا الكبار أهل العلم والعمل.
يقول: نجد من أنفسنا وممن حولنا من طلاب العلم حاجة إلى التوجيه في أمرين: فيما بين العبد وبين ربه، وكيف يصلح العبد قلبه، وفي العمل بالآداب؟
هذه في مناسبات كثيرة تكلمنا عليها طويلاً، وذكرنا بعض الأمور التي يوجد فيها الخلل عند السامع والمتكلم، ونسأل الله -جل وعلا- أن يعيننا على ما يصلح قلوبنا، ويجعلها سليمة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا بد من البحث عما يحقق هذا الوصف للقلب.
يقول أيضاً: في منهجية طلب العلم عموماً والأصول والفقه خصوصاً؟ يقول: فنناشدك الله أن تبين لنا هذه الأمور بجلاء حتى نخرج من الظلمة التي نحن فيها، فيكون ذلك من الصدقات الجارية؟
في أشرطة كثيرة حول كيفية تحصيل العلم في العلوم كلها، وهي أيضاً أشرطة تداولها الإخوان، وكانت لقاءات على الهواء في الإذاعة، خمسة لقاءات، سموها كيف يبني طالب العلم مكتبته؟
ذكرنا كيف يستفيد طالب العلم من هذه الكتب، فالطالب محتاج في مثل هذه، يراجع هذه الأشرطة، أيضاً فيه معالم في طريق الطلب، فيه مفاتيح العلم، في أمور كثيرة، ونسأل الله -جل وعلا- أن يعاملنا بالعفو، نأخذ من هذا، مع أني لا أكتب أنا، فيحصل من هذا تكرار، ويحصل أيضاً ترديد قد يكون مملولاً عند بعض الطلاب؛ لكن بعض الطلاب يحتاج إلى شيء منه.
يقول: من خرج من بلده وعليه حقوق الناس، يعني الفلوس بينهم ثم جاء إلى مكة هنا فحج قبل أن يرد عليهم أموالهم ثم رد عليهم بعد الحج هل حجه جائز؟
نعم حجه صحيح، وعليه الإثم بحجه وهو مدين، ولم يستأذن من دائنيه، فإذا وفىّ لهم حقوقهم برئت ذمته وحجه صحيح، وعليه أن يستحلهم، لا سيما إذا كانت الديون حالة عندما حج.
مما يشجع طالب العلم، ويجعله يتجاوز بعض العوائق، ويجعله ينشط في الطلب، ما ضربه أهل العلم من أروع الأمثلة في البذل، إذا كان شيوخ كبار السن يبذلون ليل نهار، والآن يوجد نماذج من أهل العلم من عنده أربعة دروس في اليوم، ووجد في المتقدمين من كان عنده من الدروس اثنا عشر درس، وذكروا في ترجمة الطيبي شارح (المشكاة) أنه يجلس بعد صلاة الصبح لتفسير القرآن إلى أن تزول الشمس، جلسة واحدة مع طلابه، فإذا زالت الشمس تجهز لصلاة الظهر، ثم جلس ينتظر الصلاة، فإذا سلم شرع في شرح البخاري إلى أن يؤذن العصر، ثم يصلي العصر، ثم يجلس إلى المغرب لكتاب ثالث وهكذا.
احنا نستكثر أن نأتي إلى درس يحتاج إلى خمس دقائق، عشر دقائق، والدرس ما يصفو منه ساعة في اليوم، العلم لا يستطاع براحة الجسم، كما قال يحيى بن أبي كثير فيما سقناه وشرحناه، وذكرنا مناسبته عند الإمام مسلم في الدرس الماضي.
يقول: إننا عند مطالعتنا لكتب العلماء يتكرر معنا قولهم: "إن هذا النص أو هذا الحديث خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له".
جاء في حديث الزكاة في كتاب أبي بكر الصديق الذي كتبه في الصدقات،...... في كتابه في الصدقات التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "في الإبل في سائمتها في كل خمس شاة، في الغنم في سائمتها في كل خمسين شاة" فنص على السوم، وجاء أيضاً في غيره النص على السوم بالنسبة للبقر، فاشترط العلماء في زكاة بهيمة الأنعام أن تكون سائمة، آخذاً من هذه النصوص، وأن هذا القيد معتبر، ومفهومه مقصود، بحيث إذا لم تكن هذه البهيمة من الأنعام من الإبل والبقر والغنم سائمة لا زكاة فيها زكاة بهيمة الأنعام، أما إذا أعدت للتجارة ففيها زكاة عروض التجارة، سواءً كانت سائمة أو معلوفة.
المقصود أن هذا القيد معتبر عند الجمهور، المالكية يرون أن السوم ليس بشرط، طيب "في سائمتها" ماذا نقول في هذا الوصف؟ خرج مخرج الغالب؛ لأن غالب بهيمة الأنعام في عصر النبوة سائمة، فلا مفهوم له.
هذا موجود عند أهل العلم وبكثرة، فتجد من أهل العلم من يرى أن الوصف مؤثر وله مفهوم، ومنهم من يلغي المفهوم لمعارض عنده، متى نحتاج إلى إلغاء المفهوم؟ المفهوم جماهير أهل العلم يعملون به، نعم مفهوم المخالفة معمول به عند الجمهور؛ لكن متى يلغى المفهوم؟ يلغى المفهوم إذا عورض بمنطوق أقوى منه، يعني في قوله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنك لو استغفرت واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم؛ لكن هذا المفهوم معارضه به بقوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] فالمفهوم ملغى، النهي عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة، مفهومه أنه لو كان ضعف واحد يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لكن هذا المفهوم ملغى، بدليل أنه معارض بمنطوق أقوى منه، فيحتاج لمثل هذا عند المعارضة، نسأل الله -جل وعلا- التوفيق والإعانة للجميع.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر ...موقع الشيخ عبدالكريم الخضير
أما بعد:
ففي اللقاء السابق تحدثنا عن فضل العلم، وأهميته في حياة المسلمين، وما جاء من النصوص في فضل العلماء، وشدة الحاجة إليهم، وأنه لا يستغني عنهم إلا من استغنى عن الدين، لا يستغني عن العلماء إلا من استغنى عن الدين.
فكما أنه لا يستغني عن المُزارع إلا من استغنى عن الدنيا، فكذلك لا يستغني عن العلماء إلا من استغنى عن الدين.
وبيان ذلك أننا لو افترضنا بلداً لا عالم فيه يفتي الناس، ويعلمهم ما يجب إليه عليهم، ويبين لهم ما نزل إليهم ولا يقضي بينهم، ويحل مشاكلهم وخصوماتهم، لما وجد الفرق بين المجتمع المسلم وغيره.
والعلماء مثلوا بالمصابيح، وأبو بكر الآجري في أخلاق العلماء صور ذلك تصويراً دقيقاً بليغاً، بحيث لو وجد جمع من الناس يسيرون في ليلة شديدة الظلام في وادٍ مسبع، فيه سباع وهوام، والظلام شديد، فلا يدري الإنسان من أين يؤتى؟ أيؤتى من تحته أم من بين يديه؟ أم من خلفه؟ فهذه حية تنهشه، وهذا سبع يقضمه، ثم جاءهم من معه مصباح أضاء لهم الطريق حتى أخرجهم من هذا الوادي، وهذا مثل العالم الذي يبين للناس كيف يسيرون إلى الله -جل وعلا-؟.
كل طريق يمكن قطعه بدون دليل وإن احتفت به المخاطر إلا هذا الطريق الموصل إلى الله -جل وعلا-، فلا يمكن قطعه إلا بواسطة أهل العلم.
فالذي يزهد في أهل العلم لا سيما من رسخ قدمه، وعرف بالعلم والعمل لا شك أنه يزهد في الدين، ونرى مع الأسف في بعض المنتديات، وبعض المجالس، وفي بعض المحافل، من أخذ راحته في أعراض أهل العلم، وهذا لا شك أنه يقلل من قيمته ومن شأنه، فإذا كان العلم بهذه المثابة، وإذا كان العلماء بهذا الثقل، فلا بد لهم من وراث وهم طلبة العلم الذي يحملون عنهم العلم، وهم أنتم وأمثالكم، والحمد لله الأمور تبشر بخير، رغم ما يوجد من ظلام حالك في على وجه الأرض، لكن يوجد -ولله الحمد- مراكز توجه الناس وترشدهم على الجادة، ويوجد أيضاً فيمن يحمل هذا العلم عن هؤلاء العلماء الجلة، وفيهم كثرة ولله الحمد وعلى الجادة، كان الأمر قبل سنين في الغالب مجرد عواطف، إن وجد محاضرة عامة عاطفية تهيج المشاعر اجتمع الناس لها، وإذا وجد العلم الصحيح الأصيل قال الله وقال رسوله على الجادة المعروفة عند أهل العلم لا تجد إلا النزر اليسير، والآن -ولله الحمد- العكس يوجد طلاب في حلقات التعليم بالمئات بل بالألوف في بعض الأحيان، وهذا يبشر بخير، وهذه رجعة إلى المسار الصحيح للتحصيل.
ولست بحاجة إلى أن أبين لكم ما ورد من النصوص في فضل العلم، من ذلك ما سمعناه في قراءة إمامنا جزاه الله خير، {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [(122) سورة التوبة] وهذه الجامعة العريقة تمثل تطبيق هذه الآية، فمن كل بلد من بلدان المسلمين نفرت طائفة قلوا أو كثروا، وطائفة تطلق على الجماعة كما تطلق على الواحد، فهذا فيه امتثال لهذا التوجيه الإلهي، ولم يؤمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاستزادة من شيء إلا من العلم، كما قرأ إمامنا في الركعة الثانية قول الله -جل وعلا-: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طـه] وجاء في الحديث الصحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ونحتاج من هذا أن نوضح المراد بالفقه في الدين لا كما يفهمه بعض الناس الذين صبت عنايتهم إلى معرفة الأحكام من الحلال والحرام، وهذا في غاية الأهمية في حياة طالب العلم؛ لكنه باب من أبواب الدين، وأهم منه ما عرف عند علماء الأمة بالفقه الأكبر.
المراد بالفقه في الدين هنا، الفقه في الدين من جميع أبوابه، ولذا لما سأل جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان في النهاية في آخر الحديث قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فالفقه في الدين هو العلم بالدين بجميع أبوابه.
فإذا كان بعض أبواب الدين مهملاً بين بعض المتعلمين فعليهم أن يلتفتوا إليه، إذا كانت الأبواب التي كانت في غاية الأهمية من سلف هذه الأمة التي تدعو طالب العلم إلى العمل بعلمه، كانت محل عناية أهل العلم من المتقدمين أمثال الرقاق والحكم والاعتصام، وغيرها من أبواب الدين التي تدعو طالب العلم وتحثه على العمل بعلمه فهي كالسياط تسوقه سوقاً إلى العمل بما تحمله من علم الحلال والحرام.
في اللقاء السابق ذكرنا بعض المعالم والمنارات التي قد يستضيء بها طالب العلم، وفي مناسبات كثيرة ذكرنا بعض العوائق التي تعوق عن التحصيل، ذكرنا أيضاً مفاتيح تفتح الآفاق أمام طالب العلم، وفي نقل عن سفيان بن عيينة بمناسبة المفاتيح وقفت عليه بالأمس، يقول سفيان: "أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر".
أول العلم الاستماع: لا بد أن يصغي طالب العلم إلى شيخه، مع الأسف يوجد من طلاب العلم وهذا يظهر جلياً في التعليم النظامي، تجد طالب حاضر عندك وأنت تشرح في كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- وهو ينظر في كتاب آخر، طيب مالك يا فلان منصرف؟ والله عندنا امتحان في المحاضرة التي تلي هذه، هل هذا عذر؟ بأن ينصرف طالب العلم عن العلم الشرعي، هذا ليس بمبرر، وقد تجد أسوأ من ذلك بعض الطلاب يحضر كتب لا علاقة لها بالعلم، وأحياناً تجد وإن كان على ندرة وقلة في الكليات الشرعية تجد جرائد، هذا لا شك أنه يبعث على الأسى في صفوف المتعلمين؛ لكن لا نجد مثل هذا في دروس المساجد وفي حلق العلم الذين جاءوا برغبة خالصة للتحصيل، قد يوجد من ينشغل بجوال مثلاً، وهذا ليس من الأدب في حلق التعليم، ينشغل بجوال، كل شوي النغمات، والرنات، هذا أيضاً ينبغي أن يجتنبه طالب العلم، عليه أن يستمع لشيخه، ويهتم بما هو بصدده من تحصيل هذا العلم الذي جاء من أجله، وتفرغ وتكلف العناء من أجله، يستمع، فأول العلم الاستماع، وفرق بين الاستماع والسماع، الاستماع مع قصد، الاستماع والفهم لما يلقى من أجل أن يثبت في الذهن ويرسخ، وأما مجرد مرور الكلام على السمع من غير قصد للاستماع هذا لا يجدي شيئاً، ولذا يقول أهل العلم في سجدة التلاوة: يسجد المستمع دون السامع" ولذا لو مررت وأنت في طريقك، ومر بجوارك سيارة ثانية، وصاحب السيارة شغل الأغاني ورفع عليها، فسمعت هذه الأغاني، أنت لا تلام، تلام إذا استمعت، أما إذا مجرد السماع مروره على أذنك من غير رضاً به، لا تلام على ذلك، إنما عليك أن تنكر؛ لكن كونك تؤاخذ بأنك سمعت الغناء فلا تؤاخذ، فأول العلم الاستماع.
وعلى طالب العلم أن يصغي لشيخه وما يلقيه، ثم الفهم، إذا استمع للشيخ وذكر الشيخ جملة من الجمل، هذا الطالب بحاجة إليها؛ لأنه من العلم الذي تفرغ من أجله، هل فهم هذه الجملة؟ الشيخ مطالب بأن يكرر هذا الكلام حتى يحفظ، حتى يفهم، كان -عليه الصلاة والسلام- إذا تكلم تكلم ثلاثاً حتى يفهم عنه، فالشيخ يكرر، هذا واجبه، بأسلوب، فإذا لم يفهم بأسلوب آخر، ليتمكن الطالب من الفهم بأسلوب ثالث، لئلا يمل الطالب من تكراره عليه بحروف واحدة؛ لكن واجب الطالب الفهم، وظيفة الطالب الفهم عن الشيخ إذا فهم من أول مرة الحمد لله، ما فهم المرة الثانية، الثالثة، ما فهم بعد ذلك يطلب يستزيد من الشيخ أن يفهمه ويوضح له، وكثيراًَ ما يستثبت طلاب العلم في حلقات العلماء السابقين مع كثرتهم، يستثبت بعضهم من بعض، فاته كذا، خفي عليه كذا، غفل عن الجملة كذا، حتى يفهمها، إن لم يفهمها من الشيخ فهمها من زميله.
ثم الفهم يقول، ثم الحفظ، إذا راجعت بعد أن استمعت وبعد أن فهمت احفظ؛ لأن الاستماع ثم الفهم يعين على الحفظ، يعين على الحفظ، ولذا يوصي بعض العلماء أن يحفظ القرآن مع التفسير، القرآن يحفظ مع التفسير، من أجل أنك إذا فهمت سهل عليك الحفظ، فيصعب على الإنسان أن يحفظ كلام لا يفهمه.
دعونا من مرحلة الصبا، لا نحن تجاوزنا مرحلة الصبا، في مرحلة الشباب، في مرحلة الفهم الآن، فإذا فهم الطالب المقطع الذي يريد حفظه سهل عليه حفظه، ومع ذلك يستعين بيمينه، إذا لم يستطع أن يحفظ من أول مرة، بعد أن يفهم مرتين، ثلاث، بعض الناس يتفاوتون في الفهم، بعضهم بطيء الحفظ أيضاً، فإذا كان من النوع بطيء الحفظ بعد أن يفهم عليه أن يستعين بيمينه، يكتب هذا المقطع مرة، مرتين، ثلاث، من أجل إيش؟ أن يحفظ الكتابة عن قراءة القطعة عشر مرات، وهذا مجرب، فإذا فهم ونفرض في التفسير مثلاً عنده خمس آيات، راجع تفسير هذه الآيات الخمس في تفسير موثوق به، في تفسير ابن كثير، تفسير ابن كثير أحياناً يتشعب بك بسبب كثرة الروايات، وكثرة الطرق فتتشوش، أنت تتشوش من الكثرة، اختصر، اختصر الكلام فأنت مع فهمك للقرآن يسهل عليك حفظه، ثم بعد ذلك إذا اختصرت ما يتعلق بهذه الآيات الخمس من تفسير ابن كثير، أو من غيره من التفاسير، إذا كنت لا تحسن الاختصار عليك بالمختصرات، أمثال تفسير الشيخ فيصل بن مبارك (توفيق الرحمن لدروس القرآن) خلاصة ولب للتفاسير الأثرية الثلاثة: لابن جرير والبغوي وابن كثير، هذا خلاصتها، يستفيد منه طالب العلم في فهم القرآن، وإن كان لا يستغنى بها غيره.
بعضهم يرى أن قراءة كتب التفسير تعوق عن مواصلة الحفظ، لكن لا بد من الفهم، نعم الصحابة كيف تعلمون القرآن؟ لا يتجاوزون العشر الآيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، حتى تفهم وتحفظ، يسأل عما يشكل منها فيتعلمون العلم والعمل جميعاً.
فطالب العلم إذا عني بهذا المقطع خمس آيات عشر آيات، حسب قوة حافظته وضعفها بعد ذلك يحفظ، يحفظ هذا القدر ويسهل عليه حفظه، إن استطاع حفظه بالتكرار، وإلا بعض الناس مع التكرار يشرد ذهنه، مثل هذا يقيد، يستعين بيمنيه، ويكتب، يكتب مرة، مرتين، ثلاث، والجهد لم يضيع.
بعد ذلك، بعد الحفظ العمل، والعمل من أعظم وسائل تثبيت العلم والعلم بدون عمل لا قيمة له؛ لأن القرآن ما أنزل إلا للعمل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بين ما نزل إليه في سنته من أجل أن يعمل به؛ لأن البيان يكون للمجمل، والمجمل لا يمكن أن يعامل به {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [(43) سورة البقرة] وبعدين؟ كيف نقيم الصلاة؟ ببيانه -عليه الصلاة والسلام- بقوله وفعله، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) حصل البيان، وعرفنا هذا البيان، ثم لم نعمل به إيش الفائدة؟ علم بدون عمل كشجر بلا ثمر، نخلة فحل لا تنبت بمفردها للزينة ما الفائدة منها؟ أو من الشجر الذي يجعل كالمنظر في الشوارع وفي بيوت بعض العلية من القوم، هذه لا قيمة لها، مثل العلم بلا عمل، إن كان يتخذ العلم لا للعمل بل للزينة كما تتخذ هذه الأشجار، هذه حقيقة مرة، هذه حجة على من تحمل هذا العلم، فعلى طالب العلم أن يعمل بما يعلم، ويذكر هنا من باب أنه من أعظم ما يعين على تثبيت العلم وترسيخه في الذهن.
ثم النشر، إذا تعلم استمر فهم، حفظ، عمل بنفسه، نشر علمه، نشر علمه للآخرين؛ لكي يستفاد منه، و ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) وتصور أن بعض الناس تجرى لهم الأجور مئات السنين، كيف تجرى لهم مئات السنين؟ ((أو علم ينتفع به)) ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...... أو علم ينتفع به)) طيب انتفع هذا الجيل وانقرضوا؛ لأن بعض الناس يقول: العلم الذي ينتفع به خاص بالتصنيف، هو الذي يستمر، أما بالنسبة للتعليم ينقطع بانقطاع الجيل الذي علمته، بعد ذلك ينتهي، لا يا أخي ما ينتهي، فضل الله واسع، أنت علمت زيد، ومعه مائة من الطلاب، زيد هذا علم مائة، وهؤلاء أجورهم مثبتة لزيد، وأجورهم وأجور زيد مع أجورهم تثبت في أجرك أنت، فالأمر عظيم جداً، وفضل الله -جل وعلا- لا يحد؛ لكن نحتاج إلى أن نطلب العلم بنية خالصة، ونتعلم وننشر ونعلم ونؤلف بنية خالصة صالحة؛ لأن العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة، التي لا تقبل التشريك، فإما أن يكون مع السفرة الكرام البررة، مع النبيين والصديقين، وإما أن يكون من أول من تسعر بهم النار، نسأل الله السلامة والعافية.
فعلينا أن نعنى بهذا الشأن، ونخاف منه أشد الخوف، فالنشر لا شك أنه يوسع دائرة الأجر، فلك أجرك ولك عملك، ولك أجر من دللته على الخير والدال على الخير كفاعله، والنشر يكون بالتعليم والتعليم من أقوى وأعظم وسائل التحصيل، المعلم أول ما يبدأ بالتعليم، يعني علومه محدودة بقدر ما حفظه وفهمه عن شيوخه، ومن مفحوظاته؛ لكن إذا علم الناس لا شك أن علومه تنمو وتزداد، وبركة آثار العلم تظهر عليه مع النية الصالحة الخالصة، وإلا إذا لم يعلم غيره لا يلبث أن ينسى ما تعلمه، ولنا عبرة بمن تعلم وتسلم المناصب العليا، وكان يشار إليه بالبنان، يشار إليهم، علماء كبار، ثم بعد ذلك تركوا التعليم وانصرفوا عنه، نعم هم على خير، وعلى ثغور في مصالح العامة؛ لكن مع ذلك تركوا التعليم، فانحسر علمهم، أخذ يتراجع، والنسيان آفة من آفات تحصيل العلم، النسيان معروف ما سمي الإنسان إلا لنسيانه.
وكثير من الطلاب الذين مروا علينا أثناء التدريس في الجامعة نوابغ، وتجدهم مع الأوائل، وتسأل في القاعة وفي الفصل تجدهم ما شاء الله مبرزين في تحصيلهم، وقد فاقوا أقرانهم؛ لكن يتوظف بعد التخرج بوظيفة إدارية شأنه الكتابة، نعم الكتابة ما ينسى الكتابة؛ لأنه يزاول الكتابة؛ لكن العلم إذا مضى عليه سنة نسي قدر من علمه، سنتين ينسى أكثر، ثلاث سنوات ينسى، خمس سنوات عشر سنوات يعود عامي أو في حكم العامي، فعلينا أن نتابع التحصيل والنشر، التعلم والتعليم.
فالتعلم لا حد له، "تفقهوا قبل أن تَسُودُوا"، أو "تُسوّدوا"، قال أبو عبد الله البخاري: "وبعد أن تسودوا" لأنكم إذا سودتم ووقفتم على الحد نسيتم ذلك.
يقول: "فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بنية صادقة على ما يحبه الله"، يعني على الجادة المعروفة المأثورة عن سلف هذه الأمة، المبنية على الدليل على ما يحبه الله، ألهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نوراً، فهو ينظر بنور الله.
هناك أمور ولا أريد أن أكرر ما ذكرته في اللقاء السابق، ولا ما ذكرته في مناسبات وسجلت وتداولها الإخوان من كلام؛ لكن عندنا فيما يتعلق في ظرفنا الذي نعيشه:
- واجب طالب العلم في أوقات الفتن.
- وعندنا أيضاً: مسئولية حمل العلم وتبليغه.
- وأيضاً: فقه تطبيق العلم.
هذه مسائل لا بد أن نكون على بصيرة منها.
واجب طالب العلم في أوقات الفتن:
عليه أن يعتصم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والعصمة من هذه الفتن بالاعتصام بالكتاب والسنة، ويقلل بقدر الإمكان إلا بقدر الحاجة، إلا بقدر ما يُحتاج إليه من الأمور التي يخوض فيها الناس، يقلل منها، ويقتصر منها على قدر الحاجة، بعض الناس في أوقات الفتن، والفتن مذهلة، والإنسان متشوق إلى أن يعرف ماذا حصل؟ وماذا قيل؟ وماذا قالوا؟ تجده يقضي من وقته أكثر من نصف الوقت في الجرائد والمجلات والمواقع والقنوات، ماذا قال فلان؟ وماذا قيل عن فلان؟ على أمور هي لا شيء إن لم تضر لم تنفع، نعم ينبغي أن يعرف الإنسان ما يدور حوله بقدر الحاجة، وأن يكون ديدنه كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، وأن يُعنى بالعبادات الخاصة، يُعنى بالعبادات الخاصة مثل الذكر، سواءً كان المطلق أو المقيد في أوقات خاصة أو على العموم في جميع الأوقات، ومثل تلاوة القرآن على الوجه المأمور به.
وأيضاً الصلاة، يكون له نصيب من الصلاة، وأيضاً الصيام، وغير ذلك من العبادات المتنوعة التي جاءت النصوص بفضلها، ((والعبادة في الهرج كهجرة إلي)) كما في الحديث الصحيح، فعلينا أن نهتم بهذا الأمر ونعنى به، ونلتف على أنفسنا، ونصلح ما فيها من خلل، ونعنى بأمراض القلوب كي نعالجها من كل ما جاءنا في شرعنا، ولا نحتاج إلى غيره، لا نحتاج إلى أن فلان العالم النفساني الأمريكي قال كذا، أو البريطاني قال كذا، لسنا بحاجة، عندنا العلاج لكل داء، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] شفاء لإيش؟ لأدواء القلوب وأمراضها، ولأدواء الأبدان أيضاً، وأمراضها، فعندنا الشفاء، وفي كلام أهل العلم ما يعين على ذلك، وللإمام المحقق شمس الدين ابن القيم من ذلك القدح المعلى، وكتبه مملوءة من هذا الشيء، فيعنى بها أيضاً؛ لأنها تعين على فهم الكتاب والسنة، فعلى الإنسان أن يهتم بأمر العمل، وإذا صدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- أعانه على كل ما يريد من علم وعمل.
مسئولية حمل العلم وتبليغه:
سمعنا في الآية: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ} لماذا؟ إذا أنذروهم إيش يترتب على هذا؟ {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [(122) سورة التوبة] يحذرون مما يُخاف، أمام الإنسان مخاوف، أمامه مخاوف في دنياه، فتن الدنيا، وأمامه أيضاً فتنة القبر، أمامه فتنة في المحيا، أمامه فتنة في الممات، أمامه أيضاً إما نعيم دائم لا ينقطع، أو عذاب سرمدي لا ينتهي، فيحمل هذا العلم بإخلاص وصدق، ويبلغه قومه إذا رجع إليهم، والنتيجة {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وبعض الإخوان كما بلغنا قام بهذا على خير وجهه في بلده فرجع، وبعضهم انشغل بأمور الدنيا وأمور المعاش وعاد كغيره، ولا أثر له في المجتمع، وسمعنا مسألة تبليغ العلم ونشر العلم، وما يترتب عليه من عظائم الأجور.
فالعلم مسئولية عظيمة، لا بد من تبليغها، ((بلغوا عني ولو آية)) ((نظر الله امرأً سمع مني حديثاً فوعاه، ثم ألقاه كما سمعه)) فلا بد من تبليغ ما سئل، أبو هريرة لما انتقد في كثرة التحديث قال: "لولا آية في كتاب الله ما حدثت، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ} [(159) سورة البقرة] فالكتمان أمره عظيم، إيش معنى أني أحفظ القرآن وأنام عنه؟! إيش معنى أنني أحمل العلم ولا أبلغه للناس؟! هذا وبال على صاحبه.
فقه تطبيق العلم:
عرفنا أنه لا بد من تطبيق العلم، وأن العلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، عندنا مسألة نحتاج إليها، كثير من الإخوان يحرص على التعلم، و ما وجدت هذه الجموع إلا من أجل هذا، والحرص دليل على إرادة الله -جل وعلا- للإنسان الخير، ومع ذلك يحرص على التطبيق، تطبيق العلم، وهو الثمرة المرجوة من العلم؛ لكن قد يخفى على بعض طلاب العلم فقه التطبيق.
إيش معنى فقه التطبيق؟ حمل حديثاً يتضمن سنة، فعلم هذا الحديث، حرص على تطبيقه وطبقه بالفعل؛ لكنه لم يفقه ما يحتج بهذا الحديث من معارض مثلاً، فعلى سبيل المثال: طالب علم عرف ما جاء في التراص في الصفوف في الصلاة، وأن الصحابة كانوا يلصقون أقدامهم بأقدام من جاورهم في الصلاة، التراص في الصف أمر جاء الحث عليه، ((لا تدعوا فرجات للشيطان)) لكن مع ذلك هل نفقه أن نطبق هذا، بعض الناس يظن أن التطبيق لا يحصل إلا بالجفاء، حتى أنه وجد من -من حرصه على تطبيق السنة- لكن مع عدم الفقه لتطبيقها من يكون بعض أصابع جاره تحت قدمه، موجود هذا، ووجدت ردود أفعال ممن حصل معهم بعض هذه القضايا؛ لأن ربى بعض الأظافر لمثل هذا، هذه كارثة، هل هذا تطبيق لسنة؟ هذا حريص على تطبيق السنة، ويلصق القدم بالقدم؛ لكن ليس معنى هذا أنك تؤذي جارك، وتطأ على رجله، وإلا.....، هذا شيء، بعض الناس ما يتحمل، تصير قدمه عندها شيء من الحساسية، يعني إذا وجد طالب علم مشهود له قطع صلاته من أجل إيش؟ خيط رفيع جداً ينزل من ثوبه على قدمه، وهو حساس شديد الحساسية، خرج قطع الصلاة، ظنه حشرة أو شيء، فكيف من يجعل بعض الأصابع تحت قدمه؟ وإذا سجد جافى بين عضديه حتى يضر بالآخرين، يا أخي ما هكذا تطبيق السنة، أنت مطالب ألا تدع فرجة للشيطان؛ لكن بقدرها، والمحاذاة ليست بالأقدام فقط، ولذا بعض الناس يظن أن الحل في عدم ترك الفرج بأن يفحج بين رجليه، يجعل بدل ما حجمه....... في الأصل، يجعل بين رجليه أكثر من متر، هل هذا تطبيق للسنة؟ أين المحاذاة بالمناكب؟ هذا ليس هو تطبيق السنة، إنما يحرص الإنسان أن يحاذي بالمناكب والأقدام، ودين الله -جل وعلا- بين الغالي والجافي.
بعض الناس يحرص على تطبيق السنة، أولاً: لا يفقه السنة، فتجده يتورك في كل جلسة، وفي بدنه ثقل، وفي جيبه مفاتيح، ومحافظ وجوال، وما أدري إيش؟ ثم يرمي بنفسه على جاره، هل هذا يفقه تطبيق السنة؟ لا بد من فقه التطبيق، يعني إذا كانت هذه السنة معارضة، مثل المجابهة، المجابهة سنة؛ لكن بجوارك آخر تؤذيه، ((والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يؤذِ، ما لم يحدث)) وأي أذىً في أن تجعل مرفقيك في أضلاع أخيك؟ فننتبه في هذا، ولا شك أن الذي يحرص على السنة يؤجر على قدر حرصه؛ لكن لتمام أجره لا بد أن يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ لا بد أن يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ وليس معنى هذا التقليل من شأن التراص في الصفوف، وإلصاق الأقدام؛ لكن أيضاً إذا رأيت جاري من النوع الحساس أترك له فرصة، بعض الناس من يكبس في صلاته إلى أن يسلم وقلبه كالمرجل من خشية الله؟ ومن تأمل ما يقرأ؟ لا، على صاحبه، يغلو كالمرجل على صاحبه وجاره، على أخيه المسلم، لماذا؟ لأنه ضايقه، وهذا حساس ما يتحمل، والناس في طباعهم في بعضهم شدة، ما يتحمل مثل هذه الأمور، ووجدت تصرفات أثناء الصلاة، تجعل طالب العلم متسماً في جميع أفعاله بالرفق واللين، وليكن داعية خير بفعله قبل قوله ليقبل، فعلينا أن نهتم بهذه الأمور، ولا نريد أن نكرر ما ذكرته سابقاً، فهذه مسائل ثلاث رأيت أهميتها في مثل هذا الوقت.
وطلب الكثير من الأخوة يقولون: الإجابة على الأسئلة هي التي تحل بعض الإشكالات عند بعض الإخوان وقد يكون في الكلام المرسل المكرر شيء من التكرار، فالإجابة على الأسئلة لا شك أنها حاجة قائمة للإخوان، فنقتصر على هذا، ونبدأ في الأسئلة، ولعله يرد فيها ما ينفع -إن شاء الله-.
هذا يقول: ما رأيكم فيمن يستغني بالمذكرات الجامعية، في التعليم عن كتب السلف، وخصوصاً في بعض علوم الآلة، وهل هذا من التيسير على طلاب العلم الجامعيين؟
أقول: مثل هذا مع احترامي وتقدير لزملائي من المعلمين في الجامعات الذين اجتهدوا وسهروا وحرروا وضبطوا المسائل، ورتبوها ونظموها؛ لكن هذه الطريقة لا تبني طالب علم، طالب العلم لا بد أن يبنى على الجادة المطروقة عند أهل العلم، فيربى على المتون المقررة من قبل أهل العلم، لا بد من هذا.
فهذه المذكرات مثل مؤلفات المعاصرين التي صيغت بأساليبهم، بل هي منها، هل هذه تربي طالب علم على أساليب العلماء المتقدمين؟ افترضنا طالب تخرج في كلية الشريعة أو أصول الدين أو كلية الحديث أو غيره على هذه المذكرات، ثم بعد أن تخرج عُين في بنك، وعرض عليه مشاكل ومسائل واحتاج أن يراجع الكتب، هل يستطيع أن يفهم كتب المتقدمين من خلال فهمه لهذه المذكرات؟ هذه المذكرات هي عبارة عن مؤلفات صيغت بأسلوب يفهمه الشخص بدون معلم، لكننا في مرحلة التعليم لا بد أن نقرر كتب لا يفهمها الطالب بمفرده، بحيث إذا وجد في معنى واستقل بعد تخرجه في بلد لا عالم عنده نعم، يستطيع أن يستقل بنفسه، ويفهم كلام العلماء، ولا يحتاج إلى أن يرجع أن يتعلم مرة ثانية ليفهم هذه الأساليب التي انفرد بها وخلى بها، فكتب هذه المذكرات لا شك أنها من أعظم العوائق عن التحصيل مهما اعتذرنا عن أصحابها بحسن النية والقصد، ونحن لا نطعن في قصد أحد، وأرادوا التسهيل والتيسير؛ لكن طالب العلم لا بد أن يبنى على الحزم والعزم، ولذلك ليس من العبث أن يؤلف العلماء هذه الكتب بأساليب صعبة، بإمكانهم أن يبسطوا، يعني اختيار الزاد في هذه البلاد (زاد المستقنع) أو (المنتهى) أو (مختصر خليل) أو غيره في بلدان أخرى، يعني هذا ........ وهي أشبه ما تكون بالألغاز، متعبة لطلاب العلم؛ لكن طالب العلم إذا فهم هذا الكتاب سهل عليه فهم ما دونه، يعني طالب العلم الذي يتربى على (التدمرية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، إذا تخرج وسكن بمفرده في بلد لا يوجد طالب علم غيره، يبي يشكل عليه (شرح الطحاوية)، ويشكل عليه (شرح الواسطية)، ويشكل عليه (الحموية) أو غيرها من كتب العقيدة؟ إذا تربى على الأصعب وفهمه بين يدي أهل العلم الذين هم الآن متوافرون، يمكن في وقت من الأوقات تطلبهم لا تجدهم، ولا تتصور أن الآلات التي تخدم الآن وتقرب المسافات وتيسر الاتصال بالآفاق، وأنت جالس تستمر، لا، اعتبر نفسك ما عندك إلا هذه الكتب، وعندك مشكلة لا بد من حلها، كيف تتعامل مع هذه الكتب؟ لا بد أن توطن نفسك على هذا الأمر.
يقول: ما هو خير كتاب أو متن فقهي غير متقيد بمذهب معين يصلح لتدريسه لعوام الناس؟
يصلح لتدريسه لعوام الناس، عامة الناس بالإمكان تدريسهم مثل (منهاج السالكين) للشيخ ابن سعدي، أو الإرشاد له، أو ينتقى لهم من فتاوى أهل العلم، العوام الذين ليس لهم أرضية للتحصيل، يمكن أن ينتقى لهم من فتاوى ابن باز، أو فتاوى اللجنة الدائمة، أو من فتاوى الشيخ ابن عثيمين، يأخذ لهم مسائل من هذه وتقرأ عليهم، أما متن فقهي غير متقيد بمذهب، إيش معنى غير متقيد بمذهب؟ معناه هو متقيد باجتهاد مؤلفه، ما رحنا بعيد، وكثير من الناس يقول: لماذا لا تقرر الدرر البهية للشوكاني؟ نقول: يا أخي أنت فررت من اجتهاد الحنابلة إلى اجتهاد الشوكاني، نعم، فهي كلها مذاهب، أو مثلاً تقول: نعمل بفقه الشيخ الإمام المجد الإمام الألباني -رحمه الله- مثلاً، واختياراته وهو صاحب حديث، وصاحب سنة، طيب هذا اجتهاده، والشيخ ابن باز أيضاً هذا اجتهاده، وكلهم أئمة وعلى العين والرأس؛ لكن أنت تتأهل، أنت إن كان قصدك العوام تقرأ عليهم من اختيارات هؤلاء الأئمة ما لم يعرف بمسألة شذ فيها عالم، يُرجّع العوام إلى قول الأكثر، لكن يبقى أن تربية طلاب العلم على هذه الكتب غير متقيدة بالمذهب نقول: هذه كتب المتون المعتمدة في المذاهب لا بد من تمرين طلاب العلم عليها والتفقه عليها، إيش معنى هذا؟ ليس معنى هذا أن هذا دساتير لا يحاد عنها، أبداً، أو أنها كتب معصومة ليس فيها أخطاء.
من صغار الكتب التي تدرس الآن (زاد المستقنع)، وفيه أكثر من ثلاثين مسألة خالف فيه المؤلف المذهب نفسه، وخالف فيها القول الراجح الذي عليه الدليل في مسائل كثيرة؛ لكن ليس معنى هذا أن كل ما قاله صاحب الزاد أنه مثل القرآن، لا، يربى طالب العلم ليفهم هذه المسائل، يتصور هذه المسائل بعد أن تصور له من قبل المشايخ، إذا تصورها تصور دقيق استدل لها، فإن كان الدليل يسندها عمل بها، وإن كان الدليل على خلافها ضرب بها عرض الحائط وعمل بالدليل، وبهذه الطريقة نستطيع أن نخرج طالب علم متميز.
يقول: عندي سؤال مهم بالنسبة لدي وتحيرت فيه، وهو كيفية الاستفادة من الكتب الستة، هل تقرأ كتاباً كتاباً مع شرحها، أو تقرأ المتون مع أسانيدها، وأخشى أني لا أصل إلى النسائي إلا وقد نسيت ما في البخاري، فأرجو من فضيلتكم الطريقة السديدة للاستفادة من كتب السنة؟
وهذا أيضاً مما شرحناه مراراً، وهو أن طالب العلم حينما يطلب العلم على الجادة ويقرأ المتون، ويحفظ متون الطبقة الأولى، الأصول الثلاثة والقواعد الأربع وكشف الشبهات والأربعين النووية، والنخبة، والآجرومية، إذا حفظ هذه المتون، وتحفة الأطفال في التجويد، وغيرها من المتون التي ألفت للمبتدئين، ثم بعد ذلك قرأ كتب المتوسطين، وحفظ ما أمكنه حفظه منها، مع حفظ أكبر قدر من كتاب الله -جل وعلا-، بحيث لا ينتهي من المران من كتب الطبقات الثلاث إلا وقد أتقن القرآن، نعم يوزع القرآن على هذا، فمع كتب الطبقة الأولى يحفظ المفصل، ومع كتب الطبقة الثانية يحفظ بقية النصف الأخير، مع كتب الطبقة الثالثة يحفظ النصف الأول يكون بهذا انتهى من حفظ القرآن وضمنه مع حفظ هذه الكتب، إذا انتهى من هذه الكتب التي ألفت في طبقات المتعلمين يطلع إلى كتب السنة، المسندة، الأصول، وعرفنا كيف يتعامل معها؟
بعضهم يقول: يقتصر على المختصرات؛ لأننا لسنا بحاجة إلى التكرار في صحيح البخاري، أو إلى الأسانيد في صحيح البخاري، لسنا بحاجة إلى هذا؛ لأنه يهمنا المتون المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: لا يا أخي، تريد أن تتعلم على الجادة، ويكفيك في تقرير خمس سنوات لإتقان الكتب الستة، وتحضر الكتب الستة في آن واحد، والكتب -ولله الحمد- مخدومة، بالترقيم والإحالات، وكل شيء موجود، فيأتي إلى صحيح البخاري الحديث الأول في صحيح البخاري، حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) كم أورده البخاري من موضع في صحيحه؟ في سبعة موضع، نستحضر هذه المواضع، نستحضر هذه السبعة المواضع، وما ترجم عليه البخاري على هذا الحديث في المواضع السبعة، وهي فقه البخاري، وما أردفه في الترجمة من أقوال سلف الأمة لشرح هذه الترجمة، نعم، انتهينا من المواضع السبعة في صحيح البخاري، نجد أيضاً وافقه على تخريجه مسلم، نذهب إلى مسلم ونضيف ما رواه مسلم من زيادات في المتون والأسانيد إلى ما صفيناه من صحيح البخاري من بين المواضع السبعة اقتصرنا على أوفى هذه المواضع، وذكرنا فروق الأسانيد والتراجم على الحديث، ثم أضفنا إليه مسلم إن كان فيه زيادة، وأشرنا على صحيح مسلم أن هذا الحديث دُرس مع صحيح البخاري، هذا الحديث يرويه أبو داود أيضاً، نرجع إلى سنن أبي داود ونضيف على ما استخلصناه من الصحيحين ما يزيده أبو داود من لفظ زائد أو لفظ مغاير، أو زيادة راوٍ، أو فائدة في صيغة أداء، أو طريق لا يوجد في الصحيحين نضيفه إلى مذكرتنا الذي نجمع فيها الجمع بين الكتب الستة، ثم نرجع إلى الكتاب الرابع والخامس والسادس وهكذا، إذا انتهينا من الحديث الأول نرجع إلى الثاني في صحيح البخاري ونفعل به كما فعلنا بالأول.
الآن مررنا على المائة الحديث الأولى، جاءنا حديث هذا الحديث درسناه مع الحديث الأول، انتهينا منه، وقد أشرنا عليه ومررنا، لا نحتاج إلى دراسته، مر علينا حديث درسناه مع الحديث العاشر، فلا نحتاج إلى دراسته، مر علينا الحديث الخامس بعد المائة درسناه، وهكذا، وبهذا نكون إذا انتهينا من صحيح البخاري على هذه الطريقة نكون انتهينا من نصف صحيح مسلم، نعم، ونأخذ ربع ما في سنن أبي داود، وربع ما في سنن الترمذي، وابن ماجه وهكذا، نعم، ثم بعد ذلك نأتي إلى زوائد مسلم، الأحاديث التي في مسلم ولم ندرسها مع البخاري نأتي إليها نفعل ونصنع فيها كما صنعنا في صحيح البخاري، نجعل مسلم، في الأول جعلنا البخاري محور الدراسة، في المرحلة الثانية إذا انتهى البخاري نجعل زوائد مسلم محور الدراسة، ونراجع على هذه الزوائد كتب السنن، ثم انتهينا من صحيح مسلم نبدأ بسنن أبي داود فنجد نصف سنن أبي داود انتهى، زوائد أبي داود على الصحيحين تصبح محور البحث، ننظر فيها بالطريقة التي نظرنا فيها إلى الأحاديث في الصحيحين، ثم انتهينا من سنن أبي داود، ونربع بالترمذي، ثم نخمس بالنسائي، ونختم بابن ماجه.
هذه الطريقة يعني مع الجد لا أتصور أنها تأخذ على طالب العلم خمس سنوات، خمس سنوات يفهم كل ما في كتب الستة بعجرها وبجرها، بصحيحها وضعيفها، بمتونها وأسانيدها، بمرفوعاتها وموقوفاتها، ومقطوعاتها، بفقه هؤلاء الأئمة، هذا مع طريقة التخبط التي نعيشها نحتاج إلى مائة سنة، ويمكن نموت وما مررنا على أحاديث في الصحيحين؛ لكن إذا اعتمدنا هذه الطريقة ومشينا عليها بحزم وجد أتصور خمس سنوات كافية.
طيب إذا اعتمدنا على ما لخص واختصر لنا من البخاري، وأضفنا إليه زوائد مسلم باختصار فقط المتون، وأضفنا إليه زوائد السنن، كم فاتنا من علم بهذه الطريقة، يعني لسنا بحاجة إلى التراجم التي ترجم بها أئمة السنة على هذه الأحاديث وهي خلاصة فقههم؟ ألسنا بحاجة إلى ما يدعم به المؤلف فقهه من أقوال الصحابة والتابعين؟ إحنا في أمس الحاجة إلى مثل هذا، ولكن مع ذلك بعض الناس يتطاول مثل هذه الطريقة وهي سهلة ميسرة، والأمور كله -ولله الحمد- متيسرة، وكل شيء متوفر، بعض الناس يقول: لماذا لا نكتفي بالحاسوب وهو يطلع لنا الخلاصة بيوم واحد، نضغط طلب ويطلع لنا ما في الكتب الستة بغير تكرار، وخلال أيام و...... قرأتها؛ لكن العلم ما يأتي بسهولة، لا يستطاع العلم براحة الجسم، العلم يحتاج إلى حفر في الذهن، يحتاج إلى تعب ومعاناة لكي يثبت، فأتصور أن هذه الطريقة نافعة ومجدية.
نعم مسألة الحفظ الذي يريد أن يحفظ في أقصر مدة، ويحفظ على الطريقة التي يسلكها الإخوان الآن، مع اعتماده وعنايته بالطريقة التي شرحتها، فإذا حفظ المتون المجردة على طريقة الإخوان، وعمل بدراسة الأحاديث على الطريقة التي شرحناها، أتصور أنه سيتخرج محدث، متقن بارع، إن حالفه توفيق الله -جل وعلا- الذي سببه الصدق مع الله -جل وعلا-.
يقول: ما هي الكتب التي توصون بقراءتها لطالب العلم المبتدئ وخصوصاً الطلاب الذين أتوا من مدارس الثانوية لم يسبق لهم دراسة العلوم الشرعية؟
مثل ما ذكرنا يحفظ كتب الطبقة الأولى، والآن كل شيء متيسر، هذه الكتب تشرح الآن في المساجد، وسجل عليها شروح كثيرة، كون الطالب -ولله الحمد- يحفظ هذه المتون، ويسمع ما سجل عليها، ويحضر الدروس يصير له أمر كبير، ويهتم بكتب الطبقة الأولى التي هي الأساس، التي هي باصطلاح أهل المقاولات يسمونها ميدة، الأساس الذي يبنى عليه غيره، هي الأصل ثم بعد ذلك يرتقي إلى كتب الطبقة الثانية، ومع الأسف أنه يوجد من يقول: لماذا لا تجرد كتب الطبقة الثانية، فيذكر زوائدها على كتب الطبقة الأولى؟ نحن اعتمدنا في الطبقة الأولى مثلاً العمدة، يعني نمشي على ترتيب الموفق، عمدة الفقه مثلاً نعم، لماذا ندرس المقنع في الطبقة الثانية وتسعين أو سبعين بالمائة من مسائل المقنع مرت بالعمدة فلماذا نكرر؟ نقول: يا أخي لا بد من التكرار، التكرار أمر لا بد منه، كون المسألة تمر عليك مرة واحدة في عمرك، هل يكفي لفهمها وثبوتها في ذهنك، تنساها؛ لكن إذا مرت عليك بأسلوب آخر بأبسط بوجوه باستدلال، كما في الكافي مع ذكر المذاهب والأدلة، كما في المغني، لا شك أن هذه المسائل ترسخ في ذهن طالب العلم.
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله))... إلى آخره، فهل يفهم من هذا الحديث التعديل المطلق لطلبة العلم والعلماء؟
هذا الحديث أولاً: مختلف في ثبوته وصحته، وصححه بعض العلماء، والإمام أحمد يميل إلى ثبوته، فيما نقله عنه الخطيب في شرف أصحاب الحديث وغيرهم، نقل عن الإمام أحمد تصحيحه، وفهم منه ابن عبد البر أن هذا تعديل لكل من يحمل العلم، كل من حمل العلم فهو عدل لقول المصطفى.
قلت: ولابن عبد البر كل من عني *** بحمله العلم ولم يوهنِ
فإنه عدل بقول المصطفى *** يحمل هذا العلم لكن خولفا
فإنه عدل بقول المصطفى *** يحمل هذا العلم لكن خولفا
لكن خولفا، الواقع يشهد بأنه يوجد من يحمل العلم، وأنا عندي تحفظ على إطلاق كلمة علم على ما يحمله من لم يعمل بعلمه، يوجد في الواقع من يحمل مسائل علمية بأدلتها يتصورها تصوراً صحيحاً دقيقاً بأدلتها بعجرها وبجرها وعنده شيء من المخالفات، فهل نستطيع أن نعدل من خلال هذا الحديث من حمل العلم وهو يرتكب محرمات، ألا يوجد ممن يرتكب محرم وهو يقال له: عالم ويحمل شهادات عليا، ويعلم التعليم الشرعي، لا يمكن أن نعدله، فإما أن نقول: أن الحديث جاء لحث أهل العدالة على حمل العلم، كما جاءت الرواية: ((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) حث للعدول أن يحملوا العلم، ولا يتركوا المجال لغيرهم أن يحملوا هذا العلم، أو نقول: أن ما يحمله الفساق ليس بعلم، ما يحمله الفساق ليس بعلم، وهذا هو المتوجه عندي، وإن سماه الناس علماً، وهو في الحقيقة ليس بعلم، يعني علم ما ينفع، إيش الفائدة؟ ومن أوضح الأدلة على ذلك قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] عمل السوء، ارتكب مخالفة جاهل وإن كان من أعلم الناس، يعرف أن الزنا حرام، هل نقول: أنه عالم عنده الأدلة أن الزنا حرام، ويزني، هل نقول له: عالم؟ لو قلنا: عالم لقلنا: أن توبته لا تقبل، والنص القطعي في الثبوت والدلالة يدل على أن توبته مقبولة، يعمل السوء بجهالة، هل معنى هذا أنه لا يعلم الحكم؟ يعلم الحكم، ولذا يقرر أهل العلم أن كل من عصى الله فهو جاهل.
يقول: ما الفرق بين النسخة السلطانية واليونينية لصحيح البخاري؟
النسخة السلطانية الذي طبعها السلطان سنة (1311هـ) وشكل لها سبعة عشر من علماء مصر لمراجعتها وإتقانها وأثبتوا عليها الفروق التي أثبتها الحافظ شرف الدين اليونيني بعد عنايته بالصحيح، عناية فائقة، وذكر الفروق بين الروايات هذه النسخة هي السلطانية، وعن فروق هذه النسخة مأخوذة عن ما أثبته الحافظ اليونيني في مقارنته بين روايات الصحيح، فهي نسخة متقنة، هذه النسخة طبعت في بولاق تسعة أجزاء، سنة (1311هـ) ووجد فيها ما يقرب من مائة خطأ مطبعي، صحح في الطبعة الثانية (1313هـ) وكانت هذه النسخة إلى وقت قريب مفقودة من الأسواق، ثم صورت -ولله الحمد- واستفيد منها الطلاب، فالسلطانية هذه الفروق التي على هامشها مأخوذة من عمل اليونيني.
على أني وقفت من الفروق للحافظ ابن رجب في شرحه على البخاري ما فات اليونيني مما لم يذكر في هذه النسخة، فالمقصود أنه لا يتصور أن اليونيني مع اهتمامه بصحيح البخاري وعنايته برواياته، لا يتصور أنه أشار إلى كل شيء، لا، على كل حال بعض الطلاب يخلط بين هذه النسخة وبين النسخة التركية المطبوعة باسطنبول دار الخلافة العامر -على ما يقولون- بعد ذلك، في ثمانية أجزاء، وليس فيها فروق، عليها بعض التعليقات؛ لكن ليس فيها فروق الروايات، بعض الناس يسميها السلطانية، لماذا؟ كيف حصل الوهم؟ حصل لأنها أولاً: مطبوعة بتركيا، وتركيا معروفة أنها محل السلطان.
الأمر الثاني: أنه يأتي من هذه النسخ نسخ جميلة مذهبة بتجليد فاخر اشتهر بين الكُتْبِيين أن هذه النسخ نسخ سلطانية، بمعنى أنها تليق بالسلاطين لنفاستها، فيحصل اللبس من هذه الحيثية.
يقول: ما رأيكم بملتقى أهل الحديث في الإنترنت، وهل يستفاد منه؟
نعم يستفاد منه، هو فيه بعض طلاب العلم من الأخيار يكتبون فيه، وفيه نفع -إن شاء الله تعالى-، وهناك أيضاً وجهات نظر يكتبوها في ملتقاهم، وإن كنت أختلف معهم في بعضها؛ لكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا خولف باجتهاده ينسف كل الجهد.
يقول: ما رأيك بالطرق الجديدة في طلب العلم مثل الأشرطة لكبار العلماء والدروس العلمية في القنوات، مثل قناة المجد والحاسب الآلي؟
أولاً: طلب العلم من الأشرطة لكبار العلماء هذه من أنفع ما يتعلم عليه إذا لم يتمكن الطالب من المثول بين يدي هؤلاء العلماء، نحن لا نتصور أن الأمر ميسر أن الإنسان سهل عليه أن يركب سيارته ويذهب إلى فلان أو علان ليطلب عليه العلم من الكبار، لا يتيسر لكثير من الناس، بعض الناس يشغله البعد في الآفاق، وبعض الناس يشغله العمل، وطلب المعيشة، وبعض الناس يشغله الارتباط بالوظيفة، أو على أمر من أمور المسلمين، المقصود أن مثل هذه الأشرطة تحل كثير من الإشكال.
وأيضاً: الدروس من خلال الإنترنت وأنا حقيقة مثل هذه المحدثات على حذر كبير منها، أنا لا أوصي بها بالإطلاق؛ لأن فيها الغث والسمين، والغث كثير، وجد -ولله الحمد- من يستفيد منها، لكن أيضاً وجد باسم الاستفادة من بعض من ينسب إلى طلب العلم أيضاً من تيسر له النظر في أمور لا يجوز النظر إليها، ففيها الغث والسمين، فإن اقتصر على الأشرطة فهو الأفضل، إذا لم يتمكن ولم يتحصل على هذه الأشرطة، إذا لم يكن إلا هذا مع أخذ الحيطة والحذر الشديد؛ لأنه يسهل لك الاتصال بأمور ما كانت ميسرة في السابق، فهذه مزلة قدم، ولا يقول الإنسان: أنا متحصن بالعلم، لا، قد زل أناس وضاعوا بسببها، ضاع بسببها أناس كثير.
يقول: الدروس العلمية في القنوات، مثل قناة المجد والحاسب الآلي؟
قناة المجد لا غرو عليها، وذكرت مراراً رأيي فيها، وقلت: السلامة لا يعدلها شيء، السلامة الذي يستطيع ويرتكب العزيمة في هذا الباب فالسلامة لا يعدلها شيء.
أما الإنسان الذي لا يستطيع أو يبتلى بآلات أخرى فهي من أفضل الموجود الآن.
هذا يقول: طلاب العلم ينتظرون طبعة فتح المغيث؟
قد حققت نصفه، وهو الآن كامل، والآن تم صفه وكتاب فتح المغيث للسخاوي في شرح ألفية الحديث، والآن تم صفه، ويأتي -إن شاء الله- قريباً، وكذلك الألفية المتن، تم تحقيقها وطبعها ومراجعتها، وتأتي -إن شاء الله- قريباً.
يقول: ما هي أحسن طبعة لشرح العلل لابن رجب؟
شرح العلل -علل الترمذي- للحافظ ابن رجب تنال عنايتي منذ أن ظهر الكتاب بتحقيق نور الدين عتر، ومنذ أن خرج وأنا عنايتي به من خلال هذه الطبعة، وكون الإنسان يرجع إلى أكثر من طبعة هذا عندما يعترضه ما يقتضي ذلك من استغلاق العبارة، أو يغلب على ظنه أنه خطأ الكلام لا يستقيم، يرجع إلى الطبعات الأخرى، واقتناء الطبعات كلها في كل ما يحتاج إليه طالب العلم هو مهم جداً؛ لكن دونه خرط القتاد، فأنا ممن يُعنى بجمع الطبعات في الكتب القديمة بطبعاتها القديمة لكنها مرهقة تحتاج إلى جهد كبير لتحصيلها، وتحتاج مع ذلك متابعة في البحث، وتحتاج إلى مكان واسع، وتحتاج إلى دعم مادي قوي؛ وإلا لو وجد من هذه الطبعة تصحيح جملة تكفي خلاص قيمة هذا الكتاب وصلت، لو صححت جملة واحدة يستقيم بها الكلام المطلوب خلاص.
فكون طالب العلم يقتني الطبعات لا سيما من بعض الكتب الذي هو بأمس الحاجة إليها ما يضره أن يجمع في شرح علل الترمذي عشرة مجلدات مثلاً تحوي جميع طبعات الكتاب، ثم ماذا؟ لكن فتح الباري مثلاً طبع عشر مرات يجمع كم؟ مائتين مجلد صعب، وقل مثل هذا في كتب التفسير الكثيرة، أو كتب الشروح، الذي يصعب على طالب العلم أن يجمعها؛ لكن الكتب الذي حجمها صغير بإمكانه أن يجمع هذه الطبعات من أجل أن يراجع الطبعات الأخرى إذا وقف على خطأ في الطبعة التي بين يديه والتي يعتني بها.
يقول: ما رأيكم في منهج التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في التعليم في علوم الحديث عموماً؟
أولاً: لا يشك أحد ولا يجادل ولا ينازع في أن المتأخرين عالة على المتقدمين، وأنه لا علم عند المتأخرين وصل إليهم إلا عن طريق الأئمة الكبار الذين هم عمدة هذا الشأن؛ لكن من يخاطب بمثل هذا الكلام، يخاطب به المنتهي، أما طالب العلم المبتدئ يخاطب بمثل هذا الكلام هذا تضييع له، لا بد أن يتعلم على طريقة المتأخرين، وعلى جادتهم، ثم بعد ذلك إذا تأهل بعد أن يتقن هذه القواعد على الطريقة المشروحة بدأً بالنخبة ثم اختصار علوم الحديث لابن كثير، ثم الألفية وشروحها، ويكثر مع ذلك من التخريج والدراسة للأسانيد, ويعرض أعماله على أهل الاختصاص، فإذا صوبوا عمله، وقارن أحكامه بأحكام الأئمة من المتقدمين والمتأخرين، بعد ذلك تحصل لديه ملكة، يستطيع بواسطتها أن يحاكي المتقدمين، أما إذا قيل له: اعتني بكتب المتقدمين، فإذا اعتمدنا شرح علل الترمذي لابن رجب إيش فيه من القواعد التي يحتاجها طالب العلم المبتدئ؟ هل فيه كل شيء مما يحتاج إليه؟ لا، لا بد أن يطلب العلم على الطريقة والجادة المعروفة، ثم بعد ذك إذا تأهل وعرف القرائن التي بها يرجح قول إمام على قول إمام آخر، حينئذ، وصار في مصف المتقدمين مع أن دون ذلك خرط القتاد، يوجد الآن من طلاب العلم من تبنى هذا الرأي من سنين طويلة؛ لكن هل نستطيع أن نقول: هذا الشخص بعد عشرين، خمسين سنة من الآن يبي يحاكي أحمد أو ابن معين أو الحاكم والرازي، من المستحيل، يعني شخص ما يحفظ، عمدته على العمل والنظر في الأسانيد المرسلة من خلال أقوال العلماء، أحياناً من خلال أقوال المتأخرين، يعني أنه إذا تسنى له الاجتهاد في التصحيح والتضعيف في نوع من المتون، كيف يتسنى له أن يجتهد في كل راوٍ راو من رواة هذه الأحاديث الذين بلغوا مئات الألوف، الرواة بلغوا ألوف مألفة، وكل راوٍ من هؤلاء الرواة تجد فيه من الأقوال المتعارضة المتناقضة الشيء الكثير تجد أحياناً بعض الرواة عشرين قول، فتريد أن تجتهد لتحاكي المتقدمين في تصحيح كل حديث حديث بنفسك، على شان تتأهل تتقوى لديك القرآن التي تحكم بها تحاكي بها المتقدمين، وحكمك على هذه الأحاديث مبني على النظر في كل راو راو من رواة هذه الأحاديث، بالنظر إلى جميع ما قاله أهل العلم في هذا الراوي، لا شك هذا دونه خرط القتاد، لا نستطيع أن نحاكي أئمة يحفظ الواحد منهم سبعمائة ألف حديث، عجزت البرامج أن تحفظ هذه الأعداد، ولا نصف هذه الأعداد.
على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، يتعلم على الجادة، ويأخذ العلم بالتدريج، وإذا تأهل أن يقارن ويوازن بين حكم الإمام أحمد، وحكم أبي حاتم إن استطاع أن يرجح له ذلك، ولا أحد يمنعه، وقل مثل هذا في الاجتهاد في المسائل الفرعية، يعني مناداة طلبة مبتدئين لا يحسنون شيئاً من العلم، وما عرفوا مبادئ العلوم يقال لهم: اجتهدوا تفقهوا من الكتاب والسنة، هذا تضييع، هذا تضييع له؛ لكن إذا تأهل طالب العلم ففرضه الاجتهاد، والذي يتعين عليه أن يدين الله -جل وعلا- بما يوصله إليه اجتهاده بعد النظر في أدلة المسائل من الكتاب والسنة، وبعد النظر في أقوال فقهاء الأمصار لئلا يشذ ويأتي بشذوذات لا يوافق عليها، وقد يخرق الإجماع وهو لا يدري، المقصود أن مثل هذا الطلب يعني توجهه إلى المنتهين أنا عندي أنه له وجه.
أما توجيه هذا الكلام إلى الطلبة المبتدئين أتصور أنه تضييع لهم، إذا تأهل طالب العلم فهذا فرضه، أما إذا لم يتأهل ففرضه ما جاء في قول الله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(7) سورة الأنبياء].
هذا يقول: أهل المدينة بانتظار درس شهري في المدينة، وطلاب الجامعة يتمنون أن تستقروا في المدينة، ولا يخفاكم أجر السكنى فيها؟
لا يخفى ما جاء من قوله: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)) نصوص كثيرة بفضل المدينة؛ لكن ليستحضر الطالب الذي يستحضر هذه النصوص تفرق الصحابة في الأمصار بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل الصحابة يخفاهم مثل هذه النصوص؟ أو تفرقوا لينفعوا في بقية الأمصار؟ يعني لو أن العلماء كلهم خوطبوا بمثل هذا، وكلهم اجتمعوا في المدينة وتركت الأمصار، لا شك أن الفائدة والنفع يعني تفرق علماء الأمة في أقطارها لينفع الله بهم وينتشر النفع، والسكنى إلى الآن ما بعد استقر الأمر على شيء، نسأل الله -جل وعلا- أن يعيننا وإياكم على ما ينفعنا في ديننا ودنيانا.
يقول: لماذا أهل العلم يحثون الطلاب للعناية بالإخلاص في طلب العلم خاصة، دون غيره من العبادات؟
لا يا أخي، يمكن أن يتكلم عن الصلاة والزكاة ولا يحتاج إلى الإخلاص؟ الذين يتكلمون عن العلم، الذي يتكلم عن العلم وطلب العلم هل يمكن أن يقول: أن الصلاة لا تقبل إلا بالإخلاص؟ هو يتكلم عما هو بصدده من طلب العلم، فيحث على الإخلاص في طلب العلم، الأمر الثاني: أن الإخلاص في طلب العلم على وجه الخصوص ما ينازعه أكثر مما ينازع الإخلاص في أبواب العبادات الأخرى، يعني يتصور شخص أن يتوضأ في بيته كما أمر، ويحضر إلى الصلاة بسكينة وخشوع، ويؤدي الصلاة على الوجه المأمور مع الإخلاص التام، أو المخدوش خدشاً يسيراً، ما يتصور إلا إذا كان منافق ليس في قلبه شيء من الإخلاص يريد أن يحضر إلى المسجد ليقول الناس: هذا يصلي مع الجماعة، لا سيما مع الفرائض، المسلمون يؤدون الفرائض، ولذا يستشكل بعض طلاب العلم ما يجده في نفسه من ثقل في العبادة، مع قول الله -جل وعلا- عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [(142) سورة النساء] يقول: أنا أقوم كسلان، هل أنا منافق؟ هل أنا منافق لأني أقوم كسلان؟ نقول: يا أخي أنت الفرق بينك وبين المنافق، أنك أنت مصلي مصلي، تبي تصلي رآك أحد وإلا ما رآك أحد، هذه الصلاة لا بد أن تؤديها، وهذا في قرارة ذهنك أنك لن تترك الصلاة إذا لم يراك أحد، بخلاف المنافق، المنافق إذا ما رآه أحد ما صلى، وهذا الفرق بين من يستثقل الصلاة ممن حكم بإسلامه، ولم يحكم بنفاقه، وكثير من المسلمين حتى نسأل الله -جل وعلا- أن يعاملنا بالعفو، قد توجد أحياناً من طلاب العلم استثقال لشيء من العبادات؛ لكن هل يعني هذا أنهم وافقوا المنافقين في كونهم {قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [(142) سورة النساء]؟ نقول: نعم، من هذه الحيثية لكن يبقى أن الفارق الكبير أن المسلم الذي لم يتصف بالنفاق ولو ثقل عليه الأمر لا بد أن يصلي، ولا يدور في باله أنه يترك الصلاة إذا لم يجد أحد بخلاف المنافق، بل لنزداد اطمئناناً بعد من أهل العلم من يرجح من يؤدي الصلاة على ثقل يقول: أجرها أعظم من أجر من يأتي الصلاة وغيرها من العبادات منشرح النفس، منبسط القلب، مرتاح البال، مع أن القول المرجح خلافه، هذا المرجح لهذا القول يقول: أدى العبادة وجاهد نفسه، وعليه شيء من الثقل كل هذه يؤجر عليها، الذي جاء منشرح هذا يؤجر على عبادته؛ لكن لا يؤجر على المجاهدة، نقول: لا، هذا أفضل وهو الموافق لما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) ويأتي إليها وهو متشوق إليها، متشوف لها، مشتاق إليها، نعم فأجره أعظم، ولنعلم جميعاً أننا لن نصل إلى هذه المرحلة أرحنا بالصلاة حتى نتجاوز المرحلة الأولى التي هي مرحلة امتحان، وقل مثل هذا في الصيام، صيام النوافل مثلاً، قيام الليل كابد السلف سنين طويلة من مشقة قيام الليل ثم تلذذوا به، فهم ما وصلوا إلى هذه المرحلة حتى تجاوزوا المرحلة التي قبلها.
يقول: نريد إقامة دورة علمية قبل نهاية الفصل الدراسي، وذلك حتى يشهد الطلاب قبل السفر إلى بلادهم حتى ينالوا....؟
المقصود أنه يريد دورة في نهاية الفصل، يعني قبل أن يتفرق الطلاب، ويتوزعوا إلى بلدانهم، وأظن التخطيط جار على هذا، وقد فعلنا ذلك في السنة الماضية.
وهذا يسأل عن فتح المغيث هل طبع أم لا؟
تم صفه، والآن هو في المراجعة النهائية -إن شاء الله تعالى-.
يقول: كيف يمكن للطالب أن يوازن بين دروس الجامعة والدروس الخارجية مع ما لا يخفاكم من التزاحم والتراكم، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
التوفيق سهل، إذا عرفت الهدف الذي من أجله خلقت، وهو تحقيق العبودية، وهذه العبودية لا تتم على الوجه المطلوب إلا بمعرفة ما يصححها وما يفسدها، فإذا عرفت أنك خلقت لهذا تجاوزت هذه العقبات، وأقبلت لحلق العلم، وأنت منشرح الصدر، فيمكنك أن توازن ولا سيما أن الدروس العلمية ليست في وقت الدراسة النظامية، فبالإمكان أن يدرس الإنسان في أول النهار دراسته النظامية، وبعد أن يستريح ويسترخي، الظهر والعصر، ويأخذ حظه من الراحة، ويراجع ما يحتاج إلى مراجعته، أن يحضر الدروس في المغرب مثلاً أو بعد العشاء، ولا تزاحم.
يقول: ألا ترون أن تكون الدراسة الأكاديمية مركزة أكثر مما هي عليه الآن على المداخل للعلوم مثل مقدمة التفسير لابن تيمية، ودراسة كتب الأحاديث الستة وكيفية التعامل معها، ومناهج المفسرين وغيرها من الأصول في التعريف بالمفاتيح؟
معرفة المفاتيح أمر مهم، وعلوم الآلة يوليها أهل العلم عناية فائقة؛ لأنها تيسر عليهم فهم المقاصد والغايات، لا بد من أن يوجد مقررات تعرف طلاب العلم بما يريدون قراءته من كتب التفسير من معرفة مناهج المفسرين، ومعرفة ما تشتمل عليه هذه الكتب الكبيرة من المحاسن والمآخذ، وقل مثل هذا في شروح كتب السنة، وقل مثل هذا في كتب الفقه، وترتيبها في الأولويات، يحتاج طالب العلم كثير من هذا.
يقول: عندما أقرأ في كتب الفقه أتجاوز الكثير من الفروع، فما رأيكم بهذه الطريقة؟
هذه الطريقة لا تجدي؛ لأن الفروع بعضها مبني على بعض، وكتب الفقهاء ألفت بعناية ودقة، ورتبت فيها العلوم، فتأخذ كما ألفت، وتدرس على الطريقة التي شرحناها.
يقول: بعض طلبة العلم هدانا الله وإياهم يتكلمون على المشايخ؟
حصل الكلام حتى وجد في بعض وسائل الإعلام الكلام على المشايخ، ولا شك أن هذه يؤدي إلى التقليل من شأنهم، ويليه عدم الأخذ منهم، ثم بعد ذلك تضيع الأمة؛ لأن الأمة إذا حيل بينها وبين علمائها بهذه الطريقة لا شك أن الناس سيبحثون عن بدائل، ولا بديل عن شيوخنا الكبار أهل العلم والعمل.
يقول: نجد من أنفسنا وممن حولنا من طلاب العلم حاجة إلى التوجيه في أمرين: فيما بين العبد وبين ربه، وكيف يصلح العبد قلبه، وفي العمل بالآداب؟
هذه في مناسبات كثيرة تكلمنا عليها طويلاً، وذكرنا بعض الأمور التي يوجد فيها الخلل عند السامع والمتكلم، ونسأل الله -جل وعلا- أن يعيننا على ما يصلح قلوبنا، ويجعلها سليمة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا بد من البحث عما يحقق هذا الوصف للقلب.
يقول أيضاً: في منهجية طلب العلم عموماً والأصول والفقه خصوصاً؟ يقول: فنناشدك الله أن تبين لنا هذه الأمور بجلاء حتى نخرج من الظلمة التي نحن فيها، فيكون ذلك من الصدقات الجارية؟
في أشرطة كثيرة حول كيفية تحصيل العلم في العلوم كلها، وهي أيضاً أشرطة تداولها الإخوان، وكانت لقاءات على الهواء في الإذاعة، خمسة لقاءات، سموها كيف يبني طالب العلم مكتبته؟
ذكرنا كيف يستفيد طالب العلم من هذه الكتب، فالطالب محتاج في مثل هذه، يراجع هذه الأشرطة، أيضاً فيه معالم في طريق الطلب، فيه مفاتيح العلم، في أمور كثيرة، ونسأل الله -جل وعلا- أن يعاملنا بالعفو، نأخذ من هذا، مع أني لا أكتب أنا، فيحصل من هذا تكرار، ويحصل أيضاً ترديد قد يكون مملولاً عند بعض الطلاب؛ لكن بعض الطلاب يحتاج إلى شيء منه.
يقول: من خرج من بلده وعليه حقوق الناس، يعني الفلوس بينهم ثم جاء إلى مكة هنا فحج قبل أن يرد عليهم أموالهم ثم رد عليهم بعد الحج هل حجه جائز؟
نعم حجه صحيح، وعليه الإثم بحجه وهو مدين، ولم يستأذن من دائنيه، فإذا وفىّ لهم حقوقهم برئت ذمته وحجه صحيح، وعليه أن يستحلهم، لا سيما إذا كانت الديون حالة عندما حج.
مما يشجع طالب العلم، ويجعله يتجاوز بعض العوائق، ويجعله ينشط في الطلب، ما ضربه أهل العلم من أروع الأمثلة في البذل، إذا كان شيوخ كبار السن يبذلون ليل نهار، والآن يوجد نماذج من أهل العلم من عنده أربعة دروس في اليوم، ووجد في المتقدمين من كان عنده من الدروس اثنا عشر درس، وذكروا في ترجمة الطيبي شارح (المشكاة) أنه يجلس بعد صلاة الصبح لتفسير القرآن إلى أن تزول الشمس، جلسة واحدة مع طلابه، فإذا زالت الشمس تجهز لصلاة الظهر، ثم جلس ينتظر الصلاة، فإذا سلم شرع في شرح البخاري إلى أن يؤذن العصر، ثم يصلي العصر، ثم يجلس إلى المغرب لكتاب ثالث وهكذا.
احنا نستكثر أن نأتي إلى درس يحتاج إلى خمس دقائق، عشر دقائق، والدرس ما يصفو منه ساعة في اليوم، العلم لا يستطاع براحة الجسم، كما قال يحيى بن أبي كثير فيما سقناه وشرحناه، وذكرنا مناسبته عند الإمام مسلم في الدرس الماضي.
يقول: إننا عند مطالعتنا لكتب العلماء يتكرر معنا قولهم: "إن هذا النص أو هذا الحديث خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له".
جاء في حديث الزكاة في كتاب أبي بكر الصديق الذي كتبه في الصدقات،...... في كتابه في الصدقات التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "في الإبل في سائمتها في كل خمس شاة، في الغنم في سائمتها في كل خمسين شاة" فنص على السوم، وجاء أيضاً في غيره النص على السوم بالنسبة للبقر، فاشترط العلماء في زكاة بهيمة الأنعام أن تكون سائمة، آخذاً من هذه النصوص، وأن هذا القيد معتبر، ومفهومه مقصود، بحيث إذا لم تكن هذه البهيمة من الأنعام من الإبل والبقر والغنم سائمة لا زكاة فيها زكاة بهيمة الأنعام، أما إذا أعدت للتجارة ففيها زكاة عروض التجارة، سواءً كانت سائمة أو معلوفة.
المقصود أن هذا القيد معتبر عند الجمهور، المالكية يرون أن السوم ليس بشرط، طيب "في سائمتها" ماذا نقول في هذا الوصف؟ خرج مخرج الغالب؛ لأن غالب بهيمة الأنعام في عصر النبوة سائمة، فلا مفهوم له.
هذا موجود عند أهل العلم وبكثرة، فتجد من أهل العلم من يرى أن الوصف مؤثر وله مفهوم، ومنهم من يلغي المفهوم لمعارض عنده، متى نحتاج إلى إلغاء المفهوم؟ المفهوم جماهير أهل العلم يعملون به، نعم مفهوم المخالفة معمول به عند الجمهور؛ لكن متى يلغى المفهوم؟ يلغى المفهوم إذا عورض بمنطوق أقوى منه، يعني في قوله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنك لو استغفرت واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم؛ لكن هذا المفهوم معارضه به بقوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] فالمفهوم ملغى، النهي عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة، مفهومه أنه لو كان ضعف واحد يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لكن هذا المفهوم ملغى، بدليل أنه معارض بمنطوق أقوى منه، فيحتاج لمثل هذا عند المعارضة، نسأل الله -جل وعلا- التوفيق والإعانة للجميع.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر ...موقع الشيخ عبدالكريم الخضير