هل فكرت يوما ما أن تكون شاعرا .. وأيُّ شاعرِ ..؟ شاعر يستدعي القوافي فتأتيه طائعة ، وتسجد بحضرة جلاله في هيبة ووقار .. يامرها فتطيعه .. ويدعوها فتجيبه ..شاعر رخامي .. شاعر في صفاء السماء ولون القمر .. وهدوء الليل وقت السحر .. وشدة الريح .. ووخز المطر .. شاعر مميز في كل شيئ ..
إن كنت قد فكرت في كل ذلك .. فقد سقطت في غيابات جب الشعر ولن تجد لك سيارة فيرسلو واردهم فيدلي دلوه لينقذك من جب الشعر وغياباته ..
كان الشعر في زمن الشعر الذي ولى وانتهى ليس اكثر من خاطر يراود صاحبه ثم ينساب بين شفتيه و على لسانه في نسق يشد اليه سامعه .، ولم يكن الشاعر يلتفت الى الفاظه بقدر التفاته الى معانيه .. فلم يكن يعوزه اللفظ الرقيق ولا المبنى الصحيح ..
وتذكر مصارد التاريخ ودواوين الشعراء ان الحسن بن هانئ أبا نواس جلس الى ثلة من جلسائه فقال لهم من يجيز لي هذا الشطر من الشعر ..
عَذُبَ الماءُ وطاباَ .................
فما وجد ممن هم حوله من جلسائه من يجيزه
فوفد عليهم ابو العتاهية فألقي إليه الأمر فقال من حينه
........ حبذا الماء شرابا
فتعجب ابو نواس من حضور بداهته الشعرية بتلك السرعة العجيبة ثم قال لهم : اما والله انه لأشعركم
قد يعجب احدنا من تلك القصة الطريفة ويتساءل اين الشعر فيما قالا :
والحقيقة الكامنة في الحكاية كلها اننا لونظرنا الى شطر ابي نواس لوجدنا الفاظه من البساطة السهلة التي لا تحتاج الى عناء كبير في فهم معناها .. عذب .. الماء .. وطابا
كلمات بسيطة والمعنى يوشك ان يكون مما تألفه الاسماع ولا غرابة فيه
وهو يحتاج الى شطر في مثل بساطته من حيث المعنى والمبنى وهو الذي عجز عن اجازته جلساء ابي نواس واجازه ابو العتاهية .. فاستحق الحكم له ..
إن الذي ينظر في شعر اليوم يوشك ان يصاب بدوار الشعر ، إن صح هذا التعبير .. دوار أشد وطأة على القلب والعقل معا من دوار البحر ..
فتجد الشاعر يجنح الى الرمزية المفرطة في تلك المعاني المبهمة ، حتى تفقد طرف الخيط الأول ولا تعرف ان كنت تقرأ أول القصيدة ام آخرها ، ولا تعرف إن كنت تقرأ قصيدة شعر ام طلاسم ساحر يطارد ماردا من الجن في فيافي اللغة ومعانيها
فربما كتب أحدهم عن حبيبته يغازلها فيقول مثلا :
حبيبتي قمر فضي
وانا ما عدت لأعرف الواني
فرشاتي تعبث فوق دفاتر ايامي
وانا الدفتر والفرشات
وملامح ليل لا ينتهي
قد يكتبني جرحي الوانا
وحبيبتي طيف شفاف
يتهاوى مثل ورق التوت في فصل الخريف
***
او شيئا من هذا القبيل الذي تسيطر عليه رموز لا يعرف حل طلاسمها الا كاتبها
وقد تتحول الالفاظ الى هذر من الكلام ، لا معنى له ..
إن حاجة الشعر اليوم الى قوة اللفظ ودقة المعنى اكثر من حاجتها الى تلك الرمزية الغريبة التي في اعتقادي انها كانت نتاج فكر يعتقد بعض واضعيه انه تجديد حديث في عالم الاوزان والقوافي ،
................... يتبع إن شاء الله
كتبه : سراي علي بن احمد / الجلفة
إن كنت قد فكرت في كل ذلك .. فقد سقطت في غيابات جب الشعر ولن تجد لك سيارة فيرسلو واردهم فيدلي دلوه لينقذك من جب الشعر وغياباته ..
كان الشعر في زمن الشعر الذي ولى وانتهى ليس اكثر من خاطر يراود صاحبه ثم ينساب بين شفتيه و على لسانه في نسق يشد اليه سامعه .، ولم يكن الشاعر يلتفت الى الفاظه بقدر التفاته الى معانيه .. فلم يكن يعوزه اللفظ الرقيق ولا المبنى الصحيح ..
وتذكر مصارد التاريخ ودواوين الشعراء ان الحسن بن هانئ أبا نواس جلس الى ثلة من جلسائه فقال لهم من يجيز لي هذا الشطر من الشعر ..
عَذُبَ الماءُ وطاباَ .................
فما وجد ممن هم حوله من جلسائه من يجيزه
فوفد عليهم ابو العتاهية فألقي إليه الأمر فقال من حينه
........ حبذا الماء شرابا
فتعجب ابو نواس من حضور بداهته الشعرية بتلك السرعة العجيبة ثم قال لهم : اما والله انه لأشعركم
قد يعجب احدنا من تلك القصة الطريفة ويتساءل اين الشعر فيما قالا :
والحقيقة الكامنة في الحكاية كلها اننا لونظرنا الى شطر ابي نواس لوجدنا الفاظه من البساطة السهلة التي لا تحتاج الى عناء كبير في فهم معناها .. عذب .. الماء .. وطابا
كلمات بسيطة والمعنى يوشك ان يكون مما تألفه الاسماع ولا غرابة فيه
وهو يحتاج الى شطر في مثل بساطته من حيث المعنى والمبنى وهو الذي عجز عن اجازته جلساء ابي نواس واجازه ابو العتاهية .. فاستحق الحكم له ..
إن الذي ينظر في شعر اليوم يوشك ان يصاب بدوار الشعر ، إن صح هذا التعبير .. دوار أشد وطأة على القلب والعقل معا من دوار البحر ..
فتجد الشاعر يجنح الى الرمزية المفرطة في تلك المعاني المبهمة ، حتى تفقد طرف الخيط الأول ولا تعرف ان كنت تقرأ أول القصيدة ام آخرها ، ولا تعرف إن كنت تقرأ قصيدة شعر ام طلاسم ساحر يطارد ماردا من الجن في فيافي اللغة ومعانيها
فربما كتب أحدهم عن حبيبته يغازلها فيقول مثلا :
حبيبتي قمر فضي
وانا ما عدت لأعرف الواني
فرشاتي تعبث فوق دفاتر ايامي
وانا الدفتر والفرشات
وملامح ليل لا ينتهي
قد يكتبني جرحي الوانا
وحبيبتي طيف شفاف
يتهاوى مثل ورق التوت في فصل الخريف
***
او شيئا من هذا القبيل الذي تسيطر عليه رموز لا يعرف حل طلاسمها الا كاتبها
وقد تتحول الالفاظ الى هذر من الكلام ، لا معنى له ..
إن حاجة الشعر اليوم الى قوة اللفظ ودقة المعنى اكثر من حاجتها الى تلك الرمزية الغريبة التي في اعتقادي انها كانت نتاج فكر يعتقد بعض واضعيه انه تجديد حديث في عالم الاوزان والقوافي ،
................... يتبع إن شاء الله
كتبه : سراي علي بن احمد / الجلفة
آخر تعديل: